بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 5 فبراير 2019

الله خالق الداء والدواء

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربّ العالمين لهُ النّعمَةُ ولهُ الفَضلُ ولهُ الثّناءُ الحسَن صلَواتُ االلهِ البَر الرّحيم والملائكةِ المقرّبين على سيدِنا محمدٍ أشرفِ اللمرسَلِين وعلى جميع إخوانِه الأنبياءِ والمرسلين وسلامُ الله عليهم أجمعين

قال أهلُ الحقّ أهلُ السّنّة والجمَاعة لمّا كانَ اللهُ تبَارك وتعالى منفَردًا بالخلق أي الإحداثِ منَ العدَم إلى الوجود لا يُشَاركه في ذلكَ شَىءٌ لا مِن ذَوي الأرواح ولا مِنَ الجمَاداتِ ولا مِنَ الأسبابِ العاديّة، لا يُشاركُ الله تعالى شىءٌ في خَلق شىء مِن مَنفَعةٍ أو مضَرّةٍ أو عَينٍ أو أثَرٍ لما علِموا مِن قول الله تعالى “هَل مِن خَالقٍ غَيرُ الله” وقوله “وخلَق كُلَّ شَىء” وقوله “قُل اللهُ خَالقُ كلّ شَىء وهو الواحِدُ القَهّار” وقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم “إنّ اللهَ صَانعُ كلّ صانِع وصَنعَتِه” رواه البخاري والحاكم والبيهقي. فعلِمنا أنّ الأسبابَ العاديّةَ ليسَت خَالقةً لشَىء مِن مُسبَّباتها بل اللهُ خالقُ الأسبابِ والمسَبَّبات، وهذا الترَابُط بينَ الأسبابِ والمسَبَّبات أمرٌ أَجرَى اللهُ بهِ العادةَ أي أنّ اللهَ تَعالى يَخلُق المسبَّب عندَ وجودِ السّبَب فكلاهما أي السّبب والمسبَّب يَستنِدُ في وجودِه وحصُولِه ووقُوعِه إلى إيجادِ الله تعالى، وكثيرٌ منَ الناس يقِفُونَ في تَفكِيرهِم عندَ الظّاهِر فيَقضُون ويَحكُمون بأنّ هذه الأسبابَ هيَ تَخلُق المسَبَّبات وهذا خلافُ الحقيقةِ ، لو كانتِ الأسبابُ تَخلُق المسَبَّبات لوَجَب حصُولُ المسبَّب عندَ كُلّ سبَب والواقعُ خِلافُ ذلك، نجِدُ كثِيرًا منَ الأسباب تُستَعمَل ولا يُوَجَدُ إثْرَها المسبَّب فبذلكَ يُعلَم أنّ الأسبابَ بقدَر اللهِ والمسَبَّباتِ بقَدَر الله فإنْ سبَق في مشيئة الله وعِلمِه الأزليّين وجود هذا المسبَّب إثْر السّبَب كان ذلكَ حتمًا حصولُه، لأنّ اللهَ شاءَ وعلِمَ أنّ هذا السبَب يَحصُل إثْرُه المسبَّب لا محَالَة مِن ذلك، أمّا إن لم يكن سبَق في عِلم الله ومشيئتِه حُصول المسبَّب إثْر هذا السّبَب فلا يحصُل ذلك المسبَّب. روينا فيما يَشهَد لهذا حديثا في صحيح ابنِ حِبّان أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال “إنّ اللهَ خَلقَ الدّاءَ وخَلَق الدّواء فإذَا أُصِيبَ دَواءُ الدّاءِ برَأَ بإذنِ الله” (عن جابر عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال “لكُلّ داءٍ دَواءٌ فإذا أُصِيبَ دَواءُ الدّاءِ برَأ بإذنِ الله عزّ وجَل” رواه البخاري ومسلم وغيرهما)

قوله عليه الصلاة والسلام برَأ بإذنِ اللهِ دليلٌ على أنّ الأسبابَ مِن أدويةٍ وغيرِها لا تُوجِبُ في طَبعِها، بذاتها، حصولَ المسبَّب وشاهدُ الواقع يَشهَدُ بذلك، نَرى كثيرًا منَ النّاس يتَداوَون بدواءٍ واحِد وأمرَاضُهم مُتّحِدة فيتَعافى بعضٌ منهُم ولا يتَعافى الآخَرُون فلو كانَ الدّواءُ هو يَخلُق الشّفاء، المسبَّب الذي هو الشّفاء، إذا كانَ كلُّ واحِد يَستَعمِل ذلكَ الدّواءَ يتَعافى حتمًا ولم يكن هناكَ حصولُ الشّفاء لبَعض وعدَم حصولِه لبَعض، لهذا قال عليه الصلاة والسلام “فإذَا أُصِيبَ دَواءُ الدّاءِ برَأ بإذنِ الله” فبذلكَ نَعلَمُ أنّ الأدويةَ وجُودها بتقدير الله والشّفاء بتَقدير الله ليسَت الأدويةُ تَخلُق الشّفاء بحيثُ لا يتَخلَّف عندَ استِعمال أيّ دواءٍ حصُول الشّفاء إثْره، كذلكَ سائرُ الأسباب العاديّة النارُ ليسَت مُوجِبَة لحصولِ الاحتراق إنما الله تعالى شاءَ أن يَحصُلَ إثْر مماسّةِ النّارِ للشّىء الاحتراق، فإذا حصَلت مماسّةُ النار لشَىء ولم يحصُل الاحتراقُ علِمنا بأنّ المانعَ مِن حصُولِ الاحتراق إثْر مماسّة النارِ هو أنّه سبَقَ في عِلم الله ومشيئته الأزليَّين أنّه لا يحصل الاحتراقُ إثرَ مماسّة النار لهذا الشىء، الله تبارك وتعالى خلَق ألوانًا وأشكالا مِن ذوات الأرواح جعَل في بعضِها ما لم يجعل في الآخَر، مِن هذا الطّير المسمّى السّمَندَل ويقالُ له السّمَنْد بلا لام ويقالُ له السَّنْدَل بالسّين هذا معروفٌ أنّه لا يَحصُل له احتراقٌ ، جِلدُه لا يَحترق بالنار، وهو هذا الحيوان في حياتِه يَدخُل النار ويتَهنأ فيها وهو عزيزُ الوجود، يقولُ ابنُ خَلّكَان في تاريخه عن اللغويّ المشهور عبد اللطيف البغدادي، هذا من أئمّة اللغة، يقول شاهَدتُ قِطعة مِن جِلدِ السّمَندل أُهدِيَت إلى الملِك الظّاهِر بنِ الملِك الصّالح صلاحِ الدّين عَرض ذراع في طُول ذِراعَين صارُوا يَغمِسُونها في الزّيت ثم يُشعلُونها فتَنشَعِل النار ثم تنطفئ النارُ وتَبقَى تلكَ القِطعة بَيضاءَ نقِيّة، وهذا الحيوانُ كغَيرِه مِن الحيواناتِ مؤلَّف مِن لحم ودم وعَظم، فلو كانت النارُ تَخلُق الإحراقَ بطَبْعها لم يحصُل تخَلّف الإحراق للسمندَل إذا مسّتْه النار، بل كان يحترقُ كما يحترقُ غيرُه، قال بعضُ الشّعراء مِن شعَراء الأندلس وهو جابرُ بنُ صَابر المِنجَنيقي وهو من شعراءِ القرن السابع :

قُل لمنْ يَدّعِي الفخَارَ دَعِ الفَخْر لِذِي الكِبْرِ والجَبرُوتِ
نَسجُ داودَ لم يُفِدْ ليلةَ الغَارِ وكانَ الفخَارُ للعَنكَبُوتِ
معناه ليلةَ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الغار هو وأبو بكر حمَاهما الله تعالى بنَسْج العنكبوت فكانَ الفَضلُ لنسج العَنكبوت ولم يكن هذا الفَضلُ لنَسج داود، نسجُ داودَ هو الدّرْع، معناه الله تعالى لم يحمِهما بنَسْج داود بل حماهما بنَسج العنكبوت وهو منَ الخَلْق الضعيف. قال :
وبقاءُ السّمَنْد في لهبِ النّارِ   مُزِيلٌ فَضِيلَة اليَاقُوتِ
وكذاكَ النّعامُ يَستَمرئ الجَمْرَ  وما الجمرُ للنّعامِ بقُوتِ
المعنى أنّ الياقوتَ إذا لم يؤثّر بهِ النارُ فلَيس ذلكَ أمرًا مُستَغرَبا لأنّه حجَرٌ أمّا السّمَند فهو مِن لحم ودم. يعني أنّ عدَم احتراقِ السّمَند في لهب النار يدُلّ على أنّ لهُ مِيْزَة ليسَت لليَاقُوت، فالحاصِل أنّهُ يجِبُ اعتقادُ أنّ الأسبابَ لا تخلُق مُسَبّباتها بل اللهُ يَخلُق المسبَّبات إثْرَ الأسباب أي أنّه تعالى هو خالقُ الأسباب وخالقُ مُسبَّباتها وعلى هذا المعنى يُشهَر ما شاعَ وانتشَر على ألسنة المسلمين في أثناءِ أدعِيَتِهم يا مُسَبّبَ الأسباب معناهُ أنّ اللهَ تعالى هو الذي خلَق في الأسبابِ حصُولَ مسَبَّباتها إثرَ استعمالها وهذا مِن كلام التّوحيد الذي هو اشتهر وفشَى على ألسنة المسلِمين علمائهم وعوامّهِم وهو يرجِعُ إلى تَوحيدِ الأفعال أي أنّ الله تبارك وتعالى هو الذي فِعْلُه لا يتَخَلّف أثَرُه، إذا شاءَ حصُولَ شَىء إثْرَ مُزَاولةِ شَىء حصَلَ لا محَالةَ ، لا بُدّ، فكمَا أنّ اللهَ تبارك وتعالى هو خالقُ المسَبَّبات إثْرَ استعمالِ الأسباب فهوَ خَالقُ العبادِ حَركاتِهم وسَكناتِهم لا خالقَ لشَىءٍ مِن ذلكَ غَيرُه.


 الحمد لله رب العالمين

الأحد، 3 فبراير 2019

( يوم يكشف عن ساق )

روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج2 ص499
حدثنا أبو زكريا العنبري ، ثنا الحسين بن محمد القباني ، ثنا سعيد بن يحيى الأموي ، ثنا عبد الله بن المبارك ، أنبأ أسامة بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهم ، أنه سئل عن قوله عز وجل :
( يوم يكشف عن ساق ) قال : « إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر ، فإنه ديوان العرب » أما سمعتم قول الشاعر : اصبر عناق إنه شر باق قد سن قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا عن ساق قال ابن عباس : هذا يوم كرب وشدة
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد وهو أولى من حديث روي عن ابن مسعود بإسناد صحيح لم أستجز روايته في هذا الموضع
وقال الذهبي : صحيح .
قال ابن حجر في فتح الباري ج13 ص359
قَالَ : وَأَمَّا السَّاق فَجَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ( يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق ) قَالَ عَنْ شِدَّة مِنْ الْأَمْر ، وَالْعَرَب تَقُول : قَامَتْ الْحَرْب عَلَى سَاق إِذَا اِشْتَدَّتْ ،
وَمِنْهُ : قَدْ سَنَّ أَصْحَابك ضَرْب الْأَعْنَاق وَقَامَتْ الْحَرْب بِنَا عَلَى سَاق
وَجَاءَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي تَفْسِيرهَا عَنْ نُور عَظِيم قَالَ اِبْن فَوْرَكٍ : مَعْنَاهُ مَا يَتَجَدَّد لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْفَوَائِد وَالْأَلْطَاف . وَقَالَ الْمُهَلَّب : كَشْف السَّاق لِلْمُؤْمِنِينَ رَحْمَة وَلِغَيْرِهِمْ نِقْمَة .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : تَهَيَّبَ كَثِير مِنْ الشُّيُوخ الْخَوْض فِي مَعْنَى السَّاق ، وَمَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس إِنَّ اللَّه يَكْشِف عَنْ قُدْرَته الَّتِي تَظْهَر بِهَا الشِّدَّة . وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ الْأَثَر الْمَذْكُور عَنْ اِبْن عَبَّاس بِسَنَدَيْنِ كُلّ مِنْهُمَا حَسَن ، وَزَادَ : إِذَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ شَيْء مِنْ الْقُرْآن فَأَتْبِعُوهُ مِنْ الشِّعْر وَذَكَرَ الرَّجَز الْمُشَار إِلَيْهِ ، وَأَنْشَدَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِطْلَاق السَّاق عَلَى الْأَمْر الشَّدِيد " فِي سَنَة قَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقهَا " وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْه آخَر صَحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يُرِيد يَوْم الْقِيَامَة
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ج9 ص331
قَوْله : ( فَذَلِكَ يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق )
قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ وَمَعْنَى مَا فِي الْقُرْآن { يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق } يَوْم يُكْشَف عَنْ شِدَّة وَهَوْل عَظِيم أَيْ يُظْهِر ذَلِكَ . يُقَال : كَشَفَتْ الْحَرْب عَنْ سَاقهَا إِذَا اِشْتَدَّتْ ، وَأَصْله أَنَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْره كَشَفَ عَنْ سَاقه مُسْتَمِرًّا فِي الْخِفَّة وَالنَّشَاط لَهُ .
وقال ابن حجر في فتح الباري ج8 ص508
قَوْله : ( بَاب يَوْمَ يُكْشَف عَنْ سَاقٍ )
أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْف عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا فِي قَوْله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) قَالَ " عَنْ نُور عَظِيم ، فَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا " وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) قَالَ : عَنْ شِدَّة أَمْر ، وَعِنْد الْحَاكِم مِنْ طَرِيق عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ يَوْم كَرْب وَشِدَّة قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فَيَكُون الْمَعْنَى يَكْشِفُ عَنْ قُدْرَته الَّتِي تَنْكَشِف عَنْ الشِّدَّة وَالْكَرْب وَذَكَرَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيلَات كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه عِنْد حَدِيث الشَّفَاعَة مُسْتَوْفًى فِي كِتَاب الرِّقَاق إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَوَقَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِع " يَكْشِف رَبّنَا عَنْ سَاقه " وَهُوَ مِنْ رِوَايَة سَعِيد بْن أَبِي هِلَال عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم فَأَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِي قَوْله " عَنْ سَاقه " نَكِرَة . ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق حَفْص بْن مَيْسَرَة عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم بِلَفْظِ " يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ " قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : هَذِهِ أَصَحّ لِمُوَافَقَتِهَا لَفْظ الْقُرْآن فِي الْجُمْلَة ، لَا يُظَنّ أَنَّ اللَّه ذُو أَعْضَاء وَجَوَارِح لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُشَابَهَة الْمَخْلُوقِينَ ، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء .
وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري ج25 ص129
قوله يكشف على صيغة المجهول والمعروف عن ساقه فسر الساق بالشدة أي يكشف عن شدة ذلك اليوم وأمر مهول وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر كما يقال قامت الحرب على ساق وجاء عن ابن عباس في قوله يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون قال عن شدة من الأمر وقيل المراد به النور العظيم وقيل هو جماعة من الملائكة يقال ساق من الناس كما يقال رجل من جراد وقيل هو ساق يخلقه الله خارجا عن السوق المعتادة وقيل جاء الساق بمعنى النفس أي تتجلى لهم ذاته قوله رياء أي ليراه الناس قوله وسمعة أي ليسمعه الناس
وقال الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحن في كتابه تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم ص211
) يوم يكشف عن ساق (
قال أهل اللغة يكشف عن الأمر الشديد وروي عن ابن عباس ومجاهد ويقال كشف الرجل عن ساق إذا جد وشمر في أمر مهم قد طرقه لتداركه .
وقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح ج16 ص78
(( يوم يكشف عن ساق أي شدة عظيمة يقال كشفت الحرب عن الساق إذا اشتد فيها وكان أصله أن الولد يموت في بطن الناقة فيدخل المدمر يده في رحمها فيأخذ ساقه فجعل لكل أمر عظيم وخطب جسيم قال الخطابي هذا مما هاب القول فيه شيوخنا فأجروه على ظاهر لفظه ولم يكشفوا عن باطن معناه على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل ما لا يحيظ العلم بكنهه من هذا الباب أما من تأوله فقال ذلك يوم يكشف عن شدة عظيمة وبلية فظيعة وهو اقبال الآخرة وظهورها وذهاب الدنيا وادبارها ويقال للأمر إذا اشتد وتفاقم وظهر وزال خفاؤه كشف عن ساقه وهذا جائز في اللغة .))
وقال القاضي عياض في مشارق الانوار على صحاح الاثار ج2 ص458
( س و ق ) قوله كم سقت إليها أي كم أمهرتها وقيل للمهر سوق لأن العرب كانت أموالهم المواشي فكانت تسوقها للزوجة وقوله وسواق يسوق بهن أي حاد يحدوا بهن ويسوقهن بحدائه أمامه وسواق الإبل الذي يقدمها ويسوقها أمامه للمرعى والماء ومنه رويدا سوقك بالهوادي وريدك سوقك بالقوارير أي ارفق في سوقك وتقدم في القاف منه وسائق الدابة مثله الذي يقدمها أمامه في السير وقوله يرى مخ سوقها جمع ساق وقوله ذو السويقين تصغير ساقين صغرهما لرقتهما وحموشتهما وهي صفة سوق السودان غالبا وقوله في الحشر هل بينكم وبينه علامة قالوا الساق وهو قوله فيكشف عن ساق وعن ساقه قال ابن عباس وغيره في قوله يوم يكشف عن ساق وهو الأمر الشديد وقاله أهل اللغة .))
تفسير البحر المديد لابن عجيبة جج6 ص390
{ يومَ يُكشَفُ عن ساقٍ } ، وجمهور المفسرين على أن الكشف عن ساق عبارة عن شدة الأمر ، وصعوبة الخطب ، أي : يوم يشتد الأمر ويصعب ، وقيل : ساق الشيء : أصله الذي به قوامه ، كساق الشجرة وساق الإنسان ، أي : يوم يُكشف عن أصل الأمر ، فتظهر حقائق الأمور وأصولها ، بحيث تصير عياناً . وتنكيره للتهويل العظيم . قال النسفي : ولا كشف ثمَّ ولا ساق ، ولكن كنّى به عن شدة الأمر؛ لأنهم إذا ابتلوا بالشدّة كَشفوا عن الساق ، وقال : كشفت الحرب عن ساقها ، وهذا كما تقول للشحيح : يده مغلولة ، ولا يد ثَمَّ ولا غل ، وإنما هو كناية عن البخل ، وأمّا مَن شبّه فلِضيق عِطفه وقلّة نظره في علم البيان ، ولو كان الأمر كما زعم المشبَّه؛ لكان من حقِّ الساق أن يُعرَّف؛ لأنها ساق معهودة عنده . ))
وفي التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور ج15 ص253
(( والكشف عن ساق : مثَل لشدة الحال وصعوبة الخطب والهول ، وأصله أن المرء إذا هلع أن يسرع في المشي ويشمر ثيابه فيكشف عن ساقه كما يقال : شمر عن ساعد الجد ، وأيضاً كانوا في الروع والهزيمة تشمر الحرائر عن سوقهن في الهرب أو في العمل فتنكشف سوقهن بحيث يشغلهن هول الأمر عن الاحتراز من إبداء ما لا تبدينه عادةً ، فيقال : كشفت عن ساقها أو شَمَّرت عن ساقها ، أو أبْدت عن ساقها ، قال عبد الله بن قيس الرقيات :
كيف نوْمي على الفراش ولما ... تشملْ الشامَ غارةٌ شَعْواء
تُذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خِدَام العقيلة العذراء
وفي حديث غزوة أحد قال أنس بن مالك : «انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولقد رأيت عائشة وأم سليم وأنهما لمشمّرتان أرى خَدَم سوقهمَا تنقلان القِرَب على متُونهما ثم تُفْرِغَانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها» الخ ، فإذا قالوا : كشف المرء عن ساقه فهو كناية عن هول أصابه وإن لم يكن كشف ساقه . وإذا قالوا : كشف الأمر عن ساق ، فقد مثلوه بالمرأة المروعة ، وكذلك كشفت الحرب عن ساقها ، كل ذلك تمثيل إذ ليس ثمة ساق قال حاتم :
فتى الحرب عضّت به لحرب الحرب عضها ... وإن شمرت عن سَاقها الحرب شمَّرا
وقال جد طرفة من الحماسة :
كشفتْ لهم عن ساقها ... وبدا من الشر البَواح
وقرأ ابن عباس { يوم تَكشف } بمثناة فوقية وبصيغة البناء للفاعل على تقدير تكشف الشدة عن ساقها أو تكشف القيامة ، وقريب من هذا قولهم : قامت الحرب على ساق .
والمعنى : يوم تبلغ أحوال الناس منتهى الشدة والروْع ، قال ابن عباس : يكشف عن ساق : عن كرب وشدة ، وهي أشد ساعة في يوم القيامة .
وروى عبد بن حميد وغيره عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن هذا ، فقال : «إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب» ، أما سمعتم قول الشاعر :
صبراً عَنَاقُ إنه لشِرْباقْ ... فقد سنّ لي قومُككِ ضربَ الأعناقْ
وقامت الحرب بنا على ساق ... وقال مجاهد : { يكشف عن ساق } : شدّة الأمر .))

السبت، 2 فبراير 2019

الذب عن إمامنا الأشعري وكشف تزوير المجسمة لكتاب الإبانة


الحمدُ للهِ الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتَّخِذ صاحبةً ولا ولدا،ا جلَّ ربي لا يُشبه شيئا ولا يشبِهُهُ شىءٌ ولا يَحُلّ في شىءٍ ولا ينحلُّ منه شىءٌ، جلَّ ربي تنـزَّه عنِ الأينِ والكيفِ والشكلِ والصورةِ والحدِّ والجهةِ والمكان، ليس كمثلِهِ شىءٌ وهو السميعُ البصير.ا


كتاب الإبانة الذي ألفه الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى ليس هو الكتاب المتداول بين أيدي الناس اليوم من المطبوع، والإبانة الذي ألفه أبو الحسن الأشعري كان موافقا لمعتقد أهل السنة والجماعة، فقد جاء في مقدمة كتاب (تبيين كذب المفتري) تعليق للإمام الكوثري حيث قال "والنسخة المطبوعة في الهند من الإبانة نسخة مصحَّفة محرفة تلاعبت بها الأيدي الأثيمة، فيجب إعادة طبعها من أصل موثوق".ومما يؤكد أن الكتاب دخله تحريف وتزوير أن الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى قد نقل في كتاب تبيين كذب المفتري فصلين من الإبانة، وعند مقارنة الإبانة المطبوعة المتداولة مع طبعة الدكتورة فوقية مع الفصلين المنقولين عند ابن عساكر يتبين بوضوح قدر ذلك التحريف الذي جرى على هذا الكتاب. وهذه بعض الأمثلة على ذلك:ا

جاء في الإبانة المطبوعة ص 16 ما نصُّه "وأنكروا أن يكون له عينان مـع قوله تجري بأعيننا" ا

وعند ابن عساكر ص 157 "وأنكروا أن يكون له عين"ا

اجاء في الإبانة المطبوعة ص 22 ما نصُّه "وأن له سبحانه عينين بلا كيف"ا 

وعند ابن عساكر ص 158 "وأن له عيناً بلا كيف"ا 

جاء في الإبانة المطبوعة ص 69 ما نصُّه "إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل له نقول: إن الله عز وجل مستوٍ على عرشه كما قال اا(الرحمن على العرش استوى "ا(ا

بينما جاء في طبعة الدكتورة فوقية ص 105 "نقول إن الله عز وجل استوى على عرشه استواءً يليق به من غير حلول ولا استقرار"ا 

فالعبارة الأخيرة محذوفة من الطبعة المتداولة!!ا

جاء في الإبانة المطبوعة ص 73 ما نصُّه "فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستوٍ على عرشه، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض، فدل على أن الله تعالى منفرد بوحدانيته مستوٍ على عرشه" .ا 

بينما جاء في طبعة الدكتورة فوقية ص 113 "فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيتهمستوٍ على عرشه استواءً منزهاً عن الحلول والاتحاد" اهـ.ا

اجاء في الإبانة المطبوعة ص 57 ما نصُّه "وذكر هارون بن إسحاق قال سمعت إسماعيل بن أبي الحكم يذكر عن عمر بن عبيد الطنافسي أن حمّاداً بعث إلى أبي حنيفة: إني بريء مما تقول، إلا أن تتوب. وكان عنده ابن أبي عقبة، قال، فقال: أخبرني جارك أن أبا حنيفة دعاه إلى ما استتيب منه بعد ما استتيب. وذكر عن أبي يوسف قال: ناظرت أبا حنيفة شهرين حتى رجع عن خلق القرآن) اهـ

بينما جاء في كتاب الاعتقاد للبيهقي ص 112ما نصه "روّينا عن محمد بن سعيد بن سابق أنه قال : سألت أبا يوسف فقلت : أكان أبو حنيفة يقول القرآن مخلوق؟ فقال : معاذ الله، ولا أنا أقوله. فقلت : أكان يرى رأي جهم؟ فقال : معاذ الله، ولا أنا أقوله. رواته ثقات" اهـ.ا


أفلا يدل هذا على التزوير والتدليس؟؟؟ بلى


وليعلم أن أبا الحسن الأشعري لم يبدع مذهبًا في الاعتقاد، وإنما قرر مذهب أهل السنة والجماعة، وذلك ما صرحه به السبكي حيث قال ا"واعلم أن أبا الحسن الأشعريلم يبدع رأيًا ولم يُنشئ مذهبًا، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل؛ يسمى أشعريًّا". ثم قال بعد ذلك ما يؤكد كلامه، فقال"قال المآيرقي المالكي: ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة، إنما جرى على سنن غيره، وعلى نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيانًا، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبًا به، ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم، إلا أنه لما زاد المذهب بيانًا وبسطًا عزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وما ألفه في نصرته".[1]ا
ويقول تاج الدين السبكي "وهؤلاء الحنفية، والشافعية، والمالكية، وفضلاء الحنابلة في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجـماعة يدينون لله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله...." ثم يقول بعد ذلك "وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة".[2]ا

وقد سئل ابن رشد الجد المالكي رحمه الله تعالى وهو شيخ المذهب عند المالكية عن الشيخ أبي الحسن الأشعري وأبي إسحاق الإسفراييني وأبي بكر الباقلاني وأبي بكر بن فورك وأبي المعالي ونظرائهم ممن ينتحل علم الكلام، ويتكلم في أصول الديانات، ويصنف للرد على أهل الأهواء. أهم أئمة رشاد وهداية أم هم قادة حيرة وعماية؟ وما تقول في قوم يسبونهم وينتقصونهم، ويسبون كل من ينتمي إلى علم الأشعرية ويكفرونهم ويتبرؤون منهم وينحرفون بالولاية عنهم، ويعتقدون أنهم على ضلالة، وخائضون في جهالة؟


فأجاب "تصفحت عصمنا الله وإياك سؤالك هذا ووقفت عليه، وهؤلاء الذين سميت من العلماء أئمة خير وهدى وممن يجب بهم الاقتداء؛ لأنهم قاموا بنصر الشريعة، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالات، وأوضحوا المشكلات، وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات فيهم، بمعرفتهم بأصول الديانات العلماء على الحقيقة، لعلمهم بالله عز وجل وما يجب له وما يجوز عليه وما ينتفي عنه؛ إذ لا تُعلم الفروع إلا بعد معرفة الأصول. فمن الواجب أن يُعترف بفضائلهم ويقر لهم بسوابقهم، فهم الذين عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)، فلا يعتقد أنهم على ضلالة وجهالة إلا غبي جاهل، أو مبتدع زائغ عن الحق مائل.ولا يسبهم وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق،وقد قال الله عز وجل ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب :58]. فيجب أن يبصر الجاهل منهم، ويؤدب الفاسق، ويستتاب المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مستسهلا ببدعة، فإن تاب وإلا ضرب أبدا حتى يتوبكما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ المتهم في اعتقاده من ضربه إياه حتى قال يا أمير المؤمنين إن كنت تريد دوائي فقد بلغت مني موضع الداء، وإن كانت تريد قتلي فأجهز علي فخلى سبيله، والله أسأل العصمة والتوفيق برحمته. قاله محمد بن رشد".[3]ا


ا[1] طبقات الشافعية الكبرى 3/367.ا
ا[2] معيد النعم ومبيد النقم ص 62.ا
ا[3] فتاوى ابن رشد 2/802.ا.هـ

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...