الرد على من يحرم لبس الحروز من كتاب الله أو ذكر الله
العجب العجاب أن مجسمة هذا العصر يمنعون من هذه التعاويذ والحروز التي ليس فيها إلا شيء من القرءان أو ذكر الله ويقطعونها من أعناق من يحملها قائلين: هذا شرك, فبماذا يحكمون على عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره من الصحابة الذين كانوا يعلقون هذه على أعناق أطفالهم الذين لم يبلغوا, أيحكمون عليهم بالشرك, وماذا يقولون في أحمد بن حنبل الذي سمح بها, وماذا يقولون في الإمام المجتهد ابن المنذر.
كفاهم خزيا أن يعتبروا ما كان عليه السلف شركا.
الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم و الرقى التي فيها شرك أو كلام قبيح أما الرقى التي فيها اسم الله, أو قراءة قرءان, وذكر الله, فهو جائز.
كذلك أسماء أهل الكهف, أسماء أهل الكهف فيها بركة, بعض العلماء المتقدمين, ومنهم صلاح الدين الصفدي, الذي كان قبل ثمانمائة سنة, قال في كتابه ذخائر القصر إن هذه الأسماء تنفع هذا ينفع لكذا وهذا لكذا وهذا لكذا.
كذلك أسماء الملائكة كجبريل وإسرافيل وعزرائيل وميكائيل فيها بركة.
من كتب أسماءهم وعلّقها فهو جائز.
وأما الذي لا يجوز فهو كتابة أسماء النجوم, ورؤساء الشياطين, شياطين الإنس والجن لا يجوز التبرك بهم.
التمائم التي نهى الرسول عنها, هي خرزات, العرب الذين كانوا مشركين قبل أن يسلموا ويؤمنوا بالرسول, كانوا يُعلقونها على أولادهم, على زعمهم تدفع العين بدون مشيئة الله, لا يعتقدون أن الله بمشيئته يدفع الأذى عمن يعلق الخرزات. كانوا يعتقدون أنها تدفع الأذى بذاتها.
وها هي أقوال علماء أهل السنة والجماعة تشهد على ما نقول..
فقد روى الحافظ ابن حجر في الأمالي عن محمد بن يحيى بن حبان – بفتح المهملة وتشديد الموحدة – وهو الأنصاري أن خالد بن الوليد كان يأرق من الليل, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون. قال: هذا مرسل صحيح الإسناد أخرجه ابن السني.
وروى عن محمد بن يحيى بن حبان أن الوليد بن الوليد بن المغيرة شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث نفس يجده فقال: إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة فذكره سواء وزاد في ءاخره: فوالذي نفسي بيده لا يضرك شيء حتى تصبح, قال: وهذا مرسل صحيح الإسناد أخرجه البغوي.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع, وفي رواية إسماعيل: إذا فزع أحدكم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون, وكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من بنيه أن يقولها عند نومه ومن لم يبلغ كتبها ثم علّقها في عنقه.
قال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه الترمذي عن علي بن حجر, عن إسماعيل ابن عباس, وأخرجه النسائي عن عمرو بن علي الفلاس عن يزيد بن هارون. اهـ.
وأما الحديث الذي رواه أبو داود:{ إن الرقى والتمائم والتولة شرك}, فليس معناه التمائم والتعاويذ التي فيها قرءان أو ذكر الله لكن مجسمة هذا العصر حرّفت الحديث, والتمائم معروف معناه في اللغة وهي الخرز كانت الجاهلية تضعها على أعناق الغلمان, كما أن الرقى التي قال الرسول إنها شرك هي رُقى الجاهلية وما كان في معناها, وليس المراد بها الرّقى التي فعلها الرسول وغيره من الصحابة.
فانظروا أيها المسلمون كيف يحرّفون الكلم عن مواضعه.
وفي كتاب مسائل الإمام أحمد لأبي داود السجستاني ما نصه:{ أخبرنا أبو بكر, قال حدثنا أبو داود, قال: رأيت على ابن لأحمد وهو صغير تميمة – أي حرز – في رقبته من أديم.
أخبرنا أبو بكر, قال: حدثنا أبو داود, سمعت أحمد سئل عن الرجل يكتب القرءان في شيء ثم يغسله ويشربه؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس. قال أبو داود: سمعت أحمد قيل له: يكتبه في شيء ثم يغسله فيغتسل به؟ قال: لم أسمع فيه شيء}. اهـ.
وفي كتاب معرفة العلل وأحكام الرجال عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال:{ حدثني أبي, قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة, قال: أخبرني إسماعيل بن أبي خالد, عن فراس, عن الشعبي قال: لا بأس بالتعويذ من القرءان يعلق على الإنسان}. اهـ.
وقال عبد الله بن أحمد – في كتاب مسائل الإمام أحمد لعبد الله بن أحمد بن حنبل – :{ رأيت أبي يكتب التعاويذ للذي يصرع وللحمى لأهله وقراباته, ويكتب للمرأة إذا عسر عليها الولادة في جام أو شيء نظيف, ويكتب حديث ابن عباس, إلا أنه كان يفعل ذلك عند وقوع البلاء, ولم أره يفعل قبل وقوع البلاء, ورأيته يعوّذ في الماء ويُشربه المريض, ويصب على رأسه منه, ورأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه يقبّلها, وأحسب أني قد رأيته يضعها على رأسه وعينه, فغمسها في الماء ثم شربه يستشفي به, ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها إليه أبو يعقوب بن سليمان بن جعفر فغسلها في جب الماء ثم شرب فيها, رأيته غير مرة يشرب من ماء زمزم يستشفي به ويمسح يديه ووجهه}. اهـ.
وفي مصنف ابن أبي شيبة ما نصه:{ حدثنا أبو بكر قال: حدثنا علي بن مسهر, عن ابن أبي ليلى عن الحكم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: إذا عسر على المرأة ولدها, فيكتب هاتين الآيتين والكلمات في صحفة ثم تغسل فتسقى منها:{ بسم الله لا إله إلا هو الحليم الكريم, سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم}, { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها}, { كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بالغ}, { فهل يُهلك إلا القوم الفاسقون}.} اهـ.
قال الحافظ ابن المنذر في الأوسط:{ ورخص بعض من كان في عصرنا للجنب والحائض في مس المصحف ولبس التعويذ ومس الدراهم والدنانير التي فيها ذكر الله تعالى على غير طهارة, وقال معنى قوله:{ لا يمسه إلا المطهرون} الملائكة ،كذلك قال أنس وابن جبير ومجاهد والضحاك وأبو العالية, وقال: وقوله:{ لا يمسه إلا المطهرون} خبر بضم السين ولو كان نهيا لقال لا يمسه, واحتج بحديث أبي هريرة وحذيفة عن النبي عليه السلام أنه قال:{ المؤمن لا ينجس} والأكثر من أهل العلم على القول الأول, وقد روينا عن ابن جبير أنه بال ثم توضأ وضوءه إلا رجليه ثم أخذ المصحف. وروي عن الحسن وقتادة أنهما كانا لا يريان بأسا أن يمس الدراهم على غير وضوء يقولان جبلوا على ذلك. واحتجت هذه الفرقة بقول النبي عليه السلام لعائشة: أعطني الخمرة, قالت: إني حائض, قال:{ إن حيضتك ليست في يدك}, وبقول عائشة: كنت أغسل رأس النبي عليه السلام وأنا حائض, قال: وفي هذا دليل على أن الحائض لا تنجس ما تمس إذ ليس جميع بدنها بنجس, ولما ثبت أن بدنها غير نجس إلا الفرج ثبت أن النجس في الفرج لكون الدم فيه, وسائر البدن طاهر} اهـ.
وفي كتاب الآداب الشرعية لشمس الدين بن مفلح الحنبلي ما نصه:{ قال المروزي: شكت امرأة إلى أبي عبد الله أنها مستوحشة في بيت وحدها فكتب لها رقعة بخطه بسم الله وفاتحة الكتاب والمعوذتين وءاية الكرسي وقال كتب إليّ أبو عبد الله من الحمى: بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله ومحمد رسول الله:{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}. اللهم رب جبريل وميكائيل اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق ءامين, وقال: وقال صالح ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحا فيه ماء فيقرأ عليه ويقول لي اشرب منه واغسل وجهك ويديك. ونقل عبد الله أنه رأى أباه يعوذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه ويصبّ على نفسه منه, قال عبد الله ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم فيستشفي به ويمسح به يديه ووجهه وقال يوسف بن موسى: إن أبا عبد الله كان يؤتى بالكوز ونحن بالمسجد فيقرأ عليه ويعوذ. قال أحمد يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولدها في جام أبيض أو شيء نظيف بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين { كأنهم يوم يرون يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ} { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} ثم تسقى منه وينضح ما بقي على صدرها, وروى أحمد هذا الكلام عن ابن عباس ورفعه ابن السني في عمل يوم وليلة} اهـ.
قال اللغوي الجوهري في الصحاح ما نصه:{ والتميمة: عُوِذَةٌ تعلق على الإنسان, وفي الحديث:{ من علق تيميمة فلا أتم الله له}, ويقال: هي خَرَزَة, وأما المَعاذاتُ إذا كُتب فيها القرءان وأسماء الله عز وجل فلا بأس بها} اهـ. ونقل ذلك أيضا اللغوي ابن منظور في لسان العرب.
وروى البيهقي في السنن الكبرى عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{ من علق تميمة فلا أتم الله له, ومن علق وديعة فلا ودع الله له} قال البيهقي: وهذا أيضا يرجع معناه إلى ما قال أبو عبيد, وقد يحتمل أن يكون ذلك وما أشبهه من النهي والكراهية فيمن تعلقها وهو يرى تمام العافية وزوال العلة منها على ما كان أهل الجاهلية يصنعون, فأما من تعلقها متبركا بذكر الله تعالى فيها وهو يعلم أن لا كاشف إلا الله ولا دافع عنه سواه فلا بأس بها إن شاء الله.
ثم قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا هارون بن سليمان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن طلحة بن أبي سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ليس التميمة ما يعلق قبل البلاء, إنما التميمة ما يعلق بعد البلاء ليدفع به المقادير. ورواه عبدان عن ابن المبارك وقال في متنه أنها قالت: التمائم ما علق قبل نزول البلاء, وما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة. أنبأنيه أبو عبد الله إجازة أخبرني الحسن بن حليم أنبأ أبو الموجه أنبأ عبدان أنبأ عبد الله فذكره. وهذا أصح..
أخبرنا أبو زكريا وأبو بكر بن الحسن قالا حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ليست التميمة ما علق بعد أن يقع البلاء. وهذا يدل على صحة رواية عبدان..
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن السلمي من أصله وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن سنان حدثنا عثمان بن عمر أنبأ أبو عامر الخراز عن الحسن عن عمران بن الحصين رضي الله عنه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقه حلقه من صفر فقال:{ ما هذه؟} قال: من الواهنة, قال:{ أيسرك أن توكل إليها, انبذها عنك}.
أخبرنا الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطوسي حدثنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه حدثنا إبراهيم بن علي حدثنا يحيى بن يحيى أنبأ وكيع عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن عبد الله بن حكيم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من تعلق علاقة وكل إليها}.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا حدثنا أبو العباس حدثنا هارون حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن قتادة عن واقع بن سحبان عن أسير بن جابر قال: قال عبد الله رضي الله عنه: من تعلق شيئا وكل إليه. قال: وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن جرير بن حازم قال: سمعت الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من تعلق شيئا وكل إليه}. قال: وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن الحجاج عن فضيل أن سعيد بن جبير كان يكتب لابنه المعاذة قال وسألت عطاء فقال: ما كنا نكرهها, إلا شيئا جاءنا من قبلكم.
أخبرنا أبو زكريا بن إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالا: حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد أنه سأل يحيى بن سعيد عن الرقى وتعليق الكتب فقال: كان سعيد بن المسيّب يأمر بتعليق القرءان وقال: لا بأس به.
قال الشيخ – أي البيهقي – رحمه الله: وهذا كله يرجع إلى ما قلنا من أنه إن رقى بما لا يعرف أو على ما كان من أهل الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز, وإن رقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله متبركا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى فلا بأس به. وبالله التوفيق. اهـ
فالحديث الذي رواه أبو داود:{ إن الرقى والتمائم والتولة شرك} ليس فيه ما يذكرونه هم من أن من علق الحرز الذي فيه قرءان فقد أشرك ولو كان اعتقاده أن الضار والنافع في الحقيقة هو الله وأن الحرز لا يخلق المنفعة والمضرة ورد العين.. فكلامهم هذا مخالف للشرع.. فهم وضعوا الحديث في غير موضعه وحرفوا معناه..
وإنما معنى الحديث ما ذكره المناوي في شرح الجامع الصغير ونص عبارته بعد إيراده للحديث:{ أي من الشرك سماها شركاً لأن المتعارف منها في عهده ما كان معهوداً في الجاهلية وكان مشتملاً على ما يتضمن الشرك أو لأن اتخاذها يدل على اعتقاد تأثيرها ويفضي إلى الشرك ذكره القاضي, وقال الطيبي رحمه الله: المراد بالشرك اعتقاد أن ذلك سبب قوي وله تأثير وذلك ينافي التوكل والانخراط في زمرة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون لأن العرب كانت تعتقد تأثيرها وتقصد بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى وهكذا كان اعتقاد الجاهلية فلا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله وكلامه ولا من علقها بذكر الله تبركاً عالماً أنه لا كاشف إلا الله فلا بأس به} اهـ.
وقال الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي ما نصه:{ (والتمائم) جمع تميمة وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين ثم توسعوا فيها فسموا بها كل عوذة (والتولة) كعنبة ما يحبب المرأة إلى الرجل من السحر أي من الشرك, سماها شركا لأن المتعارف منها في عهد الجاهلية كان مشتملا على ما يتضمن الشرك, أو لأن اتخاذها يدل على اعتقاد تأثيرها ويفضي إلى الشرك أو ينافي التوكل والانخراط في زمرة الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون, لأن العرب كانت تعتقد تأثيرها وتقصد بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى, وهكذا كان اعتقاد الجاهلية, فلا يدخل في ذلك ما كان من أسماء الله وكلامه ولا من علقها تبركا بالله عالمًا أنه لا كاشف إلا الله فلا بأس به}. اهـ.
وقال اللغوي الأزهري ما نصه:{ قلت: التمائم واحدتها تميمة وهي خَرَزات كانت الأعراب يعلقونها على أولادهم يتقون بها النفس والعين بزعمهم, وهو باطل} اهـ.
وقال ابن الأثير ما نصه:{ التمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتَّقون بها العين في زعمهم, فأبطلها الإسلام} وكذا ذكر البغوي.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري في شرح البخاري ما نصه:{ والتمائم جمع تميمة وهي خرز أو قلادة تعلق في الرأس كانوا في الجاهلية يعتقدون أن ذلك يدفع الآفات, والتولة بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها وهو ضرب من السحر, وإنما كان ذلك من الشرك لأنهم أرادوا دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله, ولا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله وكلامه}. اهـ.
وقال المفسر أبو عبد الله القرطبي ما نصه: الخامسة: قال مالك: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك بها إذا لم يُرِد معلّقها بتعليقها مدافعة العين, وهذا معناه قبل أن ينـزل به شيء من العين, وعلى هذا القول جماعة أهل العلم لا يجوز عندهم أن يعلّق على الصحيح من البهائم أو بني ءادم شيء من العلائق خوف نزول العين, وكل ما يعلّق بعد نزول البلاء من أسماء الله عز وجل وكتابه رجاء الفرج والبُرْء من الله تعالى فهو كالرّقى المباح الذي وردت السنة بإباحته من العين وغيرها. وقد روى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ إذا فَزِع أحدكم في نومه فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر الشياطين وأن يحضرون}, وكان عبد الله يعلمها ولده من أدرك منهم, ومن لم يدرك كتبها وعلقها عليه.
فإن قيل: فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ من علّق شيئا وُكِل إليه}, ورأى ابن مسعود على أمّ ولده تميمة مربوطة فجذبها جَبْذا شديدا فقطعها وقال:{ إن ءال ابن مسعود لأغنياء عن الشرك}, ثم قال:{ إن التمائم والرقى والتولة من الشرك}, قيل: ما التولة؟ قال: ما تحبّبت به لزوجها, وروى عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{ من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له قلبا}. قال الخليل بن أحمد: التميمة قلادة فيها عُوَذ, والودعة خرز, وقال أبو عمر: التميمة في كلام العرب القلادة, ومعناه عند أهل العلم ما علق في الأعناق من القلائد خشية العين أو غيرها أن تنـزل أو لا تنـزل قبل أن تنـزل فلا أتمّ الله عليه صحته وعافيته, ومن تعلّق ودعة – وهي مثلها في المعنى – فلا ودع الله له أي فلا بارك الله له فيه من العافية, والله أعلم.
وهذا كله تحذير مما كان عليه أهل الجاهلية يصنعونه من تعليق التمائم والقلائد ويظنون أنها تقيهم وتصرف عنهم البلاء, وذلك لا يصرفه إلا الله عز وجل, وهو المعافي والمبتلي لا شريك له, فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كانوا يصنعون من ذلك في جاهليتهم, وعن عائشة قالت: ما تعلق بعد نزول البلاء فليس من التمائم, وقد كره بعض أهل العلم تعليق التميمة على كل حال قبل نزول البلاء وبعده, والقول الأول أصح في الأثر والنظر إن شاء الله تعالى.
وما روي عن ابن مسعود يجوز أن يريد بما كره تعليقه غير القرءان أشياء مأخوذة عن العراقيين والكُهّان, إذا الاستشفاء بالقرءان معلّقا وغير معلق لا يكون شركا, وقوله عليه السلام:{ من علق وُكل إليه} فمن علق القرءان ينبغي أن يتولاه الله ولا يكله إلى غيره, لأنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكَّل عليه في الاستشفاء بالقرءان.
وسئل ابن المسيّب عن التعويذ أيعلّق؟ قال: إذا كان في قصبة أو رقعة يحرز فلا بأس به, وهذا على أن المكتوب قرءان. وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسا أن يعلّق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الجماع وعند الغائط, ورخص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ يعلق على الصبيان, وكان ابن سيرين لا يرى بأسا بالشيء من القرءان يعلّقه الإنسان}. اهـ.
وقال ابن الأثير ما نصه:{ والحديث الآخر:{ من علق تميمة فلا أتم الله له}, كأنهم كانوا يعتقدون أنها تمام الدواء والشفاء, وإنما جعلها شركا, لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم, فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه} اهـ.
وقال المناوي في شرح هذا الحديث ما نصه:{ (من تعلق شيئا) أي تمسك بشيء من المداواة واعتقد أنه فاعل للشفاء أو دافع للداء (وكل إليه) أي وكل الله شفاءه إلى ذلك الشيء فلا يحصل شفاؤه, أو المراد من علق شيئا من أسماء الله الصريحة فهو جائز بل مطلوب محبوب فإن من وكل إلى أسماء الله أخذ الله بيده, وأما قول ابن العربي:{ السنة في الأسماء والقرءان الذكر دون التعليق} فممنوع, أو المراد من تعلقت نفسه بمخلوق غير الله وكله الله إليه فمن أنزل حوائجه بالله والتجأ إليه وفوض أمره كله إليه كفاه كل مؤنة وقرّب عليه كل بعيد ويسر له كل عسير, ومن تعلق بغيره أو سكن إلى عمله وعقله واعتمد على حوله وقوته وكله الله إلى ذلك وخذله وحرمه توفيقه وأهمله فلم تحصص مطالبه ولمن تتيسر مآربه وهذا معروف على القطع من نصوص الشريعة وأنواع التجارب} اهـ.
وقال البغوي ما نصه:{ وقال عطاء: لا يعد من التمائم ما يكتب من القرءان, وسئل سعيد بن المسيب عن المصحف الصغار يكتب فيه القرءان فيعلق على النساء والصبيان فقال: لا بأس بذلك إذا جُعل في كير من ورق أو حديد أو يخرز عليه}. اهـ.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه تحت باب "من رخّص في تعليق التعاويذ" أن سعيد بن المسيب سئل عن التعاويذ فقال: لا بأس إذا كان في أديم.
وروى عن عطاء في الحائض يكون عليها التعويذ قال: إن كان في أديم فلتنـزعه, وإن كان في قصبة فضة فإن شاءت وضعته وإن شاءت لم تضعه, وعن ثوير قال: كان مجاهد يكتب للناس التعويذ فيعلقه عليهم, وعن جعفر عن أبيه أنه كان لا يرى بأسا أن يكتب القرءان في أديم ثم علقه, وعن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا بالشيء من القرءان, وعن أيوب أنه رأى في عضد عبيد الله بن عبد الله بن عمر خيطا, وعن عطاء قال: لا بأس أن يعلق على الصبيان فرخّص فيه, وعن يونس بن خباب قال: سألت أبا جعفر عن التعويذ يعلق على الصبيان فرخّص فيه, وعن الضحاك لم يكن يرى بأسا أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعته عند الغسل وعند الغائط
وروى ابن أبي الدنيا عن حجاج قال: أخبرني من رأى سعيد بن جبير يكتب التعاويذ للناس والرجل الغير مسمى جاء مصرحا به في رواية البيهقي أنه فضيل.
ولنذكر أخيرا ما قاله الحافظ المؤرخ ابن طولون من التبرك بأسماء أهل الكهف في كتابه ذخائر القصر في ترجمة محمد بن إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الراميني الأصل الصالحي الدمشقي الحنبلي ما نصه:{ وأنشدته ما وجدته بخط العلامة شهاب الدبن بن حجّي الدمشقي, ما أخبرنا به عنه أبو الفتح محمد بن محمد المزي, قال: أخبرنا قاضي القضاة جمال الدين أبو اليمن محمد بن أبي بكر المراغي المدني بمنـزله بها يوم الأحد الثامن والعشرين من صفر سنة ثمانمائة وخمس عشرة في أسماء أصحاب الكهف وأجاز لي روايته عنه وجميع ما يجوز له روايته (شعر):
يا من يروم عد أهل الكهف — هم سبعة إحفظ بغير خلف
وإنما الخلف جرى في التسمية — فخذ على المشهور منها نظميه
مُكَسلَمين تلوه أمليخا — ومَرَطونِس شاع كن مصيخا
وبعده يا صاح يَنْيونِس رُقِم — وسازَمُونِس فاضبطنه واستقم
وبعده دوانوانِس فاستمع — كذاك كَشْفِيطط يليه فاتبع
وكلبهم شاع اسمه قِطمير — ثامنهم هذا هو المشهور
فأول الأسماء إن كتبته — بخرقة ثم إذا نبذته
وسط الحريق أخمدت نيرانه — في الوقت قد قالوا أتى برهانه
والثاني إن كتبته وألقي — في البحر يسكن هيجه بصدق
وإن يعلق ثالث الأسماء — بفخذ المسافر المشاء
لم يعي ما دام عليه أبدا — ولو سعى بالأرض في طول المدا
ويكتب الرابع أيضا يجعل — في المال للحفظ كما قد نقلوا
وعلق الخامس بعد كتبه — على الذي يحم وانفعه به
يا صاح واجعل سادس الأسماء — حرزا على ذي الجيش في الهيجاء
والسابع اكتبنه في الإناء — علقه واسقه للاصطفاء
وقال بعض العلماء نفعها — لستة أشياء جل وقعها
فعد منها طلبا وهربا — وللحريق مثل ما قد كتبا
ولبكاء الطفل أيضا ترقم — في المهد تحت رأسه وترسم
كذا صداع ضربان حمى — فاحفظ هديت ضبط هذا نظما}. اهـ.
ومن وحشية هؤلاء المجسمة أنهم يصولون ويضربون من رأوه يلبس حرزا, حتى إن غلاما في بيروت كاد بعض مجسمة هذا العصر أن يخنقه من أجل هذا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق