بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

بيان معاني الفتنة في اللغة وتحذير من النميمة

بيانُ معاني الفتنةِ في اللُّغَةِ وتحذيرٌ من النميمة
.
كلمة الفتنة ، في اللُّغة ، تأتي بمعانٍ كثيرة .

من جملة معانيها التعذيبُ بالتَّحريق .. يقولُ الله تعالى في سورة البروج (( إنَّ الذينَ فَتَنُوا المؤمنينَ والمؤمناتِ ثمَّ لم يتوبوا فلهم عذابُ جَهَنَّمَ ولهم عذابُ الحريق )) .. معنى (( فَتَنُوا )) هنا عذَّبوا بالتحريق ..
.
ومن جملةِ معاني الفتنةِ الاختبارُ والابتلاء .. يقولُ الله تعالى في سورة طه (( وفَتَنَّاكَ فُتُونا )) .. معناه ابتليناكَ يا موسى ابتلاءً بإيقاعِك في الْمِحَنِ وتخليصِك منها .. وأمَّا الفُتُونُ فهو مصدرٌ كالقُعُودِ ، أو هو جمعُ فتنة ، فيكونُ المعنى فَتَنَّاكَ ضُروبًا من الفِتَنِ ..
.
والفتنةُ أيضًا : المحنة .. وكُلُّ ما يَبْتَلِي اللهُ بهِ عبادَه يقالُ له فتنة .. يقولُ الله تعالى في سورة الأنبياء (( ونَبْلُوكُمْ بالشَّرِّ والخيرِ فتنةً )) ..
.
ومن جملةِ معاني الفتنةِ الكُفْرُ والشِّرْك .. يقولُ الله تعالى في سورة البقرة (( وقاتِلوهم حتَّى لا تكونَ فتنةٌ ويكونَ الدِّينُ لله )) ..

معناه : قاتِلوا أيُّها المسلمونَ مَنْ كَفَرَ بالله حتَّى لا يَكُونَ في الأرضِ شِرْكٌ ويَكُونَ الدِّينُ خالصًا لله لا يُعْبَدُ دونَه شيء ..

وقولُ الله تعالى (( والفتنةُ أشدُّ من القتلِ ))[البقرة/191]معناهُ : الشِّرْكُ أكبرُ ذنبًا عندَ الله من قتلِ المؤمنِ ظلمًا . المشركونَ كانوا قد عابوا المسلمينَ لأنَّهم قاتلوا في الشَّهْرِ الحرام . فرَدَّ الله عليهم بأنَّهم متلبِّسون برأسِ الذَّنب وهو الشِّرْكُ فكيفَ يَعِيبونَ على المسلمينَ قتالَهم في الشَّهْرِ الحرام وهم مُتَلَبِّسُونَ برأسِ الذَّنب وهو الشِّرْكُ . الله تعالى ما أرادَ بالفتنة هنا النميمة .

الذي يُفَسِّرُ الفتنةَ في هذه الآيةِ بالغِيبة فيقولُ إنَّ الغِيبة أشدُّ من قتلِ المسلم بغيرِ حَقٍّ فهو كافر . كذلكَ الذي يُفَسِّرُها بالنميمة يَكْفُرُ إلَّا إذا فَسَّرَ الآيةَ بالنميمة التي تكونُ على الوجهِ الذي يُؤَدِّي إلى أن يقتلَ المسلمونَ بعضُهم بعضًا فاعتبرَها أشدَّ من أن يَقْـتُلَ المسلمُ بيدِه المسلمَ بغيرِ حَقٍّ . هذا أخطأَ تفسيرَ الآيةِ ولكن لا نُكَفِّرُه .

والنميمة نقلُ القولِ بين اثنينِ لإيقاعِ البغضاء بينهما . وهي من جملةِ معاصي اللسان . وهي من الكبائرِ لأنَّها قولٌ يُرادُ بهِ التفريق بينَ اثنينِ بما يَتَضَمَّنُ الإفسادَ والقطيعةَ بينهما أو العداوة . ويُعَبَّرُ عنها بعبارةٍ أخرى وهي نقلُ كلامِ النَّاسِ بعضِهم إلى بعضٍ على وجهِ الإفسادِ بينَهم . يقولُ لهذا فلانٌ قال فيكَ كذا ، ويقولُ لذاكَ فلانٌ قال فيكَ كذا ، وذلكَ لأجلِ أن يتقاتلا أو يتعاديا أي للإفسادِ بينَهما . والنميمة أشدُّ إثمًا من الغيبة . يقولُ الله تعالى في سورةِ القلم (( همَّازٍ مَشَّاءٍ بنميم )) .. وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" لا يدخلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ " .. رواه البُخَارِيُّ .. والقَتَّاتُ النَّمَّامُ .. وليس معنى الحديثِ أنَّ النَّمَّامَ لا يدخلُ الجَنَّةَ أبدًا إذا ماتَ على الإسلامِ وإنما معناهُ لا يدخلُها مَعَ أَوَّلِ مَنْ يدخلُها بل يدخلُها بعد أنْ يقاسيَ ما يقاسي من أهوال الآخرة ، هذا إنْ جازاهُ الله ولم يَعْفُ عنه . والنميمة وعدمُ التَّـنَـزُّهِ من البولِ أكثرُ أسباب عذاب القبر .

وأمَّا قولُه تعالى (( والفتنةُ أكبرُ من القتلِ ))[البقرة/217]فمعناهُ الشِّرْكُ أشدُّ من القتلِ ، وليس معناهُ أنَّ مُجَرَّدَ الإفسادِ بينَ اثنينِ أشدُّ من قتلِ المسلمِ ظلمًا ، ليس هذا معناه ، بلِ الذي يعتقدُ ذلكَ يكفرُ لأنه من المعلومِ من الدِّينِ عند الخَاصَّةِ والعَامَّةِ أنه لا شيءَ أكبرُ ذنبًا من قتلِ المسلمِ ظلمًا إلَّا الكفرُ ، ومَنْ أنكرَ هذا فهو مرتدٌّ لا عُذْرَ له . قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :"لَزَوَالُ الدُّنيا أَهْوَنُ عندَ الله من قتلِ رَجُلٍ مسلم " .. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ في (سننه) ..

يقولُ الله تعالى في سورةِ المائدة (( مِنْ أجلِ ذلكَ كَتَبْنَا على بني إسرائيلَ أنَّه مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بغيرِ نَفْسٍ أو فسادٍ في الأرضِ فكأنَّما قَتَلَ النَّاسَ جميعًا )) ..

وقد قيلَ في قول الله تعالى في سورة النساء (( ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فجزاؤُه جَهَنَّمُ خالدًا فيها وغَضِبَ الله عليهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لهُ عذابًا عظيمًا )) عِدَّةُ تأويلاتٍ . أحدُها أنَّ الآيةَ تتحدَّث عن القتلِ الذي يكونُ لغرضٍ دنيويٍّ ليسَ غيرَ ذلك ومن غيرِ استحلالٍ للقتل وأنَّ المرادَ بالخلودِ الخلودَ النِّسْبِيَّ لا الخلودَ الأبديَّ .. والثاني أنَّ المرادَ بهذه الآيةِ هو الذي يقتلُ المؤمنَ مستحلًّا قتلَه بغيرِ حَقٍّ ، فهذا يَكْفُرُ .. والثالث أنَّ المرادَ بهذه الآيةِ الذي يقتلُ المؤمنَ لإيمانهِ ، وهذا يَكْفُرُ أيضًا .. أنظر[(بغيةَ الطَّالب)/ط4/ج2/ص196]..
والحمدُ لله رَبِّ العالَمين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...