بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 ديسمبر 2019

مشاركة غير المسلمين في أعيادهم الدينيّة حرام

مشاركة غير المسلمين في أعيادهم الدينيّة حرام
=============================

الحمد للهِ رَبِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا مُحَمَّدٍ إمامِ الزاهدينَ وعلى جميعِ إخوانهِ من النبيِّين والمرسَلين وعلى ءالهِ وصحابتهِ من السابقينَ الأوَّلينَ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
قال الله تعالى: {والسابقونَ الأوَّلونَ من المهاجرينَ والأنصارِ والذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي الله عنهم ورَضُوا عنه وأعَدَّ لهم جَنَّاتٍ تجري تحتَها الأنهارُ خالدينَ فيها أبدًا، ذلك الفوزُ العظيم} [التوبة/100] وقال عز وجل: {ومن يتولَّ اللهَ ورسولَه والذين ءامنوا فإنّ حزبَ الله هم الغالبون} [المائدة/56] وقال أيضًا: {ولن ترضى عنك اليهودُ ولا النصارى حتّى تتَّبع مِلَّتَهُمْ، قل إنّ هدى اللهِ هو الهدى، ولئنِ اتَّبَعْتَ أهواءَهم بعد الذي جاءك من العلمِ ما لك من الله من وليٍّ ولا نصير} [البقرة/120] وقال تعالى: {يا أيُّها الذين ءامنوا لا تَتَّخِذُوا اليهودَ والنصارى أولياءَ، بعضُهم أولياءُ بعض، ومن يتولَّهم منكم فإنّه منهم، إنّ اللهَ لا يَهْدِي القومَ الظالمين} [المائدة/51] وقال ايضًا: {يا أيُّها الذين ءامنوا لا تَتَّخِذُوا عدوِّي وعدوَّكم أولياءَ تُلْقُونَ إليهم بالمودَّة وقد كفروا بما جاءكم من الحَقِّ} [الممتحِنة/1] وقال: {لا تجدُ قومًا يؤمنون باللهِ واليومِ الآخِر يُوادُّونَ من حادَّ اللهَ ورسولَه ولو كانوا ءاباءَهم أو أبناءَهم أو إخوانَهم أو عشيرتَهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمانَ وأيَّدَهُمْ بروحٍ منه ويدخلُهم جَنَّاتٍ تجري من تحتِها الأنهارُ خالدين فيها، رضي الله عنهم ورَضُوا عنه، أولئك حزبُ الله، ألَا إنّ حزبَ الله هم المفلِحون} [المجادَلة/22]
أمُّ سَلَمَةَ، زوجُ رسولِ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، كانت تقول: "كان رسولُ اللهِ يصومُ يومَ السبتِ ويومَ الأحدِ أكثرَ مِمّا يصومُ من الأيّامِ ويقولُ إنّهما عيدا المشركين فأنا أحِبُّ أن أخالفَهم" رواه الإمامُ أحمدُ في (المسند). لقد كان رسولُ الله يكره موافقةَ الكُفَّارِ في أعيادِهم. ما كان يحبُّ موافقةَ الكُفَّارِ في أعيادهم. كان يصومُ السبتَ والأحَدَ مجتمعَين من أجلِ مخالفةِ اليهودِ والنصارى. اليهود يعظِّمون يومَ السبت، يتركون العملَ فيه، والنصارى يعظِّمون يومَ الأحد، يتركون العملَ فيه، فالرسولُ كان يصومُ هذين اليومَين مجتمعَين مخالفةً لهم مع العلم بأنّ هذين اليومين ليسا من الأعيادِ الدينيّةِ عندهم، ولكن بما أنّ اليهود يعظِّمون يومَ السبتِ والنصارى يعظِّمون يومَ الأحدِ كان الرسولُ يصومُ هذين اليومين مجتمعَين مخالفةً لهم. فكيف يجوز لنا أن نشارك الكُفَّارَ، أعداءَ الله، في أفراح أعيادِهم التي يعتبرونَها إعزازًا لدينهم كهذا الذي تسمِّيه النصارى عيدَ الميلاد؟!
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "من تشبَّه بقومٍ فهو منهم"، رواه أبو داودَ في (سننه)/كتاب اللباس بإسنادٍ صحيح. وورد عن رسولِ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم أنّه قال: "ليس مِنّا مَنْ تَشَبَّهَ بغيرنا. لا تَشَبَّهُوا باليهودِ ولا بالنصارى" رواه التِّرْمِذِيُّ في (سننه).
فكان مِمّا حرَّم اللهُ على عبادِه موافقةُ الكافرين على أعيادِهم الدينيّةِ ومشاركتُهم الفرحَ فيها. فلا يجوزُ مبادرةُ غيرِ المسلمينَ بالمعايدةِ في أعيادِهم الدينيّةِ، لأنّ هذا يُعَدُّ تَوَدُّدًا، والتودُّد إلى غير المسلمِ حرامٌ لا يجوز. ولا يجوزُ شراءُ ما يسمَّى بشجرةِ الميلادِ أو وضعُها في البيوتِ أو شراءُ الزينةِ لمناسبةِ عيدِهم الذي يسمُّونه الميلاد. ولا يجوزُ لنا أن نرسِل إليهم بطاقاتِ معايدة، ولا يجوز لنا أن نبيعَها لمن يريدُها لهذا الغرض. فاليومُ الذي تعظِّمه النصارى لكونهِ من أعيادِهم الدينيّةِ لا يجوز للمسلم أن يشاركَهم فيه إظهارَ الفرح، هذا حرام، وليس كفرًا، إلّا إذا عمِل عملًا نوى به تعظيمَ ذلك اليومِ أي لأنّه يرى أنّ لهذا اليومِ حرمةً ومنزلةً عند الله، فإنّه في هذه الحالِ يكونُ كافرًا. وهذا معنى كلامِ الإمامِ الحنفيِّ أبي حفصٍ: "لو أنّ رجلًا عبَد ربَّه خمسينَ سنةً ثمّ أهدى إلى بعضِ المشركينَ يومَ النَّيْرُوزِ هديّةً يريد بها تعظيمَ ذلك اليومِ فقد كفر"، أمّا إذا لم يرِد تعظيمَ ذلك اليومِ فلا يكفُر. والنَّيْرُوزُ من أكبر الأعيادِ الدينيّةِ عند المجوسِ، عُبَّادِ النار.
ولا يقالُ لأعيادِ النصارى الخاصّةِ بدينهم "إنّها مجيدة". اليومُ الذي يُتَّخَذُ للإشراكِ بالله لا يقالُ "إنّه مجيد". والذي يقولُ هذه الكلمةَ للنصارى على معنى أنّ يومَكم هذا الذي تحتفلون فيه مباركٌ مقبولٌ عند الله فقد كفر. وأمّا إذا قالَها للنصرانيِّ على معنى أنّك أيُّها المخاطَب تكونُ في هذا اليومِ في راحةٍ وتنعُّم ولا يفهم منها غيرَ هذا فلا يكفُر، لكن حرام. فإن قالها له بعدما فهِم معناها الأصليَّ الفاسدَ فقد كفر ولو لم يقصِد المعنى لأنّ اليومَ المجيدَ هو اليومُ الذي له شرفٌ وفضلٌ عند الله، ولا يقالُ لليومِ الذي يُتَّخَذُ لإظهار الشركِ "مجيدًا".
حتّى إنّ هذا اليومَ الذي هو أوَّلُ يومٍ من أيّامِ السنةِ الروميّةِ لا يجوز لنا، نحن المسلمين، أن نشاركَ النصارى فيه احتفالَهم بحلوله. هذا حرام. هم يحتفلون بحلولهِ لأنّهم يعظِّمونه. هذا بدعتُهم وليس من عاداتِ المسلمين. صحيح هو ليس من أعيادِهم الدينيّة، ولكنّ النصارى يعظِّمونه، ويحتفلون به على طريقتهم التي ينبذها دينُنا الحنيف. فإطفاءُ الأضواءِ على الوجهِ الذي تفعلُه النصارى وغيرُ ذلك مِمّا يمارسونه كجلبِ الحلوى من أجلِ هذه المناسبةِ وتهيئةِ الطعامِ الخاصِّ بهذه المناسبةِ وسَماعِ الموسيقى والرقصِ ولبسِ البربارةِ والطربوشِ والزّمّورِ كلُّ هذا حرام، وكلُّ مساعدةٍ على ذلك حرام. جميعُ هذه الأعمالِ من بدع النصارى السَّيِّئَةِ المحرَّمة الخبيثة. ولا يجوز للآباءِ والأمّهاتِ أن يشتروا هذه الأشياءَ لأولادِهم. وكلُّ من يعمَل هذه الأعمالَ فقد تشبَّه بالنصارى عبادِ المسيح عليه وعلى نبيِّنا مُحَمَّدٍ الصلاةُ والسلام. وقد قال نبيُّنا محمّد: "من تشبَّه بقومٍ فهو منهم"، رواه أبو داودَ في(سننه)/كتاب اللباس بإسنادٍ صحيح.
والتشبُّه بالكُفَّارِ يكون كفرًا في حالٍ ويكونُ معصيةً دون الكفرِ في حال. فمن تشبَّه بهم في أعمالِهم الكفريّةِ وأقوالِهم الكفريّةِ فهو كافرٌ مثلُهم، وأمّا التشبُّه بهم في عاداتِهم الخاصّةِ بهم مِمّا هي دون الكفر فليس كفرًا، لكن حرام لا يجوز.
نحن نحب سيدنا المسيح عليه السلام ونحترمه لكونه نبيًا وسيدنا عيسى عليه السلام هو مسلم ونحن أحق به منهم. ولكن في يوم الميلاد بزعمهم يقولون أشياء كفرية عن الله وعن سيدنا عيسى عليه السلام لذلك لا يجوز لنا أن نشاركهم في هذا اليوم بأن نقول لهم أي عبارة من عبارات التهنئة.
فانتبهوا أكرمكم الله.
والحمد للهِ رَبِّ العالَمين.

التحذير من العرافين

التحذير من العرافين
روى الحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أتى كاهنًا أو عرّافًا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد"، أي من ذهب إلى كاهن أو عرّاف واعتقد أنّه يطّلع على الغيب فقد كفر والعياذ بالله، وأمّا من يظن أنه قد يوافق الواقع وقد لا يوافق الواقع ولكنه ليس مطّلعًا على الغيب، فإنه لا يكفر بل يكون عاصياً بسؤال الكهنة والعرّافين.ا
والكاهن هو الذي يتعاطى الإخبارعن الكائنات في المستقبل اعتمادًا على النظر في النجوم وعلى أسباب ومقدّمات يستدّل بها أو غير ذلك كالذين لهم أصحاب من الجن يأتونهم بالأخبار فيعتمدون على أخبارهم فيحدّثون الناس بأنه سيحصل كذا. وأمّا العرّاف فهو الذي يُخبر عن المسروقات ونحوها، فإنّ هذا من سأله عن شيء فصدّقه بما قال له لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة أي لا ثواب له بصلاة الفرض ولا بصلاة النفل كل هذه المدّة، فقد روى مسلم في صحيحه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا "من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة".ا
وممن يدخل في ذلك أيضًا من يعتمد في أخباره على الضرب بالمندل والنظر في فنجان قهوة البن، وكذا الذي يعتمد على كتاب "قرعة الأنبياء" وكتاب "قرعة الطيور" وكتاب أبي معشر الفلكي الذي يدّعي أن البشر كلهم أحوالهم مرتبطة بالبروج الإثني عشر وأن كل مولود يرجع أمره إلى أحد هذه الأبراج، وكذلك الذين يعتمدون الضرب على الرمل المعروف عند بعض الناس والضرب بالحصى أو الحبوب.ا
ومن الكهّان من يسميهم الناس الروحانيين، يقولون فلان روحاني يعتمدون كلامه، ظنًّا منهم أن له اتصالاً بالملائكة وإنما هو معتمد على فسّاق الجن وكفارهم وغيرهم،ا ومنهم من يمسك مقدارًا من السبحة من غير عدّ ثم يعد قائلا افعل لا تفعل فإن انتهى إلى لفظ إفعليقول هذه الحاجة ناجحة. ومنهم من يقول مع المسبحة: الله محمد علي أبو جهل، فإن انتهى إلى لفظ الجلالة، أو إلى لفظ محمد أو لفظ علي يقول: إن الحاجة ناجحة، وإن وقف على أبي جهل يقول: إن الحاجة غير ناجحة،، يستعملون هذا لأسفارهم أو لصفقات البيع والشراء أو غير ذلك كالزواج، وكل هذا حكمه حكم الأزلام التي حرّم الله الاستقسام بها في القرءان بقوله {حرّمت عليكم الميتة والدّم} إلى قوله {وأن تستقسموا بالأزلام} (سورة المائدة ءاية 3). ا
المعوذتان إذا لازمهما الشخص صباحًا ومساءًا يحفظه الله من أذى الجن لكن مع تصحيح الحروف، بعض الناس يقرأونها بلا تصحيح حروف فلا يحصل لهم السر.ا
يوجد كتاب اسمه "كتاب شمس المعارف" منذ نحو خمسمائة سنة نشر بين الناس، وهذا الكتاب ينبغي إتلافه، وأن يُنادى بين الناس بإتلافه، فيه كهانة وفيه دعوة الشمس والقمر والكواكب زُحل وعُطارد والمريخ والمُشتري والزّهرة، ثم كثير من الناس جنّوا بسببه، يقول الكتاب إذا اختليت وقرأت كذا بعدد كذا، يومًا يأتيك روحاني وقد يقول أنت يصير لك جاه كبير أو بهذه الطريقة تفتح كنوزًا، والرجل الذي يطمع بهذا يصرف لثمن البخور مالا ويبقى يطمع أن يصل إليه ما يقوله هذا الكتاب، ثم احيانا الجن يربونه في الخلوة فيخرج مجنونًا، فينبغي للمؤمن قبل الدخول على الذين يخشى أن يعملوا له السحر أن يقرأ ءاية الكرسي والمعوذتين.ا
ثم إنه ينبغي ليحصل سر التحصن أن يقرأ بعد الغروب وبعد الفجر بعد الصلاة أو قبلها، من الفجر إلى نحو ثلاث ساعات هذا كله صباح، ومن الغروب إلى نحو ثلاث ساعات هذا وقت قراءة التحصن، وقراءة المعوذتين في الصلوات الخمس مهم أيضًا.ا
كثير من الناس إنما يذهبون إلى هؤلاء عندما يضيع لهم شيء او يُسرق لهم شيء أو يمرض لهم ولد أو يفقد لهم ولد، في هذه الحالات أكثر من غيرها يذهبون إليهم، ولا سيما الذي يسرق له مال يظن أنه يكشف له فيصرف له المال فيقع في ذنب كبير، في دفع المال له معصية وفي الذهاب إليه لسؤال ولو بدون دفع مال معصية.ا
والله اعلم واحكم.ا

جامع الأدلّة في تحريم شُرب الخَمْر

الحمد لله ربّ العالمين وصلَّى الله وسلَّم على سيّد المرسلين محمّد وعلى ءاله وصحبه الطيّبين الطاهرين، وبعد، اعلَم أنّ شُرب الخمرِ معصية كبيرة من أكبرِ الكبائرِ وليست هي أكبرَ الذنوب، لأن أكبر الذنوب على الإطلاق هو الكفر بجميع أنواعه التعطيل والتشبيه والتكذيب والإشراك، والكفر هو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى لمن مات عليه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومِن ذلِك اعتقادُ أنّ الله جِسمٌ أو نورٌ أو رُوحٌ أو أنّه يُشبِه شيئًا من المخلوقاتِ في وَصفٍ مِن الأوصاف كالحركة والانتقالِ والتحيّز في مَكانٍ وغير ذلك فذلك كُلُّه كُفرٌ يُخَلَّدُ مَن مات علَيه في النارِ، ثم بعدَ الكفر يأتي قتل النفسِ المؤمنةِ التي حرَّمَ الله إلا بالحقّ ثم الزنا وبعد الزنا يأتي ترك الصلاةِ وأكل الربا وشُربُ الخمر وكلُّها من كبائر الذنوب التي يَستَحِقُّ صاحِبُها العُقوبة في الآخِرة إن ماتَ ولم يَتُب مِنها لكنّه لا يُخَلَّدُ في النار إن مات علَى الإيمانِ حتّى وإن كان مُرتكبًا لعدّة أنواع مِن الكبائر. ثُمَّ حُرْمَةُ شُرب الخَمْرِ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرورةِ فَمَنْ أَنْكَرَ حُرْمَةَ الخَمْرِ خَرَجَ مِنَ الإسلامِ لأَنَّهُ كَذَّبَ القُرْءَانَ وَالحَدِيثَ النبويَّ والإجماعَ إلا أن يكونَ كقَرِيبِ عهدٍ بإسلامٍ ما سَمِعَ قَبْلَ أن عِندَ المُسلِمينَ يَحْرُمُ شُرْبُ الخَمرِ فهذا إذا استَحَلَّها لا يَكْفُرُ لكن يُعلَّمُ يُقَالُ لَهُ الخَمْرُ فِي دِينِ الإسْلامِ حَرَامٌ فَإِنْ رَجَعْتَ وَقُلْتَ هِيَ حَلالٌ تَكفُر. والخمرُ قد يكونُ منَ العنبِ أو التمرِ أو العسلِ أو الحنطةِ أو الشعيرِ أو الذرةِ أو البصل أو البطاطا أو التفاح أو غير ذلك. فكلُّ شراب غيَّرَ العقلَ معَ الطربِ أي مع النشوةِ والفرح فهو خمرٌ إنْ كان من عنبٍ أو عسلٍ أو ذرةٍ أو شعيرٍ أو غير ذلك أما عصيرُ العنبِ فيصيرُ خمرًا بعدَ الغليانِ مِنْ دونِ أن يُخلَطَ بهِ شىءٌ، أمّا العسلُ والشعيرُ والذُّرةُ والزَّبيبُ والتمرُ إنَّما يصيرُ خمرًا لَمّا يوضَعُ فيه ماءٌ ثمَّ يَمكثُ مُدّةً ثم يَغْلِي أي يَرْتفعُ ويطلَعُ منهُ صوتٌ يُقالُ له نَشِيشٌ عندئذٍ يصيرُ خمرًا. ثم إنَّ العسلَ إذا خُلِطَ بالماءِ وسُدَّ فمُ الإناءِ يصيرُ خمرًا في البلادِ الحارةِ في ظرفِ خمسةِ أيامٍ، أما في البلادِ الباردةِ يتأخَّرُ، وأما إنْ حُفِظَ العَسَل في إناء ولم يخلط بشىء وكان هذا العسلُ صافيًا ووُضِعَ في إناء الزُّجاجِ ونحوهِ يَبْقَى سنواتٍ طويلةَ من غيرِ أن يَفْسُدَ. ثم إن بعضَ الناسِ يُسكِرُهم قليلُ الخمرِ وكثيره، وبعض الناسِ لا يُسكِرهم إلا كثيرهُ، وكلٌّ حرامٌ القليل والكثيركما دلّ على ذلكَ ما سنذكره من الأحاديث والأدلّة الشرعية.

الدليلُ على حُرمةِ شرب الخمر: من القرءان: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) [البقرة: من الآية219]. (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90]. وفي معنى قول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الذينَ ءامنوا إنَّما الخمرُ والمَيسرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجْسٌ مِنْ عملِ الشيطانِ فاجتَنِبوهُ لعلَّكُم تُفلِحون [90] إنَّما يُريدُ الشيطانُ أن يُوقِعَ بينكم العداوةَ والبغضاءَ في الخمرِ والمَيْسِرِ ويَصُدَّكُمْ عنْ ذكرِ اللهِ وعنِ الصلاةِ فهلْ أنتُم مُنتَهونَ[91]﴾ [سورة المائدة/90-91] نقول: ﴿ والميسِر﴾ القمارُ، ﴿والأنصابُ﴾ نوع من الأوثان وهي حِجارةٌ يُهْريقُونَ الدم عبادةً لها لأنها تُنصَبُ فتُعبَد، ﴿رِجْسٌ﴾ أي نَجِسٌ أو خبيثٌ مُستَقذرٌ، ﴿من عملِ الشيطان﴾ لأنه يَحْمِلُ على هذا العَمَل فكأنَّهُ عَمَلهُ والضميرُ في ﴿فاجتنبوهُ﴾ يرجِعُ إلى الرجسِ أو إلى عملِ الشيطان أي فاجتَنِبوا الرِجسَ أو اجتنِبوا عَمَل الشيطان، ﴿لعلَّكم تُفلِحون﴾ أكَّدَ تحريمَ الخمرِ والمَيسرِ منْ وجوهٍ حيثُ صدَّرَ الجُملةَ بإنما وقَرَنها بعبادةِ الأصنامِ وجَعلهما رِجْسًا مِنْ عملِ الشيطانِ ولا يأتي منه – أي الشيطان – إلا الشرُّ البَحْتُ، وأمرَ بالاجتنابِ وجعلَ الاجتنابَ مِنَ الفلاح، وإذا كان الاجتنابُ فلاحًا كانَ الارتكابُ خَسارًا. وفي قوله تعالى ﴿إنما يريدُ الشيطانُ أن يُوقِعَ بينكم العداوةَ والبغضاءَ في الخمرِ والميسرِ ويصدكم عن ذكرِ الله وعن الصلاةِ﴾ بيانُ ما يَتولّدُ من الخمر والميسرِ من الوَبالِ وهو وقوعُ التَعادي والتباغُضِ بينَ أصحابِ الخمر والقمار وما يؤدِّيانِ إليهِ منَ الصَدّ عن ذكرِ الله وعن مُراعاةِ أوقاتِ الصلاةِ. وخَصَّ الصلاةَ من بينِ الذكرِ لزيادةِ دَرجتها، فكأنه قال (وعن الصلاة خصوصًا). وقوله تعالى﴿فهلْ أنتم مُنتَهون﴾ مِن أبلغِ ما يُنهَى به، كأنهُ قيل: (قد تُلِيَ عليكم ما فيهِما من أنواع الصَوارِفِ والزواجرِ فهل أنتم معَ هذه الصوارِفِ منتهون أم أنتم على ما كنتم عليه كأنْ لم تُوعَظوا ولم تُزجَروا). ويُفهَم من الآية أيضًا أنَّ القِمار من الكبائر. فقوله تعالى ﴿فاجتَنِبوهُ﴾ مع قوله ﴿فهل أنتم مُنتَهون﴾ دليلٌ على حُرمةِ شربِ الخمر، وقبلَ نزولِ هاتَينِ الآتينِ لم تكنِ الخمرةُ مُحرَّمةً على أمةِ مُحَمَّدٍ أي إذا كانت إلى القَدْر الذي لا يضُرُّ الجسم. ومع ذلك فإنّ الأنبياء لا يحثُّونَ أُمَمَهُم على شربِ الخمرِلأنّ ذلك ينافي حكمةَ البِعثةِ التي هي تهذيبُ النفوس، وقليلُ الخمر يؤدي إلى كثيره. وما يزعم بعضهم مِن أنّ سيدنا عيسى قال قليل من الخمرِ يُفَرّح قلبَ الإنسانِ فهو كذبٌ عليه. وأما قوله تعالى ﴿يا أيُّها الذينَ ءامنوا لا تَقرَبوا الصلاةَ وأنتُم سُكَارَى حتى تَعْلَموا ما تقولون﴾ [سورة النساء/43] فهذا نزلَ قبلَ التحريم، وكذلكَ قوله تعالى ﴿يسئلونكَ عنِ الخمرِ والمَيسرِ قُلْ فيهما إثمٌ كبيرٌ ومَنافِعُ للناسِ وإثمهما أكبرُ مِن نَفْعِهما﴾ [سورة البقرة/219] فهذا أيضًا ليسَ تحريمًا، لأنهم ظَلُّوا يَشْرَبُونَ الخمرَ بعدَ نزولِ هاتينِ الآيتَين بل لما نزلت هاتان الآيتانِ قالَ سيدنا عمر رضي الله عنه (اللهمَّ بيِّنْ لنا في الخَمْرِ بيانًا شافيًا) رواهُ أبو داود والترمذي والنسائي وابنُ ماجه. ولم يَفهم سيدنا عمر ولا غيرُه منَ الصحابةِ التحريمَ من هاتينِ الآيتين وانقَطعوا عن شُربها لما نَزلَ قوله تعالى ﴿فاجتَنِبُوهُ﴾ مع قوله تعالى ﴿ فهلْ أنتُم مُنتَهون﴾ لأنهم فَهِموا منهُ التحريمَ القَطْعِيَّ، والله تعالى – تسهيلاً عليهم حتى لا يكونَ عليهم مَشَقّةٌ زائدةٌ في الإقلاعِ عن شُربِ الخَمرِ – أَنْزَلَ التحريمَ شيئًا فشيئًا. ثم لما نَزلَ قولُه تعالى ﴿فاجتَنِبُوهُ﴾ مع قوله تعالى ﴿فهلْ أنتُم مُنتَهون﴾ قال سيدنا عمر (انتَهَينا انتَهَينا) وأَراقُوا الخمرَ حتى جَرَت في السِّكَكِ. وأما قوله تعالى ﴿تتخذونَ منهُ سَكرًا ورِزقًا حسَنًا﴾ [سورة النحل/67] فقد قالَ بعضُهم: السَّكَرُ هوَ الخَلُّ وقال بعضهم هذه الآيةُ نُسِخَت لما نَزَلَت ءايةُ التحريم.

منَ الحديث: عن ابن عُمَرَ عن عمر قال (نَزَلَ تحريمُ الخمرِ يَومَ نَزَلَ وهي مِن خمسةِ أشياء: مِنَ العِنَبِ، والتمْرِ، والعَسَلِ، والحِنْطَةِ والشَّعير، والخمرُ ما خَامَرَ العَقْلَ) رواه البخاري ومسلم وأبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه. عن عمر بن الخطاب قال: لما نزل تحريمُ الخمر، قال عمر: (اللَّهُمَّ بيِّن لنا في الخمرِ بيانًا شفاء، فنزلت الآية التي في البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} الآية [البقرة:219]، قال: فدُعِيَ عُمَرُ، فقُرِئَتْ عليه، قال: اللَّهُمَّ بيِّن لنا في الخمرِ بيانًا شفاءً، فنزلت الآية التي في النساء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء:43] فكان منادي رسول الله صلَّى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاةُ نادى: ألا لا يقربنَّ الصلاةَ سكرانُ، فدُعِيَ عُمرُ فقُرئَت عليه، فقال: اللَّهُمَّ بيِّن لنا في الخمرِ بيانًا شفاءً، فنزلت هذه الآية {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91]، قال عمر: انتَهَيْنا) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي في السنن. عن أنس قال: (كنتُ ساقيَ القوم حيث حُرِّمَتِ الخمرُ في منزل أبي طلحة، وما شرابُنا يومئذ إلا الفَضِيخُ، فدخل علينا رجلٌ، فقال: إن الخَمْر قد حُرِّمَت، ونادى مُنادِي رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم فقلنا: هذا منادي رسول الله صلَّى الله عليه وسلم) رواه البخاري ومسلم وأبو داود في سننه. عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: (لَعَن الله الخمرَ وشاربَها وساقيَها، وبائعَها ومبتاعَها، وعاصِرها ومعتصِرها، وحامِلَها والمحمولَةَ إليه) رواه الترمذي وأبو داود في سننهما وابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده عن ابن عباس. وليس في الحديث أنّ الناظرَ إليها مَلعونٌ كما شاعَ على ألسنةِ بعض العوامّ بل قولُ ذلكَ على الإطلاقِ ضلالٌ وكفرٌ والعياذ بالله. عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة) قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: (عصارة أهل النار) رواه أبو داود والسنائي في سننهما وابن حبان في صحيحه. عن عبدِ الله بن عمرو: أن نبيَّ الله صلَّى الله عليه وسلم نَهَى عن الخَمْرِ والمَيسِرِ والكوبة والغُبَيراء، وقال: (كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ) رواه أبو داود والنسائي في سننهما. عن معاويةَ بن أبي سُفيان قالَ: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: (إذا شَرِبُوا الخمر فاجلِدُوهُم، ثم إن شَرِبُوا فاجلدُوهُم، ثم إن شَرِبُوا فاجلِدُوهُم، ثُمَّ إنْ شَرِبُوا فاجلِدُوهُم، ثم إن شَرِبُوا فاقتُلُوهُم) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي في السنن وابن حبان في صحيحه. عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود في السنن. عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يخلط التمر بالزهو، ثم يشرب، وإن ذلك عامة خمورهم يوم حرمت الخمر) رواه مسلم وابن حبان في صحيحه. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود في السنن وابن حبان في صحيحه. عن أبي سعيد الخُدري أنّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ، وَلَا يَبِعْ) رواه مسلم. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (حُرِّمَتِ الْخَمْرُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ) رواه النسائي. عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسكَرَ كثيرُه فقليلُه حَرَامٌ) رواه النسائي وأبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه. عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كل مُسْكِرٍ حَرام، وما أسْكَرَ منه الفَرَقُ، فمِلءُ الكَفِّ منه حَرَامٌ” رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه، ومن طريق جابر بن عبد الله .وغيرِه رواه ابن ماجه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قليلِ ما أسكَر كَثِيرُه. رواه النسائي وابن حبان في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْبِتْعِ فَقَالَ: (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ) (وَالْبِتْعُ هُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وابن حبان في صحيحه.

من أقول بعض المفسّرين والعُلماء: قال القرطبي في تفسيره: (ولا خلاف بين علماء المسلمين أن – سورة المائدة – نزلت بتحريم الخمر). اهـ قال الخازن في تفسيره ما نصه: (فصل: في تحريم الخمر ووعيد من شربها) أجمعت الأمة على تحريم الخمر. اهـ وقال الطبري في تفسيره: (ثم نزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فحرّمت الخمر عند ذلك). اهـ وقال الثعلبي في تفسيره: (فأنزل الله تحريم الخمر في سورة المائدة إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى يَنْتَهُونَ وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام فقال عمر: انتهينا يا ربّ). اهـ وقال ابن عطيّة في تفسيره: (وإنما حرمت الخمر بظواهر القرآن ونصوص الأحاديث وإجماع الأمة). اهـ وقال الرازي في تفسيره: (مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ هُوَ الْمُسْكِرُ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الْخَمْرِ ثلاثة، اثنان مِنْهَا وَرَدَا بِلَفْظِ الْخَمْرِ أَحَدُهُمَا: هَذِهِ الْآيَةُ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) وَالثَّانِيَةُ: آيَةُ الْمَائِدَةِ وَالثَّالِثَةُ: وَرَدَتْ فِي السُّكْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى [النِّسَاءِ: 43] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَمْرِ هُوَ الْمُسْكِرُ). اهـ وقال البيضاوي في تفسيره: (واعلم أنه سبحانه وتعالى أكد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية، بأن صدر الجملة بـ إِنَّما وقرنهما بالأنصاب والأزلام، وسماهما رجساً، وجعلهما من عمل الشيطان تنبيهاً على أن الاشتغال بهما شرّ بحت أو غالب، وأمر بالاجتناب عن عينهما وجعله سبباً يرجى منه الفلاح، ثم قرر ذلك بأن بين ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية المقتضية للتحريم فقال تعالى (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)). اهـ وقال النسفي في تفسيره: (أكد تحريم الخمر والميسر من وجوه حيث صدر الجملة بإنما وقرنهما بعبادة الأصنام ومنه الحديث شارب الخمر كعابد الوثن وجعلهما رجسا من عمل الشيطان ولا يأتي منه إلا الشر البحت وأمر بالاجتناب وجعل الاجتناب من الفلاح وإذا كان الاجتناب فلاحاً كان الارتكاب خسارًا). اهـ وقال أيضا: (وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر). اهـ وقال القِنَّوجِي في تفسيره: (نزلت هذه الآية (إنما الخمر والميسر) فصارت حراماً عليهم حتى كان يقول بعضهم ما حرم الله شيئاً أشد من الخمر، وذلك لما فهموه من التشديد فيما تضمنته هذه الآية من الزواجر، وفيما جاءت به الأحاديث الصحيحة من الوعيد لشاربها وأنها من كبائر الذنوب. وقد أجمع على ذلك المسلمون جميعًا لا شك فيه ولا شبهة). اهـ وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم: (عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَوْنُهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ الْمُسْكِرَاتِ فَوَجَبَ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ). اهـ وقال القسطلّاني في شرحه على البخاري: (قد قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام). اهـ قال العمراني في البيان: (الخمر مُحَرّم والأصلُ فيه: الكتاب والسنة والإجماع). اهـ وقال الخطيب الشربيني في الإقناع: (وانعقد الْإِجْمَاع على تَحْرِيم الْخمر). اهـ وقال العلّامة الجَمَل في حاشيته على شرح المنهج: (وَقَدْ تَظَاهَرَتْ النُّصُوصُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ). اهـ وقال نجم الدين الصرصري في شرح مختصر الروضة: (وَعَلِمْنَا بِالْإِجْمَاعِ وُجُوبَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَاجْتِنَابِهِ). اهـ وقال البزدوي في أصوله: (فَإِنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ لِعَيْنِهَا). اهـ واللهَ نسألُ أن يحفظَنَا منَ المعاصِي وأن يوفِّقَنا إلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى وسًبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ. والله تعالَى أعلَم.

الخميس، 19 ديسمبر 2019

النبي الأمي الذي ملأ الدنيا علما

النبي الأمي الذي ملأ الدنيا علما
لم تعرف الدنيا ولا البشرية معلماً أمياً كسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي جعل الله فيه فصاحة اللسان وعذوبة المنطق وجوامع الكلم، فكان صلى الله عليه وسلم معلما مربيا هادياً منيرا، ومع كل هذا كان أمياً لا يقرأ الكلام المكتوب ولا يكتب وهذا من عظيم معجزاته إذ إنه أميٌ وتدينُ له العلماء وتغترفُ من علومه جهابذةُ أهل العلم وفحولُ أهل اللغة على مر السنين في مشارقِ الأرض ومغاربها ومع أميته عليه الصلاة والسلام أدهشَ دُهاةَ العرب ومع كونه عُرفَ بأنه لم يقصد شاعراً ولا درسَ على معلم ولا قرأ َالكتب فقد جاء بكلامٍ أعجزَ الشعراء والكتاب والبلغاء فكانت معجزة من معجزاته أنه ُأميّ ملأ َالدنيا علماً وحضارةً وأحاديثه ُعمدةٌ يُحتجُ بها وكلامه قاعدة يُلجأ إليها في اللغة والمنطق والبيان والخطابة والكتابة، كيف لا وهو الذي قال الله تعالى فيه{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4)} سورة النجم/ وثبتت أميتهُ عليه الصلاة والسلام بنص الحديث عند أول نزول الوحي لما قال له جبريل: أقرأ فقال ما أنا بقارىء.
والأمية في حقه عليه السلام مدحٌ والمدح فيها أنه أميٌ معلم وأميٌّ أعجزُ كبار العرب وتحداهم بلغتهم فيعجزون عن التحدي ويلجأون إلى الإفتراء والحرب والمكيدة مع علمهم أنه لايقرأ المكتوب ولا يكتب، ولو استطاعوا أن يتحدوه بمثل ما جاء به لما كلفوا أنفسهم الحرب، والأميّ ُفي لغة العرب هو الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب وسميَ أمياً أي على خلقة أمه لم يتعلم الكتابة فهو على جِبلَتهِ كما في قوله تعالى {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} 78 سورة البقرة/ وقال ابن منظور في كتاب لسان العرب [وقيل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الأمي لأن أمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب وبعثه الله رسولا وهو لا يكتب ولا يقرأ من كتاب وكانت هذه الخلة إحدى ءاياته المعجزة لأنه صلى الله عليه وسلم تلا عليهم كتاب الله منظما ً تارة بعد أخرى بالنظم الذي أنزل عليه فلم يغيره و لم يبدل الفاظه. وكان الخطيب من العرب إذا ارتجلَ خطبة ثم أعادها زادَ ونقص فحفظه الله عز وجل من ذالك، وأبانه من سائر من بعثه إليهم بهذه الآية التى باين بينهم بها ففي ذلك أنزل الله تعالى {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} 48 سورة العنكبوت/] انتهى من كتاب لسان العرب.
وقد وصف الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالأمي بقوله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}157 سورة الأعراف/ وفي الحديث عنه صلوات الله وسلامه عليه قال [إنا أمة أمية ٌ لا نكتبُ ولا نحسبُ] فليس المراد منه مدحُ الأمية بعدم القراءة والكتابة وإنما مُراده حسابَ النجوم لمعرفة أوائل الشهور وغيرها على عادة العرب في الجاهلية، ومما يدلُ على أن نبينا كانَ أمياَ معلما ما رواه البخاري في الصحيح من قصة الحديبية فإن فيه أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر علياً أن يكتبَ كتاب الصلح بينه وبين قريش كتب فيه [هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله، قالوا: لانقر بهذا ولو نعلم أنك رسول الله ما منعناك من شيئاً ولكن أنت محمد بن عبد الله ، فقال صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ، ثم قال لعليّ رضيّ الله عنه: أمحُ رسول الله (أي الكلمة ) فقالَ عليّ: لا والله لا أمحوكَ أبداً، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يُحسن يكتب فمحى كلمة َرسول الله].
وأما الشعرُ فإنه عليه السلام كان َ لاينظمُه وفي ذلك قوله تعالى {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}سورة يس69/ فقد أخبر الله تعالى عن نبيه أنه لم يؤتيه معرفة الشعر وأنه لا ينبغي له أي لا يصلحُ له، وفيه ردٌ على قول الكافرين أنه شاعرٌ، وأما ذكره عليه الصلاة والسلام في عدة مواضع فهو من نوع الرجز أو يكون حكاية عن غيره كقوله يوم استغاث الناس به للقحط فدعا الله فهطلَ المطر فقال [للهِ دَرُ أبي طالب لو كانَ حياً قَرتْ عينَاهُ]، من يُنشِدُ قوله، فقامَ عليٌّ فذكرَ قولَ ابي طالب:
وأبيضُ يُستَسقىَ الغَمَامُ بوجهِه ِ ~~~ ثِمالُ اليتامىَ عِصمَة ٌ للأرَامِل ِ
وفي الحديث أيضا أنه صلى الله عليه وسلم خرج في غداةٍ باردة ٍ يومَ الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرونَ الخندق في البرد فقال [اللهمَ إنَّ العيشَ عَيشُ الآخرة فاغفر للأنصارِ والمهاجرة] فأجابوه: نحنُ الذينَ بايعوا محمداَ على الجهادِ ما بَقينا أبداَ. ذكرَ ذلك البخاري في صحيحة، ومع أميته عليه الصلاة والسلام فهو يُعطي الأمم دروساً في التعليم والأدب وفنون وأساليب التعليم، والناظرُ في سيرتهِ صلى الله عليه وسلم يَعلمُ كيف أنّه كانَ يُعامل الناس بالشفقة والأسلوب النافع والحكمة البليغة. ومن أمثلة أساليبه في تعليم الجاهل ما ذكره أحدُ الصحابة واسمه معاوية بن الحكم حين كان يصلي وعطس رجل بالمجلس فقال معاويةُ وهو يصلي يرحمُك الله ولم يكن يعرف حكم الكلام في الصلاة. قال معاوية [فصارَ الناسُ ينظرونَ إليَّ فلما صلى عليه الصلاة والسلام دعاني فبأبي وهو وأمي ما رأيتُ معلماً قبله ولا بعده أحسنَ منه فوالله ما كهرني (نهرني) ولا ضربني ولا شتمني وقال: إن هذه الصلاة لايصلح فيها شىء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القراءن] رواه مسلم.
والرسول عليه الصلاة والسلام المعلم الأمي الذي حض حضاً بليغاً على نشر العلم وتعليمه للناس، وقد تخرج على يديه صلى الله عليه وسلم عدد غفير من الناس في فترة وجيزة من الزمن: فقد دفع أصحابه إلى محو الأمية بين الناس دفعاً بليغاً وحرضهم على ذلك وندبهم إليه، فقد جاء في الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وسلم خطبَ الناس ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر طوائف من المسلمين وأثنى عليهم خيراً ثم قال [ما بالُ أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم] رواه الطبراني.
ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة والرفق بالمتعلم والحرص عليه وبذل العلم والخير له في كل وقت ومناسبة، قال الله تعالى {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} 128سورة التوبة/ وروى البخاري ومسلم عن مالك بن الحويرث قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شبيبة متقاربون فأقمنا عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمياً رفيقاً فلما ظنَّ أنا اشتقنا أهلنا سألنَا عمن تركنَا بعدنَا فأخبرناه قال[ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي] فهل رأت الدنيا معلماً أشفقَ وأرحم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل هناكَ معلم عنده من أساليب التعليم مع الفصاحة والبلاغة أعظم من رسول الله الأمي، وهل هناكَ معلم في الدنيا انتفعَ الناس بعلمه على مر السنين والقرون كسيدنا محمد معلم الناس الخير وهل هناك أميٌ وضع أهل اللغة والعلم المؤلفات الكثيرة لشرح مفردات كلماته ولبيان معاني كلماته، وهل هناك أميٌ ملأ الدنيا عِلماً وحكمةً وبياناً كهذا النبي العظيم الذي فاقَ الأولين والآخرين فجزاهُ الله عنا خيراً ووفقنا للسير على تعاليمه النيرة ونهجهِ القويم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمي الذي ملأ الدنيا علماً ومعرفة ونفعاً وحكمة.

معنى قوله عليه السلام والتارك لسنتي

معنى قوله عليه السلام والتارك لسنتي
قال شيخنا رحمه الله
وأمّا قولُه صلى الله عليه وسلّم في هذا الحديث" والتّاركُ لِسُنّتي" فمعناهُ مَن خالَفَ الصّحابةَ وخرَجَ عنهُم في المعتَقَد،
ليسَ معناهُ كُلُّ مَن لم يعمَل ما كانَ الرّسولُ يفعَلُه مِن الفرائض والنوافِل أنّه يكونُ مَلعُونًا، لا،
إنما مُرادُ الرّسولِ هو الذي يَترُك عقيدةَ أهلِ السّنة والجماعة إلى غيرِها، يَعدِلُ عن عقيدةِ أهلِ السنّة والجماعَةِ التي كانَ عَليها الصّحابةُ مما تلَقَّوهُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم، مَنْ تَرَك ذلكَ فهو الذي عَناهُ الرّسولُ بقولِه " والتّاركُ لِسُنَّتي"
بعضُ الأغرارِ لما يَرونَ هذا الحديثَ يُحَرّفونَ حديثَ رسولِ الله، يَظُنّونَ أنّ الذي أخبَر الرّسولُ أنّهُ مَلعُونٌ لتَركِه سُنّةَ رسولِ الله يظُنّون أنّهُ هوَ الذي يَترُك النّوافلَ لأنّ كثيرًا مِنَ الناس لا يفهَمُونَ مِنَ السُّنّة إلا الأشياءَ التي هيَ مِنَ النّوافل،
تاركُ النّوافلِ ما عليه عذابٌ في الآخِرة، ما عَليهِ أدنى عَذاب إنما العَذابُ لمن يَترُك ما افتَرضَ اللهُ على عبادِه مِن أداءِ الوَاجِباتِ كالصّلواتِ الخَمسِ وصيامِ رمضَان وبِرِّ الوالِدَين والجهادِ في سبيلِ الله مع الاستطاعةِ
وما أشبَهَ ذلكَ هذا الذي قال عنه الرسولُ والتّاركُ لسُنّتي، فمَن خَرج في الاعتقادِ عن مُعتقَدِ أصحابِ رسولِ الله التي هيَ سُنّةُ رسولِ اللهِ أي طَريقتُه فهذا عَرَّضَ نَفسَهُ لتِلكَ اللّعنة الكبيرة،
فلِذلك يجبُ التّمسُّك بعقيدةِ أهلِ السُّنةِ والجمَاعة فيما يتعَلَّق بالإيمان بالقَدَر وفيما يتعَلَّقُ بغَيرِ ذلكَ مِن تَنزيهِ الله تعالى عن مُشابهَةِ المخلوقِ وإثباتِ رؤيةِ الله تعالى في الآخِرة للمؤمنينَ، وأمّا أصحابُ الكبائر مِنَ المؤمنين هم تحتَ المشيئةِ إنْ شاءَ الله عذّبهم ثم أخرجَهُم وإنْ شاءَ عفَى عنهُم، فعقيدةُ أصحابِ رسولِ الله أنّ مرتكبَ الكبيرةِ لا يتَحتَّمُ دخولُه النار، هو تحتَ المشيئةِ فمِنهُم مَن يُسامِحهُم اللهُ ومنهُم مَن يُعذّبهم الله، على هذا كانَ أصحابُ رسولِ الله في الاعتقادِ، مَا كانوا يعتقدونَ كمَا تَعتقدُ المعتزلةُ والخَوارج، عندَ المعتزلةِ والخوارج مرتكبُ الكبيرةُ مخلَّدٌ في النار كالمشركِينَ الذينَ يَعبُدونَ الأوثانَ لا فَرقَ عندَهُم بينَ المشرِك الذي يَعبُد الأوثانَ وبينَ هذا المسلِم الذي ارتَكَبَ كبيرةً ثم ماتَ لم يتُب مِنها، لا فَرقَ عندَهم بينَ هذا وهَذا، وهذا ضلالٌ مُبِينٌ،
هذا تاركُ سُنّةِ رسولِ الله هوَ الذي عنَاهُ الرّسولُ بقولِه والتاركُ لِسُنّتي.
فالمعتزلةُ قالوا مرتكبُ الكبيرة مخلَّدٌ في النار إنْ ماتَ قبلَ التّوبةِ لا يَخرُج مِن النار، لكنّهُم سمَّوهُ فَاسقًا ولم يُسَمُّوه كافرًا، عندَهُم الفاسِقُ منزلةٌ بينَ الكافِر والمؤمِن هذِه مِن جملةِ بِدَعِهم التي أهلكَتْهُم، أمّا الخوارجُ فالأمرُ عندَهُم أشَدّ مِن ذلكَ فهم يَعتبِرُونَ مُرتكبَ الكبيرةِ كافرًا كعُبّاد الأوثانِ وغيرِهم، لا يَعتبرونَهُ مسلِمًا فاسِقًا بل يَعتبرونَهُ كافرًا كسَائِر الكفّار، وكِلا الفَرِيقَين ذمَّهُما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أمّا الخوارجُ فقَد ورَد فيهم مِن أحاديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم مَارقُونَ مِنَ الإسلام كما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرّمِيّةِ قال ثم لا يَعودُونَ إليه"رواه البخاري ومسلم. وأمّا المعتزلةُ فيَصدُق علَيهِم حديثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم :"صِنفانِ مِن أُمّتي ليسَ لهما نصِيبٌ في الإسلام القَدَريّةُ والمرجئة"رواه ابن عدي. القَدريةُ همُ العتزلةُ قال فيهم أبو هريرةَ وعبد الله بنُ عمر رضي الله عنهما إنهما نَصارى هذه الأمة ومجوسُها وفي ذلكَ أَبلَغُ الذّمّ لهم، وكذلكَ مِن سُنّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أي معتقدِه الذي اعتقدَه أصحابُه مِن غَيرِ اختِلافٍ بينَهُم أنّ عصاةَ المسلمين يُشفَعُ لهم يومَ القيامة، يَشفَعُ فيهم الأنبياءُ والعُلماءُ والشُّهداء، هذا مِن سُنّةِ رسولِ الله أي مِن جملةِ الاعتقادِ الذي علَّمَهُ رسولُ الله لأصحابِه ثم أصحابُه علّمُوا مَن سِواهُم ممن لم يَلقَوُا النّبيّ، اللهُ تَبارك وتعالى يُشفِّعُ العلَماءَ العاملِينَ، العلماءَ الأتقياء، والأنبياءَ والشّهداءَ أي شهداءَ المعركة، هؤلاء الثلاث يُشَفّعون في أناسٍ مِن عصاةِ المسلمينَ الذين ماتوا بلا تَوبةٍ، واللهُ تعالى هو العَليمُ المحيطُ عِلمًا بمن يُشفِّعُ فيهِ بعضَ الأنبياءِ ومَن يُشَفِّعُ فيه بعضَ العلماء ومَن يُشَفّعُ فيه بعضَ الشّهداء، تفصيلُ ذلكَ يَظهَرُ في الآخرة، يومَ القيامة، ثم السّبيلُ إلى التّمسّك بما كانَ عليهِ أصحَابُ رسولِ الله مِن سُنّةِ رسولِ الله تَلقّي العلم الدّيني مِن أهلِ المعرفةِ لأنّ مَن لا يتَلقّى العِلمَ الدِّينيّ مِن أهلِ المعرفةِ يَلتَبِسُ عليهِ الأمرُ فلا يَعرفُ ما كانَ مِن مُعتقَد الصّحابة مما هو خِلافُ معتقَدِ الصحابة، وسبحانَ الله والحمد لله ربّ العالمين، فقّهَنا الله في الدّين وجَعلَنا مِنَ النّاجِين.
يا أرحَم الراحمين يا أرحَم الرّاحمين يا أرحَم الرّاحمين لكَ الحمدُ ولكَ الثناءُ الحسَن صَلِّ وسلِّم وبارك على سيدِنا محمد وعلى آلهِ الطّيبينَ الطّاهِرين اللهمّ وأصلِح ذاتَ بينِنا وألّف بينَ قلُوبِنا واهدِنا سُبُلَ السّلام وأخرِجنا مِنَ الظُّلُماتِ إلى النّور اللهم اجعلنا هُداةً مَهدِيّينَ غَيرَ ضَالّينَ ولا مُضِلّين اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذينَ سبَقُونا بالإيمان والحمدُ لله رب العالمين له الفضل والنعمةُ تبارك وتعالى صلواتُ الله وسلامُه على نبيّنا محمد.

هل يخفف العذاب عن الذي شتم النبي ثم مات على كفره ومعاداته وشتمه للنبي صلى الله عليه وسلم؟؟؟.... لا يخفف

فهل يخفف العذاب عن الذي شتم النبي ثم مات على كفره ومعاداته وشتمه للنبي صلى الله عليه وسلم؟؟؟.... لا يخفف
هناك في بعض الكتب رواية أن العباس عم النبي رأى أبا لهب في منامه، هذا المنام الذي رآه العباس ليس حجة في أن أبا لهب الكافر يخفف عنه العذاب،
هو المنام ليس هذا معناه، ولا العباس قال إن ذلك معناه، ومنام العباس ليس حجة شرعية أصلا.
نحن نعتقد أن الكفار يعذبون إلى ما لا نهاية في جهنم،
لا يخفف عنهم العذاب لا في القبر ولا في جهنم، هكذا يقول القرآن،
جوابا على سؤال بالنسبة لثويبة وإعتاق أبي لهب لها: حفظك الله لا اسناد له سوى منام لا يعطي تخفيف العذاب حقيقة، فليس كل منام على ظاهره وإن يكن الرائي نبيا، هل يقاوم منام كتاب الله؟؟؟.
ثم أليس النبي في منامه رأى الدجال يطوف بالكعبة (رواه مالك والبخاري)؟
هل هذا على ظاهره أن الدجال سيطوف بالكعبة؟، لا،
ليس على ظاهره وإن يكن رائي المنام سيد الأنبياء لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن الدجال لا يدخل مكة (رواه احمد). فهل نكذب الحديث لأجل منام لا يلزم أخذه على ظاهره
فائدة بمناسبة قرب ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم
لا اجتهاد مع النص، متى أتى كتاب الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، فليس لنا إلا السمع والطاعة، وقال أهل العلم من المجتهدين: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" وهي مشهورة عن الإمام الشافعي رضي الله عنه، من قال قولا يتوصل به إلى تكذيب الله والنبي صلى الله عليه وسلم فهو لا يعرف الإسلام. الاجتهاد لا يكون بتكذيب الشريعة. وليس كل أحد يحق له الاجتهاد، حتى المجتهد يجوز عليه الخطأ، فكيف من لم يكن مجتهداً، فلا تصدقوا كل إنسان قال قولا يكذب فيه كتاب الله أو يكذب السنة الثابتة الصحيحة أو الإجماع بمثل منام يفهمه على غير وجهه مثلاً، هذا هلاك ظاهر إلا لأعمى البصر والبصيرة نعوذ بالله تعالى، الكفار لا يخفف عنهم العذاب في جهنم، قال الله تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (سورة آل عمران، 88).
أيعقل وقد تبت يدا أبي لهب بنص القرآن أن ينبع من تينك اليدين الخبيثتين لكافر ضال شتم رسول الله، ماء يمصه في قبره أو في جهنم، وقد قال الله فيه وهو أصدق القائلين "تبت يدا أبي لهب وتب"، فمن أين تنبع ماء من يد قد تبت (معناه خابت وهلكت وخسرت) بنص كتاب الله تعالى؟؟ هذا لا يكون!!!
ودليل بطلان خرافة تخفيف العذاب عن أبي لهب لإعتاقه ثويبة، أن أبا لهب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم حين أعتق ثويبة لم يكن سيدنا محمد قد نزل عليه الوحي بعد، فأبو لهب عدو الله ورسوله لم يعتق ثويبة كرامة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن لولادة ابن لأخيه لم يكن يعرف حينها أنه نبيّ الله، فلما ظهرت نبوته صلى الله عليه وسلم كذبه وعاداه وآذاه وسبه إلى حد نزل القرآن بتتبيبه والعياذ بالله بعد أن شتم النبي!!،
فهل يخفف العذاب عن الذي شتم النبي ثم مات على كفره ومعاداته وشتمه للنبي صلى الله عليه وسلم؟؟؟،
ولأيّ شيء يُجازى أبو لهب بتخفيف العذاب وهو عدو الله وعدو نبيه صلى الله عليه وسلم، وأبو لهب لا أجر له ولا ثواب على ذلك الإعتاق بالإجماع كما قال القاضي عياض ونقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري!!
ثم من ذكر هذه الخرافة لا إسناد له فلا عبرة به، ولا سيما أن إجماع أهل السنة قائم على أن منام غير الأنبياء ليس حجة شرعية كما قال الإمام الطحاوي وهو ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح، فلا يكون في كل ما ذكروا من خرافات ومنامات أدنى حجة في مخالفة قول الله تعالى: "ولا يخفف عنهم من عذابها" (سورة فاطر، 36).
ومن المعلوم من الدين ضرورة الإجماع على أن من كذب حرفاً من القرآن لا يكون مسلماً ولو كانت له شهرة كالريح، لا عبرة به، ولا سيما مثل خرافة ثويبة لا إسناد لها البتة، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، نحن نؤمن بالله وكتابه لا بأبي لهب وخرافة ثويبة، انتهى
دعاكم لمن كتبها ولمن نشرها ولمن علمنا الخير وسعى في تفريج كربنا،

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...