بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 24 أغسطس 2018

إرشاد الأوَّاه الى تحريمِ لفظِ الجلالة ِ باسم ِ ءاه

إرشاد الأوَّاه الى تحريمِ لفظِ الجلالة ِ باسم ِ ءاه


إرشاد الأوَّاه الى تحريمِ لفظِ الجلالة ِ باسم ِ ءاه

تأليف أبي المكارم الشاذلي الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمد الأمين وعلى ءاله الطاهرين وصحابته الميامين وبعد:
فإن بعض جهلة المتصوفة ممن ينتسب إلى الطريقة الشاذلية ابتدعوا بدعة قبيحة مخالفة للقرءان الكريم والسنة النبوية وانحرفوا بذلك عن نهج الأمة الإسلامية وعن طريق التصوف الصحيح بل وعن نهج الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه فقاموا بتحريف اسم الله تعالى مدعين أن " ءاه" اسم من أسمائه تعالى واحتجوا بحديث موضوع في إثبات هذه البدعة المنكرة حتى قال بعض هؤلاء وهو من أهل دمشق: إن " ءاه" أقرب للفتوح من " الله" وءاخر منهم يقول عندما يقيمون ما يسمونه بالحضرة" اليوم حصل تجلي" وهو عاقُّ الوالدين
ووالده كان من أولياء الله تعالى فكان يقول لوالده:" أُكسّر رأسك" ، فمن أين لهذا المدعي وأمثاله التجلي وهذا ينطبق عليه قول الجنيد البغدادي رضي الله عنه:
فساد كبير عالم متهتك ~~~ وأكبر منه جاهل متنسك
ثم هذا ليس من التجليات بل هذا من الشيطان حيث أوهمهم بأن هذا فيه عبادة لله وما يحصل لهم من الفرح النفساني فهذا فرح الهوىوليس هوى الوجد.
فمن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعملا ً بقوله تعالى: كُنتُم خيرَ أُمّـة ٍ أُخرجَت للنّاسِ تأمُرونَ بالمعروفِ وتَنهَونَ عنِ المنكر"سورة ءال عمران.
قمت بجمع هذه الورقات على عجل عسى أن ينفع الله بها هؤلاء الأغمار فاقول ولله الحمد:
هذا الأمر ليس من اصل الطريقة الشاذلية بل شىء أحدثه بعض جهلة المتصوفة من شاذلية فاس كما قال شيخ الشاذلية في المدينة المنورة 
الشيخ ظافر المدني الشاذلي رحمه الله تعالى في رسالة له فقال:" إن الاشتغال بـ " ءاه" من فعل شاذلية فاس" ا هــ.
وقولهم هذا أي زعمهم أن " ءاه" من اسماء الله مردود بكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم واقوال أهل المذاهب الأربعة واللغويين.

مخالفتهم للقرءان الكريم

أما بعد ما يرد به عليهم من كتاب الله عز وجل أن الله وصف نفسه بأن له الأسماء الدالة على الكمال فقال عز وجل: ولله الاسماءُ الحُسنى فادعوهُ بِها وذَرُوا الذينَ يُلحِدونَ في أسمئِهِ " سورة الأعراف 
وقال الله تعالى:" أيّـًا مّا تدعُوا فلهُ الاسمآءُ الحُسنَى" سورة الإسراء
وقال تعالى:" هو الله الذي لا إلهَ إلاّ هُوَ عالمُ الغيبِ والشهادةِ هو الرحمنُ الرَّحيمُ(22) هوَ الله الذي لا إله إلا هو الملكُ القُدّوسُ السَّلَمُ المؤمنُ المُهيمِنُ العزيزُ الجبّارُ المُتَكبِرُ سُبحنَ اللهِ عمَّا يٌشركونَ(23)هو اللهُ الخَلِقُ البارِىءُ المُصوّرُ لهُ الأسماءُ الحُسنَى (24) سورة الحشر
ومعنى الحسنى أي الدالة على الكمال، فلا يجوز أن يكون اسم من أسماء الله تعالى دالاً على خلاف الكمال
قال الزجاج(1) " ولا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يسم به نفسه"
(1) زاد المسير 3‍_293.
وقال ابو سليمان الخطابي(1) :ودليل هذه الآية (2) أن الغلط في أسمائه والزيغ عنها إلحاد" ا هــ.
وقال النسفي في تفسيره(3) :" ومعنى قوله تعالى:" وذروا الذينَ يُلحِدونًَ في أسمَئِهِ" سورة الأعراف
أي اتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيها فيسمونه بغير الأسماء الحسنى
وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه نحو أن يقولوا:" يا سخي يا كريم" لأنه لم يسم نفسه بذلك
ومن الإلحاد في أسماء الله تعالى هو تسميته بما لم يسم به نفسه ولم يرد فيه نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع لأن اسماء الله سبحانه وتعالى كلها توفيقية أي يتوقف إطلاقها عليه تعالى على ورودها في كتاب الله أو سنة نبيّه أو إجماع، ومن هنا يعلم أنه لا يجوز تسمية الله تعالى بـ "ءاه" لأنه لفظ على العجز والشكاية والتوجع وما كان كذلك يستحيل أن يكون اسمًا لله تعالى.
(1) زاد المسير 3_ 293.
(2) أي ءاية" وللهِ الأسماءُ الحُسنى" سورة الأعراف
(3) مدارك التنزيل وحقائق التأويل 2_ 87.

مخالفتهم للسنة النبوية المطهرة

أما ما يرد على هؤلاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ثبت عنه أنه قال: "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فلا يقل: ءاه ءاه فإن الشيطان يضحك منه" أو قال: "يلعب منه" رواه الترمذي والحافظ المجتهد ابن المنذر وابن خزيمة (1) واللفظ له، فلو كان لفظ ءاه من أسماء الله تعالى التي يتقرب بها إلى الله تعالى كما يزعمون لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن الشيطان يضحك منه".
ثم إنه لم يرد في حديث صحيح ولا حسن أن "ءاه" اسم من أسماء الله تعالى، وإنما الذي ورد ما رواه الديلمي في مسند الفردوس (2) والرافعي في تاريخ قزوين (3) أن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا مريض يئن فقلنا له: اسكت فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعوه يئن فإن الأنين اسم من أسماء الله تعالى يستريح إليه العليل"، رواه الديلمي من طريق محمد بن أيوب بن سويد ثنا أبي عن نوفل بن الفرات عن القاسم عن عائشة، والقزويني من طريق إسماعيل بن عياش عن ليث بن أبي سليم عن بهية عن عائشة، وهو حديث موضوع جزمًا أي مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشا أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقد عزاه له السيوطي في الجامع الصغير وسكت عليه (4)، وتعقبه الحافظ أحمد بن الصديق الغماري في كتابه المغير على الجامع الصغير وحكم بوضعه فقال ما نصه (5) : "أخرجه أيضًا الديلمي من طريق الطبراني وفيه محمد بن أيوب بن سويد الرملي (6) وهو متهم بوضع الحديث ولي في بيان وضعه جزء مستقل" اهـ.
وقال الحافظ أحمد الغماري في كتابه المداوي لعلل المناوي بعد إيراد سنده ما نصه (7) : "ومحمد بن أيوب بن سويد قال ابن حبان (8) : لا تحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به يروي عن أبيه الأشياء الموضوعة، كان أبو زرعة يقول: رأيته أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة بخط طري وكان يحدث بها اهـ، فالحديث موضوع" انتهى كلام الغماري.
قلت: وهو كما قال فهو جدير بأن يكون موضوعًا، ومحمد بن أيوب قال فيه أيضًا الدارقطني (9) : متروك، والحاكم وأبو نعيم (10) : روى عن أبيه أحاديث موضوعة. 
أما سند القزويني ففيه إسماعيل بن عياش (11) وإن كان حافظًا فقد ضعفه النسائي، وقال الحاكم: "هو مع جلالته إذا انفرد بحديث لم يقبل منه لسوء حفظه"، وقال أبو حاتم: ليّن، وقال ابن حبان: "كثر الخطأ في حديثه فخرج عن الاحتجاج به فيما لم يخلط فيه"، ووثقه يحيى وغيره، وهذا الحديث من رواية إسماعيل بن عياش عن غير أهل بلده وروايته عنهم ضعيفة كما نقل ذلك الحفاظ المعتبرون.
وفيه أيضًا ليث بن أبي سليم (12) روى له مسلم مقرونًا بأبي إسحاق الشيباني لكن ضعّفه النسائي والقطان وأبو زرعة وأبو حاتم وقال أحمد: مضطرب الحديث، وقال ابن حبان: "كان من العبّاد ولكن اختلط في ءاخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم كل ذلك كان منه في اختلاطه، وتركه يحيى القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين".
وفيه أيضًا بهية مولاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهي مجهولة، وهي أيضًا ليست بحجة كما قال ابن عمار الموصلي (13).
وفيه أيضًا غير هؤلاء من المجاهيل، فتلخص بذلك أن هذا السند مشتمل على ضعفاء ومجاهيل لذا فهو ساقط ظاهر النكارة. 
وممن رده أيضًا المناوي في شرح الجامع الصغير فقال ما نصه (14) : "لكن هذا لم يرد فيه حديث صحيح ولا حسن وأسماؤه تعالى توقيفية" اهـ. 
ولا يدفع قولهم ما ذكره العزيزي شارح الجامع الصغير (15) : "قال الشيخ: حديث حسن لغيره" اهـ، فلا معنى له لأن شيخ العزيزي هو الشيخ محمد حجازي الشعراني ولا ذكر له ولا للعزيزي في طبقات المحدثين فضلاً عن الحفاظ الذين إليهم المرجع في معرفة درجة الحديث، إذ التصحيح والتحسين من شأن الحافظ المطلع كما هو معلوم عند أهل الحديث، قال الحافظ السيوطي في ألفيته (16) : 

وخذهُ حيث حافظٌ عليه نص = أو مِن مصنَّفٍ بجمعِهِ يُخَص

أي يُعرف الحديث إذا نص حافظ على صحته أو ذكره في كتاب اشترط أن لا يذكر فيه إلا الصحيح كالحافظ سعيد ابن السكن فإنه ألف كتابًا اشترط أنه لا يذكر فيه إلا الصحيح وسماه: "السنن الصحاح".
قال المحدث عبد الله الغماري المغربي ما نصه (17) : "وهذا الحديث رواه الرافعي في تاريخ قزوين والديلمي في مسند الفردوس عن عائشة بإسناد فيه راو كذاب، فهو حديث واه نازل عن درجة الاحتجاج بالمرة. ولقد غلط العزيزي في شرح الجامع الصغيرحيث ادعى أنه حسن لغيره مع أن عمدته في التصحيح والتحسين غالبًا – وهو المناوي – لم يحسنه أصلاً لا في شرحه الكبير ولا الصغير ولا حسنه الحافظ السيوطي الذي هو عمدتهم جميعًا، وكيف يستطيع أن يحسنه وفي سنده كذاب كما ذكرنا" اهـ. 
فإن قيل: كيف يكون موضوعًا وقد أورده السيوطي في الجامع الصغير الذي التزم في مقدمته أنه صانه عما تفرد به وضاع أو كذاب؟ فالجواب: أن كتاب الجامع الصغير ليس من هذا القبيل الذي ذكرناه ففيه الكثير من الصحيح والحسن والكثير من الضعيف وفيه جملة من الموضوع كما في شأن حديث: "دعوه يئن"، كما أن السيوطي نفسه لم يوف بشرطه فقد أورد في جامعه أحاديث حكم هو بوضعها إما بإقراره حُكمَ ابنِ الجوزي بوضعه وذلك في اللآلئ المصنوعة أو في ذيلها، أو حَكمَ بوضعها في كتابه ذيل الموضوعات.
ـــــــ 

(1) رواه الترمذي في سننه: كتاب الأدب: باب ما جاء إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، وصححه، وابن خزيمة في صحيحه: أبواب الأفعال المكروهة في الصلاة: باب الزجر عن قول المتثائب في الصلاة هاه وما أشبهه. 
(2) الفردوس بمأثور الخطاب 5/431 بلفظ: "يا حميراء أما شعرت أن الأنين اسم من أسماء الله تعالى يستريح به المريض". 
(3) تاريخ قزوين 4/72.
(4) الجامع الصغير 1/651.
(5) المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير ص/62-63.
(6) الضعفاء والمتروكين للدارقطني ص/353، المجروحين 2/299، تهذيب التهذيب 9/69، لسان الميزان 5/87، الميزان 3/487، المدخل إلى الصحيح ص/208، المغني 2/558، سؤالات البرقاني للدارقطني ص/58، الكشف الحثيث ص/354، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 3/43، النكت البديعات للسيوطي ص/177، تنزيه الشريعة 1/101، الضعفاء لأبي نعيم ص/143، الموضوعات 1/201.
(7) المداوي لعلل المناوي 4/36.
(8) المجروحين 2/299.
(9) سؤالات البرقاني للدارقطني ص/58.
(10) المدخل إلى الصحيح ص/208، الضعفاء لأبي نعيم ص/143.
(11) الضعفاء والمتروكين للنسائي ص/49، ولابن الجوزي 1/118، التاريخ الكبير 1/369، المجروحين 1/124، الجرح والتعديل 2/191، المغني 1/76، الميزان 1/240، تهذيب التهذيب 1/321، الضعفاء الكبير 1/88، سؤالات الآجري لأبي داود 2/133، الكامل 1/288.
(12) الضعفاء والمتروكين للنسائي ص/209، ولابن الجوزي 3/29، التاريخ الكبير 7/246، المجروحين 2/231، الجرح والتعديل 7/177، المغني 2/536، الميزان 3/420، تهذيب التهذيب 8/465، لسان الميزان 7/347، الضعفاء الكبير 4/14، الكامل 6/2105، أحوال الرجال ص/91، سؤالات ابن الجنيد لابن معين ص/113، البيان والتوضيح ص/218، الموضوعات 2/129، سؤالات الآجري لأبي داود 1/304، تاريخ أسماء الضعفاء لابن شاهين ص/162.
(13) تهذيب التهذيب 12/405.
(14) فيض القدير 3/533.
(15) السراج المنير شرح الجامع الصغير 2/287.
(16) ألفية السيوطي (ص/12).
(17) مجلة الإسلام – العدد/35، ص/31.

مخالفتهم لعلماء الفقه


أما ما يرد مزاعمهم من أقوال علماء الفقه من أهل المذاهب الأربعة وغيرها ما رواه ابن المنذر في الأوسط (1) أن الأنين ـ وهو قول "ءاه" و"أوه" وفيها لغات كثيرة (2) ـ يفسد الصلاة وحكاه عن الشعبي والنخعي ومغيرة وبه قال سفيان الثوري، وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه أصحها إن ظهر منه حرفان أفسد وإلا فلا (3)، قال العمراني في البيان (4) : "فإن تنحنح أو أنّ أو تنفس أو نفخ فإن تبين منه حرفان مثل أن يقول: "ءاه" أو "واه" أو "أُف" بطلت صلاته لأن ذلك يُعد كلامًا"، وقال المقدسي الحنبلي في المغني والشرح الكبير ما نصه (5) : " ولم أر عن أحمد في التأوه شيئا ولا في الأنين والأشبه بأصولنا أنه متى فعله مختارًا أفسد صلاته"، لكن المالكية (6) والحنفية (7) قالوا: "الأنين والتأوه إن كان من خشية الله أو خوف النار أو العذاب لا يفسد الصلاة وإلا فسدت". 
ثم مما يدل على أن هذه اللفظة ليست من أسماء الله تعالى أنه لا يثبت بها اليمين وكذا لا يثبت بقول بعض الجهال: "واللا" بدون هاء بل من قال ذلك عليه معصية لأنه حرّف اسم الله تعالى. 
فبعد هذا كيف يكون ءاه اسمًا لله تعالى وهو يُبطل الصلاة، فإنه لم يذكر واحد من الفقهاء أن واحدًا من ألفاظ الأنين هو اسم من أسماء الله، بل قال جمع من السلف ومن فضلاء أهل التصوف الحقيقي ومنهم طاووس والفضيل بن عياض وذو النون المصري وسفيان الثوري والإمام أحمد بن حنبل وجماعة من الشافعية منهم أبو الطيب وابن الصباغ: "إن أنين المريض وتأوهَه مكروه"، وتعقبه بعضهم وهو النووي وقال: اشتغاله بالذكر أولى، وهي مسئلة مشهورة بين الفقهاء ومع ذلك لم يقل أحد منهم إن "ءاه" من أسماء الله تعالى.


ــــــــ
(1) الأوسط في السنن والإجماع والخلاف 3/257.
(2) قال الشرنبلالي الحنفي ممزوجًا بالمتن في باب ما يفسد الصلاة ص/61 ما نصه: "(والأنين) وهو أه بسكون الهاء مقصور بوزن دع (والتأوه) وهو أن يقول أوه وفيها لغات كثيرة" اهـ.
(3) فتح الباري 2/206.
(4) البيان في مذهب الشافعي 2/309.
(5) المغني والشرح الكبير 1/707.
(6) الخرشي على مختصر خليل 1/325، منح الجليل شرح مختصر خليل لمحمد عليش 1/203 ـ 204.
(7) مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ص/220، حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح ص/220، إعلاء السنن 5/47.

مخالفتهم لأقوال أهل اللغة


أما مخالفتهم لعلماء اللغة فقد قال الحافظ اللغوي الفقيه محمد مرتضى الزبيدي في شرح القاموس (1) بعد أن عدّ جملة من ألفاظ الأنين ما نصه: "أوَّهِ، وءاهِ، وأوَّهْ، وأوِّ، وءاوُوه، وءاهٍ، وأوَّتاه، وءاويَّاه" ثم قال ممزوجًا بالمتن: "فهن اثنتان وعشرون لغة كل ذلك كلمة تقال عند الشكاية أو التوجع والتحزن" اهـ، وكذا ذكر صاحب لسان العرب (2)، وقال الفيومي في المصباح (3) : "ءاهِ من كذا بالمد وكسر الهاء لالتقاء الساكنين كلمة تقال عند التوجع وقد تقال في الإشفاق، وأوْهِ بسكون الواو وبالكسر كذلك وقد تشدد الواو وتفتح وتسكن الهاء وقد تحذف الهاء فتكسر الواو. وتأوه مثل توجع وزنًا ومعنًى" اهـ.
فالعجب كيف أن الذين يعملون بزعمهم حضرة ذكرٍ عند وقوفهم وقيامهم متماسكين بالأيدي واهتزازهم مع التثني والتكسر اختاروا لفظ "ءاه" من بين تلك الكلمات العديدة التي ذكرها الحافظ الزبيدي في شرح القاموس والتي كلها تدل على الشكاية والتوجع والعجز. 
أيضًا المريض يقول: "ءاه" والمظلوم يقول: "ءاه" وقد قال بعض المداحين: 

ءاهٍ مما جنيتُ إن كان يغني = ألِفٌ من عظيمِ ذنبٍ وهاءُ

ومعناه إن كان يغني ألف وهاء من عظيم ذنبٍ فـ ءاهٍ مما جنيتُ من ذنوب كثيرة ولكنها لا تغني ولا تفيد، فهذا دليل على أن "ءاه" ليس من أسماء الله. 
ومما يرد مزاعمهم الباطلة في اختيار هذه اللفظة أن المذكور في الحديث المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ الأنين وليس لفظ "ءاه" فمقتضى احتجاجهم بهذا الحديث الموضوع أن يكون لفظ: ءاه، وءاووه، وأوتاه وغيرها من ألفاظ الأنين وهي نحو العشرين كما ذكر الحافظ محمد مرتضى الزبيدي فيلزم على كلامهم أن تكون كل تلك الكلمات اسمًا من أسماء الله وهم لا يقولون ولا يذكرون ذلك فالعجب كيف أنهم اختاروا من بينها لفظ "ءاه" وقالوا عنه اسمًا من أسماء الله، وهذا الحديث الموضوع الذي يحتجون به لم ينص على لفظ من ألفاظ الأنين التي هي اثنتان وعشرون كلمة فما هذا التحكم، فبأي حجة اختاروا "ءاه" من بين تلك الكلمات فليس لهم مستند إلا الهوى، فتبين أن مستندهم أوهى من بيت العنكبوت وتبين أن الطريقة الشاذلية بريئة من هذا ومن نسبه إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه فقد افترى عليه، وتبين أيضًا بطلان ما ذكره الأمير والباجوري في حاشيتهما على جوهرة التوحيد حيث قال الباجوري (4) : "ينبغي للمريض أن يقول "ءاه" لأنه ورد أنه اسم من أسمائه تعالى"، وذكر نحوه الأمير في شرحه على منظومة "غرامي صحيح" فليُحذر من ذلك. 
فبعد هذا ماذا بقي للمتشبث بهذا الرأي الفاسد بعد هذا إلا العناد. 

ــــــــ
(1) تاج العروس 9/376 ـ 377.
(2) لسان العرب 13/472 ـ 473.
(3) المصباح المنير ص/31.
(4) شرح جوهرة التوحيد ص/157.

رد شبهات

ـ الشبهة الأولى:

ادعى بعض جهلة الصوفية أن هذا الحديث الموضوع اتفق الصوفية على العمل به وأيضًا صح كشفًا وإلهامًا. 
والجواب: أن أحكام الشريعة الإسلامية أربعة: الكتاب العزيز، والسنة النبوية الثابتة، والإجماع، القياس، والمراد بالإجماع اتفاق أئمة المجتهدين في أي عصر على حكم، فلو سلَمنا جدلا كما يزعم البعض أن الصوفية اتفقوا على العمل به ـ وهذا كذب وافتراء عليهم ـ فالجواب: أنه لا حجة في اتفاقهم دون غيرهم لا سيما ولم يكن لهم دليل من هذه الأربعة فلا يكون اتفاقهم بمجرده إجماعًا علمًا أن هذا افتراء على الصوفية ونحن نرى أصحاب الطرق المختلفة لا يذكرون بهذه اللفظة المنكرة ما عدا أولئك الذين انتحلوا لأنفسهم لقب الشاذلية وانتسبوا إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه المبرأ عن مثل هذه البدعة القبيحة لعدم ثبوته في شيء من كلامه ولا كلام أتباعه المعترف بجلالتهم في العلم والعمل كتلميذه أبي العباس المرسي رضي الله عنه وغيره علمًا أن هذه اللفظة ليست مستعملة عند كل من ينتسب إلى الشاذلية كما قدمنا من إنكار الشيخ ظافر المدني شيخ الشاذلية في المدينة المنورة لهذه الكلمة، وأيضًا شاذلية اليمن لا يستعملونها، وأيضًا عند شاذلية الشيخ حسنين الحصافي المصري وهم كثيرون منتشرون في البلاد. 
وكان الشيخ محمود حجازي أحد رؤساء الشاذلية وتلميذه الشيخ المحروقي يدافع عن هذه الكلمة بشدة حتى استفتى مفتي الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي رحمه الله فأفتاه بتحريم الذكر بها فرجع الشيخ محمود حجازي عن القول بها وألّف رسالة سماها: "التفصيل الواضح في الرد على تغيير أهل الطريق الفاضح" وعقد لذلك فيها بابًا فقال: "باب رفض اسمية ءاه لله تعالى".
ثم ليس مجرد الكشف أو الإلهام حجة شرعية يثبت بها حكم من أحكام الدين فلا تثبت الأحكام الشرعية بالكشف وأنه لو فـُتح هذا الباب لتخالفت الأحكام وكثر المدعون لذا أوجب أئمة التصوف الحقيقي عرضَ كل كشف يراد العمل به على الكتاب والسنة كما هو مسطور في كتب القوم، فأي كشف وافق أصول الشريعة يُعتد به وما لا فلا. 
وقولهم هذا أضل كثيرًا من أدعياء التصوف بمخالفتهم لأصول الشريعة وخالفوا القوم فأتَوا بأمور منكرة بدعوى أنها تثبت لديهم بالكشف أو الإلهام وقد علمتَ أن الكشف والإلهام ليسا حجة شرعية فكيف إذا انضم إلى ذلك جهلهم وكذبهم في تلك الدعوى، وقد شنع الشيخ الفقيه الصوفي محمد علّيش المالكي في أوائل فتاويه تشنيعًا شديدًا على جهلة الصوفية القائلين بمثل هذا القول مدعين أنهم أهلُ الحقيقة والفقهاء أهل الظاهر ولجهلهم لم يعلموا أن الحقيقة لا تخالف الشريعة وأن ما يسميه القوم بالحقيقة هو عبارة عن معارف وأسرار يُلهَمُها من أتقن الشريعة علمًا وعملا فما دامت لا تأباها الشريعة فهي مقبولة ومعتبرة، قال الشيخ مصطفى البكري في ألفيته: 

ومَن يُخالف فِعلـُه الشريعَه ~ فذاك في مَهَامه القطيعَه
إذ كلُ مـَن حالفهـا صِدّيـق ~ وكل من خالفهـا زنديـق 
وجاهلُ يَفـْرُقُ ما بينهما ~ وليس يمكن انفكاكٌ عنهما 

فتبين أن ضلالات أدعياء التصوف المدعين للولاية بمقالهم أو حالهم مصادرها ثلاث: دعوى مخالفة الحقيقة للشريعة، وزعم حجية الكشف أو الإلهام في الدين، والاغترار بأحاديث مكذوبة غير ثابتة عن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ـ الشبهة الثانية:

ظن هؤلاء المتصوفة من شدة جهلهم أن معنى أوّاه في قوله تعالى: ((إن إبراهيمَ لأوّاهٌ حليم)) [سورة التوبة] أن إبراهيم كان يذكر بلفظ ءاه والجواب: ان هذا غير صحيح فإن الأواه من يُظهر خشية الله تعالى كما ذكر الراغب الأصفهاني في المفردات (1)، وهو كناية عن رقة قلبه وشدة رحمته، وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "الأواه: الرحيم"، رواه ابن أبي حاتم (2) بإسناد حسن (3). 

ـــــــ
1. المفردات في غريب القرءان ص/32.
2. تفسير القرءان لابن أبي حاتم 6/1896.
3. حسّنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 6/389.

ـ الشبهة الثالثة: 

زعم بعضهم (1) من شدة الغلو أن هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي وعزا ذلك لشرح العزيزي وهذا افتراء فإن هذا الحديث الموضوع لا وجود له في الصحيحين ولا في الترمذي ولا في بقية الكتب الستة ولا في غيرها مما هو مَظِنـّة الصحيح أو الحسن فضلاً عن شرح الجامع الصغير للعزيزي وإنما هو في الجامع الصغير للسيوطي معزوًا إلى الرافعي في تاريخ قزوين ولو كان في شيء من هذه الكتب لعزاه إليه فإنها أقوى بدرجات من تاريخ قزوين وسائر كتب التاريخ فقد ذكر السيوطي في فاتحة جامعه الكبير الذي اختصر منه الجامع الصغير أن كل ما يعزوه فيه إلى كتب التاريخ فهو ضعيف. 
ــــــــ
1. مجلة الإسلام ـ السنة الخامسة ـ العدد 33 ـ ص/33 ـ 34.

ـ الشبهة الرابعة: 

افترى بعض المتعصبين من جهلة الشاذلية فادعوا أن "ءاه" قال بها جمهور العلماء، والجواب: أن هذا من أعاجيب الفِرى ويرده ما نص عليه العلماء من أن أسماءه تعالى توقيفية يتوقف ثبوتها على القرءان والحديث الثابت ولا نعلم بل لا يجدون عالمًا معتبرًا يُقتدى به في الوفاق والخلاف بأن يكون مجتهدًا أو ناقلاً عن مجتهد ذهب إلى اسمية "ءاه" اللهم إلا ما وقع في شرح "غرامي صحيح" للأمير، وفي حاشية جوهرة التوحيد للأمير والباجوري وقد أسلفنا أنه لا تقوم به حجة.

الخاتمة

عُلم مما تقدم أنه لا يجوز الذكر بلفظ "ءاه" ولا بنحوه فمن أراد أن يذكر الله تعالى فليذكره بما هو ثابت في القرءان الكريم والسنة النبوية الشريفة قال الله تعالى: ((ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يُلحدون في أسمائه)) [سورة الأعراف/180]. قال الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه: "لا يجوز تسمية الله إلا بما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة" اهـ، وقال أبو بكر الباقلاني تلميذ الأشعري: "ما أطلق الله على نفسه أطلقناه عليه وما لا فلا" اهـ. 
قال الحافظ أحمد الغماري في المداوي ما نصه (1) : "بعض الشاذلية بمصر يستدلون بهذا الحديث على الذكر الذي يذكرون به ويسمونه اسم الصدر وهو ءاه ءاه والحديث كما ترى، وقد كان شيخنا أبو ثابت محمد بخيت المطيعي المصري رحمه الله سُئل عن الذكر بهذا الاسم فشرع في الجواب بإبطاله وإبطال كون ءاه اسمًا من أسماء الله تعالى إلا أنه توقف في الجواب ولم يمضه لتوقفه في الحديث وعدم اهتدائه للجواب عنه لظنه أنه ثابت فاتفق أني زرته يومًا مع حفيد الشيخ الفاسي المكي وأصحابه هم الذين يذكرون بذلك الاسم فلما استقر بنا المجلس وعرّفتُ الشيخ أن الذي معي هو حفيد الشيخ الفاسي فقال له: هل لا زلتم تذكرون باسم ءاه؟ فقال له: نعم، فشرع ـ يعني الشيخ المطيعي ـ يتكلم عليه وذكر أنه سئل عنه وأنه أجاب بالإبطال إلا أنه توقف في الحديث وذكر عن الحفني كلامًا نسيته الآن فبادرته وقلت له: إن الحديث غير صحيح، فلما سمع مني هذا طار فرحًا وفـُرِجَ عنه همٌ كبير من جهة الحديث وطلب مني أن أكتب له بيان ضعفه ليعتمد عليه في الجواب، فلما خرجنا من عنده طلب مني حفيد الفاسي ألا أذكر له ذلك لئلا يتجيش بفتواه أعداؤهم عليهم، فتشاغلت عنه مدة لا لكلام الفاسي فكتب إليّ كتابًا مع قيّم خزانته يستحثني فيه على الجواب عن الحديث وأرسل معه نسخة من حاشيته على شرح الإسنوي على منهاج البيضاوي فكتبت له بيان وضعه وعدم صحته (2) ودفعته للقيّم وقلت له: إذا تم تأليف الشيخ في الجواب عن المسئلة فليتحفنا منه بنسخة، فلما مضت على ذلك نحو خمسة عشر يومًا لم يُرِعْنا إلا خبر وفاته وذلك في منتصف شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف"" اهـ.

وقد أفتى شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري المالكي فتوتين بتحريم الذكر بهذا اللفظ (3) وبلفظ "أح أح" وكذا بلفظ "لا إله إلا الله" بمد هاء كلمة إله، أو بلفظ من يشبع همزة إله مع مدها فيتولد عنها ياء، أو بلفظ إثبات ومد همزة لفظ الجلالة فتصير كالاستفهام، حتى إنه أفتى بتحريم حضور مجالسهم ويجب تغيير ذلك باليد لمن قدر فإن لم يقدر باليد فباللسان فإن لم يقدر فبالقلب فقال في الأولى: "لا يكون الذكر إلا كما ورد في القرءان المجيد والسنة المطهرة ولا فرق بين الشريعة والحقيقة لأن الحقيقة ما جاءت إلا من الشرع، وأما "ءاه" فلم تثبت من طريق صحيح أنه اسم من أسمائه تعالى، ولم تضِق أسماء الله عن الذكر بها حتى يذكر بغيرها"، وجاء في الثانية: "وكل هذا مخالف لما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة يزعمون أنهم انجذبوا فيأكلون بعض حروف هذه الكلمة ويحرفونها، وربما لم تسمع إلا أصواتـًا ساذجة أو شيئـًا يشبه نهيق الحمار أو هدير الطائر، ويرحم الله الأخضري حيث قال في منظومته فيهم: 

ويَنبَحون النبـحَ كالكلابِ = طريقـُهم ليست على الصوابِ
ولـيس فيهم مِن فتـًى مُطيعِ = فـلـعـنـةُ اللـه على الجميـعِ

نعم المأخوذ عن حسه الغائب عن نفسه كل ما جرى على لسانه لا لوم عليه إنما كلامنا في الذين يتعمدون ذلك وهم باختيارهم ولم يخرجوا عن حد التكليف فهؤلاء يخشى عليهم من تقطيع أسماء الله وتحريف أذكاره إنهم يذكرونه وهي تلعنهم على حد ما ورد: "رب قارئ للقرءان والقرءانُ يلعنه" اهـ. 

وللشيخ محمد أبي الفضل شيخ الأزهر فتوتان بالتحريم الأولى موجزة أجاب بها سؤالا رُفع إليه إذ كان شيخ علماء الإسكندرية والأخرى مسهبة أجاب بها سؤالا رُفع إليه وهو شيخ الأزهر (4).

وللشيخ مصطفى بن حسن العسيلي العدوي رسالة طبعت قديمًا متضمنة للإجابة عن أسئلة رفعت إليه بشأن مد هاء "إله" من كلمة التوحيد والذكر بلفظ "ءاه" قرر فيها منع الأمرين بأدلة واضحة وقد جاء فيها ما نصه (5) : "وأما قول المحرف المعاند إنه موجود في كتب الشاذلية ما يدل على جواز الذكر بلفظ "ءاه" إلخ فالعجب ثم العجب من قوم يزعمون أنهم يذكرون ربهم ويعظمونه ويرضون بأفعاله ويأتون بلفظ "ءاه" وهو موضوع للتشكي أو التوجع" اهـ واستدل على هذا بكلام ابن الأثير في النهاية وبكلمة المصباح والمختار والقاموس ثم قال: "فقد أجمع اللغويون وشارحو الحديث على أن لفظ "ءاه" موضوع للتشكي أو التوجع فكيف يليق بقوم يزعمون أنهم يعبدون ربهم ويتقربون إليه بأسمائه أن يذكروه بكلمة الشكاية أو التوجع ويستدلون على ذلك بأشياء هي أوهى من بيت العنكبوت وما نقل أن أحدًا من السلف الصالح ذكر ربه بذلك قط" انتهى كلامه. 

ــــــــ
1 - المداوي لعلل المناوي 4/36-37.
2 - هو كتابه المسمى: "الحنين بوضع حديث الأنين"، طبع حديثـًا في بيروت. 
3- مجلة الإسلام ـ السنة السادسة ـ العدد 13 ـ ص/25، ونقل الشيخ محمود خطاب السبكي في كتابه مختصر كتاب أعذب المسالك المحمودية إلى منهج السادة الصوفية ص/422 ـ 429 نص السؤال الوارد على الشيخ سليم البشري ونص الجواب. 
4 – مجلة الإسلام – السنة السادسة العدد 13 – ص/25. 
5 – مجلة الإسلام ـ السنة السادسة العدد 21 ـ ص/20

وقد أسلفنا أن الشيخ ظافرًا المدني شيخ شيوخ شاذلية عصره ابن الأستاذ الشيخ محمد ظافر المدني نص على عدم اسمية "ءاه" وحرمة الذكر به في رسالته المسماة: "الرسالة الظافرية في ءاداب الطريقة الشاذلية" وهي عظيمة الفائدة ومن جملة ما جاء فيها (1) :"وشروط الذكر عند من يلقنه معلومة وأوقاته معينة مرسومة ولكن لا يُلتفت لما عليه بعض زوايا الشاذلية من التحريف في "لا إله إلا الله" بمد هاء إله، ولا إلى الذكر بـ "هيْ" أو "ءاه" حيث لم يكن لذلك سند صحيح يعتمد عليه سوى أنه كان من بين رجال الطريق أشياخ مغاربة يغلب في لغتهم مد بعض الحروف المقصورة فكان يجري على ألسنتهم قهرًا لا قصدًا مد هاء إله من "لا إله إلا الله" فتبعهم في ذلك من تلقى عنهم، كما أن أصل الذكر بآه على اختلاف كيفية النطق به أنه كان مما يجري على ألسنة بعض الخواص أرباب الأحوال نحو ثلاث مرات في ءاخر نهضة من طبقة الذكر بالله الأخيرة ثم يجلس عقب ذلك فكان بعض المريدين يتبعهم في ذلك على سبيل التبرك ولكن أنكره كثير من العلماء المعول عليهم في الأحكام الشرعية المنتسبين لطريقتنا الشاذلية قائلين إنه لا يجوز اتباع أرباب الأحوال في حال كما لا يجوز قصر لام "الله" بحال في أي طبقة من طبقات الذكر مهما أسرع به الذاكر، هذا هو طريق السادة الشاذلية الصحيح الذي تلقيناه عن والدنا شيخ مشايخ الطريق كما تلقاه هو كذلك وعليه العمل الآن في جميع الزوايا التابعة لنا في البلاد العثمانية والعربية وفي صحراء سيوه ومطروح متفقين جميعًا على عدم مد هاء إله في "لا إله إلا الله"، وعلى أن اسم الصدر هو لفظ الله بدون قصر ولا حذف شيء منه لا لفظُ هيْ ولا لفظ ءاه" اهـ.

وقد قرظ الرسالة المذكورة كثير من العلماء على اختلاف مذاهبهم ومن تلك التقاريظ: عبد الله دراز المالكي وكيل معهد علماء الإسكندرية، ومحمد تاج الدين الحنفي، وعبد الهادي الضرغامي المالكي، ومصطفى صفوت المالكي، وأمين سرور الشافعي المدرسين بمشيخة الإسكندرية، وإسماعيل حسين أمين الشاذلي، وعلي الشايب وكلاهما من مشايخ الأزهر، وإبراهيم السيد من مشايخ الجامع الأحمدي. 

أيضًا فقد ورد سؤال على الشيخ عطية صقر الأزهري سنة 1997ر ونصه: "ما حكم ذكر بعض أرباب الطرق الصوفية بلفظ "ءاه"؟ فأجاب: "... فإن لفظ "ءاه" لم يثبت بسند صحيح أنه من أسمائه تعالى" ثم قال: "وما يروى من أن النبي صلى الله عليه وسلم زار مريضًا كان يئن وأن أصحابه عليه الصلاة والسلام نهوه عن الأنين وأنه قال لهم: "دعوه يئن فإنه يذكر اسمًا من أسمائه تعالى" لم يرد في حديث صحيح ولا حسن كما قرره الثقات، وما قيل في بعض الحواشي من أن لفظ "ءاه" الاسم الأعظم لا سند له. 

وقد أفتى شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي في هذه المسئلة فقال ما نصه: إن هذا اللفظ المسئول عنه "أه" بفتح الهمزة وسكون الهاء ليس من الكلمات العربية في شيء بل هو لفظ مهمل لا معنى له مطلقـًا، وإن كان بالمد فهو إنما يدل في اللغة العربية على التوجع وليس من أسماء الذوات فضلاً عن أن يكون من أسماء الله الحسنى التي أُمِرنا أن ندعوه بها" إلى أن قال: "ولا يجوز لنا التعبد بشيء لم يرد الشرع بجواز التعبد به. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (2) اهـ.

كذلك جاء في مجلة الإسلام (3) الصادرة في القاهرة سنة 1937ر أنه منذ نحو ثلاثين سنة ظهر ببلدة (مطوبس) من بَحري مديرية الغربية قوم يذكرون بمد هاء إله وبتكرير لفظ أه بفتح الهمزة غير ممدودة وسكون الهاء فأنكر عليهم الكثير من أهل العلم وغيرهم وناقشهم الشيخ علي حسن السيسي رحمه الله من فضلاء علماء الأزهر حتى أفحمهم لكنهم لم يرجعوا فرفع سؤالاً إلى علماء المعهد الدسوقي فأفتوا بأن ما ذكر حرام بالإجماع فلم يكترثوا فأنهى سؤالا إلى العلامة الشيخ بخيت رجاء أن يرتفع بفتواه النزاع لشهرته بالجلالة علمًا وعملاً ومحبة الصوفية فأفتى كذلك بالتحريم فلم يبالوا، وما زال النزاع بينهم وبين الغيورين على الدين والطريق من العلماء وغيرهم يشتد والفتاوى تستصدر من جهابذة العلماء فيرجع للحق من شاء الله ويصر على الباطل من أصدأ مرءاة بصيرته التعصب للموروث حتى إذا تفاقم الخلاف اتفق الفريقان على استصدار فتوى من الأستاذ الأكبر الشيخ البشري الذي كان إذ ذاك شيخًا للأزهر ورضوا به حكمًا تحسم فتواه النزاع فجاءت الفتوى بالتحريم أيضًا فنقض أولئك عهدهم وأصروا على صنيعهم، وقد ذكرنا نص هذه الفتوى والسؤال الذي هي (4) جواب له سابقًا، وللعلامة المذكور فتوى أخرى ربما نذكرها بعد. 

وقد أسلفنا أن الشيخ بخيتـًا رحمه الله جرى بينه وبين الأستاذ الشيخ محمود حجازي أحد مشايخ الشاذلية مكاتبة بهذا الصدد انتهت بإقناع المذكور. 
وهذه جملة من فتاوى علماء الأزهر وغيرهم في تحريم الذكر بهذا اللفظ ولم يبق للمتشبثين به بعد ذلك إلا العناد. 

أقول: الحكم الشرعي في سب الله تعالى تكفير فاعله (5) وهذا اللفظ إذا أطلق على الله بحسب اللغة هو شتم لله لأنه وصف الله بالشكاية والتوجع والتحزن وهذه صفات مستحيلة على الله تعالى ومن أطلقها على الله وهو يفهم هذا المعنى كفر، وأما من يظن أنه إذا أُطلق على الله له معنى ءاخرفلا يكفر ويبقى الإثم والمعصية لأنه سمّى الله بما لم يرد، وأما من يقصد به ترويح النفس ولا يقصد به إطلاقه على الله ولا يعتبره ذكرًا لله فلا بأس بذلك فكأنه يقول أتوجع من حالي، ولكنه تضييع للوقت. 

والحمد لله أولاً وءاخرًا وصلى الله على نبيه المصطفى وعلى ءاله وأصحابه الطاهرين الطيبين. 

ــــــــ
1 – مجلة الإسلام ـ السنة السادسة العدد 21 ـ ص/21. 
2– مجلة الأزهر ـ المجلد الثالث ـ سنة 1351 هـ = 1932 ر ـ ص/499.
3 – مجلة الإسلام ـ السنة السادسة ـ العدد 21 ـ ص/19.
4 ـ كذا في الأصل والصواب: "الذي هو". 
5 ـ ولا يرجع إلى الإسلام إلا بالنطق بالشهادتين.


فهرس المصادر


حرف الألف

ـ أحوال الرجال، للجوزجاني، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
ـ الأوسط، لابن المنذر، دار طيبة ـ الرياض.
ـ إعلاء السنن، لظفر التهانوي، إدارة القرءان والعلوم الإسلامية ـ كراتشي.
ـ ألفية السيوطي في علم الحديث، للسيوطي، دار المعرفة ـ بيروت. 

حرف الباء

ـ البيان في مذهب الإمام الشافعي، للعمراني، دار المنهاج ـ جدة.
ـ البيان والتوضيح لمن أخرج له في الصحيح ومُسّ بضرب من التجريح، لأبي زرعة العراقي، دار الجنان ـ بيروت.

حرف التاء

ـ تاج العروس من جواهر القاموس، للزبيدي، المطبعة الخيرية ـ مصر.
ـ تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين، لابن شاهين، الطبعة الأولى 1409 هـ ـ 1989ر.
ـ تاريخ قزوين، للقزويني، دار الكتب العلمية ـ بيروت. 
ـ التاريخ الكبير، للبخاري، مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت.
ـ تفسير القرءان، لابن أبي حاتم، المكتبة العصرية ـ بيروت. 
ـ تنزيه الشريعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لابن عراق، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
ـ تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر، دار الفكر ـ بيروت.

حرف الجيم

ـ الجامع الصغير، للسيوطي، دار الفكر ـ بيروت.
ـ الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم، دار الكتب العلمية ـ بيروت. 

حرف الحاء

ـ حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح، للطحطاوي، دار الكتب العلمية ـ بيروت.

حرف الخاء

ـ الخرشي على مختصر خليل، للخرشي، دار الفكر ـ بيروت.

حرف الزاي

ـ زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، طبعة زهير الشاويش ـ بيروت.

حرف السين

ـ السراج المنير شرح الجامع الصغير، للعزيزي، دار الفكر ـ بيروت.
ـ سنن الترمذي، للترمذي، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
ـ سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني، للآجري، مؤسسة الريان ـ بيروت.
ـ سؤالات البرقاني للدارقطني، لاهور ـ باكستان.

حرف الشين

ـ شرح جوهرة التوحيد، للقاني، دار الكتب العلمية ـ بيروت.

حرف الصاد

ـ صحيح ابن خزيمة، لابن خزيمة، طبعة زهير الشاويش ـ بيروت.


حرف الضاد

ـ الضعفاء، لأبي نعيم الأصبهاني، دار الثقافة ـ الدار البيضاء.
ـ الضعفاء الكبير، للعقيلي، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
ـ الضعفاء والمتروكين، لابن الجوزي، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
ـ الضعفاء والمتروكين، للدارقطني، مكتبة المعارف ـ الرياض.
ـ الضعفاء والمتروكين، للنسائي، مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت.

حرف الفاء

ـ فتح البارئ بشرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر، دار المعرفة ـ بيروت.
ـ الفردوس بمأثور الخطاب، لأبي شجاع الديلمي، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي، دار الفكر ـ بيروت.

حرف الكاف

ـ الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي، دار الفكر ـ بيروت.
ـ الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث، لبرهان الحلبي، وزارة الأوقاف ـ بغداد. 

حرف اللام

ـ لسان العرب، لابن منظور، دار صادر ـ بيروت.
ـ لسان الميزان، للحافظ ابن حجر، دار الفكر ـ بيروت.

حرف الميم

ـ المجروحين، لابن حبان، دار المعرفة ـ بيروت.
ـ مجلة الإسلام، مصر.
ـ مختصر كتاب أعذب المسالك المحمودية إلى منهج السادة الصوفية، لمحمود خطاب السبكي، الطبعة الأولى 1417 هـ ـ 1996ر ـ القاهرة.
ـ مدارك التنزيل وحقائق التأويل، للنسفي، دار الفكر ـ بيروت.
ـ المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحَي المناوي، لأحمد الغماري، دار الكتبي ـ القاهرة.
ـ المدخل إلى الصحيح، للحاكم، مؤسسة الرسالة ـ بيروت. 
ـ مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، للشرنبلالي، دار المعرفة ـ بيروت. 
ـ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، للفيومي، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
ـ المفردات في غريب القرءان، للراغب الأصبهاني، مصطفى البابي الحلبي ـ القاهرة.
ـ المغني في الضعفاء، للذهبي، طبعة دمشق.
ـ المغني ويليه الشرح الكبير، لموفق الدين بن قدامة المقدسي، دار الكتب العلمية ـ بيروت. 
ـ المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير، لأحمد الغماري، دار الرائد العربي ـ بيروت.
ـ منح الجليل شرح مختصر خليل، لمحمد عليش، دار الفكر ـ بيروت.
ـ الموضوعات، لابن الجوزي، دار الفكر ـ بيروت.
ـ ميزان الاعتدال، للذهبي، دار المعرفة ـ بيروت.

حرف النون

ـ النكت البديعات على الموضوعات، للسيوطي، دار الجنان ـ بيروت.

تـــمّ بعـــون الله تعالــى ... ملتزم الطبع شركة دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع ...الطبعة الأولى 1429هـ 2008 ر.


هناك تعليق واحد:

  1. الله لا يُوصَفُ إلا بصفةِ كمالٍ فما كانَ من الأسماءِ لا يدلُّ على الكمالِ لا يجوزُ أن يكونَ اسمه كما يُسمّيه بعضُ النّاس "روحًا"، وبعضُهم سمّاهُ "ءاه"، فهذا لا يجوزُ لأن كلمةٌ ءاه وَضَعَهَا العربُ لِتَدُلَّ على الشّكايةِ والتّوجُّعِ وقد جاءَ في الحديثِ الذي رواه الترمذي أن رسول الله قال: "إذا تثاءبَ أحدُكم فَليَضَع يدهُ على فِيْهِ، وإذا قالَ ءاه ءاه فإنَّ الشّيطانَ يضحَكُ من جوفِهِ" أي يدخل إلى فمِهِ ويسخرُ منه.
    ومن الدّليلِ على أن ءاه ليس من أسماءِ الله أن الفقهاءَ قالوا إن من قالَ ءاه في الصّلاةِ عامدًا بطلَتْ صلاتُهُ، ومعلومٌ أن ذِكرَ الله لا يبطلُ الصلاةَ، فلو كانَ ءاه من أسماءِ الله لما أبطَلَ الصلاةَ.

    ردحذف

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...