أنفق بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً".
قال الله تعالى: {الذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهم في سبيلِ اللهِ ثمّ لا يتبعونَ ما أنفقوا منًّا ولا أذى لهم أجرهم عندَ ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون}.
إنّ من الخصال الحميدة الطيبة التي حثّ عليها دين الإسلام هي الصدقة بالمال ابتغاء مرضاة الله تعالى عزّ وجلّ، والتصدّق هو من صفات المؤمنين الكاملين الذين يعرفون أنّ ما عند الله باق وما عند العبد فانٍ، وقد ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل على عائشة رضي الله عنها وكانت توزّع شاة في سبيل الله فقال: "ما بقي منها؟" فقالت عائشة: "ذهبت كلّها وبقي كتفها". فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "بل بقيت كلّها إلا كتفها" وذلك لأن ثوابها باق لا يضيع عند الله عزّ وجلّ.
واعلما أخي المسلم وأختي المسلمة أنّ مالكما لا ينقص من الصدقة فإن ذهب مالكما بالصدقة فإنّكما تفوزان بثوابه الذي ينفع يوم لا ينفع مال ولا بنون، وقد قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة". والتصدق والسخاء وبذل المال هو من أخلاق النبيين والأولياء والصالحين فقد روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: "ما سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن شىء قط فقال لا". وروي عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس"، وروي عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه عندما أمر النّبيّ بالصدقة أنّه أتى بكل ماله (أي عدا النفقة الواجبة) ووضعه بين يديّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تركتَ لأهلك؟" فقال:"تركت لهم الله ورسوله" أي تركت لهم حب الله ورسوله. وكذلك سيّدنا عمر رضي الله عنه أتى بنصف ما يملك، وعثمان رضي الله عنه جهّز لوحده جيشًا بكامله، وعليّ رضي الله عنه بلغت زكاته أربعون ألف دينارًا.
وقد ورد أنّه ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ينزل ملكان من الملائكة فيقول أحدهما اللهمّ أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا.
وليتصدّق الإنسان فإنّ صدقة السرّ تقي مصارع السوء كما قال نبيّنا الأكرم، وروي أنّ امرأة كانت تحمل الطعام لزوجها في العمل فبينما هي في الطريق جاء فقير فسألها الصدقة فأعطته لقمة ثم تابعت سيرها مع ابنها وبينما هي تسير جاءها سبع فأخذ الولد بفمه يريد أكله فرأت يدًا ضربت السبع فألقى الولد من فمه وسمعت هاتفًا يقول:"جوزيتِ لقمة بلقمة".
فعلى ماذا يبخل الإنسان، إن هو يبخل إلا على نفسه، وكم من صدقة شفى الله ببركتها مريضًا للذي دفعها وجنّبه الله المرض، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "داووا مرضاكم بالصدقة".
وروي أنّ عمر بن الخطاب أتى البقيع وهي جبّانة المسلمين فقال: "يا أهل القبور أخبار ما عندنا أنّ دياركم قد سُكنت وإنّ نساءكم قد تزوّجن"، فقال هاتف من القبور: "يا عمر أخبار ما عندنا أنّ ما قدّمناه فقد وجدناه وما خلّفناه فقد خسرناه".
أنفقوا ولا تخشوا الفقر وتذكّروا حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندما قال لبلال الحبشي: "أنفق بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق