بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

الله خالق كل شئ الأجسام والأعمال الخير والشر لكن نهانا عن الشر ولا يحبه ونحن لا نحبه‎

-قال شيخنا رحمه الله
الحمد لله رب العالمين له النعمة ولهُ الفضل وله الثناء الحسن صلواتُ الله البرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيدِنا محمّد أشرف المرسلين وعلى آله وجميع إخوانِه مِن النبيّينَ والمرسَلين وسلامُ الله علَيهم أجمعين أمّا بعد فإني أُعِيدُ علَيكُم حديثَ ابنِ حبّان والحاكم :" سِتَّةٌ لَعنتُهم ولعنَهم الله وكلُّ نبيٍّ مُجابٍ" مجابٌ نعتٌ للنّبي "الزّائدُ في كتاب الله والمكذّبُ بِقدَرِ الله والمستَحِلُّ لحَرم الله والمستحِلُّ مِن عِترَتي ما حرّمَ الله والمتسَلِّطُ بالجبَرُوتِ ليُعِزّ مَن أَذَلّ اللهُ  ويُذِلَّ مَنْ أَعَزَّ الله والتّاركُ لِسُنّتي" ولا يتَوهّم أحَدٌ أنّ الرّسولَ أرادَ بقَولِه والتّاركُ لِسُنّتي مَن يَترُك رَواتِبَ الصّلواتِ الخمس كسُنّةِ الظّهر وسُنةِ العَصر وسُنّةِ المغرب وسُنّةِ العِشاء وسُنّةِ الصُّبح، وأيضًا السِّواك،  استِعمالُ السِّواك ونحو ذلكَ مِن الأمور التي هيَ سُننٌ سنَّها رسولُ الله ليسَت فَرائض، الرّسولُ لا يعني ذلكَ، لا يَعني رسولُ الله بقولِه والتّاركُ لِسُنّتي مَن تَرك النّوافلَ أي سُنّة الظّهر قَبليّتَها وبَعديّتَها وسنةَ العصر وسُنّةَ المغرب واستِعمال السِواك وصومَ سِتّةِ أيّام شَوال إلى غَيرِ ذلكَ مما هوَ شَىءٌ كثِير، لا يعني الرّسولُ ذلكَ، لأنّ تلكَ لَو فعَلَها فلَهُ أَجرُها ولو تَرَكها فلَيسَ علَيهِ وِزْر، لو عاشَ إنسانٌ لا يُصلِّي عُمرَه سُنّةَ الظّهرِ ولا سُنّةَ العَصر ولا سُنّةَ المغرب ولا سُنّةَ العِشاء ولا سُنّةَ الصُّبح ولا يُصلِّي الوِترَ لكنّه كانَ يؤدِّي الخَمسَ كما أمرَ الله بشُروطِها وأركانها ليسَ عليه عقُوبةٌ في الآخِرة ولا يَنالُه مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يومَ القيامة تَوبيخٌ لأنّهُ في حياتِه صلى الله عليه وسلم جاءهُ رَجُلٌ فسَألَهُ عمّا افتَرضَ اللهُ عليهِ مِنَ الصّلاة فقالَ لهُ خَمسُ صَلواتٍ ثم سَألَهُ عمّا افتَرضَ اللهُ علَيهِ مِنَ الصِّيام فقالَ لهُ صِيام رمضانَ ثم سألهُ عما افتَرضَ اللهُ عليه مِنَ الزّكاة فأخبَرَه بالزّكاةِ المفرُوضَةِ ثم علّمَهُ شَرائعَ الإسلام أي علّمَه ما هوَ الفَرضُ في دِينِ الله على عِبادِه وما هوَ المحَرّمُ على عبادِ الله فانْصَرفَ الرَّجُلُ وهوَ يقُولُ والذي بَعَثكَ بالحقّ لا أتَطَوَّعُ ولا أَنْقُصُ مما افتَرضَ اللهُ عَليَّ شَيئًا، حَلَف هذا الرّجلُ بعدَمَا علّمَهُ الرّسولُ شَرائعَ الإسلام أي ما هوَ الفَرضُ وما هو المحرّمُ، حلَفَ بقَولِه والذي بعَثَكَ بالحقّ لا أتَطَوّعُ أي لا أعمَلُ شَيئًا مِنَ النّوافِل، حَلَفَ أنّهُ لا يَعمَلُ شَيئًا مِنَ النّوافِل ولا يَنقُص أي لا يَترُك شَيئًا مما افتَرَض اللهُ عليه، الله تعالى افتَرضَ أداءَ الواجِبات واجتنابَ المحرّمات معناهُ ما سِوى ذلكَ لا أفعَلُ شَيئًا مِن الطّاعات، ما سِوَى الفرائضِ لا أَعمَلُ شَيئًا مِنَ الطّاعات فمِن هَذا الحديث الصحيح الذي اتّفَق أهلُ الحديث على أنّهُ صحِيحٌ علِمنَا أنّ مَن تَركَ النّوافلَ مِنَ الصّلوات والنّوافل مِن الصيام وحَجّ التّطوّع وعُمرة التّطوّع أي بعدَ الحجِّ المفروض والعمرةِ المفروضةِ إلى غَيرِ ذلكَ مِنَ النّوافل التي سنَّها رسولُ الله، ليسَ مُرادُ الرّسول بقولِه في هذا الحديث، حديثِ سِتّةٌ لَعنتُهم ولعنَهمُ الله ولعنهُم كلُّ نَبيّ مُجاب، علِمنا أنّ هذا ليسَ مرادَ الرّسول إنما مرادُ الرّسول بقولِه والتّارِك لسُنّتي العقيدةُ والأمورُ التي تَتْبع العقيدةَ مِنَ الفرائض والقَانون الذي أنزلهُ اللهُ تعالى على نبِيّه وَحْيًا، عَلِمْنا أنّ مَن ترَك ما كانَ عليه الرّسولُ من الاعتقاد الذي شرَعَه لأمّته ومِن الأحكام التي شَرعَها لأمّتِه أنّ تَركَ هذهِ هوَ الذي عناهُ الرّسولُ بأنّهُ مَلعونٌ مِنَ الرّسولِ ومِنَ الله ومِنْ كُلِّ نَبيٍّ مُجابٍ عندَ الله.


 هيَ هذه السُّنّةُ هيَ ما كانَ عليهِ أصحابُ رسولِ الله مِنَ الاعتقادِ ثم تَلقّاهُ مِن أصحابِ رسولِ الله التّابعونَ لهم بإحسانٍ ثم تلقّاه مِن أولئك مَن تَبِعَهُم بإحسانٍ وهكذا وهَلُمَّ جَرّا هَذا الذي عَناهُ الرّسولُ، أصحَابُ رسولِ الله كانُوا يعتقدُونَ أنّ كلَّ شىءٍ يَجري في العالم مِنَ الأجرام والأجسَام وأعمالِ العِباد حَركاتِهم وسُكونهِم ونواياهُم وأفكارُهُم كلُّ ذلكَ بخَلقِ الله وتَقديرِه ومَشيئَتِه على هذا كانَ أصحابُ رسولِ الله، وكانوا يعتقدُونَ أنّ كلَّ ما يَعمَلُه الإنسانُ مِن خَيرٍ أو شرٍّ إنما هوَ بخلقِ الله أي اللهُ تعالى يخلقُه ليسَ العَبدُ يخلُقه، فمَن أجْرَى الله تعالى على يدِه الطّاعةَ والإيمانَ والأعمالَ الصّالحةَ وعصَمه مما يخالفُ ذلكَ فبِفَضلِ الله تبارك وتعالى، الله تَعالى خَلَقَ ذلكَ وأَجْرَى على يدَيهِ هذِه الحركاتِ التي هيَ مِن طاعةِ الله تعالى فَضلاً مِنهُ وكَرَمًا أَجْراهَا على يدَيْ هذا الإنسان، ومَن أَجْرَى اللهُ على يَدَيهِ المعاصِي والضّلالاتِ فهذه بخلقِ الله وتَقديرِه ومشيئتِه وذلكَ خِذلانٌ مِنَ اللهِ لعَبدِه هذا، اللهُ خَذلَهُ كما أنّهُ وفَّقَ ذاكَ خَذَل هذا، هوَ خلَق في ذاكَ الأعمالَ الصّالحةَ فظهَرت على يدَيهِ وخَلَقَ في هذا الآخَر المعاصِي والضّلالاتِ وأَجْراها على يدَيهِ، هذا يُحبُّه اللهُ وهذا يكرَهُه الله وكُلاً هوَ خَالِقُه، على هذا كانَ أصحابُ رسولِ الله ما كانُوا يُفَرِّقُونَ فيقُولونَ الخيرُ مِن أعمالِ العبادِ الله يخلقِه والشّرُّ مِنْ أعمالهِم هُم يخلقُونَه، ما ظهَرَ هذا القولُ في أحَدٍ مِن أصحابِ رسولِ الله، وكذلكَ ما كانَ يختلفُ اثنانِ مِن أصحابِ رسولِ اللِه  في أنّ اللهَ هوَ خَالقُ الخيرِ وخَالقُ الشرِّ، كلٌّ منهُم ما كانُوا يختَلفُون، الذي هوَ مِن أكابِرهم والذي هو ممن دونَ أكابِرهم لأنّ أصحابَ رسولِ الله لم يكونُوا على مَرتبَةٍ واحِدةٍ في الفَضلِ عندَ الله بل هُم مَراتبُ ودَرجات، منهم مَن كانُوا أولياءَ فُقَهاءَ أتقياءَ كما وصَفَهُم عيسى بنُ مريم عليه السلامُ قالَ عن أُمّةِ محمّدٍ بما عَرفَهُ بوَحيٍ مِنَ الله تعالى مِنْ صِفةِ أُمّةِ محمّد قال:"عُلَماءُ حُلماءُ برَرةٌ أَتقياءُ كأنهم مِنَ الفِقهِ أنبياء"، معناهُ يُشبِهُونَ الأنبياءَ في عِلمِ الدِّين، ما قالَ يُسَاوُونَ الأنبياءَ لأنّ الأنبياءَ لا يُساويْهِم في الدّرجةِ عندَ الله أحدٌ مِنْ خَلقِ الله حتى الملائكةُ لا يُساوونَ الأنبياءَ بل كُلُّ الملائكة بما فيهِم جبريلُ وميكائيل وإسرافيلُ وحمَلةُ العَرشِ فَهُم في الفَضلِ عندَ الله دونَ الأنبياء، فعِيسَى عليهِ السّلامُ عَنى بقولِه عُلماءُ حُلماءُ برَرةٌ أتقياءُ كأنهم مِن الفِقه أنبياء، أرادَ بذلكَ مَن يأتي في أُمّةِ محمّدٍ مِنَ العُلماءِ الرّبّانِيين، العلماءُ الربّانيّونَ هُم الذين جمَعُوا بَينَ العِلم والعمَل والتّعلِيم، أي يُعلّمونَ عِلمَ دِينِ الله هؤلاءِ الذينَ عَناهُم عيسى ابنُ مريم بقولِه كأنهم مِنَ الفِقهِ أنبياء، أصحابُ رسولِ الله على هذا كانُوا، كلُّهم كانوا يعتَقدونَ أنّ اللهَ هوَ الذي خلَقَ الأعيانَ أي الأجسَامَ وحَركاتِ العباد وخَواطرَهُم، الخواطرُ التي تَرِدُ على قلُوبِنا بدُونِ إرادَتِنا هيَ بخلقِ الله تحصُل، الله تعالى يخلقُها فِينا والأفكارُ التي قَصدًا نحنُ نُفكِّرُ فيها هيَ أيضًا اللهُ تعالى يخلقُها فينا نحنُ لا نَخلُق شَيئًا، على هذا كانَ أصحابُ رسولِ الله هذهِ سُنّةُ رسولِ الله، هذه العقيدةُ هيَ سنةُ رسولِ الله التي تلَقّاها منهُ أصحَابُه ثم تلَقّى مِنْ أصحَابِه التّابِعُونَ لهم بإحسَانٍ وهكذا بالتّسَلسُل إلى عَصرنا هذا، مَنِ ادّعَى خِلافَ هَذا فهوَ المكذّبُ بقَدَر الله، هوَ ضَالٌّ لأنّهُ خَرَج عن سُنّةِ رسولِ الله التي كانَ علَيها أصحابُه، وكانَ سيّدُنا عمرُ شَديدَ الإنكارِ على مَن يخالفُ في القَدَر، مَرّةً كانَ سيدُنا عمرُ في سفَرٍ إلى برِّ الشّام، كانَ خَرج مِنَ المدينةِ إلى برِّ الشّام فأَتَى إلى الجابية فخَطَب فحمِدَ اللهَ وأَثنى عليه وقالَ: إنّ الله تعالى يَهدِي مَن يَشاءُ ويُضِلُّ مَن يشَاءُ فقال أعجَمِيّ مِن أهلِ الذِّمّةِ أي مِنَ الذينَ كانُوا يَدفَعُونَ الجِزيةَ فقال بلُغتِه بلُغةِ العجَم ليسَ بلُغةِ العرَب قالَ إنّ اللهَ لا يُضلُّ أحَدًا فانتبَه لهُ سيدُنا عمرُ، فقالَ لمن يَعرفُ لُغتَه ماذا يَقولُ هذا فقالَ لهُ إنّ الله لا يُضِلُّ أحَدًا فقالَ لهُ سيّدُنا عمرُ كذَبتَ يا عَدُوَّ الله ولَولا أنّكَ مِن أهلِ الذِّمّةِ لقَطَعتُ عُنقَك، اللهُ تبارك وتعالى  هوَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهدِي مَن يشَاءُ، كذلكَ سيّدُنا عليّ رضي الله عنهما كانَ يُشَدّدُ النّكيرَ على مَن يَبْلغُه أنّهُ يتَكلّمُ في القَدَر بخلافِ مَا كانَ علَيه أصحَابُ رسولِ الله مِن أنّ الله هوَ خالقُ كلّ شَىءٍ بتَقديرِه الأزلي وعِلمِه الأزليّ ومَشيئتِه الأزليّة، كذلكَ سيّدُنا عليٌّ رَدَّ على يهوديّ سألَه سؤالا قالَ مَتى كانَ الله، اليهوديُّ سألَهُ لسيّدنا عليّ مَتى كانَ اللهُ فأجَابَهُ بكلماتٍ مِنْ أُصُولِ التّوحِيد منها قولُه إنّ اللهَ مَوجُودٌ لم يزَلْ مَوجُودًا ولا يَزالُ مَوجُودًا وكُلُّ ما سواهُ حَادثٌ لم يكُنْ ثم كانَ ثم صَرَّفَ عِبادَهُ فيما يشَاءُ. أجَابَه بهذا لهذا اليَهوديّ، كذلكَ بلَغَهُ أنّ رَجُلاً كانَ يقُولُ في المشيئةِ خِلافَ مَا هوَ مُعتقَدُ الصّحابةِ، مَا هوَ خِلافُ عقيدةِ الإسلام، كانَ يقولُ في المشيئة فقالَ لهُ خلَقَكَ لما يشَاءُ أم لما تشَاءُ فقَال الرجلُ لما يشَاءُ، فقالَ لهُ خلَقَكَ كما تشَاءُ أو كما يشَاءُ، قالَ خلَقَني كمَا يشَاءُ، الرّجُل اعتَرف بالصّوابِ في مَسألةِ المشيئة، ثم قالَ لهُ لو لم تَرجِع عمّا كنتَ علَيهِ لضَربتُ الذي فيه عَيناكَ، الآن رَجَعت إلى (عقيدة) الإسلام، قالَ لهُ الآنَ رجَعتَ إلى (عقيدة) الإسلام. وكذلكَ التّابعُون أي المؤمنونَ الذينَ لقُوا الصّحابةَ ولم يلقَوا رسولَ الله هؤلاء أيضًا كانُوا على هذا الاعتقادِ أي أنّ اللهَ تَعالى هوَ خَالقُ حَركاتِ العباد وسكُونهِم كمَا أنّه هوَ خَالقُ أجسَامِنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...