الحمدُ للهِ الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتَّخِذ صاحبةً ولا ولدا،ا جلَّ ربي لا يُشبه شيئا ولا يشبِهُهُ شىءٌ ولا يَحُلّ في شىءٍ ولا ينحلُّ منه شىءٌ، جلَّ ربي تنـزَّه عنِ الأينِ والكيفِ والشكلِ والصورةِ والحدِّ والجهةِ والمكان، ليس كمثلِهِ شىءٌ وهو السميعُ البصير.ا
كتاب الإبانة الذي ألفه الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى ليس هو الكتاب المتداول بين أيدي الناس اليوم من المطبوع، والإبانة الذي ألفه أبو الحسن الأشعري كان موافقا لمعتقد أهل السنة والجماعة، فقد جاء في مقدمة كتاب (تبيين كذب المفتري) تعليق للإمام الكوثري حيث قال "والنسخة المطبوعة في الهند من الإبانة نسخة مصحَّفة محرفة تلاعبت بها الأيدي الأثيمة، فيجب إعادة طبعها من أصل موثوق".ومما يؤكد أن الكتاب دخله تحريف وتزوير أن الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى قد نقل في كتاب تبيين كذب المفتري فصلين من الإبانة، وعند مقارنة الإبانة المطبوعة المتداولة مع طبعة الدكتورة فوقية مع الفصلين المنقولين عند ابن عساكر يتبين بوضوح قدر ذلك التحريف الذي جرى على هذا الكتاب. وهذه بعض الأمثلة على ذلك:ا
جاء في الإبانة المطبوعة ص 16 ما نصُّه "وأنكروا أن يكون له عينان مـع قوله تجري بأعيننا" ا
جاء في الإبانة المطبوعة ص 16 ما نصُّه "وأنكروا أن يكون له عينان مـع قوله تجري بأعيننا" ا
وعند ابن عساكر ص 157 "وأنكروا أن يكون له عين"ا
اجاء في الإبانة المطبوعة ص 22 ما نصُّه "وأن له سبحانه عينين بلا كيف"ا
وعند ابن عساكر ص 158 "وأن له عيناً بلا كيف"ا
جاء في الإبانة المطبوعة ص 69 ما نصُّه "إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل له نقول: إن الله عز وجل مستوٍ على عرشه كما قال اا(الرحمن على العرش استوى "ا(ا
بينما جاء في طبعة الدكتورة فوقية ص 105 "نقول إن الله عز وجل استوى على عرشه استواءً يليق به من غير حلول ولا استقرار"ا
فالعبارة الأخيرة محذوفة من الطبعة المتداولة!!ا
جاء في الإبانة المطبوعة ص 73 ما نصُّه "فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستوٍ على عرشه، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض، فدل على أن الله تعالى منفرد بوحدانيته مستوٍ على عرشه" .ا
بينما جاء في طبعة الدكتورة فوقية ص 113 "فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيتهمستوٍ على عرشه استواءً منزهاً عن الحلول والاتحاد" اهـ.ا
اجاء في الإبانة المطبوعة ص 57 ما نصُّه "وذكر هارون بن إسحاق قال سمعت إسماعيل بن أبي الحكم يذكر عن عمر بن عبيد الطنافسي أن حمّاداً بعث إلى أبي حنيفة: إني بريء مما تقول، إلا أن تتوب. وكان عنده ابن أبي عقبة، قال، فقال: أخبرني جارك أن أبا حنيفة دعاه إلى ما استتيب منه بعد ما استتيب. وذكر عن أبي يوسف قال: ناظرت أبا حنيفة شهرين حتى رجع عن خلق القرآن) اهـ
بينما جاء في كتاب الاعتقاد للبيهقي ص 112ما نصه "روّينا عن محمد بن سعيد بن سابق أنه قال : سألت أبا يوسف فقلت : أكان أبو حنيفة يقول القرآن مخلوق؟ فقال : معاذ الله، ولا أنا أقوله. فقلت : أكان يرى رأي جهم؟ فقال : معاذ الله، ولا أنا أقوله. رواته ثقات" اهـ.ا
أفلا يدل هذا على التزوير والتدليس؟؟؟ بلى
وليعلم أن أبا الحسن الأشعري لم يبدع مذهبًا في الاعتقاد، وإنما قرر مذهب أهل السنة والجماعة، وذلك ما صرحه به السبكي حيث قال ا"واعلم أن أبا الحسن الأشعريلم يبدع رأيًا ولم يُنشئ مذهبًا، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل؛ يسمى أشعريًّا". ثم قال بعد ذلك ما يؤكد كلامه، فقال"قال المآيرقي المالكي: ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة، إنما جرى على سنن غيره، وعلى نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيانًا، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبًا به، ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم، إلا أنه لما زاد المذهب بيانًا وبسطًا عزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وما ألفه في نصرته".[1]ا
ويقول تاج الدين السبكي "وهؤلاء الحنفية، والشافعية، والمالكية، وفضلاء الحنابلة في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجـماعة يدينون لله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله...." ثم يقول بعد ذلك "وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة".[2]ا
وقد سئل ابن رشد الجد المالكي رحمه الله تعالى وهو شيخ المذهب عند المالكية عن الشيخ أبي الحسن الأشعري وأبي إسحاق الإسفراييني وأبي بكر الباقلاني وأبي بكر بن فورك وأبي المعالي ونظرائهم ممن ينتحل علم الكلام، ويتكلم في أصول الديانات، ويصنف للرد على أهل الأهواء. أهم أئمة رشاد وهداية أم هم قادة حيرة وعماية؟ وما تقول في قوم يسبونهم وينتقصونهم، ويسبون كل من ينتمي إلى علم الأشعرية ويكفرونهم ويتبرؤون منهم وينحرفون بالولاية عنهم، ويعتقدون أنهم على ضلالة، وخائضون في جهالة؟
فأجاب "تصفحت عصمنا الله وإياك سؤالك هذا ووقفت عليه، وهؤلاء الذين سميت من العلماء أئمة خير وهدى وممن يجب بهم الاقتداء؛ لأنهم قاموا بنصر الشريعة، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالات، وأوضحوا المشكلات، وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات فيهم، بمعرفتهم بأصول الديانات العلماء على الحقيقة، لعلمهم بالله عز وجل وما يجب له وما يجوز عليه وما ينتفي عنه؛ إذ لا تُعلم الفروع إلا بعد معرفة الأصول. فمن الواجب أن يُعترف بفضائلهم ويقر لهم بسوابقهم، فهم الذين عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)، فلا يعتقد أنهم على ضلالة وجهالة إلا غبي جاهل، أو مبتدع زائغ عن الحق مائل.ولا يسبهم وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق،وقد قال الله عز وجل ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب :58]. فيجب أن يبصر الجاهل منهم، ويؤدب الفاسق، ويستتاب المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مستسهلا ببدعة، فإن تاب وإلا ضرب أبدا حتى يتوبكما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ المتهم في اعتقاده من ضربه إياه حتى قال يا أمير المؤمنين إن كنت تريد دوائي فقد بلغت مني موضع الداء، وإن كانت تريد قتلي فأجهز علي فخلى سبيله، والله أسأل العصمة والتوفيق برحمته. قاله محمد بن رشد".[3]ا
ا[1] طبقات الشافعية الكبرى 3/367.ا
ا[2] معيد النعم ومبيد النقم ص 62.ا
ا[3] فتاوى ابن رشد 2/802.ا.هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق