بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 31 أغسطس 2018

كُلُّ الأَنْبِيَاءِ مُسْلِمُونَ

الأَنْبِيَاء جَمِيعهُمْ دِينُهُمُ الإِسْلامُ فَكَانَ ءَادَمُ عَلَى الإِسْلامِ وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ بَعْدَهُ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَانُوا كُلُّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَلا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا، فَمَنْ كَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِاللَّهِ رَبًّا وَصَدَّقَ بِرِسَالَةِ مُوسَى فَهُوَ مُسْلِمٌ مُوسَوِيٌّ أَيْ مِنْ أَتْبَاعِ مُوسَى، وَكَذَلِكَ الأَمْرُ فِيمَنْ كَانَ فِي أَيَّامِ عِيسَى فَآمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ بِعِيسَى فَهُوَ مُسْلِمٌ عِيسَوِيٌّ.

وَمَعْنَى مُسْلِمٌ مُحَمَّدِيٌّ أَيْ مُسْلِمٌ مُتَّبِعٌ مُحَمَّدًا فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ الأَنْبِيَاءِ وَالإِيـمَانِ بِوُجُودِ الْمَلائِكَةِ الْمُكْرَمِينَ وَالإِيـمَانِ بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِيـمَانِ بِالْيَوْمِ الآخِرِ الَّذِي يُجَازَى فِيهِ الْعِبَادُ الْمُؤْمِنُونَ بِأَعْمَالِهِمْ بِإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ وَالْكَافِرُونَ بِإِدْخَالِهِمْ جَهَنَّمَ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ فِيهَا نَعِيمٌ مَحْسُوسٌ وَجَهَنَّمَ فِيهَا ءَالامٌ مَحْسُوسَةٌ، وَأَنَّهُ لا خَالِقَ لِلأَجْسَامِ وَلا لِشَىْءٍ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ إِلَّا اللَّهُ.

فَكُلُّ الأَنْبِيَاءِ جَاءُوا بِهَذَا لا يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا إِنَّمَا تَخْتَلِفُ الأَحْكَامُ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأُمَمِهِمْ صَلاتَيْنِ وَأَنْزَلَ عَلَى بَعْضِ الأَنْبِيَاءِ خَمْسِينَ صَلاةً، وَأَوْجَبَ فِيمَا أَوْجَبَ عَلَى بَعْضٍ أَنْ يَدْفَعُوا رُبُعَ أَمْوَالِهِمْ زَكَاةً، وَأَنْزَلَ عَلَى بَعْضٍ تَحَتُّمَ قَتْلِ الْقَاتِلِ، وَأَنْزَلَ عَلَى ءَادَمَ تَحْلِيلَ زِوَاجِ الأَخِ بِأُخْتِهِ الَّتِي هِيَ تَوْأَمَةُ أَخِيهِ الآخَرِ، وَكُلٌّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي شَرِيعَةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُغَيِّرُ الأَحْكَامَ الَّتِي كَانَتْ فِي شَرْعِ نَبِيٍّ سَبَقَهُ وَهُوَ الْعَلِيمُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ، وَالْمَصَالِحُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَزْمَانِ وَالأَحْوَالِ.

وَكُلُّ نَبِيٍّ فِي زَمَانِهِ يَجِبُ التَّقَيُّدُ بِهِ فِي الإِيـمَانِ وَالأَحْكَامِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ءَاخِرُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَحْكَامًا لَمْ تَكُنْ فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ كَالصَّلاةِ فِي الأَمَاكِنِ الَّتِي هُيِّئَتْ لِلصَّلاةِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ بَلْ كَانَ مَفْرُوضًا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي أَمَاكِنَ مَخْصُوصَةٍ هُيِّئَتْ لِلصَّلاةِ وَهِيَ الْمَسَاجِدُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ لِتِلْكَ الأَمَاكِنِ عِنْدَ أُولَئِكَ اسْمٌ غَيْرُ الْمَسْجِدِ وَكَانَ أُولَئِكَ لا تُقْبَلُ صَلاتُهُمْ إِلَّا فِي مَسَاجِدِهِمْ وَلا تَصِحُّ صَلاتُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَلا فِي مَتَاجِرِهِمْ وَلا فِي مَزَارِعِهِمْ وَلا فِي الْبَرِّيَّةِ وَالْغَابَةِ، إِلَّا أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُسْلِمِينَ هَدَمَ فِرْعَوْنُ مَسَاجِدَهُمْ فَأَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، وَأَنْزَلَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ أَوِ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ بَلْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ وَيُصَلُّونَ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مَا يَتَوَضَّئُونَ بِهِ تَوَقَّفُوا عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى يَجِدُوا الْمَاءَ.

قِصَّةٌ غَرِيبَةٌ فِيهَا دِلالَةٌ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَوْصَى بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ إِذَا ظَهَرَ :

خَرَجَ مِنَ الْيَمَنِ أَرْبَعَةُ أَشْخَاصٍ قَاصِدِينَ مَكَّةَ فَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ فِي الْبَرِّيَّةِ فَنَزَلُوا فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فِي أَرْضٍ فَنَامُوا إِلَّا جَعْدَ بنَ قَيْسٍ الْمُرَادِيَّ فَسَمِعَ هَاتِفًا لا يَرَى شَخْصَهُ يَقُولُ :

أَلا أَيُّهَا الرَّكْبُ الْمُعَرِّسُ بَلِّغُوا *** إِذَا مَا وَصَلْتُمْ لِلْحَطِيمِ وَزَمْزَمَا

مُحَمَّدًا الْمَبْعُوثَ مِنَّا تَحِيَّةً *** تُشَيِّعُهُ مِنْ حَيْثُ سَارَ وَيَمَّمَا

وَقُولُوا لَهُ إِنَّا لِدِينِكَ شِيعَةٌ *** بِذَلِكَ أَوْصَانَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَا

فَهَذَا الْهَاتِفُ جِنِّيٌّ مُؤْمِنٌ أَدْرَكَ عِيسَى قَبْلَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَءَامَنَ بِهِ وَسَمِعَ مِنْهُ وَصِيَّتَهُ بِالإِيـمَانِ بِمُحَمَّدٍ إِذَا ظَهَرَ وَاتِّبَاعِهِ، فَلَّمَا وَصَلُوا إِلَى مَكَّةَ سَأَلَ أَهْلَ مَكَّةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَاجْتَمَعَ بِهِ فَآمَنَ بِهِ وَأَسْلَمَ وَذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ قَبْلَ أَنْ يَنْتَشِرَ خَبَرُهُ فِي الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمَعْنَى الْمُعَرِّسِ أَيِ الْمُسَافِرُ الَّذِي يَنْزِلُ فِي ءَاخِرِ اللَّيْلِ لِيَسْتَرِيحَ.

أسئلة وأجوبة ضرورية فيما يتعلق بالعقيدة والإيمان- 3



[ 43 ] ـ السؤال: ما معنى الثواب والعذاب ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

الثواب هو الجزاء الذي يجازاه المؤمن في الآخرة مما يسره ، وأما العذاب فهو ما يسوء العبد ذلك اليوم من دخول النار وما دون ذلك.

[ 43 ] ـ السؤال: تكلم عن الميزان .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

يجب الإيمان بالميزان وهو جرم كبير له قصبة وكفتان يوزن عليه الأعمال ، قال تعالى : { والوزن يومئذ الحق } سورة الأعراف / 8.

فالكافر ليس له حسنات يوم القيامة إنما توضع سيئاته في كفة من الكفتين ، وأما المؤمن فتوضع حسناته في كفة وسيئاته في الكفة الأخرى ، فإن رجحت حسناته على سيئاته يدخل الجنة من غير عذاب ، وإن رجحت سيئاته فهو تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة بعد ذلك.

قال تعالى : { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية } سورة القارعة 6 / 9.

[ 45 ] ـ السؤال: تكلم عن النار .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

يجب الإيمان بالنار أي جهنم وبأنها مخلوقة الآن ، قال تعالى : { أعدت للكافرين } سورة البقرة / 24 ، وهي أقوى وأشد نار خلقها الله ، ومركزها تحت الأرض السابعة وهي باقية إلى ما لا نهاية له.

قال تعالى : { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً * خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً } سورة الأحزاب 64 / 65.

[ 46 ] – س: تكلّم عن الصراط.
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

الصراط هو جسر يمد على ظهر جهنم يرده الناس، أحد طرفيه في الأرض المبدلة والطرف الآخر فيما يلي الجنة بعد النار، فيمرُّ الناس فيما يحاذي الصراط.
والمؤمنون حينئذٍ قسم منهم لا يدوسون الصراط إنّما يمرُّون في هوائه طائرين، ومنهم من يدوسونه، ثم هؤلاء قسم منهم يوقعون فيها، وقسم ينجيهم الله فيخلصون منها. وأما الكفّار فكلهم يتساقطون فيها قال الله تعالى: { وإن منكم إلا واردها } سورة مريم / 71، والورود نوعان: ورود مرور في هوائها، وورود دخول.

[ 47 ] ـ السؤال: تكلم عن الحوض .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

الحوض هو مكان أعد الله فيه شراباً لأهل الجنة يشربون منه قبل دخول الجنة فلا يصيبهم بعد ذلك ظمأ ، ولكل نبي من أنبياء الله حوض تشرب منه أمته ، وأكبر الأحواض هو حوض نبينا صلى الله عليه وسلم ، وعليه أكواب بعدد نجوم السماء ، وينصبّ فيه من ماء الجنة.

[ 48 ] ـ السؤال: تكلم عن الشفاعة .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

الشفاعة هي طلب الخير من الغير للغير ، والشفاعة تكون للمسلمين فقط ، فالأنبياء يشفعون وكذلك العلماء العاملون والشهداء والملائكة.

قال صلى الله عليه وسلم : (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) رواه الحاكم وصححه . فلا شفاعة للكفار يوم القيامة قال تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } سورة الأنبياء / 28.

[ 49 ] ـ السؤال: تكلم عن الجنة .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

هي دار السلام ، وهي مخلوقة الآن ، قال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنة ٍعرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين } سورة آل عمران / 133 . وهي باقية إلى ما لا نهاية قال الله تعالى : { ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } سورة النساء / 13 .

وأكثر أهلها من الفقراء ، قال صلى الله عليه وسلم : (دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء … ) الحديث.

وقد أعد الله لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، قال صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) ، رواه البخاري.

[ 50 ] ـ السؤال: تكلم عن رؤية الله تعالى بالعين في الآخرة .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

يجب الإيمان بأن الله يُرى في الآخرة ، يراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا كيف ولا مكان ولا جهة ، قال تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } سورة القيامة 22 / 23 .

وقال صلى الله عليه وسلم : (إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامون في رؤيته ) ، رواه مسلم فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه رؤيتنا لله من حيث عدم الشك برؤية القمر ليلة البدر ، ولم يشبه الله تعالى بالقمر.

قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأكبر : والله تعالى يُرى في الآخرة ، يراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رءوسهم بلا تشبيه ولا كيفية ولا كمية ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة.

[ 51 ] ـ السؤال: تكلم عن الإيمان بالملائكة .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد

يجب الإيمان بالملائكة أي بوجودهم وأنهم عباد مكرمون ، ليسوا ذكوراً ولا إناثاً لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون ، قال تعالى : { عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُأمرون } سورة التحريم / 6.

والذي يقول إن الملائكة إناث حكمه التكفير قال تعالى : { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمّون الملائكة تسمية الأنثى } سورة النجم / 27 ، وقد يتشكلون بصورة الرجال من غير ءالة الذكورية.

[ 52 ] ـ السؤال: تكلم عن الإيمان بالرسل .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

يجب الإيمان برسل الله أي أنبيائه من كان رسولاً ومن لم يكن رسولاً ، وأولهم ءادم عليه السلام وءاخرهم محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى : { لا نفرّق بين أحدٍ من رسُله } سورة البقرة / 285.

[ 53 ] ـ السؤال: ما الفرق بين النبي غير الرسول والنبي الرسول ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

النبي غير الرسول هو إنسان أوحي إليه لا بشرعٍ جديد ، بل أوحي إليه باتباع شرع الرسول الذي قبله ، والرسول من أوحي إليه بشرعٍ جديد ، وكلاهما مأمور بالتبليغ ، قال تعالى : { كان الناس أمةً واحدةً فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } سورة البقرة / 213.

[ 54 ] ـ السؤال: تكلم عن الإيمان بالكتب السماوية .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

يجب الإيمان بالكتب السماوية المنزلة على رسل الله ، وهي كثيرة أشهرها : القرءان والتوراة والإنجيل والزبور ، وعدد الكتب السماوية مائة وأربعة كما نقل ذلك الشيخ شمس الدين الرملي في كتاب نهاية المحتاج في شرح المنهاج.

[ 55 ] ـ السؤال: تكلم عن الإيمان بالقدر خيره وشره .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ، أي أن كل ما دخل في الوجود من خير وشر فهو بتقدير الله الأزلي ، فالخير من أعمال العباد بتقدير الله ومحبته ورضاه ، والشر من أعمال العباد بتقدير الله لا بمحبته ورضاه ، قال صلى الله عليه وسلم : (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم.

[ 56 ] ـ السؤال: تكلم عن بعض ما يتعلق بالإيمان برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

يجب الإيمان برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبأنه خاتم النبيين أي ءاخرهم ، قال تعالى : { وخاتم النبيين } سورة الأحزاب / 40 .

وقال صلى الله عليه وسلم : (وخُتم بي النبيون) رواه مسلم . ويجب الإيمان بأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم سيد ولد ءادم أجمعين ، وهذا متفق عليه عند العلماء ، وهو مأخوذ من حديث رواه الترمذي : (أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة ولا فخر) ، أي لا أقول ذلك افتخاراً إنما تحدثاً بنعمة الله.

[ 57 ] ـ السؤال: تكلم عن بعض الصفات الواجبة لأنبياء الله تعالى .

الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:
الله تعالى أرسل أنبياءه ليبلغوا الناس مصالح دينهم ودنياهم فهم قدوة للناس ، ولذلك فإن الله تعالى جملهم بصفات حميدة وأخلاق حسنة منها : الصدق والأمانة والفطانة والشجاعة والعفة ، قال تعالى بعد ذكر عدد منهم : { وكلاً فضلنا على العالمين } سورة الأنعام / 86 . فالأنبياء هم صفوة الخلق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (ما بعث الله نبياً إلا حسن الوجه حسن الصوت ، وإن نبيكم أحسنهم وجهاً وأحسنهم صوتاً) رواه الترمذي.

[ 58 ] ـ السؤال: تكلم عن بعض ما لا يجوز على أنبياء الله من الصفات .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

لما كان الأنبياء قدوة للناس وقد جملهم الله بالصفات الحميدة ، فإنه كذلك عصمهم ونزههم عن الصفات الذميمة ، فلا يجوز على أنبياء الله الكذب والخيانة والرذالة والسفاهة والبلادة ، كما أنهم معصومون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها ، ويمكن أن يرتكب الواحد منهم معصية صغيرة ليس فيها خسة ودنائة ، لكن ينبهون فوراً للتوبة قبل أن يقتدي بهم فيها غيرهم.

[ 59 ] ـ السؤال: قال تعالى حكاية عن نبي الله إبراهيم : { بل فعله كبيرهم هذا فسْألوهم إن كانوا ينطقون } سورة الأنبياء /63 فما معنى ذلك ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

لا شك أن الأنبياء منزهون عن الكذب ، والوارد في هذه الآية من أمر إبراهيم ليس كذباً حقيقياً بل هو صدق من حيث الباطن والحقيقة ، لأن كبيرهم هو الذي حمله على الفتك بالأصنام الأخرى من شدة اغتياظه منه لمبالغتهم في تعظيمه بتجميل صورته وهيئته ، فيكون إسناد الفعل إلى الكبير إسناداً مجازياً ، فلا كذب في ذلك.

[ 60 ] ـ السؤال: ما معنى قول إبراهيم عن الكوكب حين رآه { هذا ربي } سورة الأنعام / 78 ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

الأنبياء معصومون من الكفر قبل النبوة وبعدها ، فقول إبراهيم عن الكوكب حين رآه { هذا ربي } هو على تقدير الإستفهام الإنكاري ، فكأنه قال : أهذا ربي كما تزعمون ، أما إبراهيم فكان يعلم قبل ذلك أن الربوبية لا تكون إلا لله ، قال تعالى : { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين } سورة ءال عمران / 67.

[ 61 ] ـ السؤال: قال تعالى إخباراً عن يوسف : { ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه } سورة يوسف / 24 . ما معنى { وهمّ بها } ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

أحسن ما قيل في تفسير { وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه } أن جواب لولا محذوف يدل عليه ما قبله أي لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها ، فلم يحصل منه همّ للزنى لأن الله أراه برهانه . وقال بعض المفسرين من أهل الحق إن معنى وهمّ بها أي همّ بدفعها . ومعنى { لولا أن رأى برهان ربه } أن الله أعلمه البرهان أنك يا يوسف لو دفعتها لقالت لزوجها دفعني ليجبرني على الفاحشة ، فلم يدفعها بل أدار لها ظهره ذاهباً فشقت قميصه من خلف ، فكان الدليل عليها.

أما ما يروى من أن يوسف همّ بالزنى وأنه حل إزاره وجلس منها مجلس الرجل من زوجته فإن هذا باطل لا يليق بنبي من أنبياء الله تعالى ، قال الله تعالى في براءة يوسف : { قالت ِ امرأتُ العزيزِ اْلآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين } سورة يوسف / 51.

[ 62 ] ـ السؤال: قال تعالى حكاية عن أحد الخصمين اللذين اختصما إلى داود : { إن هذا أخي له تسعٌ وتسعونَ نعجةً وليَ نعجةٌ واحدةٌ فقال أكْفلنيها وعَزَّنىِ في الخطاب } سورة ص / 23 ، ما المراد بالنعاج في هذه الآية ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:

قد تكني العرب بالنعاج عن النساء ، لكن لا يجوز تفسير النعاج في هذه الآية بالنساء كما فعل بعض المفسرين ، فقد أساءوا بتفسيرهم لهذه الآية بما هو مشهور من أن داود كان له تسع وتسعون امرأة ، وأن قائداً كان له واحدة جميلة فأعجب بها داود ، فأرسل هذا القائد إلى المعركة ليموت فيها ويتزوجها هو من بعده ، فهذا فاسد لأنه لا يليق ما ذكر فيه بنبي من أنبياء الله.

قال الإمام ابن الجوزي في تفسيره بعد ذكر هذه القصة المكذوبة عن سيدنا داود : وهذا لا يصح من طريق النقل ولا يجوز من حيث المعنى ، لأن الأنبياء منزهون عنه ، وأما استغفار داود ربه ، فهذا لأنه حكم بين الإثنين بسماعه من أحدهما قبل أن يسمع من الآخر.

تم بحمد الله وعونه.

أسئلة وأجوبة ضرورية فيما يتعلق بالعقيدة والإيمان- 2

[ 36 ] ـ السؤال: تكلم عن عذاب القبر .
الجواب:
بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:
 قال تعالى : { النار ُ يُعرَضون عليها غدوّاً وعشياً ويوم تقوم الساعة أَدخلوا آل فرعون أشد العذاب } سورة غافر / 46.
وقال صلى الله عليه وسلم : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد ؟ فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة ، فيراهما جميعاً ، وأما الكافر أو المنافق فيقول : لاأدري كنت أقول ما يقول الناس فيه ، فيقال لا دريت ولا تليت ، ثم يضرب بمطرقة من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين) . رواه البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم .
[ 37 ] ـ السؤال: تكلم عن نعيم القبر .
الجواب:
بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:
يجب الإيمان بنعيم القبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك ومنه توسيع القبر سبعين ذراعاً في سبعين ذراعاً للمؤمن التقي ومن شاء الله له من غير الأتقياء كبعض الشهداء ممن نالوا الشهادة ولم يكونوا أتقياء ، وتنويره بنور يشبه نور القمر ليلة البدر ، وغير ذلك كشم رائحة الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم :
(إذا قبر الميت أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر ، وللآخر نكير فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد ، فهو قائل ما كان يقول ، فإن كان مؤمناً قال : هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فيقولان له إن كنا لنعلم أنك لتقول ذلك ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين ذراعاً ، وينور له فيه ، فيقال له : نم فينام كنوم العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله ، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك) . رواه ابن حبان .
[ 38 ] ـ السؤال: تكلم عن سؤال الملكين منكر ونكير .
الجواب:
بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:
يجب الإيمان بسؤال الملكين منكر ونكير وهو يحصل للمؤمن والكافر من أمة الدعوة ، ثم المؤمن الكامل لا يلحقه فزع ولا انزعاج من سؤالهما لأن الله يثبت قلبه فلا يرتاع من منظرهما المخيف ، لأنهما كما جاء في الحديث أسودان أزرقان ، ويستثنى من السؤال الطفل والشهيد وكذلك الأنبياء ، والمراد بالطفل : من مات دون البلوغ ، وبالشهيد شهيد المعركة .
[ 39 ] ـ السؤال: تكلم عن البعث .
الجواب:
بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:
البعث هو خروج الموتى من القبور بعد إعادة الجسد الذي أكله التراب إن كان من الأجساد التي يأكلها التراب وهي أجساد غير الأنبياء وشهداء المعركة ، وكذلك بعض الأولياء لا يأكل التراب أجسادهم . قال تعالى : { وأنّ الساعة ءاتية ٌ لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور } . سورة الحج / 7
[ 40 ] ـ السؤال: ما هو الحشر ؟
الجواب:
بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:
الحشر هو سوق من يخرج من القبور إلى الموقف، والناس في الحشر يكونون على ثلاثة أحوال ، فقسم منهم كاسون راكبون طاعمون وهم الأتقياء ، وقسم حفاة عراة وهم الفاسقون ، وقسم حفاة عراة يجرون على وجوههم وهم الكفار، فالإنس يحشرون وكذلك الجن والوحوش، قال تعالى : { واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون } سورة البقرة / 203 وقال تعالى : { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصما ً } سورة الإسراء / 97 وقال تعالى : { وإذا الوحوش حشرت } سورة التكوير / 5.
[ 41 ] ـ السؤال: تكلم عن يوم القيامة .
الجواب:
بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:
القيامة أولها من خروج الناس من قبورهم إلى استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، ومقدار القيامة خمسون ألف سنة مما نعد.
قال الله تعالى : { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } سورة المعارج / 4.
[ 42 ] ـ السؤال: تكلم عن الحساب .
الجواب:
بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد:
الحساب هو عرض أعمال العباد عليهم وتوقيفهم عليها بعد أخذهم كتبهم ، فأما المؤمن فيأخذ كتابه بيمينه ، وأما الكافر فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره:  وهذا الكتاب هو الكتاب الذي كتبه الملكان رقيب وعتيد في الدنيا ، قال تعالى : { فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً وينقلبُ إلى أهله مسروراً وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبوراً ويصلى سعيراً } سورة الإنشقاق 7 / 12.

أسئلة وأجوبة ضرورية فيما يتعلق بالعقيدة والإيمان- 1



[ 1 ] ـ السؤال: ما هو الفرض العيني من علم الدين ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

الفرض العيني من علم الدين هو القدر الذي يجب تعلمه من علم الإعتقاد ومن المسائل الفقهية ومن أحكام المعاملات لمن يتعاطاها وغيرها ، كمعرفة معاصي القلب والجوارح كاللسان وغيره ، ومعرفة الظاهر من أحكام الزكاة لمن تجب عليه ، والحج للمستطيع . قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) رواه البيهقي.

[ 2 ] ـ السؤال: من هو المكلف الملزم بالدخول في دين الإسلام والعمل بشريعته ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

المكلف هو البالغ العاقل الذي بلغته دعوة الإسلام ، ويكون البلوغ بالنسبة للذكر بحصول أمر من اثنين : رؤية المني أو بلوغ خمس عشرة سنة قمرية ، وللأنثى بحصول أمر من ثلاثة : رؤية المني أو دم الحـيض أو بلوغ خمـس عـشرة سـنة قمرية ، فمن مات دون البلوغ فليس مكلفاً، ومـن اتصل جنونه من قبل البلوغ إلى ما بعده ومات وهو مجنون فليس مكلفاً ، ومن عاش بالغاً ولم يبلغه أصل الدعوة أي : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فليس مكلفاً.

قال تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } سورة الإسراء.
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل) رواه الإمام أحمد.

[ 3 ] ـ السؤال: مامعنى قول المؤلف : والتزام ما لزم عليه من الأحكام ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معناه أداء الواجبات واجتناب المحرمات ، فالعبد التقي هو الذي أدى الواجبات وتجنب المحرمات ، ومن مات على ذلك يدخل الجنة من غير سابق عذاب.

[ 4 ] ـ السؤال: بين أعلى الواجبات وأفضلها عند الله تعالى .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

أعلى الواجبات وأفضلها عند الله تعالى الإيمان بالله ورسوله قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله) رواه البخاري.
والإيمان شرط لقبول الأعمال الصالحة ، فمن لم يؤمن بالله ورسوله فلا ثواب له أبداً في الآخرة قال الله تعالى : { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف } سورة إبراهيم.

[ 5 ] ـ السؤال: بين أفضلية علم التوحيد على غيره من العلوم .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

علم التوحيد له شرف على غيره من العلوم لكونه متعلقاً بأشرف المعلومات ، وشرف العلم بشرف المعلوم ، فلما كان علم التوحيد يفيد معرفة الله على ما يليق به ، ومعرفة رسوله على ما يليق به ، وتنزيه الله عما لا يجوز عليه ، وتبرئة الأنبياء عمالا يليق بهم ، كان افضل من علم الأحكام . قال تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلاّ الله واستغفر لذنبك } سورة محمد
وقال الإمام أبو حنيفة في كتابه الفقه الأبسط : إعلم أن الفقه في الدين أفضل من الفقه بالأحكام . اهـ

[ 6 ] ـ السؤال: هل يشترط للدخول في دين الإسلام لفظ : أشهدأن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

لا يشترط هذا اللفظ بعينه ، بل لو قال لفظاً يعطي معناه كأن قال : لا إله إلا الله أو : لاربَّ إلآ الله محمد نبي الله كفى للدخول في الإسلام ، ولكن لفظ أشهد أفضل من غيره ، لأن معناها اللغوي يتضمن العلم والإعتقاد والإعتراف ، ففيها من تأكيد المعنى ما ليس في غيرها.

[ 7 ] ـ السؤال: اذكر الدليل على وجود الله .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

الله موجود لا شكَّ في وجوده ، قال تعالى : { أفي الله شك } سورة إبراهيم . أي لا شكَّ في وجوده ، وهذا العالم دليل على وجود الله تبارك وتعالى ، لأنه لا يصح ُّ في العقل وجود فعل ما من غير فاعل ، كما لا يصح وجود نسخ وكتابة من غير ناسخ وكاتب ، فهذا العالم لا بدَّ له من خالق من باب أولى وهوالله تعالى.
والله موجود لا يشبه الموجودات ، موجود بلا كيف ولا مكان ، قال الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه : غاية المعرفة يالله الإيقان بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان.

[ 8 ] ـ السؤال: مامعنى أشهد أن لاإله إلا الله إجمالاً ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى أشهد ان لا إله إلا الله إجمالاً : أعترف بلساني وأعتقد بقلبي أن لامعبود بحق إلا الله ، أي لا أحد يستحق أن يُتذلل له نهاية التذلل إلا الله ، وهذه هي العبادة التي من صرفها لغير الله تعالى صار مشركاً ، وليس معناها مجرد النداء أو الإستعانة أو الإستغاثة كما زعم بعض الناس.

قال الإمام تقي الدين السبكي : العبادة أقصى غاية الخشوع والخضوع.

[ 9 ] ـ السؤال: ما معنى الواحد إذا أطلق على الله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى الـواحد أنَّ الله لا شريك له في الألوهـيـة ولا معبود بحـقًٍّ ســــواه ، قال الله تعالــى : { وَإِلهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } سورة البقرة.

وقال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر : والله واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لاشريك له.

[10 ] ـ السؤال: ما معنى الأحد ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

قال بعض العلماء هو بمعنى الواحد ، وقال بعضهم : الأحد هو الذي لا يقبل الإ نقسام ، أي ليس جسماً لأن الجسم يقبل الإنقسام عقلاً ، والله ليس جسماً . قال تعالى : { قلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } سورة الإخلاص ، وقال تعالى في ذمِّ الكفار : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِه ِجُزْءاً } سورة الزخرف ، وقال الإمام أبو الحسن الأشعري في كتاب النوادر : من اعتقد أنَّ الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به.

[ 11 ] ـ السؤال: ما معنى الأول والقديم إذا أطلقا على الله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى الأول الذي لا ابتداء لوجوده فهو وحده الأول بهذا المعنى ، قال تعالى { هُوَ اْلأَوََّلُ وَاْلآخِرُ } سورة الحد يد ، وبمعناه القديم إذا أُطلق على الله تعالى ، واجتمعت الأمة على جواز إطلاق القديم على الله ، قال ذلك الزبيدي في شرح إحياء علوم الدين.

[ 12 ] ـ السؤال: ما معنى الحي في حقِّ الله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى الحي في حقِّ الله تعالى أنه موصوف بحياة أزلية أبدية ليست بروح ولحم ودم ، قال تعالى : { اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ اْلحَيُّ اْلقَيُّومُ } سورة البقرة ، وقال تعالى : { َوَتوَكَّلْ عَلَى اْلَحيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ } سورة الفرقان .

[ 13 ] ـ السؤال: ما معنى القيوم في حق الله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

قال بعض العلماء : القيوم هو الدائم الذي لا يزول ، وقال بعضهم : القيوم أي القائم بنفسه الذي لا يحتاج إلى غيره.

[ 14 ] ـ السؤال: ما معنى الدائم في حق الله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى الدائم الذي لا يلحقه فناء ، والفناء مستحيل عقلاً في حقّ الله ، فلا دائم بهذا المعنى إلاّ الله ، ولا شريك لله تعالى في الدّ يمومية لأن الله دائم بذاته لا شيء غيره أوجب له ذلك ، وأما ديمومية غيره كالجنة والنار فهي ليست ذاتية بل هما شاء الله لهما البقاء.

[ 15 ] ـ السؤال: ما معنى الخالق ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى الخالق أي الذي أبدع وكوَّن جميع الحادثات ، أي أبرزها من العدم إلى الوجود ، فلا خلق بهذا المعنى إلاّ لله ، قال الله تعالى : { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اْللهِ } سورة فاطر ، أي لا خالق إلاّ الله.

[ 16 ] ـ السؤال: ما معنى الرازق في حقِّ الله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى الرازق الذي يوصل الأرزاق إلى عباده ، والرزق هو ما ينفع ولو كان محرماً ، قال الله تعالى : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } سورة هود.

[ 17 ] ـ السؤال: ما معنى العالم في حق الله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى العالم أن الله موصوف بعلم أزلي أبدي لا يتغير، فهو عالم بكل شيء قبل حصوله، قال الله تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هوَ ويعلم ما في البرِّ والبحر وما تسْقُطُ من ورقةٍ إلاّ يعلمها ولا حبَّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطْبٍ ولا يابسٍ إلاّ في كتابٍ مبين } سورة الأنعام.

[ 18 ] ـ السؤال: ما معنى القدير في حق الله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد، معنى القدير المتَّصف بالقدرة ، وهي صفة أزلية أبدية يؤثر الله بها في الممكنات أي في كلِّ ما يجوز في العقل وجوده وعدمه ، فقدرة الله لا تتعلق بالواجب الوجود ولا بالمستحيل الوجود ، قال تعالى : { ويعلم ما في السموات وما فـي الأرض والله عـلى كلّ شيء قديـر } سورة ءال عمران / 29.

[ 19 ] ـ السؤال: بيّن أقسام الحكم العقلي .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

الحكم العـقلي ينقسم إلى ثلاثة : الوجوب والإستحالة والجواز.
الواجب العـقلي : ما لا يُتصوّر في العـقل عـدمه ، وهو الله تعالى وصفاته.
والمستحيل العـقلي : ما لا يتصور في العـقل وجوده ، كوجود الشَّريك لله.
والجائز العـقلي : ما يتصور في العـقل وجوده تارة وعـدمه تارة أخرى كسائر المخلوقات.

[ 20 ] ـ السؤال: ما معنى أنّ الله فعّال لما يريد ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى الفعّال لما يريد أنّ الله قادر على تكوين ما سبقت به إرادته ، لا يعجزه عن ذلك شيء ، ولا يمانعه أحد ، ولا يحتاج إلى استعانة بغيره . قال الله تعالى : { ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكنّ الله يفعل ما يريد } سورة البقرة / 253 . وقال تعالى : { إنّ ربّك فعّال لما يريد } سورة هود / 107.

[ 21 ] ـ السؤال: أعْطِ شرحاً موجزاً لكلمة : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معناها أنّ كلّ ما أراد الله وجوده لا بدّ أن يوجد في الوقت الذي شاء الله وجوده فيه ، سواء في ذلك الخير والشر والطاعة والمعـصية والكفر والإيمان ، وما لم يرد الله وجوده لا يدخل في الوجود ، فلا يوجد ولا يكون.
ومشيئة الله أزلية أبدية لاتتغير ، وهذا اللفظ مأخوذ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، روى ذلك أبو داود في سننه أنه صلَّى الله عليه وسلَّم علّم بعض بناته : ( ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ) والمشيئة هي : تخصيص الممكن ببعض ما يجوز عليه دون بعض.

[ 22 ] ـ السؤال: ما معنى : لا حول ولا قوة إلاّ بالله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى لا حول ولا قوة إلاّ بالله : لا حول عن معصية الله إلاّ بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلاّ بعون الله ، جاء تفسيرها في حديث رواه أبو يعلى بإسناد حسن عن ابن مسعود عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وقد ثبت أنّه صلَّى الله عليه وسلَّم رغَّب فيه.

[ 23 ] ـ السؤال: الله تعالى موصوف بكلّ كمال يليق به ، لماذا قُيّدت كلمة -كمال- بعبارة يليق به ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد، إنما قيدت هذه العبارة بلفظ يليق به لأنّ الكمال إما أن يكون كمالاً في حقّ الله وفي حقّ غيره كالعلم ، وإما أن يكون كمالاً في حقّ غيره وليس كمالاً في حقّه كالوصف برجاحة العقل ، وقد يكون الوصف مدحاً لله تعالى وذماً في حقّ الإنسان وذلك كالوصف بالجبّار هو مدح في حقّ الله وذمٌّ في حقّ الإنسان ، ومعنى الجبار إذا أُطلق على الله الذي لا تناله الأيدي ولا يقع في ملكه غير ما أراد.

[ 24 ] ـ السؤال: تكلّم عن تنزيه الله عن النَّقائص .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

الله تعالى متصف بكل كمال في حقه ، وهو منزه عن كل نقص أي ما لا يليق به تعالى كالجهل والعجز والمكان والحيّز واللون والحد ، قال الإمام ابو جعفر الطحاوي المتوفى سنة 322هـ : -تعالى – الله – عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات- ، ومعناه لا يجوز على الله أن يكون محدوداً ، فإذاً هو منزه عن أن يكون جالساً لأن المتصف بالجلوس لا بد أن يكون محدوداً قال الإمام علي رضي الله عنه : -إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته ولم يتخذه مكاناً لذاته- . ذكره الإمام أبو منصور البغدادي في كتاب الفرق بين الفرق بعد أن نقل الإجماع على تنـزيه الله عن المكان والحد.

[ 25 ] ـ السؤال: ما معنى قوله تعالى : { ليس كمثله شىء } سورة الشورى / 11 ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معناه أن الله لا يشبه شيئاً من اللطائف والكثائف والعلويات والسفليات ، قال تعالى : { ولم يكن له كُفُواً أحد } سورة الإخلاص ، أي لا نظير لله بوجه من الوجوه ، قال الإمام ذو النون المصري والإمام أحمد رحمهما الله : -مهما تصوّرت ببالك فالله بخلاف ذلك- ، وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته : -ومن وصف الله بمعنىً من معاني البشر فقد كفر -.

[ 26 ] ـ السؤال: تكلم عن صفتي السمع والبصر لله تعالى .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

قال الله تعالى : { ليس كمثله شىء وهو السميع البصير } سورة الشورى . فالله تعالى وصف نفسه بأنه ليس كمثله شيء وأنه سميع بصير ، نفى أولاً أن يكون مشابهاً للحوادث بوجه من الوجوه ، ثم وصف نفسه بأنه سميع بصير ، فهذا يدل على أن سمع الله لا يشبه سمع المخلوقات وبصره لا يشبه بصر المخلوقات ، وكذلك سائر صفات الله لا تشبه صفات خلقه ، فالله تعالى يسمع كل المسموعات من غير حاجة إلى أذن أو آلة أخرى ، وهو سبحانه يرى كلّ المبصَرات من غير حاجة إلى حدقة ولا إلى شعاع ضوء.

[ 27 ] السؤال: تكلم عن قول المؤلف : فهو القديم وما سواه حادث وهو الخالق وما سواه مخلوق الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

يجب الإعتقاد أن الله وحده القديم الذي لا ابتداء لوجوده وأن كل ما سواه حادث ، فكل حادث دخل في الوجود من الأعيان والأعمال من الذرة إلى العرش ومن كل حركة للعباد وسكون والنوايا والخواطر هو بخلق الله لم يخلقه احد سوى الله ، لا طبيعة ولا علة ، بل دخوله في الوجود بمشيئة الله وقدرته بتقديره وعلمه الأزلي لقوله تعالى : { وخلق كل شىء } سورة الفرقان . قال الإمام النسفي : فإذا ضرب إنسان زجاجاً بحجر فكسره فالضرب والكسر والإنكسار بخلق الله تعالى .

[ 28 ] السؤال: تكلم عن صفة الكلام لله تعالى .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في كتابه الفقه الأبسط : ويتكلم لا ككلامنا ، نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بلا آلة ولا حرف.
فالله تعالى متكلم بكلام لا يشبه كلامنا ، ليس لكلامه ابتداء وليس له انتهاء لا يطرأ عليه سكوت أو تقطع لأنه ليس حرفاً ولا صوتاً ، وإنما هو صفة له تعالى لا يشبه كلام المخلوقين . قال الله تعالى : { وكلّم الله موسى تكليماً } سورة النساء / 164.

[ 29 ] ـ السؤال: تكلم عن قول المؤلف : لأنه سبحانه مباين لجميع المخلوقات في الذات والصفات والأفعال .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

الله تعالى مباين أي غير مشابه لجميع المخلوقات في الذات أي ذاته لا يشبه ذوات المخلوقات ، والصفات أي صفاته لا تشبه صفات المخلوقات ، والأفعال أي أفعاله لا تشبه أفعال المخلوقات لأن فعل الله تعالى أزلي أبدي والمفعول حادث ، قال الله تعالى : { ولله المثل الأعلى } سورة النحل / 60 ، أي الوصف الذي لايشبه وصف غيره، وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه والبخاري رحمهما الله تعالى : فعله تعالى صفة له في الأزل والمفعول حادث.

[ 30 ] ـ السؤال: ما معنى قول المؤلف عن الله : سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

معنى سبحانه تنزيهاً ، أي تنزيه الله تعالى ، ومعنى تعالى : تنـزّه ، وهو تبارك وتعالى متعال أي متنـزه عما يقول الظالمون أي الكافرون ، لأن الكفر هو أعلى الظلم وأكبره وأشده ، قال تعالى : { والكافرون هم الظالمون } سورة البقرة / 254.

[ 31 ] ـ السؤال: قال العلماء بوجوب معرفة ثلاث عشرة صفة لله تعالى ، ما هي هذه الصفات ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

يجب وجوباً عينياً معرفة ثلاث عشرة صفة لله تعالى تكرر ذكرها في القرآن إما لفظاً وإما معنى كثيراً وهي :
1_ الوجود
2_ الوحدانية
3_ القدم أي الأزلية
4_ البقاء
5_ قيامه بنفسه
6_ القدرة
7_ الإرادة
8_ العلم
9_ السمع
10_ البصر
11_ الحياة
12_ الكلام
13_ تنـزهه عن المشابهة للحادث .

[ 32 ] ـ السؤال: تكلم عن أزلية صفات الله تعالى .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

لما ثبتت الأزلية لذات الله تعالى وجب أن تكون صفاته أزلية ، لأن من كانت صفاته حادثة فذاته لا بد أن يكون حادثاً.

قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأبسط : فصفاته غير مخلوقة ولا محدثة ، والتغير والإختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين ، ومن قال إنها محدثة أو مخلوقة أو توقف فيها أو شك فيها فهو كافر.

[ 33 ] ـ السؤال: ما معنى شهادة أن محمداً رسول الله ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله : أعترف بلساني وأذعن بقلبي أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله إلى كافة العالمين من إنس وجن ، صادق في كل ما يبلغه عن الله تعالى ليؤمنوا بشريعته ويتبعوه ، قال الله تعالى : { تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً } سورة الفرقان / 1.

[ 34 ] ـ السؤال: أذكر بعض نسب النبي ومن أي قبيلة هو ؟ وأين ولد وأين مات ودفن ؟
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد،

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي صلى الله عليه وسلم ، ولد بمكة في شهر ربيع الأول في عام الفيل ، ونزل عليه الوحي بالنبوة وهو فيها وكان عمره أربعين سنة ، وهاجر إلى المدينة بعد نزول الوحي بثلاث عشرة سنة ، ومكث فيها عشر سنين ، توفي بعدها صلى الله عليه وسلم ودفن في المدينة المنورة في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، أي دفن حيث مات صلى الله عليه وسلم.

[ 35 ] ـ السؤال: إشرح قول المؤلف في معنى الشهادة الثانية : ويتضمن ذلك أنه صادق في جميع ما أخبر به وبلغه عن الله تعالى .
الجواب:

بسم الله وصلى الله على رسول الله وبعد، يجب الإعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق في جميع ما أخبر به عن الله تعالى سواء كان من أخبار الأمم والأنبياء وبدء الخلق أو مما أخبر به مما يحدث في هذه الدنيا وفي الآخرة أو من التحليل أو التحريم لبعض أفعال وأقوال العباد ، قال الله تعالى : { وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحيٌ يوحى } سورة النجم / 3 _ 4.

يسأل البعض ما معنى ما ورد في النصوص الشرعية في نسبة العلو لله تعالى؟



يسأل البعض ما معنى ما ورد في النصوص الشرعية في نسبة العلو لله تعالى؟

الجواب : نجيب على هذا السؤال بنقل هاتين الفائدتين

1-أصدرت مجلة الأزهر، وهي مجلة دينية علمية تصدرها مشيخة الأزهر، في المحرم سنة 1357 هـ في تفسير سورة الأعلى، ص 16 و 17:
والأعلى صفة الرب، والمراد بالعلو العلو بالقهر والاقتدار، لا بالمكان والجهة، لتنـزهه عن ذلك.
واعلم أن السلف قائلون باستحالة العلو المكاني عليه تعالى خلافا لبعض الجهلة الذين يخبطون خبط عشواء في هذا المقام فإن السلف والخلف متفقان على التنـزيه.انتهى

2- وأصدرت دار الإفتاء المصرية بيانا عاما تحت رقم 2514 لسنة 2005 تحث المسلمين على الثبات على العقيدة السنية، ومما جاء في البيان:
من ثوابت العقيدة عند المسلمين أن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحده زمان، لأن المكان والزمان مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شىء من خلقه، بل هو خالق كل شىء وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين، وقد عبر عن ذلك أهل العلم بقولهم: كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان، لم يتغير عما كان.

وأما ما ورد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على علو الله عز وجل على خلقه فالمراد بها علو المكانة والشرف والهيمنة والقهر، لأنه تعالى منـزه عن مشابهة المخلوقين.

وعقيدة الأزهر الشريف هي العقيدة الأشعرية وهي عقيدة أهل السنة والجماعة. انتهى بيان دار الإفتاء المصرية.

ما معنى الرؤية لله في الآخرة؟



الجواب :

قال الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}(سورة القيامة).

وقال تعالى عن الكفار: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}(سورة المطففين).

وقال الله تعالى: {ليس كمثله شىء وهو السميع البصير}(سورة الشورى).

واعلم أخي أنّ الرؤية لله تعالى في الجنة تكون بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة ولا مسافة قرب أو بعد ولا كيفية ولا حجم ولا لون، ولا يكون عليهم في هذه الرؤية اشتباه ولا أدنى شك هل الذي رأوه هو الله أو غيره كما لا يشك مبصر القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب أن الذي رآه هو القمر ففي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته) رواه مسلم.

قال الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه (المتوفى سنة 150 هـ) أحد مشاهير علماء السلف إمام المذهب الحنفي ما نصه : والله تعالى يُرى في الآخرة، ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كميّة، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة. اهـ
[ ذكره في الفقه الاكبر، انظر شرح الفقه الاكبر لملا علي القاري (ص/ 136- 137) ].

وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في كتابه -الوصية- : ولقاء الله تعالى لأهل الجنة بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة حق. اهـ

وفي كتاب -توضيح العقيدة- وهو مقرر السنة الرابعة الإعدادية بالمعاهد الأزهرية بمصر، ما نصه: فنراه تعالى منـزَّهاً عن الجهة والمقابلة وسائر التكيفات، كما أنّا نؤمن ونعتقد انه تعالى ليس في جهة ولا مقابلاً وليس جسما. اهـ

وفي كتاب -العقيدة الإسلامية- الذي يدرّس في دولة الإمارات العربية ما نصه : وأنه تعالى لا يحل في شىء ولا يحل فيه شىء، تقدس عن أن يحويه مكان، كما تنـزه عن أن يحده زمان، بل كان قبل أن يخلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان. اهـ
وفيه أيضا ما نصه : وإن عقيدة النجاة المنقذة من أوحال الشرك وضلالات الفرق الزائفة هي اعتقاد رؤيته تعالى في الاخرة للمؤمنين بلا كيف ولا تحديد ولا جهة ولا انحصار. اهـ

أقْسَامَ المَوْجودِ ثَلاثَةٌ



– الأوَّلُ: أزَليٌّ أَبدِيٌّ وهوَ الله تعالى فقط أي لا بدايةَ ولا نِهايةَ لوجودِهِ.

وحكمُ من يقولُ إنَّ هناكَ شَيئًا أزَليًّا سِوى الله التكفيرُ قَطعًا ولذلك كفَرت الفَلاسِفَةُ باعتقادِهِمُ السَّفِيهِ أنَّ العالَم قَديمٌ أزَليٌّ لأنَّ الأزَلِيَّةَ لا تَصِحُّ إلا لله تَعالى فقط.

– والثَّانِي: أَبديٌّ لا أَزَليٌّ أي أنَّ لهُ بدايةً ولا نِهايةَ لهُ وهُو الجنّةُ والنارُ.

فَهما مَخلوقَتان أي لَهُما بدايةٌ إلا أنَّه لا نِهايَة لَهُما أي أبدِيَّتانِ فَلا يَطرأُ علَيهِما خَرابٌ أو فَناءٌ لِمشيْئَةِ الله بَقاءَهُما، أمَّا مِن حَيْثُ ذَاتُهما فَيجوزُ عَليْهِما الفَناءُ عَقْلا.

– والثّالثُ: لا أزَليٌّ ولا أبَدِيٌّ أي أنَّ لَهُ بِدايةً ولَه نِهايةً وهو كُلُّ مَا في هَذِهِ الدُّنيا مِنَ السموات السَّبْعِ والأَرْضِ فَلا بدَّ مِن فَنائِهما وفَناءِ مَا فِيْهما مِنْ إنْسٍ وجِنّ ومَلائِكَةٍ.

واعلَم أَنَّه جَرتْ عَادةُ العُلَماءِ عَلى ذِكْر أنَّ الحُكْمَ العَقْليَّ يَنْقَسِمُ إلى ثَلاثَةٍ:

الوُجُوبُ والاسْتِحَالةُ والجَوازُ.

– وقَالوا الوَاجِبُ مَا لا يُتَصَوَّرُ عدمُه وهو الله وصفاتُه.
– والمُسْتَحِيلُ: مَا لا يُتَصَوَّرُ في العَقْلِ وجُودُهُ، وقَدْ يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بالمُمْتَنِع.
– والجائزُ: ما يُتَصَورُ في العَقْلِ وجُودُه وعدَمُه ولذَلكَ يَصفونَ الله بالوَاجِبِ الوجود

قِدَمُ الله لَيسَ زَمَانيًّا :

الله تعالى كانَ قبلَ الزَّمانِ وقبلَ المكانِ، وقبلَ الظُّلُماتِ وقبلَ النُّورِ، فَهُو تَعالى لَيسَ مِنْ قَبِيلِ العَالَم الكَثِيْفِ كالأَرْضِ والحَجَرِ والكَواكِبِ والنَّبَاتِ والإنْسَانِ ولَيْسَ مِن قَبِيل العَالَمِ اللّطِيْفِ كالنُّورِ والرُّوحِ والهَواءِ والجِنّ والمَلائِكَةِ لمخَالفتِه للحَوادِثِ أي لمخَالَفَتِهِ جَمِيعَ المَخلوقاتِ.

فإنْ قِيلَ: أَلَيسَ مِن أسمائِه اللّطِيفُ؟

فالجَوابُ:

أنّ مَعْنَى اللّطِيفِ الذي هُوَ اسمٌ لله : الرَّحِيمُ بعبادِه أو الذي احتَجبَ عَن الأَوْهَامِ فلا تُدْرِكُهُ. فَلا نَظِيْرَ لَهُ تَعَالَى أي لا مَثِيْلَ لَه ولا شَبِيْهَ في ذاتِه ولا في صِفَاتِه ولا في فِعْلِه، لأَنَّهُ لَو كانَ مُمَاثِلا لمخلُوقَاتِه بوجه من الوجُوه كالحجمِ والحركةِ والسكونِ ونحوِ ذلك لَم يكُنْ خَالِقًا لَها.

فَالله تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَن الاتّصَافِ بالحَوادِثِ وكَذَلِكَ صِفَاتُ الله تَعَالَى هِيَ قَدِيْمَةٌ أي أزَلِيَّةٌ. ولأَهَمّيَّةِ هَذا البَحْثِ قالَ الإمَامُ أبو حَنِيفَة: مَنْ قالَ بِحدُوثِ صِفاتِ الله أو شَكَّ أوْ تَوقَّفَ فهو كافرٌ. ذَكَرهُ في كِتابِ الوَصِيَّةِ وقَالَ الطّحَاويُّ: ومَن وصَفَ الله بمَعْنًى من مَعاني البَشَرِ فَقَد كَفَر.اهـ

لا يقالُ مُنذُ كَمْ للهِ في الألوهيّة



إنّ أعظَمَ مَا يُتقَرّبُ به إلى الله أداءُ ما افتَرض الله على عبادِه، فالله تعالى افتَرض على عبادِه على كلّ بالِغ عاقلٍ ذكَرٍ أو أُنثى افتَرَض علَيهِم أن يؤدّوا الواجِبات ويجتَنِبُوا المحرَّمات فأداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرّمات يُقرّبُ إلى الله أكثرَ مِنَ النّوافل، فالواجباتُ أقسامٌ منها واجباتٌ عِلمِيّة وواجباتٌ عمَلِيّة، والواجباتُ العلمِيّة نوعانِ نوعٌ اعتِقاديٌّ يُعتَقدُ اعتقادًا ونَوعٌ يُعرَفُ مَعرفَةً، الواجِباتُ الاعتقاديّةُ أهمّها وأعلاها وأفضَلُها معرفةُ الله ورسولِه، هذا أعظَمُ الأمور التي فَرَض الله علَينا اعتقادَها، هذا أعظَمُ الفرائض الاعتقاديّة.


لا يقالُ مُنذُ كَمْ للهِ في الألوهيّة، كَم لهُ في الألوهيّة مِنَ الزّمَن، اللهُ تعالى مَوجُودٌ قَبلَ الزّمان والمكان، الزّمانُ حَادثٌ والمكانُ حَادث، مَن لا يَعلَمُ هذا يقَعُ في الكفر.

بعضُ الناس كانوا يبِيعُونَ وُرَيقاتٍ يُقالُ لها مُناجاةُ موسى فيها كفرٌ ظَاهر، فيها أنّ موسى عليه السلام قالَ يا ربِّ كَمْ لكَ في الألوهيّة، فمَن عرَف العقيدةَ الحقّةَ أوّل ما يَرى هذا الكلام يعتَبِرُه كُفرًا ويُتلِفُ هذا الكتابَ لأنه واجبٌ إتلافُه، لا يجوز تركُه.


فالله تعالى وصفاتُه وجودُه وأُلوهيّتُه وعِلمُه وقُدرَتُه ومَشيئَتُه وحَياتُه وسَمعُه وبصَرُه أزليٌّ أي ليس شيئاً يحدُثُ عليه، يَطرأ عليه، نحن وجودُنا حادث لم نكن ثم كُنّا وكذلك عِلمُنا حادث نخرج مِن بطُونِ أُمّهاتِنا لا نَعلَمُ شَيئًا ولا نميّز بينَ ما ينفَعُنا وما يضُرّنا، نحن عِلمُنا حادِث وكذلك قُدرتُنا حادثةٌ، أوّلَ ما نخرجُ مِن بطُونِ أُمّهاتِنا لا نستَطيعُ أن نخطُوَ خَطْوةً، عِلمُنا حادثٌ وكلُّ ما فِينا حتى إرادَتنا حادثةٌ، الله تعالى ليسَ هَكذا الله مَوجودٌ بلا ابتداءٍ وعِلمُه مَوجُودٌ ثابتٌ لهُ بلا ابتداءٍ وكذلكَ أُلوهيّتُه، ليسَت ألوهيتُه منذُ خلَق الخَلقَ بل ألوهِيّتُه أزليّة، فالحاصلُ أنه لا يجوز أن يُعتَقد في الله أنهُ اكتسَب شيئًا مِنَ الصّفات بعدَ أن لم يكن متّصفًا بها، كلّ صفاتِه أزليّةٌ أبديّة، لم يَستَفِد بخلقِ العالم شيئًا لم يستَفِد بخلق العالم عِلمًا لم يَستفِد بخلق العالَم قُدرةً لم يَستفدْ بخلق العالم مشيئةً لم يَستفدْ بخلق العالم حِكمةً، لم يستفِدْ بخلق العالم كَمالا، الله تعالى كامِلٌ بكمالِه الأزليّ الأبديّ، لا يَزيدُ ولا يَنقُص، فإن قِيلَ فلِم إذن خَلَقَ الخَلقَ يُقال خلقَ الخَلقَ إظْهارًا لقُدرتِه فيَشكرُه مَن شاءَ اللهُ لهُ السّعادة فيَسعَد بالنّعيم الأبدي في الآخِرة، ويَشقَى مَن شَقيَ، السعيدُ يَسعَدُ بطَاعة الله، يُطيعُ ربّهُ ويؤمنُ به وبرسُولِه، ويُطيعُ ربّه فيما فرضَ يؤدّي الفرائض ويجتَنبُ المحرّمات، هذه السّعادةُ الكاملةُ أمّا السّعادةُ النّاقصةُ فهي أن يموتَ الإنسانُ مسلمًا وعليه ذنُوبٌ ولم يتبْ منها، يموتُ مؤمنًا لكنّه غافلٌ لا يؤدّي الفرائضَ كلّها أو بعضَها ولا يجتنبُ المحرماتِ كلَّها أو بعضَها هذا بما أنه يموتُ على الإيمان سعيدٌ سعادةً ناقصةً ليست سعادتُه كاملةً. إنما السّعيد الكاملُ هو الذي يؤدّي فرائضَ الله الاعتقاديةَ والعِلميّة والعمَلِيّة ويجتَنب محرماتِ الله أي ما حَرّم الله، هذا هو السّعيدُ الكامل، الله تعالى خلَق هذا العالم لا ليَستَفِيدَ منه بل ليُظهِرَ قُدرتَه للعبادِ فينتَفعَ مَن شاء الله لهُ بأن يكونَ مؤمنًا بالله ورسوله مؤدّيًا لما افتَرض اللهُ عليه مجتَنبًا لما حرّمَ الله عليهِ فيَسعد السّعادةَ الكبرى.


الله تعالى لم يزدَدْ بخَلق العالم كمالاً، فالله تعالى خلَق العالم إظهارًا لقُدرتِه لا ليَنالَ كمالاً غيرَ كمالِه الأزلي، كمالُه أزليّ لا يَقبَلُ الزّيادة والنّقصان. كلُّ كامِلٍ مِنَ الخَلقِ يَقبَلُ الزّيادةَ كذلكَ النّاقصُ يَقبَلُ الزّيادةَ في النُّقصان أمّا الله تعالى كاملٌ لا يَقبَلُ الزّيادةَ والنّقصان.

التحذِير مِن النميمة



الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ وصلَّى اللهُ علَى سيِّدِنا مُحمَّدٍ وعلَى ءَالِه وصَحْبِهِ الطَّيِّبِين الطَّاهِرِين،

أمّا بَعْدُ،


يَقُولُ اللهُ تَبَارَك وتَعالَى فِي القُرءانِ الكَريمِ ﴿هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [سُورَةَ الْقَلَم:11] أي يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِيُفْسِدَ بَيْنَهُم، ويَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ الأَكْرَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْ لَا يَدْخُلُهَا مَعَ الأَوَّلِينَ، وَالْقَتَّاتُ هُوَ النَّمَّامُ.


والنَّمِيمَةُ مِنَ الْكَبِائِرِ وَهِيَ نَقْلُ الْقَوْلِ مِنْ شَخْصٍ إِلَى شَخْصٍ أَوْ مِنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ عَلَى إرادَةِ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِمَا يَتَضَمَّنُ الإِفْسَادَ وَالْقَطِيعَةَ أَوِ الْعَدَاوَةَ بَيْنَهُمَا.


وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَعَاصِي اللِّسَانِ لأِنَّهَا قَوْلٌ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهِيَ نَقْلُ كَلامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ، يَقُولُ لِهَذَا فُلانٌ قَالَ فِيكَ كَذَا وَيَقُولُ لِذَاكَ فُلانٌ قَالَ فِيكَ كَذَا حَتَّى يَتَقَاتَلا أَوْ يَتَعَادَيَا أَيْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِلإِفْسَادِ بَيْنَهُمَا.


فَقَد ذَمَّ اللهُ تَعالَى فِعْلَ النَّمَّامِ وَجَعَلَ النَّمِيمَةَ كَبِيرَةً لِمَا فِيهَا مِنَ الإِفْسَادِ وَإِثَارَةِ البُغْضِ والعَدَاوَةِ ونَشْرِ الخُصُومَةِ بَينَ النَّاسِ، وهُوَ سُبْحَانَهُ وتَعالَى قَد يُعَجِّلُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيَا لِمَنْ يَسْعَى فِيهَا، ويُذِيقُهُ العَذَابَ الأَليمَ فِي القَبْرِ والآخِرَةِ إنْ شَاءَ.


فَقَد وَرَدَ فِي حَدِيثِ القَبْرَينِ الذَينِ مَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُما يُعَذَّبانِ وَأَن أَحَدَهُمَا كانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، فحرم الله النميمة وإن كانت صدقا وحقا لما فيها من إفساد القلوب وإثارة البغض والعداوة.


وَقَد رَوَى البُخارِيُّ فِي الأدَبِ المُفْرَدِ مِن حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أنَّها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ) قَالُوا بَلَى، قَالَ (الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ) قَالُوا بَلَى، قَالَ (الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ الْبُرَءَاءَ الْعَنَتَ) أَي الذِينَ يَبْغُونَ فِي حَقِّ الأَبْرِيَاءِ مِن عِبَادِ اللهِ العَنَتَ أَيِ الهَلَكَةَ والمَشَقَّةَ والفِتْنَةَ والشَّرَّ.


فالنَّمَّامُ يَجْعَلُ بَيْنَ المُتَآخِينِ وَبَيْنَ المُتَحَابِّينَ والمُتَصَافِينَ عَنَتًا وَمَشَقَّةً وَيَزْرَعُ بَيْنَهُم شَرًّا وَفَسَادًا وَعُدْوَانًا.


وَالنَّمِيمَةُ أَشَدُّ إِثْمًا مِنَ الْغِيبَةِ وهِيَ تُذْهِبُ ثَوابَ صِيَامِ فَاعِلِهَا، وفَاعِلُهَا يَسْتَحِقُّ العَذَابَ الألِيمَ، ولَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَعَ الأَوَّلِينَ، بَلْ يَدْخُلُهَا بَعْدَ أَنْ يُقَاسِيَ مَا يُقَاسِي مِنْ أَهْوَالِ الآخِرَةِ، هَذَا إِنْ جَازَاهُ اللَّهُ وَلَمْ يَعْفُ عَنْهُ، فَهِيَ أَحَدُ أَكْثَرِ أَسْبَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ أجَارَنَا اللهُ مِن ذَلِكَ. فَقَد ذَكَر السُّيُوطِيُّ فِيمَا أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله علَيهِ وَسَلَّم أنَّهُ قَالَ (إنَّ عَذَابَ القَبْرِ مِن ثَلاثَةٍ مِن الغِيبَةِ والنَّمِيمَةِ والبَوْلِ [أي عَدَمِ الاسْتِنْزَاهِ مِنْهُ] فَإِيَّاكُم وَذَلِكَ).


قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ النَّمِيمَةَ مُحَرَّمَةٌ وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَحَلَّهَا مُطْلَقًا يَكْفُرُ.


وَقَالَ جَمْعٍ مِنَ السَّلَفِ: قَدْ يُفْسِدُ النَّمَّامُ وَالْكَذَّابُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُهُ السَّاحِرُ فِي سَنَةٍ.


وَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ البِصْرِيِّ أنَّهُ قَالَ (مَن نَمَّ إِلَيكَ نَمَّ عَلَيكَ) وَمَعْنَى هذَا أَنَّ النَّمَّامَ يُتَجَنَّبُ وَلَا يُصَدَّقُ بِمَا يَنْقُلُ مِن دُونِ قَرائِنَ لِفِسْقِهِ وَلَا يُصَاحَبُ بَلْ يُجْتَنَبُ إلَّا إنْ كَانَ فِي مُرَافَقَتِه زَجْرٌ لَهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ ومَنْعٌ لَهُ مِن أنْ يَتمَادَ فِي هذِه الخَصْلِة الخَبِيثَةِ، فَكَيْفَ يُؤْتَمَنُ وهُوَ فِيهِ مَا فِيهِ مِن فَسادِ القَلْبِ والخَصْلاتِ الشَّنِيعَةِ التِي تُؤَدِّي إِلَى الإفسَادِ بَيْنَ النَّاسِ، وفِعْلُهُ هذَا مِن أَخْطَرِ ءَافَاتِ اللِّسَانِ التِي يَجِبُ أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهَا.


.وَقَد رُوِيَ عَنِ أبِي الأسْوَدِ الدُؤَلِيِّ أنَّهُ قَالَ: لا تَقْبَلَنَّ نَمِيمَةً بُلِّغْتَهَا وتَحَفَّظَنَّ مِنَ الَّذِي أَنْبَاكَهَا إِنَّ الَّذِي أَهْدَى إِلَيْكَ نَمِيمَةً سَيَنِمُّ عَنْكَ بِمِثْلِهَا قَدْ حَاكَهَا


وَقَد حَكَى بَعْضُ العُلَماءِ أنَّهُ كَانَ فِي المِائةِ الثّانِيَةِ لِلهِجرَةِ رَجُلٌ تُوُفِّيَتْ لَهُ أُختٌ فَدَفنَها وَبَعْدَ أَنْ دَفنَها تَذَكَّر أنَّهُ وَقَعَتْ مِنْهُ دَنانِيرُ فِي القَبْرِ فأَرادَ أنْ يَفْتَحَ القَبْرَ ليُخْرِجَ الدَّنَانِيرَ، فانْكَشَف علَيهِ القَبْرُ فَرأَى النَّارَ تَشْتَعِلُ فِيهِ فَفَزِعَ فَرمَى علَيهِ التُّرَابَ وَتَركَه وَذَهَب إِلَى أُمِّهِ فَسَأَلَها عَن حَالِ أُخْتِهِ، فَقَالتْ لَهُ: مَا لَكَ وَلَها وقَد مَاتَت، فَأَصَرَّ عَلَيها حتَّى تُخْبِرَه، فَقَالَتْ لَهُ: كَانَتْ تُخرِجُ الصَّلَاةَ عَن وَقْتِها وَكَانَتْ تَسْتَرِقُ السَّمْعَ إلى بُيُوتِ النَّاسِ تَتَجَسَّس لِتُفْسِدَ أَيْ لِتَعْمَلَ النَّمِيمَةَ بَيْنَهُم.


وَقَد رُوِيَ عَن حَمّادِ بنِ سَلَمةَ أنّه قَالَ: بَاعَ رَجُلٌ غُلامًا، فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: لَيْسَ فِيه عَيْبٌ إلَّا أنَّهُ نَمَّامٌ، فاسْتَخَفَّهُ المُشْتَرِي فاشْتَراهُ علَى ذَلِكَ العَيْبِ، فَمَكَثَ الغُلَامُ عِنْدَهُ أَيّامًا ثُمَّ قَالَ لِزَوْجَةِ مَوْلَاهُ: إنَّ زَوْجَكِ لَا يُحِبُّكِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَسَرَّى عَلَيْكِ، أَفَتُرِيدِينَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْكِ؟ قَالَتْ: نَعَم، قَالَ لَهَا: خُذِي المُوسَى واحْلِقِي شَعَراتٍ مِن بَاطِنِ لِحْيَتِهِ إذَا نَامَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الزَّوْجِ، وَقَالَ: إنَّ امْرَأَتَكَ تَخَادَنَتْ (يَعْنِي اتَّخَذَتْ صَاحِبًا) وَهِيَ قَاتِلَتُكَ، أَتُرِيدُ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ: فَتَنَاوَم لَهَا، فَتَنَاوَمَ الرَّجُلُ، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ بِمُوسَى لِتَحْلِقَ الشَّعَراتِ، فَظَنَّ الزَّوْجُ أَنَّهَا تُرِيدُ قَتْلَهُ، فَأَخَذَ مِنْهَا المُوسَى فَقَتَلَها، فَجَاءَ أَوْلِيَاؤُهَا فَقَتَلُوهُ، فَجَاءَ أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ وَوَقَعَ القِتَالُ بَيْنَ الفَرِيقَين.


فإنْ جَاءَكَ شَخْصٌ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ فَلا تُعِنْهُ عَلَيْهَا بَل أعِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ لِتَرْكِهَا والتَّخَلُّصِ مِنْهَا، فانْصَحْهُ بالرِّفْقِ واللِّيِنِ والمَحَبَّةِ أَنْ يَشْغَلَ لِسَانَه وَمَجْلِسَهُ بِذِكْرِ اللهِ وِبَمَا يَنْفَعُ وَذَكِّرْهُ بِأُمُورٍ مِنْها:


1- أنَّهُ إنْ مَشَى بالنَّمِيمَةِ كَانَ مُتَعَرِّضًا لِسَخَطِ اللهِ وَمَقْتِهِ وَعِقَابِهِ.


2- أَنْ يَسْتَشْعِرَ عَظِيمَ إِفْسَادِهِ لِلْقُلُوبِ وَخَطَرَ وِشَايَتِهِ فِي تَفَّرُّقِ الأَحِبَّةِ وَهَدْمِ البُيُوتِ.


3- أَنْ يَتَذَكَّرَ الآيَاتِ والأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَأَنْ يَحْبِسَ لِسَانَهُ عَمَّا لَا خَيْرَ فِيهِ.


4- أنْ يَعْمَلَ فِي النُّصْحِ وَإِشَاعَةِ المَحَبَّةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ.


5- أَنْ يَتَذَكَّرَ أنَّ مَن تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ النَّاسِ قَد يَفْضَحُهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ وَلَو كَانَ قاعِدًا فِي جَوْفِ بَيْتِهِ.


6- عَلَيْهِ بالرُّفْقَةِ الصَّالِحَةِ التِي تَدُلُّهُ علَى الخَيْرِ وَتَكُونُ مَجَالِسُهُم مَجَالِسَ خَيْرٍ وَذِكْرٍ وعِلْمٍ وتَعَاوُنٍ علَى الخَيْرِ والبِّرِّ والتَّقْوَى.


7- أَنْ يَتَذَكَّرَ المَوْتَ وَقِصَرَ الدُّنْيَا وَقُرْبَ الأَجَلِ وَسُرْعَةَ الانْتِقَالِ إِلَى الدَّارِ الآخِرَةِ وأنَّ كُلَّ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ يَكْتُبُه مَلَكَانِ كَرِيَمانِ علَى اللهِ يُحْصُونَ علَيهِ أَعْمالَهُ وأقْوالَهُ.


هذَا ومَعَ عُظْمِ هذَا الذَّنْبِ فإنَّهُ لا يَكُونُ أَشَدَّ مِنَ الكُفْرِ ولا أَشَدَّ مِنَ قَتْلِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة:191] فَمَعْنَاهُ الشِرْكُ أَشَدُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الإِفْسَادِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَشَدُّ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا بَلِ الَّذِي يَعْتَقِدُ ذَلِكَ يَكْفُرُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ لأِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ أَكْبَرُ الذُّنُوبِ بَعْدَ الْكُفْرِ عَلَى الإِطْلاقِ وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَهُوَ مُرْتَدٌّ لا عُذْرَ لَهُ.


نَسْألَ اللهَ السَّلامَةَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ ونَرْجُوهُ تَباَركَ وتَعالَى أنْ يَحْفَظَ جَوارِحَنَا وأدَوَاتِنا مِن الآثَامِ وأنْ يُجَنِّبَنَا النَّمَّامِينَ ومَكَائِدَهُم وأنْ يَقِيَنَا شَرَّ مَا نَتَخَّوفُ وَيَرْزُقَنَا حُسْنَ الَحالِ، فَإِلى اللهِ المَرْجِعُ والمَآلُ، وحَسْبُنَا اللهُ ونِعْمُ الوَكِيلِ، وسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ وَصلاةُ اللهِ وسَلامُهُ علَى أنبِيائِه المُرْسَلِينَ


والحَمْدُ اللهِ رَبِّ العَالَمِين.

النُّبوّة



النُّبوّة
النبوةُ اشتقاقُها من النبإ أي الخبرِ لأن النبوةَ إخبارٌ عن الله أو من النَبْوةِ وهي الرفعةُ.
والنبوةُ جائزةٌ عقلاً ليست مستحيلةً وقد بعث اللهُ الأنبياءَ رحمةً للعالمينَ إذ ليسَ في العقلِ ما يستغنى بهِ عنهُم لأن العقلَ لا يستقل بمعرفةِ الأشياء المنجيةِ في الآخرة.
والنبوةُ لا تكونُ إلا في البشر أما الرسالةُ فيوصفُ بها الملكُ والبشر، ولا يصحُ قولُ بعضهِم: إن النبي لم يؤمر بالتبليغ .
ويجبُ للأنبياءِ الصدقُ ويستحيلُ عليهم الكذب وتجبُ لهم الفطانة ويستحيلُ عليهم البلادةُ والغباوةُ وتجبُ لهم الأمانة ويستحيلُ عليهم الخيانةُ، فالأنبياء سالمونَ من الكفرِ والكبائرِ وصغائر الخسة قبل نزول الوحي وبعد نزول الوحي، وهذه هي العصمةُ الواجبة لهم، وتجبُ لهم الصيانةُ فيستحيلُ عليهم الرذالةُ والسفاهةُ والجُبن وكلُّ ما ينفرُ عن قَبول الدعوةِ منهم وكذلك يستحيلُ عليهم كل مرضٍ منفرٍ كالجنونِ والبرص والجذام وخروجِ الدودِ من الجسدِ أما أيوبُ عليهِ السلام فقد ورد في الحديثِ أنهُ مرض ثمانيةَ عشر عاماً لكن الرسول لم يُسمِّ نوع مرضه ولا يجوزُ أن يقال إنهُ خرجَ منهُ الدود.
ومن نسبَ إلى الأنبياء الكذب أو الزنى أو الهمَّ بالزنى أو الخيانةَ أو الرذالةَ أو السفاهةَ أو الجُبنَ أو نحو ذلك فقد كفر.
والسبيلُ إلى معرفةِ النبي المعجزةُ وهي: أمرٌ خارقٌ للعادةِ صالحٌ للتحدي يأتي على وَفقِ دعوى من ادعوا النبوةَ وهو سالمٌ من المعارضةِ بالمثلِ، فما كانَ من الأمورِ عجيباً ولم يكن خارقاً للعادةِ فلا يجوزُ تسميتهُ معجزة. وكذلكَ ما كانَ خارقاً لكنهُ لم يقترن بدعوى النبوةِ كالخوارقِ التي تظهرُ على أيدي الأولياء أتباعِ الأنبياء فإنه ليس بمعجزة بل يسمى كرامة، وكذلك ليسَ من المعجزةِ ما يستطاعُ معارضتهُ بالمثلِ كالسحرِ فإنه يعارضُ بسحرٍ مثلهِ والسحرُ حرامٌ بالإجماع سواءٌ كان للتحبيب أو للتبغيضِ أو لغيرِ ذلك.
وما يحصلُ للنبي قبل نزول الوحي لا يسمى معجزةً إنما يسمى إرهاصاً معناهُ: تأسيسٌ لقاعدةِ النبوةِ، وما يحصلُ للكافرِ كالمسيحِ الدجالِ حينَ يقولُ للسماء أمطري فتمطر وللأرضِ أخرجي نباتك فتخرج يسمى استدراجاً وهو ابتلاء من الله لعباده.
وأكثرُ الأنبياء معجزاتٍ هو سيدُنا محمد وكل نبيّ مؤيدٌ بالمعجزة فإبراهيم عليه السلام لم تؤثر عليه النار العظيمة فلم تحرقه ولا ثيابه. وموسى عليه السلام انقلبت عصاه ثعباناً حقيقياً ثم عادت إلى حالتها بعد أن اعترف السحرة الذين أحضرهم فرعونُ لمعارضته وأذعنوا فآمنوا بالله وكفروا بفرعونَ واعترفوا لموسى بأنهُ صادقٌ فيما جاء بهِ.
ومن المعجزاتِ ما ظهر لعيسى المسيح من إحياء الموتى ولم يستطع أحدٌ من الكفارِ أن يعارضه بالمثلِ مع أن اليهودَ كانوا مولعينَ بتكذيبه وحريصين على الإفتراء عليهِ. وقد أتى عيسى بمعجزة أخرى عظيمة وهي إبراء الأكمه وهو الذي ولد أعمى فلم يستطع أحد من المعارضين أن يعمل ما عمله مع توفر الطب في ذلك العصر، فذلك دليل على صدقه في كل ما يخبر به من وجوب عبادة الخالق وحده من غير إشراك به ووجوب متابعته في الأعمال التي يأمرهم بها.
أما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فمن معجزاته حنين الجذعِ وذلك أنهُ صلى الله عليه وسلم كان يستندُ حينَ يخطبُ إلى جذع نخلٍ في مسجدهِ قبل أن يعمل له المنبر فلما عُمل له المنبر صعد صلى الله عليه وسلم عليهِ وبدأ بالخطبةِ وهو قائمٌ على المنبر فحن الجذع حتى سمع حنينه من في المسجدٍ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتزمه أي ضمهُ واعتنقهُ فسكتَ.
وقد روى البخاري ومسلم من حديث أنسٍ قال  رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حانت صلاة العصرِ والتمس الوَضوء (أي ماء الوضوء) فلم يجدوه فأُتي صلى الله عليه وسلم بِوَضوءٍ فوضع يده في ذلك الإناء وأمر الناس أن يتوضأوا فرأيتُ الماء ينبع من بين أصابعهِ فتوضأ الناسُ حتى توضأوا من عندِ ءاخرهم، قال الراوي لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثَمائة ].
وروى البخاري من حديثِ ابن مسعودٍ قال: [ كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم الطعام ونحنُ نسمعُ تسبيحَ الطعامِ].

واللهُ أعلمُ وأحكم

الصَّلاة عمود الدّين وعماده



الصَّلاة عمود الدّين وعماده
الحمد لله ربّ العالمين له النّعمة وله الفضل وله الثّناءُ الحسن والصَّلاة والسَّلام على سيّدنا محمّد الأمين وعلى ءاله وصحبه أجمعين.
اعلموا إخوة الإيمان أنَّ اللهَ تباركَ وتَعالى فَرَضَ الصلوات الخمس وجعلها أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله وجعل لكل فرض من فروضها وقتًا معلومًا لابتدائه وانتهائه وأوجب علينا أداءها بتمامها فمن أداها بتمامها كان له الأجر العظيم الذي وعد الله سبحانه وتعالى به.
يقول الله تعالى (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ الَّيلِ وَقُرءَانَ الفَجرِ إِنَّ قُرءَانَ الفَجرِ كَانَ مَشهُودًا) الإسراء / 78.
أفهمنا الله تبارك وتعالى في هذه الآية بطريق الإشارة لا بطريق التصريح فرضية أربع صلوات من الخمس، الظهر والعصر والمغرب والعشاء. فقوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ) أراد به بيان وقت الظهر لأن الظهر أول وقتها هو ميل الشمس عن وسط السماء إلى جهة المغرب. فمن أدى الظهر قبل ذلك لم تصح صلاته للظهر لا أداء ولا قضاء، فيحرم على المرء أن يصلي الصلاة قبل تأكده من دخول وقتها، وذلك عام لكل صلاة لها وقت فلا يجوز أن نصلي أي صلاة قبل وقتها. قال الله تعالى (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤمِنِينَ كِتَابًا مَّوقُوتًا) النساء / 103.
فمن صلّى قبل دخول الوقت تكون لغوًا ليست أداءً ولا قضاء ولا تبرأ ذمته بل تبقى في ذمته ليوافى بها يوم القيامة فعليه أن يتدارك نفسه.وإنَّ ذلك يحصل في رمضان لكثير من الناس عند الفجر فإنهم
يستعجلون من أجل النّوم فيصلّون الصبح بالتَّوهُّم من غير التَّحقق من دخول وقتها الذي وقّته الله تبارك وتعالى بالوحي الذي أوحاه إلى نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم. 
وقوله تعالى (إِلى غَسَقِ الَّيلِ) دلَّ على المغرب والعشاء لأن المغرب يكون جزء من وقتها عند
نزول الظّلام في الأرض وإن كان أول وقتها اختلاط الظّلام.
ثم نصَّ الله تبارك وتعالى على صلاة الصّبح بقوله (وَقُرءَانَ الفَجرِ) سماها قرءان الفجر لأنها تدخل
بطلوع الفجر الذي هو البياض في الأفق المعترض ليس المستطيل وسماها (قُرءَانَ الفَجرِ) لأنه يقرأ فيها القرءان، وهي أولى الصلوات من غيرها بإطالة القراءة فيها، أولى من الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وأصل هذه المواقيت مأخوذ من حديث جبريل وهو أن جبريل أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم في غد ليلة المعراج فبدأ بصلاة الظهر، جاء إلى رسول الله حين مالت الشمس عن وسط السماء فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "يا محمَّد قم فصلِّ الظهر"، فأمَّهُ جبريل وصلى به الظهر. ثم جاءه حين صار ظل كل شئ مثله زائدًا على الظل الذي كان وقت انتصاف الشمس في وسط السماء –ويسمى ظل الإستواء- لما يصير الظل مثل الشئ أي بطول الشئ زائدًا على ظل الإستواء يكون انتهى وقت الظهر وبدأ وقت العصر، عندئذٍ جاءه جبريل في اليوم الأول فصلى به إمامًا العصر. ثم جاء عندما غربت الشمس فقال له: "يا محمَّد قم فصلِّ المغرب". فصلى به إمامًا المغرب حين غابت الشمس، ثم أتاه حين غاب الشفق الأحمر وذلك أول وقت العشاء فقال: "يا محمَّد قم فصلِّ العشاء" فقام فصلى معه العشاء مؤتمًا بجبريل. ثم جاء حين طلع الفجر أي البياض المعترض في أفق السماء في المشرق هذا البياض الذي يطلع معترضًا في الأفق الشرقي، هذا الذي تجب به صلاة الصبح ويحرم به الطعام والشراب على الصائم، فقام فأم به جبريل. فمن لم يتعلم هذه الأوقات فإنه عاص وأما الإعتماد على هذه المواقيت التي يستعملها الناس في هذه
التقاويم الموضوعة لعدة بلدان، كل ناحية لها تقويم خاص، فإن هذه لا تكفي ليست عمدة المواقيت التي أوحى الله تعالى بها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فعلى المسلم أن يتعلم هذه الأوقات الخمسة كما أنزل الله ولا يعتمد على وجود الرزنامات فإن هذه لا تنطبق على جميع البلاد، كيف يصلي هؤلاء الذين لم يتعلموا المواقيت الأصلية إذا اغتربوا ؟ يتركون الصلاة أم يصلون توهمًا ؟..
إن تركوا فذنب كبير وإن صلوا دون معرفة الأوقات فذنب كبير فلا مخلص لهم إلا أن يتعلموا، وإن على الوالدين ذنب إذا لم يعلموا أولادهم مواقيت الصلاة ولم يوكلوا بهم مَنْ يعلمهم. هذا هو الأدب الحسن، ليس الأدب الحسن أن يرفهوا أولادهم في معيشتهم في الأكل والشراب والثياب ونحو ذلك.
رَبَّنَا ءاتِنَا في الدٌّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَارِ، رَبَّنَا لاتُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنكَ رَحمَةً إنَّكَ أنْتَ الوَهَّابُ.

قول الله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه له ولا مثيل له ولا ضدّ ولا ندّ له ولا حيّز ولا جهة ولامكان له. كان قبل خلق المكان بلا مكان وهو الآن على ما عليه كان، يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيّه وخليله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره الكافرون، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد طبّ القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها. فالصلاة والسلام عليك يا رسول الله ما هبّت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم.
أما بعد عباد الله أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى الله العظيم فاتقوا الله وخافوه وتزودوا من الفانية للباقية فإنكم لو رأيتم قرب ما بقي من آجالكم لزهدتم في طويل آمالكم، ولرغبتم في الزيادة من أعمالكم ولقصرتم من حرصكم على زهرة الدنيا الفانية، وإنما يلقاكم الندم إذا زلّت القدم وترككم الأهل والحشم، وبان الوالد والنسيب والولد والقريب، فلا أنتم للدنيا عائدون ولا في الحسنات زائدون، فاعملوا ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون.
وأستفتح بالذي هو خير فإن خير الكلام كلام الله وأصدق الهدى هدي محمد بن عبد الله، يقول الله تعالى في القرآن الكريم في صفة المؤمنين المفلحين (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) سورة المؤمنون آية 5-6-7.
إن الله سبحانه وتعالى ذكر في هذه الآيات شيئا من صفات المؤمنين المفلحين الذين يدخلون الفردوس هم فيها خالدون، ومن هذه الصفات حفظ المؤمنين فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلّها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراريّ. فمن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولاحرج كما في الاية (فإنهم غير ملومين) بل إن أتى زوجته بنية صالحة لإعفاف نفسه وإعفافها ولتكثير أمة محمد وحتى يكون منهما ولد صالح يعبد الله تعالى فله أجر على ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام (وفي بضع أحدكم صدقة).
أما من ابتغى وراء ذلك أي الأزواج والإماء فأولئك هم العادون أي المعتدون وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله على حرمة الاستمناء باليد بهذه الآية.
فالمسلم الذي يريد رضا الله عليه والجنة عليه بحفظ فرجه مما حرّمه الله تعالى فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [من ضمن لي ما بين لحييه (أي اللسان) ورجليه (أي الفرج) ضمنت له الجنة] رواه الطبراني في المعجم الصغير.
واعلموا أن الله تعالى لم يحرم الزنا فقط وإنما حرّم الاقتراب من الزنا كذلك فقال تعالى (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) الإسراء 32.
فقد نهانا الله العليم الحكيم من الاقتراب من الزنا وما يدعو إليه من النظر واللمس والخلوة لأن هذه الأمور تؤدي إلى الزنا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناها النظر واليد تزني وزناها اللمس والرجل تزني وزناها الخطا واللسان يزني وزناه المنطق والفم يزني وزناه القبل والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) رواه البخاري، وسميت هذه الأشياء باسم الزنا لأنها تؤدّي إلى الزنا الحقيقي كما قال ابن حجر.
فيا معشر الشباب إياكم والزنا إياكم وأسباب الزنا ولا سيما النظر إلى النساء فقد قل الحياء أوفُقد عند الكثير من النساء يلبسن الرقيق ما يصف لون البشرة ويُظهرن العورة لا يستحيين من الحق ولا من الخلق، فقد جاء في الحديث (ما من صباح إلا وملكان يناديان ويل للرجال من النساء وويل للنساء من الرجال) رواه البيهقي.
فاغضض الطرف عن محارم الله لله واعلم أن من العيون التي لا تمسها النار أبدا عينًا غُضت عن محارم الله، فقد جاء في الحديث الذي رواه الحاكم والطبراني عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (النظرة سهم مسموم من سهام ابليس من تركها من مخافتي أبدلته ايماناً يجد حلاوته في قلبه).
يروى انه كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه شابٌ متعبد قد لزم المسجد وكان عمر معجبا به وكان له أب شيخ كبير فكان إذا صلى العتمة انصرف إلى أبيه وكان طريقه على باب امرأة فافتتنت به فكانت تنصب نفسها له على طريقه بها ذات ليلة فما زالت تُغويه حتى تبعها فلما أتى الباب دخلت وذهب يدخل فتذكر قول الله تعالى (إن الذين اتقوا إذا مسَّهم طائف من الشيطان تذكّروا فاذا هم مبصرون) فوقع على الأرض مغشياً عليه فدعت المرأة جارية لها فتعاونتا عليه فحملتاه إلى بابه فخرج أبوه الشيخ يطلبه فإذا به على الباب مغشياً عليه فدعا بعض أهله فحملوه فأدخلوه فما أفاق حتى ذهب من الليل ما شاء الله قال له ابوه ما لك؟ قال خير قال فإني أسالك فأخبره بالأمر قال أي بني وأي آية قرأت فقرأ الآية (إن الذين اتقوا إذا مسَّهم طائف من الشيطان تذكّروا فاذا هم مبصرون) فخر مغشياً عليه فحركوه فاذا هو ميت فغسلوه وأخرجوه ودفنوه ليلاً فلما أصبحوا رفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فجاء إلى أبيه فعزّاه به وقال ألأ ءاذنتني قال يا أمير المؤمنين كان الليل فقال عمر اذهبوا بنا إلى قبره قال فأتى عمر ومن معه القبر فقال عمر مخاطباً الشاب الذي مات من شدة خوفه من الله، قال يا فلان (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فأجاب الفتى من داخل القبر يا عمر قد أعطانيهما ربي عزَّ وجلَّ في الجنة مرتين.
أخي المسلم لا تتبع النفس والهوى فمن اتبٍع الهوى هوى في الهاوية والعياذ بالله من ذلك ولا سيما أن وسائل النظر إلى النساء بشهوة كثرت فترى الكثير من الشباب يمضي زهرة شبابه في النظر المحرّم إلى هذه وإلى هذه على الفضائيات والانترنت والخلوي السللر ونحوها وينسى أن الله تعالى مطّلع عليه لا تخفى عليه خافية.
ولقد قيل:
كل ّالمصائب مبداها من النظر *** وعظم النار من مستصغر الشررِ
والمرء ما دام ذا عين يُقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها *** فعل السهام بلا قوس ولا وتر
يسر مقلته ما ضرّ مُهجته *** لا مرحبا بسرور جاء بالضرر
هذا وأستغفر الله لي ولكم.

عاشوراء

عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، أحمده تعالى واستهديه وأسترشده وأتوب اليه واستغفره،



روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى وبني اسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيمًا له،

فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أولى بموسى منكم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه. هو الأمر أيها الأحبة المسلمون كما روى البخاري حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ليس بيني وبينه نبي".

الأنبياء هم إخوة لعلات كما شبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاخوة لعلات هم الذين أبوهم واحد وأمهاتهم متعددات، النبي صلى الله عليه وسلم شبه الأنبياء بالإخوة لعلات من حيث أن الأنبياء دينهم واحد عقيدتهم واحدة جاءوا بالإسلام دين الله تعالى الذي ارتضاه الله لعباده وشرائعهم متعددة كما أن الإخوة لعلات أمهاتهم متعددة،

ثم قال: وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ليس بيني وبينه نبي وقال عن هؤلاء اليهود الذين وجدهم يصومون يوم عاشوراء وقالوا إنهم يصومونه لأنه يوم انجى الله فيه بني اسرائيل وأغرق فرعون فقال عليه الصلاة والسلام: نحن أولى بموسى منكم،

وذلك لأن هؤلاء اليهود كذبوا بموسى عليه السلام ولم يؤمنوا به ولم يصدقوا بشريعته بل افتروا على موسى ونسبوا إليه انه قال: إن موسى عهد إلينا أن لا نؤمن بنبي بعده، كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذبوا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فليس هذا دين موسى صلى الله عليه وسلم،

هؤلاء اليهود الذين لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة يصومون يوم عاشوراء يوم العاشر من محرم الذي نحن فيه هذا وهو الشهر الأول من العام الهجري الجديد، هذه القصة هي أن موسى عليه السلام لما دعا فرعون الى الإسلام وأيده بذلك ربه وكان معه أخوه هارون عليه السلام قال لهما: اذهبا الى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً لينًا لعله يَذّكر او يخشى،

ولكن فرعون لم يؤمن بالله ربًا ولا بموسى نبيًا ورسولاً ولا بالإسلام دينًا بل كان يقول: ما علمت لكم من إله غيري، بل كان يقول: أنا ربكم الأعلى، طغى وتجبر وكفر ولكن الله تعالى قصم ظهور الجبابرة بالموت،

فما الذي حصل، دخل موسى بن عمران البحر الأحمر وضرب بعصاه البحر فاجتمعت مياه البحر كالطود كالجبل العظيم وبينهما ارض يابسة وكان مع سيدنا موسى عليه السلام ستمائة ألف من المسلمين

فلما لحقه فرعون وجنوده والكافرون بموسى وكانوا ألف ألفٍ وستمائة كانوا مليون رجل وستمائة ألف وجد أرضًا يبسًا بين جبلين من المياه فدخل اليبس فأمر الله البحر أن يلتطم عليه فالتطمت عليه أمواج البحر فأغرق الله فرعون والذين معه فأهلكه الله غرقًا،

فقال جماعته: فرعون لم يمت غرقًا، فأظهره الله لهم على وجه البحر وقد انتفخ وهو ميت، وقبل ان يدكه الغرق قال: ءامنت بالذي ءامنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين ولكنه لم يقلها عن طوعية،

قال الله تعالى: { آلآنَ وقد عصيت قبل} . قال الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا ءال فرعون وأنتم تنظرون}. ذلك اليوم كان يوم عاشوراء.

وفي ذلك اليوم أيضًا تاب الله فيه على نبيه ءادم عليه السلام، وكان ءادم عليه السلام قد نهاه الله عن أن يأكل من الشجرة فأكل منها فعصى ءادم ربه ولكنها ليست كفرًا وليست بمرتبة الزنا وليست بمرتبة شرب الخمر ثم تاب الى الله تبارك وتعالى،

قال الله عز وجل: “فتلقى ءادم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم" لما أكل ءادم عليه السلام من الشجرة أهبطه الله إلى الأرض وكذلك حواء،

أما إبليس اللعين الذي أمره الله أن يسجد لآدم سجود تحية وتعظيم رفض وأبى واستكبر إعترض على الأمر قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فطرد الله ابليس من الجنة قال: اخرج منها مذمومًا مدحورًا لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين.

فأهبط الله ءادم وحواء إلى الأرض ولم يطردا من رحمة الله ولا من الجنة أما إبليس اللعين هو المطرود من رحمة الله تبارك وتعالى. ورد في الحديث أن ءادم عليه السلام لما أكل من الشجرة رفع رأسه الى قوائم العرش،

لما أكل ءادم من الشجرة قال: يا رب أسألك بحق محمدٍ إلا ما غفرت لي. قال: وكيف عرفت محمدًا ولم اخلقه. قال: رفعت رأسي إلى قوائم العرش فوجدت مكتوبًا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف الى اسمك إلا أحب الخلق إليك. بهذا الحديث يستدل على التوسل ومشروعيته رغم أنف المشبهة المجسمة نفاة التوسل.

فإذًا في هذا اليوم يوم العاشر من محرم تاب الله على ءادم أنجى الله موسى وأهلك فرعون غرقًا وفيه نجى الله سفينة نوح من الغرق، نوح عليه السلام ظل في قومه كما ذكر الله في القرءان لبث فيهم ألف عام إلا خمسين سنة يدعوهم إلى الله تعالى ليلاً نهارًا،

وكان في أرض العراق أمره الله أن يصنع الفلك قبل الطوفان قبل أن يعمّ الطوفان الأرض قبل ان يرسل الله المطر وقبل أن يفجر الله المياه من الأرض قبل أن يجتمع ماء السماء وماء الأرض، كان الكفار كلما مروا بنوح عليه السلام وهو يصنع السفينة كما أمره الله تعالى كانوا يسخرون منه ومرة ضربوه صلى الله عليه وسلم حتى أغمي عليه ومع ذلك لم يترك الدعوة إلى الله تبارك وتعالى،

ثم لما ركب السفينة هو والذين ءامنوا معه، ولده كنعان لم يؤمن فلم يركب السفينة، قال: يا بني أركب معنا. رفض ولده كنعان أن يؤمن رفض ان يكون من الناجين فأهلكه الله غرقًا ونجى الله نوحًا والذين ءامنوا معه في السفينة وكان ذلك يوم عاشوراء.

وفي اليوم العاشر من المحرم قتل سيدنا الحسين رضي الله عنه والذي قال فيه وفي شقيقه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.


 صيام عاشوراء سنة وليس فرضًا فقد ورد في البخاري ومسلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا اليوم يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه فمن شاء ليصمه ومن شاء فاليفطر. ويسن أيضًا صيام يوم تاسوعاء أي صيام يوم التاسع من محرم،

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع. واعلموا بأن الله أمركم بأمر عظيم، أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماًً}.

تفسير الآية: فأينما تولوا فثمّ وجه الله


بسم الله الرحمن الرحيم وبعد،

يظن بعض الناس أن الاعتناء بتحري جهة القبلة للصلاة ليس أمراً مهماً بل يكفي أن تكون نية الشخص أن يستقبل القبلة بصلاته ثم بعد ذلك لايشترط أن يجتهد لمعرفة جهتها ولا أن يسعى لاستقبالها، وعليه فالأمر عندهم سيّان إن توجه المصلي في أمريكا الشمالية في صلاته إلى الجنوب الشرقي أو إلى الشمال الشرقي أو حتى إلى هذه الجهة وحيناً ءاخر إلى تلك الجهة من غير أن يروا أي فرق في ذلك، و يستندون في ذلك بزعمهم إلى قول الله تبارك و تعالى: {وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. (البقرة / 155)، يفسرون { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} بأنه يجوز لك أن تستقبل أية جهة في صلاتك!! وهذا لاشك تحريف للدين لأن الله تعالى قال: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} (البقرة / 144)، والشطر الجهة كما قال صاحب القاموس وغيره، ولم يسبقهم إلى هذا القول أي عالم من علماء المذاهب الأربعة و غيرها ولم يفسر أي إمام معتبر الآية كما ذكروا.

و قد عدّ محمّد بن أحمد القرطبيّ المالكي في تفسيره المسمى الجامع لأحكام القرءان ستة وجوه في تفسير هذه الآية ليس في واحد منها ما قالوه، بل قال بعد تعداد هذه الوجوه: ولا يجوز لأحد أن يَدَعَ القبلة عامداً بوجه من الوجوه إلا في شدة الخوف إهـ.

و المعتمد في تفسيرها أن وجه الله معناه هنا “قبلة الله” أي أن المسافر على الراحلة يجوز له أن يصلي النافلة وهو راكب على دابته مستقبلاً وجهة سفره إن كانت جهةَ الكعبة أم لا. وفي البخاري عن مجاهد تلميذ ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : (فأينما تولوا فثمّ وجه الله) قبلة الله.

و على مثل هذا حملها مجاهد تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما وبه أخذ الإمام الشافعي رحمه الله. بل روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي و هو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه. قال و فيه نزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} إهـ. ولذلك لم يختلف الأئمة في جواز النافلة على الراحلة لهذا الحديث.

وليس التيامن و التياسر الذي ذكره السادة الحنفية أنه يسامح فيه هو ما ذكره هؤلاء. فقد قال في رد المحتار-من أشهر كتبهم-: ليس المراد منه أن يجعل الكعبة عن يمينه أو يساره إذ لا شكّ حينئذٍ في خروجه عن الجهة بالكلية إهـ. وإنما هذا شئ يورده الحنفية عند كلامهم عن من يصليّ بعيداً عن الكعبة فتحرى ثم توجه إلى جهتها ثم عرف بعد ذلك أنه كان منحرفاً انحرافاً يسيراً يميناً أو شمالاً. وأين هذا من كلام هؤلاء المتهاونين؟!!

فلا تلتفت أيها المسلم الحريص على أمر دينه إلى مثل هذا التفريط و تَحَرَّ تأدية صلاتك على الوجه الذي يُرضي ربَّنا تبارك و تعالى، واجتهد لمعرفة جهة الكعبة بالطريقة التي بَيَّنها علماء المذاهب الأربعة المعتبرون، وَشُدَّ يديك على أقوالهم فنعم الحاملون هم لأعلام الشريعة ونعم القدوة.

وسبحان الله وبحمده و الحمد لله رب العالمين

دليل وضع حديث جابر

دليل وضع حديث جابر

هذا الحديث فيه ثلاث علل على أنه موضوع:

الأولى:أنَّ أوَّله وهو نصٌّ في أنَّ النور المحمدي أول المخلوقات على الإطلاق، ثم الجملة التي بعده وهي "خلقه الله تعالى من نوره قبل الأشياء"، فإن قُدّرت هذه الإضافة التي في كلمة نوره إضافةَ المِلْك إلى المالك كان المعنى أنَّ أول المخلوقات نورٌ خلقه الله تعالى ثم خلق منه نورَ محمدٍ فيكون هذا نقضًا لأوله فلا يصحُّ على هذا قولُ "نورُ محمدٍ أول المخلوقات على الإطلاق".

وأما إن قُدّرت هذه الإضافة إضافةَ الصفة إلى الموصوف فالبَليّةُ أشدُّ وأكبرُ لأنه يكون المعنى على هذا التقدير أنَّ نور محمد جزءٌ من الله وهذا هو الشرك الأكبر والكفر الأشنع، لأنَّ من عقيدة أهل السنة أن الله تعالى لم يَنْحَلَّ منه شىء ولا يَنْحَلُّ هو من شىءٍ غيره وأنه ليس مركبًا وأنه ليس شيئًا له أجزاء وإنما الجزء للمخلوقات، وقد ذكر الشيخ عبد الغني النابلسي رضي الله عنه أن من اعتقد أن الله انحلَّ منه شىء أو انحلَّ هو من شىء فهو كافر وإن زعم أنه مسلم وأن من اعتقد أنه نور يتصوره العقل فهو كافر، فاعتقاد أن الرسول جزءٌ من نور هو من ذات الله كاعتقاد النصارى أنَّ المسيح روحٌ هو جزءٌ من الله.

ومن المعلوم أنَّ كلام الرسول لا ينقضُ بعضه بعضًا، وهذا الحديث الجملة الثانية منه تنقض الأولى، فالرسول منزهٌ عن أن ينطق بمثله، فبهذا سقط الاحتجاج بهذا الحديث على دعوى أنَ أول المخلوقات على الإطلاق نورُ محمد.

الثانية:قد حكم المحدث الحافظ أبو الفضل أحمد الغماري المغربي على هذا الحديث بأنه موضوع كما قدمنا، واستدل بما قرره علماء الحديث أن الركاكة في الحديث دليل كونه موضوعًا وذلك ظاهر لمن تأمل في ألفاظه.

الثالثة:من جملة ألفاظه ما نقله سليمان الجمل في شرحه على الشمائل عن سعد الدين التفتازاني في شرح بردة المديح عند قوله:

وكل ءاي أتى الرسل الكرام بها * فإنما اتصلت من نوره بهم

وهذا نص عبارته: "عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شىء خلقه الله فقال: هو نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شر، فحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب اثني عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام، فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام،

فخلق القلم من قسم والروح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس من جزء وخلق القمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء والحلم والعلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة، ثم نظر إليه فترشح ذلك النور عرقًا فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفًا وأربعة ءالاف قطرة فخلق الله تعالى من كل قطرة روح نبي أو رسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم نور أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة، فالعرش والكرسي من نوري، والكروبيون والروحانيون من الملائكة من نوري، وملائكة السموات السبع من نوري، والجنة وما فيها من النعيم من نوري، والشمس والقمر والكواكب من نوري، والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والشهداء والسعداء والصالحون من نتائج نوري، ثم خلق الله اثني عشر حجابًا فأقام النور وهو الجزء الرابع في حجاب ألف سنة وهي مقامات العبودية وهي حجاب الكرامة والسعادة والرؤية والرحمة والرأفة والحلم والعلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين فعبد الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة، فلما خرج النور من الحجب ركَّبه الله في الأرض فكان يضيئ، وركب فيه النور في جبينه ثم انتقل منه إلى شيث ولده، وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى زوجه أمي ءامنة، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين هكذا كان بدء خلق نبيك يا جابر".اهـ.

واللفظ الذي ساقه العجلوني ونسبه إلى مصنف عبد الرزاق وهذا نصه: "عن جابر بن عبد الله قال: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شىء خلقه الله قبل الأشياء قال: يا جابر إن الله تعالى قد خلق قبل الأنبياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله ولم يكن في ذلك الوقت لوحٌ ولا قلمٌ ولا جنةٌ ولا نارٌ ولا ملكٌ ولا سماءٌ ولا أرضٌ ولا شمسٌ ولا قمرٌ ولا جنٌّ ولا إنسٌ، فلما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول القلم ومن الثاني اللوح ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول حملة العرش ومن الثاني الكرسي ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السموات ومن الثاني الأرضين ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله تعالى ومن الثالث نور أنفسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم". اهـ.

وبين الروايتين المنقولتين اختلاف كبير فظاهر هذا اضطراب والاضطراب من موجبات الضعف.

ثم إن الإسناد الذي ذكر لهذا الحديث منقطع بين إسحاق بن إبراهيم الدَّبَري وعبد الرزاق، فقد ظهر بذلك أن فيه ثلاث علل: الاضطراب، وانقطاع الإسناد، والركاكة، والركاكة من علامات الوضع كما قرره علماء الحديث في كتب المصطلح.


نصيحة

قال عصريّنا الشيخ عبد الله الغماري في رسالته "مرشد الحائر": "وما يوجد في بعض كتب المولد النبوي من أحاديث لا خطام لها ولا زمام هي من الغلو الذي نهى الله ورسوله عنه، فلا يعتمد على تلك الكتب ولا يقبل الاعتذار عنها بأنها في الفضائل، لأن الفضائل يتساهل فيها برواية الضعيف، أما الحديث المكذوب فلا يقبل في الفضائل إجماعًا، والنبيّ يقول: "مَن حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين.."، ويقول: "مَن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"، وفضل النبيّ صلى الله عليه وسلم ثابت في القرءان الكريم والأحاديث الصحيحة وهو في غنًى عمّا يقال فيه من الكذب والغلو..." اهـ.

ثم إن التشبث بقول إن نور محمد أولُ المخلوقات على الإطلاق نوعٌ من الغلو وقد نهى الله ورسوله عن الغلو.

ومن الغلو أيضًا اعتقاد كثير من الناس أن الولي لا يخطئ في شىء من أمر الدين، وهذا خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد منكم إلا يؤخذ من قوله ويترك غيرَ رسول الله"، وفي رواية: "غير النبي"، وحسَّنه الحافظ العراقي.

فالولي مهما علت مرتبته يخطئ في بعض المسائل الفرعية إلا في أصول العقيدة ونحو ذلك، وعلى هذا كبار القوم، قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه: "إذا علم المريد من الشيخ الخطأ فلينبهه فإن رجع وإلا فليكن مع الشرع".

وقال الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه: "سلّم للقوم أحوالهم ما لم يخالفوا الشريعة فإذا خالفوا الشرع فكن مع الشرع"، يعني رضي الله عنه الأولياء.

وهذا الحديث صريح في أنَّ كل فرد من أفراد الأمة خواصها وعوامها لا بد أن يكون بعضُ قوله صحيحًا وبعض غير صحيح أي أنه لا يستثنى منهم أحد.

فيجب تحذير هؤلاء المتشبثين بكل ما ينسب إلى الأولياء مما صح عنهم مما هو خطأ ومما لم يصح عنهم وذلك أكثر، ويحتجون لهذا الفهم الفاسد بقول القائل:

وكن عنده كالميْتِ عند مُغَسّلٍ * يُقَلّبُهُ كَيْمَا يشاءُ ويفعلُ

ويظنون أنَّ معناه أنه يجب اتباع الشيخ الكامل في كل شىء وأنه منزه عن الخطإ فهؤلاء الجهلة سَاوَوا الوليَّ بالنبي.

ويكفي شاهدًا لما ذُكر أنه ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه اعترف بالخطإ على نفسه وذلك أنه قال مرةً: "أيها الناس لا تغالوا في مهور النساء فأي إنسان بلغني أنه جعل مهر امرأته أكثر من أربعمائة درهم أخذته ووضعته في بيت المال"، فقالت امرأة: ليس لك ذلك يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول ﴿وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [سورة النساء/20] فصعد عمر رضي الله عنه المنبر وقال: "أيها الناس أنتم وشأنكم في مهور نسائكم أصابت امرأة وأخطأ عمر"، وعمر أفضل أولياء أمة محمد بعد أبي بكر رضي الله عنهما وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأنه مُلهَمٌ، فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحدَّثُون وإنه إن يكن في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب"، وكشف عمر رضي الله عنه ثابت وهو الذي قال: "وافقتُ ربي في أربع" أي وافق إلهامُه القرءان.

فليعلم هذا هؤلاء الأغرار الذين يعتقدون أن ما يقوله شيخ طريقتهم لا يخطئ أبدًا فيتشبشون بما يُنْسَب إلى مشايخهم مما يخالف الشريعة لاعتقادهم أنه لا يصدر منهم إلا ما يوافق الواقع، وهذا نوعٌ من الغلو الذي نهى عنه الله ورسوله قال الله تعالى:﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ﴾ [سورة المائدة/77]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك مَنْ كان قبلكم الغلو في الدين" رواه النسائي.

ومن أشد الناس غلوًّا في هذا الزمن بعض المنتسبين للطرق فإنهم يَقبلون إذا قيل لهم المؤلف الفلاني أخطأ في كذا ولو كان من أشهر فقهاء المسلمين ولا يقبلون إذا قيل لهم شيخكم الذي تنتسبون إلى طريقته أخطأ ولو بُيَّن لهم الدليل، فليعلم هؤلاء أنهم خالفوا القرءان والحديث وكلام سيد الطائفة الصوفية الجنيد بن محمد البغدادي رضي الله عنه فإنه قال: "الطريق إلى الله مسدودة إلا على المقتفين ءاثار رسول الله"، وقال أيضًا: "ربما تخطر لي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة".

ومن هنا قال بعض الأصوليين في كتب أصول الفتح: "إلهام الولي ليس بحجة".

خاتمة

إن التشبث بهذا الحديث يقوّي الوهابية على الطعن في أهل السنة وتسفيههم وهم السفهاءُ، فلا خير في التمادي على قول يزيد أولئك الوهابية طعنًا في أهل السنة وتشنيعًا مما ليس له أصل عند أهل السنة، وكذلك القولُ بأنَّ الرسول يعلم كلَّ ما يعلم الله يزيدهم جرأة على الطعن في أهل السنة ولا سيما الصوفية.

فماذا يقول المنتسب إلى السنة أمام الوهابي إذا قال له الوهابي: من أين لكم أن تقولوا هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتيتُ مفاتيح كل شىء سوى الخمس" وهو حديث صحيح صححه السيوطي، وحديث البخاري: "إنكم محشورون الى الله حُفَاةً عُرَاةً غُرلا ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾ الآية، وإن أول الخلائق يُكسَى يوم القيامة إبراهيم الخليل، وإنه سَيُجَاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقول الله: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح :﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ إلى قوله: ﴿الْحَكِيمُ﴾، قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم".

وزاد في رواية سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة أيضًا :"فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سُحقًا سُحقًا"، فهذا نصٌ صريحٌ واضحٌ كالشمس في أن الرسول لا يعلم كل ما يعلم الله.

ثم التمادي على دعوى القول بأن نور محمد أول خلق الله لا يزيد الكافرين إذا سمعوا ذلك إلا نفورًا من الإسلام واستبشاعًا له، فأيُّ فائدة للتعصب لهذا الحديث؟!

فهذا الحديث تَنْفِرُ الكفارُ عند سماعه من بعض المسلمين نفورًا زائدًا على نفورهم الأصلي من الإسلام، فلقد ذكر لي رجلٌ يدعى أبا علي ياسين من أهل الشام أنَّ نصرانيًّا قال له: كيف تقولون أنتم محمد ءاخر الأنبياء وتقولون إنه أول خلق الله؟ وذلك نشأ عنده لما كان يسمع من بعض المؤذنين قولهم عقب الأذان على المنائر: "يا أول خلق الله وخاتم رسل الله"، قال أبو علي ياسين: فلم أجد جوابًا.

والحمد لله، وصلى الله عليه صلاةً يقضي بها حاجاتنا، ويفرّج بها كُرُباتنا، ويكفيَنا بها شرَّ أعدائنا، وسلم عليه وعلى ءاله الأطهار وصحابته الأخيار سلامًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين. انتهى.

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...