معنى قوله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } (256) سورة البقرة
التفسيرُ الأول:أنَّ الذي لَمْ يدخُلْ في الإسلامِ إذا دفعَ الجزيةَ لِسُلطانِ المسلمينَ فهذا لا نقتُله. معناه قد بلَّغْتَ يا محمد الدَّعْوةَ التي أُمِرْتَ بتبليغها فأظْهَرْتَ الرُّشْدَ للناسِ وتميّزَ الحقُّ مِن الباطل, فَمَنْ قَبِلَ دعوتكَ ودخلَ فيها فذاكَ الأمر, ومَن لم يدخُلْ ودفعَ الجِزيَةَ فلا تقاتلوه, والمقصودُ بهذا أهلُ الذِمَّة,
وقد روى البخاري عن المُغيرَةُ بن شُعبة أنهُ قال لِكفارِ الفُرس( أمرَنا نَبيُّنا أن نُقاتِلَكُم حتى تعبُدوا اللهَ وحدهُ أو تُؤَدّوا الجِزية) وهذا على التَّرْتيبِ وليسَ تخْييراً,لا يُقالُ لهم إما أن تُسلِموا وإما أن تدفَعوا الجِزية,
بل يُقالُ لهم أسْلِموا فإنْ أَبَوْا يُعرَضُ عليهِم الجزية لأن دَعْوةَ الكُفارِ إلى الإسلامِ واجِبَة,فإن قَبِلوا فذاك الأمر, وإن لَم يقبلوا يُعرَضُ عليهِم دَفْعُ الجزية,فإن قَبِلوا تُرِكوا وإلا وجَبَ قِتالُهُم,هذا إن استطاعَ المسلمون .
وقال بعض المفسرين: المعنى أنكم لا تستطيعون أن تُكرهوا قلوب الكفار وعليهم إكراه الظاهر بالقتال.
وقال الإمام أبو منصور الماتريدي في شرح التأويلات: هذه الآية منسوخة بآيات الجهاد كآية: {أُذِنَ للذينَ يُقاتلونَ بأنَّهُم ظُلِموا} الآية [سورة الحج/39]، وقوله تعالى: {وقاتِلوهم حتى لا تكونَ فتنةٌ ويكونَ الدينُ للهِ} [سورة البقرة/193] وما أصرح الحديث المتواتر في أن الآية لا تعطي حرية الكفر والاعتقاد كما زعم البعض من أهل هذا العصر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما ].
فليسَ الأمْرُ كما يقولُ بعضُ الجُهّالِ أنَّ قِتالَ الكفارِ يكونُ في حالَةِ الدِّفاعِ فقط
(أي إذا جاءوا لِقِتالِ المسلمين) فالنبيُ قاتلَ لأجلِ الإسلام,في كثيرٍ من المعارِكِ كان هو يغزو الكفار,كَغزوةِ تبوك فقد قال عليه الصلاة والسلام (أيها الناس إنّي أريدُ الرَوم)
وورد أن سيدنا خالد بن الوليد ذهبَ للفُرْسِ ومعَهُ جيشٌ من المسلمين,فلمّا وصَلَ لهُم قال له زعيمُ الفُرس واسْمُهُ يزْدجَرْدماذا تُريدونُ مِنّا,ألِأنّا تشاغَلْنا عنكُم جِئتُم تُقاتِلونا,فقال له سيدنا خالد (أمِرْنا أن نُقاتِلَكُم حتى تُسلِموا ,قال فإنْ أبَيْنا قال فالجِزية, قال فإنْ أبَيْنا قال فلقد جِئتُكَ بِأناسٍ هم أحْرَصُ على الموْتِ مِنكُم على الحياة.
وأما استدلال البعض بقوله تعالى: {لا إكراهَ في الدين} زاعمين أن هذا معناه للإنسان حرية أن يعتقد ما شاء فهذا تحريف، إذ الآية معناها لا تُكرهوا أهل الكتاب بالقتال إن دفعوا الجزية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق