بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 30 نوفمبر 2018

السماء هي قِبْلة للدعاء وليست مكانًا ومسكنًا لله تعالى:

السماء هي قِبْلة للدعاء وليست مكانًا ومسكنًا لله تعالى:
1ـ قال إمام أهل السنة أبو منصور الماتريدي (333هـ) ما نصه :"وأما رفع الأيدي إلى السماء فعلى العبادة، ولله أن يَتعبَّد عبادَه بما شاء، ويوجههم إلى حيث شاء، وإن ظَنَّ من يظن أن رفع الأبصار إلى السماء لأن الله من ذلك الوجه إنما هو كظن من يزعم أنه إلى جهة أسفل الأرض بما يضع عليها وجهه متوجهًا في الصلاة ونحوها، وكظن من يزعم أنه في شرق الأرض وغربها بما يتوجه إلى ذلك في الصلاة، أو نحو مكة لخروجه إلى الحج" اهـ ثم ذكر تنزيه الله عن الجهة.
2ـ وقال الحافظ اللغوي الفقيه السيد محمد مرتضى الزبيدي ما نصه :"فإن قيل: إذا كان الحقُّ سبحانه ليس في جهةٍ، فما معنى رفع الأيدي بالدعاء نحو السماء؟.
فالجواب: من وجهين ذكرهما الطُّرْطُوشي:
أحدهما: أنه محلُّ التعبُّد، كاستقبالِ الكعبةِ في الصلاة، وإلصاق الجبهةِ بالأرضِ في السجود، مع تنزُّهه سبحانه عن محلِّ البيت ومحلِّ السجود، فكأنَّ السماءَ قبلةُ الدعاء.
وثانيهما: أنها لما كانَتْ مهبِط الرزقِ والوحيِ وموضعَ الرحمةِ والبركةِ، على معنى أن المطرَ يَنزِلُ منها إلى الأرضِ فيخرج نباتًا، وهي مَسكنُ الملإ الأعلى، فإذا قَضَى اللهُ أمرًا ألقاه إليهم، فيُلقونه إلى أهلِ الأرض، وكذلك الأعمال تُرفَع، وفيها غيرُ واحد من الأنبياء، وفيها الجنةُ التي هي غايةُ الأماني، فلما كانت مَعْدِنًا لهذه الأمور العِظام ومَعرِفةَ القضاءِ والقَدَر، تَصرَّفَت الهِممُ إليها، وتوفَّرَت الدواعي عليها" اهـ.
3ـ وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي الأشعري (852هـ) ما نصه: "السماء قِبْلة الدعاء كما أن الكعبة قِبْلة الصلاة" اهـ.
4ـ وقال الشيخ مُلاّ علي القاري الحنفي (1014هـ) في كتابه "شرح الفقه الأكبر" ما نصه :"السماء قِبْلة الدعاء بمعنى أنها محل نزول الرحمة التي هي سبب أنواع النعمة، وهو مُوجِب دفع أصناف النقمة... وذكر الشيخ أبو معين النسفي إمام هذا الفن في "التمهيد" له من أن المحقّقين قرّروا أن رفع الأيدي إلى السماء في حال الدعاء تعبّد محض" اهـ.
5ـ وقال العلاّمة البَياضي الحنفي (1098هـ) في كتابه "إشارات المرام" ما نصه: "رفع الأيدي عند الدعاء إلى جهة السماء ليس لكونه تعالى فوق السموات العُلى بل لكونها قِبلة الدعاء، إذ منها يتوقع الخيرات ويستنزل البركات لقوله تعالى:{وفي السماء رزقكم وما توعدون} [سورة الذاريات/22] مع الإشارة إلى اتصافه تعالى بنعوت الجلال وصفات الكبرياء، وكونه تعالى فوق عباده بالقهر والاستيلاء" اهـ.
6ـ وقال الحافظ الفقيه اللُّغوي السيد محمد مرتضى الزَّبِيدي الحنفي (1205هـ) ما نصه :"وإنما اختُصَّت السماء برفع الأيدي إليها عند الدعاء لأنها جُعِلَت قِبْلة الأدعية كما أن الكعبة جُعِلَت قِبْلة للمصلي يستقبلها في الصلاة، ولا يقال إن الله تعالى في جهة الكعبة" اهـ.
7ـ وقال أيضًا :"فأما رفع الأيدي عند السؤال والدعاء إلى جهة السماء فهو لأنها قِبلة الدعاء كما أن البيت قِبلة الصلاة يُسْتقبَل بالصدر والوجه، والمعبودُ بالصلاة والمقصودُ بالدعاء ـ وهو الله تعالى ـ منزه عن الحلول بالبيت والسماء؛ وقد أشار النسفي أيضًا فقال: ورفع الأيدي والوجوه عند الدعاء تعبُّد محض كالتوجّه إلى الكعبة في الصلاة، فالسماء قِبْلة الدعاء كالبيت قِبْلة الصلاة" اهـ.
8ـ قال العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي في كتابه "إظهار العقيدة السُنيَّة" ما نصه :"ورفعُ الأيدي والوجوه إلى السماء عند الدعاء تعبُّدٌ مَحْضٌ كالتوجّه إلى الكعبة في الصلاة، فالسماء قِبْلة الدعاء كالبيت الذي هو قِبْلة الصلاة" اهـ.
وهذا يدل على موافقة الشيخ عبد الله الهرري لأهل السنة فيما يقوله من تقرير عقيدة أهل الحق، فلا يخرج عما أجمع عليه المجتهدون في الأصول والفروع.

اعلموا ان العلماء قالوا إن الذي يقدم على مطالعة الكتب لنفسه من دون معلم ثقة يتلقى منه علم الدين أخذ عن مثله بسلسلة متصلة بأصحاب رسول الله يكون على خطر كبير

اعلموا ان العلماء قالوا إن الذي يقدم على مطالعة الكتب لنفسه من دون معلم ثقة يتلقى منه علم الدين أخذ عن مثله بسلسلة متصلة بأصحاب رسول الله يكون على خطر كبير ...وقد قال الحافظ الفقيه الخطيب البغدادي إن الذي يطالع في الكتب لنفسه بلا معلم لا يسمى عالما إنما يسمى صحفيا والذي يقرأ القرءان لنفسه من دون قارئ يتلقى منه القراءة لا يسمى قارئا إنما يسمى مصحفيا وهذا الحكم مجمع عليه وهو مفهوم من حديث الطبراني الذي فيه قال قال رسول الله [ أيها الناس تعلموا وإنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ]ا.هـ
ومعنى العلم بالتعلم بالتلقي من أهل المعرفة الثقات.قال عبد الله بن المبارك الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
ولم يقل أحد من العلماء إن الجاهل في أمور الدين يعذر بل الذي يقول هذا يكون جاعلا الجهل خيرا من العلم لأنه على مقتضى كلامه الجاهل لا يؤاخذ وهذا خلاف قول الله تعالى : قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
وأما حديث البخاري : إن العبد ليتكلم بالكلمة ....إلى آخره فلقد قال في شرحه الحافظ ابن حجرفي شرح البخاري وذلك ما كان فيه استخفاف بالله وشريعته ولم يقل إمام قط إنه يشترط للحكم بالكفر على المتلفظ به أو معتقده أو قائله أن لا يكون جاهلا وقد قال العلماء في باب الردة :
الردة تكون بالاعتقاد والفعل والقول سواء قاله عنادا او استهزاء ولم يقل أحد ويعذر الجاهل والدليل على ذلك قول الله تبارك وتعالى في سورة التوبة: {وَلَئِنْ سَالتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .
ثم الذي يقول إن الجاهل معذور يكون مكذبا لحديث الرسول افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحده.. وهي التي على ما أنا عليه وأصحابي ا.هـ
فالذي يجعل الجاهل في أمر الدين معذورا يكون مخالفا لهذا الحديث فإن كل الفرق المنتسبة للإسلام يزعمون الاجتهاد ويظنون لجهلهم أنهم على الصواب ولم يجعلهم الرسول معذورين لجهلهم وهل لأحد كلام بعد كلام رسول الله وهذا حديث ثابت صحيح. قول الله تعالى سورة الكهف) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( 103 ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( 104 أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( 105
وأما حديث : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فليس محلا للاستدلال على عذر الجهال والعياذ بالله والخطأ معناه كسبق اللسان كما قال الرسول عن الرجل الذي فقد دابته وعليها متاعه وطعامه ثم وجدها فقال : اللهم أنت عبدي وانا ربك أخطأ من شدة الفرح ا. هـ
فالرسول سمى سبق اللسان خطأ وليس الجهل وأما النسيان فهو الذهول وذلك كالذي ينسى أداء الصلاة في وقتها فلا إثم عليه وأما معنى وما استكرهوا عليه فهو مثل ما حصل لعمار بن ياسر حين أخذه الكفار وهددوه بالقتل ليقول كلمة الكفر فقالها وقلبه مطمئن بالإيمان ثم جاء الرسول وهو يبكي وأخبر الرسول بما حصل فقال له الرسول هل كنت شارحا صدرك حين قلت ما قلت قال لا قال فإن عادوا فعد أ.هـ وعلى مثل هذا ينطبق قول الله تعالى : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله. معناه المكره إذا شرح قلبه للكفر عند النطق به كفر لأن ظاهره الذي أكره وليس قلبه فمن جعل كل إنسان في حكم المكره يكون مكذبا للدين وقد وقع في ذلك كثيرون لجهلهم بعلم الدين . هذا هو الحق الذي لا محيد عنه الموافق للقرءان والحديث وكلام الأئمة فمن تركه واعتبر الجاهل في أمور الدين معذورا يكون مكذبا للقرءان والحديث والإجماع ومن كذب القرءان أو كلام الرسول فهو كافر.
بكل بساطة إخوة الإيمان و من غير تكلف في الرد على من ترك تكفير المجسم و المشبِّه مطلقا نقول لهم يا من تركتم تكفير اليهود و النصارى أليس الله تعالى يقول { لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم}
و قال تعالى :{ و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النّصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون أليس الله قد ذمَّهم
و قال تعالى { وجعلوا له من عباده جزءا}
أليس الله تعالى يقول {لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد }
أليس ردُّ النصوص و تكذيب القرءان و الدين كفر بلى و الله العظيم ومن شك في كفر المجسم كفر و المجسم كافر و لو كان يتَّجهُ إلى قِبلَتِنا فلقد قال لا اله الا الله و لكنه ناقضَ معنىً من معاني لا اله الا الله فمن معاني لا اله الا الله أي لا شبيه لله
يقول الإمام النووي في كتابه روضة الطالبين {وأنه لو قال اليهودي المشبه : لا إله إلا الله لم يكن إسلاما حتى يتبرأ من التشبيه ويقر بأنه ليس كمثله شيء فإن قال مع ذلك : محمد رسول الله فإن كان يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بنفي التشبيه كان مؤمنا وإلا فلا بد أن يتبرأ من التشبيه
فما أصرح هذا القول فهو متناقضٌ و بعيدٌ كلَّ البعد عما نُسِبَ إليه بأنه لا يكفِّرُ الجهوي الذي ينسب لله الجهة,, أفنجعلُ المسلمين كالمجرمين!.
و كذلك من التجسيم و لوازمه إعتقاد أن الله له و لد أو في مكان أو في جهة من الجهات أو أنه نورٌ بمعنى الضوء أو أن له شكل أو هيئة أو صورة أو جوارح كاليدين والعينين و الأنف و الرجل و الرأس وغيرها .
و من قال بأن الجهة و المكان ليست من لوازم التجسيم فليأتي بدليل و لن يجد الدليل . و هنا إشارة أن تجسيم الله لا يعذر به جاهلٌ ولا عامي أبداً فإنه من القطعيات التي لا عذر لجاهل بها و هي تدرك عن طريق العقل و أنه لا اله الا الله}}}
و أقول لا تتعبوا أنفسكم في الرد علي بالنقل و إلا قولوا لي ما هو الذي لا يعذر به الجاهل إن كان كفراً ؟!!. فهل تريدون أن تجعلوا من نفى وجود الله و من كذب بالله,و شبَّه الله معذرواً و أنه مسلمٌ ؟!! أعوذ بالله من الكفر و الضلال بل نكفِّرُهُ و نعلمهُ و من شك في كفره كفر هذا لمن عنده بصيرةٌ و بَصَر فواجبنا أن نعتقد أن الله لا شبيه له و لا يتصور في البال و أنه تعالى متصفٌ بصفاتٍ ليست كصفات المخلوقين فنُثبتُ الصفات من غير تعطيل لها و لا تكييف و لا تشبيه.
و اعلموا أن التوبة من الكفر و الردة لا تحصل الا بالنطق بالشهادتين بنية الدخول في الاسلام و ما ذكرته فوق لا عذرَ لجاهل به . ومن شذ شذ الى النار.

الواجب علی المسلم اعتقاد التنزيه في الله وعدم تشبيهه بخلقه

فإن الواجب علی المسلم اعتقاد التنزيه في الله وعدم تشبيهه بخلقه، والفوقية متی اضيفت الی الله فهي فوقية قهر والعلو علو الشرف لا علو الجهة والمكان، لأنه لا شرف في علو المكان ولكن الشرف في علو القدر ولذلك نقول: "الله اكبر" ليس علی معنی كبر الحجم وضخامته ولكن الله اكبر من كل شيء قدرا والامر كما قال الله تعالی في كتابه: "وهو القاهر فوق عباده".
وقد وصف الله عز وجل نفسه بالمعية في العديد من الآيات، بعضها معية عامة لخلقه وهي هنا بمعنی العلم كقوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] و{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَة إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7].
وبعضها معية خاصة بالصالحين كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 153]، و{إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة : 40].
وكذلك وصف الله عز وجل نفسه بأنه قريب من عباده فقال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق : 16]، وقوله تعالی:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة : 186]
وشبه ذلك من النصوص.
فمعية الله العامة هي لجميع خلقه بالعلم، فالله عز وجل مع خلقه بعلمه وإحاطته بهم، لا بالمكان ولا بالجهة، يرى ويسمع كل شيء لا بآلة ولا حدقة، أما المعية الخاصة بالمؤمنين فمقتضاها النصر والتأييد والحفظ.
وهذا ما دلت عليه الآيات وآثار السلف الصالح رحمهم الله.
ثم حدثَ بعدَهم من قلَّ ورعُه وساء فهمه وقصدُه وضعُفت عظمة الله وهيبته في صدره فشبهوا الله بخلقه، فزعموا أن هذه النصوص تدل على أن الله بذاته في كل مكان أو أنه بذاته فوق العرش كما تقول المشبهة، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وهذا شيء ما خطر لمن كان قبلهم من الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح، وهؤلاء ممن يتبع ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقد حذر النبي أمته منهم في حديث عائشة الصحيح المتفق عليه.
وتعلق هؤلاء أيضا بما توهموه بفهمهم القاصر مع قصدهم الفاسد بآيات في كتاب الله مثل قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُم}، فقال من قال من علماء السلف حينئذ: إنما أراد أنه معهم بعلمه، وقصدوا بذلك إبطال ما قاله أولئك من اعتقاد التشبيه والتجسيم، مما لم يكن أحد قبلهم قاله ولا فهمه من القرآن.
وقد رد السلف الصالح وعلماء أهل السنة على استدلالهم بهذه الآيات، وبينوا المعنى الصحيح لهذه الآيات، فهذه الآيات أولها وآخرها تدل على معناها، وتُبين أن المقصود هو علم الله عز وجل بكل شيء:
الآية الأولى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الارْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
الاية الثانية: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.
فالفوقية متی اضيفت الی الله فهي فوقية القهر كما ذكر القرآن وقد تقدم.
ومما ذكره العلامة الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في كتابه إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء الغزالي قال: وهذا معنى قوله تعالى: "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" أي أعلم منه (اي من العبد) بنفسه. وقوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: "واسجد واقترب" دليل على أن المراد به قرب المنزلة ﻻ قرب المكان كما زعمت المجسمة أنه مماس لعرشه (وهو كفر) إذ لو كان كذلك (كما تزعم المجسمة) ﻻزداد (اي النبي) بالسجود منه (اي من الله تعالی) بعدا، (وهذا اي ما تزعمه المجسمة من القرب والبعد من الله بالمسافة والمكان كفر وضلال)، انتهی.
وهذا من الزبيدي رحمه الله حجة مفحمة للحشوية المشبهة المجسمة أتباع ابن تيمية ﻻ جواب لهم عليها، والزبيدي من علماء اللغة الكبار وهو محدث حافظ من علماء اهل السنة.
ولم يقل احد من السلف بالكيفية ولا بالتحيز فوق العرش بل نزهوا الله عن ذلك كما روی الترمذي عن اجماع السلف قالوا أمروها (بفتح فكسر فراء مضمومة مشددة) بلا كيف، اي منزه عن الكيفية مطلقا.
وهو الثابت عن مالك في روايتي البيهقي
ولا يوجد اي اسناد الی الامام مالك انه قال "والكيف مجهول" في تفسير آية الاستواء "الرحمن علی العرش استوی".
قال الامام الماتريدي رضي الله عنه وهو من أئمة السلف الصالح: "فإنَّه ليس في الارتفاع إلى ما يعلو من المكان للجلوس شرف ولا علو ولا وصف بالعظمة والكبرياء، كمن يعلو السطوح أو الجبال انه لا يستحق الرفعة على من دونه (اي بالمكان) عند استواء الجوهر، فلا يجوزُ صرف تأويل الآية إليه (اي الی المكان والجلوس) مع ما فيها من ذكر العظمة والجلال" اي لتنزه الله عن ذلك.
ثم ليعلم ان الصحيح المسند عن الامام مالك روايات: "بلا كيف" رواها الترمذي، ورواية "والكيف غير معقول" ورواية "وكيف عنه (اي عن الله) مرفوع" معناه ان الكيفية مستحيل في حقه تعالی.
وهذا ما تعلمه الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلی الله عليه وسلم، فقد روی ابن حجر العسقلاني عن ام المؤمنين ام سلمة رضي الله عنها قالت في آية الاستواء "والكيف غير معقول"، اي لا يجوز على الله، ذكره الحافظ في شرحه على صحيح البخاري.
أم سلمة لم تقل ذلك بالرأي والهوى، بل هو مما تعلمته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أم سلمة رضي الله عنها تعلمت أن الكيف مستحيل على الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قال الخليفة الراشد الإمام عليّ رضي الله عنه: "من زعمَ أنّ إلهنا محدود فقد جهِل الخالق المعبود" رواه الحافظ أبو نعيم في حلية الاولياء، ومعناه ان من اعتقد أو قال بأن الله تعالى قاعد أو جالس أو له كميّة صغيرة أو كبيرة فهو جاهل بالله أي كافر به.
وقال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: "من قال إنّ الله على شيء فقد أشرك" والمشبهة تقول اللهُ بذاته على العرش فهم كفار بذلك. وزعموا أن الله من صفات عظمته جلوسه على العرش وهو كفر كذلك لأنهم جعلوا الله متشرفاً بشيء من مخلوقاته والعياذ بالله.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: "المجسّم كافر" ذكره الحافظ السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر، فالمجسمة الشافعيّ كفرهم جميعا بلا تفصيل وهو ولي تقي نقي مجتهد قرشي من اعلم السلف استاذ لأمثال الامام احمد بن حنبل رضي الله عنهما.
وأحمد كذلك كفر المجسمة مثل استاذه كما نقله الزركشي في تشنيف المسامع من كتب اصول الفقه.
وقال الإمام أبو حنيفة وهو قبل الشافعي ومالك في كتاب الوصية: "من قال بحدوث صفة من صفات الله أو شكّ أو توقف كفر".
وقال ابو سليمان الخطابي وهو فقيه مجتهد: "إن الذي علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه ان ربنا ليس بذي صورة، لأن الصورة تقتضي الكيفية، والكيفية عن الله وعن صفاته منفية".
فالكيف والمكان مستحيلان علی الله، وهذا ما قرره الإمام أبو حنيفة (توفي سنة 150 للهجرة) رضي الله عنه وهو من أئمة السلف قال في الفقه الأكبر: "والله تعالى يُرى في الآخرة. يراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كيفية ولا كمية، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة".
هذا كلام صريح من أحد أئمة التابعين من أوائل السلف رضي الله عنهم، ينزه في كلامه ربنا تعالى عن التشبيه والكيفية والكمية والمكان والمسافة. الكيفية لا تجوز على الله لأن الله خالق الكيفيات والأشكال كلها.

تعريف البدعة

تعريف البدعة والفرق بين الحسن منها والقبيح

فإن من المهم معرفة تحديد البدعة المذمومة حتى لا تلتبس بالبدعة الحسنة ولا سيما في هذا العصر الذي كثر فيه المشوشون فإنهم لبَّسوا الأمور على الناس بقولهم عن الأمر الذي لا يعجبهم إنه بدعة ويحملون على ذلك حديث العرباض بن سارية: "وإياكم ومحدثات الأمور فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة......الحديث" رواه أبو داود
والترمذي

هذا الحديث الصحيح هؤلاء المشوشون يحملونه على اشياء ليست داخلة تحت هذا الحديث وإنما هي تدخل تحت حديث "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها......الحديث" الذي رواه مسلم وذاك الحديث وكلا الحديثين صحيح الإسناد وإن كان حديث مسلم هذا "من سن في الإسلام سنة حسنة" أقوى إسنادا من ذلك الحديث والحديثان ليس بينهما تعارض عند من يفهم، من فهم معنى البدعة التي ذمها رسول الله في قوله "وكل بدعة ضلالة" لا يُطبِّقُ ذلك على السنة الحسنة التي عناها رسول الله بقوله "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها" فالقاعدة عند علماء الحديث وعلماء الأصول أنه إذا تعارض في الظاهر حديثان صحيحان يُجمع بينهما يُوفق بينهما يُفسر هذا تفسيرا لائقًا به ويفسر هذا تفسيرا لائـقًا به فيكون كلا الحديثين معمولا بهما وهذا هو طريق أهل الحديث وأهل أصول الفقه، فمن الفهم الفاسد مَن يفهم من حديث "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" أنه يشمل كل ما لم يفعله رسول الله فمن كان هذا فهمه فقد أفسد على الناس أمور دينهم وزاغ هو في حد نفسه زيغًا كبيرًا.

فتعريف البدعة التي عناها رسول الله بقوله "وكل بدعة ضلالة" ما أُحدث على خلاف الكتاب والسنة والإجماع ما أُحدث أي ما فعله الناس ولم يفعله رسول الله ولا أمر به وكان مخالفا للقرءان والحديث فهذا هو البدعة التي ذمها رسول الله بقوله "وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" هذا مَحْمِلُ هذا الحديث، على هذا يُحمل هذا الحديث، حديث "وكل بدعة ضلالة" على ما أُحدث مما يُخالف الكتاب والسنة والإجماع ثم هذا أيضا إما محرّم وإما أكثر من مجرد التحريم فإنه قد تصل بعض البدع إلى الكفر ومن البدع ما يصل إلى الكراهة هذا تعريف البدعة المذمومة.

وأما البدعة التي سماها رسول الله "سنة حسن" في حديث جرير بن عبد الله البجلي الذي رواه مسلم فهي ما أحدثه أهل العلم على وفاق القرءان والحديث والاجماع فمن هنا أحدث السلف والخلف أشياء لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت على وفاق القرءآن والحديث فعُدَّت سنة حسنة وتسمى بدعة حسنة وتسمى بدعة مستحبة، العلماء يطلقون عليها العبارات الثلاث بدعة حسنة وبدعة مستحبة وسنة حسنة من هذا نقط المصاحف.

القرءان الكريم أملاه رسول الله على من كتب عنه الوحي القرءاني فلم ينقطوه كتبوه بغير نقط كذلك عثمان بن عفان في خلافته لما كتب ست نسخ أو خمس نسخ كانت غير منقوطة هذه المصاحف التي كتبها عثمان بن عفان وَوَجَّه بعضا منها إلى الأمصار كالبصرة ومكة واتخذ لنفسه واحدا منها هذه كانت غير منقوطة بعد ذلك نقط المصاحف رجل من التابعين يقال له يحيى بن يعمر رضي الله عنه وكان من العلماء المحدثين الثقات.

هذا الكتاب يذكر وهو كتاب معتمد معروف عند السلف والخلف اسمه كتاب المصاحف تأليف عبد الله ابن أبي داود هذا أبو داود الذي هو أحد أصحاب الكتب الستة له ابن يسمى عبد الله هو ألفه، هنا باب نقط المصاحف: حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي قال حدثنا أحمد بن نصر بن مالك قال حدثنا الحسن بن الوليد عن هارون بن موسى قال: أول من نقط المصاحف يحيى بن يَعْمَر أمـا إذا قيل لكم كيف يترك الرسول ما كتب عنه من القرءان غير منقوط؟ يقال لهم في ذلك حكمة وهي أن القرءان أنزل على الرسول بعدة أوجه اللفظ الواحد الرسول قرأه مرة بالتاء ومرة بالياء ومرة بلفظ المفرد ومرة بلفظ الجمع [يعملون] ببعض المواضع الرسول قرأ يعملون بالياء ثم قرأ أيضا بالتاء [تعملون] فلما كتب غير منقوط صار صالحا بأن يُقرأ بالياء وبأن يُقرأ بالتاء ونحو ذلك من الحكم لهذا كتب من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منقوط كذلك عثمان بن عفان كتب تلك المصاحف أي استنسخها بغير تنقيط يُقال نَقَّط ويقال نَقَطَ كِلا الوجهين صحيح، ثم أصحاب رسول الله الذين كانوا عندما نقط يحيى بن يعمر المصاحف ما اعترضوا عليه بل رضوا بذلك وأعجبهم لأن فيه تسهيلا على الناس ثم كان الاعتماد في القراءة عند الصحابة وكذلك التابعون على التلقي الشفوي هذا يتلقى من أصحاب رسول الله في هذه القراءة وءاخر يتلقى القرءان بالقراءة الثانية وهذا يتلقى بالقراءتين من استاذه الذي أقرأه القرءان كان اعتمادهم على التلقي الشفوي كانوا يعتمدون على الحفظ لذلك الذي يعتمد في القراءة على المصحف لا يُسمى مقرئا ولا قارئا يُسمى مُصحفيا فرقا بين الذي تلقى من أهل المعرفة من أهل التجويد كما تُلقيَ من لفظ رسول الله فرقا بينه وبين الذي يقرأ في المصحف بدون تلقي يتلقى الشىء القليل منه خمس سور أو ستة سور من القصار أو نحو ذلك ثم ما سوى ذلك يتخذ المصحف مقرئا له هذا الذي يُسمونه مصحفي لا يسمونه مقرئا كذلك في الحديث الذي يتلقى من أفواه أهل المعرفة ثم يضبطه كتابا على النسخة الأصلية هذا يُسمى محدِّثًا أما الذي يعتمد على المطالعة في المؤلفات في الحديث من غير تلقي من أفواه أهل المعرفة أو القراءة عليهم فلا يُسَمَّى مُحَدِّثًا.

كانت عادة علماء الحديث إما أن يسمع الحديث من الذي سمع من رسول الله ثم الآخر يتلقى من الذي سمع مِن مَن سمع من أصحاب رسول الله ثم الذي بعده كذلك يتلقى من هذا الذي تلقى مِن مَن تلقى من أصحاب رسول الله وهكذا، هذا الذي أخذ الحديث بالتلقي سَماعا من لفظ المحدث أو المحدثُ يُعطيه كتابه الذي ضبطه الذي دَوَّنَ فيه أحاديثه التي رواها مِن مَن تلقى عنهم يُعطيه يقرأ في هذا على هذا المحدث يقرأ فإن وجد منه غلطا يرده. وبعضهم كانوا يستنسخون من هذه الأصول التي عند المحدثين ثم يعرضونها على الأصل على النسخة الأصلية فيعتمدون عليها بعد ذلك، فمن كان تلقيه لعلم الحديث على هذه الطريقة يُقال له مُحَدِّث أما من لم يكن على هذه الطريقة إنما اشترى كُتُبا ثم طالع بنفسه هذا يُقال له الصحفيٌّ لا يُسمى محدثا.

ثم حصل من أصحاب رسول الله غيرُ هذا مما هو سُنة حسنة ويُقال لـه بدعة مستحبة وبدعة حسنة ما حصل من بعض الصحابة وهو أن أحد أصحاب رسول الله يُقال لـه خُبَيْب وهو من الأنصار من أهل المدينة، الكفار كفار مكة قبل أن يفتح رسول الله مكة لما كان المشركون هم متغلبين على مكة كان لهم ثأر منه لأنه قتل بعض أقرباء هؤلاء الكفار، في الجهاد أسره الكفار قتلوه صبرا أي أسيرا وهو أسير مأسور في أيديهم قتلوه عندما ساقوه للقتل قال لهم أمهلوني حتى أصلي ركعتين فصلى ركعتين، قال أبو هريرة رضي الله عنه: فكان خبيب أول من سن الصلاة عند القتل معناه قبل خبيب ما أحد فعل هذا الفعل وهو صلاة ركعتين عند القتل ولا قال رسول الله لأصحابه إذا قدمكم الكفار للقتل فصلوا ركعتين لم يقل الرسول، ما أخذه من قول رسول الله من نص رسول الله، إنما خبيب وجد هذا الأمر موافقا للقرءان والحديث فرضي به، فهذا الفعل الصحابة أٌعجبوا به من غير أن يكون قال الرسول لأصحابه إذا قدمكم المشركون للقتل فصلوا ركعتين من غير أن يكون سبق من رسول الله ذلك من غير أن يكون سبق منه هذا القول هو فعله هذا الصحابي رضي الله عنه هذا من جملة السنة الحسنة والبدعة التي تسمى البدعة الحسنة والبدعة المستحبة.

فمن هذه الحادثة حادثة صلاة خبيب رضي الله عنه ركعتين عندما قُدم للقتل وحادثة تنقيط المصاحف التي أول من فعلها يحيى بن يَعمر يُعْلَمُ بطلان قول هؤلاء لما يُنكرون على الناس أشياء هي من البدع الحسنة هذا ما فعله الرسول، هذا ما فعله الرسول ليشوشوا بذلك على الناس، هؤلاء إذا أردتم أن تُسكـتوهم قولوا لهم هذه المصاحف التي تتخذونها منقوطة أم غير منقوطة؟ فإن قالوا منقوطة هذا قولوا لهم التنقيط ما فعله الرسول ما قال للذين كتبوا من لفظه نقطوها ما قال ولا الصحابة فعلوا ذلك فهذا الشئ لم يفعله الرسول ولا أمر به نصا وأنتم لا نراكم تتجنبون هذه المصاحف بل تستعملونها وتتخذونها في بيوتكم فإن كنتم صادقين فابدؤا بكشط المصاحف، إزالة النقط عنها، وأسماء السور أيضا في أوائل السور، أسماء السور ما كانت مكتوبة في مصاحف عثمان ما كتب في أول البقرة سورة البقرة، في أول سورة ءال عمران ما كان مكتوبا في تلك المصاحف التي كتبها الصحابة كل هذا أزيلوه جردوا القرءان من كل هذا من النقط ومن أسماء السور ومن الإعراب كذلك.

كانوا أول ما فعلوا بعض الأعمال في المصحف كانوا بين ءاية وءاية ثلاث نقط كانوا يضعون ثم بعد ذلك تحولوا إلى وضع دائرة مع الأرقام، كذلك لم تكن في مصاحف الصحابة كتابة عدد ءايات السورة أما اليوم هذه المصاحف فيها التنقيط فيها ذكر أنها مدنية أو مكية وفيها أشياء أخرى وفيها التعشير أي وضع علامة على كل عشر ءايات، كذلك علامة على كل حزب وعلى كل جزء ورقم الصفحة كل هذا ما كان أيام الرسول ما فعله الرسول ما أمر بفعل ذلك.

وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى أَعْلَمُ وَأَحْكَمْ

وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين

البدعة : الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء وإقتداء

قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرءان: الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء وإقتداء، وإذا استعمل في الله تعالى، فهو إيجاد الشيء بغير ءالة ولا مادة ولا زمان ولا مكان، وليس ذلك إلا لله. والبديع يقال للمبدع نحو قوله: {بديع السموات والأرض}
ويقال للمبدَع – بفتح الدال – نحو ركية بديع. وكذلك البدع، يقال لهما جميعًا بمعنى الفاعل والمفعول. وقوله تعالى: {قل كنت بدعا من الرسل} قيل معناه مبدعًا لم يتقدمني رسول، وقيل: مبدعًا فيما أقوله. والبدعة في المذهب إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة، وأمثالها المتقدمة، وأصولها المتقنة، وروي: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" اهـ.
وقال ابن الأثير في النهاية: البدعة بدعتان: بدعة هدى، وبدعة ضلال فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيز الذم والإنكار.
وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه، وحض عليه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيز المدح. وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء، وفعل المعروف، فهو في الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثوابًا، فقال: "من سن سنة حسنةً كان له أجرها وأجر من عمل بها" وقال في ضده: "ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به،
أو رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه". لما كانت من أفعال الخير، وداخلة في حيز المدح، سماها بدعة ومدحها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنها لهم، وإنما صلاَها ليالي ثم تركها، ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس لها. ولا كانت في زمن أبي بكر، وإنما عمر جمع الناس عليها وندبها إليها، فبهذا سماها بدعة، وهي على الحقيقة سنة. لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وقوله: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر: "كل محدثة بدعة".
إنما يريد: ما خلف أصول الشريعه ولم يوافق السنة اهـ.
وقال الفيومي في المصباح: أبدع الله تعالى الخلق إبداعا خلقهم لا على مثال وأبدعت الشيء وابتدعته، استخرجته وأحدثته، ومنه قيل للحالة المخالفة بدعة، وهي اسم من الابتداع، كالرفعة من الارتفاع. ثم غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين، أو زيادة لكن قد يكون بعضها غير مكروه، فيسمى بدعة مباحة، وهو ما شهد لجنسه أصل في الشرع، أو اقتضته مصلحة يندفع بها مفسدة، كاحتجاب الخليفةعن أخلاط الناس اهـ.
وفي القاموس وشرحه: البدعه بالكسر الحدث في الدين بعد الإكمال ومنه الحديث: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" أو هي ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء والأعمال، وهذا قول الليث، وقال ابن السكيت: البدعة كل محدثة اهـ. ثم نقل الشارح كلام النهاية، كما سبق.

بدعة الضلالة

 والبدعة على نوعين: بدعة تتعلق بأصول الدين وبدعة تتعلق بفروعه.

فأما البدعة التي تتعلق بأصول الدين، فهي التي حدثت في العقائد وهي مخالفة لما كان عليه الصحابة في المعتقد، وأمثلتها كثيرة منها:


* بدعة إنكار القدر: وأول مَن أظهرها معبد الجهني بالبصرة، كما في صحيح مسلم عن يحيى بن يعمر ويسمّى هؤلاء القدرية، فيزعمون أنَّ الله لم يقدّر أفعال العباد الاختيارية ولم يخلقها وإنَّما هي بخلق العباد، ومنهم مَن يزعم أنّ الله قدّر الخير ولم يقدّر الشرَّ، ويزعمون أنَّ المرتكب للكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر بل هو في منزلة بين المنزلتين، وينكرون الشفاعة في العصاة، ورؤية الله تعالى في الجنّة.

* بدعة الجهمية: ويسمّون الجبرية أتباع جهم بن صفوان يقولون: إنَّ العبد مجبور في أفعاله لا اختيار له، وإنما هو كالريشة المعلّقة في الهواء يأخذها الهواء يَمنة ويسْرة.

* بدعة الخوارج: الذين خرجوا على سيّدنا عليّ رضي الله عنه، ويكفّرون مرتكب الكبيرة.

* بدعة القول بحوادث لا أوّل لها: وهي مخالفة لصريح العقل والنقل.

* بدعة القول بعدم جواز التوسل بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم، أو في حياتهم في غير حضرتهم: وأول من أحدثها أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، توفي سنة 728هـ.

وأما البدعة التي تتعلق بالفروع فهي المنقسمة التقسيم المذكور ءانفًا.

البدع السيئة العملية:

ومن البدع السيئة العملية:

* كتابة (ص) بعد كتابة اسم النبي صلى الله عليه وسلم، وأسوأ منها وأقبح (صلعم).

* ومنها تيمّم بعض الناس على السجاد والوسائد التي ليس عليها غبار التراب.

* ومنها تحريف اسم الله، كما يحصل من كثير من المنتسبين إلى الطرق، فإنَّ بعضهم يبدءون به "الله" ثمَّ إما أن يحذفوا الألف التي بين اللام والهاء فينطقون بها بلا مدّ، وإما أن يحذفوا الهاء نفسها فيقولون "اللا"، ومنهم مَن يقول "ءاه" وهو لفظ موضوع للتوجّع والشكاية بإجماع أهل اللغة، قال الخليل بن أحمد: "لا تطرح الألف من الاسم، إنما هو الله عزّ ذِكره على التمام"، وقد أفردنا هذه المسألة في هذا الكتاب بالرد.
فإن قيل: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن العرباض بن سارية: "وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنَّ كلّ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".
فالجواب: أنَّ هذا الحديث لفظه عام ومعناه مخصوص بدليل الأحاديث السابق ذكرها فيقال: إن مراد النبيّ صلى الله عليه وسلم ما أحدث وكان على خلاف الكتاب أو السنّة أو الإِجماع أو الأثر.

وفي شرح النووي لصحيح مسلم ما نصّه: "قوله صلى الله عليه وسلم: وكل بدعة ضلالة" هذا عام مخصوص والمراد به غالب البدع اهـ.

ثم قسّم البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرّمة ومكروهة ومباحة. وقال: "فإذا عُرِفَ ما ذكرته عُلِم أنَّ الحديث من العام المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيّد ما قلناه قول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في التراويح: "نعمت البدعة". ولا يمنع من كون الحديث عامًّا مخصوصًا قوله :"كل بدعة" مؤكدًا بكل، بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ} [سورة الأحقاف/25]". اهـ.

ومعناه تدمر الريح كلّ شىء مرت عليه من رجال عادٍ وأموالها.

من البدع الحسنة التي استحدثها التابعين

 تنقيطُ التابعي الجليل يحيى بنُ يَعمَر المُصحف وكان من أهل العلم والتقوى، وأقرَّ ذلك العلماء من مُحَدّثين وغيرهم واستحسنوه، ولم يكن منقّطًا عندما أملى الرسول على كتَبَةِ الوحي، وكذلك عثمان لَمَّا كتب المصاحف الخمسة أو الستة لم تكن منقطة، ومنذ ذلك التنقيط لم يزل المسلمون على ذلك إلى اليوم، فهل يقال في هذا إنه بدعة ضلالة لأن الرسول لم يفعله؟! فإن كان كذلك فليتركوا هذه المصاحف المنقطة أو ليكشطوا عنها التنقيط لتعود مجرّدةً منها. قال أبو بكر ابن أبي داود صاحب السنن في كتابه المصاحف: ((أول من نقط المصحف يحيى بن يَعمَر)) وهو من علماء التابعين روى عن عبد الله بن عمر وغيره.

- الاحتفال بمولد النبي في شهر ربيع الأول وأول من أحدثه الملك المظفر ملك إربل في القرن السابع الهجري في أوائل الستمائة للهجرة، وكان عالماً تقياًّ شجاعًا ووافقه على ذلك العلماء والصوفية الصادقين في مشارق الأرض ومغاربها منهم الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني وتلميذه الحافظ السخاوي وكذلك الحافظ السيوطي، وللسيوطي رسالة سماها: ((حُسن المقصد في عمل المولد)) قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾3.

- وأول من أحدث الهمزات والشدات في المصحف هو الحسن البصري.

- إحداث عمر بن عبدالعزيز للمحاريب المجوفة والمآذن في ءاخر القرن الأول الهجري وأقره المسلمون على ذلك.

- كتابة صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسم الرسول عقبه فإن الرسول لم يكتب صلى الله عليه وسلم عقب اسمه في كتابه إلى هرقل كما أورده البخاري في صحيحه وفي كتابه إلى كسرى وغير ذلك، ثم جرى عليها عمل المسلمين.

- الصلاة على النبي جهرًا عقب الأذان، فقد ثبتَ حديثٌ رواه مسلم: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي)) رواه الحافظُ أبو يَعلى والحافظ السخاوي في كتابه القول البديع في الصلاة على النبي الشفيع وقال: ((لا بأس بإسناده)).

- أحدث العلماء شيئاً يقال له التعريف وهو اجتماعُ الناس يوم عرفة ويدعون كما يفعل الحجاج في عرفة، روى ذلك جماعة من العلماء منهم الحسن البصري والنووي.

- ما أحدثه بعض الصالحين ومنها الطرق التي أحدثها بعض أهل الله كالرفاعية والقادرية وهي نحو أربعين طريقة، فهذه البدع أصلها حسنة ولكن شذ بعض المنسبين إليها وهذا لا يقدح في أصلها.

من البدع الحسنة الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم

فهذا العمل لم يكن في عهد النبيّ ولا فيما يليه، إنّما أحدث في أوائل الستمائة للهجرة، وأول مَن أحدثه ملك إربل، وكان عالمًا تقيًّا شجاعًا يقال له المظفّر، وجمع لهذا كثيرًا من العلماء فيهم من أهل الحديث والصوفية الصادقين، فاستحسن ذلك العمل العلماء في مشارق الأرض ومغاربها منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني وتلميذه الحافظ السّخاوي، وكذلك الحافظ السيوطي.

فقد ذكر الحافظ السخاوي في فتاويه أنَّ عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة، ثم لا زال أهل الإِسلام من سائر الأقطار في المدن الكبار يعملون المولد ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم.

وللحافظ السيوطي رسالة سمّاها "حسن المقصد في عمل المولد" قال: "فقد وقع السؤال عن عمل المولد النبويّ في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع، وهل هو محمود أم مذموم، وهل يُثاب فاعله أم لا؟ والجواب عندي أنَّ أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسّر من القرءان ورواية الأخبار الواردة في مبدإ أمر النبيّ وما وقع في مولده من الآيات، ثمّ يمدّ لهم سِماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يُثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبيّ وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم، وأول مَن أحدث ذلك صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين ابن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء والأجواد، وكان له ءاثار حسنة وهو الذي عمَّر الجامع المظفري بسفح قاسيون" ا.هـ.


وقد سئل الحافظ السخاوي عن عمل المولد فقال ما نصه:

- سئلت عن أصل عمل المولد الشريف.


فأجبت: لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد، ثم ما زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم يعملون الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون في المبرات بل يعتنون بقراءة مولده الكريم وتظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم بحيث كان مما جُرب قاله الإمام شمس الدين ابن الجزري: ومن خواصه أنه أمان تام في ذلك العام ويسوى بعَجل حينئذ بما ينبغي ويرام، وأكثرهم بذلك عناية أهل مصر والشام، ولسلطان مصر في تلك الليلة من العام أعظم عام، قال: ولقد حضرت في سنة خمس وثمانين وسبعمائة ليلة مولد عند الملك الظاهر برقوق - رحمه الله - بقلعة الجبل فرأيت ما هالني فيه، حرزت ما أنفق في تلك الليلة على القراء والحاضرين من الوعاظ والمنشدين وغيرهم بنحو عشرة ءالاف مثقال من الذهب العين ما بين خلع ومطعوم ومشروب ومشموم وشموع وغير ذلك وعددت في ذلك المجلس خمسًا وعشرين جوقة من القراء الصبيان ولم ينزل واحد منهم إلا بنحو عشرين خِلعة من السلطان والأمراء يعني من الخلع الفاخرة البهية، ثم لم يزل ملوك مصر خدام الحرمين الشريفين ممن وفقهم الله لهدم كثير من... ونظروا في أمر رعيتهم كالوالد لولده وأشهروا أنفسهم بالعدل وأسعفهم المولى بجنده ومدده كالملك السعيد الشهيد الظاهر أبي سعيد جقمق ويعتنون ويتوجهون طريق سنته بحيث إنه ثبت حرف القراء في أيام تتعين للرفادة على ثلاثين فذكروا بكل جميل وكفوا من المهمات كل عريض طويل، وأما ملوك الأندلس والمغرب فلهم فيه ليلة يسير بها الركبان يجمع فيها أئمة العلماء من كل مكان ويعلو بها بين أهل الكفر به الإيمان وأهله بمكة فيتوجهون إلى المكان المتواتر بين الناس أنه محل مولده وهو في سوق الليل رجاء بلوغ كل منهم بذلك لقصده، ويزيد اهتمامهم به على يوم العيد حتى لم يتخلف عنه أحد من صالح ولا طالح ومقل وسعيد، وكان للملك المظفر صاحب إربل كذلك فيها أتم عناية واهتمامًا بشأنه، جاوز الغاية، أثنى عليه به العلامة أبو شامة أحد شيوخ النووي الفائق في الاستقامة في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث وقال: مثل هذا الحسن يتقرب إليه ويشكر فاعله ويثنى عليه".

ثم قال الحافظ ما نصه: "قلت: بل خرج شيخنا شيخ مشايخ الإسلام خاتمة الأئمة الأعلام فعله على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم دخل المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله سبحانه وتعالى فيه فرعون ونجّى موسى عليه السلام، فنحن نصومه شكرًا لله عزَّ وجلَّ، فقال صلى الله عليه وسلم: "فأنا أحق بموسى عليه السلام منكم، فصامه وأمر بصيامه"، وقال: "إن عشت إلى قابل... الحديث". قال شيخنا: فيستفاد منه فعله الشكر لله تعالى على ما مَنّ به في يوم معيّن من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادة، كالسجود والصيام والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، وعلى هذا ينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما ذكر، أما ما يتبعه من السماع واللهو وغيرهما فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحًا بحيث يعين السرور بذلك اليوم فلا بأس بإلحاقه، ومهما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى.

قلت: ولما كان الزاهد القدوة المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن جماعة بالمدينة النبوية كان يعمل طعامًا في المولد النبوي ويطعم الناس ويقول: لو تمكنت عملت بطول الشهر كل يوم مولدًا انتهى.

ولأجل ما انضم إليه من المناكير أطال ابن الحاج في مدخله في تقبيح فعله ومنع الظاهر جَقمق رحمه الله من فعله بطِنتداء.

قال شيخنا: ثم ينبغي أن يتحرى اليوم بعينه وإن كان ولد ليلًا فليقع الشكر بما يناسب الليل كالإطعام وإن كان ولد نهارًا فبما يناسبه كالصيام، ولا بد أن يكون ذلك اليوم من عدد أيام ذلك الشهر بعينه حتى يطابق قصة موسى عليه السلام في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه.

قلت: كان مولده الشريف على الأصح ليلة الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وقيل: لليلتين خلتا منه، وقيل: لثمان، وقيل: لعشر وقيل غير ذلك، وحينئذ فلا بأس بفعل الخير في هذه الأيام والليالي على حسب الاستطاعة بل يحسن في أيام الشهر كلها ولياليه.

وأما قراءة المولد فينبغي أن يقتصر منه على ما أورده أئمة الحديث في تصانيفهم المختصة به كالمورد الهني للعراقي، وقد حدثتُ به في المحل المشار إليه بمكة، وغير المختصة به بل ذكر ضمنًا كدلائل النبوة للبيهقي، وقد ختم عليَّ بالروضة النبوية لأن أكثر ما بأيدي الوعاظ منه كذب واختلاق، بل لم يزالوا يولدون فيه ما هو أقبح وأسمج مما لا تحل روايته ولا سماعه، بل يجب على من علم بطلانه إنكاره الأمر بترك قراءته على أنه لا ضرورة إلى سياق ذكر المولد، بل يكتفي بالتلاوة والإطعام والصدقة، وإنشاد شىء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة والله يهدي من يشاء" اهـ.

الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

الحث على طلب العلم واستفتاء أهله

الحث على طلب العلم واستفتاء أهله
الحمدَ للهِ والصلاة والسلام على رسول الله
يقول الله تعالى : [ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ] {الزُّمر:9}
تفقهوا في دين الله ، فإنه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين،
والفقه معرفة النفس ما لها وما عليها ، فبه يعرف العبد كيف يعبد ربه، به يعرف كيف يتوضأ وكيف يغتسل، به يعرف كيف يصلي وكيف يصوم وكيف يزكي وكيف يحج وكيف يعتمر، به يميز بين الواجبات وبين السنن، به يعرف كيف يبيع وكيف يشتري وكيف يتزوج وكيف يطلق، وكيف يُكفّر عن آثامه،
فالعلم الشرعي نور القلب ونور القبر ونور الحشر ونور الصراط.
أوصيكم بالثباتِ على نهجِ رسولِ الله محمدٍ الصادقِ الوعدِ الأمين، وبالسَّيرِ على دَربِ العُلماءِ الأجِلاءِ،الذين حمَلوا هذا الدينَ العظيمَ وبلّغوهُ للناسِ وخلّفوا لنا ثروةً عظيمةً بل كنوزًا ودُرَرًا مضيئة في جميع فنون العلوم النافعة للمجتمعِ الإسلاميّ،
فمن هؤلاءِ الأئمةِ الأعلام الحسن البصري ومكحول الدمشقي والأوزاعي وسفيان الثوري وأبوحنيفةَ ومالكُ والشافعيّ وأحمدُ وغيرهم رضي الله عنهم ونفعنا بهم وأمدّنا بأمدادهم.
هؤلاءِ الأئمةُ بَلَغوا رتبةَ الاجتهادِ فنفعوا الناسَ بعلومِهم واجتهادِهم.
والاجتهادُ هو استخراجُ الأحكامِ التي لم يرِدْ فيها نصٌّ صريحٌ من الكتاب والسنةِ،
وأما ما ورد فيه نصٌّ صريحٌ فلا مجالَ للاجتهادِ فيه،
فإن قُلنا مذهبُ الشافعيِّ أو مذهبُ مالكٍ أو مذهبُ أبي حنيفةَ
أو أحمدَ بنِ حنبلٍ فالمرادُ ما ذهبَ إليهِ من الأحكامِ في المسائلِ أي في ما قرَّرهُ من الأحكام،
فإذن المجتهدُ له شروطٌ لا بد أن تجتمعَ به ليكونَ عنده الأهليةُ للاجتهاد، فالاجتهادُ مشروعٌ لأهلِهِ وليس لكل فردٍ من أفرادِ المسلمين وإلا لضاع الدِّين، والفوضى لا تليقُ بالدين،
قال الأَفْوَهُ الأَوْدِيُّ:
لا يصلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لهم ولا سَراةَ إذا جُهّالُهُم سادُوا
ولقد قيَّضَ اللهُ تعالى لخدمةِ دِينِهِ علماءَ أمناء متقين ورعين وأمر بالرجوعِ إليهِم في أمرِ دينهم فقال سبحانه وتعالى:
[فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ]،
فمن أراد الاستفتاء فلا يسأل إلا أهل العلم الثقات الذين أخذوا العلم عمن قبلهم بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولا يسأل الصحفيين الذين يعكفون على قراءة الكتب والمجلات ومتابعة فتاوى الانترنت ومشايخ الفضائيات،
نعم وكم من أناس في عصرنا هذا يريدون فتوى على حسب ءارائهم فيدورون من شيخ إلى ءاخر حتى يسمعون الفتوى التي تميل إليها أهواؤهم ولو كانت باطلة.
نقول لهم :
قال الله تعالى : [وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ] {النحل:116}
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ في الْجَنّةِ وَاثْنَانِ في النّارِ، فَأمّا الّذِي في الْجَنّةِ فَرَجُل عَرَفَ الْحَقّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُل عَرَفَ الْحَقّ فَجَارَ في الْحُكْمِ فَهُوَ في النّارِ وَرَجُل قَضَى لِلنّاسِ عَلَى جَهَلٍ فَهُوَ في النّارِ".
وفي صحيح الإمام مسلم : باب بيان أن الإسناد من الدين. وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات ،
ثم روى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أنه قَالَ:
إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ
. وعن عبد الله بن المبارك أنه قال : الإسناد من الدين. ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وفي هذا يقول النووي رحمه الله : لا يجوز استفتاء غير الثقة ،
أي لا يجوز لك أن تستفتي في أمر دينك إلا ثقة ضابطاً متقناً، يوثَق بدينه ومعرفته ويُعتمَد عليه،
فيا من تهتم بدينك لا تغتر بالشكل ولا بالزي ولا بالشهرة ولا بالمنصب ،
فقد قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَخرُجُ في آخِرِ الزّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدّنْيَا بالدّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنّاسِ جُلُودَ الضّأْنِ مِنَ الّلينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السّكّرِ وَقُلِوبُهُمْ قُلُوبُ الذّئَابِ.
يَقُولُ الله عز وجل أَبي يَغْتَرّونَ أَمْ عَلَيّ تَجْتَرِئُونَ؟ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَاناً".
لا تقل : أعجبني شكله ، أو هذا مشهور يحاضر على الفضائيات ،
أو هذا ما أهواه وأميل إليه،
فقد ورد في الأثر :" حُبُّكَ لِلشَّيْءِ يُعْمِي وَيُصِمُّ".
وأما حديث : "استفت قلبك " فهو للعلماء المجتهدين وليس لعوام الناس ،لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله للصحابي الجليل وابصة بن معبد رضي الله عنه أحدِ علماء الصحابة وهو ممن له أهلية استنباط الأحكام،
ولا يخفى أن العاميَّ قد يميلُ قلبه إلى ما يخالف الشرع، فكيف يتركُ العامي فتوى المجتهدين المعتبرين ويعمل بما تميل إليه نفسه،
فقد روى الإمام أحمد وغيره عن وَابِصَةَ بن معبد رضي اللّه عنه؛ أنه أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال:
"جِئْتَ تَسألُ عَنِ البِرّ وَالإِثْمِ؟ قال: نعم، فقال: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، البِرُّ ما اطْمأنَّت إِلَيْهِ النَّفْس وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ، وَإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وَأفْتَوْكَ".
اعرف الحق تعرف أهله ، فالحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال يعرفون بالحق،
ولا تقل أنا في حيرة وضياع ،ولا تجعل الحسد والهوى وتصديق الشائعات مانعا لك من قبول الحق .
أقبل على طلب العلم من أهله وأشفق على نفسك وعلى زوجك وأولادك .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه . ءامين

كيف نحتَفلُ بمولد النبي صلى الله عليه وسلم

كيف نحتَفلُ بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
=========================
الحمد لله نحمده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أما بعد إخوة الإيمان، ماذا عسانا نقول من القول السديد في يوم مولد الحبيب سيدِنا محمد؟ يا رسولَ الله ايه النبيُّ المعظّم والحبيب الـمُكرّم.. يا صاحبَ الفَضْلِ على أمتك... يا مَن ءاثَرْتَ أُمتَك بدعوتك التي أعطاك ربك فقلت: لِكُلّ نَبِيّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيّ دَعْوَتَهُ،(رواه مسلم) ولكنكَ اختبأتها شفاعةً لهم وذلك منْ رحمتِك بهم وأنت كما وَصَفَكَ ربُّكَ في كتابه *
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * ( سورة التوبة ءاية 128 ). .
.وأنت الذي يُقالُ لك يومَ القيامة " يا محمدُ سَلْ تُعْطَ واشْفَعْ تُشَفَّعْ " وأنت الذي تقول " أَيْ ربِّ أُمَّتي أمتي " اهـ. رواه النسائي..
وأنت الذي أرشدت للخير، فجزاك الله عن هذه الأمةِ خيرَ الجزاء.
أيها القائدُ المعلِّم، في شهر مولدِك نتذكرُ عظمتَكَ وفَضْلَكَ وخُلُقُكَ وجهادَكَ ووَصْفَ جمالِكَ وجميلَكَ علينا يا نبيَّ الله، حين يمدحُك المادحون ويذكرُ اسمَك الذاكرون، تأخذنا الشجونُ حتى كأن لسانَ الحال يقول يا ليتني أَحْظى باللقاء ولو بنظرةٍ منك في المنام كما حظيَ بها سيدُنا بلال الحبشي وقد كان له شرفُ الاجتماع بك ورؤياك يقظة، ومع ذلك لـمـَّا شاهدَ في المنام وجهك الأغرَّ إذ به يَصْحُو من نومه في تلك الليلة وتَحْدُوهُ الأشواقُ بِوَجْدٍ يتأجَّجُ في البطاح، يعجّل سيره في ليلٍ وصباح، ليصل المدينةَ الغرّاءَ فيقفَ على الأعتابِ... والعَبَرَاتُ من عينيه تنساب... علّها تخفف من حرقة في الفؤاد، ولكن هيهاتَ هيهات.. فهو الذي وقبل مماته أطلق المقال فقال: " غدًا نلقى الأحِبَّة محمدًا وصَحْبَه " غدًا لقاء محمد يومَ الجزاء.
فلهذا ولغيره الكثيرَ الكثيرَ نحن نحبك يا رسول الله... يا حبيبَ الله، ولذلك نُعلِّم أبناءنا اليوم كيف يحتفون بيوم مولدك.
ولماذا نحتفل بهذا اليوم المبارك على أُمتنا؟
نحن نعرف أنك سيّدُ الشاكرين لربك وأنت الشاكر المعلِّمُ بشكرِكَ كيف ينبغي أن يكون شكر المؤمن لربِّه، فأنت تصوم في يوم مولدك وقد سُئِلْتَ عن صوم يوم الاثنين فقلتَ " ذاك يومٌ وُلِدْتُ فيه وأُنْزِلَ عَلَيَّ فيه " اهـ. ( رواه أحمد ومسلم والبيهقي في الدلائل ) .
وأنت سَيّدُ المتواضعين، يُذكَرُ في هذا اليوم تواضُعُك وأنت الذي لا تأنف من مجالسة الفقراء والأكلِ معهم وزيارتـِهم في بيوتهم... سيدي يا صاحب الخلق العظيم، يا حبيب المؤمنين مِن قولك " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين " ( رواه البخاري ) . نرى في عمل المولد سببًا لنشر هذا الحب بين الأجيال ليتعلقوا بك وبجمالك ووصفك وهيئتك وبقولك وبفعلك يا عظيم الجاه فَنَعُدُّ عملنا هذا من أفضل الأعمال بالتدليل على هذه المحبة لمن جاء منقِذًا للناس من ظلم العبادة لغير الله بدعوتهم الى عبادة الله تعالى وحده.
وفي عمل المولد التذكيرُ بأمور أخرى منها، حفظ اسمك ونسبك وانتمائك العربي وأسماء أولادك، وإلا لمَ قلتَ " أنا محمدٌ وأنا أحمدُ وأنا الماحي الذي يمحو اللهُ بي الكفرَ وأنا الحاشرُ الذي يُحشَرُ الناسُ على قَدَمِي وأنا العاقِبُ الذي ليس بعدَه أحدٌ " اهـ. ( متفق عليه ) .
نبيُّ الرحمة أنت ... ونبيُّ التوبة أنت... وأنت أبو القاسم... أبو الزهراء يا رسول الله.
في المولد نتعلَّم ونُعَلّم ونُذَكِّر أنك أنت أشرفُ الناس يا سيدي يا رسول الله وإلا لماذا قلتَ " إن الله اصطَفَى كِنانةَ مِنْ ولدِ إسماعيل واصطَفى قريشًا من كِنانة واصطَفى من قُريشٍ بَني هاشمٍ واصطفاني من بني هاشم " اهـ؟ ( رواه مسلم ) أليس لِنَعَلَمَ قَدْرَك وشرَفَك فيزداد حبُّنا لك وتعظيمنا لك فنكونَ أَتْبَع لأمرِك ونَهجِك؟
وفي المولد نتعلّم ونعلّم عن ولادتك وأوصافِك سيِّما أوصافَك التي من رءاها في المنام له بشرى بالعبور على الصراط ليدخل الجنة بإذن الله تعالى، فأنت الذي قلت " من رءاني في المنام فسيراني في اليقظة " اهـ. ( متفق عليه ) .
وفي المولد قرءاةٌ لسيرتك فيُذكَرُ أنك تربيت يتيما فلا يَمنعنَّ يُتْمُ أحدٍ أن يَتَخَلَّقَ بأخلاقك ويتأدبَ بآدابك فترق نفسه وقلبه.
وفي قراءة سيرتك نتعلم من تجارتك كيف ظَهَرَتْ بصدقك البركاتُ فَيَحْتَذِي بك السالكون الراغبون في الحلال الطامعون في البركات ولو بالقليل من الأرزاق.
وفي قراءة سيرتك يتعلم الدعاةُ طرقَ الدعوة إلى الله وقد بدأتَ وحيدًا تدعو إلى الإسلام حتى انتشر في أرجاء الجزيرة العربية وحمل اللواء بعدكَ عليكَ الصلاة والسلام أصحابُك الأعلام حتى بلغوا بهذا الدين الشرق والغرب والله يقول * إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * ( سورة الفتح ءاية 1 ) .
وفي قراءة سيرتك تعليم للأمة الالتزام بالأخلاق الحسنة وأنت الذي تقول " إنّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخلاقِ " ( رواه البزار والبيهقي )
وفي قراءة سيرتك نعرف أن الدنيا التي نعيش فيها لا تدومُ لأحد فلا ينبغي أن نتقاتل عليها وأنت الذي كنت تنام على الحصير وتربط الحجر على بطنك من الجوع وأنت الذي قلت " ازهد في الدنيا يحبُّكَ اللهُ وازهد فيما في أيدي الناس يُحبُّكَ الناسُ " اهـ.
وفي قرءاة سيرتك تعليم للأمة كيف يكون التمسك بدينك والسير على نهجك، وأنت الذي قلت " المتمسك بسنتي ( أي شريعتي من العقيدة والأحكام ) عند فساد أمتي له أجر شهيد " اهـ. ( الطبراني )
نحتفل بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمور ولغيرها الكثير الكثير من المزايا في هذه المناسبة العطرة فضلاً عما يحصل في هذا اليوم من البر والإحسان وإطعام الفقراء والمساكين وسماع مدح المادحين له صلى الله عليه وسلم بأفئدة عامرة بحب محمد فتنساب النغمات بألحان المحبين عذبة شجية وهم هائمون بالذات المحمدية يصلون عليه ويسلمون عليه عملاً بما أمر الله: * صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * ( سورة الأحزاب ءاية 56 )
إخوة الإيمان لو لم يكن في ذلك إلا إرغامُ الشيطان وسرورُ أهل الإيمان المسلمين لكفى فكيف ما رأينا هذا الغيضَ من الفيضِ.
والحمد لله رب العالمين .

بيان ما ورد بالحديث من قول النبي ..... تَبَشْبَشَ الله بهِ كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بطَلْعَتهِ

بيان ما ورد بالحديث من قول النبي ..... تَبَشْبَشَ الله بهِ كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بطَلْعَتهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي نصر عبده بالحجج البينات وأيده بالمعجزات الظاهرات وأظهره على خصومه وقواه بالادلة الدامغات ,الحمدلله الموجود أزلا وأبدا بلا مكان ,مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، والصلاة والسلام على سيد الكائنات وعلى اله وصحبه الطيبين الكرام أصحاب البراهين والارشاد
رَوَى البَيْهَقِيُّ في كتابهِ[(الأسماء والصِّفات)/ص478]عن رسول الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، أنه قال :" لا يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ فيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ويُسْبِغُهُ ثمَّ يأتي المسجدَ لا يريدُ إلَّا الصَّلاةَ فيه إلَّا تَبَشْبَشَ الله بهِ كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بطَلْعَتهِ " .
ثمَّ نَقَلَ البَيْهَقِيُّ عن أبي الْحَسَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ تأويلَه لقولِ رسول الله :" تَبَشْبَشَ الله " بـ[[رَضِيَ الله]]،
ثمَّ قال البَيْهَقِيُّ :" ولِلْعَرَبِ استعاراتٌ في الكلام . أَلَا تَرَى إلى قولهِ تعالى في سورةِ النحل (( فأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوعِ والْخَوْفِ )) بمعنى الاختبارِ ، وإنْ كانَ أَصْلُ الذَّوْقِ بالفَمِ . والعَرَبُ تقولُ ناظِرْ فُلانًا وذُقْ ما عِندَه على معنى تَعَرَّفْ واختبرْ " .
ورواهُ أيضًا أبو داودَ الطَّيالسيُّ في[(مسندِه)/ص307]، وابنُ حِبَّانَ في (صحيحهِ) ، أنظرِ[(الإحسان بترتيب صحيحِ ابنِ حِبَّان)/ج3/ص67]..
.
وعن أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَجُلًا أتى النبيَّ ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، فبَعَثَ إلى نسائهِ فقُلْنَ ما مَعَنَا إلَّا الماءُ فقال رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ يَضُمُّ أو يُضِيفُ هذا فقال رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ أنا فانْطَلَقَ بهِ إلى امرأتهِ فقال أَكْرِمِي ضَيْفَ رسولِ الله فقالتْ ما عندَنا إلَّا قُوتُ صِبْيَاني فقال هَيِّئِي طَعَامَكِ وأَصْبِحِي سِرَاجَكِ ونَوِّمِي صِبْيَانَكِ إذا أرادوا عَشَاءً فهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا ونَوَّمَتْ صِبْيَانهَا ثمَّ قَامَتْ كأنها تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فأَطْفَأَتْهُ فجَعَلا يُرِيَانهِ أنهما يأكُلانِ فباتا طَاوِيَيْنِ فلَمَّا أصبحَ غَدَا إلى رسولِ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ فقال ضَحِكَ الله اللَّيْلَةَ أو عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا فأنزلَ الله (( ويُؤْثِرُونَ على أنفسِهم ولو كانَ بهِم خَصَاصَةٌ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسهِ فأولئكَ هُمُ الْمُفْلِحُون ))[الْحَشْر/9]..
والضَّحِكُ الواردُ في الحديثِ واقعٌ بمعنى الرِّضَى وليسَ كَضَحِكِ البَشَرِ ، كما قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (الفتح) عند شرحهِ لهذا الحديث :" ونسبةُ الضَّحِكِ والتَّعَجُّبِ إلى الله مَجَازِيَّةٌ ، والْمُرادُ بهِما الرِّضَا بصَنيعِهِما " .. أنظر[(فتح الباري)/كتاب فضائل الصَّحابة]..
ويقولُ ابنُ حَجَرٍ في مَوْضِعٍ ءاخَر من كتابهِ :" وأَوَّلَ البخاريُّ الضَّحِكَ الوَارِدَ في الحديثِ بالرَّحمة . نَقَلَ ذلكَ عنهُ الخَطَّابيُّ وهو قريبٌ ، وتأويلُه على معنى الرِّضَا أَقْرَبُ " ..
أنظر[(فتح الباري)/كتاب الجهاد والسِّيَر]..
.
ومِمَّا وَرَدَ عن تَعَجُّبِ الله تعالى ما رواهُ عبدُ الله بنُ مسعودٍ قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وجَلَّ من رَجُلٍ غَزَا في سبيلِ الله فانهزمَ يعني أصحابَه فعَلِمَ ما عليهِ فرَجَعَ حتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ فيقولُ الله تعالى لملائكتهِ انْظُرُوا إلى عبدِي رَجَعَ رَغْبَةً فيما عندِي وشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي حتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ .. رواه أبو داودَ في[(سننه)/كتاب الجهاد/باب في الرَّجُلِ يَشْرِي نَفْسَه]..

أنفق بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً".

أنفق بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً".

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: {الذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهم في سبيلِ اللهِ ثمّ لا يتبعونَ ما أنفقوا منًّا ولا أذى لهم أجرهم عندَ ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون}.

إنّ من الخصال الحميدة الطيبة التي حثّ عليها دين الإسلام هي الصدقة بالمال ابتغاء مرضاة الله تعالى عزّ وجلّ، والتصدّق هو من صفات المؤمنين الكاملين الذين يعرفون أنّ ما عند الله باق وما عند العبد فانٍ، وقد ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل على عائشة رضي الله عنها وكانت توزّع شاة في سبيل الله فقال: "ما بقي منها؟" فقالت عائشة: "ذهبت كلّها وبقي كتفها". فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "بل بقيت كلّها إلا كتفها" وذلك لأن ثوابها باق لا يضيع عند الله عزّ وجلّ.

واعلما أخي المسلم وأختي المسلمة أنّ مالكما لا ينقص من الصدقة فإن ذهب مالكما بالصدقة فإنّكما تفوزان بثوابه الذي ينفع يوم لا ينفع مال ولا بنون، وقد قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة". والتصدق والسخاء وبذل المال هو من أخلاق النبيين والأولياء والصالحين فقد روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: "ما سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن شىء قط فقال لا". وروي عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس"، وروي عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه عندما أمر النّبيّ بالصدقة أنّه أتى بكل ماله (أي عدا النفقة الواجبة) ووضعه بين يديّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تركتَ لأهلك؟" فقال:"تركت لهم الله ورسوله" أي تركت لهم حب الله ورسوله. وكذلك سيّدنا عمر رضي الله عنه أتى بنصف ما يملك، وعثمان رضي الله عنه جهّز لوحده جيشًا بكامله، وعليّ رضي الله عنه بلغت زكاته أربعون ألف دينارًا.

وقد ورد أنّه ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ينزل ملكان من الملائكة فيقول أحدهما اللهمّ أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا.

وليتصدّق الإنسان فإنّ صدقة السرّ تقي مصارع السوء كما قال نبيّنا الأكرم، وروي أنّ امرأة كانت تحمل الطعام لزوجها في العمل فبينما هي في الطريق جاء فقير فسألها الصدقة فأعطته لقمة ثم تابعت سيرها مع ابنها وبينما هي تسير جاءها سبع فأخذ الولد بفمه يريد أكله فرأت يدًا ضربت السبع فألقى الولد من فمه وسمعت هاتفًا يقول:"جوزيتِ لقمة بلقمة".

فعلى ماذا يبخل الإنسان، إن هو يبخل إلا على نفسه، وكم من صدقة شفى الله ببركتها مريضًا للذي دفعها وجنّبه الله المرض، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "داووا مرضاكم بالصدقة".

وروي أنّ عمر بن الخطاب أتى البقيع وهي جبّانة المسلمين فقال: "يا أهل القبور أخبار ما عندنا أنّ دياركم قد سُكنت وإنّ نساءكم قد تزوّجن"، فقال هاتف من القبور: "يا عمر أخبار ما عندنا أنّ ما قدّمناه فقد وجدناه وما خلّفناه فقد خسرناه".

أنفقوا ولا تخشوا الفقر وتذكّروا حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندما قال لبلال الحبشي: "أنفق بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً".

فائدة نفيسة:

فائدة نفيسة:
سئل الإمام أحمد بن حنبل (241 هـ.) رضي الله عنه عن إنسان قال لرجل: "يا ابن كذا وكذا أنت والذي خلقك" (يشتم الله تعالى)، فقال الإمام أحمد: "هذا مرتد عن الإسلام" سماه مرتداً كما في مسائل الإمام أحمد لابنه عبدالله.
وقال الإمام ابن سحنون المالكي رضي الله عنه (265 هـ.) "أجمع العلماء على أن من سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كافر"، سماه كافراً، وسحنون بضم السين وفتحها اسم طائر، وهو من أئمة المالكية من السلف الصالح من أولياء الله تعالى.
وفي كتاب الله تعالى: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم" (سورة الحجرات 14)،
هذه الآية دليل على أنه لا ينفع التلفظ بالشهادتين مع استقرار الكفر في القلب والعياذ بالله تعالى، كمن يعتقد أن لله جسماً أو شكلاً أو هيئة أو صورة أو مكاناً.
والشرط اللازم للذي يحصل منه كفر بالفعل أو القول أو الاعتقاد أن يخرج منه إلى الإيمان بالتشهد فوراً بلسانه مع صحة الاعتقاد. ولا ينفع مع استمرار فساد الاعتقاد قول الشهادتين باللسان إلا ان يبرأ من الكفر الذي في قلبه. والآية نهت أولئك الأعراب عن ادّعاء الإيمان لما يبطنونه من كفر في قلوبهم.
قال القرطبي وغيره في تفسير الآية إنها نزلت في منافقين من الأعراب أسلموا ظاهراً الإسلام اللغوي بمعنى الانقياد الظاهري بلفظ الشهادتين ولم تؤمن قلوبهم، فلا يكونون والحال كذلك مؤمنين في الحقيقة. ولكن نحن نعامل أمثالهم معاملة المسلمين لخفاء حقيقة حالهم علينا وإن يكونوا في الحقيقة كفاراً لاعتقادهم ما يناقض الاسلام.
أما من أظهر لنا الكفر بلسانه أو فعله أو عرفنا حقيقة اعتقاده الفاسد، فحكمه على حسب ما يظهر منه كما نص على ذلك الإمامان أحمد وابن سحنون، ومثل ذلك من أمثلة وافر كثير في كتب فقهاء المذاهب الأربعة.
فعرفنا أن الحكم في ساب الله ودينه وأنبيائه أنه كافر خارج من دين الإسلام لقول الله تعالى في محكم الكتاب المعظم في سورة التوبة واصفاً الكفار: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ".
فمن اعتبر هؤلاء مع ذلك مؤمنين، فقد ناقض كتاب الله وردّ كلام الله سبحانه. ومن قال بخلاف ما قال الله تعالى فكأنما يقول إن القرآن فيه خطأ، وهذا ضلال مبين.
ولزيادة الفائدة هذا نص فتوى الأزهر في من سب دين الإسلام أنه كافر بلا خلاف، ومسبة الله أظهر في كونها كفراً والعياذ بالله تعالى:
الموضوع (676) سب الدين كفر. المفتي: فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.
21 شوال 1352 هجرية - 6 يناير سنة 1934
سئل المفتي: تشاجر شخصان وتنازعا فذهب الأول إلى الثاني يستسمحه عما حدث واستعطفه باسم النبي الكريم بأن قال له (أرجو السماح.. عشان خاطر النبي اللي زرته) أي الرسول صلى الله عليه وسلم، فأجابه الثاني بقوله: يلعن دين النبي اللي زرته. أي أنه سبّ دين النبي صلى الله عليه وسلم.
فما حكم الدين في مثل هذا الحادث،
أجاب المفتي: نفيد بأن من قال هذه الجملة الخبيثة المذكورة (يلعن دين النبي الذي زرته) فهو كافر مرتد عن دين الإسلام بلا خلاف بين أئمة المسلمين، والأمر في ذلك ظاهر لا يحتاج إلى بيان. انتهت الفتوى الشرعية وهي واضحة جدا،
دعاكم لمن كتبه ونشره، شكراً

علماء الحديث متفقون على نفي الحد والتجسيم

علماء الحديث متفقون على نفي الحد والتجسيم


بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله وصلاة وسلامًا على سيدنا محمد رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه وبعد :
قال الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتاب اعتقاد أهل الحديث:
اصول الاعتقاد عند أهل الحديث: اعلموا رحمنا الله وإياكم أن مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ........ إلى أن جاء فصل:
رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة:
ويعتقدون جواز الرؤية من العباد المتقين لله عز وجل في القيامة ، دون الدنيا ووجوبها لمن جعل الله ذلك ثواباَ له في الآخرة ، كما قال : {وجوه يومئذِ ناضرة إلى ربها ناظرة} . وقال في الكفار: { كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون }. فلو كان المؤمنون كلهم والكافرون كلهم لا يرونه كانوا جميعا عنه محجوبين ، وذلك من غير اعتقاد التجسيم في الله عز وجل ولا التحديد له, ولكن يرونه جل وعز بأعينهم على ما يشاء هو بلا كيف .
وقال في نهاية الكتاب: هذا أصل الدين والمذهب ,اعتقاد أئمة اهل الحديث،الذين لم تشنهم بدعة ولم تلبسهم فتنة،ولم يخفوا إلى مكروه في دين ولا تفرقوا عنه .
فليعلم الذين يحدون الله في مكان ويجسمونه أنهم خارجون عن هذا الصراط وأن أهل السنة بريئون منهم.

الرَّاحمُونَ يَرحمُهُم الرّحمنُ ارْحَموا مَنْ في الأرض يرحمْكُم من في السَّماءِ.

الرَّاحمُونَ يَرحمُهُم الرّحمنُ ارْحَموا مَنْ في الأرض يرحمْكُم من في السَّماءِ.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
أما بعد :
الحديث الذي رواهُ الترمذيُّ وهو:" الرَّاحمُونَ يَرحمُهُم الرّحمنُ ارْحَموا مَنْ في الأرض يرحمْكُم من في السَّماءِ " , وفي روايةٍ أخرى " يرحمْكُم أهلُ السّماءِ " .
والمقصود بأهل السَّماءِ: أي الملائكة, كما قال ذلك الحافظ العراقي أماليه عَقِيبَ هذا الحديث.
الملائكة يرحمون من في الارض: اي ان الله يأمرهم بأن يستغفروا للمؤمنين (وهذه رحمة), وينزلون لهم المطر وينفحونهم بنفحات خير ويمدونهم بمدد خير وبركة, ويحفظونهم على حَسَبِ ما يأمرهم الله تعالى.اه
قال الامام النووي ( 676): قال القاضي عياض المالكي (544): لا خِلافَ بين المسلمين قاطبةً فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أنّ الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى : " أأمنتم من في السماء" ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم .اه
ذكره في كتابه صحيح مسلم بشرح النووي الجزء الخامس الطبعة الثانية لدار الكتب العلمية في الصيفة 22.
قال الامام القرطبي(671): في تفسيره في قول الله تعالى : " أأمنتم من في السماء " : قيل هو إشارة إلى الملائكة, وقيل الى جبريل الموكل بالعذاب. قلت : ويحتمل أن يكون المعنى : خالق من في السماء ان يخسف بكم الارض كما خسفها بقارون.اه
كتاب تفسير القرطبي المجلد 9 الجزء 18 طبع دار الكتب العلمية صحيفة 141.
قال الامام الرَّازيُّ (604) : واعلم أنّ المشبهة احتجوا على اثبات المكان لله تعالى بقوله: " أأمنتم من في السماء". والجواب عنه أنّ هذه الاية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها بالتفاق المسلمين لان كونه في السماء يقتضي كونَ السماء محطاً به من جميع الجوانب فيكون أصغر من السماء والسماء أصغر من العرش بكثير, فيلزم أن يكون الله شيئاً حقيرا بالنسبة للعرش وذلك بالتفاق الاسلام محال, لانه تعالى قال:" قل لمن ما في السماوات والارض قل لله". فلو كان اللهُ في السماء لوجب ان يكون مالكاً لنفسه وهذا محال, فعلمنا أنّ هذه الاية يجب صرفها عن ظاهرها الى التأويل.
كتاب التفسير الكبير( ج15 جزء30 ص61).
والله أعلم وأحكم .

الله لا يُشبه شيئًا من العالَم

الله لا يُشبه شيئًا من العالَم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ له النِّعمَةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الحسن، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدنا مُحمَّدٍ أشرفِ الْمُرسلين وحبيبِ ربِّ العالمين، أما بعد؛
قالَ اللهُ تعالى:( فاعلم أنه لا اله الاّ الله واستغفر لذنبك)
هذهِ الآيةُ تدلُّ على أنَّ أشرفَ العلومِ العلمُ باللهِ أي معرفَةُ الله لذلِكَ قالَ أبو حنيفَةَ رضيَ اللهُ عنهُ: ((عِلْمُ التوحيد الفقهُ الأكبر)) أما عِلمُ الصّلاةِ والصِّيامِ والزكاةِ والحجِّ فهوَ بالنسبةِ لعلمِ التوحيدِ العلمُ الأصغر، وذلكَ لأنَّ اللهَ تباركَ وتعالى مَنْ عَرفَهُ كما يَجِبُ وءامَنَ به وبرسولِهِ مُحمَّد ومات على ذلك لابدَّ أنْ يدخُلَ الجنةَ ولو ماتَ وعليهِ ذنوبٌ كبيرة، يدخلُ الجنّةَ إما بعدَ عذابٍ أو بِلا عذاب أما مَنْ لَمْ يعرفِ التوحيد ومات على حاله فليسَ لهُ حَظٌ مِنْ جنَّةِ الله مهما كانَ كثيرَ الصَّلاةِ والصيامِ. كثيرٌ مِنَ الناسِ يَحفظونَ القرءانَ ولا يعرفونَ خالِقَهُم يظنّونَ أنَّ اللهَ جِسمٌ قاعدٌ في السَّماءِ أو قاعدٌ على العرشِ فهؤلاءِ ما عرفوا الله فليسَ لَهم حَظٌ مِنَ الإسلامِ.
اللهُ موجودٌ لا يُشبِهُ شيئًا مِنَ العالَمِ، والعالَمُ شيئانِ إما جِسمٌ وإما صِفَةُ الجسمِ،والجسمُ نوعان: إما جسمٌ كثيف أو جسمٌ لطيف. والجسمُ الكثيفُ كجسمِ الإنسانِ والشَّمسِ والقمَرِ والنجمِ والحجَرِ هذا جسمٌ كثيفٌ يُضبَطُ باليدِ؛ أما الجسمُ اللّطيفُ فهو ما لا يُضبَطُ باليدِ كضوءِ الشمسِ والكهرُباء والروحِ والملائكةِ والْجنّ أجسامٌ لطيفةٌ لا تُضبَطُ باليدِ لذلكَ الجِنِيُّ يستطيعُ أن يدخُلَ في جسمِ الإنسانِ مِنْ غيرِ أن يُحِسَّ بهِ، يدخلُ إلى القلبِ فيُوَسْوِس.
الجسمُ إما لطيفٌ وإما كثيفٌ، اللهُ لا يشبهُ هذا ولا يشبهُ هذا ومع هذا يُسمَّى اللهُ النور ومعناهُ الهادي ليس على معنى أنه كالشمسِ والقمر. واللهُ خلقَ العرشَ وهوَ سريرٌ كبيرٌ له أربعُ قوائم خلقَهُ ليكون كعبةً للملائكةِ يطوفونَ بهِ وإذا صلّوا اتجهوا إليهِ، والعرشُ فوقَ الماءِ ومِنْ هذا الماء خُلِقَ العالَم، النورُ خُلِقَ مِنَ الماءِ والنارُ خُلِقَت مِنَ الماءِ والبشرُ أصلُهُ مِنَ الماءِ، خَلَقَ اللهُ الترابَ مِنَ الماء وخَلَقَ مِنَ الترابِ البشَر.
اللهُ خَلَقَ الجسمَ اللَّطيفَ والكثيفَ فلا هوَ جِسمٌ كثيفٌ ولا هوَ جِسمٌ لطيفٌ، لا يُشبِهُ هذا ولا هذا بوجهٍ مِنَ الوجوه. ثُمَّ هذهِ العوالِمُ لَها صِفَاتٌ: الْحرارَةُ والبرودَةُ والْحركَةُ والسُّكونُ وغيرُ ذلكَ هذهِ صفاتُ الجسمِ ولا يجوزُ أنْ يوصَفَ اللهُ بِها، فلا يوصَفُ بالانبسَاطِ ولا باللَّذَّةِ ولا بالألَمِ لأنَّ هذهِ مِنْ صفَاتِ الخلقِ. ورضا الله ليسَ كرضانا وغَضبُهُ ليسَ كغَضَبِنا، غَضبُنـا ورضَانا انفعالٌ يطرأُُ على القَلبِ أمَّا غَضَبُ الله ورضاهُ فليسَ هكذا غضَبُ اللهِ إرادتُهُ الانتقام ورضا الله إرادتُهُ الإنعام والإحسَان. ا.هـ
والله تعالى أعلم وأحكم

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

بيان أن الإنسان لا يؤاخذ على الخواطر السيئة التي ترد على قلبه بدون اختياره ولا إرادته

بيان أن الإنسان لا يؤاخذ على الخواطر السيئة التي ترد على قلبه بدون اختياره ولا إرادته
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ ) .
رواه البخاري ( 4968 ) ومسلم ( 127 ) .
اعلم أن ما يرد على القلب بدون إرادة من المؤمن من الخواطر القبيحة مما يكرهه المؤمن لا يؤاخذ به المؤمن ولا يكتب عليه ذلك الخاطر بل له ثواب بكراهيته للخاطر الخبيث.
روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق السماء من خلق الأرض فيقول الله فيقول من خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل ءامنت بالله ورسوله".
ومعنى ذلك أنه يثبت على اعتقاد أن الله أزلي لا بداية لوجوده كما وصف نفسه بأنه الأول أي الأزلي.لا يوصف بأنه خلق نفسه ولا بأنه خلقه غيره. وكما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ءاله بقوله صلى الله عليه وسلم "كان الله ولم يكن شيء غيره".
وروينا في الصحيح ما يدل على أن المؤمن لا يؤاخذ بهذه الوسوسة التي ترد على القلب بدون إرادته مع كراهيته لها حديث أبي هريرة قال جاء أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إننا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال وقد وجدتموه قالوا نعم قال ذاك صريح الإيمان"
يعني أن كراهية هذا الخاطر علامة الإيمان أما الشك والارتياب في أصل الإيمان أو فيما علم من أمر الدين علمًا ظاهرًا بين المسلمين فهو كفر مخرج من الملة. قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا)(الحجرات الآية15) فأعلمنا بقوله "ثم لم يرتابوا" أن الإيمان لا يصح مع الإرتياب أي الشك أي لا بد من الجزم.
فما دام العبد جازمًا غير شاك لا يضره ما يطرأ على القلب بدون إرادته والحمد لله على ذلك.

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...