بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 فبراير 2024

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية ومن الليل قبل طلوع الفجر ولا بأس بتقديم النية، في أول الليل، ولايفسدها ما يحدث من الأكل والشرب والجماع بعدها، قبل الفجر.

ويجزئ صوم رمضان بنية في أوله لصوم جميعه ولا يحتاج إلى تجديد النية كل ليلة ما لم يقطعها بفطر فيه، وكذلك كل صوم متصل مثل صوم الظهار وكفارة القتل أو صيام النذر وكل صوم متتابع فكذلك حكمه، ومن نوى صيام رمضان من أوله ثم أفطر لمرض أو سفر أو نسيان ثم أراد الصيام لزمه تجديد النية لما بقي منه، وكذلك إذا أفطر متعمدًا لزمه تجديد النية، ومن نوى التطوع في رمضان لم يجز عن فرضه مسافرًا أو حاضرًا).


تفقه بالقاضي أبي بكر الأبهري وله مصنف كبير في مسائل الخلاف وكان أفقه المالكية في زمانه بعد الأبهري، مات في آخر سنة 378 هـ، رحمه الله تعالى.


ما حكم من صلّى الجمعة خلف إمام غير قادر على الجلوس والسجود في الصلاة؟

 ما حكم من صلّى الجمعة خلف إمام غير قادر على الجلوس والسجود في الصلاة؟


الجواب:


لا تصحّ صلاة المأموم عند المالكيّة إذا كان قادراً على فعل جميع الأركان خلف إمام عاجز عن الإتيان بركن من أركان الصلاة كالقيام والرّكوع والجلوس والسجود، إلّا إذا ساوى المأموم إمامه في العجز عن ذلك الرّكن كالقاعد يقتدي بمثله لعجز فالصلاة حينئذٍ صحيحة.


وعليه فمن صلّى الجمعة وهو قادر على الإتيان بذلك الركن خلف إمام عاجز عليه بطلت صلاته، ووجب عليه أن يلتحق بجمعة أخرى إن أمكن وإلّا أعاد الصلاة ظهراً بدلاً عن الجمعة.


وأمّا ما روي من أحاديث ظاهرها يفيد جواز صلاة القادر على الأركان خلف العاجز عن أحدها، فقد حملها المالكيّة على أنّه أمر خاصّ بالنّبيّ ﷺ أو أنّه منسوخ بحديث (لا يؤمنّ أحد بعدي جالساً) أخرجه البيهقي والدارقطني، ويؤيّد كلا الحملين السابقين فعل الخلفاء بعده وأنّه لم يؤمّ أحد منهم جالساً فدلّ ذلك على صحّة نهيه ﷺ عن إمامة القاعد بعده وأنّه آخر فعله ﷺ.


والله تعالى أعلم.


الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/513 والفقه المالكي وأدلّته 1/312 والمنتقى 1/240 وعارضة الأحوذي 2/160 وإكمال الإكمال 2/169 والتبصرة 1/314.


أثر مجاهد في تفسير الاستواء روايةً، بيان علله وتناقض دمشقية في سنده!!(2) الرد على استدلال دمشقية بأثري مجاهد وأبي العالية في تفسير الاستواء[1].

#الزواجر_الصلاحية_لردع_دمشقية

#الجواب_عن_أسئلة_دمشقية

#جواب_السؤال_الثاني_والثالث_عن_أثري_الاستواء

أنشر كما وعدتكم ظهرا المرصدَ الأول: الكلام على أثر مجاهد رواية، وذلك من وجوه:

أولا: تخريج أثر مجاهد في الاستواء.

قال البخاري في صحيحه: وقال مجاهد { استوى } علا على العرش[2].اهـ وقد وصله الحافظ ابن حجر في الفتح فقال: وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عنه[3].اهـ ونحوه قوله في تغليقه فقال: وأما قول مجاهد فقال الفريابي في تفسيره ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى {استوى على العرش} قال: علا على العرش[4]. اهـ

ثانيا: النظر في صحته.

أقول إن أثر مجاهد وإنْ علّقه البخاري بصيغة الجزم إلا أن في صحته نظرا، إذ في سنده ورقاء، وابن أبي نجيح، وكلاهما فيهما كلام نبسطه فيما يلي:

أولا: ورقاء:

وهو كما قال المزي: ورقاء بن عمر بن كليب اليشكري، ويقال: الشيباني، أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن[5].اهـ

وقد تكلموا فيه من وجهين، الوجه الأول: أن بعضهم تكلموا في ورقاء نفسه. والوجه الثاني: أن بعضهم تكلموا في تفسيره الذي رواه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.

وإليك بسط كلا الوجهين:

أما الوجه الأول وهو: أن بعضهم تكلموا في ورقاء نفسه؛ فهو وإن وثقه وكيع[6]، وقال عمرو بن علي سمعت معاذ بن معاذ: ذكر ورقاء فأحسن عليه الثناء ورضيه وحدثنا عنه[7]، ووثقه أيضا ابن معين في رواية([8]) . وفي رواية عنه قال : "صالح"[9] . وفي التهذيب عن غندر قال حدثنا شعبة عن ورقاء قال: وسمعت أبا داود يقول قال شعبة: لا تكتب عن مثل ورقاء حتى ترجع[10].اهـ وفي رواية عن أبي داود قال: قال لي شعبة: عليك بورقاء فإنك لن تلقى مثله حتى ترجع[11].

وقال المزي: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة، فقلت: ورقاء أحب إليك أو شعيب بن أبي حمزة أو عبد الرحمن بن أبي الزناد أو المغيرة بن عبد الرحمن يعني في أبي الزناد؟ فقال: ورقاء أحب إلي منهم. وقال أيضا: سألت أبي عنه، فقال: شعبة يثني عليه، وكان صالح الحديث. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات"([12]).

ولكن قال العقيلي : " تكلموا في حديثه عن منصور "([13]). وقال ابن عدي : " قد روى في جملة ما رواه أحاديث غلط في أسانيدها ، وباقي حديثه لا بأس به"[14]. "وقال يحيى القطان: منصور من رواية ورقاء عنه لا يساوي شيئا"[15].

و"قال أبو داود عن أحمد ثقة صاحب سنة قيل له كان مرجئا قال لا أدري"[16]

"وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ورقاء من أهل خرسان، يصحّف في غير حَرفٍ"[17]. وأورده الذهبي في الميزان وأورد فيها معظم ما سبق فيه من جرح وتعديل، ولكن صدّر ذلك بقوله: "صدوق، عالم، من ثقات الكوفيين...."[18]. وقال الحافظ : "صدوق، في حديثه عن منصور لين ، من السابعة أخرج له الجماعة" ([19]) .

والخلاصة أن النقاد مختلفون في ورقاء هذا فمنهم من أثنى عليه كشعبة، ومعاذ بن معاذ، ومنهم من وثقه مطلقا مثل وكيع، وابن معين وأحمد في رواية، ومنهم من قال "صالح" كأبي حاتم، وابن معين في رواية، ومنهم من طعن في روايته عن منصور تحديدا مثل العقيلي والقطان، ومنهم من طعن في روايته مطلقا، كأحمد في رواية الذي قال فيه: يصحّف في غير حَرفٍ، وابن عدي: قد روى في جملة ما رواه أحاديث غلط في أسانيدها ، وباقي حديثه لا بأس به.اهـ ومنهم من رماه بالإرجاء مثل أبي داود.

وهذا كله ما أحوج الحافظ إلى أن يذبَّ عنه، ويلخّص كلَّ ما قيل فيه في هدي الساري ثم يختم ذلك بقوله : قلت لم يخرج له الشيخان من روايته عن منصور بن المعتمر شيئا وهو محتج به عند الجميع[20].اهـ وخلص الحافظ في التقريب كما سبق إلى أنه : صدوق ، في حديثه عن منصور لين.اهـ

وأما الوجه الثاني وهو: أن بعضهم تكلموا في تفسيره الذي رواه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبيان ذلك أن تفسير ورقاء هذا وإن فضّله بعضهم، فقد قال عباس الدوري: سألت يحيى بن معين: أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ قال: شيبان؟ قال: تفسير ورقاء لأنه عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، ومجاهد أحب إلي من قتادة. قلت ليحيى: فأيما أحب إليك تفسير ورقاء أو تفسير ابن جريج؟ قال: تفسير ورقاء لأن تفسير ابن جريج عن مجاهد هو مرسل لم يسمع من مجاهد إلا حرفا. قلت له: فتفسير سعيد أعجب إليك أو تفسير ورقاء؟ قال: تفسير ورقاء أعجب إلي لأنه عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وذاك عن سعيد، عن قتادة، ومجاهد أعجب إلي من قتادة[21].اهـ

إلا أن طائفة من العلماءوالنقاد طعنت في تفسيره هذا، فقال إبراهيم الحربي: لما قرأ وكيع التفسير، قال للناس: خذوه، فليس فيه عن الكلبي، ولا ورقاء شيء[22].اهـ وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ورقاء من أهل خرسان، يصحف في غير حَرفٍ.وكان أبو عبد الله ضعّفه في التفسير... وقال يحيى القطان قال معاذ: قال ورقاء: كتاب التفسير، قرأت نصفه على ابن أبي نجيح، وقرأ علي نصفه، وقال [ ابن أبي نجيح ]: هذا تفسير مجاهد[23].اهـ

و "قال حرب بن إسماعيل قلت لأحمد بن حنبل ورقاء أحب إليك في تفسير بن أبي نجيح أو شبل قال كلاهما ثقة؛ وورقاء أوثقهما إلا أن ورقاء يقولون لم يسمع التفسيرَ كلَّه من بن أبي نجيح يقولون بعضه عرض"[24].اهـ

وقال المزي: وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد قال معاذ قال ورقاء: كتاب التفسير قرأتُ نصفَه على بن أبي نجيح وقرأ عليّ نصفه، وقال بن أبي نجيح هذا: تفسير مجاهد[25].اهـ

وخلاصة كلام النقاد في تفسير ورقاء عن ابن أبي نجيح هو أن بعضهم أثنى على تفسيره مثل ابن معين، وأحمد في رواية، وبعضهم طعن فيه، فأحمد ضعفه في التفسير في رواية، وفي رواية قال بأن تفسيره بعضه عرض، وضعفه وكيع ضمنا حين قال عن تفسيره " خذوه فليس فيه عن الكلبي، ولا ورقاء شيء ".

والحاصل مما سبق أن النقاد تكلموا في ورقاء من جهتين، الأولى: أن بعضهم تكلموا فيه هو من حيث إنه يصحّف في غير حرف كما قال أحمد، وأنه غلط في بعض الأسانيد كما قال ابن عدي، وقيل لأحمد كان مرجئا قال لا أدري. الثانية: أن بعضهم تكلموا في تفسيره، فضعفه أحمد في التفسير في رواية، ووكيع ضمنا كما سبق.

ثانيا: ابن أبي نجيح

فهو عبد الله بن أبي نَجيح، أبو يسار المكي. وثقه: أحمد وابن معين، وأبو زرعة، والنسائي. ولكن مع ذلك قد تكلموا فيه من نفس الوجهين السابقين، الأول: تكلموا في ابن أبي نجيح نفسه، الثاني: تكلموا في تفسيره[26].

أما الكلام في ابن أبي نجيح نفسه، فقد قالوا بأنه لم يسمع التفسير من مجاهد، وأنه مدلس، وأنه قدري معتزلي داعية لذلك!! وبيان ذلك فيما يلي:

أما الأمر الأول، فقد قال ابن عُيينة: لم يسمع ابن أبي ‌نَجيح ‌التفسيرَ ‌عن ‌مجاهد[27]. وقال ابن حبان: قال يحيى القطان لم يسمع التفسير بن أبي نجيح من مجاهد. قال أبو حاتم: بن أبي نجيح وابن جريج نظرا في كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في التفسير فرويا عن مجاهد من غير سماع [28].

وقال يحيى القطان: لم يسمع التفسير كله من مجاهد، بل كله عن القاسم بن أبي بزة[29]. وقال العلائي: قال إبراهيم بن الجنيد قلت ليحيى بن معين أن يحيى بن سعيد يعني القطان يزعم أن بن أبي نجيح لم يسمع التفسير من مجاهد وإنما أخذه من القاسم بن أبي برة، فقال ابن معين كذا قال بن عيينة، ولا أدري أحق ذلك أم لا[30].اهـ وسئل علي: سمع ابن أبي ‌نجيح ‌التفسير ‌من ‌مجاهد؟ قال: لا، قال سفيان: لم يسمعه أحد من مجاهد إلا القاسم بن أبي بزة أملاه عليه، وأخذ كتابه الحكم وليث وابن أبي نجيح[31].

وقال الذهبي: وعن بعضهم، قال: لم يسمع ابن أبي نجيح كل التفسير من مجاهد... قال علي: أما التفسير، فهو فيه ثقة يعلمه، قد قفز القنطرة، واحتج به أرباب الصحاح[32].

وقال المعلمي اليماني بعد أن ذكر أثرا في الربا من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد: قال يحيى القطان: لم يسمع ابن أبي ‌نجيح ‌التفسير ‌من ‌مجاهد[33].

وقال أبو إسحاق الحويني: قال يحيى بن سعيد القطان: "لم يسمع ابن أبي ‌نجيح ‌التفسير ‌من ‌مجاهد" اهـ. قلت – القائل الحويني - : وكذلك وقع في كلام ابن حبان، ولكن الواسطة بينهما ثقة، وهو القاسم بن أبي بزة. قال ابن حبان: "لم يسمع التفسير من مجاهد غير القاسم وكل من يروي عن مجاهد التفسير، فإنما أخذه من كتاب القاسم"[34].

قال وليد - وفقه الله وإياكم - : نعم القاسم ثقة ولكن إنما أخذ ابن أبي نجيح التفسير من كتاب القاسم ولم يسمعه منه وهذا نص ابن حبان الأخير الذي نقله الحويني، وأصرح منه قول أبي حاتم كما سبق: بن أبي نجيح وابن جريج نظرا في كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في التفسير فرويا عن مجاهد من غير سماع.اهـ

وبالتالي فما زال الإشكال وهو طريقة تحمّلِ ابن أبي نجيح لتفسير مجاهد فهو لم يأخذه منه مباشرة، ولا بواسطة القاسم سماعا وهذه أعلى طرق التحمل[35]، ولا بالقراءة عليه أو العرض، وهذا تلي الأولى وبعضهم رجحها على الأولى[36]، فهاتان أفضل طرق التحمل، والأُولى لا خلاف في قبولها وهي السماع، والثانية وهي القراءة على الشيخ فيها خلاف وإن لم يعتدوا به كما قال العراقي " نقل الخلاف، وبه ما اعتدوا "، وابن أبي نجيح لم يأخذ التفسير لا سماعا ولا قراءة على مجاهد ولا على القاسم بن أبي بزة، وإنما أخذه من كتاب القاسم هذا، فإن كان القاسم قد أجازه فيه بإحدى طرق الإجازة التسعة ففي كل تلك الطرق خلاف في صحتها، والخلاف في بعضها أشد من بعض مبسوط في كتب الفن[37]،

وإن لم يكن أجازه - وهذا هو الظاهر لما سبق من قول أبي حاتم أنه نظر في كتاب القاسم - فهي وجادة، والخلاف في قبولها أشد بل هي منقطعة[38]. والله أعلم

والخلاصة أن ابن أبي نجيح لم يأخذ التفسير من مجاهد مباشرة ولا من القاسم بن أبي بزة الذي سمعه من مجاهد، وإنما أخذه من كتاب القاسم دون سماع منه ولا عرض، وإنما هو إجازة أو وجادة وهو الأرجح ، والوجادة منقطعة.

وأما الأمر الثاني وهو التدليس، فقد ذكره الحافظ من أهل المرتبة الثالثة فقال في طبقات المدلسين: عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر أكثر عن مجاهد وكان يدلس عنه وصفه بذلك النسائي[39].اهـ وقال السيوطي: عبد الله بن أبي نجيح البجلي ذكره النسائي في المدلسين[40].اهـ

والمدلسون من أهل المرتبة الثالثة لا تقبل روايتهم إلا ما صرحوا به بالتحديث، قال الحافظ في مقدمة كتابه طبقات المدلسين " المرتبة الثالثة: من أكثر من التدليس فلم يحتج الائمة من أحاديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقاومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي "[41] ، وابن أبي نجيح عنعن ولم يصرح بالتحديث عن مجاهد في هذه الرواية.

وأما الأمر الثالث، وهو: رميه بالقدر والاعتزال وأنه كان داعية لذلك، فقد قال ابن معين : كان مشهورا بالقدر... وقال العجلى : مكى ثقة ، يقال : كان يرى القدر، أفسده عمرو بن عبيد"[42].اهـ

وقال الذهبي: "قال يحيى بن القطان: كان معتزليا. وقال يعقوب السدوسي: هو ثقة، قدري .. وقال يحيى القطان أيضا: أخبرني ابن المؤمل، عن ابن صفوان، قال: قال لي ابن أبي نجيح: أدعوك إلى رأي الحسن -يعني: القدر-... وقال البخاري: كان يُتهم بالاعتزال، والقدر. وقال ابن المديني: كان يرى الاعتزال. وقال أحمد: أفسدوه بأخرة، وكان جالس عمرو بن عبيد. وقال علي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان ابن أبي نجيح من رؤوس الدعاة."[43]

قال وليد: قوله "من رؤوس الدعاة" أي كان داعية إلى بدعة القدر والاعتزال، والمبتدع الداعية روايته مردودة عند جماهير العلماء، قال ابن الصلاح في مقدمته: اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته، فمنهم من رد روايته مطلقا.. ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه، أو لأهل مذهبه، سواء كان داعية إلى بدعته، أو لم يكن ... وقال قوم: تقبل روايته إذا لم يكن داعية، ولا تقبل إذا كان داعية إلى بدعته. وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء[44]. لكن قال الذهبي عن ابن أبي نجيح بعد أن حكى رميه بالقدر والاعتزال: ولعله رجع عن البدعة، وقد رأى القدر جماعة من الثقات وأخطؤوا - نسأل الله العفو -."[45]

ويتحصل مما سبق أن ابن أبي نجيح فيه كلام من وجهين: هو مدلس من أهل المرتبة الثالثة الذين لا تقبل روايتهم إلا إن صرحوا بالتحديث، وهو هنا قد عنعن عن مجاهد ولم يسمع التفسيرَ منه كما قال يحيى بن سعيد القطان وغيره. ثانيا: رمي بالقدر والاعتزال والدعوة إلى ذلك. وقال ابن حجر في التقريب ملخصا ومشيرا إلى ذلك: ثقة، رُمي بالقدر، وربما دلس. روى له الجماعة.اهـ

والحاصل أن في سند مجاهد رجلين متكلم فيهما وهما ورقاء وابن أبي نجيح على ما سبق بيانه، وبهما أعلّ الشيخ سليم الهلالي سندَ مجاهد في تأويله للساق وضعفه، وما دام أن أثر مجاهد ضعيف في تأويل الساق فلِم يحتج دمشقية بنفس السند عن مجاهد في تفسير الاستواء؟!! أي كيف يكون نفس السند عن مجاهد صحيحا في تفسيره استوى بعلا، وضعيفا في تأويله للساق؟!! وهذا التناقض سبق أن بينته في منشور سابق حيث قلت فيه:

((وترى دمشقية يشرّق ويغرّب بأثر مجاهد في تفسير استوى بأنه علا، ويملأ الدينا صراخا به في كتبه[46]وفي ردوده ودروسه ومناظراته[47]ويجعله حجة على أن السلف فسروا آيات الصفات على ظاهرها، ولكن لما جاء إلى الآثار المروية عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع فقال دمشقية "وأما ما يروى عن ابن عباس من تأويل الساق بالكرب والشدة فمروي من طرق ضعيفة تابعها واحدة بواحدة فضيلة الشيخ سليم الهلالي في كتابه العظيم (المنهل الرقراق في تخريج ما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير {يوم يكشف عن ساق}... وتعقب الروايات المروية عن غير ابن عباس كمجاهد وقتادة وغيرهما.ثم انتهى إلى الجزم بعدم ثبوت الأثر عن ابن عباس، وتعقب الحافظ ابن حجر رحمه الله في تحسين بعض الروايات بالرغم من اضطرابها[48].اهـ

ولما رجعت إلى هذا الكتاب العظيم لفضيلة شيخكم الهلاليوإذ وجدتُ سندَ أثر مجاهد الذي ضعفه الهلالي هو نفسه سند أثره في تفسير استوى بعلا الذي علقه البخاري والذي ملأتَ به الدنيا به صراخا على السلف فسروا آيات الصفات المتشابهة ... فقد أورد الهلالي أثرا عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: {يوم يكشف عن ساق} قال: شدة الأمر[49]. ثم قال الهلالي: هذا إسناد ضعيف فيه العلل الآتية؛ الأولى: ورقاء هو ابن عمر كليب اليشكري ثقة لكنه ضعيف في التفسير... الثانية: ابن ابي نجيح هو عبد الله كان مدلسا وقد عنعنه ولم يسمع التفسير من مجاهد[50].

أي أن الهلالي هذا ضعّف من غير أن يشعر أثر مجاهد في تفسير الاستواء لأنه هو نفسه السند الذي ورد به عنه تأويل الساق الذي ضعفه الهلالي، وبالتالي فإن الهلالي وكذا دمشقية الذي أحالنا عليه قد هدما أكبر حجة لهما على أن السلف لم يفوضوا آيات الصفات بل فسروها ... لتكون النتيجة أنهم لم يفسروا ولم يؤولوا، وهذا أسوأ من التأويل عند ابن تيمية لقوله "فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد"[51]!!!

واالله كم فرحت بكتاب الهلالي هذا!! لأني كنت من سنوات حينما تكلمت في منشور[52]على أثر مجاهد في تفسير الاستواء ذكرت ما حاصله بأنه وإن علقه البخاري جازما ولكن فيه علل وذكرتها كما سبق، ثم وجدت الهلالي نفسه نص على تلك العلل فكفاني المؤونة!!

فقلت في نفسي: إذن المرة القادمة إذا احتج علينا دمشقية وغيره بأثر مجاهد في تفسير الاستواء ليثبت أنه السلف فسروا آيات الصفات فسوف أحيله إلى "فضيلة الشيخ" الهلالي الذي أحلنا عليه دمشقية ليعرف علل سنده التي وضحها الهلالي نفسه!! إذ لو بينت علله بنفسي لشاغب دمشقية وأمثاله وقالوا: أنت تطعن فيما علقه البخاري بصيغة الجزم!! مع أن ألبانيهم طعن في أحاديث مسندة في الصحيحين البخاري[53]وفي مسلم[54] وليس فقط معلقة، ولكن عين الرضا عن كل عيب كليلة....

إلى أن قلت: على كل نحن حتى لو سلمنا بضعف كل الآثار التي رويت في تأويل الساق فهذا لا يضرنا بل هذا أحظّ لنا ... إذ غايته أن السلف لم يثبت عنهم أنهم تكلموا في الآية بتأويل ولا تفسير وهذا هو التفويض الذي نسبناه للسلف وأنكرتموه .. بل هو أشد عندكم من التأويل كما سبق!! انتهى ما علقت به من منشور سابق بتصرف[55].

فهل بعد كل هذا سيجرؤ دمشقية على الاحتجاج بأثر مجاهد في تفسير الاستواء؟ وبأي وجه أو عين بعد الآن سيحتج بأثر مجاهد في تفسير الاستواء بعد أن ضعف سنده الهلالي الذي أحالنا عليه دمشقية وتابعه لاسيما بعد أن بينت تناقض دمشقية في سند مجاهد وكذا أبي العالية في تسجيلات عدة على اليوتيوب[56].

نتقل إلى الكلام عن أثر أبي العالية رواية ... انتظره بحول الله

------------------

[1] انظر السابق:

https://www.facebook.com/.../permalink/3290006477780018/

[2] صحيح البخاري بتحقيق البغا (6/ 2698)

[3] فتح الباري لابن حجر (13/ 405)

[4] تغليق التعليق (5/ 345)

[5]تهذيب الكمال (30/ 433) تاريخ بغداد (13/516) .

[6] قال الحافظ في تهذيب التهذيب 11 / 115 : و قال ابن شاهين فى " الثقات " : قال وكيع : ورقاء ثقة . اهـ .

[7]تهذيب التهذيب (11/ 114)

([8])تهذيب الكمال في أسماء الرجال (30/ 436)

[9]الجرح والتعديل (9/50) .

[10]تهذيب الكمال - (30 / 437)

[11]«الجرح والتعديل لابن أبي حاتم» (1/ 154)

([12])«تهذيب الكمال » (30/ 437)، وانظر: الجرح والتعديل (9/50) تهذيب التهذيب (11/ 115).

([13]) ضعفاء العقيلي (4/327) ، تهذيب التهذيب 11 / 115.

[14]الكامل (7/90)

[15]سير أعلام النبلاء ط الرسالة (7/ 421)

[16]تهذيب التهذيب (11/ 114)، تهذيب الكمال (30/ 435)

[17]سير أعلام النبلاء (7/ 420)

[18]ميزان الاعتدال (4/ 332)

([19]) التقريب ص(580) (7403) .

[20] هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر (1/ 449)

[21]تهذيب الكمال في أسماء الرجال (30/ 435) سير أعلام النبلاء (7/ 421)

[22]تاريخ بغداد ت بشار - (15 / 673)

[23]سير أعلام النبلاء (7/ 420)، تهذيب التهذيب (11/ 114)

[24]تهذيب الكمال (30 / 435)

[25]تهذيب الكمال - (30 / 435)

[26] انظر: التاريخ الكبير 5/ت767؛ المعرفة ليعقوب 1/ 135؛ الجرح والتعديل 5/ت947؛ تهذيب الكمال 16/ت3612؛ سير أعلام النبلاء 6/ 125؛ جامع التحصيل ت406؛ تهذيب التهذيب 6/ 54؛ التقريب ص552 ت3686؛ طبقات المدلسين ت77.

[27] «الأضداد لابن الأنباري» (ص٤٢٧)

[28] «الثقات لابن حبان» (٧/ ٥)، وانظر «شرح سنن أبي داود للعيني» (١/ ٣٨٨):

[29] ميزان الاعتدال (2/ 515)

[30] جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي- (1 / 218)

[31] «المعرفة والتاريخ» (٢/ ١٥٤)

[32] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (6/ 126)

[33] «آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني» (١٨/ ٤٣٧)

[34] «نثل النبال بمعجم الرجال» (٣/ ٢٨)

[35] قال العراقي: أقسام التحمل وأولها: سماع لفظ الشيخ

364 - أعلى وجوه الأخذ عند المعظم ... وهي ثمان: لفظ شيخ فاعلم

انظر: ألفية العراقي = التبصرة والتذكرة ت ماهر الفحل (ص: 125)

[36] قال العراقي: الثاني: القراءة على الشيخ

375 - ثم القراءة التي نعتها ... معظمهم عرضا سوا قرأتها

376 - من حفظ أو كتاب او سمعتا ... والشيخ حافظ لما عرضتا

إلى أن يقول:

379 - وأجمعوا أخذا بها، وردوا ... نقل الخلاف، وبه ما اعتدوا

380 - والخلف فيها هل تساوي الأولا ... أو دونه أو فوقه؟ فنقلا

381 - عن (مالك) وصحبه ومعظم ... (كوفة) و (الحجاز أهل الحرم)

382 - مع (البخاري) هما سيان ... و (ابن أبي ذئب) مع (النعمان)

انظر: التبصرة والتذكرة ت ماهر الفحل (ص: 126)

[37] قال العراقي: الثالث: الإجازة

440 - ثم الإجازة تلى السماعا ... ونوعت لتسعة أنواعا

441 - ارفعها بحيث لا مناوله ... تعيينه المجاز والمجاز له

442 - وبعضهم حكى اتفاقهم على ... جواز ذا، وذهب (الباجي) إلى

443 - نفي الخلاف مطلقا، وهو غلط ... قال: والاختلاف في العمل قط

444 - ورده الشيخ بأن للشافعي ... قولان فيها ثم بعض تابعي

انظر: التبصرة والتذكرة ت ماهر الفحل (ص: 131)

[38] قال العراقي: الثامن: الوجادة

548 - ثم الوجادة وتلك مصدر ... وجدته مولدا ليظهر

549 - تغاير المعنى، وذاك أن تجد ... بخط من عاصرت أو قبل عهد

..

552 - وكله منقطع، والأول ... قد شيب وصلا ما، وقد تسهلوا

553 - فيه (بعن) ، قال: وهذا دلسه ... تقبح إن أوهم أن نفسه

انظر: التبصرة والتذكرة ت ماهر الفحل (ص: 140)

[39] تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لابن حجر (ص:39)

[40] أسماء المدلسين للسيوطي- (ص: 68)

[41]تعريف أهل التقديس (ص: 13)

[42] تهذيب التهذيب 6 / 54

[43] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (6/ 125)

[44] مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث - ت فحل (ص: 228)

[45] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (6/ 125)

[46] موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية ص: 468، 469، 490، 557، 639، 648، 653 وانظر له استدلال الشيعة بالسنة النبوية في ميزان النقد العلمي - رسالة جامعية (1/ 376).


الجمع بين الصلاتين بلا عذر

 نرجو معرفة معاني هذه الأحاديث لأن من الناس من يدور بها بين الناس ليجيز الجمع بين الصلاتين بلا عذر.


قَالَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ يَجُوزُ الجَمْعُ تَقْدِيمًا أوْ تَأْخِيرًا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لِحَاجَةٍ مُطْلَقًا عَلَى أَنْ لَا يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ، وَكَلامُ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى هذَا الحَدِيثِ وعَلَى أعْذَارِ الجَمْعِ طَوِيلٌ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي شَرْحِهِ علَى صَحيِح مُسْلِمٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاء جَمِيعًا (أَيْ جَمَعَ بِيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ) مِن غَيْرِ خُوْفٍ وَلَا سَفَرٍ، قَالَ التِّرْمِذِيّ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهَذَا الحَدِيثِ، وَرَدَ النَّوَوِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ جَمَاعَةً قَالُوا بِهِ بِشَرْط أَن لَا يتَّخذ ذَلِك عَادَةً وَعَلِيهِ ابْنُ سِيرِينَ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ مِن أَصْحَاب الحَدِيِث وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ والقَفَّالُ الشَّاشِيُّ الْكَبِيرُ مِن أَصْحَابنَا.

وَقَالَ الحَافِظُ العَسْقَلَانِيُّ فِي الفَتْحِ (وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَجَوَّزُوا الْجَمْعَ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ ابن سِيرِين وَرَبِيعَة وَأَشْهَب وابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ).


فقد أخرج الإمام مسلم في صحيح في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر قال عن ابن عبّاس قال صلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر، كما أخرج عن ابن عباس أيضاً قال جمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين الظُهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوفٍ ولا مطرٍ (قال قلتُ لإبن عباس لِم فعل ذلك) قال كي لا يحرج أُمّتَهُ.

كما أخرج البخاري في صحيحه في باب وقت العصر قال سمعتُ أبا إمامة يقول صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنَا حتّى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصرَ فقلتُ ياعمّ ماهذه الصّلاة التي صلّيت قال العصْرُ وهذه صلاة رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم التي كنْا نصلّي معه.


الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه ومن والاه أما بعد فقد قال الله تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) أي فرضا مؤقتا في أوقات معلومة، فصلاة الظهر لها وقتها، وصلاة العصر لها وقتها، وصلاة المغرب لها وقتها، وصلاة العشاء لها وقتها، وصلاة الصبح لها وقتها، لذا جاء جبريل عليه السلام إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه مواقيت الصلوات الخمس وصلى به إماما في وقت كلٍّ منهن، وشُرع لهذه الصلوات الخمس الأذان يعلن خمس مرات يوميا في أوقاتها، فالأصل أن تصلى هذه الصلوات الخمس في أوقاتها، قال الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في قول الله عز وجل (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها (أي وليس لهم عذر شرعي) رواه البزار وأبو يعلى.


وأما بالنسبة للجمع بين الصلاتين فقد قال الجمهور من العلماء الذين يعتمد عليهم، لا يجوز إلا لعذر شرعي كالسفر أو المطر أو المرض الشديد أو نحو ذلك من الأعذار الشرعية التي يشق معها أداء كل صلاة في وقتها، وذلك بشروط مبسوطة في كتب الفقهاء، وقال بعض العلماء يجوز الجمع في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وأجاب العلماء على حديث ابن عباس المشار إليه بالسؤال بأجوبة منها:


أنه جمع لعذر ءاخر غير عذر الخوف والسفر أو غير عذر المطر والخوف وليس فيه أنه جمع بين الصلاتين من غير عذر، واستدل بعضهم بأن في بعض روايات هذا الحديث قيل لابن عباس ما حمله على ذلك؟ قال أراد أن لا يحرج أمته أي لا يوقعها في حرج وضيق، وهذا يدل على أن هناك عذرًا للجمع في هذا الحديث، ولولا هذا الجمع لوقع الناس في الحرج.


أنه جمع صوري أي فعل الأولى من الصلاتين في ءاخر وقتها مع أداء الثانية في أول وقتها، ويؤيده بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به، وذلك فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار فذكر هذا الحديث، وزاد قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، قال وأنا أظنه.


قال ابن سيد الناس (وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره وكذا ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا، أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري).


أنه جمع لحاجة ما من غير أن يتخذ ذلك عادة.


وقد سئل شيخ الجامع الأزهر عن حديث ابن عباس هذا تحت الرقـم المسلسل 79 الموضوع 1130 سن الأضحية وأوقات الصلاة التاريخ 08/12/1981 ، فأجاب (أما عن الحديث المشار إليه فى السؤال فقد قال ابن قدامة (إنه لا يجوز الجمع لغير من ذكرنا (يعنى أصحاب الأعذار ومنها المطر) وقال ابن شبرمة يجوز إذا كانت حاجة أو شىء ما لم يتخذه عادة لحديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس لم فعل ذلك، قال أراد ألا يحرج أمته) ثم قال ابن قدامة (ولنا عموم أخبار التوقيت وحديث ابن عباس حملناه على حالة المرض، ويجوز أن يتناول من عليه مشقة كالمرضع والشيخ الضعيف وأشباههما ممن عليه مشقة فى ترك الجمع ويحتمل أنه صلى الأولى فى ءاخر وقتها والثانية فى أول وقتها فإن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال عمرو قلت لجابر أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء) قال (وأنا أظن ذلك وبهذا القول يظهر أن التأويل وارد على الحديث الذى أشار إليه السؤال وأنه لا يعمل به بإطلاق). اهـ

فحديث الصحابي الجليل ابن عباس لا يعارض الأحاديث الأخرى الصحيحة المقيدة بجواز الجمع بعذر السفر أو نحوه، وليس فيه أيضا جواز الجمع من غير عذر شرعي أو حاجة ما أو أنه كان يتخذ ذلك عادة له، وإنما فيه أنه حصل منه الجمع بين صلاتين ونقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل جمع رسول الله بلا سبب ولا حاجة ولم يقل الجمع بلا سبب عادة الرسول وأصحابه، ثم أليس ثبتت الأحاديث الشريفة بأن صلاة الجماعة كانت تقام في مسجد رسول الله في الأوقات الخمسة، وكان يصلي فيهم رسول الله إماما؟! هذا كله يؤيد أن حديث ابن عباس هذا المراد منه الجمع لعذر شرعي أو حاجة ما وليس المراد أنه دائما هكذا كان الأمر، فقد روى ابن أبي شيبة وغيره عن أبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قالا (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر).


ملاحظة:

ما أورده السائل عن الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مما رواه عنه البخاري وضع للكلم خارج موضعه وليس فيه أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بلا سبب وليس فيه أن أنس بن مالك كان يجمع بلا سبب وإنما فيه أن عمر بن عبد العزيز صلى يوما ما صلاة في ءاخر وقتها كما جاء موضحا في رواية للبخاري في باب مواقيت الصلاة وفضلها، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلاة، كتاب صلاة التطوع والإمامة وأبواب متفرقة، من كره الجمع بين الصلاتين من غير عذر، عن أبي بن عبد الله قال جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز (لا تجمعوا بين الصلاتين إلا من عذر).


وأخرج مسلم وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع  بينهما.


ومن شاء فليراجع شرح صحيح البخاري وشرح صحيح مسلم والمجموع شرح المهذب والمغني وشرح معاني الآثار والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير وشروح المنهاج والمبسوط ومنح الجليل شرح مختصر خليل والتاج والإكليل لمختصر خليل وغيرهم.


وفي الختام نقول الخير في اتباع مذهبنا المالكي وهو مذهب جمهور الأمة المحمدية وقد جاءت الأحاديث متضافرة تحث على أداء الصلاة في وقتها فقد روى أحمد في مسنده والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها).


الأربعاء، 23 أغسطس 2023

ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون

قاصمة للوهابية (تناقضات الوهابية المجسمة المشبهة أدعياء السلفية)

ابن تيمية الضال وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون، ماهذا التذبذب والتناقض العجيب!!

ابن تيمية الضال يثبت أن ملك الموت اسمه عزرائيل، فقد سئل ابن تيمية الحراني في مجموع الفتاوى (4 – 259) هل جميع الخلق حتى الملائكة يموتون؟ فأجاب (الذى عليه أكثر الناس أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة وحتى عـزرائــيـل ملك المـــوت).

*** انشُر صُورَة الدليل ***

ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون

ابن عبد الوهاب الضال لا ينكر أن ملك الموت اسمه عزرائيل.

*** انشُر صُورَة الدليل ***

ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون

ابن باز الوهابي يثبت أن ملك الموت اسمه عزرائيل، فقد قال ابن باز في مجموع فتاوى ومقالات ابن باز ما يلي (أما عزرائيل فالله يميته بقدرته العظيمة كما يشاء كما يميت غيره والموت ليس هو عزرائيل بل هو شيء آخر وإنما عزرائيل ملك موكل بالموت كما قال سبحانه (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) …الآية، فإذا أراد الله إماتة الوكيل…..).

*** انشُر صُورَة الدليل ***

ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون

العثيمين ينكر أن ملك الموت اسمه عزرائيل، قال الوهابي محمد بن صالح العثيمين في كتابه المسمى بمجموع الفتاوى ص 161 (وأما السادس (ملك الموت) وقد اشتهر أن اسمه عزرائيل لكنه لم يصح إنما ورد هذا في آثار إسرائيلية لا توجب أن نؤمن بهذا الاسم).

*** انشُر صُورَة الدليل ***

ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون

الألباني الوهابي ينكر أن ملك الموت اسمه عزرائيل.

الألبانيّ شيخ الوهابيّة المُتَمَحْدِث قال في تعليق له على مَتْن العقيدة الطحاوية عند قول الطحاوي (وَنُؤْمِنُ بِمَلَكِ الْمَوْتِ) (وأما تسميته بـ (عزرائيل) كما هو الشائع بين الناس فلا أصلَ له وإنما هو من الإسرائيليات). انتهى كلام الألباني

*** انشُر صُورَة الدليل ***

ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون

ابن القيم يثبت أن ملك الموت اسمه عزرائيل.

قال المجسم ابن القيم الجوزية في كتابه المسمى باجتماع الجيوش الإسلامية ص 177 مؤيداً قول إمام الشافعية في وقته أبي العباس بن سريج رحمه الله تعالى وفيه (….وأن الملائكة حق وأن جبرائيل حق وميكائيل حق وإسرافيل حق وعزرائيل وحملة العرش والكرام الكاتبين من الملائكة حق وأن الشياطين والجن حق وأن كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء حق……).

*** انشُر صُورَة الدليل ***

ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون ابن تيمية وأتباعه المجسمة ابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز يثبتون أن ملك الموت اسمه عزرائيل والألباني والعثيمين ينكرون

والصّواب هو:
ورد في الحديث الذي رواه البيهقي أن اسم ملك الموت عزرائيل كما جاء في حديث الصور أن اسم ملك الموت عزرائيل كما جاء بكتاب الطوالات للطبراني أن اسم ملك الموت عزرائيل وقد أجمع المفسرون أن الملك الذي ذكر في القرءان في قوله تعالى (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) هو عزرائيل فقد نَقل الإجماعَ على أنَّ اسمَ مَلَكِ الموت عَزْرائيلُ علَيه السلامُ أبو حَيَّانَ الأندلسيُ في النهر المادّ والحافظُ البيهقيُ في البَعْث والنُّشُور والقاضي عياض في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى.

الجمعة، 9 ديسمبر 2022

الرد على استدلال دمشقية بأثري مجاهد وأبي العالية في تفسير الاستواء.

 

#الزواجر_الصلاحية_لردع_دمشقية

#الجواب_عن_أسئلة_دمشقية

#جواب_السؤال_الثاني_والثالث_عن_أثري_الاستواء

والسؤال الثاني الذي وجهه دمشقية إليّ هو: ما جوابك عن تفسير مجاهد وأبي العالية للاستواء في البخاري: استوى أي علا وارتفع؟

والسؤال الثالث: وأين ما تدفع به إسكاتي لعبد الفتاح أبي غدة وإفحامه ولماذا لم تجب عن روايتيهما؟

فأقول وبالله التوفيق: يزعم دمشقية – تقليدا منه لابن تيمية طبعا - أن السلف فسروا آيات الصفات وأحاديثها المتشابهة وحملوها على ظاهرها، متجاهلا الروايات الصحيحة التي صرح فيها كثير من السلف أنفسهم بأنهم لا يفسرونها كما بسطته في سلسلة طويلة في ذلك[1].

ويستدل دمشقية على دعواه بأثرين مشهورين عن مجاهد وأبي العالية في تفسير الاستواء، ودمشقية يقوم بهذين الأثرين ويقعد، ويكررهما دائما وأبدا، وقد ملأ الدنيا بهما صراخا، وزعم وأنه ناظر بهما الشيخَ عبد الفتاح أبو غدة فألجمه وأفحمه!!

وكأن دمشقية عثر على أثرين لا يعرفهما أحد سواه!!! وكأنه وجدهما في جزء حديثي لا يعرفه أحد كجزء ابن عمشليق أو جزء الجركاني أو جزء الحافظ ابن ديزيل أو جزء ابن الغطريف أو " فوائد ابن الباغبان " أو "فوائد ابن حمكان" أو "مشيخة الآبنوسي" أو "المهروانيات " أو نحو ذلك!! وكأنه فاجأ الشيخَ عبد الفتاح بأثرين هما أصلا في أشهر وأصح كتاب من كتب السنة وهو صحيح البخاري!!!! وكأن الشيخ عبد الفتاح حديث عهد بالإسلام وبالعلم ...!! علما أن الشروح التي قرأها الشيخ عبد الفتاح لصحيح البخاري قد لا يعلم دمشقية أسماءها أصلا ...!! حقا هذا مما تضحك منه الثكلى!!! وسنأتيكم بكلام شرّاح البخاري المطول على أثري مجاهد وأبي العالية إن شاء الله لتعلموا وزن استدلال دمشقية الذي يتبجح بهذين الأثرين ويستدل بهما في مناظرته المزعومة مع أبي غدة وأنه ألجمه بهما، ومن ذلك قول دمشقية في مناظرته مع الأزهري: "أكتب هذا وأنا أعلم تماما دعوة الإخوان إلى مذهب التفويض والافتراء على السلف بنسبته إليهم. ليس بعد دراسة هذه العقيدة وإنما لأن أكثر قادة التنظيم جروا على سنة التفويض بدءا بحسن البنا رحمه الله مرورا بأبي غدة الكوثري الذي ناظرتُه قبل موته وأتيته بهاتين الروايتين وألجم تماما ولم يستطع أن يرد بكلمة واحدة"[2].

قال وليد – ألهمه الله رشده - : وقد كنت منذ سنوات كتبت عدة منشورات ردا على مناظرته المزعومة مع شيخ شيوخنا عبد الفتاح أبو غدة، عنونت أول منشور – وسأسميه منشور تتمة المناظرة عن الشيخ عبد الفتاح رحمه الله - منها بقولي: "أنا أجيبك يا شيخ دمشقية عن كل هذه الروايات التي زعمتَ أنك ألجمتَ ببعضها شيخَ شيوخِنا العلامةَ عبدَ الفتاح أبو غدة رحمه الله... وأبيّنَ لك ولأتباعك الذين اغتروا بها أنها لا حجة في شيء منها قط بل أكشف تدليسك فيها أيضا"[3].

وكنت وضعت رابط منشور تتمة المناظرة هذا من جملة الروابط التي وضعتها وعلقت بها على تغريدة لدمشقية التي زعم أنه سيرد فيها على الشيخ الددو لعدِّه الأشاعرة من أهل السنة[4]، وتلك الروابط تحتوي على ردودي على دمشقية في مسائل متنوعة، فالظاهر أن دمشقية فتح تلك الروابط أو بعضها على الأقل، فلم ينبرِ للرد علي شيء منها إلا على رابط تتمة المناظرة الذي حُذف منه الجزء أو المنشور الذي أجبت فيها عن أثري مجاهد وأبي العالية في تفسير الاستواء، وإنما حُذف هذا المنشور بفعل تبليغات الوهابية عنه على الأغلب!!!

أي أنه حين ضغط دمشقية على رابط المنشور المحذوف ولم يظهر له محتوى فيه لأنه محذوف أصلا كما قلنا، ظن دمشقية أن ذلك لعبة مني أو تهربا مني لئلا أجيب عن الأثرين، وهذه الثغرة هي في الواقع ما جرأه وورطه في أن يرفع الفيديو الأول له في رده[5]علي ويبدأه بالحديث عن هذا المنشور الذي لم ير تتمته لأنه حُذف أصلا كما قلنا، فطالبني بأن أكمل المناظرة عنه وأجيب عن الأثرين ثم راح يخوض في مسائل أخرى ليس لها علاقة بالأثرين للتشويش والتهريج كعادته، ثم وضع ما سماه "أسئلة في الصميم لوليد بن الصلاح" منها سؤاله الثاني والثالث أعلاه المتعلق بالأثرين.

فعلقت على قناته وأجبته جوابا مختصرا عن الأثرين وعن غيرهما، ووضعت له بعض الراوبط في ذلك، فتجاهل كل ذلك، ثم رفع الفيديو الثاني[6]والثالث[7]ردا علي، وأعاد استدلاله بالأثرين وزعم أني لم أكمل المناظرة، وأنه قد خرس لساني عن الجواب عن الأثرين كما خرس لسان أبي غدة!!!

ولكنه رجع وأقر في نفس الفيديو الثالث بأني أجبته عن ذلك ولكن قرمط جوابي وحرفه، فرددت عليه بثلاث تسجيلات ونشرتها على قناتي على اليوتيوب، وأجبت عن الأثرين وركزت على تناقضه الرهيب في سندَي الأثرين حتى جعلت استدلاله هذا فضيحة علمية، وتحديته إن كان رجلا أن ينشر تسجيلا يرد علي تناقضه هذا الذي كشفته[8]. ووعدته في آخر تسجيل لي أن أنشر ردا علميا مكتوبا على الأثرين في عدة منشورات.

وسيكون ردي المكتوب على الأثرين في مطلبين:

المطلب الأول: الكلام على أثر مجاهد، وذلك في مرصدين:

الأول: الكلام عليه رواية

الثاني: الكلام عليه دراية

المطلب الثاني: الكلام على أبي العالية، وهو أيضا في مرصدين :

الأول: الكلام عليه رواية

الثاني: الكلام عليه دراية

أي لدينا أربعة مراصد وكل منها سأنشره في منشور مستقل بإذن الله، وقد فرغت من كتابة ردي على الأثرين رواية في حوالي ثلاثين صحيحة، 15 ص لأثر مجاهد، ومثلها لأثر أبي العالية، طبعا هذا كتبته مؤخرا على مدى أيام عديدة، بعد أن أعدت النظر فيما كتبته سابقا في المنشور المحذوف وأضفت عليه بعض الزيادات وركزت على آخرهما على تناقض دمشقية في حكمه على سندي الأثري حيث تارة يصححها وأخرى يضعفها حسب هواه .. وبعد قليل أنشر المرصد الأول وهو الكلام على أثر مجاهد رواية، ثم أنشر لاحقا الكلام على أثر أبي العالية رواية، ثم يأتي الكلام عليهما دراية في مرصدين أيضا بحول الله.


الخميس، 11 أغسطس 2022

المُلِحةُ في إعتقاد أهل الحق

الملحة في إعتقاد اهل الحق، كذا سماها ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى 8/239 وذكرها الداودي في طبقات المفسرين 1/314 بأسم الملحة في تصحيح العقيدة وسماها حاجي خليفة في كشف الظنون 1817 ملحة الإعتقاد وفي موضع آخر 1158 عقيدة الشيخ عز الدين وسماها البغدادي في هدية العارفين 1 / 580 العقائد.

وسبب تصنيف الرسالة أن الملك الأشرف موسى بن الملك العادل، لما اتصل به ما عليه الشيخ عز الدين من القيام لله والعلم والدين أحبه وصار يلهج بذكره ويتعرض إلى الاجتماع به. وكان للشيخ أعداء من حشوية الحنابلة القائلين بالحرف والصوت، وكان الملك الأشرف قد صحب جماعة منهم في صغره، وكانوا يقولون له: هذا اعتقاد السلف واعتقاد الإمام أحمد بن حنبل وفضلاء أصحابه، وحاشاهم عن ذلك، وقرروا ذلك عند السلطان، فقالت له طائفة منهم: ابن عبد السلام أشعري المذهب غير معتقد للحرف والصوت، بل يخطئ من يعتقد الحرف والصوت ويسبه ويذمه ويقدح في دينه أتم القدح، ومن جملة اعتقاده أنه يقول بقول الأشعري، أن الخبز لا يشبع والماء لا يروي والنار لا تحرق. فاستهول ذلك السلطان، واستعظمه، واتهمهم ولم يصدقهم، ونسبهم إلى التعصب عليه. فكتبوا فتوى في مسألة الكلام وأحضروها إليه، وكان قد اتصل به ما ألقوه إلى الملك في ذلك، فقال إن هذه الفتيا كتبت امتحاناً لي، والله لأكتبن فيها ما هو الحق.

الملحة في إعتقاد أهل الحق 

قال الشيخ الإمام سلطان العلماء المعز لدين الله عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام السلمي رحمه الله تعالى "الحمد لله ذي العزة والجلال والقدرة والكمال والإنعام والإفضال الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد, وليس بجسم مصور ولا جوهر محدود ولا مقدر ولا يشبه شيئا ولا يشبهه شىء ولا تحيط به الجهات ولا تكتنفه الأرضون ولا السماوات، كان قبل أن كون المكان ودبر الزمان وهو الآن على ما عليه كان، خلق الخلق واعمالهم وقدر ارزاقهم وآجالهم، فكل نعمة منه فهي فضل وكل نقمة منه فهي عدل {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن المماسة والإستقرار والتمكن والحلول والإنتقال، فتعالى الله الكبير المتعال عما يقول أهل الغي والضلال، بل لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته، احاط بكل شىء علما وأحصى كل شىء عددا، مطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر. حي مريد سميع بصير عليم قدير متكلم بكلام أزلي، ليس بحرف ولا صوت ولايتصور في كلامه أن ينقلب مداداً في الألواح والأوراق شكلاً ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق، بل الكتابة من أفعال العباد، ولايتصور في أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته، وحق لما دل عليه وانتسب إليه أن تعتقد عظمته وترعى حرمته، وكذلك يجب احترام الكعبة والأنبياء والعُباد والعلماء صلوات الله عليهم.

أمُـرُ على الديار ديار ليلى أُقبـِلُ ذا الجدارَ وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا

ولمثل ذلك نقبل الحجر الأسود، ويحرم على المحدث مس المصحف

، أسطره وحواشيه التي لا كتابة فيها وجلده وخريطته التي هو فيها. فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد، أو رسم من أشكال المداد. واعتقاد الأشعري رحمه الله يشتمل على ما دلت عليه أسماء الله التسعة والتسعون والتي سمى بها نفسه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واسماؤه مندرجة في أربع كلمات  ، هن الباقيات الصالحات: 

الكلمة الأولى: قول "سبحان الله " ومعناها في كلام العرب التنزيه والسلب وهي مشتملة على سلب العيب والنقص عن ذات الله وصفاته

، فما كان من أسمائه سلبا فهو مندرج تحت هذه الكلمة، كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب, والسلام وهو الذي سَلِم من كل آفةٍ.

الكلمة الثانية: قول "الحمد لله" وهي مشتملةٌ على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته، فما كان من أسمائه متضمناً للإثبات، كالعليم والقدير والسميع والبصير، فهو مندرج تحت الكلمة الثانية. فقد نفينا بقولنا "سبحان الله" كل عيبٍ عَقَلْناه وكل نقص فَهِمناه، وأثبتنا بـ "الحمد لله" كل كمالٍ عرفناه وكل جلالٍ ادركناه، ووراء ما نفيناه وأثبتناه شأن عظيم قد غاب عنا وجهلناه، فنحققه من جهة الإجمال بقولنا: "الله أكبر" وهي الكلمة الثالثة، بمعني أنه أجلُّ مما نفيناه وأثبتناه، وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"، فما كان من أسمائه متضمناً لمدح فوق ما عرفناه وأدركناه، كالأعلى والمتعالي، فهو مندرج تحت قولنا "الله أكبر" فإذا كان في الوجود مَن هذا شأنه نفينا أن يكون في الوجود من يُشاكِلهُ أو يُناظِرهُ، فحققنا ذلك بقولنا "لا إله إلا الله" وهي الكلمة الرابعة، فإن الألوهية ترجع إلى استحقاق العبودية، ولا يستحق العبودية إلا من أتَّصفَ بجميع ما ذكرناه، فما كان من أسمائه متضمنا للجميع على الإجمال، كالواحد والأحد وذي الجلال والإكرام، فهو مندرج تحت قولنا " لا إله إلا الله" وإنما استحق العبودية لما وجب له من اوصاف الجلال ونعوت الكمال الذي لا يصفه الواصفون ولا يَعُدُه العادُّون، فسبحان من عظُم شأنُه وعز سلطانه {يسأله من في السماوات والأرض} لإفتقارهم إليه، {كل يوم هو في شأن}لإقتداره عليه، له الخلق والأمر والسلطان والقهر، فالخلائق مقهورون في قبضته {والسماوات مطويات بيمينه}{يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون}

فسبحان الأزلي الذات والصفات، ومحيي الأموات وجامع الرفات، العالم بما كان وما هو آت. فهذا إجمالٌ من إعتقاد الأشعري رحمه الله تعالى، وإعتقاد السلف واهل الطريقة والحقيقة، نسبته الى التفصيل الواضح كنسبة القطرة إلى البحر الطافح. 

والحشوية المشبهة، الذين يشبهون الله بخلقه ضربان: أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو  {يحسبون أنهم على شىء ألا إنهم هم الكاذبون}، والآخر يتستر بمذهب السلف لسُحتٍ يأكله أو حطام يأخذه:أظهروا للناس نُسكاً وعلى المنقوش داروا

{يريدون أن يَأمَنُوُكُمْ ويَأْمَنُوُا قَومَهُم}، ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه، دون التجسيم والتشبيه، وكذلك جميع المبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف، فهم كما قال القائل:وَكلٌّ يدعُون وِصالَ ليلى وليلى لا تُقِرُّ لهم بِذاكا

وكيف يُدَّعى على السلف أنهم يعتقدون التجسيم والتشبيه أو يسكتون عند ظهور البدع، ويخالفون قوله تعالى {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} وقوله جل قوله {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} وقوله تعالى ذكره {لتبين للناس ما نزل إليهم}. والعلماء ورثة الأنبياء، فيجب عليهم من البيان ما يجب على الأنبياء. وقال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}


، ومن أنكر المنكرات التجسيم والتشبيه، ومن أفضل المعروف التوحيد والتنزيه، وإنما سكت السلف قبل ظهور البدع، فورب السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع، لقد تشمر السلف للبدع لما ظهرت، فقمعوها أتم القمع، وردعوا أهلها أشد الردع، فردوا على القدرية والجهمية والجبرية وغيرهم من أهل البدع، فجاهدوا في الله حق جهاده.

والجهاد ضربان: ضرب بالجدل والبيان، وضرب بالسيف والسنان، فليت شعري، فما الفرق بين مجادلة الحشوية وغيرهم من أهل البدع ! ولولا خُبثٌ في الضمائر وسوء إعتقاد في السرائر 

{يَسْتخفُونَ من الناس ولا يَسْتَخفُونَ من الله وهو معهم إذ يُبَيِّتُون ما لا يرضى من القول}، وإذا سُئل أحدهم عن مسألةٍ من مسائل الحشو أمر بالسكوت عن ذلك، وإذا سُئل عن غير الحشو من البدع أجاب فيه بالحق، ولولا ما انطوى عليه باطنه من التجسيم والتشبيه لأجاب في مسائل الحشو بالتوحيد والتنزيه، ولم تزل هذه الطائفة المبتدعة قد ضُرِبَت عليهم الذلة أينما ثُقِفُوا{كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين}

، لا تلوح لهم فرصة إلا طاروا إليها، ولا فتنة إلا أكبوا عليها، وأحمد بن حنبل وفضلاء الحنابلة أصحابه وسائر علماء السلف بُراءٌ الى الله مما نسبوه إليهم، وإختلفوا عليهم، وكيف يظن بأحمد بن حنبل وغيره من العلماء أن يعتقدوا، أن وصف الله القديم بذاته هو عين لفظ اللافظين، ومداد الكاتبين مع أن وصف الله قديم وهذه الألفاظ والأشكال حادثة بضرورة العقل وصريح النقل وقد اخبر الله تعالى عن حدوثها في ثلاث مواضع من كتابه العزيز:الموضع الأول: قوله تعالى {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث}

، جعل الآتي محدثاً، فمن زعم أنه قديم فقد رد على الله سبحانه وتعالى، وإنما هذا المحدث دليل على القديم، كما أنا إذا كتبنا اسم الله عز وجل في ورقة لم يكن الرب القديم حل في تلك الورقة، فكذلك الوصف القديم إذا كتب في شيء لم يَحُلَّ الوصف المكتوب حيث حلت الكتابة.

الموضع الثاني: قوله تعالى {فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم}، وقول الرسول صفة للرسول، ووصف الحادث حادث يدل على الكلام القديم، فمن زعم أن قول الرسول قديم فقد رد على رب العالمين.

الموضع الثالث: قوله تعالى  {فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم}.

والعجب ممن يقول: القرآن مركب من حرف وصوت، ثم يزعم أنه في المصحف، وليس في المصحف إلا حرف مجرد لا صوت معه؛ إذ ليس فيه حرف متكون من صوت، فإن الحرف اللفظي ليس هو الشكل الكتابي، ولذلك يدرك الحرف اللفظي بالآذان ولا يشاهد بالعيان، ويشاهد الشكل الكتابي بالعيان ولا يسمع بالآذان، ومن توقف في ذلك فلا يعد من العقلاء فضلا عن العلماء، فلا أكثر الله في المسلمين من أهل البدع والأهواء، والإضلال والإغواء.

ومن قال بأن الوصف القديم حال في المصحف، لزمه إذا احترق المصحف أن يقول إن وصف الله القديم احترق، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً، ومن شأن القديم أن لا يلحقه تغير ولا عدم، فإن ذلك مناف للقدم.فإن قالوا أن القرآن مكتوب في المصحف غير حال فيه، كما يقوله الأشعري رحمه الله، فلم يلعنون الأشعري، وإن قالوا بخلاف ذلك، فانظر{كيف يفترون على الله الكذب، وكفى به إثماً مبيناً}

وأما قوله تعالى {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون} فلا خلاف بين أئمة العربية أنه لا بد من كلمة محذوفة يتعلق بها قوله {في كتاب مكنون}، ويجب القطع بأن ذلك المحذوف تقديره "مكتوب في كتاب مكنون"، لما ذكرناه، وما دل عليه العقل الشاهد بالوحدانية وبصحة الرسالة، وهو مَناطُ التكليف بإجماع المسلمين.

وإنما لم يستدل بالعقل على القدم وكفى به شاهداً،لأنهم لا يسمعون شهادته، مع أن الشرع قد عدَّل العقلَ وقبل شهادته، واستدل به في مواضع من كتابه الكريم، كالاستدلال بالإنشاء على الإعادة، وكقوله تعالى {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتها}، وقوله تعالى {وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض}، وقوله تعالى {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء}.

فيا خيبة من رد شاهداً قبله الله تعالى، وأسقط دليلاً نصبه الله تعالى، فَهُم يرجعون إلى المنقول، فلذلك استدللنا بالمنقول وتركنا المعقول، كميناً إن احتجنا إليه أبرزناه، وإن لم نحتج إليه أخرناه.

وقد جاء في الحديث المشهور "من قرأ القرآن وأعربه كان له بكل حرف عشر حسنات، ومن قرأه ولم يعربه فله بكل حرف منه حسنة"، والقديم لا يكون معيباً باللحن وكاملاً بالإعراب، وقد قال تعالى {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون}، فإذا أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بأنا نُجزى على قراءة القرآن دل على أنه من أعمالنا، وليست أعمالنا بقديمة، وإنما أتي القوم من قبل جهلهم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسان العرب وسخافة العقل وبلادة الذهن، فإن لفظ القرآن يطلق في الشرع واللسان على الوصف القديم، ويطلق على القراءة الحادثة، قال الله تعالى {إن علينا جمعه وقرآنه}، أراد بقرآنه قراءته، إذ ليس للقرآن قرآنٌ آخر، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، أي قراءته. فالقراءة غير المقروء، والقراءة حادثة والمقروء قديم، كما انا إذا ذكرنا الله عز وجل كان الذكر حادثا والمذكور قديم، فهذه نبذة من مذهب الاشعري رحمه الله.

والكلام في مثل هذا يطول، ولولا ما وجب على العلماء من إعزاز الدين وإخمال المبتدعين، وما طَوَّلَت به الحشوية ألسنتهم في هذا الزمان، من الطعن في أعراض الوحدين، والإزراء على كلام المنزهين، لما أطلتُ النفس في مثل هذا مع إتضاحه، ولكن قد أمرنا الله بالجهاد في نصرة دينه، إلا أن سلاح العالم علمه ولسانه، كما أن سلاح الملك سيفه وسنانه، فكما لا يجوز للملوك إغماد أسلحتهم عن الملحدين والمشركين، لا يجوز للعلماء إغماد ألسنتهم عن الزائغين والمبتدعين، فمن ناضل عن الله وأظهر دين الله كان جديرا أن يحرسه الله بعينه التي لا تنام، ويعزه بعزه الذي لا يضام، ويحوطه بركنه الذي لا يرام، ويحفظه من جميع الأنام 

{ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}

، وما زال المنزهون والموحدون يفتون بذلك على رؤوس الأشهاد في المحافل والمشاهد، ويجهرون به في المدارس والمساجد، وبدعة الحشوية كامنة خفية لا يتمكنون من المجاهرة بها، بل يدسونها الى جهلة العوام، وقد جهروا بها في هذا الأوان، فنسأل الله تعالى أن يعجل بإخمالها كعادته، ويقضي بإذلالها على ما سبق من سنته، وعلى طريقة المنزهين والموحدين درج الخلف والسلف، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

والعجب أنهم يذمون الأشعري رحمه الله بقوله إن الخبز لا يشبع، والماء لا يروي، والنار لا تحرق، وهذا كلام أنزل الله تعالى معناه في كتابه الكريم، فإن الشبع والري والاحراق حوادث تفرد الرب سبحانه وتعالى بخلقها، فلم يَخلُقِ الخُبزُ الشبع، ولم يَخلُقِ الماءُ الري، ولم تخلق النار الاحراق، وإن كانت أسباباً في ذلك، فالخالق تعالى هو المسبب، كما قال تعالى

{وما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى}، نفى أن يكون رسوله صلى الله عليه وسلم خالقاً للرمي، وإن كان سبباً فيه، وقد قال تعالى {وأنه هو أضحك وأبكى}،{وأنه هو أمات وأحيا} فاقتطع الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء عن أسبابها، وأضافها إليه، فكذلك اقتطع الأشعري رحمه الله الشبع والري والاحراق عن أسبابها وأضافها إلى خالقها؛ لقوله تعالى {الله خالق كل شيء}، ولقوله تعالى {هل من خالق غير الله}،{بل كذبوا بما لم يحيطوا بعمله ولما يأتهم تأويله} {أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً أماذا كنتم تعملون}

وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً وآفته من الفهمِ السقيمَ فسبحان من رضي عن قومٍ فأدناهم

، وسخط على آخرين فأقصاهم {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، والمخاطرة بالنفوس مشروعة في إعزاز الدين، ولذلك يجوز للبطل من المسلمين أن ينغمس في صفوف المشركين، وكذلك المخاطرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة قواعد الدين بالحجج والبراهين مشروعة.

وعلى الجملة ، فمن آثر الله على نفسه آثره الله، ومن طلب رضا اللهِ بما يُسخَطُ الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن طلب رضا الناس بما يُسخِطُ الله سَخِط الله ُ عليه وأسخط عليه الناس، وفي رضا الله كفاية عن رضا كل أحد:

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وقد قال عليه الصلاة والسلام "احفظ الله يحفظك

، احفظ الله تجده أمامك" وقال بعض الأكابر "من أراد أن ينظر منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده". اللهم فأنصر الحق، وأظهر الصواب، وأبرم لهذه الأمة أمراً رشدا، يَعِزُ فيه وليك، ويَذِلُ فيه عدوك، ويُعملُ فيه بطاعتك، وينهى فيه عن معصيتك. 

والحمد لله الذي اليه استنادي وعليه اعتمادي

، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


، آمين آمين." 

إنتهى 


لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...