بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 31 يوليو 2019

الدليل الكافي في الرد على الوهابي (ذكرى الاسراء والمعراج)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العزيز الخالق والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله السراج المنير وعلى اله وصحبه الطيبين .
وبعد :أهل الحق يقولون: لا بأس بالاحتفال بهذه المناسبات

الدليل: ليس في ذلك مخالفة للشرع ولم يأت نص يحرّم ذلك. وإنما هو من باب السنة الحسنة.

الوهابية يقولون: يحرم الاحتفال بهذه المناسبات مع أنهم يحتفلون بانطلاقة دعوة مؤسس الوهابية محمد ابن عبد الوهاب لمدة أسبوع
راجع كتابهم المسمى: "التوحيد" لابن فوزان ، ص/120_الرياض ، وكتاب "بحث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب".

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المعز المذل، ونعوذ به من أن نَضل أو نُضل، أو نَزل أو نُزل، هو نعم المولى ونِعم النصير، وعليه تُكلاننا وإليهِ المصير، وله الإثابَةُ، وإليهِ الإنابة، وإيّاه ندعو فنسأله الإجابة، سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير، والصلاةُ والسلامُ على شمس الهدى الباهرِ أيَّما بَهر، المنصور قبلَ سل وشهر، بالرعب من مسيرة شهر، نبينا الذي صدق وصدع بالحقّ وجهر، فحصَّ جناح الشرك إذا حصحصَ وبهر، وأظهره الله فظهر، وعلى ءاله الذائدين عن حِياض الشرع، وكيف لا والأصلُ يتبع الفرع، وصحبهِ كُماة الجهاد، حماةِ الوهاد، من استمسكوا فاقتفوا هدْيَ هاد.
أما بعد، فقد قال الله تبارك وتعالى :{سبحانَ الذي أسرى بعبدِه ليلاً من المسجدِ الحرامِ إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حولَه لنريه من ءاياتِنا إنه هوَ السميعُ البصير} (سورة الإسراء/1).
السبْحُ في اللغةِ معناهُ التباعدُ، ومعنى "سبحان الله" تنزّه اللهُ عن مشابهةِ الخلق بأيّ وجه من الوجوه. والإسراءُ هو السيرُ بالليل، فالإسراءُ والمعراجُ حصلا في جزء من ليلة واحدة، والمسجد الحرام سمي بذلك لحرمتِه وللأحكام الخاصة به منها: مضاعفة أجر الصلاة فيه أضعافًا كثيرة، ووجوده في مكة أفضل بقاع الأرض، وتحريم صيد البَر في الحرم. والمسجدُ الأقصى سمي بذلك لبعده عن المسجد الحرام، وكلاهما بناهما سيدنا ءادم عليه السلام، بنى الكعبة ثم بعد أربعين سنة بنى المسجد الأقصى، وسماه الله مسجدًا مما يدلّ على أنّه كان عمل كسائر أماكن عبادة المسلمين أتباع كلّ الأنبياءِ لعبادة اللهِ الواحد بالصلاةِ التي يسجدُ فيها المسلمُ لله. وقوله تعالى :{باركنا حوله} معناه أن أرض الشام أرض مباركة، فقد ثبت في الصحيح صحيح البخاريّ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"اللهمّ بارك لنا في شامنا ويمننا" قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال :"هناك الزلازل والفتن هناك يطلع قرن الشيطان". فأرض الشام مباركة وفلسطين التي فيها المسجد الأقصى من الشام.
والله تبارك وتعالى بعث الأنبياء رحمةً للعباد، إذ ليسَ في العقل ما يُستغنى به عنهم، لأن العقلَ لا يستقِلّ بمعرفةِ الأشياء المنجية في الآخرة، فالله تعالى متفضّلٌ بها على عباده. وقد أيّد الله تبارك وتعالى الأنبياء بمعجزات لتكون دليلاً على صدقهم. والمعجزةُ أمر خارقٌ للعادة يظهرُ على يد مدّعي النبوة، موافق للدعوة، سالمٌ من المعارضة بالمثل، وكان صلى الله عليه وسلم أعظمَ الأنبياء معجزات فقد نقل ابن أبي حاتم في كتاب مناقب الشافعيّ عن أبيهِ عن عمرَ بنِ سواد عن الشافعي قال :"ما أعطى الله شيئًا ما أعطى محمدًا فقلتُ أعطى عيسى إحياءَ الموتى قال: أعطي محمدٌ حنينَ الجذعِ حتى سُمِع صوتُه فهذا أكبرُ من ذلك".
وقد قال بعضُ الماحدين:
إنْ كان موسى سقى الأسباطَ من حجَرٍ * فإنَّ في الكفّ معنًى ليس في الحجَرِ
إن كان عيسى برا الأعمى بدعوتِه * فكمْ براحتِه قد ردَّ من بصَرِ

ومن جملة معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الإسراءُ والمعراجُ.

الإسراءُ
معجزةُ الإسراءِ ثابتة بنصّ القرءانِ والحديث الصحيح، فيجبُ الإيمان بأن الله أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلاً من مكة المكرمةِ إلى المسجد الأقصى. وقد أجمَع أهل الحقّ من سلف وخلف ومحدثين ومتكلمين ومفسرين وفقهاء على أن الإسراء كان بالجسد والروح وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قولُ ابن عباس وجابر وأنس وعمر وحذيفة وغيرهم من الصحابة وقول الإمام أحمد وغيره من الأئمة وقول الطبري وغيره. فلا خلاف إذًا في الإسراء به صلى الله عليه وسلم إذ فيه نصّ قرءانيّ، فلذلك قال العلماء :"إنّ من أنكر الإسراءَ فقد كذّب القرءان ومن كذّب القرءانَ فقد كفَر".
وروى البيهقي عن شداد بن أوس قال: قلنا يا رسول الله كيف أسري بك؟ قال: "صليتُ لأصحابي صلاةَ العتمة بمكةَ مُعتِمًا، وأتاني جبريلُ عليهِ السلامُ بدابّةٍ بيضاءَ فوقَ الحمارِ ودونَ البغلِ، فقال: اركبْ فاستصعبتْ عليَّ (أي من الدلال)، فدارَها بأُذُنها ثم حملني عليها، فانطلقَتْ تهوي بنا يقعُ حافرُها حيث أدركَ طرْفُها حتى بلغنا أرضًا ذات نخلٍ فأنزلني فقال: صلّ، فصليتُ، ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليتَ؟ قلتُ: اللهُ أعلمُ قال: صليتَ بيثربَ، صليتَ بطيبةَ، فانطلقت تهوي بنا يقعُ حافرُها حيث أدركَ طرفُها، ثم بلغنا أرضًا فقال: انزِل فنزلتُ ثم قال: صلّ. فصليتُ ثم ركبنا فقال: أتدري أينَ صليتَ؟ صليتَ بطورِ سيناءَ حيث كلَّم الله عز وجلَّ موسى عليهِ السلامُ، ثم انطلقتْ تهوي بنا يقعُ حافرُها حيث أدركَ طرْفُها، ثم بلغنا أرضًا بدت لنا قصورٌ، فقال: انزِل، فنزلتُ فقال: صلّ. فصليتُ ثم ركبنا قال: أتدري أينَ صليتَ. قلتُ: الله أعلمُ، قال: صليتَ ببيتِ لحمٍ حيثُ وُلِد عيسى عليه السلام المسيحُ ابنُ مريم، ثم انطلقَ بي حتى دخلنا المدينةَ من بابِها اليمانيّ فأتى قِبلةَ المسجِد فربَطَ بهِ دابتَهُ ودخلنا المسجد من بابِ فيهِ تميلُ الشمسُ والقمرُ فصليتُ من المسجد حيثُ شاء اللهُ".
وكان قد شُقَّ صدرُ النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسرى به ليلاً من بيتِ أمّ هانىء من مكة المكرمة من المسجد الحرام.
قال أنس بنُ مالك كان أبو ذرٍ يحدّث أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال :"فُرِج سقفُ بيتي وأنا بمكة فنزلَ جبريلُ ففرجَ صدري ثم غسَلَه من ماء زمزم ثمّ جاءَ بطَستٍ من ذهب ممتلىء حكمةً وإيمانًا فأفرغَها في صدري ثم أطبقَه". رواه مسلم.
وقد جمع الله عز وجل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في بيت المقدس من ءادم فمن بعدَه فصلى بهم إمامًا. وهذا دليل على أن الأنبياء لهم تصرّف بإذن الله بعد موتهم وينفعون من شاء اللهُ أن ينتفعَ منهم، فهم ليسوا كالناس العاديين، فقد روى البزار والبيهقي وغيرهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"الأنبياءُ أحياءٌ في قبورهم يصلون".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء والمعراج :"ثُمّ دخلتُ بيتَ المقدسِ فجُمِع ليَ الأنبياءُ عليهمُ السلامُ فقدَّمني جبريلُ حتى أممتُهم ثم صُعِد بيَ إلى السماءِ" رواه النسائي.

من عجائب ما رأى الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ في الإسراءِ:
1. الدنيا: رأى وهو في طريقه إلى بيت المقدس الدنيا بصورة عجوز.
2. إبليس: رأى شيئًا متنحّيًا عن الطريق يدعوه وهو إبليس، وكان من الجن المؤمنين في أول أمره، ثم كفر لاعتراضه على الله. قال الله تعالى :{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليسَ كان من الجنّ ففسقَ عن أمر ربّه} (سورة الكهف/50).
ولا يجوز أن يقال إن إبليس كان طاووس الملائكة فهو لم يكن ملَكًا. والدليل على ذلك أن الله تعالى قال :{إلاَّ إبليس كان من الجنّ} والرسول صلى الله عليه وسلم قال :"خُلقت الملائكةُ من نور وخُلق الجان من مارج من نار"، فتبين أن إبليس من الجن حقيقة بدليل ما تقدم.
3. ماشطةُ بنتِ فرعون: ثم شمّ رائحةً طيبة من قبر ماشطة (التي تمشط الشعر) بنتِ فرعون وكانت مؤمنة صالحة وجاءَ في قصتها أنها بينما كانت تمشُط رأس بنت فرعون سقَط المشط من يدها فقالت بسم الله، فسألتها بنتُ فرعون أوَ لَكِ ربّ إلهٌ غيرُ أبي؟ فقالت الماشطةُ: ربي وربُّ أبيكِ هو الله، فأخبرت أباها فطلب منها الرجوع عن دينها فأبت فحمَّى لها ماءً فألقى فيه أولادها ثم كلمها طفلٌ لها رضيع قبل أن يرميَه :"يا أمَّاه اصبري فإنّ عذابَ الآخرةِ أشدُّ من عذاب الدنيا فلا تتقاعسي فإنَّك على حقّ" فقالت لفرعون:"لي عندك طلب، أن تجمع العظام وتدفنَها" فقال :"لكِ ذلك" فألقاها فيه. وقد ماتت شهيدةً هي وأولادُها.
4. المجاهدون في سبيل الله: رأى قومًا يزرعون ويحصدون في يومين، فقال له جبريل: هؤلاءِ المجاهدون في سبيل الله. والجهادُ في سبيل الله نوعان: جهادٌ بالسنان أي بالسلاح، وجهادٌ في سبيل الله بالبيان، وثوابُ هذا كثوابِ من جاهدَ بالسلاح، فاليوم من أمَر بالمعروف ونهى عن المنكر بجِدّ فهو مجاهد في سبيل الله، والمجاهدون لهم درجة عالية في الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من أحيا سنتي عند فساد أمّتي فله أجرُ شهيد" والمقصود بالسنّة هنا الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5. خطباء الفتنة: رأى أناسًا تُقرضُ ألسنتهم وشفاههم بمقاريضَ من نار، قال له جبريل: هؤلاءِ خطباء الفتنة، يعني الذين يَخطبون للشرّ والفتنة، أي يدعون الناس إلى الضلال والفساد والغش والخيانة.
6. الذي يتكلم بالكلمة الفاسدة: ورأى ثورًا يخرجُ من منفذٍ ضيّقٍ ثم يريدُ أن يعودَ فلا يستطيعُ أن يعودَ إلى هذا المنفذ، فقال له جبريل: هذا الذي يتكلمُ بالكلمة الفاسدة التي فيها ضرر على الناس وفتنة، ثم يريد أن يردَّها فلا يستطيع.
7. الذين لا يؤدون الزكاة: ورأى أناسًا يسرحون كالأنعام على عوراتهم رقاع (سُتَر صغيرة) قال له جبريل: هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة.
8. تاركو الصلاة: ورأى قومًا ترضخُ (أي تكسر) رءوسُهم ثم تعودُ كما كانت فقال جبريل: هؤلاء الذين تتثاقلُ رءوسُهم عن تأديةِ الصلاةِ.
9. الزناة: ورأى قومًا يتنافسون على اللحمِ المنتنِ ويتركونَ اللحم الجيدَ المُشرَّح فقال جبريل: هؤلاءِ أناس من أمّتك يتركون الحلال فلا يطْعمونه ويأتون الحرام الخبيث فيأكلونه وهُم الزناة.
10. شاربو الخمر: رأى أناسًا يشربون من الصديد الخارجِ من الزناة، قال له جبريل: هؤلاء شاربو الخمر المحرم في الدنيا.
11. الذين يمشون بالغيبة: رأى قومًا يخمشون وجوهَهم وصدورهم بأظفار نُحاسية، قال له جبريل: هؤلاء الذين كانوا يغتابون الناسَ.
والغيبةُ من أشدّ أسباب عذاب القبر هي والنميمة وترك الاستنزاه من البول. وغيبة الأتقياء من الكبائر، ثم الغيبة لا تفسد الصوم قال الإمام أحمد: لو كانت الغيبة تفسد الصوم لما صحّ لنا صوم.

المعراجُ
المعراجُ ثابتٌ بنصّ الأحاديث الصحيحة، وأمّا القرءانُ فلم ينصّ عليه نصًّا صريحًا، لكن وردَ فيه ما يكادُ يكونُ نصًّا صريحًا.
قال الله تعالى :{ولقد رءاهُ نزلةً أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنّة المأوى} (سورة النجم/13-14-15)، فإن قيل: قولُه {ولقد رءاه} يحتمل أن يكون رؤيةً مناميّة. قلنا: هذا تأويل، ولا يَسوغُ تأويل النصّ أي إخراجُهُ عن ظاهرهِ لغير دليلٍ عقليّ قاطع أو سَمعي ثابت كما قاله الرازيُّ في المحصول، وليسَ هنا دليلٌ على ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه عن الإسراء والمعراج:
:"ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ فاستفتَحَ جبريلُ فقيل: مَنْ أنت؟ قال: جبريلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمدٌ. قيل: وقد بُعث إليهِ (معنى وقد بعث إليهِ: هل طُلب للعروجِ وليس معناه أن الملائكةَ يسألونَ هل نزل عليه الوحيُ أم لا، لأن الملائكةَ يعلمون أن محمدًا خاتم الأنبياء، وكانوا يعلمون أنه قد نزل عليه الوحي، ومعنى حديث :"كنتُ نبيًّا وءادم بين الروح والجسد"
أي شُهرت بالوصف بالنبوة والرسالة قبل أن يركب روح ءادم في جسده وليس معناه أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خلق قبل ءادم فالرسول يقول :"نحنُ الآخرون السابقون" ومعناهُ نحن الآخرون وجودًا السابقون دخولاً الجنة)؟ قال: قد بُعث إليهِ. ففُتح لنا فإذا أنا بآدم فرحّبَ بي ودعا لي بخير. ثُمّ عَرَجَ بِنا إلى السماءِ الثانية، فاستفتحَ جبريلُ عليه السلام فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعث إليهِ؟ قال: قد بعث إليهِ. ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريمَ ويحيى بنِ زكرياءَ صلوات الله عليهما فرحّبا ودعوا لي بخير.
ثم عرَجَ بي إلى السماء الثالثة فاستفتحَ جبريلُ، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟ قال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعث إليهِ. ففُتح لنا فإذا أنا بيوسفَ صلى الله عليه وسلم إذْ هو قد أعطي شطر الحسن. فرحَّب ودعا لي بخير.
ثم عرجَ بنا إلى السماءِ الرابعةِ فاستفتحَ جبريلُ عليه السلام. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قال: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه. ففُتح لنا فإذا أنا بإدريسَ فرحب ودعا لي بخيرٍ.
قال الله عز وجل :{ورفعناهُ مكانًا عليًّا}. ثم عرَجَ بنا إلى السماءِ الخامسةِ فاستفتح جبريلُ. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعث إليهِ؟ قال: قد بُعث إليه. ففُتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم فرحَّب ودعا لي بخير.
ثم عرجَ بنا إلى السماءِ السادسةِ فاستفتحَ جبريلُ عليه السلامُ قيل: من هذا؟ قال: جبريلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه. ففُتح لنا فإذا أمامي موسى صلى الله عليه وسلم فرحَّب ودعا لي بخير.
ثمَّ عرَجَ بنا إلى السماءِ السابعةِ فاستفتح جبريلُ فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه. ففُتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخلُهُ كلَّ يومٍ سبعون ألف ملَكٍ لا يعودون إليهِ، ثم ذهبَ بي إلى سدرةِ المنتهى وإذا ورقُها كآذانِ الفيلةِ، وإذا ثمرُها كالقلالِ (جمع قُلة وهي الجرة العظيمة). قال: فلما غشيها من أمر اللهِ ما غشيَ تغيَّرت فما أحدٌ من خلق الله يستطيعُ أن ينعتها من حُسنها فأوحى الله إليَّ ما أوحى ففرضَ عليَّ خمسينَ صلاةً في كلّ يومٍ وليلةٍ فنزلتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال: ما فرضَ ربُّك على أمّتِك؟ قلتُ: خمسينَ صلاةً، قال: ارجِع إلى ربّك (هذا ليس معناهُ أنه في مكان يسكنه الله إنما معناه ارجع إلى المكان الذي تتلقى فيه الوحيَ من ربك. فالله موجود بلا مكان) فاسألهُ التخفيفَ فإنَّ أمتَكَ لا يُطيقون ذلك فإني قد بلوتُ بني إسرائيل وخبرتُهم. قال: فرجعتُ إلى ربي فقلت: يا ربّ خفّف على أمتي.
فحطَّ عني خمسًا فرجعتُ إلى موسى فقلتُ حطَّ عني خمسًا. قال: إنَّ أمّتك لا يُطيقونَ ذلك فارجعَ إلى ربّك فاسأله التخفيفَ قال: فلم أزلْ أرجِع بين ربي تبارك وتعالى (أي المكان الذي كنت أتلقى فيه الوحي من ربي) وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد إنهمّ خمسُ صلوات كلّ يومٍ وليلة لكلّ صلاةٍ عشرٌ، فذلك خمسون صلاةً. ومن همَّ (الهم أمر دون العزم ودون الفعل) بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كتبتْ له عشرًا، ومن همَّ بسيئةٍ فلم يعملها لم تكتبْ شيئًا، فإن عملها كُتبت سيئًة واحدةً قال: فنزلتْ حتى انتهيتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه فقال ارجع إلى ربّك فاسأله التخفيفَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلتُ: قد رجعتُ إلى ربي حتى استحييتُ منهُ" رواهُ مسلم.
وفي هذا الحديث دليل لأهل الحق أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية على أن النبيَّ والوليَّ له تصرّف بعد وفاته وينفع بإذن الله، أليس سيدنا موسى عليه السلام نفعَ أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم نفعًا عظيمًا بهذا الذي حصل ليلة المعراج حين أشار على الرسول أن يطلب من ربه التخفيف في عدد الصلوات؟ وهذا رد على الوهابية مشبهة العصر النافين النفعَ عمن مات، بل ويعتبرون من توسل بالأنبياء والأولياء مشركًا والعياذ بالله.

فائدة جليلة:
يجدرُ بنا هنا أن نذكر أن الله تعالى هو خالقُ السموات السبع وخالقُ الأماكن كلها، وأن الله كان موجودًا قبل خلقِ الأماكن بلا هذه الأماكن كلها. فلا يجوز أن يُعتقدَ أن الله تعالى موجودٌ في مكان أو في كل الأمكنة، أو أنّه موجود في السماء بذاته، أو متمكن على العرش، أو حالّ في الفضاء، أو أنه قريب منا أو بعيد عنا بالمسافة. تعالى الله وتنزّه عن ذلك ويكفُر من يعتقد ذلك.
قال الإمام علي رضي الله عنه :"كان اللهُ ولا مكان وهُو الآن على ما عليه كان". رواه أبو منصور البغدادي. ولا يجوز أن يُعتقد أن الله موجود في جِهة من الجهات. قال الإمامُ أبو جعفر الطحاويُّ السلفيّ في عقيدتِه المسماةِ العقيدةَ الطحاويةَ :"ولا تحويهِ الجهاتُ الستُّ كسائرِ المبتدعات" والجهاتُ الستُّ هي فوق وتحتُ ويمين وشمال وأمام وخلف. أما اعتقادُ بعضِ الضالين أن الرسول وصل إلى مكان هو مركزٌ للهِ تعالى فهذا ضلالٌ مبين لأن الله موجود بلا مكان، ولا عبرةَ بما هو مكتوبٌ في بعضِ الكتبِ الفاسدةِ الكثيرةِ الانتشار والذائعةِ الصيت التي فيها ما ينافي تنزيهَ اللهِ عن المكانِ والتي يتداولها بعضُ العوام، والتحذيرُ منها واجبٌ، ومنها الكتاب الذي عنوانه كتاب المعراج المنسوب كذبًا للإمام ابنِ عباسٍ فيجب التحذير منه ومن أمثاله.
فالعرشُ المجيدُ لا مناسبةَ بينَه وبين الله عزّ وجلَّ إنما خلقه اللهُ تعالى ليكونَ كالكعبةِ بالنسبةِ للملائكةِ الحافينَ حولَه وهم أكثر من كلّ الملائكةِ بل أكثر من عدد حباتِ المطرِ وأكثر من عدد حبات الرمال هؤلاءِ يطوفون حول العرش ويتوجهون إليهِ كما أننا نحن المؤمنين من أهل الأرض نتوجه إلى الكعبة في صلاتنا ونطوف حولها ونعظّمها ولا مناسبة بين الكعبةِ وبين الله عز وجلّ كما أنّه لا مناسبةَ بين الله وبين العرش، وما أقبحَ قول الوهابية إن جهةَ فوق تليق بالله لأنها جهة يتشرفُ بها الله حيث جعل هؤلاء المشبهةُ اللهَ عز وجلَّ متشرفًا بشىء من خلقه، إذ الجهات كلها من خلق الله تعالى، والله تعالى كان موجودًا قبل الجهات وقبل كل شىء فكيف يكون متشرفًا بشىء من خلقه. سبحانك هذا بهتان عظيم.

ما المقصود من المعراج:
المقصودُ من المعراجِ تشريفُ الرسول بإطلاعه على عجائب العالم العلوي، وتعظيمُ مكانتِه.
من عجائب ما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المعراج:
1. مالك خازن النار: من جملة ما رءاهُ تلك الليلة مالكٌ خازن النار، ولم يضحك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسأل جبريلَ لماذا لم يرَهُ ضاحكًا إليه كغيره. فقال: إن مالكًا لم يضحك منذ خلقه الله تعالى، ولو ضحك لأحدٍ لضحك إليكَ.
2. البيت المعمور: ورأى في السماء السابعة البيتَ المعمور، وهو بيت مشرّف، وهو لأهل السماء كالكعبةِ لأهل الأرض، كلَّ يوم يدخله سبعون ألف ملَك يصلون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبدًا. والملائكةُ أجسامٌ نورانيّة ذوو أجنحة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا، لا يأكلون ولا يشربون، ولا يتناكحون، ولا يعصون اللهَ ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وعددُهم لا يحصيه إلا الله.
3. سدرة المنتهى: وهي شجرة عظيمة بها من الحُسن ما لا يصفه أحدٌ من خلق الله، يغشاها فَراشٌ (جمع فراشة وهي التي تطير وتتهافت في السراج) من ذهب، وأصلها في السماء السادسة، وتصل إلى السابعة، ورءاها الرسول صلى الله عليه وسلم في السماء السابعة.
4. الجنة: وهي فوق السموات السبع منفصلة عنها فيها ما لا عينٌ رأت ولا أُذُن سمعت ولا خطَر على قلبِ بشر مما أعدّه الله للمسلمين الأتقياء خاصةً، ولغيرهم ممن يدخل الجنةَ نعيمٌ يشتركون فيه معهم.
فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حال أهل الجنة بعد دخولها قال :"ينادي منادٍ إنَّ لكُم أن تصِحوا فلا تسقموا أبدًا، وإنَّ لكُم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإنَّ لكُم أن تشبُّوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكُم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا.
فذلك قوله عز وجل :{ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (سورة الأعراف/43)". رواه مسلم.
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة الحورَ العين فطلب منه سيدنا جبريلُ أن يسلّم عليهنّ بالقول فقلن له: نحن خيراتٌ حِسان، أزواجُ قومٍ كرام.
رأى فيها الوالدان المخلدين وهم خلق من خلق الله ليسوا من البشر ولا من الملائكة ولا من الجنّ، الله تعالى خلقهم من غير أمّ وأب كاللؤلؤ المنثور ليخدموا أهل الجنة، والواحدُ من أهل الجنة أقلّ ما يكونُ عنده من هؤلاء الولدان عشرة ءالافٍ بإحدى يديْ كل منهم صحيفة من ذهب وبالأخرى صحيفة من فضة.
5. العرشُ: ثم رأى العرشَ وهو أعظمُ المخلوقات، وحولَه ملائكةٌ لا يعلمُ عددَهم إلا الله. وله قوائم كقوائم السرير يحمله أربعةٌ من أعظم الملائكة، ويومَ القيامة يكونون ثمانية. وقد وصف الرسول أحدَهم بأن ما بين شحمة أذنِه إلى عاتقِه مسيرةُ سبعمائةِ عامٍ بخفقانِ الطيرِ المسرعِ، والكرسيُّ بالنسبة للعرشِ كحلقةٍ في أرض فلاة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما السمواتُ السبعُ في جنب الكرسيّ إلا كحَلقةٍ في أرضٍ فلاة، وفضلُ العرشِ على الكرسيّ كفضلِ الفلاةِ على الحلقةِ".
والعرشُ أولُ المخلوقاتِ بعد الماء، ثم القلم الأعلى، ثم اللوح المحفوظ، ثم بعد أن كتبَ القلمُ على اللوحِ ما يكونُ إلى يوم القيامةِ بخمسينَ ألفَ سنةٍ، خلق الله السموات والأرضَ.
فلا يجوزُ أن يقال إن أول خلق الله نور محمد، أما حديث: أول ما خلق اللهُ نور نبيّك يا جابر، فهو حديث موضوع مكذوب مخالف للقرءانِ والحديث الصحيح والإجماع. وفيه ركاكة والركاكة من علامات الوضع عند علماءِ الحديث.
قال الإمام عليّ رضي الله عنه :"إنَّ اللهَ خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِه ولم يتخذه مكانًا لذاتِه" رواه أبو منصور البغداديّ.
فيكفر من يعتقد أن الله تعالى جالس على العرشِ لأنّه عز وجل ليس كمثلِه شىء، ولأنّه سبحانه وتعالى موجودٌ بلا مكان.
وما أبشعَ فرية الوهابية الذين يقولون إن الله جالس على العرش ثم يقولون ولكن ليس كجلوسنا! فأين عقولهم كيف يجلس الله على شىء خلقه؟! ثم الجلوس كيفما كان هو من صفات الخلق إذ يحتاج لجالس ومجلوس عليه وكيف يحتاج الخالق لشىء من خلقه، ثم الجالس له نصف أعلى ونصف أسفل وهذا مركب والمركب مخلوق فيستحيل الجلوس على الله تعالى كيفما كان.
6. وصولُه صلى الله عليه وسلم إلى مستوًى يسمعُ فيه صريفَ الأقلام:
ثم انفرد رسول اللهِ عن جبريل بعد سدرة المنتهى حتى وصل إلى مستوًى يسمع فيه صريفَ الأقلامِ التي تنسَخُ بها الملائكةُ في صحفها من اللوح المحفوظ.
وأما ما يقال إن الرسول وصل وجبريل إلى مكان فقال جبريل: جُز فأنا إن اخترقتُ احترقت وأنت إن اخترقتَ وصلتَ فهذا ونحوه كذب وباطل.
7. سماعُه صلى الله عليه وسلم كلام الله تعالى الذاتيّ الأزليّ الأبديّ:
من المعلوم لدى أهل الحقّ أن كلام اللهِ الذي هو صفةُ ذاته قديمٌ أزليّ لا ابتداء له، ليس ككلامنا الذي يُبدأ ثم يُختتم، فكلامُه تعالى أزليٌّ ليس بصوتٍ ولا حرْفٍ ولا لغة. لأن اللغات والحروف والأصوات مخلوقة ولا يجوز على الله أن يتصف بصفة مخلوقة.
فلذلك نعتقدُ أن سيدنا محمدًا سمعَ كلام الله الذاتيَّ الأزليَّ بغير صوت ولا حرفٍ ولا حلول في الأذن.
ففي تلك الليلة المباركةِ أزال اللهُ عن أفضلِ خلقِه الحجابَ الذي يمنعُ من سماعِ كلام الله الأزليّ الأبديّ الذي ليس ككلام العالمين. وفهم الرسولُ منه الأوامرَ التي أمر بها والأمور التي بلّغها.
أسمعَهُ اللهُ بقدرتِه كلامَه في ذلك المكان الذي فوق سدرة المنتهى، لأنه مكان عبادة الملائكةِ لله تعالى، وهو مكانٌ لم يعصَ اللهُ فيه، وليس مكانًا ينتهي إليه وجود الله كما في بعض الكتب المزيّفة لأن الله موجودٌ بلا مكان.
ماذا فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام الله الذاتيّ:
فهمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام الله الذاتي فرضيةَ الصلوات الخمس. وفهم أيضًا أنه يُغفرَ لأمّتِه كبائرُ الذنوب لمن شاء الله له ذلك.
أما الكافر فلا يغفر له مهما كانت معاملتُه للناس حسنة، ولا يرحمه الله بعد الموتَ ولا يدخله الجنةَ أبدًا إن ماتَ على كفره. قال تعالى :{إنَّ الله لا يغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دون ذلك لمن يشآء} (سورة النساء/48).
وفهمَ أيضًا من كلام الله الأزليّ الأبديّ أنَّ من عمِل حسنةً واحدةً كُتبتْ له بعشرةِ أمثالها، ومن همَّ بسيئةٍ ولم يعملها كُتبتْ له حسنة، ومن همّ بسيئةٍ وعملها كُتبتْ عليه سيئة واحدة.
8. رؤيتُه صلى الله عليه وسلم لله عزَّ وجلَّ بفؤادِه لا بعينِه:
ومما أكرم اللهُ به نبيَّه في المعراجِ أنْ أزال عن قلبه صلى الله عليه وسلم الحجابَ المعنويَّ، فرأى الله بفؤاده، أي جعل اللهُ له قوةَ الرؤية في قلبه لا بعينه، لأن الله لا يُرى بالعينِ الفانية في الدنيا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"واعلموا أنَّكم لن تروا ربَّكُم حتى تموتوا".
وإنما يُرى اللهُ في الآخرة بالعين الباقية، يراه المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسله، لا يشبه شيئًا من الأشياء، بلا مكان ولا جهة ولا مقابلة ولا ثبوت مسافة ولا اتصال شُعاع بين الرائي وبينه عز وجل.
يرى المؤمنون الله عز وجلَّ لا كما يُرى المخلوق.
فقد روى البخاريُّ وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"أما إنكم ترون ربَّكم يوم القيامة كما ترون القمرَ ليلةَ البدرِ لا تضامُّون في رؤيته".
أي لا تشكون أن الذي تروْنَ هو الله كما لا تشكون في قمرِ ليلة البدر، ولا يعني أن بين الله تعالى وبين القمر مشابهةً.
قال تعالى :{وجوهٌ يومئذٍ ناضرة * إلى ربّها ناظرة} (سورة القيامة/22-23).
أما الكفار فلا يرونَ اللهَ في الدنيا ولا في الآخرة وهم مخلدون في نار جهنم. قال تعالى :{كلا إنهم عن ربّهم يومئذٍ لمحجوبون} (سورة المطففين/15).
والدليل على أن الرسول رأى ربه بفؤاده مرتين في المعراج ما أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى :{ما كذب الفؤاد ما رأى} {ولقد رءاه نزلة أخرى} قال: رءاه بفؤاده مرتين.
وبهذه المناسبة تجدرُ الإشارةُ إلى أنّه لم يحصل للنبيّ أن رأى ربَّه وكلمه في ءانٍ واحد بل كانت الرؤية في حال، وسماعُ كلامه في حال. قال الله تبارك وتعالى :{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب أو يرسلَ رسولاً} (سورة الشورى/51).
9. رؤيته صلى الله عليه وسلم لسيدنا جبريل عليه السلام على هيئته الأصلية:
كان صلى الله عليه وسلم قد رأى جبريل عليه السلام في المرة الأولى في مكة على هيئته الأصلية، فغشي عليه، أما في هذه الليلة المباركة فقد رءاهُ للمرة الثانية على هيئته الأصلية فلم يُغش عليه إذ أنَّه ازداد تمكُّنًا وقوةً.
فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى :{ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى} قالت: إنما ذاك جبريل كان يأتيه، وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي هيأته الأصلية فسدَّ أفقَ السماء.
وليس معنى هاتين الآيتين :{ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى} أن الله دنا من الرسول حتى قرُب منه بالمسافة قدر ذراعين أو أقل، والذي يعتقد هذا يضل ويكفر.
أما المعنى الصحيح فهو أن جبريل دنا من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {فتدلى} أي جبريلُ في دنوه من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {فكان قاب قوسين} أي ذراعين {أو أدنى} أي بل أقرب.
وهناك ظهر له بهيأته الأصلية وله ستمائة جناح، وكل جناح يسدُّ ما بين الأرض والسماء.
روى مسلمٌ عن الشَعْبِي عن مسروق قال: كنتُ متكئًا عند عائشةَ فقالت يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهنَّ فقد أعظم على اللهِ الفرية قلت: ما هنَّ؟ قالت: من زعمَ أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال وكنت متكئًا فجلستُ فقلت: يا أمَّ المؤمنين أنْظِريني ولا تعجليني، ألم يقل اللهُ عز وجل :{ولقد رءاهُ بالأفقِ المبين} {ولقد رءاه نزلةً أخرى}.
فقالت: أنا أولُ هذه الأمةِ سأل عن ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال :"إنما هو جبريلُ لم أرَهُ على صورتِه التي خُلق عليها غيرَ هاتين المرتين، رأيتُهُ منهبِطًا من السماءِ سادًّا عِظَمُ خلقِهِ ما بين السماءِ والأرضِ" فقالت: أولم تسمعْ أن الله يقول {لا تُدركُهُ الأبصار وهُو يدرك الأبصارَ وهو اللطيفُ الخبير} أو لم تسمع أن الله يقول: {ما كان لبشرٍ أن يكلمَهُ اللهُ إلاَّ وحيًا أو من ورآءِ حجابٍ أو يرسلَ رسولاً فيُوحى بإذنِه ما يشآءُ إنَّه عليٌّ حكيم} (سورة الشورى/51).
قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتَم شيئًا من كتاب الله فقد أعظمَ على الله الفِرية، والله يقول: {يا أيها الرسولُ بلّغْ ما أنزل إليكَ من ربّك وإن لم تفعل فما بلغتَ رسالتَه} (سورة المائدة/67).
قالت: ومن زعمَ أنّه يُخبِرُ بما يكون في غد فقد أعظمَ على الله الفِرية. والله يقول {قل لا يعلمُ من في السموات والأرضِ الغيبَ إلا الله} (سورة النمل/65).
أي لا يعلم الغيب كلَّه إلا الله، وهذا فيه ردّ على القائلينَ أن الرسول يعلم كل ما يعلمه الله، وهؤلاء ساووا الرسول بالله عز وجل، والله تعالى لا يساويه أحد من خلقه في صفة من صفاته، فهو وحده العالِم بكل شىء والقادر على كل شىء لا يشاركه في ذلك ولا في سائر صفاته أحد من خلقه كائنًا من كان. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا ترفعوني فوق منزلتي".
ويقالُ إن الرسول صلى الله عليه وسلم مرَّ بقوم يأجوج ومأجوج (وهم كفار من البشر) وبلّغهم الدعوة، ففي البخاريّ أن الله يقول لآدم يوم القيامة :"أخرج بعثَ النار من ذريَّتك، فيخرُجُ من يأجوجَ ومأجوج حصة النار أكثر من كل البشر". وكان ذو القرنين (وهو رجل ولي صالح) بنى عليهم سدًّا من حديد ونحاس أذابهما، فهم محجوزون خلف السد في هذه الأرض إلى ما شاء الله.

ماذا حصل بعد رجوع الرسول من المعراج:
قال بعض العلماء: كان ذهابه من مكة إلى المسجد الأقصى وعروجُه إلى أن عاد إلى مكة في نحو ثلث ليلة، أخبر أمَّ هانىء بذلك ثمّ أخبر الكفارَ أنّه أُسري به فلم يصدّقوه، واستهزءوا به فتجهَّز ناسٌ من قريش إلى أبي بكر فقالوا له: هل لك في صاحبك يزعُم أنه قد جاء بيتَ المقدس ثم رجعَ إلى مكة في ليلة واحدة، فقال أبو بكر: أوَ قالَ ذلك؟ قالوا: نعم. قال: فأشهدُ لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: فتصدقُه بأن يأتي الشامَ في ليلة واحدةٍ ثم يرجعَ إلى مكةَ قبل أن يُصبح؟ قال: نعم إني أصدقهُ بأبعدَ من ذلك أصدقُه بخبر السماء. قال أبو سلمة: فبها سُمي أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وطلب الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصفَ لهم المسجد الأقصى لأنهم يعلمون أنّه لم يرحل مع أهل بلده إلى هناك قطّ.
فجمعَ له أبو جهل قومَه فحدثهم الرسول صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال قوم منهم ممن كان قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد: أما النعتُ فقد واللهِ أصابَ.

تنبيه:
على كل من اعتقد أن الله جسم أو أنه متحيّزٌ في مكان أو أنه دنا من الرسول بذاته أو أنه جالس على العرشِ الرجوعُ عن هذا والنطقُ بالشهادتين، لأنه يكون بذلك قد شبّه اللهَ بخلقه وكذب القرءان، قال تعالى :{ليس كمثله شىء وهو السَّميع البصير}. وقال أبو جعفر الطحاوي السلفي:"تعالى (يعني الله) عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات".
ومعنى "تعالى": تنزه الله. "عن الحدود": الحدّ هو الحجم، فالله لا يوصف بأنه حجم لا حجم كبير ولا حجم صغير.
"والغايات": النهايات وهذا من صفات الأجسام والله منزه عنها.
"والأركان": الجوانب وهذا أيضًا من صفات الخلق.
"والأعضاء": الأجزاء الكبيرة كالرأس واليد الجارحة والرجل الجارحة فكل ذلك اللهُ منزَّه عنه.
"والأدوات": الأجزاء الصغيرة كاللسان والأضراس والأسنان.
وهذا تنزيه صريح صرّح به إمام من أئمة السلف أئمة أهل السنة والجماعة الإمام أبو جعفر الطحاوي (الذي كان أدركَ جزءًا من القرن الرابع وعشرات من السنين من القرن الثالث الهجري) في عقيدته التي هي عقيدة أهل السنة أي الذين هم على ما عليه الرسول والجماعة أي الذين هم مع جمهور الأمة العاملون بحديث الرسول :"عليكُم بالجماعة وإياكُم والفُرقة" وبقوله :"فمن أرادَ بُحْبُوحة الجنة فليلزمِ الجماعةَ" ويكون من خالف ذلك شاذًّا ومن شذّ شذَّ في النار.

احرص على قلبك يا عبد الله ، وكن على دينك أحرص منك على الدرهم والدينار ؛ فلا تدع لشياطين الإنس والجن سبيلا أن يسترقوا اليقين من قلبك ، أو يزعزعوا الإيمان فيه ؛ وفر من هؤلاء المجسمةالمشبهه ، ومجالسهم ، ومنتدياتهم ، ولا تسمع لزخارف قولهم ، فإنك لا تدري إذا نزلت الشبهة في قلبك متى تخرج منه ، وإذا عرضت الفتنة ، هل أنت ناج منها أم من المفتونين .واحرص على التعلم اعلم أنه يجب على كل مكلّف أن يتعلم من علم الدين قدرًا لا يستغني عنه كل فرد من المكلّفين، وهو ينقسم إلى علم العقيدة وعلم الأحكاموهذه الأمور لا تؤخذ بالمطالعة من الكتب، لأنه قد يكون في هذه الكتب التي يطالعها الشخص دسٌّ وافتراء على الدين، أو قد يفهم منها أشياء على خلاف ما هي عليه عند السلف والخلف على ما تناقلوه جيلٌ عن جيل من الأمّة فيؤدي عبادة فاسدة، أو يقع في تشبيه الله بخلقه والتمثيل والكفر والضلال. وعلى كلّ فليس ذلك سبيل التعلّم الذي نهَجَه السلف والخلف، قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي أحد كبار المحدّثين: "لا يؤخذ العلم إلا من أفواه العلماء".
إذًا لا بدّ من تعلّم أمور الدين من عارف ثقة يكون أخذ عن ثقة وهكذا إلى الصحابة، قال بعض السلف :"الذي يأخذ الحديث من الكتب يسمّى صَحَفيًّا والذي يأخذ القرءان من المصحف يسمّى مصحفيًّا ولا يسمّى قارئًا"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، إنما العلم بالتعلّم والفقه بالتفقّه".
والله أعلم . 


والحمد لله رب العالمين

حكم العمل بالحديث الضعيف

فمن البدع المستهجنة التى تجرى بكل بساطة على ألسنة كثير من المغرمين بالانتساب الى السنة والتوحيد والتجديد مجازفتهم بالقول بضعف الحديث على معنى أنه باطل مكذوب , ويعتبر العمل به رجساً وفسقاً , أو على الأقل جهلاً وتجاوزاً.

وليس كذلك العلم ؛ فان للحديث الضعيف مجالا شرعيا يدور فيه , وله وظيفة أساسية فى دين الله , ومن ظلم العلم والدين أن يؤخذ الحديث الضعيف بحكم الحديث المكذوب , ذلك أن الحديث الضعيف حديث أصيل , لكن لم تستكمل فيه شروط الصحة .

أى : أن فيه جانبا من الصحة , ومن بعض شروط ما يتوقف عليه قبول الحديث , لكنها غير كاملة , ولهذا عدّه العلماء من قسم المقبول , خصوصا فى فضائل الاعمال والترغيب والترهيب والمواعظ والرقائق أو فى غير الأحكام ؛ فهو ليس من قسم المرفوض على أى حال , ولهذا استحب بعض العلماء العمل به فى موضعه

بل هناك من الائمة من نص علي العمل به في الاحكام اذا كان لم يوجد غيره بحذر واحتياط كما سنوضح في هذا البحث.

فقد روي أبو الشيخ ابن حبان فى كتاب (( النوائب )) عن جابر – رضى اللّه عنه – مرفوعا :

(من بلغه عن اللّه عز وجل شيء فيه فضيلة , فأخذ به ايمانا به , ورجاء لثوابه , أعطاه اللّه ذلك , وان لم يكن كذلك (.

وهذا الحديث أصل كبير فى أحكام الحديث الضعيف لأنه لا يمكن أن يكون صادرا عن رأى , بلا سماع , بل هو دليل على أن للحديث الضعيف أصلا ووظيفة ايجابية.

كذا إذا تلقت الأمة الضعيف بالقول يعمل به على الصحيح حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به  ولهذا قال الشافعي في حديثه " لاوصية لوارث" : إنه لا يثبته أهل الحديث و لكن العامة تلقته بالقول وعملوا بها حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية.
أو كان في موضع احتياط كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة فان المستحب _كما قال النووي _أن يتنزه عنه و لكن لايجب وهذا ما سنبينة في هذا اببحث المتواضع الملقتط من كلام المحدثين والعلماء بل ان لللبعض الشبهات ان الامام البخاري لم يأخذ بالضعيف فنقول لهم الادب المفرد للامام البخاري مليئ بالضعيف وأخذ به وذكلك القاضي ابن عربي نص علي انه لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقاً ولكنه قرر في نفس الوقت الاخذ به لانه اولي من القياس والامام الاوزاعي كان يحتج بالمراسيل فمن بقي لاخواننا المعترضين وستري هذه الاقوال في طيات هذا البحث..

أولاً العمل بالحديث الضعيف


قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدفاع عن مسند الامام احمد فيما عده الإمام ابن الجوزي من احاديث المسند من الموضوعات فقال الحافظ وهو يشرع في الرد علي ابن الجوزي في القول المسدد في الذب عن مسند أحمد ج1/ص11
ثم نشرع الآن في الجواب عن الأحاديث التسعة التي أوردها واقتصر عليها ونجيب عنها أولا من طريق الإجمال بأن الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شيء من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام والتساهل في إبرادها مع ترك البيان بحالها شائع وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا إذا روينا في الحلال والحرام شددنا وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا .

فالأساس عند هذا الإمام (ابن حجر) و القاعدة الأولى أن جميع الأحاديث التي رماها بالوضع الإمام ابن الجوزي و غيره هي من أحاديث فضائل الأعمال و ليست من أحاديث الأحكام في الحلال و الحرام و لا أظن المجهري يُخالفني بأن جميع ماذكره الحبيب علي الجفري ليس فيه حديثا واحدا في الأحكام بل جلّها في الفضائل و السير التي يُتساهل فيها فبعد ذلك يكون عملنا في الشُبهات الحديثية التي أوردها المجهري تخريج الأحاديث و شواهدها.

و سؤالاً نسوقه للمجهري و أتباعه من أهل الجهل بعلم الحديث : هل ترمي الإمام احمد بن حنبل بالكذب على رسول الله لروايته أحاديث عدّها الإمام ابن الجوزي في الموضوعات؟قَالَ أَحْمَدُ: إذَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَلالِ وَالْحَرَامِ شَدَّدْنَا فِي الأَسَانِيدِ. وَإِذَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ، وَمَا لا يَضَعُ حُكْمًا وَلا يَرْفَعُهُ تَسَاهَلْنَا فِي الأَسَانِيدِ.
رواه الخطيب بسنده في "الكفاية ص 134" ورواه النوفلي عن أحمد انظر: المسودة ص 273

قال ابن مهدي كما أخرجه البيهقي في "المَدخل": إذا رَوَيْنا عن النبي صلي الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام، شدَّدنا في الأسانيد، وانتقدنا في الرجال. وإذا روَينا في الفضائل والثواب والعقاب، سهّلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال. وقال سفيان بن عيينة: «لا تسمعوا من بَقِيّة ما كان في سُنّة، واسمعوا منه ما كان في ثواب». وقال أبو عبد الله النوفلي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: «إذا روينا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام، تشدّدنا في الأسانيد. وإذا روينا عن النبي صلي الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه، تساهلنا في الأسانيد». وقال‎ ‎الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول: «أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها، حتى يجيء شيء فيه حُكْم».وتجد غير هذه الأقوال في الكفاية في علم الرواية (1|134

وَقَالَ الْخَلاَّلُ: مَذْهَبُهُ - يَعْنِي: الإِمَامَ أَحْمَدَ - أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعَارِضٌ قَالَ بِهِ ..المدخل إلى مذهب أحمد 97

وفي شرح الكوكب المنير (2/573) قال الخلال: " ومذهبه ــ أي الإمام أحمدــ أن الحديث الضعيف إذا لم يكن له معارض قال به ..الخ"

ذكر عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة: "إذا روينا في الحلال والحرام شدَّدنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا"
لأجوبة الفاضلة للإمام محمد عبد الحي اللكنوي، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ص36.

وثبت عن الإمام أحمد أنَّه قال : إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والاحكام تشددنا ، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد:

انظر الكفاية للخطيب البغدادي ص135- وابن رجب الحنبلي في طبقات الحنابلة1/ 95

وقال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: والذي قطع به غير واحد ممن صنف في علوم الحديث حكاية عن العلماء أنه يعمل بالحديث الضعيف في ما ليس فيه تحليل ولا تحريم كالفضائل، وعن الإمام أحمد ما يوافق هذا. ا.ه

وثبت عن الإمام عبد الرحمن بن مهدي أنَّه قال : إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد ، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الرجالانظر الجامع لأخلاق الرواي للخطيب البغدادي2/ 91)

وذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه شرح علل الترمذي م1 ص 72 طبعة دار الفلاح (( قد رخَّص كثير من الأئمة في رواية أحاديث الرقاق ونحوها عن الضعفاء ، منهم ابن مهدي ، وأحمد بن حنبل )) .

قال الحافظ ابن الصلاح في مقدمته ( ص 60 طبعة مكتبة الفارابي الطبعة الأولى 1984 م ) :( الثاني : يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما . وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك : ( عبد الرحمن بن مهدي ) و ( أحمد بن حنبل ) رضي الله عنهما .)اه

قال النووي في شرح صحيح مسلم ( 1 / 125 طبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت الطبعة الطبعة الثانية ، 139) :
(الرابع : أنهم قد يروون عنهم أحاديث الترغيب والترهيب ، وفضائل الأعمال ، والقصص ، وأحاديث الزهد ، ومكارم الأخلاق ، ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الأحكام ، وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه .
ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به ، لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله .) اه

وقال الامام النووي

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ورضي عنه في كتابه (التقريب) ج1ص502 ما نصه:
(( ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ، ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف ، والعمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله تعالى ، والأحكام كالحلال والحرام ، ومما لا تعلق له بالعقائد والأحكام )). اهـ

لاحظ قوله (( والعمل به من غير بيان ضعفه )) بل وقال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في (التدريب) ج1ص503 معلقاً على هذا الكلام ما نصه:(( وممن نُقل عنه ذلك: ابن حنبل ، وابن مهدي ، وابن المبارك ، قالوا: إذا روينا في الحلال والحرام شدَّدنا ، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا

وقال الإمام النووي رحمه الله في كتابه الإرشاد م1 ص270 طبعة مكتبة الإيمان المدينة المنورة (( يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الضعيف من غير اهتمام ببيان ضعفها ، ويجوز العمل بها فيما سوى صفات الله وأحكام الشرع من الحلال والحرام وغيرها ، وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وما لا تعلق له بالأحكام والعقائد ))


وقال في كتابه الأذكار ص36طبعة دار المنهاج . (( وقال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم : يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف مالم يكن موضوعاً ))


وقال حافظ بن أحمد الحكمي في اللؤلؤ المكنون في أحوال الاسانيد والمتون ( ص 229 ) ما نصه :وَقَدْ أَتَى أَوْهَى الأَسَانِيدِ بِمَا *** أَصَحُّهَا فِيمَا مَضَى تَقَدُّمَا

وَبِالضَّعِيْفِ لاَ بِتَرْكٍ وُصِفَا *** وَلاَ لِمَدْلُولِ الصَّحِيحِ قَدْ نَفَى

يُؤْخَذُ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ *** لاَ الْفَرْضِ بِالْحَرَامِ وَالْحَلاَلِ


قال الإمام الحافظ شمس الدين السخاوي في (فتح المغيث) ج1ص288 ما نصه:((وهذا التساهل والتشديد منقول عن ابن مهدي عبد الرحمن وغير واحد من الأئمة كأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المبارك والسفيانين بحيث عقد أبو أحمد بن عدي في مقدمة كاملة، والخطيب في كفايته لذلك باباً. وقال ابن عبد البر: أحاديث الفضائل لا نحتاج فيها إلى من يحتج به، وقال الحاكم سمعت أبا زكريا الغبري يقول: الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً، ولم يحل حراماً، ولم يوجب حكماً، وكان في ترغيب، أو ترهيب، أغمض عنه وتسهل في رواته )). اهـ المقصود

وقال ابن الهمام في كتاب الجنائز من "فتح القدير":الاستحباب يثبت بالضعيف غير الموضوع . انتهى

قال ابن الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: (2/316 - 320)، بعنوان: (ما لا يفتقر كتْبُه إلى إسناد)
«وأما أخبار الصالحين وحكايات الزهاد والمتعبدين ومواعظ البلغاء وحكم الأدباء، فالأسانيد زينة لها، وليست شرطاً في تأديتها».

وقال الحافظ العراقي في شرحه على ألفيته المسمى التبصرة والتذكرة 1/ ص291 طبعة دار الكتب العلمية ذكر العراقي تعليقا على هذين البيتين (( تقدم أنه لا يجوز ذكر الموضوع إلا مع البيان، في أي نوع كان ،وأما غير الموضوع، فجوَّزوا التساهل في إسناده وروايته من غير بيان لضعفه ،إذا كان في غير الأحكام والعقائد بل في الترغيب والترهيب من المواعظ والقصص وفضائل الأعمال ونحوهما، أما إذا كان في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام وغيرهما، أو في العقائد كصفات الله تعالى، وما يجوز ويستحيل عليه ونحو ذلك، فلم يروا التساهل في ذلك، وممن نص على ذلك من الأئمة ،عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وغيرهم، وقد عقد ابن عدي في مقدمة " الكامل " والخطيب في " الكفاية " بابا لذلك )) . انتهى

ونص الإمام محمد بن علان الصديقي في كتابه الفتوحات الربانية على الأذكار النووية م1 ص82 المكتبة الإسلامية
وهو شرح للأذكار النووي ، على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال .
قال الحافظ السخاوي ”وممن اختاروا ذالك أيضاً إبن عبدالسلام وإبن دقيق العيد“[القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع (ص195)] .

قال الإمام الصنعاني ”الأحاديث الواهية جوزوا أي أئمة الحديث التساهل فيه ، وروايته من غير بيان لِضعفه إذا كان وارداً في غير الأحكام وذالك كالفضائل والقصص والوعظ وسائر فنون الترغيب والترهيب“[توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار (2/238)] .

وهكذا تجدونه في كتاب "التحفة المرضية" ص 185 - 186 ففي نفس الكتاب ص186 : " وقال السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد الكوكباني شيخ الإمام الشوكاني في بعض مؤلفاته:(( إذ قال المتأخرون من المحدثين: هذا حديث غير صحيح أو لا يصح، لم يكن معناه أن الإستدلال به مردود ولا أنه غير معمول به، بل لم نجد لهم حرفا مصرحا بذلك، فإذا قال المتأخرون في حديث : إنه غير صحيح أو لا يصح ولم يزد على ذلك، كان قوله مقبولا ثم يبحث عنه فإن كان حسنا أو ضعيفا معمولا به عمل به وإلا ترك( انتهى .
فعلم من كلامه أن الضعيف اليسير لا يكون سببا في رد الحديث بل ينبغي أن ينظر للعمل .

قال العلامة إبراهيم بن موسى الأبناسي ”الأحاديث الضعيفة التي يُحتمل صِدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب“[الشذ الفياح من علوم إبن صلاح (1/223)] .وصول الأثر (2/238) .

جاء في "شرح علل الترمذي" (1/372) للحافظ ابن رجب رحمه الله :

" يقول سفيان الثوري رحمه الله :لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ .

وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي نا عبدة قال :قيل لابن المبارك - وروى عن رجل حديثاً - فقيل : هذا رجل ضعيف ! فقال : يحتمل أن يروي عنه هذا القدر أو مثل هذه الأشياء .

قلت لعبدة : مثل أي شئ كان ؟ قال : في أدب في موعظة في زهد .

وقال ابن معين في موسى بن عيينة : يُكتب من حديثه الرقاق .

وقال ابن عيينة : لا تسمعوا من بقية – اسم واحد من الرواة - ما كان في سُنَّة ، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره .

وقال أحمد في ابن إسحاق : يكتب عنه المغازي وشبهها .

وقال ابن معين في زيادٍ البكائي : لا بأس في المغازي ، وأما في غيرها فلا " انتهى.

وقال العلامة علي القاري ”الأعمال التي تثبت مشروعيتها بما تقوم الحجة به شرعاً ، ويكون معه حديث ضعيف ففي مثل هذا يُعمل به في فضائل الأعمال ؛ لأنه ليس فيه تشريع ذالك العمل به ، وإنما فيه بيان فضل خاص يُرجى أن يناله العامل به“ [المرقاة (2/381)]

وقال العلامة حبيب الرحمن الأعظمي ”والضعيف من الحديث وإن كان قبولاً في فضائل الأعمال ، ولابأس بإيراده فيها عند العلماء“ [مقدمة مختصر الترغيب والترهيب (ص06)]

قال ابن حجر الهيثمي "الفتح المبين في شرح الأربعين" ص 32: قد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؛ لأنه إن كان صحيحاً في نفس الأمر فقد أُعطي حقه من العمل به، وإلا لم يترتب على العمل به مفسدة تحليل ولا تحريم، ولا ضياع حق للغير.

وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوي الحديثية مطلب في الأذكار التي لها أصل في السنة كأذكار النووي وغيرها ج 1 ص 284

ولا يضر أن في بعض أحاديثها ضعفا ، لأن الحديث الضعيف والمرسل والمعضل والمنقطع يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقا بل إجماعا على ما فيه .

وفي فتاوي ابن حجر الهيثمي كتاب الحج ج 2 ص 90 :والظاهر أن المأثور عنه لا فرق فيه بين أن يصح سنده أو لا، لأن الحديث الضعيف والمرسل والمنقطع يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقاً كما في المجموع.

وقال الامام ابن حجر الهيتمي: وأُجيب على ما سبق بأن العمل بالحديث الضعيف "ليس من باب الاختراع في الشرع، وإنما هو ابتغاء فضيلة، ورجاؤها بأمارة ضعيفة من غير مفسدة عليه" راجع الأجوبة الفاضلة ص43

وَفِي "الْمُغْنِي" فِي صَلاةِ التَّسْبِيحِ: "الْفَضَائِلُ لا يُشْتَرَطُ لَهَا صِحَّةُ الْخَبَرِ"، وَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ لَيْلَةَ الْعِيدِ. فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشِّعَارِ وَغَيْرِهِ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ". المغني 2/ 98


وجاء في فتاوي الرملي


وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّلَاةِ فَقَوْلُهُ فِيهَا : فَقَبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ أَيْ إسْلَامَهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ، وَأَخَّرَ وُجُوبَ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ دُخُولِهَا وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ غَيْرِ الْمَوْضُوعِ إنَّهُ كَذِبٌ ؛ لِأَنَّ تَضْعِيفَهُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ


وقال بدر الدين بن جماعة في إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل( ص 45 طبعة دار الطبعة الأولى ، 1990 ، بتحقيق وهبي سليمان غاوجي الألباني ) عند كلامه عن الاعتماد على الحديث الصحيح دون الضعيف في العقائد ، ما نصه : ( قال ابن الصلاح في مقدمة في علوم الحديث : يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر مالا تعلق له بالأحكام والعقائد وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما


وقال المحقق الجلال الدواني رحمه الله تعالى في رسالته ( أنموذج العلوم ) ص2 - بعد كلام طويل - ما نصه:
(( والذي يصلح للتعويل أنه إذا وُجِدَ حديث ضعيف في فضيلة عملٍ من الأعمال ، ولم يكن هذا العمل مما يَحتمِل الحرمة أو الكراهة ، فإنه يجوز العملُ به ويُستَحَب ، لأنه مأمون الخطر ومرجوُّ النفع ، إذ هو دائر بين الإباحة والإستحباب ، فالإحتياط العمل به رجاء الثواب ... )) انتهى


قال ابن حجر العسقلاني: «إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة: الأول: وهو متفق عليه، أن يكون الضعف غير شديد. فيَخرج مَنِ انفَرَدَ من الكذّابين، والمُتّهَمين بالكذب، ومن فَحُشَ غَلَطُه. الثاني: أن يكون مُندَرِجاً تحت أصلٍ عام معمولٍ به، فيخرج ما يخترع، بحيث لا يكون له أصلٌ أصلاً. الثالث: أن لا يُعتقَدَ عند العمل به ثبوتُه، لِئَلا يُنْسَبُ ثبوته إلى النبي r ما لم يقله».
وممن نقل ذالك عن الحافظ إبن حجر العسقلاني ، الحافظ السخاوي في كتابه القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع (ص195)


وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في تبيين العجب بما ورد في فضل رجب (23-26 ) :" اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في ( النكت على مقدمة ابن الصلاح ) ج1ص243 ما نصه:(( وقد صرَّح أبو الحسن ابن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه (بيان الوهم والإيهام) بأن هذا القسم - أي الضعيف أو المنقطع ... - لا يحتج به كله بل يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح ، أو ظاهر قرآن. - ثم قال الحافظ ابن حجر مباشرة - : وهذا حسن قوي رايق ما أظن منصفاً يأباه والله الموفق )). انتهى

قال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في المغني (1/437-438):"النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث لها".

وقال ابن عبد البر المالكي "التمهيد" 6/39: أما حديث علي فإنه يدور على دينار أبي عمرو عن ابن الحنفية وليس دينار ممن يحتج به وحديث عمرو بن شعيب ليس دون عمرو من يحتج به فيه ثم قال: وأحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به .

قال الحافظ السخاوي في فتح المغيث ( 1 / 82 – 83 طبعة دار الكتب العلمية – لبنان الطبعة الأولى ، 1403هـ ) : ( أبو داود يخرج الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وهو أقوى عنده من رأي الرجال وهو تابع في ذلك شيخه الإمام أحمد فقد روينا من طريق عبد الله بن أحمد بالإسناد الصحيح إليه قال سمعت أبي يقول لاتكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه غل ، والحديث الضعيف أحب إلي من الرأي ، قال فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيها إلا صاحب حديث لا يدري صحيحه من سقيمه وصاحب رأي فمن يسأل ؟ قال : يسأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي .
وكذا نقل ابن المنذر أن أحمد كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره .
وفي رواية عنه أنه قال لابنه لو أردت أن أقتصره على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث إني لاأخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه وذكر ابن الجوزي في الموضوعات أنه كان يقدم الضعيف على القياس بل حكى الطوفي عن النقي بن تيمية أنه قال : اعتبرت مسند أحمد فوجته مواقفا بشرط داود انتهى ) اهـ

قال الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى في: "فتح المغيث"(1/287) :"لكنه-يعني: الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه- احتج رحمه الله بالضعيف حين لم يكن في الباب غيره، وتبعه أبو داود، وقدماه على الرأي والقياس. ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك. وإن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيره)

قال محمد بن حزم في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام" جزء السابع صفحة 45:
"قال أبو حنيفة: الخبر الضعيف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى من القياس، ولا يحل القياس مع وجوده"

قال الشيخ إبراهيم الشبرخيتي رحمه الله تعالى في: "شرح الأربعين النووية" (ص/39) : "ومحل كونه لايعمل بالضعيف في الأحكام مالم يكن تلقاه الناس بالقبول، فإن كان كذلك تعين وصار حجة يعمل به في الأحكام وغيرها كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى" انتهى.

قال العلامة اللكنوي رحمه الله تعالى في: "الأجوبة الفاضلة" (ص/51) : "وتبع أحمد أبو داود، وقدماه على الرأي والقياس. ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك، وإن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيره"انتهى.

قال الامام الدارقطني - في عادة مالك - قال في العلل ج6 صفحة 63: «ومن عادة مالك إرسال الأحاديث وإسقاط رجل» ا.هـ

ومع ضعف الحديث بإرساله أو انقطاعه فقد أخذ به مالك وأصبح دليلا قويا وحجة مقبولة عند جمهور العلماء

من أمثلة الأخذ بالحديث الضعيف في الحلا والحرام حديث: "لاوصية لوارث"

قال ابن حزم رحمه الله تعالى في: "المحلى"(3/61) :"وهذا الأثر وإن لم يكن مما يحتج بمثله فلم نجد فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله: (ضعيف الحديث أحب إلينا من الرأي). قال علي-يعني ابن حزم نفسه-: وبهذا نقول"انتهى.

يقول الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى في: "فتح المغيث"(1/287) :"وكذا إذا تلقت الأمة الضعيف بالقبول يعمل به على الصحيح حتى أنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به؛ ولهذا قال الشافعي رحمه الله في حديث: "لاوصية لوارث" : (إنه لايثبته أهل الحديث، ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية له) "انتهى.


قال محقق الحنفية الامام الكمال بن الهُمام في " فتح القدير" في آخر الفصل الأول من فصول كتاب الطلاق
( 3/143) عند قوله صلى





زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم تُسن للقاصدين بسفرهم زيارة قبره الشريف، وهي من القُرب العظيمة، ويُستحب أن تنوي بقلبك زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأن تنوي مع زيارته صلى الله عليه وسلم التقرُّب إلى الله تعالى بالمسافرة إلى مسجده والصلاة فيه، ولا تلتفت لمن يحرمون زيارة القبر الشريف لأنهم يضيقون على الناس ويُحرمون ما أحلّه النبي والعلماء من بعده، فلا يجوز العمل بكلامهم بل يجب نبذه والإعراض عنه، فهـؤلاء يخالفون إجماع أئمة الهدى، وإليك أخي المسلم الأدلة على جواز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم 

من الحديث النبوي الشريف: 

روى الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: » ليهبِطَنَّ عيسى ابن مريم حكَماً مُقسطاً، وليسلُكنَّ فجاً حاجاً أو مُعتمراً، وليأتينَّ قبري حتى يُسلم عليَّ، ولأردنَّ عليه «، صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وروى الحافظ الطبراني في معجمه الكبير والدارقطني في أماليه وأبو بكر بن المقري في معجمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: » من جاءني زائراً لا يعمله حاجة إلا زيارتي كان حقاً علي أن أكون له شفيعاً يوم القيامة «، صححه الحافظ سعيد بن السكن 

الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام :

 إعلم أخي المسلم أن مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم محل إجماع لم يخالف في ذلك إلا شِرذمة لا وزن لهم، أما علماء المذاهب الأربعة وغيرهم فلم يختلفوا في هذه المسألة والدليل على ذلك الإجماع الذي نقله القاضي عياض اليَحصبي المالكي عالم المغرب في زمانه حيث قال في كتابه " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ( ج 2/83): » وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم سُنة من سُنن المسلمين مُجمعٌ عليها مُرغبٌ فيها «، وقد أجاز علماء من المذاهب الأربعة تخصيص قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة، منهم: 

1ـ العلامة الهُمام الشيخ نظام الحنفي في " الفتاوى الهندية " (ج1/265)، 2ـ القاضي عياض اليحصبي المالكي في " الشفا " (ج2/83)، 3ـ الشيخ النووي الشافعي في كتابه " الأذكار " (ص183) وكتاب " المجموع " ( ج8 /272)، 4ـ الشيخ ابن قدامة المقدسي الحنبلي في " المغني" (ج3/588)، فكن أخي المسلم على يقين من جواز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تلتفت إلى من شذ التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أمر مستحب: ويستحب لك 

أخي المسلم أن تتوسّل بالرسول صلى الله عليه وسلم وتتشفّع به إلى الله فقد علّمه عليه الصلاة والسلام لرجل أعمى جاءه شاكياً إليه ذهاب بصره، فقد روى الطبراني في معجميه الكبير والصغير أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره فقال صلى الله عليه وسلم:» إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك، قال : يا رسول الله إنه شق عليّ ذهاب بصري وإنه ليس لي قائد، فقال له: ائت الميضأة فتوضأ وصلّ ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتُقضى لي « ففعل الرجل ما قال، قال راوي الحديث ( عثمان بن حنيف ) فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل الرجل وقد أبصر كأنه لم يكن به ضر قط «، قال الطبراني والحد يث صحيح، فالذي يدعو الله بجاه محمد فهذا القول جائز ليس شركاً، فلا تلتفت أخي المسلم لمن يرمون الناس بالشرك لأنـهم يدعون الله بجاه محمد 

أقسام الردة: أخي المسلم إن الإيمان شرط لقبول الأعمال الصالحة فلذلك يجب على كل مسلم حفظ إسلامه وصونه عما يُفسده ويُبطله ويقطعه وهو الردة والعياذ بالله تعالى، فمن صدر منه كفر لا يُقبل منه صلاة أو حج أو صيام أو غيرها من الأعمال الصالحة حتى يعود إلى الإسلام

والردة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1ـ الكفر الإعتقادي: ومحله القلب، ومن أمثلته الشك في الله أو في رسوله أو القرءان أو اليوم الآخر أو أن يعتقد بأن الله تعالى يشبه خلقه كالذي يعتقد أن الله كالهواء موجود في كل مكان، فالله تعالى لا يشبه خلقه كان موجوداً قبل أن يخلق المكان والزمان بلا مكان وبعد أن خلقهما ما زال موجوداً بلا مكان لأن الله تعالى لا يتبدّل ولا يتغير، قال تعالى: } ليسَ كَمِثلِهِ شَيء{ وقال الإمام أحمد بن حنبل:» مهما تصوّرت ببالك فالله بخلاف ذلك « رواه أبو الفضل التميمي، 

2- الكفر الفعلي : كالسجود لصنم أو إلقاء المصحف في القاذورات، 

3- الكفر القولي : والأقوال الكفرية كثيرة جداً لا تنحصر منها: سبُ الله ( قال الإمام القاضي عياض اليحصبي قي كتاب الشفا: " لا خلاف أن ساب الله من المسلمين كافر " ) أو نبي من الأنبياء أو الملائكة أودين الإسلام أو كتاب الله أو شعيرة من شعائر الدين، قاعدة: كل اعتقاد أو فعل أو قول يدل على استخفاف بالله أو كُتبه أو رُسله أو ملائكته أو شعائره ( كالأذان ) أو معالم دينه ( كالصلاة و الحج ) أو أحكامه أو وعده ( كالجنة ) . والله تعالى اعلم واحكم

القول في تأويل قوله تعالى : ( إنك ميت وإنهم ميتون

تفسير الطبري

القول في تأويل قوله تعالى : ( إنك ميت وإنهم ميتون ( 30 ) ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( 31 ) فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ( 32 ) ) ص: 287 ] يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم - : إنك يامحمد ميت عن قليل ، وإن هؤلاء المكذبيك من قومك والمؤمنين منهم ميتون ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون يقول : ثم إن جميعكم المؤمنين والكافرين يوم القيامة عند ربكم تختصمون فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم ، ويفصل بين جميعكم بالحق . 

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : عنى به اختصام المؤمنين والكافرين ، واختصام المظلوم والظالم . 

ذكر من قال ذلك : 

حدثنا علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله : ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون يقول : يخاصم الصادق الكاذب ، والمظلوم الظالم ، والمهتدي الضال ، والضعيف المستكبر 

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قال : أهل الإسلام وأهل الكفر 

حدثني ابن البرقي قال : ثنا ابن أبي مريم قال : ثنا ابن الدراوردي قال : ثني محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن الزبير قال :لما نزلت هذه الآية : ( إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قال الزبير يا رسول الله ، أينكر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ فقال النبي : - صلى الله عليه وسلم - " نعم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه 

وقال آخرون : بل عني بذلك اختصام أهل الإسلام . 

ذكر من قال ذلك : 

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر عن سعيد ، عن ابن عمر قال : نزلت علينا هذه الآية وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة ، [ص: 288 ] فقلنا : هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون 

حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية قال : ثنا ابن عون عن إبراهيم قال : لما نزلت : ( إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم ) . . . الآية قالوا : ما خصومتنا بيننا ونحن إخوان قال : فلما قتل عثمان بن عفان قالوا : هذه خصومتنا بيننا 

حدثت عن ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قال : هم أهل القبلة .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : عني بذلك : إنك يا محمد ستموت ، وإنكم - أيها الناس - ستموتون ، ثم إن جميعكم - أيها الناس - تختصمون عند ربكم ، مؤمنكم وكافركم ، ومحقوكم ومبطلوكم ، وظالموكم ومظلوموكم ، حتى يؤخذ لكل منكم - ممن لصاحبه قبله حق - حقه . 

وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب ؛ لأن الله عم بقوله : ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون خطاب جميع عباده ، فلم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض ، فذلك على عمومه على ما عمه الله به ، وقد تنزل الآية في معنى ، ثم يكون داخلا في حكمها كل ما كان في معنى ما نزلت به . 

وقوله : ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه يقول - تعالى ذكره - : فمن من خلق الله أعظم فرية ممن كذب على الله ، فادعى أن له ولدا وصاحبة ، أو أنه حرم ما لم يحرمه من المطاعم ( وكذب بالصدق إذ جاءه يقول : وكذب بكتاب الله إذ أنزله على محمد ، وابتعثه الله به رسولا وأنكر قول لا إله إلا الله . 

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 

ص: 289 ] ذكر من قال ذلك : 

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة وكذب بالصدق إذ جاءه ) : أي بالقرآن 

وقوله : ( أليس في جهنم مثوى للكافرين يقول - تبارك وتعالى - : أليس في النار مأوى ومسكن لمن كفر بالله ، وامتنع من تصديق محمد -صلى الله عليه وسلم - واتباعه على ما يدعوه إليه مما أتاه به من عند الله من التوحيد ، وحكم القرآن ؟ 

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...