بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”:خَيرُكُم خَيرُكُم للنِّساءِ"رواه الحاكم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”:خَيرُكُم خَيرُكُم للنِّساءِ"رواه الحاكم.

مَعناهُ الذي يُحسِنُ مُعامَلةَ النِّساءِ أي أَزواجِه هوَ أَفضَل،أَفضَل المسلِمينَ هو الذي يُحسِنُ مُعامَلةَ أزوَاجِه،يُعامِلُها بالتّواضُع والعَطف والرّحمةِ وبشَاشةِ الوَجْهِ والإحسَانِ والعَفوِ إذَا هيَ أسَاءت، مَن كانَ هَكذا هوَ أَفضَلُ الرِّجَالِ لأنّ الذي يكونُ معَ امرَأتِه هَكذا يكُونُ معَ الغَيرِ هكَذا، يكونُ حسَنَ الخلُق، صَاحِبُ حُسنِ الخُلقِ درَجتُه كدَرجَةِ الإنسانِ الذي يَصُومُ صِيامًا مُتتَابِعًا ويَقُومُ اللّيلَ، الذي يتَواضَعُ ويُسَامِحُ النّاسَ الذينَ أَساؤا إليهِ وهوَ لا يؤذِي غَيرَهُ ويَصبِرُ على أَذى غَيرِه ويُحسِنُ إلى الناسِ هَذا يُسَاوِي الرّجلَ الذي يُصَلِّي نِصفَ اللّيلِ مَثَلا ويَصُومُ كثِيرًا،سِتّةَ أَشهُرٍ أو ثمَانِيةَ أَشهُر فَوقَ الفَرض،هَذا بحُسْنِ خُلُقِه درَجَتُه عندَ اللهِ مِثلُ ذَاكَ.

التّواضُعُ للأزواجِ مَطلُوبٌ والعَطفُ عَليهِنّ.

الرّسولُ علَيه السّلامُ مِنْ حُسْنِ خُلُقِه لما يَكُونُ يَبِيتُ في بَيتِ إحْدَاهُنَّ لأجلِ الدَّوْرِ لأجْلِ القَسْم صَباحًا يَدُورُ على كُلٍّ، يَقِفُ على بابِ هَذِه يَقولُ السّلامُ عَليكُم أَهلَ البَيتِ ورَحمَةُ اللهِ وبرَكاتُه، وعلى باب هذِه وعلى بابِ هذِه، حتى يَعُمَّهُنَّ كلَّهُنَّ مِن شِدّةِ تَواضُعِه، هوَ بنَفْسِه يقِفُ على بابِ هذِه يُسَلّمُ علَيها وعلى بابِ تِلكَ حتّى يَعُمّ الجميعَ، لا يَنتَظِرُ حتى يَأتِينَ هُنَّ فيُسَلّمْنَ علَيهِ، هَذا حُسنُ مُعامَلةِ النِّساء، أمّا أكثَرُ الأزواجِ يتَرفَّعُونَ على زَوجَاتهِنّ،هَذا خِلافُ الشّرعِ، اللهُ لا يُحِبُّه.

وقالَ عليه الصلاة والسلام: "خَيرُكُم خَيرُكم لأهلِه"رواه البزّار والطبراني.
معناهُ أنَا أَحسَنُ مُعامَلةً لأزواجِي،وأَنتُم مَن كانَ معَامَلَتُه للنِّساءِ أَحسَن فهوَ أَفضَلُ المسلمِين،فهوَ أَفضَلُكُم، هَذانِ الحديثان في حُسنِ مُعامَلةِ النِّساءِ.

وورَدَ حديثٌ في حَقِّ مُعامَلةِ الزّوجِ والإحسَانِ إليهِ وطَاعتِه قال عليه الصلاة والسلام: "أَحَقّ الناسِ بالمرأةِ زَوجُها وأَحَقُّ الناسِ بالرّجُلِ أُمُّه".
ورواه الحاكم والنسائي بلفظ ":أَعظَمُ الناسِ حَقّا على المرأةِ زَوجُها وأعظَمُ الناسِ حَقّا على الرّجلِ أُمُّه " .

في هَذا الزّمَن الرجالُ لا يُعامِلُونَ أَزواجَهُم كمَا يُحِبّ اللهُ ولا النِّساءُ يُعامِلْنَ أَزوَاجَهُنّ كمَا يَنبَغِي، أَكثَرُ الناسِ هَكذا، حتى جماعَتُنا كثِيرٌ مِنهُم نِساؤهُم يَشكِيْن َمِنهُم سُوءَ المعَامَلةِ .

مَن لا يُعامِلُ نِساءَهُ في الدّنيا بالظُّلمِ في الآخِرةِ إنْ كانَ هوَ يُعامِلُ امرأتَهُ بالعَدْلِ بلا ظُلمٍ ولم يُقصّر في حَقّها وهيَ أطَاعَتْهُ ولم تُقَصّر في حَقّه يومَ القِيامةِ لا يَنفِرُ هُوَ مِنهَا ولا تَنفِرُ هيَ مِنهُ، أمّا إنْ كانا يتَعامَلانِ في الدّنيا بالظُّلم يومَ القِيامةِ هوَ يَفِرّ منها وهيَ تَفِرّ منهُ خَوفَ أن يُطالِبَ أحَدُهما الآخَر بمظلَمتِه، والأبُ والأمُّ هكَذا،والابنُ والأمّ كذلك، أمّا إنْ كانُوا في الدّنيا يتَعامَلُونَ بالإحسَانِ بلا ظُلم يَشتَاقُ بَعضُهم ليَرى الآخَر،أمّا إنْ كانَ يُعامِلُ أحَدُهم الآخرَ بالظُّلم أو كِلاهما هذا يفِرُّ وهَذا يفِرّ.

شرحُ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ سورة البقرة/153

شرحُ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ سورة البقرة/153
إخوةَ الايمان، إِنَّ اللهَ تباركَ وتعالَى خَلَقَنَا وأَوْجَدَنَا في هذِهِ الدُّنْيَا لِيَبْتَلِيَنَا أي لِيَخْتَبِرَنَا أيُّنَا يُحْسِنُ عَمَلاً فيَصبِرُ على البَلايَا والمصائِبِ ولا يَعْتَرِضُ على اللهِ ولا يَكْفُرُ باللهِ، وأَيُّنَا يُسيِءُ عَمَلاً فَيَخْسَرُ الدنيا والآخِرَةَ وَدَلَّنَا عَلَى سُبُلِ النَّجاةِ أَلا وَهُوَ الاستِعَانَةُ بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ.
أمَّا الصَّبرُ أَحْبَابَنا فَهُوَ حَبْسُ النَّفْسِ وَقَهْرُهَا عَلَى لَذِيذٍ تُفَارِقُهُ أَوْ مَكْرُوهٍ تَتَحَمَّلُهُ، فالصَّابِرُ يُجَاهِدُ ويعصِي نَفْسَهُ لِيُطِيعَ رَبَّ العِبَادِ فَمَنْ كَانَ أَمْرُهُ كذلِكَ فلَهُ البُشْرَى العَظِيمَةُ التِي بَشَّرَ اللهُ بِهَا الصَّابِرينَ بِقَوْلِه: ﴿إِنَّ اللهَ معَ الصَّابِرينَ﴾ وَالْمَعِيَّةُ المذكورَةُ في هذهِ الآيَةِ أحبابَنا هِيَ مَعِيَّةُ النُّصْرَةِ والحِفْظِ أي أَنَّ اللهَ يَنْصُرُهُمْ.
ثم الصبرُ على أَنْواعٍ ثَلاثَةٍ:
فالأولُ: الصبرُ على أداءِ الفَرائِضِ، فَمِنْ ذَلِكَ الصبرُ على صَرْفِ شَىءٍ مِنَ الوَقْتِ لِتَلَقِّي القَدْرِ الضَّرورِيِّ من علمِ الدِّينِ وهو الذِي يَلْزَمُ كُلَّ شَخْصٍ مُسْلِمٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَنْ يَتَعَلَّمَهُ مَعَ فَهْمٍ مَسَائِلِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الصَّبْرُ عَلَى الجُوعِ نَهَارَ رمَضَانَ، وَمِنْ ذلكَ الصبرُ على أدَاءِ الصَّلوَاتِ معَ الطَّهارةِ الْمُجْزِئَةِ ولو في أيَّامِ البَرْدِ وَالشِّتاءِ.
والنوعُ الثانِي: الصبرُ عنِ ارْتِكابِ مَا حَرَّمَ اللهُ علينَا أي أَنْ نَكُفَّ أَنْفُسَنَا عَنِ الحرامِ امتِثَالاً وَتَنْفِيذًا لأمرِ اللهِ تباركَ وتعالَى، فَمِنْ ذلكَ أنهُ يَجِبُ علَى الرجُلُ أن يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنِ النَّظَرِ إلَى مَا حَرَّمَ اللهُ مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ، وَالمرأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ أَيْضًا، وَمِنْ ذَلكَ أَنَّ مَنِ ابْتُلِيَ بِالفَقْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنِ السَّرِقَةِ وَلو ضَاقَتْ بِهِ الأَحْوَالُ ولو طَلَبَتْ زَوجتُهُ ذلكَ منهُ فإِنَّهُ كما قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا طاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعصِيَةِ الخَالِقِ".
وأمَّا النَّوعُ الثَّالِثُ: فهُوَ الصبرُ على المصائبِ والبَلايَا والشَّدائدِ، فَمَنْ أصابَتْهُ مصيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ فَلْيَقُلْ: "إنَّا للهِ وإنا إليهِ رَاجِعُونَ" وَلا يَعْتَرِضُ على اللهِ وَلا يَغضَبُ، فَكَمْ مِنْ أناسٍ لَمْ يَصْبِرُوا عِنْدَ المصَائِبِ فَشَتَمُوا اللهَ والعِيَاذُ بِاللهِ فَخَرَجُوا بذلِكَ مِنَ الإِسلامِ فَهؤلاءِ لَمْ يَعْمَلُوا بِوَصِيَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم التي أوصَى بِهَا بعضَ الصحابةِ فقالَ لهُ: "لا تَغضَبْ".
فهؤلاءِ الذينَ شَتَمُوا اللهَ واعتَرَضُوا علَى اللهِ خَسِرُوا بذَلكَ أنفُسَهُمْ.
إخوانِي، يَقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ليسَ الشديدُ بِالصُّرَعَه إنما الشَّديدُ الذِي يَمْلِكُ نفسَهُ عندَ الغضَبِ".
معنَاهُ ليسَ الشَّخصُ الشديدُ الذِي إذَا سَاءَهُ شَىْءٌ سَارَعَ إلى صَرعِ الناسِ وإِيذائِهم،
بل هَذَا ضَعِيفٌ وَذَلِكَ لأنَّ نفسَهُ غَلَبَتْهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أن يُسَيْطِرَ عليهَا. وَإِنَّما الشديدُ هوَ الذِي يَمْلِكُ نفسَهُ عندَ الغَضَبِ.
اخوانِي، اصبِروا علَى البَلاءِ واعلَمُوا أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:
"فَمَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُصِبْ منهُ" أي يَبْتَلِيهِ لِيُكَفِّرَ خَطايَاهُ وَيَرْفَعَ درَجاتِه.
هكذَا يكونُ الرِّجالُ، هكذا يَكونُ الصَّالِحونَ، هكذَا يكونُ طلابُ الآخِرَةِ الذِينَ عرفُوا اللهَ فأَدَّوْا حَقَّهُ.
اللهمَّ اجعَلْنَا مِنَ الصَّالِحينَ الصَّابِرينَ يا رَبَّنا يَا اللهُ.

معنى قوله تعالى في الكعبة (بيتي )سورة الحج :

معنى قوله تعالى في الكعبة (بيتي )سورة الحج :

فهي إضافة ملك للتشريف لا إضافة صفة أو ملابسة لاستحالة الملامسة والمماسة بين الله والكعبة

وكذلك قول الله تعالى (رب العرش )سورة المؤمنين

ليس إلا للدلالةعلى أن الله خالق العرش الذي هو أعظم المخلوقات
ليس لأن العرش له ملابسة لله بالجلوس عليه او بمحاذاته من غير جلوس
ليس المعنى أن الله جالس على عرشه باتصال
وليس المعنى أن الله محاذ للعرش بوجود فراغ بين الله وبين العرش إن قُدر ذلك الفراغ واسعا أو قصيرا

كل ذلك مستحيل على الله وإنما مزية العرش أنه كعبة الملائكة الحافين من حوله كما أن الكعبة شرفت بطواف المؤمنين بها

ومن خواص العرش أنه لم يعص الله تعالى فيه لأن من حوله كلهم عباد مكرمون لا يعصون الله طرفة عين ومن اعتقد أن الله خلق العرش ليجلس عليه فقد شبه الله بالملوك الذين يعملون الأسرة الكبار ليجلسوا عليها ومن اعتقد هذا لم يعرف الله ويكفر من يعتقد المماسة لاستحالتها في حق الله تعالى

بيان مسلك العلماء في تأويل ءاية الاستواء

بيان
مسلك العلماء في تأويل ءاية الاستواء
اعلم أن لعلماء أهل الحق مسلكان كل منهما صحيح :
الأول : مسلك السلف وهم من كان من أهل القرون الثلاثة الأولى وقرن أتباع التابعين وقرن التابعين وقرن الصحابة وهو قرن الرسول صلى الله عليه وسلم ، هؤلاء يسمون السلف، والغالب عليهم أن يؤولوا الآيات المتشابهة تأويلا إجماليا بالإيمان بها واعتقاد أن لها معنى يليق بجلال الله وعظمته ليست من صفات المخلوقين بلا تعيين معنى خاص كآية : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [سورة طه ] وغيرها من المتشابه بأن يقولوا بلا كيف أو على ما يليق بالله، وهذا يقال له تأويل إجمالي، أي قالوا استوى استواء يليق به مع تنـزيهه عن صفات الحوادث، ونفوا الكيفية عن الله تعالى أي من غير أن يكون بهيئة ومن غير أن يكون كالجلوس والاستقرار والحركة والسكون وغيرها مما هو صفة حادثة. هذا مسلك غالب السلف ردّوها من حيث الاعتقاد إلى الآيات المحكمة كقول تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ } [سورة طه ] وتركوا تعيين معنىً معيّن لها مع نفي تشبيه الله بخلقه .
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : ((ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله )) يعني رضي الله عنه لا على ما قد تذهب إليه الأوهام والظنون من المعاني الحسية الجسمية التي لا تجوز في حق الله تعالى.
قال الحافظ البيهقي في (( الأسماء والصفات )) ما نصه (ص407) : (( فأما الاستواء فالمتقدمون من أصحابنا رضي الله عنهم كانوا لا يفسرونه ولا يتكلمون فيه كنحو مذهبهم في أمثال ذلك )) ا هـ، وقال في موضع ءاخر (ص426) : (( وحكينا عن المتقدمين من أصحابنا ترك الكلام في أمثال ذلك، هذا مع اعتقادهم نفي الحد والتشبيه والتمثيل عن الله سبحانه وتعالى )) ا هـ ، ثم أسند (ص426) إلى أبي داود قوله: (( كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحدون ولا يشبهون ولا يمثلون ، يروون الحديث لا يقولون كيف، وإذا سئلوا أجابوا بالأثر، قال أبو داود: وهو قولنا. قلت: وعلى هذا مضى أكابرنا )) اهـ، وقال في موضع ءاخر (ص 453) : (( عن الأوزاعي عن الزهري ومكحول قال : أمضوا الأحاديث على ما جاءت )) اهـ ، ثم قال : ((سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في التشبيه – أي ظاهرها يوهم ذلك – فقالوا : أمروها كما جاءت بلا كيفية )) اهـ ، وقال في موضع ءاخر (ص330): (( عن سفيان بن عيينة قال : كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه )) اهـ، وقال الإمام مالك : (( الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ، ولا يقال كيف ، وكيف عنه مرفوع ))، وفي رواية:((الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول )) اهـ، رواهما البيهقي في (( الأسماء والصفات )) (ص408) ، وقال الإمام أحمد عندما سئل عن الاستواء : (( استوى كما أخبر لا يخطر للبشر)) (دفع شبه من شبه وتمرد ص 17) اهـ.
 والثاني : مسلك الخلف وهم الذين جاءوا بعد السلف، وهم يؤولونها تفصيلا بتعيين معان لها مما تقتضيه لغة العرب ولا يحملونها على ظواهرها أيضا كالسلف، فيقولون استوى أي قهر، ومن قال استولى فالمعنى واحد أي قهر ، ولا بأس بسلوكه ولا سيما عند الخوف من تزلزل العقيدة حفظا من التشبيه .
قال الحافظ البيهقي في كتابه (( الاعتقاد )) ما نصه (ص72) : (( وأصحاب الحديث فيما ورد به الكتاب والسنة من أمثال هذا – يعني المتشابه – ولم يتكلم أحد من الصحابة والتابعين في تأويله على قسمين : منهم من قبله وءامن به ولم يؤوله ووكل علمه إلى الله ونفى الكيفية والتشبيه عنه، ومنهم من قبله وءامن به وحمله على وجه يصح استعماله في اللغة ولا يناقض التوحيد، وقد ذكرنا هاتين الطريقتين في كتاب (( الأسماء والصفات )) التي تكلموا فيها من هذا الباب )) اهـ.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني (ت403هـ) في كتابه (( الإنصاف )) ما نصه (ص64-65) : (( إنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات والاتصاف بصفات المحدثات ،وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال ولا القيام ولا القعود لقوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ} [سورة الشورى] ، وقوله : { وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ }[ سورة الإخلاص ] ،ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك . فإن قيل أليس قد قال : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }[سورة طه ] ، قلنا : بلى قد قال ذلك، ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في الكتاب والسنة لكن ننفي عنه أمارة الحدوث ، ونقول : استواؤه لا يشبه استواء الخلق ، ولا نقول إن العرش له قرار ولا مكان – أي لا نقول إن العرش مكان له – لأن الله تعالى كان ولا مكان ، فلما خلق المكان لم يتغير عما كان )) اهـ.
وقال البيضاوي في تفسيره (م2 /ج3 /ص12) : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } [سورة الأعراف] استوى أمره أو استولى ، وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفه لله بلا كيف ، والمعنى أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منـزها عن الاستقرار والتمكن )) اهـ.
فالحاصل أن الذي لا يحمل الآيات المتشابهة على ظاهرها بل يقول لها معان لا أعلمها تليق بالله تعالى غير هذه الظواهر مثلا استواء الله على العرش له معنى غير الجلوس وغير الاستقرار غير استواء المخلوقين لكن لا أعلمه فهذا سَلِمَ، وهذا هو الغالب على السلف حيث لا يخوضون بتعيين معان لها وتأويلها مع اعتقاد تنـزيه الله عن الجلوس والاستقرار. وكذلك الذي يقول استواء الله على العرش هو قهره للعرش سَلِمَ من التشبيه. فالأول هو التأويل الإجمالي أي يقول استوى استواء يليق به من غير أن يفسره بالقهر، والثاني هو التأويل التفصيلي أي يقول استوى معناه قهر، فمن شاء أخذ بذاك ومن شاء أخذ بهذا.
أما الوهابية فليسوا على ما كان عليه السف ولا الخلف، بل هم على مسلك المجسمة المشبهة، لأن الوهابية حملوا الاستواء على الاستقرار ومنهم من حمله على الجلوس فوقعوا في تشبيه الله بخلقه، فلا يقال عنهم (( السلفيون)) أو (( السلفية )) وإن سموا أنفسهم بذلك ليخدعوا الناس أنهم على مذهب السلف، وقد علمت أن مذهب السلف إنما هو التوحيد والتنـزيه دون التجسيم والتشبيه، والمبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف، فهم كما قال القائل :

وكل يدعي وصلا بليلى                   وليلى لا تقر لهم بذاكا

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

يقولُ اللهُ تعالى {المالُ والبنونَ زينةُ الحياةِ الدُّنيا والباقياتُ الصَّالحاتُ خيرٌ عندَ ربكَ}

يقولُ اللهُ تعالى {المالُ والبنونَ زينةُ الحياةِ الدُّنيا والباقياتُ الصَّالحاتُ خيرٌ عندَ ربكَ}
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ
قالَ المُحَدِّثُ الشَّيْخُ عَبْد الله الهَرري رحمه اللهُ تَعَالى :
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ سيدِ المرسلينَ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ الطيبينَ الطاهرينَ أما بعدُ، يقولُ اللهُ تعالى {المالُ والبنونَ زينةُ الحياةِ الدُّنيا والباقياتُ الصَّالحاتُ خيرٌ عندَ ربكَ} الاية 46، سورة الكهف.
معنى الآيةِ المالُ والأبناءُ زينةُ الحياةِ الدُّنيا الزائِلةِ أما الباقياتُ الصَّالحاتُ أفضلُ عندَ اللهِ
الباقياتُ الصَّالحاتُ هي: الحسناتُ الصلاةُ والصِيامُ والحجُ والزكاةُ والذِّكرُ وقراءةُ القرءانِ والصَّدقةُ ونحوُ ذلك، وإنما قال اللهُ تعالى {والباقياتُ} لأن ثوابَ الحسناتِ دائمٌ لا ينقطعُ لأنَّ الآخِرَةَ لا نهايةَ لها، حياةٌ ليسَ بعدَها موتٌ وصِحةٌ ليس بعدَها مرضٌ وشبابٌ ليسَ بَعدَهُ هَرمٌ وراحةٌ ليس بعدَهَا تعبٌ، أمَّا زينةُ الحياةِ الدُّنيا فالأولادُ خُلِقُوا للموتِ، نهايتُهُمُ الموتُ، هذا يَمُوتُ يَومَ يُولَدُ وهذا يَموتُ بعدَ أن يعيشَ أسبوعاً وهذا يموتُ بعد سنةٍ وهذا يموتُ قبلَ الشَّبابِ وقد يموتُ الحفيدُ قبلَ الجَدِّ. أفراحُ الدُّنيا سريعةُ الزَّوالِ والمالُ كذلِك سريعُ الزَّوالِ، الأكلُ مهما كانَ لذيذاً ومهما تُؤُنِّقَ في عَمَلِهِ فإنَّ نهايتَهُ هذا الخارجُ القَذِرُ، الأكلُ اللذيذُ والأكلُ غيرُ اللذيذِ نهايتَهُ القَذَرُ، وكذلكَ الثيابُ مهما كانَت جميلةً نهايتُها أن تُرمى في المزابِلِ بعدما تنسَحِقُ ويَذهَبُ حُسْنُ مَنظَرِها تَذهَبُ إلى المزابل.
أمَّا الحسناتُ فهي باقيةٌ وأخَفُّ الحسناتِ على اللسانِ الذِّكْرُ وأجْرُهُ عظيمٌ ومِنَ الذِّكْرِ سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، المُسلِمُ إذا قالَ سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ تُغْرَسُ لَهُ في الجَنَّةِ شَجَرَةٌ، نَخْلَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ قالَ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ مِائةَ مَرَّةٍ تُغْرَسُ لهُ مِائَةُ نَخْلَةٍ، وَمَنْ قالَ ألفاً فَألْفُ شَجَرَةٍ وَمَنْ قَالَ أكْثَرَ مِن ذلكَ فأكثَرُ مِن ذلِكَ، ثُمَّ نَخْلُ الجَنَّةِ ليس كنخْلِ الدُّنيا في الطَّعْمِ وَاللونِ وَالرَّائِحَةِ إنَّما الاسمُ مُشْتَرَكٌ، هَذا يُقالُ لهُ نخلٌ وَهَذا يُقالُ لهُ نخلٌ، ثُمَّ هذهِ الشَّجَرَةُ أبدِيَّةٌ لا تَيْبَسُ فَتُقْلَعُ بلْ هي دائِمَةٌ رَطْبَةٌ مُثْمِرَةٌ. وَالصَّدَقَةُ من جُمْلَةِ الحَسَنَاتِ فَمَنْ تَصَدّقَ من مالٍ حلالٍ بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ لِوَجْهِ اللهِ ليسَ لِيُقَالَ عنهُ فلانٌ فَاعِلُ خَيْرٍ ليسَ لِيَمْدَحَهُ الناسُ فَلَهُ أجْرٌ عظيمٌ، فَالصَّدَقَةُ إنْ كانت مِنْ مَالٍ حَلالٍ وَبِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ ليسَ لِطَلَبِ مَدْحِ الناسِ بِأن يُقَالَ لهُ فلانٌ كريمٌ فلانٌ سَخِيٌّ فُلانٌ فاعِلُ خَيْرٍ، بلْ كانت بِنِيَّةِ أنَّ اللهَ يُحِبُّ الصَّدَقَةَ فمَن تصَدَّقَ على هذا الوَجْهِ بِصَدَقَةٍ مهْما كانت صَغِيرَةً فهي عندَ اللهِ كَبِيرةٌ، على حَسَبِ حُسْنِ النِيَّةِ وَكَوْنِ الشَّخْصِ مُؤْثِراً شديدَ الإيثَارِ للآخِرَةِ يَعْظُمُ ثَوَابُها فَمَنْ تَصَدَّقَ مِنْ مالٍ قَليلٍ لَهُ فَدَفَعَ نِصْفَ مَالِهِ وَأبْقى النِّصْفَ الآخَرَ لِنَفْسِهِ هذا عِنْدَ اللهِ أجْرُهُ أعْظَمُ مِنَ الرَّجُلِ الذي لهُ مالٌ كثيرٌ وَتَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ، مِثَالُ ذلكَ ما جَاءَ في حديثِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّم: "سَبَقَ دِرْهَمٌ مائَةَ ألْفِ دِرْهَمٍ، قيلَ كيْفَ ذلِكَ يا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَجُلٌ لهُ دِرْهَمَانِ فَتَصَدَّقَ بِأحَدِهِمَا وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِمائَةِ ألفِ دِرْهَمٍ مِنْ عُرْضِ مَالهِ". أيْ مِن مالِهِ الكَثيرِ دَفَعَ مِائَةَ ألْفِ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ كَثيراً لِنَفْسِهِ، هذِهِ المِائَةُ ألْفٍ بِالنسبةِ لِكَثْرَةِ مَالِهِ قليلٌ، فَثَوابُ الشَّخْصِ الذي تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَتَرَكَ لِنَفْسِهِ دِرْهَماً واحِداً أعْظَمُ عِندَ اللهِ مِن ثَوَابِ الآخَرِ الذي تَصَدَّقَ بِمائَةِ ألفٍ التي هي قليلٌ مِنْ كَثيرٍ بالنسبةِ لِمَالِهِ الكثيرِ، ثُم إن اللهَ لا يَقْبَلُ الحَسنَاتِ مِنَ الصلاةِ والصيامِ والصّدقاتِ إلاّ بَعدَ معرفةِ اللهِ، مَنْ لم يَعْرِفِ اللهَ كما يجِبُ مهما عَمِلَ منَ الحَسنَاتِ لا يَقْبَلُ اللهُ منهُ، أمَّا من عَرَفَ اللهَ ءَامَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فهو الذي تُقْبَلُ منهُ الحسناتُ، ثم الإيمانُ بِاللهِ هو معرِفَةُ أنَّ اللهَ مَوْجُودٌ لا يُشْبِهُ غَيرَهُ، ذاتُ اللهِ ليسَ جِسْماً لَطيفاً كالضَّوءِ والريحِ وَلا هو جِسْمٌ كثيفٌ كالإنسانِ وَالشَّمسِ وَالقَمرِ وَالنجُومِ، ليسَ حجْمَاً صَغيراً ولا حَجْماً كبيراً، كانَ مَوْجوداً قبلَ كُلِّ شىءٍ، قَبلَ السَّمَاواتِ وَقَبلَ الأرْضِ وَقَبلَ الجِهَاتِ السِتِّ، كان موْجُوداً قبْلَ وُجودِ المكانِ بِلا مَكَانٍ ثُم خلقَ المكانَ وَخَلَقَ قَبلَ كُلِّ شىءٍ الماءَ، ثُمَّ خلَقَ جِرْماً كبيراً يُقَالُ له العَرشُ ثم خَلَقَ جِرْماً يُقَالُ لهُ القلَمُ الأعْلى لَيْسَ كأقْلامِ الدُنيا، وَخَلَقَ لَوْحَاً مِسَاحَتُهُ مَسِيرَةُ خَمسُمِائَةِ سنةٍ فَجَرى هذا القَلَمُ بِقُدْرَةِ اللهِ وَكَتَبَ كُلَّ شَىءٍ يصيرُ في الدُنيا إلى يَوْمِ القيامَةِ، ثم خَلقَ بعْدَ ذلِكَ بِخَمسينَ ألفَ سَنَةٍ الأرْضَ والسماواتِ وَلَمْ يَكُنْ قَبلَ أنْ يَخْلُقَ اللهُ الليلَ وَالنهارَ نُورٌ ولا ظلامٌ ثم كُلُّ هذهِ الأشيَاءِ خَلَقَها اللهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَخَلَقَ الإنسَانَ ءَاخِرَ كُلِّ شَىءٍ من العالَمِ، بعدَ أن خُلِقَ كُلُّ أنواعِ العالَمِ خَلَقَ اللهُ ءَادَمَ أبا البَشَر عليهِ السلام.
خَلَقَ الأرضَ في يَوْمينِ الأحَدِ والاثنينِ، ثمَّ خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ السَّبْعَ الثلاثاءُ والأرْبَعاءُ، ثُم خَلَقَ في اليَومَيْنِ الآخَريْنِ مَرَافِقَ الأرْضِ الجِبَالَ والأشجَارَ وَالأنهارَ والبِحارَ، وَجَعَلَ في الأرضِ الأماكِنَ التي ينتَفِعُ بها الناسُ الأماكِنَ التي تَصْلُحُ لأِنْ يَسْلُكوها، ثم خلقَ اللهُ تعالى ءَادمَ ءَاخِرَ النهارِ العَصْرَ، أي ءَاخِرَ نهارِ يَومِ الجُمعةِ لأنَّ تلكَ الأيامَ السِّتَةَ كلُّ يَوْمٍ منها قَدْرُ ألفِ سنَةٍ بِحسَابِ أيامِنا هذهِ.
ءَادَمُ عليهِ السلامُ خُلِقَ من تُرابِ الأرضِ مَلَكٌ من الملائِكةِ رفعَ هذا التُرابَ بِأمرِ اللهِ إلى الجنةِ وَعُجِنَ بِماءِ الجَنَّةِ وَلم يَرِدْ مَنْ هوَ هذا الملَكُ الذي فعلَ ذلك يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ جِبْريلَ أو عَزْرَائيلَ أو غَيْرَهُما، وبقي هذا التُرابُ طِيناً مُدّةً ثم تَحوَّلَ شَيئاً يَابِساً جامِداً كالفَخّارِ ثم حَوّلَهُ اللهُ لحْماً وعِظاماً ودَماً، ثم أدْخَلَ فيهِ الرُّوحَ ثم عَلَّمَهُ اللهُ تَبَاركَ وتعَالى الكلامَ وأفاضَ على قلبِهِ فصَارَ يَعرِفُ أسماءَ كُلِّ شىءٍ ثم خَلَقَ اللهُ مِنْ ضِلعٍ مِنْ أضلاعِهِ حوَّاءَ وَزَوَّجَهُ إيَّاها، جعَلَها زوجَةً لهُ فعَاشَ ءَادَمُ في الجنَّةِ مِائةً وثلاثينَ سنَةً ثم أنزلَهُ اللهُ إلى الأرضِ وَعَلَّمَهُ أمُورَ المعيشَةِ، علَّمَهُ كيفَ يُزْرَعُ القَمْحُ ثم يُحْصَدُ ثُمَّ يُعْمَلُ منهُ الخُبْزُ وعَلَّمَهُ كيفَ يُسْتَخْرَجُ الحديدُ وكيف يُسْتَخْرَجُ النَّارُ وكيفَ يُعْمَلُ نقْدُ الذَّهَبِ ونَقْدُ الفِضَّةِ لِيَتَعامَلَ بِها النَّاسُ.
ثُم حَوَّاءُ وَلَدَتْ لهُ أربَعينَ بطناً في كُلِ بَطْنٍ ذَكَرٌ وأنثى وبَطْنٌ واحِدٌ وُلِدَ مُنفَرِداً قيلَ إنَّهُ شِيث، ثم هؤلاءِ توالَدُوا وكثُرَ عَدَدُهُم فبَلغَ عَدَدهُم في حياةِ ءَادمَ أربعينَ ألفاً لأنَّ ءَادَمَ عاشَ ألفَ سَنَة، المِائَةَ والثلاثينَ التي عاشَها في الجَنَّةِ وتَكْمِلَة الألفِ في الأرْضِ.
وأمرُ وِلاَدَةِ حَوَّاءَ هذا العَدَدَ ليسَ نصَّاً نَبَوِياً إنَّما هو خَبَرٌ من تَواريخِ الأُمَمِ
وَعَلَّمَ ءَادَمُ أوْلادَهُ الإيمانَ بِاللهِ وَملائِكَتِهِ وَعَلَّمَهُم أنَّ اللهَ يُرْسِلُ أنبيَاءَ يَدْعُونَ إلى دينِ اللهِ وعَلَّمَهُم أنَّ اللهَ يُنَزِّلُ كُتُباً على بعضِ الأنبِياءِ وعَلَّمَهُم أنَّهُ يأتي يَوْمٌ يُفنِي اللهُ فيهِ الإنسَ والجِنَّ، يموتُونَ ثم يُحْيِيهِمُ ثم النَّاسُ بَعْدَ ذلِكَ يُحاسَبُونَ، ثُمَّ المُؤمِنونَ بِاللهِ والأنبِياءِ الملائِكةُ يَسُوقُونَهُم إلى الجَنَّةِ، والكُفَّارُ يَسُوقُونَهُم إلى جهَنَّمَ ثم يعيشُ المؤمنونَ في الجنةِ أحياءً بلا موتٍ إلى ما لا نِهايَةَ لهُ، والكُفَّارُ يعيشونَ في جهنَّمَ إلى ما لا نِهايَةَ لهُ.
نارُ جَهَنَّمَ قَوِيِّةٌ ومع ذلكَ الكُفَّارُ لا يموتونَ فيها حالُهُمْ كما قالَ اللهُ تعالى {لا يَمُوتُ فيها َو لاَ يَحْيا} معْنَاهُ الكَافِرُ لا يَموتُ فيَذهَبَ إحسَاسُهُ بِالنارِ ولا يحْيا حياةً يَجِدُ فيها راحَةً
ءَادمُ كانَ نبيّاً وهو أوّلُ الأنبياءِ ثمَّ بعدَ مَوْتِهِ ابنٌ لَهُ يُقالُ له شِيث كانَ هو نبيَ زَمَانِهِ ثم بعد مَوتِهِ الله تعالى أرسَلَ نبياً اسمُه إدريسَ، ثم بعد ذلكَ أنبياءَ كثيرينَ وءاخِرُهُم نبيُنا محمدٌ، بعدَه لا يأتي نبيٌ ءَاخَرُ إلى يومِ القيامةِ. وعيسى عليهِ السلامُ أُرسِلَ قبلَ نبينا محمدٍ ومُدَةُ ما بينَه وبينَ سيدِنا محمدٍ سِتُمِائَةِ سنةٍ، ثم هؤلاءِ الأنبياءُ كلٌ منهم اللهُ أخذَ علَيهِ عهداً بأنهُ يجبُ أن يُؤمنَ بمحمدٍ إذا ظهرَ ويَنصُرَهُ، اللهُ يَعْلَمُ بأنَّ محمّداً يأتي بعدَ كُلٍّ مِنهُم لكنْ إكراماً له وإظْهاراً لِشَرَفِهِ عَلى جميعِ خَلْقِهِ أَخَذَ مِنْ كُلِّ نبيٍ عَهْداً بِأنَّهُ إن جاءَ محمدٌ وأنت حيٌّ تؤمِنُ به وتَنصُرُهُ فكان كلُّ نبي يَعْلَمُ أنهُ سيأتي نبيٌّ اسمُهُ محمدٌ عليهِ السلامُ
أيُّ نَبِيٍ يُذْكَرُ يُسَنُّ أن يُقَالَ عِندَ ذِكْرِهِ عليهِ السّلامُ أو عليهِ الصّلاةُ والسلامُ سِراً او جَهْراً. ءَادَمُ عليهِ السلامُ فَضْلُهُ عَظِيمٌ هو عَلَّمَ النَّاسَ الدينَ وَهُوَ أبو البَشَرِ، الذُّكورُ والإناثُ يَرجِعونَ إليهِ، هو سَبَبُ وُجُودِهِم وهو عَلَّمَهُمُ اللُّغاتِ التي يَتكلَّمُ بها البَشَرُ كلَّها وهو عَلَّمَ أوْلادَهُ الإسلامَ وأمورَ المَعيشةِ، ليسَ الأمرُ كما تقُولُ النّصَارَى، النّصَارَى ظَلَموا ءادَمَ وأساءُوا القَوْلَ فيه، يَقُولونَ إنَّ عيسَى فَدَى نَفْسَهُ لأِجْلِ أن يَمْحُوَ اللهُ خَطِيئةَ ءَادمَ عنِ البَشَرِ ومُرَادُهُم بِقَولِهِم فَدَى نَفْسَهُ أيْ تَرَكَ نَفْسَهُ يُقْتَلُ، أي تَرَكَ اليَهودَ يَقْتلُونَهُ مع أنَّه كانَ مُسْتَطِيعاً أنْ يَمنَعَ اليهُودَ مِنْ قَتْلِهِ وَمَعَ ذلِكَ تَركَهُم وهَذا افتِرَاءٌ. خَطِيئةُ ءَادمَ كانتْ الأكلَ مِنَ الشّجَرةِ التي نُهِيَ عنها ثم هو وزَوجتُه وهى معصية صغيرة لا خسّة فيها تَابا فتَابَ اللهُ علَيْهِما. ثم يُقالُ لَهُمْ الأبُ لا يُؤَاخَذُ بِذَنْبِ ابْنِهِ والابنُ لا يُؤاخَذُ بِذنْبِ أبِيه إنَّما كلٌ يُؤَاخَذُ بِعَمَلِهِ. فالذي يَنْتَقِصُ ءَادمَ عليهِ السلامُ فهو كافِرٌ كما أنَّ الذي يَنْتَقِصُ سَيدَنا مُحمداً كافِرٌ وأيُ نَبِي مَنِ اْنتَقَصَهُ فهو كافِرٌ
وَمِنَ الدَّليلِ على أنَّ البَشرَ كلَّهم كانوا على الإسلامِ قَوْلُ اللهِ تَعَالى {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبيينَ مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرين} أيْ كَانوا كلُّهم على دِينٍ وَاحِدٍ هو الإسْلامُ ثم اخْتَلَفوا وبَعْدَ أن اخْتَلَفوا بِأنْ اتخَذَ بَعضُهُم دِيناً غيرَ الإسْلامِ بَعَثَ اللهُ النَّبيينَ مُبَشِّرِينَ مَنْ ءَامَنَ بِالجَنَّةِ وَمَنْذِرينَ مَنْ كَفَرَ بِالنَّارِ

قالَ اللهُ تعالى:"وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حَتّـٰى نَعْلَمَ ٱلمُجَـٰهِدِينَ مِنْكُمْ وَٱلصّـٰبِرِينَ"[سورة محمد/31]

قالَ اللهُ تعالى:"وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حَتّـٰى نَعْلَمَ ٱلمُجَـٰهِدِينَ مِنْكُمْ وَٱلصّـٰبِرِينَ"[سورة محمد/31]
مَعنَاهُ: أنّ اللهَ يبتلي عبادَه حتى يُظهِرَ ويُمَيِّزَ لعبادِه مَنْ هو الصّادقُ المجاهِدُ الذي
يَصبِرُ على المشَقّاتِ,ومَنْ هو غيرُ الصّادقِ الذي لا يَصبِر ،
وليسَ معناهُ أن اللهَ لم يكُنْ عالمًا مَنْ يُجاهِدُ ويصبِرُ فيبتلي النّاسَ لينكشِفَ له ذلك،
ليسَ هذا المعنى، فاللهُ لا يَخفَى عن عِلمِهِ شىء.
الله تعالى يَعلَمُ بعلمِهِ الأزليّ كلّ شىءٍ ،يَعلمُ ما كانَ وما يكونُ وما لا يكون.
قال تعالى:"وَأنّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىءٍ عِلمًا"[سورة الطلاق/12].

والوزن يومئذ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون

الله تعالى يقول: (( والوزن يومئذ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون(8) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون(9))) سورة الأعراف ،
يوضع الميزان يوم القيامة وهو جرم كبير له قصبة وعمود وكفتان ، كفّة للحسنات و كفّة للسيئات، فتوزن عليه أعمال العباد، والذي يوزن هو الصحف التي كتبها الملكان رقيب وعتيد، هذان الملكان اللذان لا يفارقان الإنسان إلا في حالتين: لما يدخل الخلاء ليقضي حاجته ولمّا يأتي زوجته، و حتى في هاتين الحالتين الله تعالى يطلع الملكين على فعل العبد وعلى قوله وعلى نيته،
والذي يزن الأعمال جبريل ويعاونه ميكائيل عليهما السلام، فالكافر توضعُ سيئاته في كفة ولا يوضع له شىء في كفة الحسنات، إذ لا حسنات له في الآخرة ، لأنه أضاع أعظم حقوق الله على عباده ، ألا وهو الإيمان بالله تعالى وحده و برسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الإيمان بالله والرسول عليه الصلاة و السلام، شرط لقبول الأعمال الصالحة
كما قال الله تبارك و تعالى: (( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أوأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون نقيرا )) سورة النساء 124 ،
ويقول عليه الصلاة والسلام: ( إن الكافر ليطعم بحسناته في الدنيا فإذا أفضى الى الآخرة لم يكن له فيها نصيب ) الكافر مهما فعل في الدنيا ، من إطعام فقراء وإغاثة ملهوفين وإعانة محتاجين ، فإن ذلك لا ينفعه في الآخرة
فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( قلت يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) فاعتبر الرسول عمل عبد الله بن جدعان من التصدق على المحتاجين وصلة الرحم و غير ذلك غير نافع له ، لأنه لم يكن يؤمن بالله، كان عبد الله بن جدعان في بدء الأمر مفسدا في مكة فطرده أبوه، قال له أنت لست ابني، فكره الحياة فذهب إلى جبل فوجد شقا فقال لعلَّ في هذا ثعبانا يقتلني، فوجد ثعبانا عيناه تلمعان فظنه ثعبانا حقيقيا فاقترب فوجده ثعبانا من ذهب إلا عيناه من لؤلؤ، فطمع في الحياة و رجع إلى قومه فصار يبذل المال و يطعم المساكين فلم ينفعه شىء لأنه لم يكن مؤمنا ،
أما المؤمن فتوضع حسناته في كفة و سيئاته في الكفة الأخرىفإن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة من غير سابق عذاب لقوله تعالى : ((فأما من ثقلت موازينه(6) فهو في عيشة راضية(8)))سورة القارعة.
وأما من تساوت حسناته و سيئاته فهو من أهل النجاة أيضا لكنه يؤخر برهة عن دخول الجنة ثم يدخلها يكون على الأعراف على أعلى سور الجنة، فالجنة لها سور يحيط بها و سورها عريض واسع، يقول الله تعالى: (( وعلى الأعراف رجال ))سورة الأعراف 45،
وأما من رجحت سيئاته على حسناته فهو تحت مشيئة الله ، إن شاء غفر له و إن شاء عذبه ثم أدخله الجنة، ولكنه لا يخلد في جهنم فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: ( فإن الله حرم على النار -أي على الدوام والخلود فيها- من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام ( يخرج من النار من قال لا اله إلا الله و في قلبه وزن ذرة من إيمان ) معناه عنده أقل الإيمان الواجب أي مات على الإسلام.
نسأل الله تعالى حسن الختام و الموت على دين الإسلام إنه على كل شىء قدير.

الماء اول المخلوقات

الماء اول المخلوقات
بيان ان حديث جابر عن اولية النور موضوع
روى ابن حبّان وصححه من حديث أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرّت عيني فأنبئني عن كل شىء، قال: "كل شىء خلق من الماء"، وفي لفظ: "أن الله تعالى خلق كل شىء من الماء".
وروى السُّدّي في تفسيره بأسانيد متعددة عن جماعة من أبناء الصحابة: "إنّ الله لم يخلق شيئًا مما خلق قبل الماء". ففي الحديث الأوّل نصّ على أنّ الماء والعرش هما أوّل خلق الله، وأما أنّ الماء قبل العرش فهو مأخوذ من الحديثين التاليين.
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه: "قال الطيبي: هو فصل مستقل لأن القديم من لم يسبقه شىء، ولم يعارضه في الأولية، لكن أشار بقوله: "وكان عرشه على الماء" إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل خلق السموات والأرض ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء" اهـ.
وفي تفسير عبد الرزّاق عن قَتادة في شرح قوله تعالى:﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾ [سورة هود/7] ما نصّه: "هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض".
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾ [سورة هود/7] قال: "قبل أن يخلق شيئًا".
فإن قيل: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوّل ما خلق الله تعالى نور نبيّك يا جابر، خلقه الله من نوره قبل الأشياء"؟،
فالجواب: أنه يكفي في ردّ هذا الحديث كونه مخالفًا للأحاديث الثلاثة الصحيحة السابقة، وأما عزو هذا الحديث للبيهقي فغير صحيح إنما ينسب إلى مصنّف عبد الرزّاق ولا وجود له في مصنّفه بل الموجود في تفسير عبد الرزاق عكس هذا، فقد ذكر فيه أنَّ أوّل الأشياء وجودًا الماء كما تقدّم.
وقال الحافظ السيوطي في الحاوي: "ليس له ـ أي حديث جابر ـ إسناد يُعتمد عليه". اهـ.
قلت: وهو حديث موضوع جزمًا، وقد صرّح الحافظ السيوطي في شرحه على الترمذي أنّ حديث أولية النور المحمّدي لم يثبت.
وقد ذكر عصريّنا الشيخ عبد الله الغماري محدّث المغرب أن عزو هذا الحديث الموضوع إلى مصنّف عبد الرزّاق خطأ لأنه لا يوجد في مصنّفه، ولا جامعه ولا تفسيره، والأمر كما قال.

فائدةٌ في قوله تعالى "سندعُ الزبانية"

فائدةٌ في قوله تعالى "سندعُ الزبانية"

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وليّ التّوفيق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وتابعيهم من أهل التحقيق والتّدقيق ، وبعد :

فإن المسلمين لا يعتقدون في الله وهناً ولا كسلاً ولا حاجةً لمخلوق، فهو تبارك وتعالى قادرٌ قاهرٌ قويٌ عزيز "لا يُسأل عما يفعلُ وهُم يُسألون"، فلا يجوز اعتقاد حاجة الله لأي من خلقه ملكاً كان أم ذرة تراب وإنما كل خلقه تبارك وتعالى في حاجته وتحت قهره وقدرته . والظاهرُ الجليّ لأهل الفهم المتدبرين العارفين بأصول اللغة أنَّ كل ما ورد في حقّ الله في القرءان الكريم خلافاً لما سبق فإنه يؤخذ بقواعدَ لغويةٍ، والأصل أن يُتدبَّر القرءان تبعاً لها، فلا يقرأ جاهلٌ آية ظاهرها يوهم حاجة الله لأحد خلقه ومن ثم يعتقد أن الله يحتاج خلقه فهذا الكفرُ بعينه .

وقد ورد في القرءان الكريم في قصّة أبي جهل مع رسول الله لمّا نهاه عن الصلاة عند المقام (أبو جهل نهى الرسول)، فتوعّده الرسول وأغلظ عليه، فقال أبو جهل : علامَ يتوعدني محمدٌ وأنا أكثر أهل الوادي نادياً ؟ أي مجلساً وأهلاً ، فنزل في حقّه قوله تبارك وتعالى : "كلّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسفَعَا بالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ *سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة" (15-17) - سورة العلق .

فإن كانَ أبو جهلٍ بحاجَةٍ لأن يدعوَ ناديَه وعشيرته، فهل يحتاجُ الله لأن يدعو زبانيته ؟ كلّا وإنما الحاصلُ أن الله أراد أن يُعامِله بمقدارِ جهله وإلا فهو قادرٌ على أن ينتقم منه فكل أمر أراده فهو حاصل لا يمانعه احد.

وإنّ في هذه الآية دليلاً على منكري التأويل فإن الله تبارك وتعالى لابد وأنه موصوف بكلّ كمال يليق به فكيف سيفسر الجاهلون دعوة الله لزبانيته إلا أن يكون التفسير كما تقدّم ؟

والله تبارك وتعالى أعلم .

شرح قول الله تعالى ((اليومَ أكملتُ لكم دينَكم))

شرح قول الله تعالى ((اليومَ أكملتُ لكم دينَكم))

 ثبَت في (صحيح البخاري) أن قول الله تعالى في سورة المائدة ((اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضِيت لكم الإسلامَ دينا)) نزَل بعد الهجرة، نزَل يومَ الجمعة ورسولُ الله حاجٌّ قائم في عرفة،وأن رسولَ الله لم يَحُجَّ بعد الهجرة إلّا حَجَّةً واحدة لم يَحُجَّ بعد الهجرة غيرَها، وهي هذه الحَجَّةُ، حَجَّةُ الوَداع،كانت في السنة العاشرة للهجرة.
.
يقول الله تعالى في سورة المائدة ((اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضِيت لكم الإسلامَ دينا))هذه الآية نزَلت في السنة العاشرة للهجرة قبل وفاة الرسول بثمانينَ يوما تقريبا، نزَلت في حَجَّةِ الوَداع التي ما عاش رسولُ الله بعدَها إلّا نحوَ ثمانينَ يوما..
ومعنى الآية أن قواعد الدِين أكمَلَها الله لعباده ولم يبق بعد هذا إلّا الفروعُ، فهي تؤخذ من القواعد.. فالمجتهد يستطيع أن يستخرج الأحكامَ من القرءان والحديث
.
ويقول الطبري في (تفسيره) عند شرحه لهذه الآية :[وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال :{إن الله أخبر نبيه، صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين به أنه أكمل لهم يومَ أنزَل هذه الآيةَ على نبيه دينَهم بإفرادِهم بالبلد الحرام وإجلائهِ عنه المشركين حتى حجَّه المسلمون دونَهم لا يخالطُهم المشركون}..انتهى.

وقال القرطبي في (تفسيره) عند شرحه للآية :قال الجمهور :{المراد معظمُ الفرائض والتحليلِ والتحريمِ لأنه قد نزل بعد ذلك قرءان كثير، ونزلت ءاية الربا ونزلت ءاية الكَلالة إلى غير ذلك، وإنما كمَل معظمُ الدِين وأمرُ الحج إذ لم يطف معهم في هذه السنة مشرك ولا طاف بالبيت عُريان ووقف الناس كلُّهم بعرَفة}انتهى

يقول الله تعالى في سورة البقرة ((واتقوا يوما تُرجَعونَ فيه إلى الله ثم تُوَفّى كلُّ نفس ما كسَبَت وهم لا يظلَمون)).هذه الآية هي ءاخر ءاية نزلت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل بعدها قرءان.

عِلمُ التّوحيدِ يُقالُ لهُ عِلمُ التّوحيدِ وعِلمُ الكَلام وعِلْمُ العقيدةِ وعِلمُ أصُولِ الدّين



قال شيخنا رحمه الله
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ وصلّى الله على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى جميع إخوانِه الأنبياء وسلَّم،.عِلمُ التّوحيدِ يُقالُ لهُ عِلمُ التّوحيدِ وعِلمُ الكَلام وعِلْمُ العقيدةِ وعِلمُ أصُولِ الدّين كُلُّ هذا أسَامي لهذا العِلم وسمّاهُ أبو حَنِيفَة الفِقْهَ الأكبر، لأنّه ألّفَ خَمسَ رَسائلَ أشهَرُها كتابُ الفِقْهِ الأكبر والثّاني كتابُ الفِقْهِ الأبْسَط والثّالث كتابُ الوَصِيَّة والرابع كتابُ العَالِم والمتعَلّم والخامسُ رسالةُ عثمانَ البَتِّي، رسالةُ أبي حَنيفة لعُثمانَ البَتِّي، هذا عثمانُ البتِّي كانَ مِنَ المجتَهِدين كالشّافعي ومالكٍ وأحمد، أبو حنيفةَ ألَّف لهُ رسالةً باسمِه في العَقيدة، هذه الرسائلُ الخَمس هي مؤلفاتُ أبي حنيفةَ في العقيدة، في التّوحيد، لأنّه في أيّامِه كانت المعتزلةُ قائمةً بنَشاطٍ في العِراق ولا سِيَّمَا في البَصرة، كانت البصرةُ مُبْتَلاَةً بمتَكلّمِي المعتزلة. وللشّافعي أيضًا فيه كلامٌ ردًّا على المعتزلةِ وكذلك مالكٌ لهُ رسالةٌ في الرّدِّ على المعتزلة، وقبلَ هؤلاء الخليفَةُ الرّاشِد عمرُ بنُ عبدِ العَزيز له رسالةٌ في الرّدّ على المعتزلة لإبطالِ مَزاعِمِهم بالحُجَج النّقليّةِ والعَقليّة،. فإذا قيلَ عِلمُ الكَلام مُرادًا به ما عليهِ أهلُ السُّنة مِن العقائد إنّما سُمِّي عِلمَ الكلام لأنَّ مِن أعظمِ مسائلِ هذا العِلم إثبات كلامِ اللهِ تَعالى مِن غَيرِ تَشبِيه، لأنّ النَّاسَ افترَقوا ثلاثَ فِرَق في مسألةِ الكلام، قِسمٌ مِن النَّاس قالوا اللهُ متكلِّمٌ بكلامٍ يَخلُقُه في غَيره لا بكلام هو صفة قائمة بذاتِه، هؤلاء المعْتزلةُ فكانَ أكثَرُ الرَّدِّ علَيهم، فكَانَ أكثَرُ الرّدِّ في هذا العِلم مِن قِبَل أهلِ السُّنَّة الذينَ ألّفوا في العقيدةِ أو درَّسُوا الرَّدَّ على المعتزلةِ لأنّهم يَنفُونَ عن اللهِ تَعالى الكلامَ صفة لهُ، يقولونَ اللهُ متَكلّم لا بكلامٍ هو قائمٌ بذاتِه بل بكلامٍ يخلُقُه في غَيرِه قالوا خَلَقَ الكَلامَ في الشّجَرةِ التي كانَ موسَى عندَها فسَمِع موسَى ذلكَ الصّوتَ، ما سمِعَ كَلامًا قائِمًا بذاتِ اللهِ لأنَّهم يرَونَ إثباتَ صِفَةٍ للهِ تَعالى قائمَةٍ بذاتِه قَولا بتَعَدُّد الإله، على زَعمِهم إذا قِيْلَ اللهُ مَوجُودٌ أزليٌّ ولهُ صِفاتٌ مَوجُودَةٌ أزليّةٌ بأزليَّةِ الذّات، يرَونَ أنّ هَذا تَعديدٌ للقُدَماء بمعنى أنّ هذا فيهِ إثباتُ آلهةٍ، يقُولونَ في تَشنِيعِهم على أهلِ السُّنّة يقولونَ النّصارى ثَلَّثَت وأنتُم زِدْتُم على الثّلاثِ قبَّحَهُم اللهُ تَعالى، يُشنّعونَ على أهلِ الحَقِّ، مع أنَّ ما يَنسبوه إليهم لا يَلزَمُهم لأنّهم لا يقولونَ بذَواتٍ متعَدِّدين قُدَماء، هذا الذي يَلزَمُ منهُ القَولُ بتَعدُّدِ الإلهِ، أمّا ما عليهِ أهلُ الحقِّ مِن إثباتِ ذاتٍ واحِدٍ مُتَّصِفٍ بصِفاتٍ أزليّةٍ أبديّةٍ لا هيَ عَينُه ولا هيَ غَيرُه هذا لا يَلزمُ منهُ إثباتُ ذواتٍ قُدَماءَ بل هذا إثباتُ ذَاتٍ واحِدٍ مُتّصِف بنُعُوتٍ قَديمةٍ بِقِدَم الذّاتِ لا تُفَارِقُ الذّاتَ لأنّها أزليةٌ أبديَّةٌ، فهم أي المعتزلةُ عَمَّمُوا هذا النّفيَ حتّى قالوا عالمٌ بنَفسِه وأحيانًا يقولونَ لنَفسِه لا بعِلْمٍ كمَا قالوا قَادرٌ بنَفسِه أو لنَفسِه لا بِقُدرةٍ وكما قالُوا شَاءٍ بذاتِه أو لِذاتِه لا بمشيئةٍ وكذلك قالوا في العِلم، فلَمَّا كانَ أكثرُ الكلامِ مع هؤلاءِ الضَّالّين المعتزلةِ في مسألةِ الكلام سُمِّيَ هذا العِلْمُ علمَ الكلام، وبالنّسبَة لأهلِ السُّنَّة معنى عِلْم الكَلام العلمِ الَّذي يُثْبَتُ به كلامُ الله على أَنَّهُ نَعْتٌ لهُ لا على معنى البِدعِيّيْن أنّهُ شَىءٌ قائمٌ بغَيره، كلامُ الله عندَ المعتزلة شَىءٌ قائمٌ بغَيره لا يَعتَقدونَ أنَّ اللهَ تَقومُ بذَاتِه صِفَةُ الكلام وكذلكَ سائرُ النّعُوتِ لا يُطلِقُونها يقولونَ هوَ عَالم هو قادرٌ هو سميعٌ هوَ بَصيرٌ هوَ متَكلّمٌ لكن لا يقولونَ إنّه عالم بعِلمٍ متكَلّمٌ بكلام قائمٍ بذاتِه مُريدٌ بإرادةٍ قائمةٍ بذاتِه هذا عندَهم إشْراكٌ، بلاءٌ على المسلمينَ هؤلاء المعتزلة، أنا أعجَب ممن يُدرّسُ في كتاب الزَّمَخْشَري في تفسيره، أُناسٌ مشَاهير مِن أهل السُّنَّة كانوا يَشْتَغِلونَ بإقرائِه للنّاس، مع أن الزّمخشريَّ ليسَ فَصيحًا بالسَّلِيقَة، دَرسَ النّحو، وطالَع كُتُبَ اللّغة، أمّا النَّحوُ والبَلاغَة ليسَا سَلِيقةً له، أي ليسَا طَبِيعَةً  لهُ. كانَ يَنقُل مِن كتُبِ أهلِ السُّنَّة ككتابِ سِيْبَوَيْه وغَيرِه مِن عُلَماءِ النَّحْو واللُّغَة، ثم صارَ بتَنسِيْقِ الألفاظِ يُوهِمُ النّاسَ أنّهُ بَارعٌ في اللّغة، في النَّحْو، وهوَ ليسَ ببَارعٍ لا في اللّغةِ ولا في النَّحْو، لكن مَا هذه الفِتنَة، أُنَاسٌ مَعرُوفونَ مِن أهلِ السُّنَّة والجمَاعةِ يَذكرُونَه في كتُبِهم، كأنّهم ما قَرأوا لهُ تَرجَمةً ما عَرفُوا حَالَهُ إنّما اقتَصَرُوا على ما اشتَهَر بهِ مِن أنّه بارعٌ في اللّغةِ والنّحْو والبَلاغَة، انخَدَعُوا، لكن السّبكيّ كانَ يُقْرئُ في تَفسيرِه الكَشّاف حتّى وصَلَ إلى سُورَة التّكوير فلَمّا رأى ما وجَدَ فيهِ ممّا هوَ مِن شَنائِع المعتَزلةِ نفَرَ قَلبُه فقَطَع تَدريسَ هذا الكتاب وألَّفَ رِسالَةً سمَّاها سَبَبُ الانْكِفَافِ عن إقْرَاءِ الكَشَّاف، الفِرقَةُ الثّانيَةُ قالُوا كَلامُ الله بحَرفٍ وصَوتٍ كمَا هو بالنّسبَة لنا، ككَلامِنا بحَرفٍ وصَوت، قالوا بحُروفٍ مُتَعاقبَةٍ أي يَنطِقُ بهذا الحَرفِ ثم بالذي يَلِيه ثمّ بالذي بعدَ ذلكَ كمَا هو بالنّسبَة للبَشر، هؤلاء يُقالُ لهمُ المشَبّهةُ، لأنّهم شَبَّهُوا اللهَ بخَلقِه، وهؤلاء كانوا على أحْوالٍ شَتّى بَعضُهم أوقَحُ في التّعبِير مِن بَعض، بعضُهم بلَغَ إلى أن قالَ هذه الحروفُ المنقُولَةُ في المصحَف أزليَّةٌ وزادَ بعضُهم على ذلكَ بقَولِ إنّ الأوراقَ التي كُتِبَ عليها أزليّة، وهذا في الحقيقةِ خُروجٌ عن مقتَضَى العَقلِ كما أنّه خُروجٌ عن الشّرع، اللهُ تَعالى أَنزلَ في كتابِه آيةً مُحْكمَةً تَمنَعُنا مِن أن نَقِيسَه على خَلقِه في الكلام وفي العِلم وجميعِ نُعُوتِه،((ليسَ كمِثلِه شَىء)). وَنَصَبَ لنا أدلَّةً عَقليّةً تَمنعُنا عن أن نَنعَتَهُ بشىءٍ حَادث لم يكن قائمًا بذَاتِه ثمّ قام بذاته، هؤلاءِ يُعتَبَرونَ ضَالّينَ كما تُعتبَرُ المعتزلةُ ضَالّين.الفَريق الثّالِثُ هُم أهْلُ السُّنَّة والجماعَة قالوا اللهُ متكلّمٌ بكلام هو نَعْتٌ أي في الأزلِ لا يتَغيّرُ وليسَ بحُروف وأصواتٍ، وقالوا إنّ الكتُبَ المنـزَّلةَ على الأنبياء ألفَاظُهَا مخلوقةٌ لله أمّا ما هيَ عِبارةٌ عنهُ ذاكَ الكلامُ الأزليّ الَّذي هو نَعْتٌ مِن نعُوتِ اللهِ الذّاتيّة، هكذا يُفَصِّلُ أهْلُ الحَقّ.
أهلُ الحقّ قالوا كلامُ اللهِ نَعتٌ قائمٌ بذاتِه كسَائر نعُوتِه الذّاتيّةِ وأرَادُوا بذلكَ الكلامَ الذّاتيَّ الَّذي هذه الحروف المُنَزَّلةُ عِبارةٌ عنه ليسَت عَينَه.ولم يَطعَن إمامٌ مُعْتَبَرٌ في هذا العِلم الَّذي هو مقصَدُ أهلِ السُّنَّة والجمَاعةِ مِنَ السَّلَفِ والخلَف، هذا لا يَثبُتُ، الطَّعْنُ والتّشنِيعُ عليهِ مِن إمامٍ ومِن عَالمٍ مُعتَبَر، وما يُرْوَى عن الشّافعِيّ أنّه قال: "*لأَنْ يَلْقَى اللهَ العَبدُ بكُلِّ ذَنْبٍ ما عَدَا الشِّرْك خَيْرٌ لهُ مِن أن يَلقَاهُ بِعِلْم الكَلاَم*" هذا اللّفظُ غَيرُ ثَابتٍ عن الشّافعِيّ، اللّفظُ الَّذي هوَ ثابتٌ عنهُ هو: "*لأنَ يَلْقَى اللهَ العَبْدُ بِكُلِّ ذَنبٍ ما عَدا الشّرك خَيرٌ لهُ مِن أن يَلقَاهُ بشَىءٍ مِن هذِه الأَهْواء*" الأهواءُ جَمْعُ هَوى وهوَ ما تَعَلَّقَ به البِدْعِيُّونَ مِن مُعتَزلةٍ وشِيعَةٍ وخَوارج ومُرْجِئةٍ ونَجّاريّةٍ وغَيرِهم وهم اثنَتانِ وسَبْعُون فِرْقَة، والمعتزلةُ عِشرُونَ فِرقةً والشِّيْعَةُ كذلك، ثمّ الخوارجُ أيضًا كذلكَ عِشرُونَ فِرقَة وتَتِمَّةُ الاثنتَينِ والسَّبعِين يكونُ منَ النّجّاريّةِ والمرجئةِ وأشبَاهِهم.الأهواءُ جمعُ هوى فكُلُّ عقيدةٍ حدَثَت بعدَ السَّلَف، بعدَ الصَّدْر الأوّل الصّحابةِ ومَن تَبعَهُم تُسمَّى الأَهْواء، الشِّيعَةُ حدَثت في عهدِ سيّدنا عليّ والاعتزالُ حدَث في وقتٍ قريبٍ مِن ذلكَ وعقيدةُ الخَوارج كذلكَ في عَهدِ عليّ حَدثت، أمّا سائرُ الفِرَق حدَثت بعدَ ذلك، هؤلاء همُ الأهواء، الشّافعيّ لما قال بشَىءٍ مِن هذه الأهواء يَعني به مسَائلَ هؤلاءِ البِدعِيّينَ الذينَ خَالَفُوا السَّلَف الصّحابةَ ومَن على مَذهَبِهم في الاعتقاد، هذا مَقْصَدُ الشّافِعيّ، لهذا أورَدَ البَيهقيُّ بإسنادٍ مُتّصِل إلى الشّافعي وكذلكَ غيرُه، أمّا العِبارةُ الأخرى لم تَثبُت، ما أَحَدٌ أَوْرَدهَا بإسنادٍ مُتَّصِل، أمّا ما حدَث مِن الاختلافِ بينَ أهلِ السُّنَّة مِنَ القَولِ بأنَّ صفاتِ الأفعال حَادثة أو ليسَت بحادثة بل قديمة فَهذا لا ضَيْرَ فيه على كِلاَ الفَريقَين، مَن قال إنّها حادثةٌ لا ضَيْرَ عليهِ لأنّه لا يَعني أنّ صِفةً منها حدَثَت في ذاتِ الله، بل كلٌّ منهُم مُوافِقُونَ للفَريق الآخَر بأنّ اللهَ لا يتّصِفُ بشَىءٍ لم يكن مُتّصفًا به في الأزل، أي لا تتَجَدَّدُ لهُ صِفَةٌ.الجميعُ اتّفَقُوا على أنّ اللهَ لا تتَجَدَّدُ لهُ صِفةٌ أي لا يَقُومُ بهِ نَعتٌ لم يكن قائمًا بذاتِه في الأزل، عِلمُه تَعالى قائمٌ بذاته في الأَزل والأبد كذلكَ جميعُ نُعُوتِه قائِمَةٌ بذاتِه في الأزل والأبَد، ليسَت حادثةً في ذاتِ الله بعدَ أن لم تكن، فصفَاتُ الأفعالِ عندَ الفَريقِ الذينَ قالوا إنَّها حَادثةٌ لا يَعنُونَ بذلكَ أنّ اللهَ اتّصَف بها بعدَ أن لم يَكن مُتَّصِفًا بها، بل يَعنُونَ بذلك أنَّها مِن مُتَعَلَّقَات القُدْرة الأَزليّةِ أي مِن آثار القُدْرَة، وهيَ كثيرةٌ، صِفاتُ الأفعالِ كثِيرةٌ لا تَدخُلُ تحتَ الحَصْر إمَاتَةُ اللهِ للأشياء وإحياءُ الأشياءِ وإسْعَادُهم وإشقاؤُهُم ورَزْقُهُم ونحوُ ذلكَ كُلٌّ يُقالُ لهُ صِفاتُ الأفعال، هذه الصّفاتُ هيَ التي اختَلَف فيها عِباراتُ المتكلّمينَ المتقَدّمين ومَن تَبعَهُم، أبو حنيفةَ وأصحَابُه كانوا عُرِفُوا بأَنَّهُم يَعتقدونَ أنَّها أزليَّة كذلكَ البُخَاري في صحِيحِه في كتاب التّوحيد الَّذي هو آخِرُ الكتاب يقول فيه فِعْلُ اللهِ صِفَةٌ لهُ في الأزل والمَفْعُولُ حادِثٌ، مخلُوق، وكذلكَ أبو حنيفةَ كانَ يقولُ مثلَ ذلك.أمّا الأشاعرَةُ المتَقدّمونَ منهم كثيرٌ منهم كانوا على هذا وبَعضٌ منهم قالوا صِفاتُ الأفعال ليسَت صِفاتٍ قائِمة بذاتِ الله هي آثارُ القُدْرَة فهيَ حَادثة. قالوا صفاتُ الفِعل آثارُ القُدرة ليسَت نُعُوتًا قائِمَةً بذاتِ الله. وكلا الفَريقَين لا يقولُ بقِيام صِفةٍ حَادثةٍ في ذاتِ الله هذا مَحلُّ اتّفاقٍ فإذًا لا ضَيْرَ على هؤلاء ولا على هؤلاء، مَن قال إنها أزليّةٌ أبديّةٌ لا بأسَ عليه ومَن قال إنّها حادثةٌ ليسَت قائمةً بذاتِ الله، ليسَت ممّا اتّصفَ اللهُ بها بَعدَ أن لم يكن متّصِفًا بها، بل هيَ آثارُ القُدْرة الأزليّة الأبديّة.

الاثنين، 29 أكتوبر 2018

طلب العلم على الوجه الشرعي



طلب العلم على الوجه الشرعي 
===================
الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن،والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمّد أشرف المرسلين وحبيب رب العالمين، وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين
أما بعدُ،
فاعلموا أن الذي يطلب العلم على الوجه الشرعي، بأن يطلبه من أهل المعرفة الثقات، اعلموا أن هذا السير الذي هو عليه هو نِعم السير، وليس على طريقة كثير من الناس اليوم وهي الطريقة التي فيها خلل، فالعلم يؤخذ بالسماع من فم العالم أو يَقرأ عليه، الطريق النافع أن يسمع الطالب من فم العالم أو يسمع العالم الطالب وهو يقرأ عليه الكتاب فيقره العالم. الحافظ أبو سعيدٍ العلائي خليل بن كَلْكَيْدي هو أحد مشايخ الحافظ زين الدين العراقي تلقى الحديث عن ستمائة عالم سماعا أي يقرأ العالم المحدث عليه ثم هو يسمع، الطريق الأفضل في تلقي العلم هو السماع من لفظ العالم مع تفهُّم المعاني ولا سيما الحديثَ و القرآن. القرءان إذا سمع الطالب من لفظ المقرئ هذا أفضل والطريق الثاني أن يقرأ الطالب والمقرئ يسمعه فيقره، الحمد لله الذي وفق أحبابنا في جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية إلى هذا المنهج الصحيح الذي كان عليه العلماء الماضون من السلف والخلف.
ومن فساد طريق التلقي اليوم عند أكثر الناس كثر التحريف والافتراء على الدين والفساد وإدخال أشياء في الدين مما ليس فيه، هؤلاء عملهم كعمل من يقول: أنا أعطيتك هذه الأوراق أو هذه الكراريس فافهمها ثم تَعرِضُ علي فأكتب لك صحَّ أم لم يصح هذا غش هذا خلاف النصيحة، ثم عند أولئك اليوم في كثير من البلاد سبب ءاخر للغَش وهو الجشع في حب المال مع الفقر الذي أصابهم. قال أحد المشايخ في الأزهر منذ ثلاث سنوات: صار في كثير من الأحيان الآن الدكتوراة والماجستير تُحصل بالمال، من هنا كثر التحريف للدين، كثير من المشاهير اليوم تخرجوا من كليات مشهورة باسم أنها تعلم الدين وهم لا يعرفون شيئًا عن الدين، وكذلك أناس تخرجوا من كليات أخرى أيضًا هم على هذا الحال، الكسل ينافي تحصيلَ العلم، تحصيلُ العلم لا يتفق مع الكسل، المحدثون لا يعتبرون محدثًا من لم يتلقَ من أفواه المحدثين، كذلك الفقه لا يكون الشخص فقيهًا إن لم يتلق العلم من أفواه الفقهاء. هذا الحافظ الخطيب البغدادي قال: الذي لا يأخذ العلم من أفواه العلماء لا يسمى عالما ولا يسمى الذي يقرأ من المصحف من غير سماع من القارئ قارئًا، إنما يسمى مصحفيا لا يسمى قارئًا هذا من ضعف الهمة ،من كان قوي الهمة لا يعتمد على مطالعة نفسه إلا على التلقي من أهل المعرفة.
انظروا أيها الأحبة جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة إلى مصر لأنه بلغه أن صحابيًا اسمه عبد الله بن أُنَيس كان مقيمًا بمصر روى حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك لم يسمعه سافر ليسمع منه فلقيه فقال له : أنت سمعت كذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأقره ذلك الصحابي أنه سمعه من رسول الله، هكذا كانوا يهتمون لتلقي العلم، هو جابر أحد علماء الصحابة لكنّ هذا الحديث ما سمعه من الرسول إنما بلغه أن فلانا سمعه من رسول الله.
ماتت الهمم اليوم، صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه كان يحفظ القرءان وكتاب التنبيه في الفقه الشافعي وكتاب الحماسة وكان يحضر مجالس الحديث ويسمع من المحدث وكان يأمر بقراءة العقيدة الأشعرية على المآذن قبل الفجر حتى يسمع جيرانُ المساجد لأن العقيدة أهم علم الدين لذلك كان يفعل هذا، فالوهابية لما علموا أنه كان بهذه الحال قالوا إنه ضال، لماذا قالوا ذلك؟ لأنه منـزه ينـزه الله عن كل صفات المخلوقين، ينـزهه عن المكان والحيز والجسمية و سائر صفات المخلوقين، وينـزه الله عن أن يكون متكلمًا بالحرف والصوت كما يتكلم المخلوقون لذلك حكموا عليه بأنه ضال وهم الضالون الذين ما عرفوا الله تعالى، الوهابية يعبدون جسمًا لا وجود له هم تخيلوه، بعض منهم قال: الله حجم مماس للعرش، وبعض منهم قالوا: واقف فوق العرش في الفراغ بدون مماسة، الفريق الأول وهم الأكثرون شبهوه بالإنسان والجن والملائكة والبهائم والفريق الثاني شبهوا الله بالشمس والقمر والنجوم هؤلاء الثلاثة مكانهم الفراغ في الفضاء، كلا الفريقين شبهوا الله تعالى بخلقه فكذبوا قوله عز وجل(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ) [سورة الشورى/11] على حسب اعتقادهم هذه الآية تعني أن الله جسم له أعضاء لكن يفترق في بعض الصفات عن الإنسان والجن والملائكة هذا غاية ما عندهم، والرد عليهم والحمد لله بين أحبتنا صار وافرًا، أما الرد على الذين يحرفون قول الله تعالى : (َمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [سورة المائدة/44] فنحن نقول كفرٌ دون كفر أي الكفر الأصغر المعصية الكبيرة لأن هذا التفسير ثبت عن ابن عبّاس رضي الله عنه، ويدل لصحة ما ذهب إليه من التفسير أحاديث ، كحديث : "اتّقوا الرياء فإنه الشركُ الأصغر" فالرياء فيه شَبه للكفر الأكبر أي عبادة غير الله من جهة أن المرائيَ يريد أن يمدحه الناس، قصد بعبادته غير الله فصار يشبه المشرك الذي يعبد غير الله كالصنم والشمس ونحو ذلك.
فبين المسلم الذي يرائي بعمله وبين المشرك الذي يعبد الصنم شَبه قوي من أجل هذا الشبه الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"اتّقوا الرياء فإنه الشرك الأصغر" أي شرك لا يخرج من الإسلام بل الشرك الأصغر، قال عبد الله بن عباس: "ليس بالذي يذهبون إليه، الكفر الذي ينقل عن الملة، كفر دون كفر، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [سورة المائدة/44]، فهذا التفسير صحيح ثابت إسنادًا عن عبد الله بن عباس رواه الحاكم وصححه ووافقه غيره من الحفاظ. والحديث الآخر : "اتّقوا الرياء فإنه الشرك الأصغر" رواه الحاكم وصححه، ثم أيضا حديث البخاري: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، ليس معناه أن المسلم إذا زنا كفر، لا ، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام الحد على بعض من زنا، ثم صلى عليه الصحابة، لو كان المسلم يخرج من الإسلام بالزنا ما كان الرسول تركهم يصلون عليه. ثم أيضا حديث رواه البخاري وغيره: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" فقوله صلى الله عليه وسلم :"وقتاله كفر" معناه يشبه الكفر، ليس معناه كَفر كفرًا يخرج من الملة. وهذا القدر كاف لإبطال قول هؤلاء الذين يقولون:كل حاكم من المسلمين حكم بغير الشرع فهو كافر مطلقًا، حتى إنهم كفّروا مَن عاش في ظلِّ هذا الحاكم وهو لا يعتقد أن هذا أحسنُ من الدين أحسنُ من الشرع أحسنُ من القرءان.
وسبحان الله وبحمده والحمد لله رب العالمين.

النجاة والاخلاص في الصدق والعمل

نحمد الله حمد الشاكرين، ونؤمن به إيمان الموقنين، ونقر بوحدانيته إقرار الصادقين، ونشهد أن لا إله إلاّ الله رب العالمين، خالق السموات والأرضين، ومكلف الجن والإنس والملائكة أن يعبدوه عبادة المخلصين.
قال تعالى :{وما أُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين} (سورة البينة/5)،
ألا لله الدين الخالص المتين، والصلاة والسلام على نبيّه محمد سيد المرسلين، وعلى جميع النبيين، وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أما بعد، فقد انكشف لأولي الألباب ببصيرة الإيمان وأنوار القرءان، أنّه لا وصول إلى السعادة إلا بالإيمان، وأن الصدق والإخلاص درب الناجين؛
يقول الله تعالى في القرءان الكريم :{رجال صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه} (سورة الأحزاب/23)
ويقول عز وجل :{قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} (سورة المائدة/119)،
ويقول تعالى :{يا أيّها الذين ءامنوا اتقوا اللهَ وكونوا مع الصادقين} (سورة التوبة/119)،
والله تعالى قد وصف الأنبياء في معرض المدح والثناء فقال :{واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صدّيقًا نبيًّا} (سورة مريم/41)
وقال تعالى :{واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًّا} (سورة مريم/54).
وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :"إنَّ الصدقَ يهدي إلى البِرّ، والبرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ الرجل ليصدق حتى يكتبَ عند الله صدّيقًا، وإنّ الكذبَ يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتبَ عند الله كذابًا".
وقد ورد عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أربع من كنَّ فيه فقد ربح: الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر.
وقال بعضهم: أجمع الفقهاء والعلماء على ثلاث خصال أنها إذا صحت ففيها النجاة: الإسلام الخالص عن البدعة والهوى، والصدق لله تعالى في الأعمال وطيب المطعم.
وقيل لسهل بن عبد الله التستريّ رحمه الله: ما أصل هذا الأمر الذي نحن عليه؟ فقال: الصدق والسخاء والشجاعة، فقيل: زدنا، قال: التّقى والحياء وطيب الغذاء.
وقال أبو بكر الورّاق: احفظ الصدق فيما بينك وبين الله تعالى، والرفق فيما بينك وبين الخلق.

معاني الاخلاص وفوائده

لقد بينا فيما مضى الصدق وفضيلته ومنافعه فنشرع الآن في بيان معنى الإخلاص وفوائده،
ولا يسعنا إلا أن نذكر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما جاء رجل وسأله، يا رسول الله أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا شىء له. فأعادها ثلاثًا كل ذلك يقول: لا شىء له، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنَّ اللهَ لا يقبلُ من العمل إلا ما كان خالصًا له وما ابتُغي به وجهه" جوّد إسناده الحافظ ورواه النسائي وأبو داود رحمهم الله تعالى،

فالإخلاص من أعمال القلوب الواجبة وهو إخلاص العمل لله تعالى، أي أن لا يقصد بالعمل محمدة الناس، والنظر إليه بعين الاحترام والتعظيم والإجلال.
قال تعالى :{فمن كان يرجوا لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحًا ولا يُشرك بعبادة ربه أحدًا} (سورة الكهف/110).
ورحم الله السيدة رابعة العدوية حيث قالت :"لا خلاص إلا بالإخلاص".
وكان معروف الكرخي يضرب نفسه ويقول: يا نفس أخلصي تتخلصي.
وقال يعقوب المكفوف: المخلص من كتم حسناته كما يكتم سيئاته.
وكتب الفاروق سيدنا عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس.

فالعبد الذي وفقه الله رزقه الإخلاص، ومن نظر إلى سيرة أصحاب رسول الله وأفعالهم رأى أن الإخلاص مسلكهم، ولقد نصرهم الله بإخلاصهم بعد إيمانهم بالله والرسول، ففتحوا البلاد شرقًا وغربًا.
لقد أخلصوا لله فظهرت الحكمة وتفجرت من قلوبهم على ألسنتهم،
ورحم الله الجنيد البغدادي الذي قال: إن لله عبادًا عقلوا، فلما عقلوا عملوا، فلما عملوا أخلصوا، فاستدعاهم الإخلاص إلى أبواب البر جميعًا.
فإذًا علاج الرياء الذي هو ضد الإخلاص كسر حظوظ النفس، وقطع الطمع عن الدنيا، والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب، فإذ ذاك يتيسر الإخلاص، فتكون سكنات العبد وحركاته لله تعالى خالصة، وتكون النية صادقة مع الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصادقين المخلصين.وعلى كامل الإيمان ثابتين وأن لا يفضحنا يوم القيامة ءامين.

معاني الصدق

معاني الصدق
اعلم رحمك الله وجعلنا وإياك من الصادقين في مقعد صدق عند مليك مقتدر، أن لفظ الصدق يُستعمل في ستة معان: صدق في القول،
وصدق في النيّة والإرادة،
وصدق في العزم،
وصدق في الوفاء بالعزم،
وصدق في العمل،
وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صدّيق.
صدق اللسان
فأما الصدق الأول صدق اللسان فيكون في الأخبار، وفيه يدخل الوفاء بالوعد والخلف فيه وحقّ على كل عبد أن يحفظ ألفاظه، فلا يتكلم إلا بالصدق؛
لأن الكذب مذموم في شرع الله تعالى، فليكن دومًا نطق لسانك الصدق، وليكن حلفك بالله دومًا صادقًا، وليكن حديثك مع الناس حديث صدق،
وليكن تعليمك للناس بالصدق فلا تروِ أحاديث موضوعة للناس لتوهمهم أن هذا من دين الإسلام والإسلام منه بريء، وإياك والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار.
والكذب من معاصي اللسان وهو الإخبار بالشىء على خلاف الواقع عمدًا أي مع العلم بأن خبره هذا على خلاف الواقع، والكذب حرام بالإجماع،
سواء كان على وجه الجدّ أو على وجه المزح، كما ورد في حديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموقوف على بعض الصحابة "لا يصلحُ الكذب في جدّ ولا هزل" رواه البيهقي،
وما أكثر من هلك باستعمال الكذب في الهزل والمزح، وأشدّ ما يكون من ذلك إذا كان يتضمن تحليل حرام أو تحريم حلال.
ومن ذلك رجل كان بين أصدقائه في مكان فأقبل أعمى فقال والعياذ بالله: "قال الله تعالى: إذا رأيت الأعمى فكبّه إنك لست أكرم من ربه" قال هذا الكلام الفاسد لإضحاك الحاضرين، وهذا فيه كفر وضلال.
لأنه يتضمن كذبًا على الله بجعل ما ليس من القرءان قراءنًا وهو متضمن تحليل الحرام المعلوم من الدين بالضرورة حرمته، لأنه لا يجهل مسلم حكم هذا الفعل أنه حرام مهما بلغ في الجهل.
صدق النية
وأما المعنى الثاني، وهو الصدق في النية والإرادة فيرجع إلى الإخلاص وهو أن لا يكون له باعث في فعل الطاعات إلا رضا الله والثواب من الله ولأجل الله، فإن مازجه شَوب من حظوظ النفس بطل صدق النية.
صدق العزيمة
أما المعنى الثالث فهو صدق العزم، فإن الإنسان قد يقدم العزم على العمل، فيقول في نفسه: إن رزقني الله مالاً تصدقتُ بجميعه، أو بشطره.
فهذه العزيمةُ يجدها من نفسه وهي عزيمة جازمة صادقة، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في العزيمة فكان الصدق ههنا عبارة عن التمام والقوة.
فالصادق هنا هو الذي تصادف عزيمته في الخيرات كلها قوة تامة، ليس فيها ميل ولا ضعف ولا تردد، بل تسخو نفسه أبدًا بالعزم المصمم الجازم على الخيرات.
صدق الوفاء
والمعنى الرابع هو الصدق في الوفاء بالعزم.
فإن النفس قد تسخو بالعزم في الحال، إذ لا مشقّة في الوعد والعزم، والمؤنة فيه خفيفة، فإذا حقت الحقائق، وحصل التمكن، وهاجت الشهوات، انحلت العزيمة وغلبت الشهوات، ولم يتفق الوفاء بالعزم عند كثير من الناس وهذا يضاد الصدق فيه؛
لذلك قال تعالى :{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} (سورة الأحزاب/23) وهذه الآية نزلت في أنس بن النضر كما روى البخاريّ.
فإنّه رضي الله عنه لم يشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشقّ ذلك على قلبه وقال: أول مشهد شهده رسول الله غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله ليرين الله ما أصنع، قال: فشهد أحدًا في العام القابل، فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو إلى أين؟ فقال :"واهًا لريح الجنّة، إني أجد ريحها دون أحد". فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون، ما بين رمية، وضربة وطعنة، فقالت أخته بنت النضر: ما عرفت أخي إلا ببنانه، فنزلت هذه الآية :{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} (سورة الأحزاب/23).
ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير يوم أُُحُد وقد سقط شهيدًا على وجهه، وقرأ هذه الآية :{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} (سورة الأحزاب/23).
وروي أن أبا سعيد الخراز قال: رأيت في المنام كأن ملكين نزلا من السماء فقالا لي: ما الصدق؟ قلت: الوفاء بالعهد، فقالا لي: صدقت. وعرجا إلى السماء.
صدق العمل
المعنى الخامس هو صدق العمل وهو أن يجتهد حتى لا تدلّ أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به، فاعمل ليل نهار جاهدًا لتكون صادقًا في عملك كله فرضه ونفله، حركاتك وسكناتك، نفقاتك وصدقاتك، زياراتك ومعاملاتك.
فالصدق في أقوالنا أقوى لنا * والكذب في أفعالنا أفعى لنا

قال الصادق عبد الواحد بن زيد: كان الحسن إذا أمر بشىء كان من أعمل الناس به، وإذا نهى عن شىء كان من أترك الناس له، ولم أر أحدًا قط أشبه سريرة بعلانية منه،
وقال أبو يعقوب النهرجوري: الصدق موافقة الحقّ في السر والعلن.
المعنى السادس
هو الصدق في مقامات الدّين كلها: في الخوف، والرجاء، والتعظيم، والزهد، والرضا، والتوكل، والحب، وسائر هذه الأمور.
ولنضرب للخوف مثلاً، فما من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر إلا وهو خائف من الله تعالى خوفًا يطلق عليه هذا الاسم، ولكن قد لا يبلغ درجة حقيقة هذا الخوف، أما تراه إذا خاف سلطانًا، أو قاطع طريق في سفر، كيف يصفرّ لونه، وترتعد فرائصه، ويتنغص عليه عيشه، ويتعذر عليه أكله ونومه، وينقسم عليه فكره حتى لا ينتفع به أهله وولده،
ثم إنّه يخاف النار، ولا يظهر عليه شىء من ذلك عند جريان معصية عليه، فالصادق في هذه الأمور في جميع المقامات عزيز ونادر، لأن تحصيل الأمور الستّة في الصدق المذكورة ليس سهلاً، لكنّه يسير على من يسّره الله عليه.

خلقَ اللهُ كُلَ شئٍ لحكمة.ومن ذلِك العرش

خلقَ اللهُ كُلَ شئٍ لحكمة.ومن ذلِك العرش
اعلم أن اللهَ تعالى لم يخلُق شيئا عبثا بل خلقَ كُلَ شئٍ لحكمةٍ يعلمُها ولقد خلقَ اللهُ تعالى المُتضادات كالحلو والمُرِ والفرحِ والحزن والكُفرِ والإيمان والطاعاتِ والمعاصي كلُ ذلِك دليلٌ على كمال قُدرةِ الله ولا يجوزُ أن يُعترضَ على الله قال تعالى : {لا يُسأل عما يفعل وهُم يُسألون}.
ولقد خلقَ الله تعالى العرشَ الكريم وهو أعظمُ جرمٍ خلقهُ الله ليزدادَ الملائكةُ الحافونَ حولَ عرشهِ تعظيماً لله ولم يخلقه لأنهُ بحاجةٍ إليه أو ليجلسَ عليه تنزه الله عن ذلك ولقد روى الإمام عبدُ القاهر التميمي في كِتاب (الفرق بينَ الفرق) :أن علي بنِ أبي طالبٍ قال : إن اللهَ تعالى خلقَ العرشَ إظهاراً لِقدرتهِ ولم يتخذهُ مكاناً لذاتهِ وروى عنهُ أنهُ قال :[كانَ اللهُ ولا مكان وهو الآن على ما عليهِ كان]وأما قولهُ تعالى :{الرحمنُ على العرشِ استوى} فليسَ معناهُ ان الله جلسَ على العرش إنما المقصود الإخبارُ عن أن اللهَ قاهر العرش كما قال الله تعالى عن نفسهِ : {الواحدُ القّهار}وكما قال الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم : [لا إله إلا الله الواحدُ القّهار]وقد خص اللهُ تعالى العرش بالذكر مع أنهُ قاهرُ كُلِ شئ لأنَ العرشَ أكبرُ جسمٍ خلقهُ الله كما قال الله تعالى :{ وهو ربُّ العرش العظيم} مع أنهُ ربُّ كُلِ شَئ وقد مُنعنا عن التفكر في ذات الله لأن ذات الله ليسَ شيئاً نتصورهُ روى البيهقي أن عبد الله ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: [تفكروا في كُلِ شئ ولا تفكروا في ذات الله] وروي هذا الحديث مرفوعاً إلى النّبي صلى الله عليه وسلم وهو منسجمٌ مع قولِ الله تعالى: {ويتفكَرُونَ في خَلقِ السَمَواتِ والأرض رَبنّا مَا خَلَقت هذا باطلاً سُبحانك}ولم نُؤمَر في القُرءانِ ولا في الحَديث بِأن نتَفكرَ في ذاتِ الله أو صِفاتِ الله وقد روى القاضي حُسين عن الإمامِ الشافعي رضي اللهُ عنهُ أنهُ قال :من قالَ إن اللهَ جالسٌ على العرشِ كَفر روى ذلِك عنهُ ابنُ المُعلم القُرشي في كتابه (نجمُ المُهتدي ورجمُ المُعتدي) في الصحـ551يفة وروى الحافظُ السُيوطي في كِتابه (الأشباه والنظائر )أن الشافعي قال: المُشبهُ كافر.
وأما قولهُ تعالى : {وجوهٌ يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة} فمعناه :أن المؤمنين في الجنةِ يرونَ الله تعالى الذي ليسَ كمثلهِ شئ وهو موجودٌ بلا مكانٍ ولا جهة وهم في مكانهم في الجنة, وهذهِ الرؤيه لا يكونُ عليهم فيها اشتباه لِذلكَ قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلم : [إنكم سترونَ ربَكُم يومَ القيامة كما ترونَ القمرَ ليلةَ البدر لا تضامون في رؤيته] شَبه الرَسُولُ رؤيتنا من حيثُ عدم الشك برؤيةِ القمرِ ليلةَ البدر فإن رائي القمر ليلة القمر لا يشكُ أن الذي رءاه هو القمر أم لا كذلك المؤمن حين يرى اللهَ وهو-أي المؤمن- في الجنة واللهُ موجودٌ بلا مكان وهو لا يُشبهُ شيئاً لا شكلَ لهُ ولا صورة لا يشكُ أن الذي رءاهُ هو الله أم لا.
أما حديث ينزلُ رَبُنا كل ليلةٍ إلى السَماءِ الدُنيا فمعناهُ: أن المَلك ينزلُ كُلَ ليلةٍ بأمرِ الله إلى السَماء الدُنيا فيقولُ مُبلغاً عن الله: إن ربكم يقول : هل من مستغفرٍ فأغفر له هل من داعٍ فاستجيبَ له هل من سائلٍ فأُعطيه وهذا التفسيرُ للحديث وردَ في حديثٍ رواه الحافظُ النسائي في كتاب (عملِ اليومِ والليلة) من حديثِ أبي هُريرة رضي اللهُ عنه قال : قال رسول الله : إن الله يمهلُ حتى إذا مضى شطر الليلِ الأول أمر منادياً فيُنادي إن رَبَكم يقول: هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه حتى ينفجرَ الفَجرُ . وقد قال الحافظُ العِراقي في ألفيته : وخيرُ مافسرتهُ بالواردِ
معناهُ أحسنُ مايفسرُ بهِ الحديث الوارد الحديث.
وليُعلم أنهُ لا يجوزُ حَملُ هذا الحديث على النُزولِ الحقيقي الذي هو انتقالٌ من مكانٍ إلى مكان لأنَّ هذا لا يجوزُ على الله وهو ضِد قَولِ الله تعالى:{ ليسَ كمثلهِ شئ}.وقد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة:ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر.اهـ
والله أعلم وأحكم

معنى الخالق أي الذي أبدع وكوَّن جميع الحادثات ، أي أبرزها من العدم إلى الوجود ،

معنى الخالق أي الذي أبدع وكوَّن جميع الحادثات ، أي أبرزها من العدم إلى الوجود ،
فلا خالق بهذا المعنى إلاّ الله ،
قال تعالى { قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (16) سورة الرعد
وقال تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (96) سورة الصافات فهاتان الآيتان صريحتان في أن الله خالق الأجسام والأعمال لأن لفظ شيء يشمل الجسم والأعمال ,
وأعمال العباد الاختيارية وغير الاختيارية والنوايا والخواطر كلّها بِخَلقِ الله,
وقال عليه الصلاة والسلام(إنَّ اللهَ صانِعُ كُلِّ صانِعٍ وصَنْعَتِهِ) فيكفر من اعتقد أن العبد يخلق فعله كقول المعتزلة , وكذلك قولهم أن الله خالِقٌ للخير دون الشّر ويَرُدُّ قولهم هذا قوله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} (2) سورة الفلق
وروى البيهقي في كتابه القَدَر بإسنادهِ إلى مُسافع الحاجب انه لَمّا نقضوا الكعبة _ عملوا لها ترميم _ وجدوا حجراً في الكعبة فيه ثلاث صفوح مكتوبٌ فيه ( أنا الله ذو بَكّة خلقْتُ الخير والشر فطوبى لمن كان على يديه الخير وويلٌ لمن كان على يديه الشر ) ومعنى ( أنا الله ذو بَكّة ) أي خالقُ مكة ومُشَرِّفُها
ولِيُعْلَم أن الخلق يأتي على خمس وجوه أو معاني :
1- الإبراز من العدم إلى الوجود فلا خالق بهذا المعنى إلا الله , قال تعالى { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } (3) فَمَنْ أضافَ هذا المعنى لِغَيرِ اللهِ كفرَ كالذي يقولُ "أخْلُقْ لي هذا الشيء كما خلقكَ الله"فلا أحدٌ يُبرِزُ شيئاً مِن العَدَمِ إلى الوجودِ إلا الله
2- التَّقدير : قال تعالى { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (14) سورة المؤمنون
أي أحسن المُقدِّرين لأن تقديره لا يُخطئ ولا يتغيَّر وتقدير غيره يجوز عليه الخطأ والتَّغيير فيجوز بهذا المعنى أي التقدير إطلاق الخلق على غير الله كما قال زهير الشاعر بمدح هرم بن سِنان : وَلأَنتَ تفري ما خلَقْتَ وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
معناه أنت تُقَدِّر وتنفذ وبعض الناس يقدرون ولا ينفذون أي أنت لك مزية بذلك
3- التَّصْوير : قال تعالى في حق عيسى عليه السلام { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي } (110) سورة المائدة فسيدنا عيسى صَوَّرَ من الطين صورة خفّاش ثم خلقَ اللهُ فيه الروح ثم طارَ حتى غابَ عن أنظارِ الناس
4 - افتراء الكذب : قال تعالى { وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } (17) سورة العنكبوت أي تفترون الكذب وهذا لا يُضاف إلا للعبد , يُقال خلق فلان الإفك أي افتراه وبهذا المعنى جاء في القرآن أيضاً {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} (7) سورة ص أي افتراء , يُقال خلق فلان الكذب واختلقه أي افتراه
5- التَّمْليس : فإنه يقال في اللغة خَلَقْتُ هذا الخشبَ كرسيّاً أي سَوَّيْتُهُ أمْلَسْ أي جعلتُهُ أملساً بحيث يصلح للجلوس عليه , ويقال في اللغة خلقتُ الأديم حِذاءً أي الجِلْد قدَّرْتُهُ حذاءً فقطعتهُ وصنعتُهُ أي أنْفَذْتُ ما قدَّرْت

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...