بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

الواجباتُ القلبيَّة



الواجباتُ القلبيَّة
.
*من الواجباتِ القلبيَّة الإيمانُ بالله وبما جاء عن الله والإيمانُ برسول الله وبما جاء عن رسول الله .
إذْ ممَّا يجبُ على المكلَّفينَ من أعمالِ القلوب الإيمانُ بالله ، وهو أصلُ الواجبات ، أي الاعتقادُ الجازمُ بوُجُودِه تعالى على ما يليقُ به وهو إثباتُ وُجُودِه بلا كيفيَّةٍ ولا كَمِّـيَّةٍ ولا مكان . ووُجُوبُ هذا لمنْ بلغتهُ الدَّعوةُ ممَّا اتُّفِقَ عليهِ بلا خلاف . إلَّا أنه يجبُ عندَ أبي حنيفةَ الإيمانُ بالله بأصلِ الفِطْرَة بحيثُ لا يُعْذَرُ أحَدٌ في الجهلِ بالخالقِ . ولا خلافَ بينَه وبينَ غيرِه فيما سوى ذلكَ في أنه لا يجبُ إلَّا ببلوغِ الدَّعوة . ويُقْرَنُ بذلكَ الإيمانُ بما جاءَ بهِ سَيِّدُنا محمَّد عن الله تعالى من الإيمانِ به أنه رسولُ الله والإيمانُ بحَقِّـيَّةِ ما جاء به عن الله تعالى .
.
*ومن الواجباتِ القلبيَّة الإخلاصُ ، وهو العملُ بالطَّاعةِ لله وحدَه . الإخلاصُ من أعمال القلوب الواجبة ، وهو إخلاصُ العملِ لله تعالى أيْ أنْ لا يَقْصِدَ المسلمُ بالعملِ الذي أَمَرَنَا الله به مَحْمَدَةَ النَّاسِ وأنْ يُنْظَرَ إليه بعينِ الاحترامِ والتعظيمِ والإجلال . قال الله تعالى (( فمَنْ كانَ يرجو لقاءَ رَبِّهِ فلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحًا ولا يُشْرِكْ بعبادةِ رَبِّهِ أحدًا ))[الكهف/111].. وهذا معناهُ أنَّ على المؤمنِ أن يَتَّقِيَ الرِّياءَ لأنه الشِّرْكُ الأصغر ..
.
*ومن الواجباتِ القلبيَّة التَّوبةُ من المعاصي إنْ كانتْ كبيرةً وإنْ كانتْ صغيرةً . ثمَّ إنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التوبةِ الإقلاعُ عن المعصيةِ والنَّدَمُ خَوْفًا من الله والعَزْمُ الأَكيدُ على تَرْكِ العَوْد . فإنْ كانتِ المعصيةُ تتعلَّق بحقِّ بني ءادَمَ كالضَّرب بغيرِ حَقٍّ والشَّتمِ والغيبةِ إذا بَلَغَتِ المغتابَ وأَكْلِ مال الناسِ ظُلْمًا فلا بُدَّ منَ الخروجِ منَ التَّبِعَةِ إمَّا برَدِّ المالِ أو التمكينِ منَ القِصاصِ أو استرضاءِ المظلوم . ويجبُ أن يكونَ النَّدَمُ لأجلِ أنه عصى ربَّه فإنه لو كانَ ندمُه لأجلِ الفضيحةِ بينَ النَّاسِ لم يَكُنْ ذلكَ توبةً .
.
*ومن الواجباتِ القلبيَّة التَّوَكُّلُ على الله . والتَّوَكُّلُ هو الاعتمادُ . فيجبُ على العبدِ أنْ يكونَ اعتمادُه على الله لأنه خالقُ كُلِّ شيءٍ من المنافعِ والْمَضَارِّ وسائرِ ما يدخلُ في الوُجُودِ . فلا ضارَّ ولا نافعَ على الحقيقةِ إلَّا الله . فإذا اعتقد العبدُ ذلكَ ووَطَّنَ قلبَه عليه كانَ اعتمادُه على الله في أمورِ الرِّزقِ والسَّلامةِ من الْمَضَارِّ .

*ومن الواجباتِ القلبيَّة المراقبةُ لله . ومعنى المراقبةِ لله استدامةُ الخوفِ من الله بالقلب بتجنُّب ما حَرَّمَهُ واجتنابِ الغفلةِ عن أداء ما أَوْجَبَهُ . ولذلك يجبُ على المكلَّف أَوَّلَ ما يدخلُ في التكليفِ أنْ ينويَ ويَعْزِمَ على أنْ يأتيَ بكلِّ ما فَرَضَ الله تعالى عليه من أداء الواجباتِ واجتناب المحرَّمات .


*ومن الواجباتِ القلبيَّة الرِّضا عن الله بمعنى التسليمِ له وتركِ الاعتراضِ . يجبُ على المكلَّف أنْ يرضى عن الله أيْ أنْ لا يعترضَ على الله اعتقادًا ولفظًا ، باطنًا وظاهرًا ، في قضائهِ وقَدَرِه ، فيرضَى عن الله تعالى في تقديرِه الخيرَ والشَّرَّ ، والحُلْوَ والْمُرَّ ، والرِّضَا والحُزْنَ ، والرَّاحةَ والأَلَمَ ، مَعَ التمييزِ في المقدورِ ، فإنَّ الْمَقْدُورَ إمَّا أنْ يكونَ ممَّا يحبُّه الله وإمَّا أنْ يكونَ ممَّا يَكْرَهُهُ الله . والْمَقْدُورُ الذي هو محبوبٌ لله يجبُ على العبد أنْ يحبَّه ، والمَقْدُورُ الذي هو مكروهٌ لله تعالى كالْمُحَرَّماتِ يجبُ على العبد أنْ يَكْرَهَهُ من غيرِ أنْ يَكْرَهَ تقديرَ الله وقضاءَه لذلكَ المقدورِ . فالمعاصي من جملةِ مقدوراتِ الله تعالى ، فيجبُ على العبدِ أنْ يَكْرَهَهَا من حيثُ إنَّ الله تعالى يَكْرَهُهَا ونهَى عبادَه عنها . فليس بينَ الإيمانِ بالقَدَرِ وبينَ كراهيةِ بعضِ المقدوراتِ تنافٍ لأنَّ الذي يجبُ الرِّضا به هو القَدَرُ الذي هو تقديرُ الله الذي هو صفتُه . وأمَّا الذي يجبُ كَراهِيَـتُهُ فما كانَ من الْمَقْدُوراتِ مُحَرَّمًا بحُكْمِ الشَّرع . ولقد عَرَّفَ علماءُ الأُصُولِ القَدَرَ الذي هو بمعنَى التقديرِ الذي هو صفةُ الله في الأَزَل فقالوا :" هو تدبيرُ الأَشياء على الوَجْهِ الْمُطَابِقِ لمشيئةِ الله وعلمهِ الأَزَلِيَّـيْـن " ..
.
*ومن الواجباتِ القلبيَّة تعظيمُ شعائرِ الله . ويكونُ ذلكَ بعَدَمِ الاستهانةِ بها .
.
*ومن الواجباتِ القلبيَّة الشُّكْرُ على نعمِ الله بمعنى عَدَمِ استعمالِها في معصية . والشُّكْرُ قسمان : شُكْرٌ واجبٌ وشُكْرٌ مندوب . فالشُّكْرُ الواجبُ هو ما على العبدِ من العَمَلِ الذي يَدُلُّ على تعظيمِ الله الْمُنْعِمِ بتركِ عصيانهِ . وهذا هو الشُّكْرُ المفروضُ على العبد . فمَنْ حَفِظَ قلبَه وجَوَارِحَهُ وما أنعمَ الله به عليه من أنْ يستعملَ شيئًا منها في معصيةِ الله فهو العبدُ الشَّاكر . ثمَّ إذا تمَكَّنَ في ذلكَ سُمِّيَ عبدًا شَكُورًا . قال الله تعالى (( وقليلٌ من عباديَ الشَّكُور ))[سبأ/13].. فالشَّكُورُ أَقَلُّ وُجُودًا من الشَّاكرِ الذي دونه . والشُّكْرُ المندوبُ هو الثَّناءُ على الله تعالى الدَّالُّ على أنه هو الْمُفْضِلُ على العبادِ بالنِّعَمِ التي أنعمَ بها عليهم ممَّا لا يدخلُ تحتَ إحصائنا . ويُطْلَقُ الشُّكْرُ شرعًا على القيامِ بالمكافأة لمنْ أسدَى معروفًا من العبادِ بعضِهم لبعض .
ومن هذا الباب الحديثُ المشهورُ :" مَنْ لم يَشْكُرِ النَّاسَ لم يَشْكُرِ الله " .. رواه التِّرْمِذِيُّ في[(سُنَنهِ)/كتاب البِرِّ والصِّلَة عن رسول الله]، وقال :" حديثٌ حَسَنٌ صحيح " .. أيْ أنَّ كمالَ شُكْرِ الله يقتضي شُكْرَ النَّاسِ . وشُكْرُ النَّاسِ يكونُ بالمكافأة والدُّعاء ونحوِ ذلك ..
.
*ومن الواجباتِ القلبيَّة الصَّبرُ على أداء ما أوجبَ الله والصَّبرُ عمَّا حَرَّمَ الله تعالى وعلى ما ابتلانا الله به . والصَّبْرُ هو حَبْسُ النَّفْسِ وقَهْرُها على مَكْرُوهٍ تتحمَّله أو لذيذٍ تفارقُه . فالصَّبْرُ الواجبُ على المكلَّف هو أنْ يَقْهَرَ نفسَه على أداء ما أَوْجَبَ الله من الطَّاعاتِ ويَكُفَّ نفسَه عمَّا حَرَّمَ ولا يدخلَ فيما حَرَّمَ الله عليه بسبب مصيبةٍ تنزلُ به . فإنَّ كثيرًا من الخَلْقِ يَقَعُونَ في المعاصي بتركهمُ الصَّبْرَ على المصائب . وهم في ذلكَ على مراتبَ مختلفةٍ . فمنهم مَنْ يَقَعُ في الرِّدَّة عند المصيبة ، ومنهم مَنْ يجلبُ المالَ بطريقٍ مُحَرَّمٍ كما يحصلُ لكثيرٍ من النَّاسِ بسبب الفَقْرِ باكتساب المكاسب الْمُحَرَّمَةِ ومحاولةِ الوُصُولِ إلى المال بالكَذِبِ ونحوِه .
.
*ومن الواجباتِ القلبيَّة بغضُ الشَّيطان . يجبُ على المكلَّفينَ بغضُ الشَّيطانِ لأنَّ الله تعالى حَذَّرَنا في كتابهِ منه تحذيرًا بالغًا . قال الله تعالى (( فاتخِذُوهُ عَدُوًّا ))[فاطر/6].. إلى غيرِ ذلكَ من ءاياتٍ عديدَة . والشَّيطانُ هو الكافرُ من كُفَّارِ الجنِّ . وأمَّا مؤمنوهم فهم كمؤمني الإنسِ ، فيهم صُلَحَاء وفيهم فُسَّاق .. ويُطْلَقُ الشَّيطانُ ويُرادُ بهِ إبليسُ الذي هو جَدُّهُمُ الأعلى ..
.
*ومن الواجباتِ القلبيَّة بغضُ المعاصي . فيجبُ كراهيَتها من حيثُ إنَّ الله حَرَّمَ على المكلَّفينَ اقترافَها . فيجبُ كراهيَة المعاصي وإنكارُها بالقلب من نفْسهِ أو من غيرِه .
.
*ومن الواجباتِ القلبيَّة محَبَّةُ الله ومحَبَّةُ كلامهِ ومحَبَّةُ رسولهِ ومحَبَّةُ السَّابقينَ الأَوَّلينَ من المهاجرينَ والأنصارِ والذينَ اتبعوهم بإحسان . قال الله تعالى (( والسَّابقُونَ الأوَّلونَ من المهاجرينَ والأنصارِ والذينَ اتبعُوهم بإحسانٍ رضيَ الله عنهم ورَضُوا عنه وأَعَدَّ لهم جَنَّاتٍ تجري تحتَها الأنهارُ خالدينَ فيها أبدًا ، ذلكَ الفَوْزُ العظيم ))[التوبة/100]..
والحمدُ لله رَبِّ العالَمين ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...