بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 7 مايو 2021

المقام المحمود


قال الله تعالى (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) المقامُ المحمودُ في الآيةِ الشَرِيفَةِ فهو الشفاعةُ العُظْمَى كما صحَّ في الحديثِ مِن روايةِ البخاريِّ ومسلمٍ والتِرْمِذِيِّ وغيرِهم

وما يُرْوَى عن مُـجاهِدٍ مِنْ أنَّهُ صلى الله عليه وسلمَ يَقْعُدُ على العرشِ لا يصِحُّ ومخالف لنصّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أنه الشفاعةُ، ويزعُمُه بعضُهم بزيادةِ لفظِ (معَ اللهِ)، فهٰذا باطلٌ جدًّا، قلتُ وهو رِوايَةُ ليثِ بنِ أبي سُلَيْمٍ عنه، وفيه ضَعْفٌ لِنَقْصٍ في حِفْظِهِ، وَلَسنا مُكلَّفِينَ بقَبُولِها مِنْ أجلِ رجلٍ في الاحتجاجِ بهِ في أحاديثِ أحكامِ الفقهِ كلامٌ طويلٌ، فكيفَ بمِثْلِ هٰذا الأمرِ العظيمِ، وقدْ رَوَى مَنْ هو أضبَطُ مِنْهُ عن مُجاهِدٍ وهو ابنُ أبي نَجِيْحٍ أنّ المقامَ المحمودَ هو الشفاعةُ العُظْمَى، قال الذهبي في سير أعلام النبلاءِ (6 – 126) قال علي (أما التَفْسِيرُ فهو فيهِ ثِقَةٌ يَعْلَمُهُ قَدْ قَفَزَ القَنْطَرَةَ واحْتَجَّ بهِ أَرْبابُ الصِّحَاحِ). انتهى

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري (11 – 426 – 427) قال ابن بطال أنكرت المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين وتمسكوا بقوله تعالى (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) وغير ذلك من الآيات، وأجاب أهل السنة بأنها في الكفار، وجاءت الأحاديث في إثبات الشفاعة المحمدية متواترة ودل عليها قوله تعالى (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) والجمهور على أن المراد به الشفاعة وبالغ الواحدي فنقل فيه الإجماع ولكنه أشار إلى ما جاء عن مجاهد وزيفه، وقال الطبري (قال أكثر أهل التأويل المقام المحمود هو الذي يقومه النبي صلى الله عليه وسلم ليريحهم من كرب الموقف، ثم أخرج عدة أحاديث بعضها التصريح بذلك وفي بعضها مطلق الشفاعة). اهـ

قال الحافظ ابن عبد البر(463) في التمهيد (19 – 63 – 64) على هذا أهل العلم في تأويل قول الله عز وجل (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) أنه الشفاعة، وقد روي عن مجاهد أن المقام المحمود أن يقعده معه يوم القيامة على العرش وهذا عندهم منكر في تفسير هذه الآية، والذي عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين أن المقام المحمود هو المقام الذي يشفع فيه لأمته، وقد روي عن مجاهد مثل ما عليه الجماعة من ذلك، فصار إجماعا في تأويل الآية من أهل العلم بالكتاب والسنة، ذكر ابن أبي شيبة عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) قال شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى

وفِي شَرْح صَحِيح مُسْلِمِ لِلقَاضِى عِيَاض (المتوفى 544 هـ) المُسَمَّى إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (وذكر مسلم من حديث جابر المقام المحمود أنه الذى يُخرِجُ الله به من يُخرجَ من النار، ومثله عن أبى هريرة وابن عباس وابن مسعود وغيرهم، وقد روى فى الصحيح عن ابن عمر ما ظاهره أنها شفاعةُ المحشر، قال فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود وعن حذيفة وذكر المحشر وكون الناس فيه سكوت لا تكلم نفسٌ إلا بإذنه، فينادى محمداً فيقول لبيك وسَعْديك والخير فى يديك .. إلى آخر كلامه، قال فذلك المقام المحمود. وعن كعب بن مالك يُحشر الناس على تلّ فيكسونى ربى حُلةً خضراء ثم نودى بى، فأقول ما شاء اللهُ أن أقول فذلك المقام المحمود، وعن عبد الله بن سلام محمد عليه السلام على كرسى الرب بين يدى الله عز وجل وقد روى عن مجاهد فى ذلك قولاً منكراً لا يصح……) إلى آخر كلامه.

وذكر الحافظ السيوطي (ت 911 هـ) في كتابه تحذير الخواص من أحاديث القصاص(مخطوط 15) وفي بعض المجاميع أن قاصا جلس ببغداد فروى في تفسير قوله تعالى (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) أنه يجلسه معه على عرشه فبلغ ذلك الإمام محمد بن جرير الطبري فاحتد من ذلك وبالغ في انكاره وكتب على باب داره:

سبحان من ليس له أنيس *** ولا له في عرشه جليس

وفي ترجمة الإمام محمد بن جرير الطبري شيخ المفسرين (310هـ) ذكر ياقوت الحموي (626 هـ) في كتابه معجم الأدباء (6 – 2450) أن الإمام الطبري قال وأما حديث الجلوس على العرش فمحال، ثم أنشد:

سبحان من ليس له أنيس *** ولا له في عرشه جليس

وقال الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه (ص – 68) روي عن عائشة رضي الله عنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود قال وعدني ربي بالقعود على العرش، قلت هذا حديث مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حامد المجسم يجب الإيمان بما ورد من المماسة والقرب من الحق لنبيه في إقعاده على العرش، قال وقال ابن عمر (وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى) قال ذكر الله الدنو منه حتى يمس بعضه، قلت وهذا كذب على ابن عمر، ومن ذكر تبعيض الذات كفر بالإجماع). اهـ

قال ابن كثير في تاريخه (15 – 42) وقعت فتنة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروذي الحنبلي وبين طائفة من العامة اختلفوا في تفسير قوله تعالى (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) فقالت الحنابلة يجلسه معه على العرش وقال الآخرون المراد بذلك الشفاعة العظمى، فاقتتلوا بسبب ذلك وقتل بينهم قتلى، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد ثبت في صحيح البخاري أن المراد بذلك مقام الشفاعة العظمى، وهي الشفاعة في فصل القضاء بين العباد، وهو المقام الذي يرغب إليه فيه الخلق كلهم، حتى إبراهيم، ويغبطه به الأولون والآخرون). اهـ

وقال الكوثري في تكملته (ص – 105) (جزى اللهُ الواحديَّ خيرا حيث رد تلك الأخلوقة ردا مشبعا وكذا ابن المعلم القرشي) أقول ويكفي لعدم ثبوت صفة لله تعالى بهذه الرواية وأمثالها العمل بقاعدة لا تثبت الصفة لله إلا بكتاب ناطق أو خبر مقطوع بصحته كما نقل الإمام البيهقي في الأسماء والصفات (ص 317) عن الإمام الخطابي، فهذه القاعدة تريح من تكلف الجواب عن بعض ما يروى عن أفراد الصحابة والتابعين.

فضيحة:

ذكر الخلال في كتابه المسمى بالسنة (1 – 232) نقلا عن بعض المجسمة من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) قال يقعده على العرش فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه، ثم قال (1 – 238) نقلا عن بعض المجسمة ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله ومن رد فضيلة الرسول فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام، ثم قال والذي ندين الله عز وجل به حديث مجاهد يقعده على العرش فمن رد هذا فهو عندنا جهمي كافر. اهـ

وأما الذهبي فقد قال في كتابه العلو (1 – 170) فأما قضية قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص، وقال أيضا (1 – 131) ويروى مرفوعا وهو باطل. اهـ

وأما الألباني الوهابي فقال في مقدمة مختصر العلو (ص – 17) في بيان أنه ثبت في الصحاح أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم، قلت وهذا هو الحق في تفسير المقام المحمود دون شك ولا ريب للأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى وهو الذي صححه الإمام ابن جرير في تفسيره (15 – 99) ثم القرطبي (10 – 309) وهو الذي لم يذكر الحافظ ابن كثير غيره وساق الأحاديث المشار إليها، بل هو الثابت عند مجاهد نفسه من طريقين عنه عند ابن جرير، وذاك الأثر عنه ليس له طريق معتبر). اهـ

أقول فيا لها من فضيحة على المشبهة فقد رمى بعضهم البعض بما يرمون به غيرهم، بالكفر تارة، وبمذهب الجهمية تارة أخرى، قال تعالى (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ). اهـ

فائدة:
ليث بن أبي سليم: قال عبد الله بن أحمد عن أبيه مضطرب الحديث، وقال عثمان بن أبي شيبة سألت جريرا عن ليث ويزيد بن أبي زياد وعطاء ابن السائب فقال كان يزيد أحسنهم إستقامة ثم عطاء وكان ليث أكثر تخليطا، قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن هذا، فقال أقول كما قال، وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري عن يحيى بن معين كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه، وكذا قال عمرو بن علي وابن المثنى وعلي بن المديني وزاد عن يحيى مجالد أحب إلي من ليث وحجاج ابن أرطاة، وقال أبو المعتمر القطيعي كان ابن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم، وقال ابن أبي حاتم سمعت أبي وابا زرعة يقولان ليث لا يشتغل به هو مضطرب الحديث، قال وقال أبو زرعة ليث بن أبي سليم لين الحديث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث، وقال الحاكم أبو عبد الله مجمع على سوء حفظه، وقال الجوزجاني يضعف حديثه. اهـ

راجع ترجمته في تهذيب التهذيب (8/465-468)، والجرح والتعديل (3/2/177-179)، وميزان الاعتدال (3/420-423)، وغيرهم.


معنى قوله تعالى يوم يكشف عن ساق

 روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج2 ص499

حدثنا أبو زكريا العنبري ، ثنا الحسين بن محمد القباني ، ثنا سعيد بن يحيى الأموي ، ثنا عبد الله بن المبارك ، أنبأ أسامة بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهم ، أنه سئل عن قوله عز وجل :
( يوم يكشف عن ساق ) قال : « إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر ، فإنه ديوان العرب » أما سمعتم قول الشاعر : اصبر عناق إنه شر باق قد سن قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا عن ساق قال ابن عباس : هذا يوم كرب وشدة
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد وهو أولى من حديث روي عن ابن مسعود بإسناد صحيح لم أستجز روايته في هذا الموضع
وقال الذهبي : صحيح .
قال ابن حجر في فتح الباري ج13 ص359
قَالَ : وَأَمَّا السَّاق فَجَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ( يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق ) قَالَ عَنْ شِدَّة مِنْ الْأَمْر ، وَالْعَرَب تَقُول : قَامَتْ الْحَرْب عَلَى سَاق إِذَا اِشْتَدَّتْ ،
وَمِنْهُ : قَدْ سَنَّ أَصْحَابك ضَرْب الْأَعْنَاق وَقَامَتْ الْحَرْب بِنَا عَلَى سَاق
وَجَاءَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي تَفْسِيرهَا عَنْ نُور عَظِيم قَالَ اِبْن فَوْرَكٍ : مَعْنَاهُ مَا يَتَجَدَّد لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْفَوَائِد وَالْأَلْطَاف . وَقَالَ الْمُهَلَّب : كَشْف السَّاق لِلْمُؤْمِنِينَ رَحْمَة وَلِغَيْرِهِمْ نِقْمَة .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : تَهَيَّبَ كَثِير مِنْ الشُّيُوخ الْخَوْض فِي مَعْنَى السَّاق ، وَمَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس إِنَّ اللَّه يَكْشِف عَنْ قُدْرَته الَّتِي تَظْهَر بِهَا الشِّدَّة . وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ الْأَثَر الْمَذْكُور عَنْ اِبْن عَبَّاس بِسَنَدَيْنِ كُلّ مِنْهُمَا حَسَن ، وَزَادَ : إِذَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ شَيْء مِنْ الْقُرْآن فَأَتْبِعُوهُ مِنْ الشِّعْر وَذَكَرَ الرَّجَز الْمُشَار إِلَيْهِ ، وَأَنْشَدَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِطْلَاق السَّاق عَلَى الْأَمْر الشَّدِيد " فِي سَنَة قَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقهَا " وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْه آخَر صَحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يُرِيد يَوْم الْقِيَامَة
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ج9 ص331
قَوْله : ( فَذَلِكَ يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق )
قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ وَمَعْنَى مَا فِي الْقُرْآن { يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق } يَوْم يُكْشَف عَنْ شِدَّة وَهَوْل عَظِيم أَيْ يُظْهِر ذَلِكَ . يُقَال : كَشَفَتْ الْحَرْب عَنْ سَاقهَا إِذَا اِشْتَدَّتْ ، وَأَصْله أَنَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْره كَشَفَ عَنْ سَاقه مُسْتَمِرًّا فِي الْخِفَّة وَالنَّشَاط لَهُ .
وقال ابن حجر في فتح الباري ج8 ص508
قَوْله : ( بَاب يَوْمَ يُكْشَف عَنْ سَاقٍ )
أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْف عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا فِي قَوْله : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) قَالَ " عَنْ نُور عَظِيم ، فَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا " وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) قَالَ : عَنْ شِدَّة أَمْر ، وَعِنْد الْحَاكِم مِنْ طَرِيق عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ يَوْم كَرْب وَشِدَّة قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فَيَكُون الْمَعْنَى يَكْشِفُ عَنْ قُدْرَته الَّتِي تَنْكَشِف عَنْ الشِّدَّة وَالْكَرْب وَذَكَرَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيلَات كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه عِنْد حَدِيث الشَّفَاعَة مُسْتَوْفًى فِي كِتَاب الرِّقَاق إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَوَقَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِع " يَكْشِف رَبّنَا عَنْ سَاقه " وَهُوَ مِنْ رِوَايَة سَعِيد بْن أَبِي هِلَال عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم فَأَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِي قَوْله " عَنْ سَاقه " نَكِرَة . ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق حَفْص بْن مَيْسَرَة عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم بِلَفْظِ " يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ " قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : هَذِهِ أَصَحّ لِمُوَافَقَتِهَا لَفْظ الْقُرْآن فِي الْجُمْلَة ، لَا يُظَنّ أَنَّ اللَّه ذُو أَعْضَاء وَجَوَارِح لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُشَابَهَة الْمَخْلُوقِينَ ، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء .
وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري ج25 ص129
قوله يكشف على صيغة المجهول والمعروف عن ساقه فسر الساق بالشدة أي يكشف عن شدة ذلك اليوم وأمر مهول وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر كما يقال قامت الحرب على ساق وجاء عن ابن عباس في قوله يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون قال عن شدة من الأمر وقيل المراد به النور العظيم وقيل هو جماعة من الملائكة يقال ساق من الناس كما يقال رجل من جراد وقيل هو ساق يخلقه الله خارجا عن السوق المعتادة وقيل جاء الساق بمعنى النفس أي تتجلى لهم ذاته قوله رياء أي ليراه الناس قوله وسمعة أي ليسمعه الناس
وقال الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحن في كتابه تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم ص211
) يوم يكشف عن ساق (
قال أهل اللغة يكشف عن الأمر الشديد وروي عن ابن عباس ومجاهد ويقال كشف الرجل عن ساق إذا جد وشمر في أمر مهم قد طرقه لتداركه .
وقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح ج16 ص78
(( يوم يكشف عن ساق أي شدة عظيمة يقال كشفت الحرب عن الساق إذا اشتد فيها وكان أصله أن الولد يموت في بطن الناقة فيدخل المدمر يده في رحمها فيأخذ ساقه فجعل لكل أمر عظيم وخطب جسيم قال الخطابي هذا مما هاب القول فيه شيوخنا فأجروه على ظاهر لفظه ولم يكشفوا عن باطن معناه على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل ما لا يحيظ العلم بكنهه من هذا الباب أما من تأوله فقال ذلك يوم يكشف عن شدة عظيمة وبلية فظيعة وهو اقبال الآخرة وظهورها وذهاب الدنيا وادبارها ويقال للأمر إذا اشتد وتفاقم وظهر وزال خفاؤه كشف عن ساقه وهذا جائز في اللغة .))
وقال القاضي عياض في مشارق الانوار على صحاح الاثار ج2 ص458
( س و ق ) قوله كم سقت إليها أي كم أمهرتها وقيل للمهر سوق لأن العرب كانت أموالهم المواشي فكانت تسوقها للزوجة وقوله وسواق يسوق بهن أي حاد يحدوا بهن ويسوقهن بحدائه أمامه وسواق الإبل الذي يقدمها ويسوقها أمامه للمرعى والماء ومنه رويدا سوقك بالهوادي وريدك سوقك بالقوارير أي ارفق في سوقك وتقدم في القاف منه وسائق الدابة مثله الذي يقدمها أمامه في السير وقوله يرى مخ سوقها جمع ساق وقوله ذو السويقين تصغير ساقين صغرهما لرقتهما وحموشتهما وهي صفة سوق السودان غالبا وقوله في الحشر هل بينكم وبينه علامة قالوا الساق وهو قوله فيكشف عن ساق وعن ساقه قال ابن عباس وغيره في قوله يوم يكشف عن ساق وهو الأمر الشديد وقاله أهل اللغة .))
تفسير البحر المديد لابن عجيبة جج6 ص390
{ يومَ يُكشَفُ عن ساقٍ } ، وجمهور المفسرين على أن الكشف عن ساق عبارة عن شدة الأمر ، وصعوبة الخطب ، أي : يوم يشتد الأمر ويصعب ، وقيل : ساق الشيء : أصله الذي به قوامه ، كساق الشجرة وساق الإنسان ، أي : يوم يُكشف عن أصل الأمر ، فتظهر حقائق الأمور وأصولها ، بحيث تصير عياناً . وتنكيره للتهويل العظيم . قال النسفي : ولا كشف ثمَّ ولا ساق ، ولكن كنّى به عن شدة الأمر؛ لأنهم إذا ابتلوا بالشدّة كَشفوا عن الساق ، وقال : كشفت الحرب عن ساقها ، وهذا كما تقول للشحيح : يده مغلولة ، ولا يد ثَمَّ ولا غل ، وإنما هو كناية عن البخل ، وأمّا مَن شبّه فلِضيق عِطفه وقلّة نظره في علم البيان ، ولو كان الأمر كما زعم المشبَّه؛ لكان من حقِّ الساق أن يُعرَّف؛ لأنها ساق معهودة عنده . ))
وفي التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور ج15 ص253
(( والكشف عن ساق : مثَل لشدة الحال وصعوبة الخطب والهول ، وأصله أن المرء إذا هلع أن يسرع في المشي ويشمر ثيابه فيكشف عن ساقه كما يقال : شمر عن ساعد الجد ، وأيضاً كانوا في الروع والهزيمة تشمر الحرائر عن سوقهن في الهرب أو في العمل فتنكشف سوقهن بحيث يشغلهن هول الأمر عن الاحتراز من إبداء ما لا تبدينه عادةً ، فيقال : كشفت عن ساقها أو شَمَّرت عن ساقها ، أو أبْدت عن ساقها ، قال عبد الله بن قيس الرقيات :
كيف نوْمي على الفراش ولما ... تشملْ الشامَ غارةٌ شَعْواء
تُذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خِدَام العقيلة العذراء
وفي حديث غزوة أحد قال أنس بن مالك : «انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولقد رأيت عائشة وأم سليم وأنهما لمشمّرتان أرى خَدَم سوقهمَا تنقلان القِرَب على متُونهما ثم تُفْرِغَانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها» الخ ، فإذا قالوا : كشف المرء عن ساقه فهو كناية عن هول أصابه وإن لم يكن كشف ساقه . وإذا قالوا : كشف الأمر عن ساق ، فقد مثلوه بالمرأة المروعة ، وكذلك كشفت الحرب عن ساقها ، كل ذلك تمثيل إذ ليس ثمة ساق قال حاتم :
فتى الحرب عضّت به لحرب الحرب عضها ... وإن شمرت عن سَاقها الحرب شمَّرا
وقال جد طرفة من الحماسة :
كشفتْ لهم عن ساقها ... وبدا من الشر البَواح
وقرأ ابن عباس { يوم تَكشف } بمثناة فوقية وبصيغة البناء للفاعل على تقدير تكشف الشدة عن ساقها أو تكشف القيامة ، وقريب من هذا قولهم : قامت الحرب على ساق .
والمعنى : يوم تبلغ أحوال الناس منتهى الشدة والروْع ، قال ابن عباس : يكشف عن ساق : عن كرب وشدة ، وهي أشد ساعة في يوم القيامة .
وروى عبد بن حميد وغيره عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن هذا ، فقال : «إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب» ، أما سمعتم قول الشاعر :
صبراً عَنَاقُ إنه لشِرْباقْ ... فقد سنّ لي قومُككِ ضربَ الأعناقْ
وقامت الحرب بنا على ساق ... وقال مجاهد : { يكشف عن ساق } : شدّة الأمر .))

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...