التحذير من تحريف لفظ الجلالة عند النطق به
يجبُ تَحْذِيرُ الْعَوَامِّ مِنْ قَوْلِهِم إذا أرادوا ذِكْرَ الله :" اللا "، بلا هَاءٍ، وكثيرٌ منهم إذا أرادوا الحَلِفَ بالله يقولون :" واللا "، بلا هاء، وهَذَا يُعَدُّ تحريفًا للفظِ الجلالةِ، وهُوَ حَرَامٌ بالإجماعِ ولَوْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُ الْمُتَلَفِّظِينَ بهِ التَّحْرِيفَ. فَقَدْ ابْتُلِيَ النَّاسُ في عَصْرِنَا هَذَا بهذا التحريفِ حَتَّى وَقَعَ من كثيرٍ مِمَّنْ يَدَّعُونَ العِلْمَ ويَتَكَلَّمُونَ باسمِ الدِّينِ، وسَبَبُ ذلكَ الجهلُ بعِلْمِ الدِّينِ وقِلَّةُ الْمُبَالاةِ بمراعاةِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وبُعْدُ النَّاسِ عَنْ تَقْوى الله. يقول الله تعالى في سورةِ الأعراف: {ولله الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في أَسْمَائهِ}.
والأسماءُ الحسنَى هي الأسماءُ الدَّالَّةُ عَلى الكمالِ، وَمَعْنَى " ذَرُوا " اتْرُكُوا وَلا تَتْبَعُوا، وَمَعْنى " يُلْحِدُونَ " يُحَرِّفُونَ وَيُغَيِّرُونَ. ويقالُ لِهَؤُلاء الْجُهَّالِ إنَّ الله تعالى يقولُ: {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. فكلُّ مَا يَنْطِقُ بهِ الإنسانُ سَيُسَجَّلُ، فمَا كَانَ إثْمًا فَهُوَ عليهِ وما كانَ مباحًا فإنَّهُ يُمْحَى وما كانَ طاعةً صَدَرَتْ مِنْ مُؤْمِنٍ فإنَّهُ يثابُ عليها.
وأفضلُ اسمٍ لله تعالى وأفضلُ كلمةٍ لَفْظُ الْجَلالَةِ الله، فَلْيُتْرَكْ تَحْرِيفُهُ. قَالَ الْخَليلُ بنُ أَحْمَدَ الْفَرَاهِيدِيُّ:" لا يجوزُ حَذْفَ الأَلَفِ التي قبلَ الْهَاءِ في لَفْظِ الجلالةِ التي تُلْفَظُ ولا تُكْتَبُ " اهـ. فكيفَ بمنْ حَذَفَ حَرْفَ الْهَاء. ثُمَّ هَلْ سَمِعْتُمْ مُسْلِمًا في الدُّنْيَا يَقُولُ يَصِحُّ أَنْ نَدْخُلَ في الصَّلاةِ بقَوْلِ " اللا أَكْبَر " بَدَلَ " الله أَكْبَر " في تكبيرةِ الإحرامِ ؟؟!!.
ومِمَّا يجبُ الْحَذَرُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْجُورِيُّ في (شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ) من أنَّ ءاه اسمٌ من أسماء الله تعالى ، وهذا باطلٌ مَرْدُودٌ وذلكَ لِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم :"الْعُطَاسُ مِنَ الله والتَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فإذَا تثاءبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ على فيهِ وإذَا قالَ ءاه ءاه فإنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفهِ" .. رَوُاهُ التِّرْمِذِيُّ ..
ولَمْ يَرِدْ في حديثٍ صحيحٍ ولا ضعيفٍ ولا مَوْضُوعٍ أَنَّ ءاه اسْمٌ مِنْ أسماء الله تعالى ، وإنَّمَا الذي وَرَدَ بإسنادٍ تالفٍ سَاقِطٍ لا وَزْنَ لَهُ عندَ أهلِ الحديثِ بالمرَّة أَنَّ عائشةَ بنتَ أبي بكرٍ قالت :"دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعندي مريضٌ يَئِنُّ فقالَ دَعُوهُ يَئِنُّ فإنَّ الأَنينَ اسمٌ مِنْ أسماء الله" ا.هـ.
وقَدْ حَكَمَ بوضعِ حديثِ الأنينِ الْمُحَدِّثُ الحافظُ أحمدُ بنُ الصِّدِّيقِ الْغُمَارِيُّ في كتابهِ[(الْمُغِيرُ على الجامِعِ الصَّغير)/ص4]وأَفْرَدَ لَهُ رسالةً مستقلَّة .
وأمَّا إيرادُ (الجامعِ الصَّغير) لهذا الحديثِ فليس حُجَّةً في صِحَّتهِ لأنَّ فيهِ أحاديثَ أُخْرَى حَكَمَ الْمُحَدِّثونَ بأنها موضوعةٌ ، والسُّيُوطِيُّ إنما أَوْرَدَهَا ليُعْرَفَ أنها غيرُ صحيحةٍ لأنه لم يَضَعْ عليهِ علامةَ الصِّحَّة .
ومِمَّا يَرُدُّهُ أيضًا أنَّ العلماءَ قالوا :"لا يُسَمَّى الله إلَّا بما سَمَّى بهِ نفسَه وثَبَتَ عندَنا في القرءانِ أو الحديثِ الصَّحيح".
قال الإمامُ أبو الحَسَنِ الأشعريُّ :"لا يُسَمَّى الله مستطيعًا وإنْ كانَ معناهُ القَادِرَ لأنه لم يَرِدْ في القرءانِ والحديث".
فهؤلاء الذينَ يقولونَ إذا أرادوا ذِكْرَ الله ءاه ءاه ءاثِمُونَ لأَنَّ هَذَا العَمَلَ تحريفٌ للفظِ الجلالةِ الله، ولَفْظَةُ ءاه وُضِعَتْ في لُغَةِ الْعَرَبِ للشِّكايةِ وَالتَّوَجُّعِ فلا يجوزُ أَنْ تَكُونَ اسْمًا لله تعالى، وقَدْ عَدَّ خَاتِمَةُ اللُّغَوِيينَ الْحَافِظُ الْمُحَدِّثُ مُحَمَّد مُرْتَضَى الزَّبيديُّ في (شَرْحِ الْقَامُوسِ) أَلْفَاظَ الشِّكَايَةِ وَالتَّوَجُّعِ اثْنَتَيْنِ وعِشْرِينَ كلمةً وذَكَرَ ءاه مِنْهَا.
ويكفي دليلاً عَلى عَدَمِ كَوْنِ ءاه اسمًا لله تعالى اتِّفَاقُ المذاهب الأربعةِ على أَنَّ الأَنينَ يُبْطِلُ الصَّلاةَ.
نعوذُ بالله من غَفْلَةِ القلبِ، كيفَ اعتقدَ هؤلاء الجهَّالُ أنَّ ءاه اسمٌ من أسماء الله وءاه لا يَدُلُّ على الكمال والقرءانُ الكريمُ نَصَّ على أنَّ أسماءَ الله كُلَّهَا حسنَى أيْ تَدُلُّ على الكمالِ. يقولُ الله تعالى في سورةِ الأعراف: {ولله الأسماءُ الْحُسْنَى فادْعُوهُ بِها}.
هذا وقد أفتى شيخُ الجامعِ الأزهرِ الشَّيْخُ سليمٌ البِشْرِي، رضيَ الله عنه، جوابًا لسؤالٍ رُفِعَ إليهِ عن هؤلاء الذينَ يعملونَ حَضَرَاتِ ذِكْرٍ ثمَّ يقومونَ ويرقصونَ ويقولونَ ءاه ءاه وربما قالوا أح أح قال :"حرامٌ حضورُ مجالسهِم" .. وكذلكَ غيرُه من علماء مِصْرَ أَفْتَوْا بِمَنْعِ ذلك.
وَقَدْ ذَكَرَ هؤلاء الْجُهَّالُ قَوْلَهُ تعالى في سورةِ التَّوبة: {إنَّ إبراهيمَ لأَوَّاهٌ حليمٌ} زاعمينَ أَنَّ هَذَا دليلٌ لجوازِ الذِّكْرِ بِـ ءاه وَلَمْ يَدْرُوا لِجَهْلِهِمْ أَنَّ الأَوَّاهَ هو الرَّحِيمُ أو هو مَنْ يُظْهِرُ الْخَشْـيَةَ من الله تعالى. فَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ :"الأَوَّاهُ هو الرَّحيم" ، رَوَاهُ ابنُ أبي حَاتِمٍ(♣) ، وقال الحافظُ في[(فتحِ الباري)/ج6/ص389]:"إسنادُه حَسَنٍ" .
----------
(♣)أنظر كتابه[(تفسير القرءان)/ج6/ص1896]..
----------
وقال الرَّاغبُ الأصفهانيُّ في (الْمُفْرَدَات) :"الأَوَّاهُ مَنْ يُظْهِرُ الْخَشْـيَةَ من الله تعالى" ..
ومن الكبائرِ تحريفُ لفظِ الجلالةِ " الله " إلى " ءاه " كما يفعلُ كثيرٌ من المتصوِّفة. مَعَ أنَّ " ءاه " من ألفاظِ الشِّكايةِ والتَّوَجُّعِ كما ذَكَرَ علماءُ اللُّغَةِ، ومَنْ تَعَمَّدَهُ في الصَّلاةِ بَطَلَتْ صلاتُه كما ذَكَرَ الفقهاء. فلو كانَ هذا اللَّفْظُ من أسماء الله لم يُبْطِلِ الصَّلاةَ. ولو كانَ من أسماء الله ما نهَى رسولُ الله المتثائبَ عنه عند التثاؤب. وكذلكَ يَحْرُمُ تحريفُ لفظِ الجلالةِ " الله " إلى " اللا " كما يفعلُ أكثرُ النَّاسِ اليومَ ، وكذلكَ يَحْرُمُ تحريفُ "الرَّزَّاق" إلى " الرَّزَّاء " .. "
وكذلكَ تحريفُ " القادِر " إلى " الآدِر " كما هو شائعٌ عند كثيرٍ من النَّاس ..
والحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق