بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 يوليو 2020

قوله تعالى ( أأمنتم من في السماء )

نقول أأمنتم من في السماء لا يُحمل على الظاهر المتبادر إلى الأذهان الذي يوهم أن الله يسكن السماء لأن الله خالق السماء، ولأن الذي يكون في السماء لابد أن يكون محصوراً، والذي يكون محصوراً لا بد أن يكون له حجم والذي له حجم لا بد أن يكون بحاجة لمن جعله في هذا الحجم الذي هو عليه دون غيره من الأحجام، والذي يحتاج إلى غيره لا يكون إلهاً.

إذاً ما معنى (ءأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)؟

هذه الآية يجوز أن تُفسّر بالملائكة (ءأمنتم من في السماء) أي الملائكة، أي المقصود هنا جبريل (أن يخسف بكم الأرض) هو يخسف بأمر الله بكم الأرض، هذه الآية هكذا يجوز أن تُفسّر بهذا المعنى ومن أراد أن لا يدخل في تفاصيلها بهذا وقال ءأمنتم من في السماء أي الذي هو رفيع القدر جدا فذلك يجوز أيضا ولا بأس به، وتفسير هذه الآية يوافق ما جاء في الحديث الذي رواه الحافظ العراقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إرحموا من في الأرض يرحمكم أهل السماء" فلا يجوز أن يُقال عن الله أهل السماء.

قال القرطبي : ( قال المحققون: أأمنتم من فوق السماء كقول: { فسيحوا في الأرض } أي فوقها لا بالمماسة والتحيز لكن بالقهر والتدبير . وقيل : معناه أأمنتم من على السماء كقوله تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } أي عليها . ومعناه أنه مديرها ومالكها كما يقال : فلان على العراق والحجاز أي وإليها وأميرها ) الجامع لأحكام القرآن .
الشربيني الخطيب : يذكر أن هنالك عدة وجوه تأويل لقول الله ( من في السماء ) ، منها أنها تعني : الذي في السماء سلطانه وسيادته ، لأن السماء هي حيث تقطن الملائكة وتسكن وهناك عرشه أعظم المخلوقات وكرسيه واللوح المحفوظ الذي منه تتنزل أحكامه وقضاءه وكتبه وأوامره ونواهيه . ويذكر كذلك تأويلا آخر وهو أن ( من في السماء) حذف منها إضافة وتقديرها : أأمنتم من خالق الذي في السماء ، ويقصد الملائكة الذين يقطنون السماء لأنهم هم المأمورون بإيقاع الرحمة الإلهية إرادته سبحانه الخير أو الغضب والانتقام الإلهي إرادته سبحانه الشر . ( راجع السراج المنير طـ دار المعارف بيروت المجلد الرابع ) .

قال فخر الدين الرازي : يذكر أن ( من في السماء ) تعني الملك الموكل بايقاع العذاب والعقاب – جبريل عليه السلام – وقوله ( يخسف بكم الأرض ) يعني بأمر الله وإذنه . (تفسير الفحر الرازي ط دارالفكر بيروت 1985)

قال أبو حيان : يذكرأن سياق هذه الكلمات قد يكون وفق معتقدات المخاطبين بهذا الوعيد المشركين لأنهم كانوا مجسمة يجسمون الله ويتصورنه جسما كما يجسمون بقية آلهتم في شكل أوثان وأصنام وتماثيل ، فخاطبهم وفق معتقدهم لا موافقة لهم وإقرارا بل تنبيها على خطئه وزيفه ، وعلى هذا يكون المعنى : أأمنتم ممن تزعمون وتعتقدون كونه في السماء ؟ بينما هو أعلى وأرفع من سائر المكان والزمان . (تفسير النهر المدد من البحر المحيط ط دار الجنان ومؤسسة الكتب الثقافية 1987 بيروت)

القاضي عياض : ينقل الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم في شرح حديث الجارية بعد أن بَيَّن موقف السلف من أحاديث الصفات – وهو الموقف الذي أوردته أعلاه – كلامَ القاضي عياض في ذلك :

قال القاضي عياض لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدِّثهم ومتكلِّمهم ونظَّارهم ومقلِّدهم أنَّ الظَّواهر الواردة بذكر الله في السَّماء كقوله تعالى : (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) ونحوه ليست على ظاهرها بل متأوّلة عند جميعهم ، فمن قال بإثبات جهة فوق ، من غير تحديد ولا تكييف من المحدِّثين والفقهاء والمتكلِّمين تأوَّل في السَّماء أي : على السَّماء . ومن قال من دهماء النظَّار والمتكلِّمين وأصحاب التَّنزيه بنفي الحدِّ واستحالة الجهة في حقِّه سبحانه ، تأوَّلوها تأويلات بحسب مقتضاها ، وذكر نحو ما سبق – أي ما سبق للنووي إيراده من مواقف العلماء من أحاديث الصفات – قال : أي القاضي عياض (ويا ليت شعري ما الَّذي جمع أهل السُّنَّة والحقُّ كلّهم على وجوب الإمساك عن الفكر في الذَّات ، كما أمروا وسكتوا لحيرة العقل ، واتَّفقوا على تحريم التَّكييف والتَّشكيل ، وأنَّ ذلك من وقوفهم وإمساكهم غير شاكٍّ في الوجود والموجود ، وغير قادح في التَّوحيد بل هو حقيقته ، ثمَّ تسامح بعضهم بإثبات الجهة خاشياً من مثل هذا التَّسامح ، وهل بين التَّكييف وإثبات الجهات فرق ؟. لكن إطلاق ما أطلقه الشَّرع من أنَّه القاهر فوق عباده ، وأنَّه استوى على العرش مع التَّمسُّك بالآية الجامعة للتَّنزيه الكلِّي ، الَّذي لا يصحُّ في المعقول غيره ، وهو قوله تعالى : (ليس كمثله شيء ) عصمة لمن وفَّقه اللَّه ، وهذا كلام القاضي رحمه اللَّه ) . انتهى من شرح النووي على مسلم

الجمعة، 24 يوليو 2020

شرح حديث: الدعاء مخ العبادة

شرح حديث: الدعاء مخ العبادة
=================

بسم الله الرحمن الرحيم

العبادةُ نهايةُ التّذلل. وهذا هو المرادُ في نحوِ قولِ الله تعالى
{إيّاكَ نعبُد} وكذلك هو المرادُ في قولِ الله تعالى حكاية عن المشرِكين {ما نَعبدُهم إلا ليقَرِّبُونَا الى الله زُلفى} لأنّ هؤلاء كانُوا يَتذلَّلُونَ غايةَ التَّذلل لأوثانهم وهَذِه هي العِبادَةُ التي هي شِرْكٌ. وقَد تُطلَقُ العِبادَةُ بمعنى القُربة منَ القُرَبِ كالصلاة والذِّكر وذلك كحديث
[الدّعاءُ مُخُّ العِبادة]
المعنى أنّ الدعاءَ أي الرَّغبَةَ إلى الله في طَلبِ حَاجةٍ أو دَفعِ شّرّ مِن أعظَم ما يُقرّبُ إلى الله. وليسَ معنى هذا الحديثِ ما تَدّعِيه المجسمة مِن أنّ التّوسُّلَ بالرسولِ والولي مِن عبادة غيرِالله التي هي شِركٌ. هم يحتَجُّونَ بهذا الحديث [الدُّعاءُ مخُّ العِبادة] لتحريمِ قولِ المسلم يا رسولَ الله أغثني أو اللهم أسألك بجاهِ رسول الله كذا وكذا يقولونَ هذا كقول المشركين {ما نَعبُدُهم إلا ليُقَرِّبُونَا إلى الله زُلفَى} وكذبُوا فإنّ أولئكَ كانُوا يتَذلَّلون للأوثانِ غايةَ التّذلل ويقولونَ نحنُ نَعبُدُ هؤلاءِ أي نَخضَعُ لهم ونَتذَلَّلُ غايةَ التّذلل ليُقرِّبُونا الى الله وفَرقٌ كَبيرٌ بينَهُم وبينَ المسلم الذي لا يتذَلَّل غايةَ التّذلُّلِ إلا لله ويَستغيث بالأنبياء والأولياء ليَقضيَ الله حاجَاتِه أو يدفَع عنه الكَربَ لأنّ هؤلاء ما تذَلَّلُوا غايةَ التّذلل للأنبياء والأولياء إنما يتَشفّعُون بهم إلى الله ولو عَرفَتِ المجسمة معنى العبادةِ في لغة العرب لما قالوا ذلكَ لكنّهم جاهلون لأنَّ زعيمهم محمد بن عبد الوهاب لم يكن عالما فقيها ولا محدثا ولا مفسّرًا بل كانَ أبوه غاضِبًا عليه لأنّه لم يشتَغِل بالعلم كعَادة أسلافِه لأنّ أباه وجدَّه كانا عالِمَين بالمذهب الحنبلي ولا يشهد لهُ أحد من علماء الحنابلةِ في عصره بالعِلم ولا أدخَلَه أحدٌ في طَبقاتِ فقهاءِ الحنابلةِ وقد ألّفَ العالم الجليلُ الحنبلي محمد ابن حُمَيد مُفتي الحنابلة بمكة المكرّمة كتابًا في طبقات الحنابلة من رجال ونساء جمَع ثمانمائة عالم وعالمة في كتابٍ سماه (السُّحُب الوابِلة على ضرَائح الحنابلة) وذكرَ فيه أباه عبد الوهاب وأخاه الشيخ سليمان بن عبد الوهّاب وكانت وفاة الشيخ محمد بن حميد بعد ابن عبد الوهاب بنحو ثمانين سنة. وأما وصفُ بعضِ أتباعِه له بالعالِمية فلا اعتدادَ به. هذا وإني لأعجَبُ من هؤلاءِ الذين يكفرون المسلمين لمجرد التّمسُّح بقبر وليّ أو قولهِم يا رسولَ الله المدَدَ، فإذا كانَ الرسولُ لم يكفِّر معاذًا حينَ سجَدَ له والسجودُ مِن أعْظَمِ مَظاهِرالتعظيم فكيفَ يكونُ ذلكَ كُفرًا عندَهم.


لـيـعلم أن التوسل والتوجه والتشفع وكذا الاستفتاح والاستغاثة متقاربة في المعنى متحدة في الاستعمال، ومعنى ذلك طلب حصول منفعة أو اندفاع مضرّة من الله بذكر اسم نبي أو ولي إكرامًا للمتوَسَل به

فالله تبارك وتعالى جعلَ أمورَ الدنيا على الأسباب والمسببات مع أنه قادر على أن يُعطيَنا الثواب من غير أن نقوم بالأعمال
قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة}
وقال تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة}
أي كل شىء يُقربكم إليه اطلبوه يعني هذه الأسباب، اعملوا الأسباب فنحقق لكم المسببات نحقق لكم مطالبكم بهذه الأسباب وهو قادر على تحقيقها بدون هذه المسببات. واللجوء الى انبياء الله واولياء الله من المسببات التي نلجأ اليها وبما انهم أفضل منا عند الله ، ندعوا الله بجاههم لعل دعاءهم يستجاب فاتخذناهم كأسباب في حياتها فالله خالق المسببات والاسباب ، فلنا اللجوء اليهم


الأربعاء، 22 يوليو 2020

التجسيم والتشبيه في كتب غلاة الحنابلة:

التجسيم والتشبيه في كتب غلاة الحنابلة:

- عبد المغيث الحربي الحنبلي ضال مضل قال عن حديث مزعوم يبنسب فيه الاستلقاء إلى الله والعياذ بالله إنه صحيح !! وفيه أن الله لما انتهى من الخلق (استلقى ووضع رجلاً على رجل)(1) وهذا تشبيه واضح.

- أما الأهوازي الحنبلي فقد ألف كتابًا طويلاً يزعم انه في الصفات أورد فيه أحاديث باطلة ومنها حديث عرق الخيل وهو كفر ونصه: (إن الله لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل فأجراها حتى عرقت ثم خلق نفسه من ذلك العرق)(2) تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

-ورووا أن المقام المحمود للنبي صلى الله عليه وسلم هو (قعوده صلى الله عليه وسلم مع ربه على العرش) واعتبروا من رد هذا جهميًا أو زنديقًا!! وأنه لا يؤمن بيوم الحساب.(3)

ولم يكن البربـهاري إمام مجسمة الحنابلة في عصره يجلس مجلسًا إلا ويذكر فيه أن الله يقعد النبي صلى الله عليه وسلم معه على العرش.(4)

وفي كتابـهم المسمى "كتاب السنة" (ص75) يقولون ما نصه: "والله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه"، وفى (ص76) يقولون ما نصّه عن الله تعالى: "إنه يتحرك" اهـ

ابن تيمية مجدد التجسيم

* قال ابن بطوطة في رحلته ص/90: ( وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية كبير الشام، يتكلم في الفنون، إلا أن في عقله شيئًا،.... وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جـملة كلامه أن قال: إن الله ينـزل إلى سماء الدنيا كنـزولي هذا ! ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضربًا كثيرًا حتى سقطت عمامته !).

بل وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة ج1/154: فذكروا أنه (ابن تيمية) ذكر حديث النـزول، فنـزل عن المنبر درجتين، فقال: كنـزولي هذا، فنُسب إلى التجسيم.اهـ

*ويقول ابن تيمية في مجموعه ج 4/374: إن محمدا رسول الله يجلسه ربه على العرش معه.اهـ ويقول في كتابه تلبيس الجهمية ج1/573: "إن الله على العرش والملائكة حملة العرش تشعر بثقل الجبــار"اهـ

وهذا ابن القيم تلميذ ابن تيمية يقول" إن الله يقعد على العرش ويقعد معه محمدا " ذكر ذلك في كتاب "بدائع الفوائد "ج4/40.

*وقد نقل أبو حيان الأندلسي في النهر الماد، في تفسير ءاية الكرسي، ما نصه: وقرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرنا وهو بخطه سماه كتاب العرش: إن الله تعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكانا يقعد فيه معه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحيل عليه التاج محمد بن علي بن عبد الحق البارنباري وكان أظهر أنه داعية لـه حتى أخذه منه وقرأنا ذلك فيه.اهـ

وقال ابن تيمية في كتابه بيان تلبيس الجهمية (1/568) نقلا عن أحد الـمجسمة موافقا له: (ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم)!! .

وقال في كتابه المسمى بمنهاج السنة ج1/210 ما نصه: فإنا نقول إنه يتحرك وتقوم به الحوادث والأعراض فما الدليل على بطلان قولنا؟اهـ

وقال في كتابه موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول (2/29) نقلا عن أحد الـمجسمة موافقًا له، ما نصه: والله تعالى لـه حد لا يعلمه أحد غيره ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه ولكن يؤمن بالحد ويكل علم ذلك إلى الله تعالى، ولمكانه أيضا حد وهو على عرشه فوق سمواته فهذان حدان اثنان.اهـ

ويقول ابن تيمية أيضًا في كتابه موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول،(2/29-30) نقلا عن أحد الـمجسمة موافقًا له:"وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدوه بذلك" اهـ.

وقال ابن تيمية في كتابه تلبيس الجهميةج1/427 ما نصه: فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد ومن لم يعترف به فقد كفر بتنـزيل الله وجحد ءايات الله.اهـ نقله عن أحد الـمجسمة وأقره عليه.

وقال ابن تيمية في كتابه الذي سماه بـ "التأسيس في رد أساس التقديس"ج1/100 ما نصه: "ولم يذم أحد من السلف أحدًا بأنه مجسم، ولا ذم الـمجسمة"اهـ

وقال أيضا في نفس الكتاب ج1/101 ما نصه: "وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من السلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجسامًا ولا أعراضًا؟! فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل، جهل وضلال" اهـ

وقال أيضا في نفس الكتاب ج1/109 ما نصه: "وإذا كان كذلك فاسم المشبهة ليس له ذكر بذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين" اهـ

وقال في نفس الكتاب ج1/111 مُثبتًا الجهة لله تعالى مع التصريح والعياذ بالله ما نصه: "والباري سبحانه وتعالى فوق العالم فوقية حقيقية وليست فوقية الرتبة" اهـ

وفي كتاب بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية طبع في السعودية مجمع الملك فهد صحيفة رقم 358 يقول ابن تيمية: فقوله فإذا أنا بربي في أحسن صورة صريح بأن الذي كان في أحسن صورة هو ربه اهـ

فانظر إلى تشبيهه الصريح بوصف الله بالصورة ومعلوم عند أهل الحق أن هذا معناه أن النبي كان في أحسن صورة.

وفي صحيفة 365 من نفس الكتاب يقول: إن النبي يذكر أنه رأى ربه في صورة شاب موفر رجلاه في خضر عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب.اهـ
ثم قال في صحيفة 375 ما نصه: فإن قول القائل وضع يديه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله على صدري أو بين ثديي صريح في وضع اليد التي هي اليد لا تحتمل النعمة بوجه من الوجوه.اهـ

ثم قال في صحيفة 407 ما يظهر عقيدته في تجسيم الله والعياذ بالله حيث يقول ما نصه: الثاني قد قدمنا أن جميع ما يذكر من هذه الأدلة التي تنفي الجسم على اصطلاحهم فإنـها أدلة باطلة.اهـ

وقال في ص 543: بل نقول إن كل موجود قائم بنفسه فإنه كذلك، وأن ما لا يكون كذلك فلا يكون إلا عرضا قائما بغيره، وأنه لا يعقل موجود إلا ما يشار إليه أو ما يقوم بما يشار إليه.اهـ

(1) سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/160
(2) سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/17
(3) طبقات الحنابلة: 2/10
(4) طبقات الحنابلة: 2/43

بيان أن الله منزه عن الجهة والجلوس والاستقرار على العرش بالأدلة من القرءان والحديث والعقل وأقوال الأئمة

أما ما يدل على ذلك من القرءان الكريم قول الله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }[سورة الشورى] أي أن الله تعالى لا يشبه شيئا من خلقه 

بوجه من الوجوه ، ففي هذه الآية نفي المشابهة والمماثلة ، فلا يحتاج إلى عرش ولا إلى مكان يحل فيه ولا إلى جهة يتحيز فيها .


وقول الله تعالى : { وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ}[سورة النحل] أي لله الوصف الذي لا يشبه وصف غيره ، فلا يوصف ربنا عز وجل بصفات المخلوقين من التغير والتطور والحلول في الأماكن والسكنى فوق العرش ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .


وقال الله تعالى : { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ }[سورة النحل ] أي لا تجعلوا لله الشبيه والمثيل فإن الله تعالى لا شبيه له ولا مثيل له ، فلا ذاته يشبه الذوات ولا صفاته تشبه الصفات .


وأما الحديث فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( كان الله ولم يكن شئ غيره )) رواه البخاري (1) وغيره ، فهذا الحديث دليل على أنه لم يكن في الأزل مكان ، فهو سبحانه وتعالى موجود قبل المكان وبعد خلق المكان بلا مكان ولا جهة .


وقال سيدنا علي رضي الله عنه : (( إن الله تعالى خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا لذاته ))، وقال أيضا : 

(( قد كان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان )) ، أي موجود بلا مكان (1) . 


وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي (478 هـ) ما نصه (2) : (( ومذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات )) ا هـ.


وقال الأستاذ عبد القاهر التميمي (429 هـ) في كتابه (( الفرق بين الفرق )) ما نصه (3) : ((وأجمعوا على أنه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان )) ا هـ .


ونقل الشيخ تاج الدين السبكي الشافعي الأشعري ( 771 هـ ) عن الإمام فخر الدين بن عساكر (ت 620 هـ ) أنه قال :

(( إن الله تعالى موجود قبل الخلق ، ليس له قبل ولا بعد ولا فوق ولا تحت ، ولا يمين ولا شمال ، ولا أمام ولا خلف )) ا هـ،

ثم قال تاج الدين السبكي بعد أن ذكر هذه العقيدة ما نصه (4) : (( هذا ءاخر العقيدة وليس فيها ما ينكره سني )) ا هـ .


وأما الدليل العقلي على تنزيه الله عن المكان والجهة والجلوس ،

فنقول :

اعلم أن النظر العقلي السليم لا يخرج عما جاء به الشرع ولا يتناقض معه ، والعقل عند علماء التوحيد شاهد للشرع إذ أن الشرع لا يأتي إلا بمجوزات العقول كما قال الحافظ الفقيه الخطيب البغدادي : (( الشرع إنما يرد بموجزات العقول وأما بخلاف العقول فلا )) ا هـ.

وقال أهل الحق : إن الله ليس بمتمكن في مكان أي لا يجوز عليه المماسة للمكان والاستقرار عليه ، وليس معنى المكان ما يتصل جسم به على أن يكون الجسمان محسوسين فقط ، بل الفراغ الذي إذا حل فيه الجرم شغل غيره عن ذلك الفراغ مكان له ، كالشمس مكانها الفراغ الذي تسبح فيه ، وعند المشبهة والكرامية والمجسمة الله متمكن على العرش وتعلقوا بظاهر قوله تعالى :

{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [سورة طه ] فقالوا : الاستواء الاستقرار ، وقال بعضهم : الجلوس وهؤلاء المشبهة قسم منهم يعتقدون أن الله مستقر على العرش ، ويكتفون بهذا التعبير من غير أن يفسروا هل هذا استقرار اتصال أم استقرار محاذاة من غير مماسة ،

وقسم منهم صرحوا بالجلوس ، والجلوس في لغة العرب معناه تماس جسمين أحدهما له نصف أعلى ونصف أسفل ، فمن قال : إنه مستو على العرش استواء اتصال أي جلوس ، أو قال : استواؤه مجرد مماسة من غير صفة الجلوس فهو مجسم ضال ، والذين قالوا إنه مستو على العرش من دون مماسة أي إنما يحاذيه من فوق أي كما تحاذي أرضنا السماء فهؤلاء أيضا مجسمة ضالون ، فلا يجوز أن يكون قوله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه ] على إحدى هذه الصفات الثلاث , والتفسير الصحيح تفسير من قال 

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } قهر، لأن القهر صفة كمال لله تعالى ، وهو وصف نفسه به قال تعالى : {قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}

[سورة الرعد] ، فيصح تأويل الاستواء بالاستيلاء وإن كانت المعتزلة وافقت أهل السنة في ذلك .


وأقبح هذه الاعتقادات الفاسدة اعتقاد أن الله تعالى جالس على العرش أو واقف عليه لأن فيه جعل الله تعالى محمولا للعرش والعرش محمول للملائكة ، فالملائكة على هذا الاعتقاد قد حملوا الله تعالى ، فكيف يليق بالإله الذي أوجد العالم بأسره أن يحمله شئ من خلقه ، فعلى قول هؤلاء يلزم أن يكون الله محمول حامل ومحفوظ حافظ ،وهذا ما لا يقوله عاقل .


قال الإمام أبو سعيد المتولي الشافعي الأشعري ( 478هـ) في كتابه (( الغنية في أصول الدين)) ما نصه : (1) 
(( والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافا للكرامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا إن لله جهة فوق .

وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه تعالى الله عن قولهم .

والدليل على أنه مستغن عن المحل أنه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديما لأنه - أي الله – قديم ، أو يكون – أي الله على زعمهم - حادثا كما أن المحل حادث ، وكلاهما كفر .

والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إما أن يكون مثل العرش أو أصغر منه أو أكبر ، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد والنهاية وهو كفر .

والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدرنا شخصا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق لا يخلو إما أن يصل إليه وقتا ما أو لا يصل إليه .

فإن قالوا : لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود .

فإن قالوا : يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسه أيضا ، ويلزم من ذلك كفران :

أحدهما : قدم العالم ، لأنا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع.

والثاني : إثبات الولد والزوجة )) أ هـ.

وقد نص الإمام المحدث الحافظ المفسر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي ( 597 هـ) على نفي التحيز في المكان والاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق عن الله تعالى ، ورد في كتابه (( الباز الأشهب )) (1) على ابن الزاغوني المجسم الذي قال :
(( فلما قال – تعالى –{ثُمَّ اسْتَوَى }[ سورة الأعراف ] علمنا اختصاصه بتلك الجهة ))، وقال ابن الزاغوني أيضا :
((ولا بد أن يكون لذاته نهاية وغاية يعلمها )) ، وقال ابن الجوزي في الرد عليه ما نصه : (( قلت هذا رجل لا يدري ما يقول ، لأنه إذا قدر غاية وفصلا بين الخالق والمخلوق فقد حدده وأقر بأنه جسم وهو يقول في كتابه أنه ليس بجوهر لأن الجوهر ما يتحيز ، ثم يثبت له مكانا يتحيز فيه .

قلت : - أي ابن الجوزي – وهذا كلام جهل من قائله وتشبيه محض فما عرف هذا الشيخ ما يجب للخالق تعالى وما يستحيل عليه ، فإن وجوده تعالى ليس كوجود الجواهر والأجسام التي لا بد لها من حيز ، والتحت والفوق إنما يكون فيما يقابل ويحاذى ، ومن ضرورة المحاذي أن يكون أكبر من المحاذى أو أصغر أو مثله ، وأن هذا ومثله إنما يكون في الأجسام ، وكل ما يحاذي الأجسام يجوز أن يمسها ، وما جاز عليه مماسة الأجسام ومباينتها فهو حادث إذ قد ثبت أن الدليل على حدوث الجواهر قبولها المماسة والمباينة ، فإن أجازوا هذا عليه قالوا بجواز حدوثه ، وإن منعوا هذا عليه لم يبق لنا طريق لإثبات حدوث الجواهر ، ومتى قدرنا مستغنيا عن المحل ومحتاجا إلى الحيز ثم قلنا: إما أن يكونا متجاورين أو متباينين كان ذلك محالا ، فإن التجاور والتباين من لوازم التحيز في المتحيزات . 

وقد ثبت أن الاجتماع والافتراق من لوازم التحيز ، والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالتحيز لأنه لو كان متحيزا لم يخل إما أن يكون ساكنا في حيزه أو متحركا عنه ، ولا يجوز أن يوصف بحركة ولا سكون ولا اجتماع ولا افتراق ، ومن جاور أو باين فقد تناهى ذاتا والتناهي إذا اختص بمقدار استدعى مخصصا ، وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج منه ، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات فهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختص بالأجرام .

وأما قولهم خلق الأماكن لا في ذاته فثبت انفصاله عنها قلنا : ذاته المقدس لا يقبل أن يخلق فيه شئ ولا أن يحل فيه شئ ، وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط حتى قال بعضهم إنما ذكر الاستواء على العرش لأنه أقرب الموجودات إليه ، وهذا جهل أيضا لأن قرب المسافة لا يتصور إلا جسم ، ويعز علينا كيف ينسب هذا القائل إلى مذهبنا . 

واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى :{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }[ سورة فاطر] وبقوله : {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ }
[سورة الأنعام ] وجعلوا ذلك فوقية حسية ونسوا أن الفوقية الحسية إنما تكون لجسم أو جوهر ، وأن الفوقية قد تطلق لعلو المرتبة فيقال : فلان فوق فلان. ثم إنه كما قال تعالى : {فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ مَّعَكُمْ } ، فمن حملها على العلم حمل خصمه الاستواء على القهر، وذهبت طائفة إلى أن الله تعالى على عرشه وقد ملأه والأشبه – أي على زعم هذه الطائفة المجسمة – أنه مماس للعرش والكرسي موضع قدميه . قلت : المماسة إنما تقع بين جسمين وما أبقى هذا في التجسيم بقية )) انتهى كلام الحافظ ابن الجوزي ولقد أجاد وشفى وكفى . 

وقال المفسر فخر الدين الرازي (606 هـ) ما نصه(1) : (( فلو كان علو الله تعالى بسبب المكان لكان علو المكان الذي بسببه حصل هذا العلو لله تعالى صفه ذاتية ، ولكان حصول هذا العلو لله تعالى حصولا بتبعية حصوله في المكان ، فكان  علو المكان أتم وأكمل من علو ذات الله تعالى ، فيكون علو الله ناقصا وعلو غيره كاملا وذلك محال )) ا هـ.


وقال أيضا عند تفسير ءاية { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }[سورة طه ] ما نصه (1) : (( المسألة الثانية : المشبهة تعلقت بهذه الآية في أن معبودهم جالس على العرش وهذا باطل بالعقل والنقل من وجوه :

أحدها: أنه سبحانه وتعالى كان ولا عرش ولا مكان ، ولما خلق الخلق لم يحتج إلى مكان بل كان غنيا عنه ، فهو بالصفة التي لم يزل عليها إلا أن زاعم أنه لم يزل مع الله عرش. 

وثانيها : أن الجالس على العرش لا بد وأن يكون الجزء الحاصل منه في يمين العرش غير الحاصل في يسار العرش ، فيكون في نفسه مؤلفا مركبا وكل ما كان كذلك احتاج إلى المؤلف والمركب ، وذلك محال.

وثالثها : أن الجالس على العرش إما أن يكون متمكنا من الانتقال والحركة أو لا يمكنه ذلك ، فإن كان الأول فقد صار محل الحركة والسكون فيكون محدثا لا محالة ، وإن كان الثاني كان كالمربوط.

ورابعها : هو أن معبودهم إما أن يحصل في كل مكان أو في مكان دون مكان ، فإن حصل في كل مكان لزمهم أن يحصل في مكان النجاسات والقاذورات وذلك لا يقوله عاقل ، وإن حصل في مكان دون مكان افتقر إلى مخصص يخصصه بذلك المكان فيكون محتاجا وهو على الله محال )) ا هـ.


وقال الحافظ المحدث اللغوي الفقيه السيد محمد مرتضى الزبيدي الحنفي ( 1205هـ) عند شرح كلام الغزالي (2) :
(( الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسما مماسا للعرش : إما مثله أو أكبر منه أو أصغر ، وذلك محال ، وما يؤدي إلى المحال فهو محال )) ما نصه (3) : (( وتحقيقه أنه تعالى لو استقر على مكان أو حاذى مكانا لم يخل من أن يكون مثل المكان أو أكبر منه أو أصغر منه ، فإن كان مثل المكان فهو إذا متشكل بأشكال المكان حتى إذا كان المكان مربعا كان هو  مربعا أو كان مثلثا كان وهو مثلثا وذلك محال، وإن كان أكبر من المكان فبعضه على المكان ، ويشعر ذلك بأنه متجزئ وله كل ينطوي على بعض وكان بحيث ينتسب إليه المكان بأنه ربعه أو خمسه ، وإن كان أصغر من ذلك المكان بقدر لم يتميز عن ذلك المكان إلا بتحديد وتتطرق إليه المساحة والتقدير ، وكل ما يؤدي إلى  جواز التقدير على البارئ تعالى فتجوزه (1) في حقه كفر من معتقده، وكل من جاز عليه الكون بذاته على محل لم يتميز عن ذلك المحل إلا بكون (2) ، وقبيح وصف البارئ بالكون، ومتى جاز عليه موازاة مكان أو مماسته جاز عليه مباينته ، ومن جاز عليه المباينة والمماسة لم يكن إلا حادثا ، وهل علمنا حدوث العالم إلا بجواز المماسة والمباينة على أجزائه . وقصارى الجهلة قولهم :كيف يتصور موجود لا في محل ؟ وهذه الكلمة تصدر عن بدع وغوائل لا يعرف غورها وقعرها إلا كل غواص على بحار الحقائق ، وهيهات طلب الكيفية حيث يستحيل محال.

والذي يدحض شبههم أن يقال لهم : قبل أن يخلق العالم أو المكان هل كان موجودا أم لا؟ فمن ضرورة العقل أن يقول :بلى ،فيلزمه لو صح قوله : لا يعلم موجود إلا في مكان أحد أمرين : إما أن يقول: المكان والعرش والعالم قديم ، وإما أن يقول : الرب تعالى محدث، وهذا مال الجهلة الحشوية ليس القديم بالمحدث والمحدث بالقديم. ونعوذ بالله من الحيرة في الدين)) ا هـ.

وقال أيضا ما نصه (3) : (( فإن قيل : نفيه عن الجهات الست إخبار عن عدمه إذ لا عدم أشد تحقيقا من نفي المذكور عن الجهات الست . قلت: النفي عن الجهات الست لا يكون ذلك إخبارا عن عدم ما لو كان لكان في جهة من النافي لا نفي ما يستحيل أن يكون في جهة منه ، ألا ترى أن من نفى نفسه عن الجهات الست لا يكون ذلك إخبارا عن عدمه لأن نفسه ليست بجهة منه . وأما قول المعتزلة : القائمان بالذات يكون [كل] واحد منهما بجهة صاحبه لا محالة فالجواب عنه: هذا على الإطلاق أم بشريطة أن يكون كل واحد منهما محدودا متناهيا ؟ الأول ممنوع ، والثاني مسلم ولكن البارئ تعالى يستحيل أن يكون محدودا متناهيا.

تنبيه :هذا المعتقد لا يخالف فيه بالتحقيق سني لا محدث ولا فقيه ولا غيره ولا يجئ قط في الشرع على لسان نبي التصريح بلفظ الجهة، فالجهة بحسب التفسير المتقدم منفية معنى ولفظا وكيف لا والحق يقول : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ولو كان في جهة بذلك الاعتبار لكان له أمثال فضلا عن مثل واحد )) انتهى كلام الزبيدي .

وممن صرح بنفي الجلوس والاستقرار على العرش في حق الله من أئمة السلف الإمام المجتهد أبو حنيفة رضي الله عنه . فقد قال في كتابه (( الوصية )) : (( نقر بأن الله على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه ، وهو الحافظ للعرش وغير العرش ، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوق )) (1) ا هـ .

وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي الأندلسي (ت543 هـ ) في كتابه ((عارضة الأحوذي )) (2) في الرد على المبتدعة الذين يزعمون أن الله في جهة فوق العرش : ((قالوا – أي هؤلاء المبتدعة – وحجتهم ظاهر قول الله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 
[سورة طه] قلنا: وما العرش في العربية ؟ وما الاستواء ؟ قالوا : كما قال الله تعالى :{ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } [ سورة الزخرف] قلنا : إن الله ، تعالى أن يمثل استواؤه على عرشه باستوائنا على ظهور الركائب ، قالوا : وكما قال :{ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ } [سورة هود ] قلنا: تعالى الله أن يكون كالسفينة جرت حتى لمست فوقفت ، قالوا : وكما قال :{ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [سورة المؤمنون ] قلنا : معاذ الله أن يكون استواؤه كاستواء نوح وقومه لأن هذا كله استواء مخلوق بارتفاع وتمكن في مكان واتصال ملامسة ، وقد اتفقت الأمة من قبل سماع الحديث ومن بعده على أنه ليس استواؤه على شئ من ذلك ، فلا يضرب له المثل بشئ من خلقه ، قالوا : قال الله عز وجل
{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } [ سورة السجدة ] ، { } ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء }[ سورة البقرة ] قلنا : تناقضت تارة تقول إنه على العرش فوق السماء ثم تقول إنه في السماء لقوله : { ءأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء } [سورة الملك ] وقلت إن معناه على السماء . . . )) ا هـ، إلى ءاخر كلامه في الرد على من أثبت الجهة.

ثم قال : (( والذي يجب أن يعتقد في ذلك أن الله كان ولا شئ معه ثم خلق المخلوقات من العرش إلى الفرش فلم يتعين بها ولا حدث له جهة منها ولا كان له مكان فيها فإنه لا يحول ولا يزول ، قدوس لا يتغير ولا يستحيل. وللاستواء في كلام العرب خمسة  عشر معنى ما بين حقيقة ومجاز ، منها ما يجوز على الله فيكون معنى الآية ومنها ما لا يجوز على الله بحال وهو ما إذا كان الاستواء بمعنى التمكن أو الاستقرار أو الاتصال أو المحاذاة فإن شيئا من ذلك لا يجوز على البارئ تعالى ولا يضرب له الأمثال في المخلوقات ، وإما أن لا يفسر كما قال مالك وغيره أن الاستواء معلوم يعني مورده في اللغة)) ا هـ، ثم قال: (( فتحصل لك من كلام إمام المسلمين أن الاستواء معلوم وأن ما يجوز على الله غير متعين وما يستحيل عليه هو منزه عنه )) ا هـ .

وقال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي في (( السيف الصقيل )) ما نصه (1) : (( ومن أطلق القعود وقال إنه لم يرد صفات الأجسام قال شيئا لم تشهد به اللغة فيكون باطلا وهو كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤخذ بإقراره ولا يفيد إنكاره )) ا هـ . وقال الحافظ عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (ت597 هـ ) في كتابه (( الباز الأشهب )) ما نصه (1) : (( الخالق سبحانه وتعالى لا يجوز أن يوصف بالجلوس على شئ فيفضل من ذلك الشئ لأن هذه صفة الأجسام )) ا هـ.

وقال الذهبي (748هـ ) في كتابه (( الكبائر )) ما نصه (2) : (( ولو قال إن الله جلس للإنصاف أو قام للإنصاف كفر )) ا هـ.

وقال الكمال بن الهمام الحنفي في (( فتح القدير )) ما نصه (3) : (( من قال الله جسم لا كالأجسام كفر )) ا هـ .

وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي (947 هـ) في (( المنهاج القويم )) ما نصه (4) : (( واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك واحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بتكفير القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك )) ا هـ .

وفي مختصر الإفادات (5) لابن بلبان الدمشقي الحنبلي من أهل القرن الحادي العشر تكفير من قال إن الله في مكان أو قال إنه تعالى بكل مكان بذاته وتكفير من قال إن الله جسم أو جسم لا كالأجسام . ا هـ .

وقال الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي (1143هـ) في (( الفتح الرباني )) (6) : (( ومن اعتقد أن الله جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنه مسلم )) ا هـ .

قال الشيخ محمد زاهد الكوثري (1371هـ) : (( إن القول بإثبات الجهة له تعالى كفر عند الأئمة الأربعة هداة الأمة كما نقل عنهم العراقي على ما في (( شرح المشكاة )) لعلي القاري ))ا هـ .

وقال العلامة المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الهرري في كتابه (( المقالات )) ما نصه (1) : (( قولهم إن استواء الله على العرش جلوس لكن لا كجلوسنا ويستشهدون لذلك بقول بعض الأئمة (( لله وجه لا كوجوهنا ويد لا كأيدينا وعين لا كأعيننا )) .
والجواب عنه : أن الجلوس في لغة العرب لا يكون إلا من صفات الأجسام ، فالعرب لا تطلق الجلوس إلا على اتصال جسم بجسم على أن يكون أحد الجسمين له نصفان نصف أعلى ونصف أسفل ، وليس للجلوس في لغة العرب معنى إلا هذا ، وهم في هذا أثبتوا – أي الوهابية – الجسمية لله وبعض صفاتها ولا يجوز ذلك على الله لأنه لو كان كذلك لكان له أمثال لا تحصى ، فالجلوس يشترك فيه الإنسان والجن والملائكة والبقر والكلب والقرد والحشرات وإن اختلفت صفات جلوسهم .

ويقال لهم : أما الوجه واليد والعين فليست كذلك فإن الوجه في لغة العرب يطلق على الجسم وعلى غير الجسم ، والوجه بمعنى الجسم هو هذا الجزء الذي هو مركب في ابن ءادم وفي سائر ذوات الأرواح . وأما معنى الوجه الذي هو غير هذا الجزء في لغة العرب فمنه الملك كما فسر البخاري في جامعه (2) قوله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ }[ سورة القصص] قال : (( إلا ملكه )) ا هـ ،
ويطلق الوجه إذا أضيف إلى الله بمعنى ما يقرب إلى الله من الأعمال كالصلاة والصيام وسائر الأعمال الصالحة . ويطلق على الذات ، والذات بالنسبة إلى المخلوقين الجرام الكثيف أو اللطيف كحجم الإنسان وحجم النور والريح هذا معنى الذات في المخلوق ، أما الذات إذا أضيف إلى الله فمعناه حقيقته لا بمعنى الحجم الكثيف أو اللطيف ، وأما اليد فلها في لغة العرب معان منها ما هو أجرام وأجسام ومنها ما هو غير الأجرام ، فاليد تأتي بمعنى الجارحة التي هي مركبة في الإنسان وفي البهائم ، وتأتي بمعنى غير الجرم كالقوة ، وتأتي بمعنى العهد . وأما العين فتطلق في لغة العرب على الجرم كعين الإنسان والحيوانات ، وتطلق على الذهب ، وتطلق على الجاسوس، وتطلق على الماء النابع ، وتطلق بمعنى الحفظ . وبهذا بان الفرق بين الجلوس وبين الوجه واليد والعين .

فلما كانت هذه الألفاظ الثلاثة واردة في القرءان مضافة إلى الله كان لها معان غير الجسم وصفات الجسم ، فأراد أبو حنيفة وغيره من الذين أطلقوا هذه العبارة (( لله وجه لا كوجوهنا ويد لا كأيدينا وعين لا كأعيننا )) معاني هذه الألفاظ الثلاثة التي هي غير الجسم ولا هي صفة جسم مما يليق بالله كالقوة والملك والذات والحفظ كما قال المفسرون في تفسير قول الله تعالى :
{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [سورة طه ] قالوا : على حفظي. 
ولهم – أي الوهابية – تمويه ءاخر وهو قولهم : (( نثبت لله ما أثبت لنفسه وننفي عنه ما نفى عن نفسه )) ، يقال لهم : أنتم على عكس الحقيقة تثبتون لله الجسمية والحركة والسكون والتحيز في جهة أو مكان وهذا شئ نفاه الله عن نفسه بقوله تعالى : 
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }[ سورة الشورى ] تدعون أن قوله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [سورة طه] أنه جلوس على العرش والجلوس صفة للإنسان والجن والملائكة والبقر وسائر البهائم والكلاب والقرود وهذا تنقيص لله تعالى ، أما الذي تنكرونه وهو تفسير الاستواء بالقهر فهو شئ أثبته الله لنفسه بقوله {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [سورة الرعد] . لذلك جرت عادة المسلمين أن يسموا أولادهم عبد القاهر ولم يسم أحد من المسلمين عبد الجالس . ويقال لهم : أثبت الله لنفسه الاستواء الذي يليق به وهو القهر وفي معناه الاستيلاء . وقد قال شارح القاموس، وأبو القاسم الأصبهاني اللغوي المشهور في (( مفردات القرءان )) إن الاستواء إذا عدي بعلى كان معناه الاستيلاء 
(1) ، ولا معنى لقول ابن الأعرابي إن الاستيلاء لا يكون إلا عن سبق مغالبة ، فإنكم قد خرجتم عن الاستواء اللائق لله تعالى وعمدتم إلى الاستواء الذي هو لا يليق به وهو الجلوس انتهى كلام الشيخ الهرري .

وقال الحافظ البيهقي في كتابه (( الاعتقاد)) ما نصه (2): (( يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان ولا مماسة لشئ من خلقه )) ا هـ .

وقال الرازي في تفسيره ما نصه (3) : (( أما قوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }[سورة الأعراف] فاعلم أنه لا يمكن أن يكون المراد منه كونه مستقرا على العرش، ويدل على فساده وجوه عقلية ووجوه نقلية، أما العقلية فأمور أولها : أنه لو كان مستقرا على العرش لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهيا وإلا لزم كون العرش داخلا في ذاته وهو محال ، وكل ما كان متناهيا فإن العقل يقضي بأنه لا يمنع أن يصير أزيد منه أو أنقص منه بذرة ، والعلم بهذا الجواز ضروري. فلو كان البارئ تعالى متناهيا من بعض الجوانب لكان ذاته قابل للزيادة والنقصان ، وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بذلك المقدار المعين بتخصيص مخصص وتقدير مقدر،وكل ما كان كذلك فهو محدث ، فثبت أنه تعالى لو كان على العرش لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهيا ، ولو كان كذلك لكان محدثا وهذا محال ، فكونه عل العرش يجب أن يكون محالا ))ا هـ.

وقد قال المفسر اللغوي أبو حيان الأندلسي (745هـ) في تفسيره ما نصه (4): (( وأما استواؤه تعالى على العرش فحمله على ظاهره من الاستقرار بذاته على العرش قوم، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا )) اهـ.
وذكر الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (476هـ) صاحب(( التنبيه ))عقيدة أهل الحق فقال في كتابه : (( الإشارة ))(1) ما نصه : (( إن الله عز وجل مستو على العرش ، قال الله عز وجل :
{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [سورة يونس ]، وأن استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة لأن الاستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة والرب عز وجل قديم أزلي لا يجوز عليه التغيير ولا التبديل ولا الانتقال ولا التحريك ))اهـ.

وقال الشيخ عز الدين عبد العزيز عبد السلام (ت660هـ ) في عقيدته المشهورة التي رد بها على مجسمة عصره ما نصه (2):
(( استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده ، استواءا منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال ، فتعالى الله الكبير المتعال عما يقول أهل الغي والضلال ، بل لا يحمله العرش ، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته)) اهـ.

وكان هؤلاء المجسمة يكرهون الشيخ عز الدين لأنه كان من الأشاعرة _والوهابية كذلك يكرهون الأشاعرة ويضللونهم – والأشاعرة عم أتباع الإمام أبي الحسن الأشعري وهم والماتريدية أتباع الإمام أبي منصور الماتريدي أهل السنة والجماعة جمهور أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فصاروا أي المشبهة يحرضون السلطان الأشرف ضد الشيخ فإنه كانت لهم صلة به ، فقد صحبهم السلطان في صغره ، وعلم بذلك الشيخ العلامة جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب المالكي وكان عالم مذهبه في زمانه ، فقام بنصرة الحق وأهله وقال (3) :
((ما قاله ابن عبد السلام هو مذهب أهل الحق وأن جمهور السلف والخلف على ذلك ولم يخالفهم فيه إلا طائفة مخذولة )) اهـ.

ولم تخمد هذه الفتنة بل ظل المجسمة يعيثون في الأرض فسادا حتى علم الشيخ العلامة جمال الدين الحصيري شيخ الحنفية في زمانه بما جرى للشيخ عز الدين وكيف أن المجسمة استنصروا على أهل السنة وعلت كلمتهم بحيث عن المجسمة صاروا إذا خلوا بأهل السنة أي الأشاعرة في المواضع الخالية يسبونهم ويضربونهم ويذمونهم – وكذا الوهابية اليوم يذمون الأشاعرة ويسبونهم ويكفرونهم – فاجتمع بالسلطان وتكلم معه في بيان عقيدة أهل السنة من أن الله منزه عن الاستقرار ولا يشبهه شئ وأن كلام الله ليس بحرف ولا صوت ، فانكسرت المبتدعة بعض الانكسار ، ولم يزل الأمر مستمرا على ذلك إلى أن اتفق وصول السلطان الملك الكامل رحمه الله تعالى من الديار المصرية وكان اعتقاده صحيحا، وكان وهو بالديار المصرية قد سمع ما جرى في دمشق للشيخ ، فرام الاجتماع بالشيخ ابن عبد السلام فاعتذر إليه ، وعاتب السلطان الأشرف على ما صدر منه ،وهكذا ذلت رقاب المبتدعة وانقلبوا خائنين وعادوا خاسئين ، وكان ذلك على يد السلطان الملك الكامل ، واعتذر السلطان الأشرف من الشيخ وقال (1) 
(( لقد غلطنا في حق ابن عبد السلام غلطة عظيمة )) ا هـ. 
فصار يطلب أن يقرأ عليه العقيدة التي أملاها الشيخ ابن عبد السلام ويأمر بقراءتها في المجالس العامة لتعم الفائدة .
فرحم الله تعالى من عمل على نشر عقيدة أهل الحق ودافع عنها فإنها رأس مال المؤمن التي يدخرها لآخرته.


الثلاثاء، 21 يوليو 2020

بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا

قال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول مَن يدعوني فأستجيب له مَن يسألني فأُعطيه مَن يستغفرني فأغفر له".روى البخاري و مسلم

اعلموا رحمكم الله أن العلماء أجمعوا على أنّ هذا الحديث لا يُحمل على ظاهِرِه، فلا يجوز اعتقاد أن الله سُبحانه وتعالى ينزل بمعنى أنه ينتقل مِن مكان إلى مكان أسفل منه، هذا المعنى فاسد لِعِدَّة أسباب، منها أنّ في هذا المعنى تشبيها لله بِخَلقِهِ كالملائكة والجِنّ وغيرهم والله يستحيل أن يشبه شيئًا من خلقه، قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى].
كما أنّ نزول الانتقال فيه تغيّر للصفة، والتغيّر مُستحيل على الله تعالى لأن التغيّر مِن صفات المخلوقات، روى الحافظ مرتضى الزبيدي عن الإمام الشافعيّ رضي الله عنه قال:
"لا يجوز عليه التغيير في ذاته ولا التبديل في صِفاته".
فيستحيل على الله نزول الانتقال لأن هذا المعنى فيه وصف لله بالحركة والله مُنَزَّه عن الحركة بإجماع الأمة، قال الإمام أبو منصور البغداديّ (429 هـ):
"وأجمعوا – يعني أهل السنة – على نفي الحركة والسُّكون عنه".
فهذا الحديث يُفَسِّر معناه حديث صحيح رواه النَّسَائي (السُّنن الكُبرى: كتاب الزّينة: الوقت الذي يُستحبّ فيه الاستغفار) فيه: "إنّ الله يُمهِل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمُرُ مُناديًا يُنادي: هل مِن داعٍ فَيُستجاب له وهل مِن مستغفر فَيُغفر له وهل مِن سائل فَيُعطى".
فالنزول إنما يكون مِن مَلَك يُؤمَر بأن ينزل ويُبَلّغ بأن الله تعالى يقول:
"مَن يدعوني فأستجيب له مَن يسألني فأعطيه مَن يستغفرني فأغفر له".
وقد بيّن كثير مِن علماء أهل السنة والجماعة أن هذا الحديث ليس بمعنى أنّ الله ينزل بانتقال وحركة بل النزول يكون مِن مَلَك بأمر الله كما جاء في الحديث الذي رواهُ النَّسائيّ، قال الحافظ ابن الجوزي الحنبلي ـ دفع شُبَه التّشبيه ـ (597 هـ) رحمه الله: "النزول الذي هو انتقال مِن مكان إلى مكان يفتقِر إلى ثلاثة أجسام: جسم عالٍ وهو مكان الساكِن، وجسم سافل، وجسم ينتقل مِن عُُلو إلى أسفل، وهذا لا يجوز على الله قطعًا".
وروى الحافظ ابن حجر العسقلانيّ في فتح الباري شرح صحيح البخاري أن الحافظ ابن العربي المالكي (543 هـ) قال عن الحديث: "النزول راجع إلى أفعالِهِ لا إلى ذاتِه، بل ذلك عِبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بِأَمرِهِ ونهيِهِ".
وقال الإمام الجويني في الإرشاد (478هـ) في شرح الحديث: "ولا وَجه لِحَمل النزول على التَحَوّل وتفريغ مكان وشَغْل غيره، فإنّ ذلك مِن صفات الأجسام ونُعُوت الأجرام". ثم قال: "والوَجه حَمْل النزول وإن كان مضافًا إلى الله تعالى على نزول ملائكته المُقَرَّبين، وذلك سائِغ غير بعيد".
وقال الحافظ السيوطي في كتابه تنوير الحَوالِك (911هـ) عند ذِكر الحديث:
"فالمُراد إذن نزول أمرِه أو مَلَك بِأَمرِه".
وقال الحافظ النووي في شرح صحيح مُسلم (676هـ) في شرح الحديث:
"فيه مذهبان مشهوران للعلماء: أحدُهُما: وهو مذهب السَّلَف وبعض المُتَكَلِّمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأنّ ظاهرها المُتَعارَف في حَقِّنا غير مُراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صِفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائِر سِمات الخلق. والثاني: مذهب أكثر المُتَكَلِّمين وجماعات مِن السَّلَف وهو مَحكي هنا عن مالِك والأوزاعيّ على أنها تُتأول على ما يليق بها بحسب مواطِنِها، فعلى هذا تأوَّلوا هذا الحديث تأويلين، أحدهما: تأويل مالِك بن أنس وغيره معناهُ تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يُقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعُهُ بأمره، والثاني: أنه على الاستعارة ومعناهُ الإقبال على الدّاعين بالإجابة واللطف".
فالذي يعتقد أنّ الله تعالى يجوز عليه الانتقال والحركة يكون كافرًا والعياذ بالله، فَيَجب عليه اعتقاد أنّ الله لا يُوصَف بالتغيّر والانتقال، وَيَجب عليه أنْ ينطق بالشهادتين فورًا للرجوع إلى الإسلام، قال الإمام أبو حيان الأندلسي (745هـ) في تفسير البحر المحيط: "(وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَى) أيْ الصِّفة العُليا مِن تنزيهه تعالى عن الولد والصاحِبة وجميع ما تنسب الكَفَرَة إليه مِمّا لا يليق به تعالى كالتشبيه والانتقال وظهوره تعالى في صورة".
ونَقَلَ القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي (422هـ) إجماع الأمة على كُفر مَن يعتقد أنّ الله يجوز عليه التغيّر والتَّنقُّل لأنّ ذلك يؤدّي إلى التجسيم والعياذ بالله، قال القاضي عبد الوهاب: "ولا يجوز أنْ يثبت له كيفيّة لأنّ الشَّرعَ لم يَرِد بذلك، ولا أخبر النبيّ عليه السلام فيه بشيء، ولا سألته الصحابة عنه ولأنّ ذلك يرجع إلى التَّنقُّل والتَّحوُّل وإشغال الحَيِّز والافتقار إلى الأماكِن، وذلك يَؤُول إلى التَّجسِيم وإلى قِدَم الأجسام (اي ازليتها)، وهذا كُفرٌ عِند كافَّة أهل الإسلام". انتهى

في بيان معنى قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62)

فائدة مهمة:

في بيان معنى قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62)

اعلم أنه قد خبط بعض الناس خبط عشواء في تفسيرها

وإنما المعنى أن المؤمنين من هذه الأمة المحمدية ومن اليهود الذين كانوا مسلمين مؤمنين تابعين لأنبيائهم والنصارى الذين كانوا مسلمين مؤمنين تابعين لشريعة المسيح والصابئين أي المسلمين الذين كانوا من قوم نوح أو غيرهم من استقام منهم فلزم طاعة الله على التمام فهم من أهل الجنة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

ولا يعني أن النصارى بعد أن غيَّروا دين المسيح واليهود بعد أن كذبوا المسيح والصابئين بعد أن عبدوا الكواكب أو كفروا بسبب أمر آخر ،

من أحسن منهم المعاملة مع الناس بالصدقة والمواساة ونحو ذلك يكون من أهل الجنة لأن الله تعالى قال :

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة:6)

وقال :(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ)(آل عمران الآية98) .

وءابات القرءان يجب التوفيق بينها لأنها تتصادق ولا تتناقض .

الاثنين، 20 يوليو 2020

المجسم لا يعذر بجهله

المجسم لا يعذر بجهله

هكذا قال أهل العلم المعتبرين من أهل السنة والجماعة ولو قال (الله جسم لا كالأجسام) يكفر لأنه بعد قوله عن الله (جسم) لا ينفعه قوله (لا كالأجسام)،
فلو كان يعذر بالجهل لكان الجهل خيرا من العلم وهذا مخالف لقول الله تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" أي لا يستوون.

فالجسم مخلوق وكلامهم معناه (الله مخلوق لا كالمخلوقين) والعياذ بالله من هذا الكفر الشنيع!

وإليكم بعض نصوص العلماء من اهل السنة والجماعة على كفر المجسم وأنه لا يعذر بالجهل وأنه كافر قطعا (أي بلا خلاف بلا شك بلا تردد بلا توقف) وعلى كفر من قال (الله جسم لا كالأجسام).

قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيما رواه الإمام الشيخ ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي ص 588 ما نصه:

"سيرجع قوم من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفارا، قال رجل: يا أمير المؤمنين كفرهم بالإنكار أم بالإحداث؟ فقال رضي الله عنه: "بل بالإنكار ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء".اهـ

الإمام علي رضي الله عنه هو علمنا أنه يلزم من يصف الله بالجسم و الأعضاء إنكار وجود الخالق وهو أخبرنا بكفر قائله.

قال الحافظ البيهقي في شعب الإيمان: «وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض، فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا البارئ جل وعز ببعض صفات المحدثين، فمنهم من قال: إنه جوهر. ومنهم من قال: إنه جسم. ومنهم من أجاز أن يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره، وكل ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك، فإذا أثبت المثبت أنه ليس كمثله شىء. وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عرض فقد انتفى التشبيه، لأنه لو كان جوهرا أو عرضا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، وإذا لم يكن جوهرا ولا عرضا لم يجز عليه ما يجوز على الجواهر من حيث إنها جواهر كالتأليف، والتجسيم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث إنها أعراض كالحدوث، وعدم البقاء» اهـ.

من كتاب شعب الإيمان (1/104)، الأول من شعب الإيمان و هو باب في الإيمان بالله عز وجل.

قال العلامة الشيخ عالم بن العلاء الاندريتي الدهلوي الهندي الفقيه الحنفي (786هـ) في كتابه الفتاوى التاتارخانية في الفقه الحنفي في المجلد الرابع طبعة دار الكتب العلمية الطبعة الأولى ص 279 ما نصه :"

ويجب إكفار الكرّامية المجسمة مجسمة خراسان".

وقال الإمام أحمد بن حنبل (241هـ) رضي الله عنه إمام السنة: «من قال الله جسم لا كالأجسام كفر»

رواه عن أحمد أبو محمد البغدادي صاحب الخصال من الحنابلة كما رواه عن أبي محمد الحافظ الفقيه بدر الدين الزركشي (794هـ) في كتابه «تشنيف المسامع» المجلد 4 (ص/684).

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:من اعتقد أن الله جالس على العرش فهو كافر"

(رواه ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي ص: 551).نقل ذلك عنه القاضى حسين الذى كان يسمى حبر الأمة لسعة علمه.

قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: "من قال بحدوث صفة من صفات الله أو شك أو توقف كفر" (ذكره في كتابه الوصية).

قال سراج الدين ابن الملقن الشافعي المتوفى من 804هـ (في كتابه التوضيح) المجلد 33 ص: 256 : "فإنه يكفر من يقول عن الله جسم لا كالأجسام"اهـ

قال ابن بلبان الدمشقي الحنبلي (في كتابه مختصر الإفادات) ص: 490: "ولا يشبه شيئًا ولا يشبهه شيء، فمن شبهه بشىء من خلقه فقد كفر كمن اعتقده جسمًا أو قال إنه جسم لا كالأجسام، فلا تبلغه سبحانه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا تضرب له الأمثال"اهـ

جواب الإمام الفقيه الزركشي الأشعري على من قال أن الأشاعرة يفسقون فقط من يقول (الله جسم لا كالأجسام)، فقال في تشنيف المسامع (4/648) ما نصه:

«ونقل صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال: من قال: جسم لا كالأجسام كفر، ونقل عن الأشعرية أنه يفسق، وهذا النقل عن الأشعرية ليس بصحيح». اهـ

أما أقوال أهل السنة والجماعة في أن المجسم الجاهل لا يعذر بجهله، فقد قال إمام أهل السنة والجماعة في العقيدة سيدنا الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه فيما نقله الإمام الشيخ أبو بكر بن فورك في كتابه (مقالات الإمام الأشعري) ما نصه: "الجهل بصفة من صفات الله كفر". اهـ

وقال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي: «فقد اغتر كثير من بسطاء العقول بقول وتأليف بعض المنسوبين إلى العلم المتضمن تشبيه الله تعالى بخلقه، واعتقدوا أنه جسم يحل في الأمكنة وله جهة، وأنه تعالى جالس على العرش بذاته وكائن في السماء إلى غير ذلك من المكفرات. (ومن المعلوم) أن غالب العوام ليس عندهم من العلوم والمعارف ما يقيهم من الوقوع في العقائد الفاسدة وفي شرك الضالين. فترى زائغ العقيدة يقول للعامي (الله جالس على العرش) بدليل قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾، وبدليل قول فلان المؤلف إن استوى على العرش بذاته، وإنه يحل في السماء بدليل قوله تعالى: ﴿أأمنتم من في السماء﴾، وبدليل إشارة الجارية إلى السماء حينما سألها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «أين الله»، والله له جهة بدليل قوله تعالى: ﴿وهو القاهر فوق عباده﴾، والله جسم والله يتصف بالتحول والانتقال بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا» الحديثَ، إلى غير ذلك من الشبه والتمويهات (ولتلك) الشرذمة دسائس وأذناب يتجولون في القرى والمدن ليضلوا ضعفة العقول من جهلة العوام ببث العقائد الفاسدة في أذهانهم، فيكفرون باعتقاد أن الله تعالى جسم شبيه بخلقه، جالس على عرشه، حال في سمائه، يتصف بالتحول والانتقال إلى غير ذلك من صفات الحوادث، مع العلم بأن الجاهل لا يعذر بجهله بأمور دينه ولا سيما ما يتعلق بالعقائد، فالواجب عليه أن يتبين أمر دينه وأحكامه وعقائده حتى يقف على ما كان عليه سلف الأمة وخلفها من أن الله تعالى ليس كمثله شىء فلا مكان له ولا جهة ولا يتصف بالتحول والانتقال وليس جسما ولا جوهرا ولا عرضا، وعلى الجملة فكل ما خطر ببالك فالله بخلافه». اهـ

من كتاب إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات: (ص/ 34).

وقال الشيخ السبكي أيضا في نفس الكتاب ص 39-40 ما نصه: "(فمن) اعتقد أنه سبحانه وتعالى يشبه شيئا من الحوادث كالجلوس في مكان أو التحيز في جهة (فهو) ضال مضل كافر بالله عز وجل. نسأله تعالى السلامة من سوء الاعتقاد والتوفيق للعقائد الحقة التي ترضيه عز وجل".اهـ

وإليكم هذا البيان لمعنى قول بعض العلماء (لازم المذهب ليس بمذهب).

إن قول العلماء (لازم المذهب ليس بمذهب) هو عن اللازم الخفي وليس عن اللازم البين كقول عن المجسم إن قال: (لله يد حقيقية) فهذا ضلال مبين.

فلازم المذهب البين مذهب بإجماع علماء أهل السنة والجماعة.

وهذه بعض نقول العلماء في هذه المسألة.

قال السبكي في السيف الصقيل على كلمة ينقلها عن ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية الحراني، وعبارته: «قال (ابن القيم): «وقضى -يعني جهما- وشيعته الذين هم الأشعرية بزعمه بأن الله كان معطلا، والفعل ممتنع بلا إمكان ثم استحال وصار مقدورا له من غير أمر قام بالديان»، فقال السبكي: «مقصوده أن الله ما زال يفعل، وهذا يستوجب القول بقدم العالم وهو كفر»اهـ.

ثم عقب الشيخ محمد زاهد الكوثري على قول السبكي: «وهذا يستوجب القول بقدم العالم»اهـ، بقوله: «وهذا الاستلزام بيّن، وما يقال من أن لازم المذهب ليس بمذهب إنما هو فيما إذا كان اللزوم غير بيّن، فاللازم البيّن لمذهب العاقل مذهب له، وأما من يقول بملزوم مع نفيه للازمه البيّن فلا يعد هذا اللازم مذهبا له، لكن يسقطه هذا النفي من مرتبة العقلاء إلى درك الأنعام، وهذا هو التحقيق في لازم المذهب، فيدور أمر القائل بما يستلزم الكفر لزوما بيّنا بين أن يكون كافرا أو حمارا".اهـ. كما في كتاب السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل لتقي الدين السبكي يرد به على نونية ابن القيم، وعليه تعقيبات وتكملة الرد على هذه النونية بقلم محمد زاهد الكوثري (ص/33).

وكلمة الشيخ الكوثري هنا على سبيل التهكم لا على سبيل التقرير كما هو واضح للمتأمل في السياق.
فإن قال قائل: من أين لك هذا التفصيل، ومَنْ مِنَ العلماء بيّنه؟
أقول: تتابع شراح مختصر خليل بن إسحاق الجندي في الفقه المالكي على التنبيه لهذا القيد، اعتبارا من الشيخ محمد عليش الذي جرى كثير من الشراح على إما اختصار كلامه أو التعقيب عليه من باب مزيدٍ من الإيضاح، ونصه: «وسواء كفر بقول صريح في الكفر، كقوله: أكفر بالله أو برسول الله أو بالقرآن أو الإله اثنان أو ثلاثة أو المسيح ابن الله أو العزيز ابن الله أو بلفظ يقتضيه أي يستلزم اللفظ الكفر استلزاما بينا، كجحد مشروعية شىء مجمع عليه معلوم من الدين ضرورة، فإنه يستلزم تكذيب القرآن أو الرسول، وكاعتقاد جسمية الله وتحيزه، فإنه يستلزم حدوثه واحتياجه لمحدث ونفي صفات الألوهية عنه جل جلاله وعظم شأنه»اهـ. من كتاب منح الجليل (9/205-206).
وهذا الشيخ محمد الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير يقول: «قوله: (بصريح) أي بقول صريح في الكفر، قوله: (أو لفظ يقتضيه) أي يقتضي الكفر أي يدل عليه سواء كانت الدلالة التزامية كقوله: الله جسم متحيز، فإن تحيزه يستلزم حدوثه لافتقاره للحيز، والقول بذلك كفر أو تضمنية، كما إذا أتى بلفظ له معنى مركب من كفر وغيره، كقوله: زيد خداي، إذا استعمله في الإله المعبود بحق، ولأجل هذا التعميم عبر بيقتضيه دون يتضمنه لإيهامه أن المعتبر في اللفظ دلالة التضمن فقط.
قوله: (كقوله: الله جسم متحيز) أي وكقوله: العزير أو عيسى ابن الله.
قوله: (أو فعل يتضمنه) إسناد التضمن للفعل يدل على أن المراد هنا الالتزام لا حقيقة التضمن الذي هو دلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له.

قوله: (ويستلزم الخ) أي وأما قولهم: لازم المذهب ليس بمذهب فمحمول على اللازم الخفي».اهـ. من كتاب حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/301).

كما يعقب في موضع آخر ليقول: «(قوله: أو فرعون) أي أو غزوة بدر أو أحد أو صحبة أبي بكر، (قوله: لأنه تكذيب للقرآن) أي فوجود ما ذكر معلوم بالضرورة من الدين يجب الإيمان به، لأن إنكاره يؤدي لتكذيب القرآن، لا يقال هذا ظاهر في إنكار غير صحبة أبي بكر لا فيها، لأن قوله تعالى: ﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن﴾ وليس فيه تعيين له، لأنا نقول انعقد إجماع الصحابة على أن المراد به أبو بكر، والحق أن إنكار وجود أبي بكر ردة، لأنه يلزم من إنكار وجوده إنكار صحبته لزوما بينا، وقد علمت أن قولهم: لازم المذهب ليس بمذهب في اللازم غير البين، كذا قرر شيخنا».اهـ. كتاب حاشية الدسوقي (4/303 -304).

وهذا الشيخ أحمد الصاوي يشرح: «قوله: (أو فعل يتضمنه) إسناد التضمن للفعل، يدل على أن المراد به هنا الالتزام لا حقيقة التضمن الذي هو دلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له، فلذلك قال الشارح: أي يستلزمه، ولا يرد علينا قولهم: لازم المذهب ليس بمذهب لأنه في اللازم الخفي، وعبّر أولا بيقتضيه وثانيا بيتضمنه تفنناً».اهـ. من كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوي (4/224).

وقال محمّد الخرشيّ المالكيّ: «قولُه: (إلا أن يقال: لازمُ المذهب ليس بمذهب) ظاهره ولو بينا مع أنّ اللازم إذا كان بيّنا يكون كفرا، ولا يخفى أنّ اللازم هنا بيّن فليُنظر ذلك».اهـ. من كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (23/؟/ 104-105).

وذلك تعقيبا على قول صاحب المتن الذي يقول: «وكذلك من اعتقد أنّ في كلّ جنس من أجناس الحيوانات من القردة والدّود ونحوهما نذيرا أي: نبيّا، فإنّه يكفر لأنّه يؤدّي إلى أنّ جميع الحيوانات تكون مكلّفة، وهذا يخالف الإجماع وأن توصف أنبياء هذه الأصناف بصفاتهم الذّميمة، وفيه من الازدراء على هذا المنصب المنيف ما فيه مع إجماع المسلمين على خلافه، وتكذيب قائله، والمراد بالأمّة في قوله تعالى: ﴿وإن من أمة إلا خلا فيها نذير﴾ المكلّفون وما تقدّم من التّعليل يقتضي القتل بلا استتابة إلا أن يقال: إنّ لازم المذهب ليس بمذهب»اهـ. شرح مختصر خليل للخرشي (23 / ص 103).

وقال الشيخ حسن العطار في حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع: «لازِمَ المَذهَب لا يُعَدُّ مَذهَبا إلا أَن يكونَ لازما بَيِّنا فَإِنَّهُ يُعَدُّ» اهـ. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/426).

وقال في موضع آخر: «(مهمّتان) الأولى: قولهم لازم المذهب ليس بمذهب، مقيّد بما إذا لم يكن لازما بينا.

الثّانية: التّكفير بالعقائد لا سيّما مسألة الكلام أمر مستفيض فيه النّزاع بين الأئمّة من قديم الزّمان حتّى نقل السّيوطيّ في شرح التّقريب أنّ القائل بخلق القرآن يكفر، نصّ عليه الشّافعيّ واختاره البلقينيّ ومنع تأويل البيهقيّ له بكفران النّعمة، فإنّ الشّافعيّ قال ذلك في حقّ حفص الفرد لمّا أفتى بضرب عنقه، وهذا ردّ للتّأويل» اهـ. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (4/249).

وهذا شيء من فيض في مسألة لازم المذهب ليس بمذهب أنهيه بنقل إجماع أهل السنة والجماعة على أن كل ما يؤول للتجسيم والتشبيه هو كفر، وقد نقله عالم أشعري مالكي

قال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي المتوفى سنة 422هـ (في شرحه على عقيدة مالك الصغير) ص: 28: "ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشىء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قِدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام ".اهـ

الإمام القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي المالكي يكفّر كل من يثبت لله تعالى الكيفية ووضح لزوم هذا القول بأنه يؤول إلى التجسيم وإلى قدم الأجسام وقال: ((((وهذا كفر عند عامة أهل الإسلام)))).

أظن أنه عليك أن ترجع إلى عامة أهل الإسلام يا حبتري وكفاك تكبرا وتعجرفا وتنطعا.
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: "هلك المتنطعون".

الثلاثاء، 14 يوليو 2020

الرد على من يحرم لبس الحروز من كتاب الله أو ذكر الله

الرد على من يحرم لبس الحروز من كتاب الله أو ذكر الله

العجب العجاب أن مجسمة هذا العصر يمنعون من هذه التعاويذ والحروز التي ليس فيها إلا شيء من القرءان أو ذكر الله ويقطعونها من أعناق من يحملها قائلين: هذا شرك, فبماذا يحكمون على عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره من الصحابة الذين كانوا يعلقون هذه على أعناق أطفالهم الذين لم يبلغوا, أيحكمون عليهم بالشرك, وماذا يقولون في أحمد بن حنبل الذي سمح بها, وماذا يقولون في الإمام المجتهد ابن المنذر.

كفاهم خزيا أن يعتبروا ما كان عليه السلف شركا.

الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم و الرقى التي فيها شرك أو كلام قبيح أما الرقى التي فيها اسم الله, أو قراءة قرءان, وذكر الله, فهو جائز.

كذلك أسماء أهل الكهف, أسماء أهل الكهف فيها بركة, بعض العلماء المتقدمين, ومنهم صلاح الدين الصفدي, الذي كان قبل ثمانمائة سنة, قال في كتابه ذخائر القصر إن هذه الأسماء تنفع هذا ينفع لكذا وهذا لكذا وهذا لكذا.

كذلك أسماء الملائكة كجبريل وإسرافيل وعزرائيل وميكائيل فيها بركة.

من كتب أسماءهم وعلّقها فهو جائز.

وأما الذي لا يجوز فهو كتابة أسماء النجوم, ورؤساء الشياطين, شياطين الإنس والجن لا يجوز التبرك بهم.

التمائم التي نهى الرسول عنها, هي خرزات, العرب الذين كانوا مشركين قبل أن يسلموا ويؤمنوا بالرسول, كانوا يُعلقونها على أولادهم, على زعمهم تدفع العين بدون مشيئة الله, لا يعتقدون أن الله بمشيئته يدفع الأذى عمن يعلق الخرزات. كانوا يعتقدون أنها تدفع الأذى بذاتها.

وها هي أقوال علماء أهل السنة والجماعة تشهد على ما نقول..

فقد روى الحافظ ابن حجر في الأمالي عن محمد بن يحيى بن حبان – بفتح المهملة وتشديد الموحدة – وهو الأنصاري أن خالد بن الوليد كان يأرق من الليل, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون. قال: هذا مرسل صحيح الإسناد أخرجه ابن السني.

وروى عن محمد بن يحيى بن حبان أن الوليد بن الوليد بن المغيرة شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث نفس يجده فقال: إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة فذكره سواء وزاد في ءاخره: فوالذي نفسي بيده لا يضرك شيء حتى تصبح, قال: وهذا مرسل صحيح الإسناد أخرجه البغوي.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع, وفي رواية إسماعيل: إذا فزع أحدكم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون, وكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من بنيه أن يقولها عند نومه ومن لم يبلغ كتبها ثم علّقها في عنقه.

قال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه الترمذي عن علي بن حجر, عن إسماعيل ابن عباس, وأخرجه النسائي عن عمرو بن علي الفلاس عن يزيد بن هارون. اهـ.

وأما الحديث الذي رواه أبو داود:{ إن الرقى والتمائم والتولة شرك}, فليس معناه التمائم والتعاويذ التي فيها قرءان أو ذكر الله لكن مجسمة هذا العصر حرّفت الحديث, والتمائم معروف معناه في اللغة وهي الخرز كانت الجاهلية تضعها على أعناق الغلمان, كما أن الرقى التي قال الرسول إنها شرك هي رُقى الجاهلية وما كان في معناها, وليس المراد بها الرّقى التي فعلها الرسول وغيره من الصحابة.

فانظروا أيها المسلمون كيف يحرّفون الكلم عن مواضعه.

وفي كتاب مسائل الإمام أحمد لأبي داود السجستاني ما نصه:{ أخبرنا أبو بكر, قال حدثنا أبو داود, قال: رأيت على ابن لأحمد وهو صغير تميمة – أي حرز – في رقبته من أديم.

أخبرنا أبو بكر, قال: حدثنا أبو داود, سمعت أحمد سئل عن الرجل يكتب القرءان في شيء ثم يغسله ويشربه؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس. قال أبو داود: سمعت أحمد قيل له: يكتبه في شيء ثم يغسله فيغتسل به؟ قال: لم أسمع فيه شيء}. اهـ.

وفي كتاب معرفة العلل وأحكام الرجال عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال:{ حدثني أبي, قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة, قال: أخبرني إسماعيل بن أبي خالد, عن فراس, عن الشعبي قال: لا بأس بالتعويذ من القرءان يعلق على الإنسان}. اهـ.

وقال عبد الله بن أحمد – في كتاب مسائل الإمام أحمد لعبد الله بن أحمد بن حنبل – :{ رأيت أبي يكتب التعاويذ للذي يصرع وللحمى لأهله وقراباته, ويكتب للمرأة إذا عسر عليها الولادة في جام أو شيء نظيف, ويكتب حديث ابن عباس, إلا أنه كان يفعل ذلك عند وقوع البلاء, ولم أره يفعل قبل وقوع البلاء, ورأيته يعوّذ في الماء ويُشربه المريض, ويصب على رأسه منه, ورأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه يقبّلها, وأحسب أني قد رأيته يضعها على رأسه وعينه, فغمسها في الماء ثم شربه يستشفي به, ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها إليه أبو يعقوب بن سليمان بن جعفر فغسلها في جب الماء ثم شرب فيها, رأيته غير مرة يشرب من ماء زمزم يستشفي به ويمسح يديه ووجهه}. اهـ.

وفي مصنف ابن أبي شيبة ما نصه:{ حدثنا أبو بكر قال: حدثنا علي بن مسهر, عن ابن أبي ليلى عن الحكم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: إذا عسر على المرأة ولدها, فيكتب هاتين الآيتين والكلمات في صحفة ثم تغسل فتسقى منها:{ بسم الله لا إله إلا هو الحليم الكريم, سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم}, { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها}, { كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بالغ}, { فهل يُهلك إلا القوم الفاسقون}.} اهـ.

قال الحافظ ابن المنذر في الأوسط:{ ورخص بعض من كان في عصرنا للجنب والحائض في مس المصحف ولبس التعويذ ومس الدراهم والدنانير التي فيها ذكر الله تعالى على غير طهارة, وقال معنى قوله:{ لا يمسه إلا المطهرون} الملائكة ،كذلك قال أنس وابن جبير ومجاهد والضحاك وأبو العالية, وقال: وقوله:{ لا يمسه إلا المطهرون} خبر بضم السين ولو كان نهيا لقال لا يمسه, واحتج بحديث أبي هريرة وحذيفة عن النبي عليه السلام أنه قال:{ المؤمن لا ينجس} والأكثر من أهل العلم على القول الأول, وقد روينا عن ابن جبير أنه بال ثم توضأ وضوءه إلا رجليه ثم أخذ المصحف. وروي عن الحسن وقتادة أنهما كانا لا يريان بأسا أن يمس الدراهم على غير وضوء يقولان جبلوا على ذلك. واحتجت هذه الفرقة بقول النبي عليه السلام لعائشة: أعطني الخمرة, قالت: إني حائض, قال:{ إن حيضتك ليست في يدك}, وبقول عائشة: كنت أغسل رأس النبي عليه السلام وأنا حائض, قال: وفي هذا دليل على أن الحائض لا تنجس ما تمس إذ ليس جميع بدنها بنجس, ولما ثبت أن بدنها غير نجس إلا الفرج ثبت أن النجس في الفرج لكون الدم فيه, وسائر البدن طاهر} اهـ.

وفي كتاب الآداب الشرعية لشمس الدين بن مفلح الحنبلي ما نصه:{ قال المروزي: شكت امرأة إلى أبي عبد الله أنها مستوحشة في بيت وحدها فكتب لها رقعة بخطه بسم الله وفاتحة الكتاب والمعوذتين وءاية الكرسي وقال كتب إليّ أبو عبد الله من الحمى: بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله ومحمد رسول الله:{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}. اللهم رب جبريل وميكائيل اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق ءامين, وقال: وقال صالح ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحا فيه ماء فيقرأ عليه ويقول لي اشرب منه واغسل وجهك ويديك. ونقل عبد الله أنه رأى أباه يعوذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه ويصبّ على نفسه منه, قال عبد الله ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم فيستشفي به ويمسح به يديه ووجهه وقال يوسف بن موسى: إن أبا عبد الله كان يؤتى بالكوز ونحن بالمسجد فيقرأ عليه ويعوذ. قال أحمد يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولدها في جام أبيض أو شيء نظيف بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين { كأنهم يوم يرون يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ} { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} ثم تسقى منه وينضح ما بقي على صدرها, وروى أحمد هذا الكلام عن ابن عباس ورفعه ابن السني في عمل يوم وليلة} اهـ.

قال اللغوي الجوهري في الصحاح ما نصه:{ والتميمة: عُوِذَةٌ تعلق على الإنسان, وفي الحديث:{ من علق تيميمة فلا أتم الله له}, ويقال: هي خَرَزَة, وأما المَعاذاتُ إذا كُتب فيها القرءان وأسماء الله عز وجل فلا بأس بها} اهـ. ونقل ذلك أيضا اللغوي ابن منظور في لسان العرب.

وروى البيهقي في السنن الكبرى عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{ من علق تميمة فلا أتم الله له, ومن علق وديعة فلا ودع الله له} قال البيهقي: وهذا أيضا يرجع معناه إلى ما قال أبو عبيد, وقد يحتمل أن يكون ذلك وما أشبهه من النهي والكراهية فيمن تعلقها وهو يرى تمام العافية وزوال العلة منها على ما كان أهل الجاهلية يصنعون, فأما من تعلقها متبركا بذكر الله تعالى فيها وهو يعلم أن لا كاشف إلا الله ولا دافع عنه سواه فلا بأس بها إن شاء الله.

ثم قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا هارون بن سليمان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن طلحة بن أبي سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ليس التميمة ما يعلق قبل البلاء, إنما التميمة ما يعلق بعد البلاء ليدفع به المقادير. ورواه عبدان عن ابن المبارك وقال في متنه أنها قالت: التمائم ما علق قبل نزول البلاء, وما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة. أنبأنيه أبو عبد الله إجازة أخبرني الحسن بن حليم أنبأ أبو الموجه أنبأ عبدان أنبأ عبد الله فذكره. وهذا أصح..

أخبرنا أبو زكريا وأبو بكر بن الحسن قالا حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ليست التميمة ما علق بعد أن يقع البلاء. وهذا يدل على صحة رواية عبدان..

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن السلمي من أصله وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن سنان حدثنا عثمان بن عمر أنبأ أبو عامر الخراز عن الحسن عن عمران بن الحصين رضي الله عنه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقه حلقه من صفر فقال:{ ما هذه؟} قال: من الواهنة, قال:{ أيسرك أن توكل إليها, انبذها عنك}.

أخبرنا الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطوسي حدثنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه حدثنا إبراهيم بن علي حدثنا يحيى بن يحيى أنبأ وكيع عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن عبد الله بن حكيم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من تعلق علاقة وكل إليها}.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا حدثنا أبو العباس حدثنا هارون حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن قتادة عن واقع بن سحبان عن أسير بن جابر قال: قال عبد الله رضي الله عنه: من تعلق شيئا وكل إليه. قال: وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن جرير بن حازم قال: سمعت الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من تعلق شيئا وكل إليه}. قال: وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن الحجاج عن فضيل أن سعيد بن جبير كان يكتب لابنه المعاذة قال وسألت عطاء فقال: ما كنا نكرهها, إلا شيئا جاءنا من قبلكم.

أخبرنا أبو زكريا بن إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالا: حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد أنه سأل يحيى بن سعيد عن الرقى وتعليق الكتب فقال: كان سعيد بن المسيّب يأمر بتعليق القرءان وقال: لا بأس به.

قال الشيخ – أي البيهقي – رحمه الله: وهذا كله يرجع إلى ما قلنا من أنه إن رقى بما لا يعرف أو على ما كان من أهل الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز, وإن رقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله متبركا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى فلا بأس به. وبالله التوفيق. اهـ

فالحديث الذي رواه أبو داود:{ إن الرقى والتمائم والتولة شرك} ليس فيه ما يذكرونه هم من أن من علق الحرز الذي فيه قرءان فقد أشرك ولو كان اعتقاده أن الضار والنافع في الحقيقة هو الله وأن الحرز لا يخلق المنفعة والمضرة ورد العين.. فكلامهم هذا مخالف للشرع.. فهم وضعوا الحديث في غير موضعه وحرفوا معناه..

وإنما معنى الحديث ما ذكره المناوي في شرح الجامع الصغير ونص عبارته بعد إيراده للحديث:{ أي من الشرك سماها شركاً لأن المتعارف منها في عهده ما كان معهوداً في الجاهلية وكان مشتملاً على ما يتضمن الشرك أو لأن اتخاذها يدل على اعتقاد تأثيرها ويفضي إلى الشرك ذكره القاضي, وقال الطيبي رحمه الله: المراد بالشرك اعتقاد أن ذلك سبب قوي وله تأثير وذلك ينافي التوكل والانخراط في زمرة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون لأن العرب كانت تعتقد تأثيرها وتقصد بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى وهكذا كان اعتقاد الجاهلية فلا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله وكلامه ولا من علقها بذكر الله تبركاً عالماً أنه لا كاشف إلا الله فلا بأس به} اهـ.

وقال الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي ما نصه:{ (والتمائم) جمع تميمة وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين ثم توسعوا فيها فسموا بها كل عوذة (والتولة) كعنبة ما يحبب المرأة إلى الرجل من السحر أي من الشرك, سماها شركا لأن المتعارف منها في عهد الجاهلية كان مشتملا على ما يتضمن الشرك, أو لأن اتخاذها يدل على اعتقاد تأثيرها ويفضي إلى الشرك أو ينافي التوكل والانخراط في زمرة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون, لأن العرب كانت تعتقد تأثيرها وتقصد بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى, وهكذا كان اعتقاد الجاهلية, فلا يدخل في ذلك ما كان من أسماء الله وكلامه ولا من علقها تبركا بالله عالمًا أنه لا كاشف إلا الله فلا بأس به}. اهـ.

وقال اللغوي الأزهري ما نصه:{ قلت: التمائم واحدتها تميمة وهي خَرَزات كانت الأعراب يعلقونها على أولادهم يتقون بها النفس والعين بزعمهم, وهو باطل} اهـ.

وقال ابن الأثير ما نصه:{ التمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتَّقون بها العين في زعمهم, فأبطلها الإسلام} وكذا ذكر البغوي.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري في شرح البخاري ما نصه:{ والتمائم جمع تميمة وهي خرز أو قلادة تعلق في الرأس كانوا في الجاهلية يعتقدون أن ذلك يدفع الآفات, والتولة بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها وهو ضرب من السحر, وإنما كان ذلك من الشرك لأنهم أرادوا دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله, ولا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله وكلامه}. اهـ.

وقال المفسر أبو عبد الله القرطبي ما نصه: الخامسة: قال مالك: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك بها إذا لم يُرِد معلّقها بتعليقها مدافعة العين, وهذا معناه قبل أن ينـزل به شيء من العين, وعلى هذا القول جماعة أهل العلم لا يجوز عندهم أن يعلّق على الصحيح من البهائم أو بني ءادم شيء من العلائق خوف نزول العين, وكل ما يعلّق بعد نزول البلاء من أسماء الله عز وجل وكتابه رجاء الفرج والبُرْء من الله تعالى فهو كالرّقى المباح الذي وردت السنة بإباحته من العين وغيرها. وقد روى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ إذا فَزِع أحدكم في نومه فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر الشياطين وأن يحضرون}, وكان عبد الله يعلمها ولده من أدرك منهم, ومن لم يدرك كتبها وعلقها عليه.

فإن قيل: فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ من علّق شيئا وُكِل إليه}, ورأى ابن مسعود على أمّ ولده تميمة مربوطة فجذبها جَبْذا شديدا فقطعها وقال:{ إن ءال ابن مسعود لأغنياء عن الشرك}, ثم قال:{ إن التمائم والرقى والتولة من الشرك}, قيل: ما التولة؟ قال: ما تحبّبت به لزوجها, وروى عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{ من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له قلبا}. قال الخليل بن أحمد: التميمة قلادة فيها عُوَذ, والودعة خرز, وقال أبو عمر: التميمة في كلام العرب القلادة, ومعناه عند أهل العلم ما علق في الأعناق من القلائد خشية العين أو غيرها أن تنـزل أو لا تنـزل قبل أن تنـزل فلا أتمّ الله عليه صحته وعافيته, ومن تعلّق ودعة – وهي مثلها في المعنى – فلا ودع الله له أي فلا بارك الله له فيه من العافية, والله أعلم.

وهذا كله تحذير مما كان عليه أهل الجاهلية يصنعونه من تعليق التمائم والقلائد ويظنون أنها تقيهم وتصرف عنهم البلاء, وذلك لا يصرفه إلا الله عز وجل, وهو المعافي والمبتلي لا شريك له, فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كانوا يصنعون من ذلك في جاهليتهم, وعن عائشة قالت: ما تعلق بعد نزول البلاء فليس من التمائم, وقد كره بعض أهل العلم تعليق التميمة على كل حال قبل نزول البلاء وبعده, والقول الأول أصح في الأثر والنظر إن شاء الله تعالى.

وما روي عن ابن مسعود يجوز أن يريد بما كره تعليقه غير القرءان أشياء مأخوذة عن العراقيين والكُهّان, إذا الاستشفاء بالقرءان معلّقا وغير معلق لا يكون شركا, وقوله عليه السلام:{ من علق وُكل إليه} فمن علق القرءان ينبغي أن يتولاه الله ولا يكله إلى غيره, لأنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكَّل عليه في الاستشفاء بالقرءان.

وسئل ابن المسيّب عن التعويذ أيعلّق؟ قال: إذا كان في قصبة أو رقعة يحرز فلا بأس به, وهذا على أن المكتوب قرءان. وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسا أن يعلّق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الجماع وعند الغائط, ورخص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ يعلق على الصبيان, وكان ابن سيرين لا يرى بأسا بالشيء من القرءان يعلّقه الإنسان}. اهـ.

وقال ابن الأثير ما نصه:{ والحديث الآخر:{ من علق تميمة فلا أتم الله له}, كأنهم كانوا يعتقدون أنها تمام الدواء والشفاء, وإنما جعلها شركا, لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم, فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه} اهـ.

وقال المناوي في شرح هذا الحديث ما نصه:{ (من تعلق شيئا) أي تمسك بشيء من المداواة واعتقد أنه فاعل للشفاء أو دافع للداء (وكل إليه) أي وكل الله شفاءه إلى ذلك الشيء فلا يحصل شفاؤه, أو المراد من علق شيئا من أسماء الله الصريحة فهو جائز بل مطلوب محبوب فإن من وكل إلى أسماء الله أخذ الله بيده, وأما قول ابن العربي:{ السنة في الأسماء والقرءان الذكر دون التعليق} فممنوع, أو المراد من تعلقت نفسه بمخلوق غير الله وكله الله إليه فمن أنزل حوائجه بالله والتجأ إليه وفوض أمره كله إليه كفاه كل مؤنة وقرّب عليه كل بعيد ويسر له كل عسير, ومن تعلق بغيره أو سكن إلى عمله وعقله واعتمد على حوله وقوته وكله الله إلى ذلك وخذله وحرمه توفيقه وأهمله فلم تحصص مطالبه ولمن تتيسر مآربه وهذا معروف على القطع من نصوص الشريعة وأنواع التجارب} اهـ.

وقال البغوي ما نصه:{ وقال عطاء: لا يعد من التمائم ما يكتب من القرءان, وسئل سعيد بن المسيب عن المصحف الصغار يكتب فيه القرءان فيعلق على النساء والصبيان فقال: لا بأس بذلك إذا جُعل في كير من ورق أو حديد أو يخرز عليه}. اهـ.

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه تحت باب "من رخّص في تعليق التعاويذ" أن سعيد بن المسيب سئل عن التعاويذ فقال: لا بأس إذا كان في أديم.

وروى عن عطاء في الحائض يكون عليها التعويذ قال: إن كان في أديم فلتنـزعه, وإن كان في قصبة فضة فإن شاءت وضعته وإن شاءت لم تضعه, وعن ثوير قال: كان مجاهد يكتب للناس التعويذ فيعلقه عليهم, وعن جعفر عن أبيه أنه كان لا يرى بأسا أن يكتب القرءان في أديم ثم علقه, وعن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا بالشيء من القرءان, وعن أيوب أنه رأى في عضد عبيد الله بن عبد الله بن عمر خيطا, وعن عطاء قال: لا بأس أن يعلق على الصبيان فرخّص فيه, وعن يونس بن خباب قال: سألت أبا جعفر عن التعويذ يعلق على الصبيان فرخّص فيه, وعن الضحاك لم يكن يرى بأسا أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعته عند الغسل وعند الغائط

وروى ابن أبي الدنيا عن حجاج قال: أخبرني من رأى سعيد بن جبير يكتب التعاويذ للناس والرجل الغير مسمى جاء مصرحا به في رواية البيهقي أنه فضيل.

ولنذكر أخيرا ما قاله الحافظ المؤرخ ابن طولون من التبرك بأسماء أهل الكهف في كتابه ذخائر القصر في ترجمة محمد بن إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الراميني الأصل الصالحي الدمشقي الحنبلي ما نصه:{ وأنشدته ما وجدته بخط العلامة شهاب الدبن بن حجّي الدمشقي, ما أخبرنا به عنه أبو الفتح محمد بن محمد المزي, قال: أخبرنا قاضي القضاة جمال الدين أبو اليمن محمد بن أبي بكر المراغي المدني بمنـزله بها يوم الأحد الثامن والعشرين من صفر سنة ثمانمائة وخمس عشرة في أسماء أصحاب الكهف وأجاز لي روايته عنه وجميع ما يجوز له روايته (شعر):

يا من يروم عد أهل الكهف — هم سبعة إحفظ بغير خلف

وإنما الخلف جرى في التسمية — فخذ على المشهور منها نظميه

مُكَسلَمين تلوه أمليخا — ومَرَطونِس شاع كن مصيخا

وبعده يا صاح يَنْيونِس رُقِم — وسازَمُونِس فاضبطنه واستقم

وبعده دوانوانِس فاستمع — كذاك كَشْفِيطط يليه فاتبع

وكلبهم شاع اسمه قِطمير — ثامنهم هذا هو المشهور

فأول الأسماء إن كتبته — بخرقة ثم إذا نبذته

وسط الحريق أخمدت نيرانه — في الوقت قد قالوا أتى برهانه

والثاني إن كتبته وألقي — في البحر يسكن هيجه بصدق

وإن يعلق ثالث الأسماء — بفخذ المسافر المشاء

لم يعي ما دام عليه أبدا — ولو سعى بالأرض في طول المدا

ويكتب الرابع أيضا يجعل — في المال للحفظ كما قد نقلوا

وعلق الخامس بعد كتبه — على الذي يحم وانفعه به

يا صاح واجعل سادس الأسماء — حرزا على ذي الجيش في الهيجاء

والسابع اكتبنه في الإناء — علقه واسقه للاصطفاء

وقال بعض العلماء نفعها — لستة أشياء جل وقعها

فعد منها طلبا وهربا — وللحريق مثل ما قد كتبا

ولبكاء الطفل أيضا ترقم — في المهد تحت رأسه وترسم

كذا صداع ضربان حمى — فاحفظ هديت ضبط هذا نظما}. اهـ.

ومن وحشية هؤلاء المجسمة أنهم يصولون ويضربون من رأوه يلبس حرزا, حتى إن غلاما في بيروت كاد بعض مجسمة هذا العصر أن يخنقه من أجل هذا.


الجمعة، 3 يوليو 2020

الـــرَّبُّ هــــو الله :

الـــرَّبُّ هــــو الله :

الـسَّــيِّــدُ المَـالِـــكُ ( لأنَّ اللهَ هــو المـالـكُ الحـقــيـقــيُّ لــنـا ولمــا نـَـمْـلِـــكـــهُ ) ،

ولا يُـقــالُ الــــرَّبُّ بالألـــف واللام الا َّ للهِ عَـــزَّ وجَــلَّ

فـالــرَّبُّ هــو اللهُ ، واللهُ وحْــدَهُ المُـسـتـَـحِـــق للعِـــبـادَة وهــو المَـعْــبـود بـِــحَــــقٍّ

قـال الله تعـالــى : ( وَلـكِـنْ كـُـونـُــوا رَبَّـــانِــيِّــيـنَ بـِــمَا كـُـنـْـتـُــمْ تـُـعَـلـِّــمُونَ الكـتـابَ وَبـِمَا كـُـنـْـتـُــمْ تـَـدْرُسُـونَ ) سورة ءال عـمران 79
قـال عـبـد الله بـن عـباس رضي الله عـنـهـمـا : كـــونــوا رَبـَّـانـيـِّــيـن : أي حُـلـَـمـاء فـُـقـَــهـاء

وقـــالَ إبــن الأعــرابــي : لا يُـقـال للعـــالـِــم رَبـَّــانـــيّ حـتـى يـكــون عـالـِــمًـا مُـعَــلـِّــمًـا عـامِـــلا ( أي عـامِـل بـِـعِـلـْــمِـه ) انتـهــى

نـسأل الله الكـريــم بمَـنـِّـهِ وكـَـرَمِــهِ أنْ يجْـعَـلنـا وإيـَّـاكـم مِـن الصالحـين الربَّــانِــيِّـين العُـلماء العــامِـلـين اللـَّـهُـــمَّ ءامــين

الـشـىء الـــذي يُـمـتـلـك يـَـصـحُّ لـُــغـَــة وشـــرعـًـا أن نـســأل عـنـه بـقـولــنـا : مَـن ربُّ هـــذا المــنـزل أو مَـن ربُّ هـــذه الســـيـارة أو هــذه الطـاولـــة ( مِـن غـير اللالف واللام - الــربُّ ) ؟؟

والـدلــيـل عـلـيـه مـن كــلام رســول الله صـلى الله علـيه وســلـم

عـن عــبد الله بـن جـعـفـر رضي الله عـنهـمـا قـال : دَخـَــلَ رســولُ الله صلى الله عـلـيه وسـلم حـائــطـًـا ( يـعـنـي دخـل لِـبُـسـتان) لـرجُــل ٍ مـــن الأنـصــار فـــإذا فــيه جَــمَـــل ، فــلـمَّـا رأى النــبـيَّ
( أي الجَـمَـل شـاهَــدَ رســولَ الله صلى الله عـلـيه وســلم ) حَــنَّ
( أي الجَـمَـل) وذرَفـَــت عَـيـْـــنـاهُ ( أي صــار يَـبـكـــي هـــذا الجَـمَــل ) فـَــأتـــاهُ رســـولُ الله صلى اللهُ عـلـيه وســلم فـَـمَـسَـــحَ ذفـــراهُ ، فـَـسَـكـَـــتَ ( أي الجَـمَـل إنـقـطـعَ عــن الـبُــكـاء ) فـقـالَ رســولُ الله صـلى الله عـلـيه وســلـم : مَــنْ رَبُّ هــــذا الجَـمَــل ؟؟؟؟
فـجـاءَ فـتـى مِــنَ الأنـصــار فـقـالَ لـه: أنــا يـــا رســولَ الله . فــقــالَ رســولُ اللهِ صـلى الله عـلـيه وســلــم : أفـَــلا تـَـتـَّــقــي الله فــي هـــذه البـهــيــمــة الـتــي مَـلـَّــكـَـــكَ اللهُ إيــَّــاهـا ؟ فــإنــهُ شــكـا إلـِـــيَّ أنـَّــكَ تـُـجـيـعُـهُ وَتـُـدئــبـهُ ( أي تـتـعِـبـهُ) . رواه الامـام احــمـد بـن حــنــبـل وأبــو داود وغـيــرهــمـا

وهـنـا مَـســئــلـة مُـهـِــمّــة : لا يـجـــوز أن يُــقـال رَبُّ العــائـــلـة ولا يـجــــــوز أن يُــقــال رَبُّ الأســـــرَة فـهــذا بــاطــل وخـــلاف الـــديــــن

لــو ســألك ســـائــل بـقــولــه مَــن رَبـُّــك ؟ فـنـجـــيــب مـبـاشــرة ربـِّـــي الله ولا يُـقـال والــدي ولا يُـقـال أبـــي .

لأن ربَّ البـشــر الأحـــرار هــو الله وحـــدهُ وهــو ربُّ كــلِّ شــــىء .

وهـنـا مـسـئـلة تـنـاســب المـقـام أن نــذكــرهــا فـَــتـنـبَّـهـوا لـهـا حـفِـظـَـكـم الله وهـي انَّ مـعـنـى الـعِـــيــال فــي اللغـة العـربيـــة الناس الـذي يُـنـْـفِـق عـليهـم الشخـص ولـو كانــوا أعــمامه أو أخـــواله وزوجـــاته ووالِـدَيـْــه بمعـنى أنهُــم تحـت نـَـفـَـقـَـتِـهِ ورعـايَـتِـه لِكـَـونِـهـِـم مُـحـتاجـين إليـه وهــو يَـكـفـيـهـم نـَـفـَـقـاتـهـم

ولا يوجــد فـي اللغــة العــربـيـة عِــيال بمـعــنى الأولاد وهــذه العِــبارة مِـن جُـمـلة مـا أخـْـرَجَـهُ النـاسُ عـن مَـعْــنـاهُ الأصْـلِـيّ

هــذه اللـفـظـة عـيـالــي يَـفـهَـمـها بـعـض النــاس عـلى اللـغـة المَـحَـلـِّــيـَّـة ( لـهـجـة العــوام من النـاس ) فـيَـقـَـعـونَ فـي الكـفـر لأنـهُــم يَـفـهَـمــونَ مِـن كـلـمة عِـــيـال أبْــنــاء والعِــيـاذ بـاللهِ تعــالـى عند ايرادهم للحديث الضعيف الغير صحيح

الخـَـلـْـقُ عِـيـالُ الله وأحَـبـهـم إلـى الله أنـفـعـهـم لِـعِـــيـالِـهِ

ولا يُـقـال أولاد الله بالمـعـنـى المَـجــاز فـهـذا كـفـــر وضـــلال أيــضـًـا
فهـل تـرضـى يـا إنـسـان أن يـُــقـال لك أنت أبــن ضـفـدع أو ابـن فـــأر مَـجـازًا ؟؟ كــلا لا أحـــد يَـقــبـل ذلك ، فـكـيـف بـمـالِــك المُـلـك والعــزيــز الـقـــدُّوس ربّ العِــزَّة ســبـحـانـه وتعـالــى عـمَّـا يَـقــولُ الـظالـِـمـونَ عُــلـُــوًّا كــبـيـرا .

ويـوجــد حــديــث ســاقِــط شـــديــد الـضـعـف لـيـس صـحـيـحًـا يَـقـولـه كـثـيـر مـن الخـُـطـَـبـاء : الخـَـلـْـقُ عِـيـالُ الله وأحَـبـهـم إلـى الله أنـفـعـهـم لِـعِـــيـالِـهِ . قـال الامــام الـبـخـاريُّ هـذا مـنـكـر الحــديـث
ولـو صــحَّ هـذا الحـديــث لـكـان مـعـنـاهُ فـُـقـــــــراء الله كـمـا قـال الإمـامُ المُـنــاويُّ عِــنـدَ شــرح هــذا الحــديـث أي فـُــقـَـــراء إلـى الله تعـالـى .

واللهُ تـبـاركَ وتـعـالــى أعـلمُ وأحكـم وصلى الله وسَـلـَّــمَ عـلى نبـيِّــنا محمَّــد وعـلى ءاله وصحبه

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...