بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 أبريل 2020

مجيب المحتاج في معرفة الإسراء والمعراج

الحمدُ للهِ المعِزّ المذِلّ * ونعوذ به من أن نَضِلّ أو نُضِلّ * أو نَزِلّ أو نُزِلّ * هو نعم المولى ونعمَ النصير * وعليه تُكْلانُنا وإليهِ المصير * ولَهُ الإثَابَة * وإليهِ الإنابة * وإيّاه ندعو، فنسألهُ الإجابة * سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميعُ البصير * والصلاةُ والسلامُ على شمسِ الهدى الباهرِ أيَّما بَهْر * المنصورِ قبلَ سلّ وشَهْر * بالرعب من مسِيرةِ شهر * نبِيّنا الذي صَدَقَ وصدَع بالحقّ وجَهَر * فحَصَّ جناحَ الشّرْكِ إذ حَصْحَصَ وبَهَر * وأظهرَه اللهُ فظهر * وعلى ءاله الذائدين عن حِياض الشَّرْع * وكيف لا والأصلُ يتبعُه الفرعُ * وصحبِهِ كُماةِ الجهاد * حماةِ الوهادِ * مَنِ استَمْسَكوا فاقتَفوْا هدْيَ هاد *
أما بعدُ:
فقَدْ قالَ اللهُ تباركَ وتعالى:﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ (سورة الإسراء/1).
السَّبْحُ في اللغة معناه التباعد. ومعنى سبحان الله تنـزه الله عن مشابهة الخلق بأي وجه من الوجوه. والإسراء هو السير بالليل، فالإسراء والمعراج حصلا في جزء من ليلة واحدة، والمسجد الحرام سمي بذلك لحرمتهِ وللأحكام الخاصة به منها: مضاعفة أجر الصلاة فيه أضعافًا كثيرة، ووجوده في مكة أفضل بقاع الأرض، وتحريم صيد البرّ في الحرم. والمسجد الأقصى سمي بذلك لبعده عن المسجد الحرام، وكلاهما بناهما ءادم عليه السلام، بنى الكعبة ثم بعد أربعين سنة بنى المسجد الأقصى، وسماه الله مسجدًا مما يدل على أنه كان عمل كسائر أماكن عبادة المسلمين أتباع كل الأنبياء لعبادة الله الواحد بالصلاة التي يسجد فيها المسلم لله. وقوله تعالى:{بَارَكْنَا حَوْلَهُ} معناه أنّ أرض الشام أرض مباركة، فقد ثبت في الصحيح صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا" قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال: "هناك الزلازل والفتن هناك يطلع قرن الشيطان". فأرض الشام مباركة وفلسطين التي فيها المسجد الأقصى من الشام.
والله تباركَ وتعالى بعث الأنبياءَ رحمةً للعبادِ، إذْ ليسَ في العَقْلِ ما يُسْتَغْنى به عنهم، لأن العَقْلَ لا يستِقلُّ بمعرفةِ الأشياءِ المنجيةِ في الآخرةِ، فالله تعالى مُتَفَضّلٌ بها على عبادِهِ. وقد أيدَ الله تباركَ وتعالى الأنبياءَ بمعجزاتٍ لتكونَ دليلا على صدقهم. والمعجزةُ أمرٌ خارقٌ للعادةِ يَظْهَرُ على يدِ مُدَّعِي النبوةِ، موافقٌ للدعوةِ، سالمٌ من المعارضةِ بالمثلِ، وكان صلى الله عليه وسلم أعظمَ الأنبياءِ معجزاتٍ، فقدْ نَقَلَ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابِ مناقبِ الشافعيّ عن أبيهِ عن عمَرَ بنِ سواد عن الشافعي قال: " ما أعطى الله شيئًا ما أعطى محمدًا فقلتُ أعطى عيسى إحياءَ الموتى قالَ: أُعْطِيَ محمدٌ حنينَ الجذْعِ حتى سُمِعَ صوتُه فهذا أكبرُ مِنْ ذلكَ ".
وقد قال بعض المادحين:
إن كان موسى سقى الأسباط من حجر *** فإن في الكف معنى ليس بالحجر
إن كان عيسى برا الأعمى بدعـوته *** فكم براحتــه قد رد من بصـر
الإسراء
معجزةُ الإسراءِ ثابتةٌ بنصّ القرءانِ والحديثِ الصحيحِ، فيجبُ الإيمانُ بأنّ الله أسرى بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليلا منْ مكةَ المكرمةِ إلى المسجدِ الأقصى. وقدْ أجمَع أهلُ الحقِ من سَلَفٍ وخَلَفٍ ومحدثينَ ومتكلمينَ ومفسرينَ وفقهاءَ على أنّ الإسراءَ كان بالجَسَدِ والروحِ وفي اليقظةِ، وهذا هو الحقُّ، وهو قولُ ابنِ عباسٍ وجابرٍ وأنَسٍ وعمرَ وحذيفةَ وغيرِهِمْ منَ الصحابةِ وقولُ الإمامِ أحمدَ وغيرِهِ مِنَ الأئمةِ وقولُ الطبريّ وغيرهِ، فلا خلافَ إذًا في الإسراءِ به صلى الله عليه وسلم إذ فيه نصٌّ قرءانيٌّ، فلذلك قالَ العلماءُ: "إنَّ مَنْ أنكَرَ الإسراءَ فقدْ كذَّبَ القرءانَ ومَنْ كَذَّبَ القرءانَ فقد كَفَرَ".
وروى البيهقيُّ عنْ شدّادِ بنِ أوسٍ قال: قلنا يا رسولَ الله كيف أُسريَ بِكَ؟ قال: "صلَّيْتُ لأصحابي صلاةَ العَتَمَةِ بمكة مُعْتِمًا، وأتاني جبريلُ عليهِ السلامُ بدابّةٍ بيضاءَ فوقَ الحمارِ ودونَ البغلِ، فقال: اركبْ فاسْتَصْعَبَتْ عليَّ، فَدَارَها بِأُذُنِها ثم حَمَلني عليها، فانْطَلَقَتْ تهوي بنا يَقَعُ حافرُها حيثُ أدركَ طرفُها حتى بلغْنا أرضًا ذاتَ نَخْلٍ فأنزلني فقالَ: صَلّ. فصليتُ، ثم ركِبْنا فقالَ: أتدري أينَ صلَّيتَ؟ قلتُ: الله أعلمُ قالَ: صليتَ بيثربَ، صليتَ بطَيبةَ، فانطلقتْ تهوي بنا يقعُ حافرُها حيثُ أدركَ طَرْفها، ثم بلغنا أرضًا فقال: انزِلْ فنـزلتُ ثم قال: صلّ. فصليتُ ثم ركبنا فقالَ: أتدري أينَ صليتَ؟ صليتَ بطورِ سيناءَ حيثُ كلّمَ الله عزَّ وجلَّ موسى عليهِ السلامُ، ثم انطلقتْ تهوي بنا يقعُ حافرُها حيث أدركَ طرْفُها، ثم بلغْنَا أرضًا بدتْ لنا قُصورٌ، فقالَ: انزِلْ. فنـزلتُ فقالَ: صلّ. فصليتُ ثم ركِبنا قالَ: أتدري أينَ صليتَ. قلتُ: الله أعلمُ، قالَ: صليتَ ببيتِ لَحمٍ حيثُ ولدَ عيسى عليهِ السلامُ المسيحُ ابنُ مريَم، ثم انطلقَ بي حتى دَخَلْنا المدينة من بابِها اليمانيّ فأتى قِبْلَةَ المسجِدِ فرَبَطَ بِهِ دابّتَهُ ودخلْنا المسجدَ مِنْ بابٍ فيه تميلُ الشمسُ والقمرُ فصليتُ مِنَ المسجدِ حيثُ شاءَ الله".
وكانَ قد شُقَّ صَدرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يُسْرَى بهِ ليلا منْ بيتِ أم هانئ منْ مكةَ المكرمةِ منَ المسجدِ الحرامِ.
قالَ أنسُ بنُ مالكٍ كانَ أبو ذرٍ يحدّثُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " فُرِجَ سقفُ بيتي وأنا بمكةَ فنـزلَ جبريلُ ففرَجَ صدري ثُمَّ غَسَلَهُ من ماء زمزم ثم جاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذهبٍ ممتلئ حكمةً وإيمانًا فأَفْرَغَها في صدري ثم أطبقَهُ " رواه مسلمٌ.
وقَدْ جمعَ الله عزَّ وجلَّ لسيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم جميعَ الأنبياءِ صلواتُ الله وسلامُهُ عليهم في بيتِ المقدسِ مِنْ ءادمَ فمنْ بعدَهُ فصلَّى بهمْ إمامًا. وهذا دليل على أن الأنبياء لهم تصرف بإذن الله بعد موتهم وينفعون من شاء الله أن ينتفع منهم فهم ليسوا كالناس العاديين فقد روى البزار والبيهقي وغيرهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلون".
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراءِ والمعراجِ: " ثُمَّ دخلتُ بيتَ المقدسِ فجُمِعَ لِيَ الأنبياءُ عليهمُ السلامُ فَقَدَّمَنِي جبريلُ حتى أمَمْتُهُمْ ثم صُعِدَ بيَ إلى السماءِ " رواه النسائي.
من عَجائبِ ما رَأى الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في الإسراءِ:
1- الدنيا:
رأى وهو في طريقِهِ إلى بيتِ المَقْدِسِ الدنيا بصورةِ عجوزٍ.
2- إبليسُ:
رأى شيئًا مُتَنَحّيًا عن الطريقِ يدعُوهُ وهو إبليسُ وكانَ منَ الجنّ المؤمنينَ في أولِ أمرِهِ، ثم كفرَ لاعتراضِهِ على الله.
قال تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [سورة الكهف/50].
ولا يجوز أن يقال إن إبليس كان طاووس الملائكة فهو لم يكن مَلَكًا. والدليل على ذلك أن الله تعالى قال:( إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ). والرسول صلى الله عليه وسلم قال: "خُلقت الملائكة من نور وخُلق الجان من مارج من نار"، فتبين أن إبليس من الجن حقيقة بدليل ما تقدم.
3- ماشطةُ بنتِ فرعونَ:
ثم شَمَّ رائحةً طيبةً مِنْ قبرِ ماشطةِ بنتِ فرعونَ وكانتْ مؤمنةً صالحةً وجاءَ في قصتِها أنها بينما كانتْ تمشُطُ رأسَ بنتِ فرعونَ سقطَ المُشْطُ من يدِها فقالتْ بسمِ الله، فَسَأَلَتها بنتُ فرعونَ أَوَ لَكِ ربٌّ إله غيرُ أبي؟ فقالت الماشطةُ نعمْ ربي وربُّ أبيكِ هُوَ الله، فأخبرتْ أبَاها فطلبَ مِنْها الرجوعَ عن دينِها فأبتْ فَحَمَّى لها ماءً فألقى فيهِ أولادَها ثم كَلَّمَها طفلٌ لها رضيعٌ قبلَ أنْ يَرمِيَهُ: "يا أُمَّاهُ أصْبِري فإنَّ عذابَ الآخرةِ أشدُّ مِنْ عذابِ الدنيا فلا تتقاعَسِي فإنكِ على حقّ" فقالتْ لفرعونَ: "لي عندَكَ طَلَبٌ، أنْ تجمَعَ العظامَ وتدفِنَها" فقال: "لكِ ذلكَ"، فألقاها فيهِ. وقدْ ماتتْ شهيدةً هيَ وأولادُها.
4- المجاهدونَ في سبيلِ الله:
رأى قومًا يَزْرَعُونَ ويَحْصُدُونَ في يومينِ، فقالَ لهُ جبريلُ: هؤلاءِ المجاهدونَ في سبيلِ الله.
والجهادُ في سبيلِ الله نوعانِ: جهادٌ بالسّنانِ أي بالسلاحِ، وجهادٌ في سبيلِ الله بالبَيَانِ، وثوابُ هذا كثوابِ من جاهَد بالسلاحِ، فاليومَ مَن أمرَ بالمعروفِ ونهَى عن المنكَرِ بجِدّ فهو مجاهدٌ في سبيلِ الله، والمجاهدونَ لهم درجةٌ عاليةٌ في الآخرةِ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَن أحيا سنتي عند فسادِ أمتي فله أجرُ شهيد" والمقصودُ بالسُّنةِ هنا الشريعةِ التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5 - خطباءُ الفتنةِ:
رأى أناسًا تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وشِفَاهُهُمْ بِمَقارِيضَ مِنْ نارٍ، قالَ لهُ جبريلُ: هؤلاءِ خطباءُ الفتنةِ، يعني الذينَ يَخْطُبونَ للشرّ والفتنةِ، أي يَدْعُونَ الناسَ إلى الضلالِ والفسادِ والغَشّ والخيانَةِ.
6 - الذي يتكلمُ بالكلمةِ الفاسدةِ:
ورأى ثورًا يخرجُ مِنْ مَنْفَذٍ ضَيّقٍ ثم يريدُ أن يعودَ فلا يستطيعُ أنْ يعودَ إلى هذا المَنْفَذِ، فقالَ لَهُ جبريلُ: هذا الذي يتكلمُ بالكلمةِ الفاسدةِ التي فيها ضررٌ على الناسِ وفتنةٌ، ثم يريدُ أن يَرُدَّها فلا يستطيعُ.
7- الذين لا يؤدونَ الزكاةَ:
ورأى أناسًا يَسْرَحُونَ كالأنْعامِ على عَوْراتِهِمْ رِقاعٌ (سُتَرٌ صغيرةٌ) قالَ لَهُ جبريلُ: هؤلاءِ الذينَ لا يؤدُّونَ الزكاةَ.
8 - تاركو الصلاة:
ورأى قومًا تَرْضَخُ(1) رُءُوسُهُمْ ثم تَعُودُ كما كانتْ فقالَ جبريلُ: هؤلاءِ الذينَ تَتَثَاقَلُ رُءُوسُهُمْ عنْ تأديةِ الصلاةِ.
9- الزناةُ:
ورأى قومًا يَتَنَافَسُونَ على اللحمِ المُنْتِنِ ويتركونَ اللحمَ الجيّدَ المُشَرَّحَ فقالَ جبريلُ: هؤلاءِ أناسٌ مِنْ أمّتِكَ يتركونَ الحلالَ فلا يَطْعَمُونَهُ ويأتونَ الحرامَ الخبيثَ فيأكلونَهُ وهُمُ الزناةُ.
10-شاربو الخمر:
رأى أناسًا يشربونَ من الصَديدِ الخارجِ منَ الزناةِ، قالَ لَهُ جبريلُ، هؤلاءِ شاربو الخمرِ المُحرَّمِ في الدنيا.
11 -الذينَ يمشونَ بالغيبةِ:
رأى قومًا يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ بأظفارٍ نُحاسِيَّةٍ، قالَ لَهُ جبريلُ: هؤلاء الذينَ كانوا يَغتابونَ الناسَ.
والغيبة من أشد أسباب عذاب القبر هي والنميمة وترك الاستنـزاه من البول. وغيبة الأتقياء من الكبائر، ثم الغيبة لا تفسد الصوم قال الإمام أحمد: لو كانت الغيبة تفسد الصوم لما صح لنا صوم.
---------------------
1-الرضخ: كسر الرأس.
المِعْـراجُ
المعراجُ ثابتٌ بنصّ الأحاديثِ الصحيحةِ، وأما القرءانُ فلم ينصَّ عليه نصًّا صريحًا، لكن وردَ فيه ما يكادُ يكونُ نصًّا صريحًا.
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ [سورة النجم] فإن قيل قوله (وَلَقَدْ رَءاهُ) يحتملُ أنْ يكونَ رؤيةً منامِيةً. قلنا هذا تأويلٌ، ولا يَسُوغُ تأويلُ النصّ أي إخراجُهُ عن ظاهِرِهِ لِغيرِ دليلٍ عَقْليّ قاطعٍ أو سَمْعِيّ ثابتٍ كما قاله الرازيُّ في المحصولِ، وليسَ هنا دليلٌ على ذلكَ.
قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديثِهِ عَنِ الإسراءِ والمعراجِ:
"ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ فاسْتَفْتَحَ جبريلُ فقيلَ: مَنْ أَنتَ. قالَ: جبريلُ. قِيل: وَمَنْ معكَ؟ قالَ: محمدٌ. قيلَ: وقدْ بُعث إليهِ؟ (1)قالَ: قَدْ بُعِثَ إليهِ. فَفُتحَ لنا فإذا أنا بآدمَ فرحّبَ بي ودَعَا لِي بخيرٍ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إلى السماءِ الثانيةِ، فاسْتَفْتَحَ جبريلُ عليهِ السلامُ فقيلَ: مَنْ أنْتَ؟ قَال: جبريلُ. قيل: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: محمدٌ. قِيلَ: وقد بُعِثَ إليهِ؟ قالَ: قَدْ بُعِثَ إليهِ. فَفُتحَ لنا فإذا أنا بِابْنَيِ الخالةِ عيسى ابنِ مريمَ ويحيى بنِ زكرياءَ صلواتُ الله عليهِما فرَحّبا ودَعَوَا لي بِخَيرٍ.
ثم عَرَجَ بي إلى السماءِ الثالثةِ فاسْتفتَحَ جبريلُ، فقيلَ: مَنْ أنتَ؟ قال: جبريلُ، قيل: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم قيلَ: وقَدْ بُعِثَ إليهِ؟ قالَ: قدْ بُعِثَ إليهِ. فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بيوسُفَ صلى الله عليه وسلم إذْ هوَ قَدْ اُعطيَ شَطْرَ الحُسْنِ. فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ.
ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ الرابعةِ فاسْتَفْتَحَ جبريلُ عليهِ السلامُ. قيلَ: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ: قيلَ: ومَنْ معكَ؟ قال: محمدٌ. قالَ: وقدَ بُعِثَ إليهِ؟ قال: قد بُعِثَ إليهِ. فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بإدريسَ فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ. قالَ الله عزَّ وجلَّ:﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [سورة مريم].
ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ الخامسةِ فاستفتَحَ جبريلُ. قيلَ: مَنْ هذا؟ قالَ: جبريلُ. قيلَ: وَمَنْ معكَ؟ قالَ: محمدٌ. قيل: وقد بُعِثَ إليهِ؟ قال: قد بُعِثَ إليهِ. ففُتِحَ لنا فإذا أنا بهارونَ صلى الله عليه وسلم فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ.
ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ السادسةِ فاستفتحَ جبريلُ عليه السلامُ قيلَ: مَنْ هذا؟ قال: جبريلُ، قيلَ: ومَنْ مَعَكَ؟ قَال: محمدٌ. قيل: وقَدْ بُعِثَ إليهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إليه. فَفُتِحَ لنا فإذا أمامي موسى صلى الله عليه وسلم فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ.
ثم عَرَجَ بنا إلى السماءِ السابعةِ فاستفتحَ جبريلُ فقيلَ: مَنْ هذا؟ قالَ: جبريلُ. قيل ومن معكَ؟ قال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم قيلَ: وقد بُعثَ إليهِ؟ قال: قَدْ بُعِثَ إليه. ففُتِحَ لنا فإذا أنا بإبراهيمَ صلى الله عليه وسلم مُسْنِدًا ظهره إلى البيتِ المعمورِ وإذا هُوَ يدخلُهُ كلَّ يومٍ سبعونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يعودونَ إليهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بي إلى سدرةِ المنتهى وإذا وَرَقُها كآذانِ الفِيَلَةِ، وَإذا ثَمَرُها كالقِلالِ(2). قال: فلما غَشِيَها مِنْ أمرِ الله مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فما أحدٌ من خلق الله يستطيعُ أن يَنْعَتها من حُسنِها فأوحى الله إليَّ ما أوحى ففَرَضَ عليَّ خمسينَ صلاةً في كل يومٍ وليلةٍ فنـزلْتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقالَ: ما فرضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِك؟ قلتُ: خمسينَ صلاةً، قالَ: ارجِعْ إلى ربّك(3) فاسألهُ التخفيفَ فإنَّ أمَّتَك لا يُطيقونَ ذلك فإني قد بَلَوْتُ بني إسرائيلَ وخَبِرْتُهمْ. قال: فرجَعْتُ إلى ربي فقلتُ: يا ربّ خَفّفْ على أمتي. فَحَطَّ عني خَمْسًا فرجَعتُ إلى موسى فقلتُ حطّ عني خمسًا. قَالَ: إنَّ أمتكَ لا يطيقونَ ذلكَ فارجعْ إلى ربّك فاسألْهُ التخفيفَ قال: فَلَمْ أزلْ أَرجِعُ بينَ ربي(4) تباركَ وتعالى وبينَ موسى عليهِ السلامُ حتى قالَ: يا محمدُ إنهنَّ خمسُ صلوات كُلَّ يَوْمٍ وليلةٍ لِكُل صَلاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاةً. ومن هَمَّ بحسنةٍ فلم يعملها كُتِبَتْ له حسنةً، فإن عَمِلَها كتبتْ له عشرًا، ومن هَمَّ(5) بسيئةٍ فلم يعملْها لم تُكْتَبْ شَيْئًا، فإنْ عَمِلَها كُتبتْ سيئةً واحدةً قال: فنـزلتُ حتى انتهيتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرتُهُ فقال: ارجعْ إلى ربّك فاسألْهُ التخفيفَ. فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: قد رجَعتُ إلى ربي حتى اسْتَحْيَيْتُ منهُ" رواه مسلمٌ.
وفي هذا الحديث دليل لأهل الحق أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية على أن النبي والولي له تصرف بعد وفاته وينفع بإذن الله، أليس موسى نفع أمة محمد صلى الله عليه وسلم نفعًا عظيمًا بهذا الذي حصل ليلة المعراج حين أشار على الرسول أن يَطْلب من ربه التخفيف في عدد الصلوات؟ وهذا ردٌّ على الوهابية مشبهة العصر النافين النفعَ عمن مات، بل ويعتبرون من توسل بالأنبياء والأولياء مشركًا والعياذ بالله.
--------------------
1- معنى وقد بُعث إليه هل طُلِبَ للعروج وليس معناه أن الملائكة يسألون هل نزل عليه الوحي أم لا لأن الملائكة يعلمون أن محمدًا خاتم الأنبياء، وكانوا يعلمون أنه قد نزل عليه الوحي. ومعنى حديث: "كنت نبيًّا وءادم بين الروح والجسد" أي شهرت بالوصف بالنبوة والرسالة قبل أن يركب روح ءادم في جسده وليس معناه أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خلق قبل ءادم فالرسول يقول: "نحن الآخرون السابقون" ومعناه نحن الآخرون وجودًا السابقون دخولا الجنة.
2- جمع قلة وهي الجرة العظيمة.
3- هذا ليس معناه أنه كان في مكان يسكنه الله إنما معناه ارجع إلى المكان الذي تتلقى فيه الوحي من ربك. فالله موجود بلا مكان.
4- أي المكان الذي كنت أتلقى فيه الوحي من ربي.
5- الهم أمر دون العزم ودون الفعل
ما المقصود منَ المعراجِ
المقصودُ من المعراجِ تشريفُ الرسولِ بإطلاعِهِ على عجائِبِ العالمِ العلويّ، وتعظيمُ مَكانتِهِ. قال تعالى: " لَقَدْ رَأَى مِنْ ءايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى " سورة النجم {18}
فائدة جليلة:
يجدر بنا أن نذكر بأنّ الله تعالى هو خالق السماوات السبع وخالق الأماكن كلّها وأنّ الله كان موجودا قبل خلق الأماكن بلا هذه الأماكن كلّها. فلا يجوز أن يُعتقد أنّ الله تعالى موجود في مكان أو في كل الأمكنة أو أنه موجود في السماء بذاته أو متمكن على العرش أو حال في الفضاء أو أنه قريب منا أو بعيد عنا بالمسافة، ومن نسب المكان أو الجهة لله لا يكون مسلما، ويكون الدخول في الاسلام بالنطق بالشهادتين أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله مع اعتقاد الصواب، أنّ الله موجود بلا مكان ولا يشبه شيئا من مخلوقاته. فيجب الحذر من الكتاب المسمى : "كتاب المعراج" المنسوب كذبا لابن عباس .
من عجائبِ ما رأى الرسولُ صلى الله عليه وسلم في المعراج:
1- مالكٌ خازنُ النار:
مِنْ جملةِ ما رءاه تلكَ الليلةَ مالكٌ خازنُ النارِ، ولم يضحكْ في وَجْهِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَسألَ جبريلَ لماذا لم يَرَهُ ضاحكًا إليهِ كغيرِهِ. فقالَ: إن مالِكًا لم يَضْحَكْ مُنْذُ خلقهُ اللهُ تعالى، ولو ضَحِكَ لأحدٍ لضَحِكَ إليكَ.
2- البيتُ المعمورُ:
ورأى في السماء السابعةِ البيتَ المعمورَ، وهو بيتٌ مُشَرَّفٌ، وهو لأهْلِ السماءِ كالكعبةِ لأهلِ الأرضِ، كُلَّ يَومٍ يدخلُهُ سبعونَ أَلْفَ مَلَكٍ يصلون فيهِ ثمَّ يخرجونَ ولا يَعُودُونَ أَبدًا.
والملائكةُ أجسامٌ نورانيةٌ ذوو أجنحة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا، لا يأكلونَ ولا يشربونَ، ولا يتناكحونَ، ولا يعصونَ اللهَ ما أمرَهُم ويفعلونَ ما يؤمرون، وعددُهم لا يحصيهِ إلا اللهُ.
3- سدرةُ المنتهى:
وهي شجرةٌ عظيمةٌ بها من الحُسْنِ ما لا يَصِفُهُ أحدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، يَغْشَاها فَرَاشٌ(1) من ذَهَبٍ، وأصلُها في السماءِ السادسةِ، وتصلُ إلى السابعةِ، ورءاها الرسولُ صلى الله عليه وسلم في السماءِ السابعةِ.
4- الجنةُ:
وهي فوقَ السموات السبعِ منفصلة عنها فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا أذن سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلب بشرٍ مما أعدهُ اللهُ للمسلمينَ الأتقياءِ خاصةً، ولغَيرِهِمْ مِمَّنْ يدخلُ الجنةَ نعيمٌ يشتركون فيه معهم.
فقدْ أخْبَرَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن حالِ أهلِ الجنةِ بعدَ دخولها قال: " يُنادي مُنادٍ إنَّ لَكُمْ أن تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبدًا، وإنَّ لَكُمْ أن تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَشِبُّوا فلا تَهرموا أبدًا، وإنَّ لَكُمْ أَن تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبدًا. فذلكَ قولُه عزَّ وجَلَّ: ﴿وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾ [سورة الأعراف/43](2) رواهُ مسلم.
ورأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الجنةِ الحورَ العينِ فطلبَ منه سيّدُنا جبريلُ أن يسلّمَ عليهنَّ بالقول فقلن له: نحن خيراتٌ حسانٌ، أزواجُ قومٍ كرامٍ. ورأى فيها الولدانَ المخلدينَ وهم خلقٌ من خَلْقِ اللهِ ليسوا من البَشَرِ ولا منَ الملائكةِ ولا منَ الجنّ، اللهُ تعالى خَلَقهُم مِنْ غيرِ أمّ وأبٍ كاللؤلؤِ المنثورِ ليخدِمُوا أهلَ الجنةِ، والواحدُ من أهلِ الجنةِ أَقلُّ ما يكونُ عنده من هؤلاءِ الولدانِ عَشرَةُ ءالافٍ بإحدى يديْ كلّ منهم صحيفةٌ من ذهبٍ وبالأخرى صحيفةٌ مِنْ فضةٍ.
5- العرشُ:
ثم رأى العرشَ وهو أعظمُ المخلوقات، وحولَهُ ملائكةٌ لا يعلمُ عدَدَهُمْ إلا اللهُ.
وله قوائمُ كقوائِمِ السريرِ يحملُهُ أربعةٌ مِنْ أعظمِ الملائكةِ، ويومَ القيامةِ يكونونَ ثمانيةً. وقد وصف الرسولُ أحدَهُمْ بأنَّ ما بينَ شَحْمةِ أذنِهِ إلى عاتِقِهِ مسيرةُ سبعِمائةِ عامٍ بِخَفَقَانِ الطيرِ المُسرعِ، والكرسيُّ بالنسبةِ للعرشِ كَحَلقَةٍ في أرضٍ فلاةٍ.
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما السموات السبعُ في جَنْبِ الكرسيّ إلا كَحَلقَةٍ في أرضٍ فلاةٍ، وفَضْلُ العرشِ على الكرسيّ كَفَضْلِ الفلاةِ على الحَلقَةِ".
والعرش أولُ المخلوقات بعدَ الماءِ، ثم القلمُ الأعلى، ثم اللوحُ المحفوظُ، ثم بعد أن كتبَ القلمُ على اللوحِ ما يَكونُ إلى يَومِ القيامةِ بخمسينَ ألفَ سنةٍ خلق اللهُ السموات والأرضَ.
فلا يجوز أن يقال إن أول خلق الله نور محمد، أما حديث: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر"، فهو حديث موضوع مكذوب مخالف للقرءان والحديث الصحيح والإجماع. وفيه ركاكة والركاكة من علامات الوضع عند علماء الحديث.
قال الإمام عليٌّ رضي اللهُ عنه :"إنَّ اللهَ خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِهِ ولم يتخذْهُ مكانًا لذاتِهِ". رواه أبو منصور البغداديُّ.
فيكفرُ من يَعتقدُ أن اللهَ تعالى جالسٌ على العرشِ لأنه عَزَّ وجلَّ ليسَ كمثلِهِ شىءٌ، ولأنهُ سبحانَهُ وتعالى موجودٌ بلا مكانٍ.
وما أبشع فرية الوهابية الذين يقولون إن الله جالس على العرش ثم يقولون ولكن ليس كجلوسنا فأين عقولهم كيف يجلس الله على شىء خلقه؟ ثم الجلوس كيفما كان هو من صفات الخلق إذ يحتاج لجالس ومجلوس عليه وكيف يحتاج الخالق لشىء من خلقه، ثم الجالس له نصف أعلى ونصف أسفل وهذا مركب والمركب مخلوق فيستحيل الجلوس على الله تعالى كيفما كان.
6 - وصولُهُ صلى الله عليه وسلم إلى مستوًى يسمعُ فيهِ صريفَ الأقلامِ:
ثم انفردَ رسولُ اللهِ عنْ جبريلَ بعدَ سدرةِ المنتهى حتى وصلَ إلى مستوًى يسمعُ فيه صريفَ الأقلامِ التي تَنْسَخُ بها الملائكةُ في صُحُفِها منَ اللوحِ المحفوظِ.
وأما ما يقال إن الرسول وصل وجبريل إلى مكان فقال جبريل: جُز فأنا إن اخترقت احترقت وأنت إن اخترقت وصلت فهذا ونحوه كذب وباطل.
7 - سماعُهُ صلى الله عليه وسلم كلامَ اللهِ تعالى الذاتيَّ الأزليَّ الأبديّ:
من المعلوم لدى أهلِ الحقّ أَن كلامَ اللهِ الذي هو صفة ذاته قديم أزلي لا ابتداء له، ليسَ ككلامِنا الذي يُبدأُ ثم يُختَمُ، فكلامه تعالى أزليٌّ ليس بصوتٍ ولا حَرْفٍ ولا لغةٍ. لأن اللغات والحروف والأصوات مخلوقة ولا يجوز على الله أن يتصف بصفة مخلوقة.
فلذلك نعتقدُ أن سَيّدنا محمدًا سمعَ كلامَ اللهِ الذاتيَّ الأزليَّ بغيرِ صوتٍ ولا حرفٍ ولا حلولٍ في الأذن.
ففي تلكَ الليلةِ المباركةِ أزالَ اللهُ عن أفضلِ خلقِهِ الحجابَ الذي يمنعُ مِنْ سماعِ كلامِ اللهِ الأزليّ الأبديّ الذي ليسَ ككلامِ العالمينَ. وفهم الرسول منه الأوامر التي أمر بها والأمور التي بلّغها.
أسمَعَهُ اللهُ بقدرتِهِ كلامَهُ في ذلكَ المكان الذي فوقَ سدرةِ المنتهى، لأنه مكانُ عبادةِ الملائكةِ للهِ تعالى، وهو مكانٌ لم يُعْصَ اللهُ فيهِ، وليسَ مكانًا ينتهي إليه وجودُ اللهِ كما في بعضِ الكتبِ المزيفةِ لأن اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ.
ماذا فَهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ كلامِ اللهِ الذاتيّ:
فهمَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ كلامِ اللهِ الذاتيّ فرضيةَ الصلواتِ الخمسِ. وفهم أيضًا أنه يُغْفَرُ لأمتِهِ كبَائرُ الذنوبِ لمنْ شاءَ اللهُ لَهُ ذلكَ.
أما الكافرُ فلا يُغْفَرُ له مهما كانتْ معاملتُهُ للناسِ حسنةً، ولا يرحمُه اللهُ بعدَ الموتِ ولا يدخِلُهُ الجنةَ أبدًا إن ماتَ على كفرِهِ. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء﴾ [سورة النساء].
وفهمَ أيضًا من كلامِ اللهِ الأزليّ الأبديّ أنّ مَنْ عَمِلَ حَسنةً واحدةً كُتِبَتْ له بعشرةِ أمثالِها، ومن هَمَّ بحسنةٍ ولم يَعْمَلْها كُتِبَتْ لهُ حَسنةً، ومن هَمّ بسيئةٍ وعَمِلَها كُتِبَتْ عليهِ سيئةً واحدةً.
8- رؤيتُهُ صلى الله عليه وسلم لله عزَّ وجلَّ بفؤادِهِ لا بعينِهِ:
ومما أكرمَ اللهُ به نبيَّهُ في المعراجِ أن أزالَ عن قلبِهِ صلى الله عليه وسلم الحجابَ المعنويَّ، فرأى اللهَ بفؤادِهِ، أي جَعَلَ اللهُ لَهُ قوةَ الرؤيةِ في قلبِهِ لا بعينِهِ لأن اللهَ لا يُرى بالعينِ الفانيةِ في الدنيا، فَقَدْ قَالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم: "واعلمُوا أنكم لن تَرَوْا ربَّكمْ حتى تمُوتُوا". وإنما يُرى اللهُ في الآخرةِ بالعينِ الباقيةِ، يراه المؤمنونَ الذين ءامنوا باللهِ ورُسُلِهِ، لا يشبِهُ شيئًا من الأشياء، بلا مكانٍ ولا جهةٍ ولا مقابلةٍ ولا ثبوتِ مسافةٍ ولا اتصالِ شُعَاعٍ بين الرائي وبينَهُ عزَّ وجلَّ. يرى المؤمنون اللهَ عزَّ وجلَّ لا كما يُرى المخلوق. فقد روى البخاريُّ وغيْرُهُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أما إنكم ترونَ رَبَّكُمْ يومَ القيامةِ كما ترونَ القمرَ ليلةَ البدرِ لا تضامُّونَ في رؤيتِهِ". أي لا تشكُّون أن الذي تَرَوْنَ هو اللهُ كما لا تشكونَ في قمرِ ليلةِ البدرِ، ولا يعني أن بينَ اللهِ تعالى وبينَ القمرِ مشابهةٌ. قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [سورة القيامة/23.22]. أما الكفارُ فلا يرونَ اللهَ في الدنيا ولا في الآخرةِ وهم مخلدونَ في نارِ جهنمَ. قال تعالى: ﴿ كَلاَّ إِنِّهُمْ عَن رَبِِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [سورة المطففين/15].
والدليلُ على أن الرسولَ رأى ربَّهُ بفؤادِهِ مرتينِ في المعراجِ ما أخرجه مسلمٌ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنه في قولِهِ تعالى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ [سورة النجم/11] ﴿ وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ [سورة النجم/13] قال: رءاهُ بفؤادِهِ مرتينِ.
وبهذِهِ المناسَبةِ تجدرُ الإشارةُ إلى أنهُ لم يحصلْ للنبيّ أن رأى ربَّهُ وكلمَهُ في ءانٍ واحدٍ بل كانت الرؤيةُ في حالٍ وسماعُ كلامِهِ في حالٍ. قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾ [سورة الشورى/51].
9- رؤيتُهُ صلى الله عليه وسلم لسيدِنا جبريلَ عليهِ السلامُ على هيئتِهِ الأصليةِ:
كان صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأى جِبريلَ عليه السلامُ في المرةِ الأولى في مكةَ على هيئتِهِ الأصليةِ، فَغُشيَ عليهِ، أمَّا في هذِهِ الليلةِ المباركةِ فقدْ رءاه للمرةِ الثانيةِ على هيئتِهِ الأصليةِ فلمْ يُغْشَ عليهِ إذْ إنَّهُ ازدادَ تَمَكُّنًا وقُوّةً.
فقد روى مسلمٌ عنْ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [سورة النجم/9.8]. قالت:إنما ذاكَ جبريلُ كانَ يأتيهِ، وإنهُ أتاهُ في هذهِ المرةِ في صورتِهِ التي هي هيأتُهُ الأصليةُ فَسَدَّ أُفُقَ السماءِ.
وليسَ معنى هاتينِ الآيتينِ: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [سورة النجم/9.8]. أن الله دنا منَ الرسولِ حتى قربَ منهُ بالمسافةِ قَدْر ذراعينِ أو أقلَّ، والذي يعتقدُ هذا يضِلُّ ويكفر. أما المعنى الصحيحُ فهو أنَّ جبريل دنا منْ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم (فَتَدَلَّى) أي جبريلُ في دنوِهِ مِنْ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ) أي ذراعين(أَوْ أَدْنَى) أي بلْ أقربَ. وهناكَ ظَهَرَ له بهيأتِهِ الأصليةِ وله سِتُّمائةِ جناحٍ، وكلُّ جناحٍ يَسُدُّ ما بين الأرضِ والسماءِ.
روى مسلمٌ عن الشَعْبِيّ عَن مَسْرُوقٍ قال: كنتُ مُتَّكِئًا عندَ عائشةَ فقالتْ: يا أبا عائشةَ ثلاثٌ مَنْ تكلمَ بواحدةٍ مِنهنَّ فقد أَعْظَمَ على اللهِ الفِريَةَ قلتُ: مَا هُنَّ؟ قالت: مَنْ زَعَمَ أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربَّهُ فقدْ أعظمَ على اللهِ الفِرْيَةَ. قال وكنتُ متكئًا فجلستُ فقلتُ: يا أمَّ المؤمنينَ أَنْظِرِيني ولا تَعْجَليني، ألم يَقُلِ اللهُ عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ رَءاهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ) (وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى). فقالت: أنا أوّلُ هذهِ الأمةِ سألَ عَنْ ذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "إنما هو جبريلُ لَمْ أَرَهُ على صورتِهِ التي خُلِقَ عليها غيرَ هاتينِ المرتينِ، رأيتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السماءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ ما بينَ السماءِ والأرضِ". فقالت: أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقولُ: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سورة الأنعام] أوَ لَمْ تَسمعْ أَنَّ الله يقولُ: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنِّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [سورة الشورى/51]. قالت: ومَنْ زَعَمَ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شيئًا من كتابِ اللهِ فقدْ أعظَمَ على اللهِ الفِرْيَةَ، واللهُ يقولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [سورة المائدة/67]. قالت: وَمَنْ زَعمَ أنهُ يُخْبِرُ بما يكونُ في غَدٍ فقدْ أعظمَ على اللهِ الفِرْيَةَ. واللهُ يقولُ: ﴿قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ﴾ [سورة النمل/65].
أي لا يعلم الغيب كلّه إلا الله، وهذا فيه ردٌّ على القائلين أن الرسول يعلم كل ما يعلمه الله، وهؤلاء ساووا الرسول بالله عزَّ وجلَّ، والله تعالى لا يساويه أحد من خلقه في صفة من صفاته فهو وحده العالِم بكل شىء والقادر على كل شىء لا يشاركه في ذلك ولا في سائر صفاته أحد من خلقه كائنًا من كان. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا ترفعوني فوق منزلتي".
ويقالُ إنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم مَرَّ ليلةَ المعراجِ بقومِ يأجوجَ ومأجوجَ وهم كفارٌ منَ البشرِ وبلّغهُم الدعوةَ، ففي البخاريّأَنَّ اللهَ يَقولُ لآدَمَ يَوم القيامةِ: "أخرج بعثَ النارِ من ذريَّتكَ، فيخرُجُ من يأجوجَ ومأجوج حصة النارِ أكثر من كلّ البشرِ". وكان ذو القرنينِ وهوَ رجلٌ وليٌّ صالحٌ بنى عليهم سَدًّا من حديدٍ ونحاسٍ أذابَهما، فهم مَحْجُوزُونَ خَلفَ السدّ في هذه الأرض إلى ما شاءَ اللهُ.
ماذا حصل بعد رجوع الرسولِ مِنَ المعراجِ:
قالَ بعضُ العلماءِ: كانَ ذهابُهُ مِنْ مكةَ إلى المسجِدِ الأقصَى وعُروجُهُ إلى أنْ عادَ إلى مكةَ في نحو ثُلُثِ لَيلةٍ أَخْبَرَ أمَّ هانئ بذلكَ ثُمَّ أخبرَ الكفارَ أَنهُ أُسْرِيَ بِهِ فلمْ يصدّقُوهُ واستهزءُوا به فَتَجَهَّزَ ناسٌ مِنْ قريشٍ إلى أبي بَكْرٍ فقالوا لهُ: هَلْ لكَ في صاحبكَ يَزْعُمُ أنه قَدْ جاءَ بيتَ المقدسِ ثمَّ رجعَ إلى مكةَ في ليلةٍ واحدةٍ، فقالَ أبُو بكرٍ: أَوَ قَالَ ذلكَ؟ قالوا: نعمْ قالَ: فأشهدُ لَئِنْ كانَ قَالَ ذلكَ لقدْ صَدَقَ. قالوا: فَتُصَدّقُهُ بأنْ يَأتِيَ الشامَ في ليلةٍ واحدةٍ ثُمَّ يَرْجِعَ إلى مكة قبلَ أنْ يُصْبِحَ؟ قَال: نعمْ، إني أُصَدّقُهُ بأبعدَ مِنْ ذلكَ أُصَدّقُهُ بِخَبَرِ السماءِ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فبها سُمّيَ أَبو بَكْرٍ الصديقَ رضيَ اللهُ عنه.
وطَلبَ الكفارُ مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصِفَ لهم المسجدَ الأقصى لأنهمْ يعلمونَ أنهُ لم يرحلْ مَعَ أهلِ بلدِهِ إلى هناكَ قطُّ. فجمَعَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ قومَهُ فحدثَهُمُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال قومٌ منهمْ مِمَّنْ كانَ قَدْ سافرَ إلى ذلكَ البلدِ ورأى المسجدَ: أمَّا النعتُ فَقَدْ واللهِ أصابَ.
------------------------------
1- الفراش: جمع فراشة وهي التي تطير وتتهافت في السراج
2- في قوله عزَّ وجلَّ(أورثتموها) دليل لأهل السنة والجماعة على قولهم الحق إن الله لا يجب عليه شىء وإنه متفضل على المؤمنين بإدخالهم الجنة من غير وجوب عليه إذ الإرث يناله الوارث دون مقابل، فدخول المؤمنين الجنة بفضل الله، وذلك كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم".
تنبيهٌ:
على كل مَنِ اعتقدَ أَنَّ اللهَ جسمٌ وأَنهُ متحيزٌ في مكانٍ أو أنه دَنا مِنَ الرسولِ بذاتِهِ أو أنه جالس على العرش الرجوعُ عن هذا والنطقُ بالشهادتينِ، لأنهُ يكونُ بذلكَ قَدْ شَبَّهَ اللهَ بخَلْقِهِ وكَذّبَ القرءانَ قالَ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ . وقالَ أبو جعفرٍ الطحاويُّ السَّلفي: تعالى (يعني اللهَ) عن الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدواتِ.
ومعنى تعالى: تنزه الله.
عن الحدود: الحدّ هو الحجم فالله لا يوصف بأنه حجم لا حجم كبير ولا حجم صغير.
والغايات: النهايات وهذا من صفات الأجسام والله منزّهٌ عنها.
والأركان: الجوانب وهذا أيضًا من صفات الخلق.
والأعضاء: الأجزاء الكبيرة كالرأس واليد الجارحة والرِّجل الجارحة فكل ذلك الله منزه عنه.
والأدوات: الأجزاء الصغيرة كاللسان والأضراس والأسنان.
وهذا تنزيه صريح صرح به إمام من أئمة السلف أئمة أهل السنة والجماعة الإمام أبو جعفر الطحاوي الذي كان أدرك جزءًا من القرن الرابع وعشرات من السنين من القرن الثالث الهجري في عقيدته التي هي عقيدة أهل السنة أي الذين هم على ما عليه الرسول والجماعة أي الذين هم مع جمهور الأمة العاملون بحديث الرسول: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة". وبقوله: "فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" ويكون من خالف ذلك شاذًّا ومن شذ شذ في النار.
وصدق القائل:
يا مَنْ بهَدْيك أفلَح السُّعَداءُ * هذي عظاتُك للقلوبِ دَوَاءُ
يا مَنْ بُعِثْتَ إلى الخلائقِ رحمةً * أقسمْتُ إنكَ رحمةٌ وضياءُ
وبُعثتَ أُمّيًّا تقولُ فَتَغْتَذِي * منكَ العقولُ وتستَقي العلماءُ
وعَدَلْتَ في أمرِ العبادِ فيستوي * في دينِكَ الفقراءُ والأمراءُ
وسريتَ مَسْرَى البَدْرِ يَسْطَعُ مُشْرقًا * في الكَائناتِ فتنجلِي الظَّلْمَاءُ
والمسجدُ الأقصى عَلَيْه مِنَ التقى * حُلَلٌ ومِنْ نورِ الهدى لألاءُ
والأنبياءُ ببابِهِ قد شَاقَهُمْ * نحوَ النبيّ محبَّةٌ ورِضاءُ
يا صاحبَ المعراجِ فوقَ المنتهى * لكَ وحدَكَ المعراجُ والإسراءُ
يا واصفَ الأقصَى أتيتَ بوصفِهِ * وكأنكَ الرسَّامُ والبنَّاءُ
فائدةٌ جليلةٌ
يَجْدُرُ بنا هنا أن نَذْكُرَ بأن اللهَ تعالى هو خالقُ السمواتِ السبعِ وخالقُ الأماكنِ كلّها، وأَنَّ اللهَ كان موجودًا قبلَ خلقِ الأماكنِ بلا هذه الأماكنِ كلّها.
فلا يجوزُ أن يُعْتَقَدَ أنَّ اللهَ تعالى موجودٌ في مكانٍ أو في كلّ الأمكنةِ، أو أنهُ موجودٌ في السماءِ بذاتِهِ، أو متمكنٌ على العَرْشِ، أو حالٌّ في الفضاءِ، أو أنه قَرِيبٌ مِنّا أو بعيدٌ عَنا بالمسافةِ.
تعالى اللهُ وتَنَزَّهَ عن ذلكَ ويَكْفُرُ مَنْ يعتقدُ ذلكَ.
قال الإمامُ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ: "كانَ اللهُ ولا مكانَ وهو الآن على ما عليه كان". رواه أبو منصور البغداديُّ. ولا يجوزُ أن يُعتقد أنَّ اللهَ موجودٌ في جِهةٍ من الجهاتِ. قال الإمامُ أبو جعفر الطحاويُّ السَّلفي في عقيدَتِهِ المسماةِ العقيدةَ الطحاويةَ "ولا تحويهِ الجهاتُ الستُّ كسائرِ المبتَدعاتِ" والجهاتُ الستُّ هي فوقُ وتحتُ ويَمِينُ وشِمالُ وأمامُ وخلفُ. أما اعتقادُ بعضِ الضالينَ أن الرسولَ وَصَلَ إلى مكانٍ هو مركزٌ للهِ تعالى فهذا ضلالٌ مبينٌ لأن اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ، ولا عبرة بما هو مكتوبٌ في بعضِ الكتبِ الفاسدة الكثيرةِ الانتشارِ والذائعةِ الصيتِ التي فيها ما ينافي تنزيهَ اللهِ عن المكانِ والتي يَتَدَاوَلُها بعضُ العوامّ، والتحذيرُ منها وَاجِبٌ، ومنها الكتابُ الذي عُنوانُهُ: كتابُ المعراجِ المنسوبُ كَذِبًا للإمامِ ابنِ عباسٍ فيجبُ التحذيرُ منهُ ومِنْ أمثالِهِ.
فالعرش المجيد لا مناسبة بينه وبين الله عزَّ وجلَّ إنما خلقه الله تعالى ليكون كالكعبة بالنسبة للملائكة الحافين حوله وهم أكثر من كل الملائكة بل أكثر من عدد حبات المطر وأكثر من عدد حبات الرمال هؤلاء يطوفون حول العرش ويتوجهون إليه كما أننا نحن المؤمنين من أهل الأرض نتوجه إلى الكعبة في صلاتنا ونطوف حولها ونعظمها ولا مناسبة بين الكعبة وبين الله عزَّ وجلَّ كما أنه لا مناسبة بين الله وبين العرش، وما أقبح قول الوهابية إن جهة فوق تليق بالله لأنها جهة يتشرف بها الله حيث جعل هؤلاء المشبهة الله عزَّ وجلَّ متشرفًا بشىء من خلقه، إذ الجهات كلها من خلق الله تعالى، والله تعالى كان موجودًا قبل الجهات وقبل كل شىء فكيف يكون متشرفًا بشىء من خلقه، سبحانك هذا بهتان عظيم.

الإسراء والمعراج دليل باهر على عظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم


الحمد لله الذي دحى الأرض ورفع السماء، وتنزه عن التحيز في الجهات والأنحاء، والصلاة والسلام على سيدنا باهي السناء من أكرمه ربه بمعجزة المعراج والإسراء.
يقول الله تعالى في القرءان الكريم «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من ءاياتنا إنه هو السميع البصير» (سورة الإسراء/ءاية1).
إن من المعجزات الباهرات التي أيد الله بها الحبيب المصطفى معجزة الإسراء والمعراج العظيمة، تلك المعجزة التي جاءت برهانًا مبينًا وضياءً ساطعًا منيرًا وهاجًا للمؤمنين الصادقين، وإظهارًا لسمو مقام سيد المرسلين وحبيب رب العالمين سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي السنة الخامسة قبل الهجرة وفي عام الحزن عدما أُوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثيرٌ من أصحابه كانت هذه المعجزة العظيمة التي اختص الله بها حبيبه وصفيَّهُ أبو القاسم محمدٌ صلى الله عليه وسلم دون غيره من سائر الأنبياء والمرسلين السابقين المكرمين، كيف لا، وهو صلى الله عليه وسلم أفضلهم وأكرمهم وأحبهم إلى الله رب العالمين وقد أعطاه الله مقامًا لا ينبغي لأحد غيره على الإطلاق.
معجزةُ الإسراء والمعراج كانت بدايتها انطلاقًا من أم القُرى مكة المكرمة أحب البلاد إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جاءه أمين الوحي جبريل عليه السلام إلى حيث كان ينام في بيت بنت عمه أم هانىء بنت أبي طالب بين علي وحمزة رضي الله عنهما، ورفع سقف البيت من غير أن يسقط حب ترابٍ واحدة ثم انطلقا في رحلة الإسراء والمعراج على البراق يضع حافره عند منتهى طرفه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره والبراق في دلال وزهو بركوب أشرف الخلق عليه صلى الله عليه وسلم.
وكان في أثناء طريقهما محطاتٌ ينزل بها صلى الله عليه وسلم فيصلي ركعتين فنزل بطيبة المدينة المنورة وبطور سيناء حيث كان موسى الكليم صلى الله عليه وسلم وببيت لحم حيث مولد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، وهذا فعلٌ يقتبس منه جواز التبرك بآثار الصالحين كما تبرك صلى الله عليه وسلم في هذه المواضع التي فيها من ءاثار أنبياء الله تعالى. ومن ثم تابع بصحبة جبريل الأمين عليه السلام ورأى أثناء سيره عجائب وغرائب فمر بقوم يزرعون ويحصدون كلما حصدوا الزرع عاد كما كان وهم المجاهدون في سبل الله وءاخرين ترضخ رءوسهم بحجارة ضخمة ثم تعود كما كانت وهم تاركو الصلاة، ومر على عجوز فسأل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فأخبره بأنها الدنيا، الدنيا بصورة عجوز وهو إشارة إلى قرب زوالها وأننا صرنا إلى ءاخر الزمان. وما زال يرى عجائب يطول سردها حتى انتهى صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى المبارك، هذا المسجد العظيم الذي طابت أرضه وتنوّرت أطرافه وبورك فيه ببركة النبيين الكرام الذي جمعهم الله له وكان اللقاء الكبير العظيم المبارك، في ذاك المسجد الكبير العظيم المبارك وإذا بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يتقدم فيصلي بهم إمامًا فَأنْعِم به من سيد عظيم سند وإمام فاق كل إمام، وما هو إلا أن انقضت الصلاة حتى عُرج به صلى الله عليه وسلم من على ثرى تلك الأرض الطيبة، أرض المعراج أرض فلسطين الإسلامية العربية، أرض الأقصى الذي بورك حوله بالأنبياء والمرسلين، ومن هناك انطلق صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام على المرقاة إلى السبع الطباق يطويها سماءً إثر سماء، فيجتمع في الأولى بآدم أبي البشر، وفي الثانية بابني الخالة عيسى ويحيى عليهما السلام، ويرقى إلى الثالثة فيرى سيدنا يوسف بن يعقوب وقد أعطى شطر الحسن، وفي الرابعة إدريس عليه السلام، ثم في الخامسة هارون عليه السلام، وينتهي إلى السادسة فيرى الكليم موسى عليه السلام، ثم يُرحب به في السماء السابعة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، ويرى البيتَ المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه بعد ذلك بالمرة، وفي هذا بيان أن الملائكة أكثر خلق الله عددًا. ويرى أيضًا سدرةَ المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وثمرها كالقلال (جمع قلة وهي الجرة العظيمة) فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحدٌ من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها؛ وأوحى الله إلى الحبيب المصطفى ما أوحى وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاةً فطلب منه موسى عليه السلام أن يسأل الله التخفيف فخفف الله عنه إلى أن صارت خمس صلوات.
وهنا نستطرد لنقول: صلى الله عليه وسلم يا كليم الله يا موسى فلقد نفعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم وكان لنا منك حجةٌ على القائلين إن الانبياء لا ينفعون بعد الموت، فنحن لا شك ولا يشك كل مؤمنٍ يوقن أن لأنبياء الله جاهًا عظيمًا ونفعًا كبيرًا حتى وهم في قبورهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وليعتبر من أراد العبرة بما نفع به موسى أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وليعلم أيضًا أن معنى قول موسى لسيدنا محمّد «ارجع إلى ربك» أي إلى المكان الذي تتلقى فيه الوحي من ربك وليس معناه أن الله له مكان لان الحجم هو الذي له مكان والله خالق الحجم. والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم، فيرزقه الثبات والاقتداء بصاحب الإسراء والمعراج أبي القاسم محمد صلى الله عليه وسلم الذي خصه الله بهذه المعجزة الكبرى وحباه الفضل والنعمة العظمى فكانت له معجزة من أكبر المعجزات حيث أمسى صلى الله عليه وسلم في السماء وأصبح في الأرض وحصل كل ذلك في نحو ثلث ليلة، وما ذلك على الله بعزيز. رجع صلى الله عليه وسلم  إلى مكة المكرمة فأخبر أم هانىء بذلك ثم أخبر به الكفَّار فما كان منهم إلا أن كذّبوا واستهزءوا وأبوا تصديقه فيما يقول كما كذّبوا من قبل، فلعنة الله على الكافرين أنى يؤفكون، ينصاعون للشيطان وهو بئس المتبوع وهم بئس التابع، كذّبوا حبيب الله ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، وجاءوا إلى صاحبه الصديق أبي بكر رضي الله عنه فقالوا له: هل لك في صاحبك يزعم أنه قد جاء بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة، فقال الصديق رضي الله عنه: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلةٍ واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يُصبح قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء.
أي رجلٍ هذا هو أبو بكر رضي الله عنه، إنه ذاك الصديق معدن الهدى والتصديق إنه حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفيه وخليفته ورفيقه في الغار فرضي الله عنه ما أحكمه وأعدله وأصدقه لما جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وجديرٌ به لمقامه وجلاله شأنه أن يلقب بعد ذلك بالصديق وهو لقبٌ سمي به لما أجاب الكفار بقوله «فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق» قال أبو سلمة: فيها سُمي أبو بكر «الصديق»، ولكن الكفار مع ذلك وزعم أنهم سمعوا جواب أبي بكر رضي الله تمادوا في غيهم وضلالهم فطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم المسجد الأقصى لأنهم يعلمون أنه لم يرحل مع أهل بلده إلى هناك فحدّثهم صلى الله عليه وسلم حتى قال قائلهم: أمّا النعتُ فقد والله أصاب. وفي ذلك قيل:
يا صاحب المعراج فوق المنتهـى                لك وحدك المعراج والإسـراءُ
يا واصف الأقصى أتيت بوصفـه                وكـأنـك الرسَّـام والبنــاءُ
أُعطيت فضلا لا يُتاح لمرســلٍ                   والله يعطي الفضل لمن يشـاءُ

 
رسالة مهمة حول الإسراء والمعراج (شفاء العليل في رد الأباطيل)
الحمد لله العلي القدير والصلاة والسلام على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن سار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فيقول رب العزة تبارك وتعالى في محكم التنزيل «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» (سورة ق/ ءاية18) ويقول عز وجل أيضًا في كتابه العزيز: «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو إصلاح بين الناس» (سورة النساء/ءاية 114). اعلم وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه أنّ العبد المرضي عند الله الراجي رحمة ربه ورضوانه الخائف من سخطه وعذابه، الذاكر لعذاب القبر ولعذاب النار ولأهوال يوم القيامة والخائف منها لا يأخذ العلمَ إلا من أهل العلم الثقات، الذين عندهم شفقة على المسلمين. ولا يعتمد على مطالعة الكتب لوحده فكم من هالك هل بسبب أخذه من الكتب وهذا عند أهل العلم يُسمى صحفيًا. قال سليمان بن موسى رحمه الله: «لا تقرأوا القرءان على المصحفيين». فلا بد لقارىء القرءان أن يقرأه على ثقة لئلا يلحن، وليحوز على الثواب.
طريق السلف والخلف والثقات أخذ العلم بالتلقي وعدم الفتوى بغير علم وقد قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: «من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض» رواه الحافظ ابن عساكر.
ولقد ابتُلي عدد من الناس بتلقفهم لمعلومات ليس لها أصل في دين الإسلام حول معجزة الإسراء والمعراج، فتراهم يبثونها هنا وهناك غير ءابهين لما تشكل من خطر. وحرصًا على سلامة معتقد المؤمنين والمؤمنات تبيّن في هذه السطور أكاذيب حيكت حول قضية الإسراء والمعراج حتى لا يقع فيها إنسان، وللأسف الشديد فإنّ بعض من ينتسبون للمشيخة ويلبسون العمامة يبثون هذه المعلومات المكذوبة والمدسوسة على المنابر وفي المجالس العامة، وإليكم بعض ما قالوه:
أولاً: بعض الناس يعتقدون أنّ المعراج عبارة عن وصول الرسول إلى مكان فوق السماء السابعة ينتهي إليه وجود الله وهذا كفر وضلال لأنه فيه نسبة المكان والجهة لله. والله خالق الأماكن كلها والجهات كلها، فهو موجود قبل الأماكن والجهات وقبل كل شىء. قال الشافعي رحمه الله: «اعلموا أنَّ البارىء عز وجل لا مكان له» رواه القشيري رحمه الله وقال الأشعري رحمه الله: «إنَّ الله تعالى لا مكان له» رواه البيهقي. وقال الإمام أبو منصور البغدادي رحمه الله: «واجمعوا أنه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان» رواه في كتابه «الفرق بين الفرق» لكن وللأسف الشديد بعض من ينتسبون للمشيخة أو للعلم يوهمون الناس في قضية المعراج أنَّ الرسول وصل إلى مكان هو مركز لله تعالى، والعياذ بالله من الكفر، يعتمدون على بعض ما وجد في كتب رخيصة كثيرة الانتشار وذائعة الصيت، التي فيها ما ينافي تنزيه الله عن المكان والجهة ككتاب المعراج المنسوب زورًا وبهتانًا لابن عباس وهذا يجب التحذير منه ومن أمثاله.
ثانيًا: بعض الناس يقولون: «المعراج بالروح فقط» وهذا خلاف ما ثبت بنص الأحاديث الصحيحة. وورد في القرءان ما يكاد يكون صريحًا بالنسبة للمعراج، فقد قال تعالى: «ولقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى» (سورة النجم/ءاية13 – 14 – 15). أي سيدنا محمد رأى جبريل عليه السلام ليلة المعراج في السماء السابعة على صورته الأصلية الملكية ذات الستمائة جناح سدّ بها ما بين المشرق والمغرب.
ثم في أحاديث المعراج الصحيحة ومنها حديث مسلم رحمه الله أنّ الرسول قال: ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: «محمد». لم يقل: معي روح محمد. وفي ءاخر الحديث قال سيدنا محمد: «فنزلت إلى موسى». وكان موسى في السماء السادسة، ما قال: نزلت روحي إلى موسى عليه السلام.
ثالثًا: بعض العامّة والجهلة يقولون وقف على صخرة عَلَتْ به حتى ارتفعت في الهواء ثم قال لها: كوني. فكانت فما زالت واقفة في الهواء إلى الآن، فهذا غير صحيح على الإطلاق.
رابعًا: بعض الناس يقولون: «الإسراء رحلة مناميّة» وهذا باطل من تلبيس إبليس وجنده، فأين وجه المعجزة إذا كانت رحلة منامية كما يزعمون؟!
خامسًا: يزعم بض الناس أن الرسول سمع صوت أبي بكر في السماء من أجل أن يستأنس لأنه استوحش في ذاك المكان وهو قول فاسد لا أساس له من الصحة.
سادسًا: بعض الخطباء في ذكرى الإسراء يروون قصة مكذوبة فيها يقولون: «إن الرسول قال لله: التحيات لله والصلوات والطيبات. فقال الله تعالى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فقال النبي: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» إلخ... فهذا كذب لا أصل له والدليل على عدم صحة ذلك أنَّ بعض الصحابة كانوا يقولون في صلاتهم قبل أن تُفرض عليهم صيغة التشهد: السلام على الله، السلام على الله، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل. ثم قال لهم الرسول: «إنّ الله هو السلام»، وعلّمهم أن يقولوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، رواه البيهقي.
سابعًا: يقولون في الكتاب المسمى «معراج ابن عباس» المدسوس عليه، إنّ ملكًا نصفه من ثلج ونصفه من نار، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفىء النار، له ألف رأس وفي كل رأس ألف ألف وجه، وفي كل وجه ألف ألف لسان يسبح الله تعالى بألف ألف لغة إلخ... وهذا غير صحيح.
وفي الكتاب المسمى «معراج ابن عباس» من الضلال والكفر ما هو واضح كقولهم إن النبي قال «فدنوتُ من ربي حتى صرت منه كقاب قوسين وأدنى» وفيه أيضًا من التجسيم والعياذ بالله تعالى قولهم: «فوضع الله سبحانه وتعالى يده بين كتفيّ فشعرت ببرد أناملها». وهذا فيه نسبة الجوارد إلى الله والعياذ بالله، وعلى الجملة فالكتاب محشو بمثل هذه الأراجيف.
ثامنًا: ما يروى عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما فقدت جسد رسول الله ولكن أُسري بروحه». فهذا حديث غير ثابت. ووهَّنه القاضي عياض في الشفا سندًا ومتنًا، وحكم عليه الحافظ ابن دحية بالوضع أي بالكذب. ومما لا يخفى أنّ نسبة هذا الحديث للسيدة عائشة غير ثابتة لأنَّ رسول الله لم يدخل بها إلا بعد الهجرة وأنّ رسول الله أسري به قبل أن يخطبها أصلاً. وكذلك ما يقولون أن الرسول قال: «أتاني جبريل بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة» قال الذهبي: وهو كذب جليّ من وضع «مسلم بن عيسى الصفّار» لأنَّ فاطمة ولدت قبل النبوة فضلاً عن الإسراء. وكذلك قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى.
تاسعًا: مما يروى من الأباطيل أنه لما وصل الرسول وجبريل إلى ما بعد سدرة المنتهى قال جبريل: «هنا يفارق الخليل خليله لو تقدّمت لاحترقت»، وهذا مكذوب ولا صحة له.
عاشرًا: من أخطر وأشنع ما قيل في الإسراء والمعراج ما ذكره الدكتور «محمد حسنين هيكل» في كتابه المسمى «حياة محمد». يقول: «ففي الإسراء والمعراج في حياة محمد الروحية معنى سام غاية السمو، معنى أكبر من هذا الذي يصورون، والذي قد يشوب بعضه من خيال المتكلمين حظ غير قليل. فهذا الروح القوي قد اجتمعت فيه في ساعة الإسراء والمعراج وحدة هذا الوجود بالغة غاية كمالها، لم يقف أمام ذهب محمد وروحه في تلك الساعة حجاب من الزمان أو المكان أو غيرهما من الحجب التي تجعل حكمنا نحن في الحياة نسبيًا محدودًا بحدود قوانا المحسوسة والمدبرة والعاقلة، تداعت في هذه الساعة كل الحدود أمام بصيرة محمد، واجتمع الكون كله في روحه فوعاه من أزله إلى أبده». ذكر هذا في كتابه المسمى حياة محمد ص 189 الطبعة الثانية. ففي هذا الكام الشنيع ضلال واضح إذ نجد أنَّ الكاتب يعتقد فكرة وحدة الوجود وهي عقيدة كفرية فاسدة، يعتقدها بعض من ينتسبون للتصوف كالحلاج الذي كان يقول «أنا الله» ويقول «ما في الجبة إلا الله» وهو كفر صريح لا يؤول. لذلك قال فيه سيدنا ومولانا الشيخ أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه ونفعنا ببركاته وأسراره: «لو كان على الحق ما قال أنا الحق»، وفكرة «وحدة الوجود» تعني على زعمهم أنَّ الله هو عين الأشياء والعياذ بالله تعالى، وهي تشبه عقيدة الحلول والاتحاد حيث يقولون «إنَّ الله حل بالأشياء». وقولهم الفاسد «الله هو عين الأشياء» معناه عندهم: «أنَّ الله جملةُ العالم، وأفراد العالم أجزاء منه» وقد قال بعضهم: «أنا جزء من الله» ويقول بعضهم لشخص: «أنت الله وهذا الجدار الله». فهؤلاء ملعونون كفرة ولا تأويل لكلامهم ولا يجوز الشك في كفرهم. قال أهل الحق: إنَّ الله هو الأزلي الذي لا ابتداء لوجوده، وما سواه فهو حادث أي مخلوق.
تنبيه: يوجد في كتب ابن عربي رحمه الله عبارات دُسّت عليه فهيا نسبة الحلول إلى الله وغيرها من عبارات كفرية مدسوسة فهو رحمه الله القائل: «من قال بالحلول فدينه معلول، وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد».
نسأل الله أن يحفظنا من الزلل والضلال والزيغ، وأن يثبتنا على عقيدة أهل السُّنة والجماعة حتى الممات. وأن يحشرنا تحت لواء سيد المرسلين محمد وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا والحمد لله رب العالمين.

الثلاثاء، 21 أبريل 2020

Post عقيدة أهل الحق قاطبة

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فقد قال علماء التوحيد : الله متصف بالكلام الذي هو صفة أزلية أبدية هو متكلمٌ بـها ءامر، ناهٍ، واعدٌ، متوعدٌ، ليس ككلام غيره، بل أزليٌّ بأزلية الذات لا يشبه كلام الخلق وليس بصوت يحدث من انسلال الهواء أو اصطكاك الأجرام، ولا بحرف ينقطع بإطباق شفةٍ أو تحريكِ لسان.

ونعتقد أن موسى سمع كلام الله الأزلي بغير حرفٍ ولا صوتٍ كما يرى المؤمنون ذات الله في الآخرة من غير أن يكون جوهرًا ولا عرضًا لأن العقل لا يحيل سماع ما ليس بحرف ولا صوت. وكلامه تعالى الذاتي ليس حروفا متعاقبة ككلامنا، وإذا قرأ القارىء منا كلام الله فقراءته حرفٌ وصوتٌ ليست أزلية.

فالقرءان والتوراة والإنجيل والزبور وسائر كتب الله إن قُصد بها الكلام الذاتي فهي أزلية ليست بحرفٍ ولا صوتٍ، وإنْ قُصِد بها اللفظ المنَزَّل الذي بعضه بلغة العرب وبعضه بالعبرانية وبعضُهُ بالسريانية فهو حادثٌ مخلوقٌ لله لكنها ليست من تصنيف ملك ولا بشر، فهي عباراتٌ عن الكلام الذاتي الذي لا يوصف بأنَّهُ عربي ولا بأنه عِبراني ولا بأنه سُرياني، وكل يُطلق عليه كلام الله، أي أنَّ صفة الكلام القائمة بذات الله يُقال لها كلام الله واللفظ المُنَزَّل الذي هو عبارةٌ عنه يُقال له كلام الله، فتبيَّن أنَّ القرءان له إطلاقان أي له معنيان الأول إطلاقُه على الكلام الذاتي الذي ليس هو بحرفٍ ولا صوتٍ ولا لغةٍ عربيةٍ ولا غيرها، والثاني إطلاقه على اللفظ المنـزل الذي يقرؤه المؤمنون.

وهذه اللغاتُ وغيُرها من اللغاتِ لم تكن موجودةً فخلَقَها الله تعالى فصارت موجودةً والله تعالى كان قَبل كل شىء، وكان متكلِّما قبلها ولم يَزل متكلِّما وكلامُهُ الذي هو صفتهُ أزليٌّ أبديٌ وهذه الكُتبُ المنـزَّلةُ كلُّها عباراتٌ عن ذلك الكلام الذاتي الأزلي الأبدي، ولا يلزمُ من كون العبارةِ حادثا كون المعبَّر عنه حادثا ألا ترى أننا إذا كتبنا على لوح أو جدران " الله " فقيل هذا الله فهل معنى هذا أن أشكال الحروف المرسومة هي عينُ الله وذاته؟! لا يتوهمُ هذا عاقل إنما يُفهم من ذلك أن هذه الحروف عبارة عن الإله الذي هو موجودٌ معبودٌ خالقٌ لكل شىء؛ ومع هذا لا يقال القرءانُ مخلوقٌ لكن يُبيَّن في مقام التعليم أن اللفظ المنـزَّل ليس قائما بذات الله بل مخلوقٌ لأنه حروفٌ يسبق بعضها بعضا حادثٌ مخلوقٌ قطعًا. لكنه ليس من تصنيفِ مَلَكٍ ولا بشرٍ فهو عبارةٌ عن الكلام الذاتي الذي لا يوصف بأنه عربي، ولا بأنه عبراني، ولا بأنه سُرياني، وكُلٌ يطلقُ عليه كلامُ الله، أي أن صفة الكلام القائمة بذات الله يقالُ لها كلامُ الله، واللفظُ المُنـزَّلُ الذي هو عبارة عنه يقال له كَلامُ الله.
والإطلاقانِ من باب الحقيقةِ لأن الحقيقةَ إما لُغويَّةٌ وإما شرعيَّةٌ وإما عُرفيَّةٌ.

ومن الأدلة الواضحة في بيانِ أن القرءانَ يُطلقُ ويرادُ به اللفظُ المنـزَّلُ، قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّه)(الفتح: من الآية15) فالكفار يريدون تبديل اللفظ المنـزَّل وليس الصفة الذاتية، وكذلك قوله تعالى : (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ) (القيامة:18) أي إذا قرأه جبريل بأمرنا فاتبع قرءانه أي قراءته، ولا يصح أن تكون قراءة جبريل هي صفة الله.
ومن الدليل الصريح على أن الله تعالى لم يقرأ القرءان على جبريل كما قرأه جبريل على محمد وقرأه محمد على صحابته قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة:40) فلو كان القرءان بمعنى اللفظ المنـزَّل عين كلام الله الذي هو صفته لم يقل (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة:40) أي جبريل، فالآية صريحة في أن القرءان بمعنى اللفظ المنـزَّل المقروء هو مقروء جبريل وليس مقروء الله تعالى.

فإن قيل: ما معنى قوله تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس:82)
فالجواب : أن معنى هذه الآية كما قال بعض العلماء كالإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله ( ت333 هـ ): إن الله يُوجِد الأشياء بدون تعب ومشقة وبدون ممانعة أحد له، أي أنه يخلق الأشياء التي شاء أن يخلقها بسرعة بلا تأخر عن الوقت الذي شاء وجودها فيه، فمعنى ( كُنْ فَيَكُون ) يدل على سرعة الإيجاد، وقال بعضهم كالإمام البيهقي رحمه الله ( ت 458 هـ ) : معناه بحكمه الأزلي خلق الأشياء، والحكم كلام أزلي في حق الله ليس كلاما مركبا من حروف ولا أصوات، ليس معناه أن الله كلما أراد أن يخلق شيئًا يقول كن، كن. وإلا لكان معنى ذلك أن الله كل الوقت يقول كن كن كن وهذا محال لأن الله عز وجل يخلق في اللحظة الواحدة ما لا يدخل تحت الحصر.
ثم " كن " لغة عربية والله تعالى كان قبل اللغات كلها وقبل أصناف المخلوقات فعلى قول المشبهة يلزم أن يكون الله ساكتا قبل ثم صار متكلما وهذا محال لأن هذا شأن البشر وغيرهم، وقد قال أهل السنة : لو كان يجوز على الله أن يتكلم بالحرف والصوت لجاز عليه كل الأعراض من الحركة والسكون والبرودة واليبوسة والألوان والروائح والطعوم وغير ذلك وهذا محالٌ، والله تعالى خلق بعضَ العالمِ متحركَّا دائماً كالنجوم وخلقَ بعض العالمِ ساكنا دائماً كالسموات، وخلق بعض العالم متحركا في وقت وساكناً في وقتٍ وهم الإنس والجن والملائكةُ والرياحُ والنورُ والظلامُ والظلالُ، وهو سبحانه وتعالى لا يُشبِهُ شيئا من هذه العوالمِ كُلّها.

وقد نُقِلَ هذا التفصيل عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وهوَ من السلف أدرك شيئا من المائةِ الأولى ثم توفي سنة مائةٍ وخمسينَ هجرية قال :" فلما كلم الله موسى كلمه بكلامه الذي هو صفة في الأزل وصفاته كلها بخلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا ويسمع لا كسمعنا ويتكلم لا ككلامنا ونحنُ نتكلَّمُ بالآلات والحروف والله تعالى يتكلَّمُ لا بآلةٍ ولا حروفٍ والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق " فليُفهم ذلك، وليس الأمرُ كما تقولُ المشبهةُ بأن السلفَ ما كانوا يقولونَ بأن الله متكلمٌ بكلامٍ ليس بحرفٍ وإنما هذه بدعةُ الأشاعرة، وهذا الكلامُ من أبي حنيفة ثابتٌ ذكرهُ في كتابه الفقه الأكبر.

وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في "الفقه الأكبر" و"الوصية": "والحبر والكاغد والكتابة والقراءة مخلوقة لأنها أفعال العباد".
وقال العز بن عبد السلام في رسائله في التوحيد ص12 ما نصه: "فالله متكلم بكلام قديم أزلي ليس بحرف ولا صوت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مدادًا في اللوح والأوراق شكلاً ترمقه العيون والأحداق كما زعم أهل الحشو والنفاق بل الكتابة من أفعال العباد ولا يتصور من أفعالهم أن تكون قديمة ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته" إلى أن قال: "فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شىء من ألفاظ العباد أو رسم من أشكال المداد" اهـ.

وقال أيضًا في فتاويه :"القرءان كلام الله صفة من صفاته قديم بقدمه ليس بحرف ولا أصوات ومن زعم أن الوصف القديم هو عين أصوات القارئين وكتابة الكاتبين فقد ألحد في الدين وخالف إجماع المسلمين بل إجماع العقلاء من غير أهل الدين، ولا يحل للعلماء كتمان الحق ولا ترك البدع سارية في المسلمين ويجب على ولاة الأمور إعانة العلماء المنزهين الموحدين، وقمع المبتدعة المشبهين المجسمين، ومن زعم أن المعجزة قديمة فقد جهل حقيقتها، ولا يحل لولاة الأمور تمكين أمثال هؤلاء من إفساد عقائد المسلمين ويجب عليهم أن يلزموهم بتصحيح عقائدهم بمباحثة العلماء المعتبرين، فإن لم يفعلوا ألجئوا إلى ذلك بالحبس والضرب والتعزير والله اعلم" اهـ بحروفه.

وقال الإمام محمد بن إبراهيم الحموي: من قال إن الله متكلم بحرف وصوت فقد قال قولاً يلزم منه أن الله جسم ومن قال إنه جسم فقد قال بحدوثه، ومن قال بحدوثه فقد كفر، والكافر لا تصح ولايته ولا تقبل شهادته اهـ
فإن قِيل إذا لم يكن اللفظ المنـزَّلُ عين كلام الله الذاتي فكيف كان نُزوله على سيدنا محمد ؟ فالجواب ما قاله بعض العلماء : إن جبريل وجده مكتوباً في اللوح المحفوظ فأنزله بأمر الله له على سيدنا محمد قراءةً عليه لا مكتوبا في صحفٍ، ويدلُ لذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة:40) أي مقروء جبريل فلو كان هذا اللفظ المنـزل عين كلام الله الذاتي لم يقل الله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة:40) أي جبريل لأن جبريل هو المراد بالرسول الكريم.

انظر كتاب الإحياء للغزالي و الأسماء والصفات للبيهقي وتأويلات أهل السنة والجماعة للماتريدي والإرشاد لإمام الحرمين عبد الملك الجويني والتبصير في الدين للأسفراييني وشرح الطحاوية للشيباني والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي وشرح لمع الأدلة لشرف الدين بن التلمساني وشرح الفقه الأكبر لملا علي القاري والعقيدة النسفية للإمام عمر النسفي وتشنيف المسامع للزركشي وشرح العقائد للتفتازاني وشرح الإرشاد لأبي القاسم الأنصاري وإظهار العقيدة السنية بشرح العقيدة الطحاوية للمحدث الشيخ عبد الله الهرري وإشارات المرام من عبارات الإمام للبياضي وغيرهم كثير )

فائدة أولى: قال الشيخ الإمام ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي (ص559 /مخطوط) ما نصه :" قال الشيخ الإمام أبو علي الحسن بن عطاء في أثناء جواب عن سؤال وجه إليه سنة إحدى وثمانين وأربعمائة : الحروف مسبوق بعضها ببعض، والمسبوق لا يتقرر في العقول أنه قديم، فإن القديم لا ابتداء لوجوده، وما من حرف وصوت إلا وله ابتداء، وصفات البارىء جل جلاله قديمة لا ابتداء لوجودها، ومن تكلم بالحروف يترتب كلامه، ومن ترتب كلامه يشغله كلام عن كلام، والله تبارك وتعالى لا يشغله كلام عن كلام، وهو سبحانه يحاسب الخلق يوم القيامة في ساعة واحدة، فدفعة واحدة يسمع كل واحد من كلامه خطابه إياه، ولو كان كلامه بحرف ما لم يتفرغ عن يا إبراهيم ولا يقدر أن يقول يا محمد فيكون الخلق محبوسين ينتظرون فراغه من واحد إلى واحد وهذا محال "اهـ.

فائدة ثانية: قال المحدث الشيخ محمد زاهد الكوثري المتوفى سنة 1371 هـ في مقالاته (ض32) ما نصه:" ولم يصح في نسبة الصوت إلى الله حديث" اهـ وكذا قال الإمام البيهقي في الأسماء والصفات (ص273 )، وقد ذكر الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي (ت 725 هـ) في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي ( ص249 / مخطوط) أثناء ترجمة الحافظ ناصر السنة أبي الحسن علي بن أبي المكارم المقدسي المالكي أنه صنف كتابه المعروف بكتاب الأصوات أظهر فيه تضعيف رواة أحاديث الأصوات وأوهامهم "اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في شرحه على البخاري (ج1/174و175):" لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو اعتضدت"اهـ.
فائدة ثالثة : وأما ادعاء البعض أن علم الكلام مذموم على الإطلاق فمردود، وذلك أن علم الكلام الذي يشتغل به أهل السنة والجماعة في تقرير معتقداتهم هو علم ممدوح اشتغل به العلماء من السلف والخلف ولا سيما الشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة كما ذكر الإمام أبو منصور البغدادي المتوفى سنة 429 هـ في أصول الدين والحافظ ابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ في تبيين كذب المفتري والإمام الزركشي المتوفى سنة 794هـ في تشنيف المسامع وغيرهم، بل سمَّاهُ الإمامُ أبو حنيفة رضي الله عنه بالفقه الأكبر.

وقد قال إمام أهل السنة والجماعة أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه المتوفى سنة 324 هـ : " أول ما يجب على العبد العلم بالله ورسوله ودينه ". اهـ وهذا العلم أصله كان موجودًا بين الصحابة متوفرًا بينهم أكثر ممن جاء بعدهم، والكلام فيه بالرد على أهل البدع بدأ في عصر الصحابة، فقد رد ابن عباس وابن عمر على المعتزلة، ومن التابعين رد عليهم عمر بن عبد العزيز والحسن بن محمد ابن الحنفية وغيرهما.
ونحيلهم إلى قراءة كتاب"عقيدة العوام" للشيخ أحمد المرزوقي المولود سنة 1205هـ وكتاب"كفاية الصبيان فيما يجب من عقائد الإيمان وعمل الأركان" للمحدث أبي المحاسن القاوقجي الطرابلسي المتوفى سنة 1305 هـ.

وأما علم الكلام الذي يشتغل به أهل البدع كالخوارج والنجارية والمرجئة والمعتزلة والكرامية والحشوية فهو علم مذموم ذمه علماء السلف، لذا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: " لأن يلقى اللهَ عز وجل العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشىء من هذه الأهواء " رواه الإمام المجتهد أبو بكر بن المنذر وأخرج طرقه الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري وغيرهما، والأهواء جمع هوى وهو ما مالت إليه نفوس المبتدعة الخارجين عما كان عليه السلف.

والحمد لله أولا وءاخرًا وصلى الله على سيدنا النبي الأعظم

عقيدة الاحباش هي عقيدة المسلمين قاطبة

عقيدة الاحباش هي عقيدة المسلمين قاطبة



ما هو الفرض العيني من علم الدين؟
يجب على كل مكلف تعلم قدر لا يستغني عنه من العقيدة والطهارة والصلاة والزكاة لمن تجب عليه

والحج على المستطيع ومعاصي القلب و اليد والعين وغيرها.

قال تعالى: ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) سورة الزمر ءاية 9.

الحديث: طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه البيهقي.




1ـ ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟

ج: ليأمرهم الله بعبادته. قال تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون) سورة الذاريات ءاية 56

الحديث: حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" رواه الشيخان.



2ـ كيف تصح العبادة؟

ج: تصح عبادة الله ممن يعتقد وجود الله ولا يشبهه بشيء من خلقه.
قال تعالى: ( ليس كمثله شيء) سورة الشورى ءاية 11.
الحديث: لا فكرة في الرب" رواه أبو القاسم الأنصاري.
قال الغزالي: لا تصح العبادة الا بعد معرفة المعبود.

3ـ لماذا أرسل الله الرسل؟

ج: أرسل الله الرسل ليعلموا الناس مصالح دينهم ودنياهم ولدعوة الناس الى عبادة الله وان لا يشركوا به شيئا.

قال تعالى : ( فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) سورة البقرة ءاية 213.

الحديث ( افضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا اله الا الله ). رواه البخاري

4ـ ما معنى التوحيد؟
ج: هو إفراد القديم من المحدث كما قال الإمام الجنيد. والقديم هو الذي لا أول له والمحدث المخلوق.
قال تعالى: ( ليس كمثله شيء) سورة الشورى ءاية 11.
الحديث: كان الله ولم يكن شيء غيره" رواه البخاري وغيره.

5ـ تكلم عن وجود الله:

ج: الله موجود لا شك في وجوده‚ موجود بلا كيف ولا مكان. قال تعالى: ( أفي الله شك) سورة ابراهيم ءاية 10. الحديث: اللهم أنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء" رواه مسلم. ومعناه ان الله موجود بلا مكان‚ قال الحافظ البيهقي: ومن لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان.


6ـ ما معنى قوله تعالى: ( وهو معكم أينما كنتم)؟

ج: معناه الإحاطة بالعلم‚ قاله سفيان الثوري والشافعي واحمد ومالك وغيرهم.
قال تعالى: ( وان الله قد أحاط بكل شيء علما) سورة الطلاق ءاية 12.
الحديث اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وانما تدعون سميعا قريبا" رواه البخاري‚ معناه لا يخفى على الله شيء.

7ـ ما اعظم الذنوب؟

ج: اعظم الذنوب الكفر ومن الكفر الشرك‚ والشرك معناه عبادة غير الله‚ قال تعالى حكاية عن لقمان: ( يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم) سورة لقمان ءاية 13.
الحديث: سئل النبي عليه السلام أي الذنوب اعظم قال: ان تجعل لله ندا وهو خلقك" رواه البخاري.

8ـ ما معنى العبادة؟
ج: العبادة غاية الخشوع والخضوع كما قالها السبكي‚ قال تعالى: ( لا اله الا أنا فاعبدون ) سورة الأنبياء ءاية 25 الحديث: حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" رواه الشيخان.

9ـ هل يأتي الدعاء بمعنى العبادة؟
ج: نعم. قال تعالى: ( قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ) سورة الجن ءاية 20 معناه اعبد.
وقال تعالى ( فلا تدعو مع الله أحدا ) سورة الجن ءاية 18.
الحديث: الدعاء هو العبادة" رواه البخاري.


10ـ هل يأتي الدعاء بغير معنى العبادة؟
ج: نعم. قال تعالى: ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) سورة النور ءاية 63.

11ـ ما حكم نداء نبي أو ولي ولو كان غائبا أو طلب شيء منه لم تجر به العادة؟

ج: يجوز ذلك لان مجرد ذلك لا يعد عبادة لغير الله وليس مجرد قول يا جيلاني إشراكا بالله‚ وقد ثبت ان بلال بن الحارث أتى قبر الرسول عام الرمادة أيام عمر فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا" رواه البيهقي وغيره‚ فلم ينكر عليه عمر ولا غيره بل استحسنوا فعله. قال تعالى: ( ولو انهم اذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) سورة النساء ءاية 64 والحديث: قول ابن عمر: يا محمد‚ لما خدرت رجله" رواه البخاري في الأدب المفرد.


12ـ بين معنى الاستغاثة والاستعانة مع الدليل:

ج: الاستغاثة هي طلب الغوث عند الضيق والاستعانة اعم واشمل. قال تعالى: ( واستعينوا بالصبر والصلاة) سورة البقرة ءاية 45.
الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدنو الشمس من رؤوس الناس يوم القيامة فبينما هم كذلك إذ استغاثوا بادم " رواه البخاري وفي هذا دليل على ان الاستعانة بغير الله جائزة لكن مع اعتقاد انه لا ضار ولا نافع على الحقيقة الا الله.

13ـ تكلم عن التوسل بالأنبياء :

ج: يجوز التوسل بهم بالإجماع‚ والتوسل هو طلب جلب منفعة أو اندفاع مضرة بذكر اسم نبي أو ولي
إكراما للمتوسل به مع اعتقاد ان الله هو الضار والنافع على الحقيقة.
قال تعالى: ( وابتغوا إليه الوسيلة) سورة المائدة ءاية 35.
الحديث: الرسول علم الأعمى ان يتوسل به ففعل الأعمى فرد الله بصره إليه ." رواه الطبراني وصححه.

14ـ تكلم عن التوسل بالأولياء:

ج: يجوز التوسل بهم ولا يعرف في ذلك مخالف من اهل الحق سلفا وخلفا. الحديث: ما رواه البخاري ان عمر توسل بالعباس قائلا: اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيسقون".

15ـ بين معنى حديث الجارية:

ج: قال النووي في شرحه على الحديث: قول أين الله سؤال عن المكانة لا عن المكان‚ معناه ما اعتقادك من التعظيم في الله‚ وقولها في السماء‚ أي رفيع القدر جدا‚ ولا يجوز اعتقاد ان الرسول سألها عن المكان ولا اعتقاد أنها قصدت ان الله ساكن السماء‚ قال الإمام علي: ولا يقال اين لمن اين الاين‚ في كتاب الرسالة القشيرية‚ وقال أبو حنيفة في كتاب الفقه الابسط: كان قبل المكان‚ كان ولم يكن اين ولا خلق وهو خالق كل شيء. قال تعالى: ( ليس كمثله شيء) سورة الشورى ءاية 11. الحديث: كان الله ولم يكن شيء غيره" رواه البخاري.


16ـ حكم ساب الله انه كافر‚ بين ذلك مع الدليل:

ج: نقل القاضي عياض الإجماع على ان ساب الله كافر ولو كان غاضبا أو مازحا أو غير منشرح الصدر. قال تعالى: ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل ابالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) سورة التوبة ءاية 65ـ 66.
الحديث: ان العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها في النار سبعين خريفا" رواه الترمذي.

17ـ ما الدليل على جواز زيارة القبور للرجال والنساء؟

ج: الحديث: زوروا القبور فإنها تذكركم بالاخرة" رواه البيهقي.


18 ـ كيف يكون الدخول في الإسلام؟

ج: بالنطق بالشهادتين بنية الدخول في الإسلام‚ وليس بقول استغفر الله‚ أما قول الله تعالى إخبارا عن نوح انه قال لقومه: ( فقلت استغفروا ربكم) سورة نوح ءاية10 فمعناه ان نوحا طلب من قومه ان يدخلوا في الاسلام بالإيمان بالله وبنبيه نوح ليغفر لهم.
الحديث: أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله واني رسول الله: متفق عليه.


19ـ بين حكم مدح رسول الله عليه السلام:

ج: جائز بالإجماع‚ قال تعالى: ( وانك لعلى خلق عظيم) سورة القلم ءاية 4. قال تعالى: ( وعزروه ونصروه) سورة الأعراف ءاية 157.
ومعنى عزروه اثنوا عليه ومدحوه وعظموه.
الحديث ان بعض النساء مدحن النبي عليه السلام بقولهن أمام النبي: يا حبذا محمد من جار. رواه الطبراني.
وثبت مدح اكثر من صحابي له كحسان بن ثابت والرسول لم ينكر ذلك بل استحسنه.

20ـ تكلم عن عذاب القبر:

ج: يجب الإيمان بعذاب القبر وهو ثابت بالإجماع ومن أنكره كفر. قال تعالى: ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا ءال فرعون اشد العذاب) سورة غافر ءاية 46 .
الحديث: استعيذوا بالله من عذاب القبر" رواه البخاري.

21ـ ما هو أول المخلوقات؟

ج: أول المخلوقات الماء.
قال تعالى: ( وجعلنا من الماء كل شيء حي) سورة الأنبياء ءاية 30.
الحديث : كل شيء خلق من الماء" رواه ابن حبان.


22ـ تكلم عن أنواع البدع وما الدليل على وجود بدعة حسنة؟

ج: البدعة لغة هي كل ما احدث على غير مثال سابق له‚ أما من حيث الشرع فتنقسم الى بدعة هدى وبدعة ضلالة.
قال تعالى: ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله) سورة الحديد ءاية 27

الله مدح فعل اتباع عيسى المسلمين من انقطاعهم عن الشهوات مما لم يفرض عليهم وذلك ابتغاء رضوان الله.
الحديث: من سن في الاسلام سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها من بعده" رواه مسلم.
وقد احدث الصحابة ومن بعدهم كثيرا من الأمور الحسنة في الدين وتلقتها الأمة بالقبول.


23ـ تكلم عن العمل بالسحر؟

ج: العمل بالسحر حرام.
قال تعالى: ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) سورة البقرة ءاية 102.
الحديث: اجتنبوا السبع الموبقات قيل وما هي يا رسول الله؟ قال الشرك بالله والسحر.." الحديث رواه مسلم.


24ـ ما الدليل على ان من رمى ورقة فيها اسم الله في القاذورات بقصد الاستخفاف يكفر؟

ج: لا يجوز رمي ورقة فيها اسم الله في المستقذر والذي يفعل ذلك استخفافا يكفر. قال تعالى: ( قل ابالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) سورة التوبة ءاية 65ـ 66.
قال ابن عابدين: يكفر من رمى المصحف في القاذورات ولو لم يقصد الاستخفاف لأن فعله يدل على الاستخفاف.


25ـ ما حكم النذر؟
ج: يجوز النذر فيما هو قربة الى الله ويجب الوفاء به.
أما ما هو محرم فلا يجوز ولا يجب الوفاء به.
قال تعالى: ( يوفون بالنذر) سورة الإنسان ءاية 7.
الحديث: من نذر ان يطيع الله فليطعه ومن نذر ان يعصيه فلا يعصه" رواه البخاري.


26ـ ما الدليل على ان صوت المرأة ليس عورة؟

ج: قال تعالى: ( وقلن قولا معروفا ) سورة الأحزاب ءاية32.
الحديث: قال الأحنف بن قيس: سمعت الحديث من في أبى بكر وعمر وعثمان وعلي فما سمعته كما سمعته من في عائشة" رواه الحاكم في المستدرك.

27ـ تكلم عن صفة الكلام لله تعالى:

ج: الله يتكلم لا ككلامنا كلامه ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة.
قال تعالى: ( وكلم الله موسى تكليما) سورة النساء ءاية 164.
قال الإمام أبو حنيفة: ويتكلم لا ككلامنا نحن نتكلم بالالات والحروف والمخارج والله متكلم بلا ءالة ولا مخارج. كتاب الفقه الابسط.


28ـ ما معنى قوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى)؟

ج: قال الإمام مالك: استوى كما وصف نفسه ولا يقال عنه كيف وكيف عنه مرفوع‚ والكيف صفة المخلوق ومن صفة المخلوق الجلوس والاستقرار والمكان‚ وقال القشيري: استوى أي حفظ وقهر وابقى ولا يجوز اعتقاد انه جالس على العرش لأن هذه عقيدة اليهود وفيها تكذيب لقوله تعالى:
( فلا تضربوا لله الأمثال ) سورة النحل ءاية 74. قال تعالى: ( وبرزوا لله الواحد القهار) سورة ابراهيم ءاية48.

الحديث: قال الإمام علي: ان الله خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا لذاته" رواه أبو منصور البغدادي.


29ـ تكلم عن القدر:

ج: كل شيء يحصل في هذه الدنيا من خير أو شر من طاعة أو معصية من إيمان أو كفر بتقدير الله ومشيئته وعلمه‚ الخير والإيمان والطاعة بتقديره ومحبته ورضاه‚ أما الشر والمعصية والكفر فبتقدير الله وليس بمحبته ورضاه‚ ولا يوصف تقدير الله الذي هو صفته بالشر.
قال تعالى: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر) سورة القمر ءاية 49.
الحديث : كل شيء بقدر حتى العجز والكيس" رواه مسلم.


30ـ ما الدليل على ان مصافحة المرأة الأجنبية حرام؟

ج: الحديث: قال عليه الصلاة والسلام: لأن يطعن أحدكم بحديدة في رأسه خير له من ان يمس امرأة لا تحل له"
وقال عليه الصلاة والسلام: وزنى اليدين البطش" رواه البخاري ومسلم.


31ـ تكلم عن قراءة القرءان على الميت:

ج: جائزة. قال تعالى: ( وافعلوا الخير) سورة الحج ءاية 77.
الحديث: قال عليه الصلاة والسلام : اقرءوا على موتاكم يس" رواه ابن حبان وصححه.
واجماع اهل الحق على جوازه ونفعه.
قال الشافعي: لو قرءوا عند قبره شيئا من القرءان كان حسنا ولو قرءوا القرءان كله كان احسن" نقله النووي في رياض الصالحين.

32ـ ما الدليل على جواز انتفاع الميت بالصدقة؟

ج: الحديث: إذا مات ابن ءادم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له" رواه مسلم‚
معناه ان هذا مما ينتفع به المسلم مما يكون هو سببا فيه.
وكذلك قوله تعالى: ( وان ليس للإنسان الا ما سعى) سورة النجم ءاية 39. أي ما يكون من فعله من الخير انتفع به وما كان من إحسان غيره اليه ولم يكن من فعله انتفع به بفضل الله عليه وذلك كصلاة الجنازة ليست من فعل الميت وينتفع بها وكدعاء الرسول لغيره ليس من فعل هذا الغير وينتفع به كقوله صلى الله عليه وسلم في دعائه لابن عباس: اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" رواه البخاري.


33ـ ما الدليل على انه يجوز قيام رمضان بأكثر من إحدى عشرة ركعة؟

ج: قال تعالى: ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) سورة الحج ءاية 77.
الحديث : قال عليه الصلاة والسلام: صلاة الليل مثنى مثنى" رواه البخاري. وروى مسلم : الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر".


34ـ ما الدليل على جواز استعمال الدف؟

ج: الحديث: ان امرأة قالت للرسول اني نذرت ان ردك الله سالما ان ا ضرب بالدف بين يديك‚ قال ان كنت نذرت فأوفي بنذرك" رواه أبو داود.

35ـ من هو أول الأنبياء؟

ج: أول الأنبياء ءادم عليه السلام. قال تعالى: ( ان الله اصطفى ءادم) سورة ءال عمران ءاية 33.
الحديث: قال عليه الصلاة والسلام: ءادم فمن سواه من الأنبياء تحت لوائي يوم القيامة" رواه الترمذي.


36ـ ماذا يجب للأنبياء وماذا يستحيل عليهم؟

ج: يجب ان يكونوا متصفين بالصدق والأمانة والفطانة والعفة والشجاعة والفصاحة ويستحيل عليهم الكذب والخيانة والرذالة والزنى وسائر الكبائر والكفر قبل النبوة وبعدها‚ قال تعالى: ( وكلا فضلنا على العالمين). سورة الانعام ءاية 86.
الحديث: ما بعث الله نبيا الا حسن الوجه حسن الصوت" رواه الترمذي.


37ـ ما معنى قوله تعالى: ( لم يلد ولم يولد)؟

ج: معناه نفي المادية والانحلال عن الله. فالله لا يحل في شيء ولا ينحل منه شيء ولا يحل فيه شيء.
قال الإمام جعفر الصادق: من زعم ان الله في شيء أو من شي أو على شيء فقد أشرك" رواه أبو القاسم القشيري في الرسالة القشيرية.

38ـ ما الدليل على جواز الصلاة على النبي بعد الأذان؟

ج: يجوز الصلاة على النبي بعد الأذان ولا يلتفت الى من حرم ذلك. قال تعالى: ( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) سورة الأحزاب ءاية 56.
الحديث: إذا سمعتم المؤذن فقولوا كما يقول ثم صلوا علي" رواه مسلم. والحديث: من ذكرني فليصل علي" رواه الحافظ السخاوي.


39ـ ما هي الردة والى كم قسم تنقسم؟

ج: الردة هي قطع الإسلام وتنقسم الى ثلاثة أقسام : الردة القولية : كمسبة الله ولو في حالة الغضب.
الردة الفعلية: كإلقاء المصحف في القاذورات وكالدوس على المصحف.
الردة القلبية: كاعتقاد ان الله جسم أو روح أو انه جالس على العرش أو انه يسكن السماء أو في كل مكان بذاته
قال تعالى: ( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم ) سورة التوبة ءاية 74.
وقال تعالى: ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر) سورة فصلت ءاية 37.
الحديث: قال عليه الصلاة والسلام: ان العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يهوي بها ابعد مما بين المشرق والمغرب" رواه البخاري ومسلم.


40ـ ما الدليل على جواز الاحتفال بالمولد الشريف؟

ج: قال تعالى: ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) سورة الحج ءاية 77.
الحديث: قال عليه الصلاة والسلام: من سن في الاسلام سنة حسنة فله اجرها" رواه مسلم.


41ـ ما المراد بقول الرسول: إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله؟

ج: هذا معناه انه من باب الأولى ان يسأل هو الله وان يستعان به هو الله وليس معناه لا تسأل غير الله ولا تستعن بغير الله‚ وهذا كحديث ابن حبان: لا تصاحب الا مؤمنا ولا يأكل طعامك الا تقي" أي الأولى بالإطعام التقي وبالصحبة المؤمن وليس معنى ذلك انه حرام إطعام غير المؤمن أو صحبته وقد مدح الله تعالى في القرءان المسلمين بقوله تعالى: ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسير ) سورة الإنسان ءاية 8.
والأسير هنا المراد به الكافر.
وقد ورد في صحيح البخاري ومسلم ان ثلاثة نفر سألوا الله بصالح أعمالهم .



42ـ ما الدليل على جواز زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام؟

ج: تسن زيارة قبر النبي بالإجماع نقل ذلك القاضي عياض والنووي. قال تعالى: ( ولو انهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) سورة النساء ءاية 64.


الحديث: من زار قبري وجبت له شفاعتي" رواه الدارقطني وقواه الحافظ السبكي. واما حديث لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد" معناه من أراد السفر لأجل الصلاة في مسجد ينبغي ان يسافر لهؤلاء المساجد الثلاثة لأن الصلاة فيها تتضاعف‚ ويحمل هذا على الندب لا على الوجوب.
فالحديث مخصوص بالسفر لأجل الصلاة وليس فيه انه لا يجوز زيارة قبر النبي عليه السلام.



43ـ ما الدليل على جواز التبرك؟

ج: التبرك بالنبي وءاثاره جائزة. قال تعالى حكاية عن يوسف: ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا) سورة يوسف ءاية 93.
الحديث: الرسول قسم شعره ووزعه بين الناس ليتبركوا به" رواه الشيخان.


44ـما الدليل على جواز لبس الحرز الذي ليس فيه قرءان ونحو ذلك وليس الذي فيه طلاسم محرمة؟

ج: قال تعالى: ( وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) سورة الاسراء ءاية 82.
الحديث: قال عبد الله بن عمرو: كنا نعلم صبياننا الايات من القرءان ومن لم يبلغ نكتبها على ورقة ونعلقها على صدره" رواه الترمذي.


45ـ تكلم عن ذكر الله في الجنائز؟

ج: جائز بلا خلاف. قال تعالى: ( يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) سورة الأحزاب ءاية 41‚ وقال تعالى: ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) سورة ءال عمران ءاية 191.
الحديث: كان رسول الله يذكر الله على جميع أحواله " رواه مسلم.


46ـ تكلم عن التأويل:

ج: التأويل هو اخراج النص عن ظاهره وهو جائز في الايات والاحاديث التي يوهم ظاهرها ان الله له يد جارحة أو وجه جارحة أو انه يجلس على العرش أو يسكن في جهة أو انه يوصف بصفة من صفات الخلق. قال تعالى: ( وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم) سورة ءال عمران ءاية 7.
الحديث: الدعاء لابن عباس: اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" رواه البخاري وابن ماجه والحافظ ابن الجوزي.



47ـ ما الدليل على ان الإيمان شرط لقبول الأعمال الصالحة؟


ج: قال تعالى: ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) سورة النساء ءاية 124.
الحديث: افضل الأعمال إيمان بالله ورسوله" رواه البخاري.


48ـ ما معنى قوله تعالى: ( كل شيء هالك الا وجهه) سورة القصص ءاية88 ؟


ج: قال الإمام البخاري معنى: الا وجهه أي إلا ملكه‚ وقال الإمام سفيان الثوري: الا وجهه أي إلا ما أريد به وجه الله‚ أي الأعمال الصالحة‚ كما في صحيح البخاري.


49ـ ما معنى قوله تعالى: ( أأمنتم من في السماء ان يخسف بكم الأرض ) سورة الملك ءاية 16؟

ج: قال المفسر الفخر الرازي في تفسيره وأبو حيان الأندلسي في كتابه البحر المحيط: المراد بمن في السماء الملائكة‚ وليس المراد ان الله ساكن في السماء.


50ـ ما معنى قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون ) سورة الذاريات ءاية 47؟


ج: قال ابن عباس: بأيد أي بقوة وليس المقصود باليد هنا اليد الجارحة التي لنا فإن الله منزه عن ذلك.



وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين


لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...