مسألة في السعيد والشقي إلا السعادة والشقاوة
ذهب الجمهور إلى أن السعيد والشقي لا يتبدلان فالسعيد من عَلِم الله أنه يموت مؤمنا والشقي من علم الله أنه يموت على الكفر
قال علماؤنا لن ينفع من ساءت خاتمته تقدَُمُ قناطير من إيمان ، وينفع من حسنت خاتمتُه تقدم حبة خردل من إيمان ،
والكتاب والسنة يدلان على ذلك قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ*وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) إلى قوله : (غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (هود) وإنما أراد بالشقي من مات على كفره ، وبالسعيد من مات على إيمانه ،
وذكر الواحدي من رواية ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا السعادة والشقاوة" ولو صح هذا لكان نصاً ،
وَرَوى الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فرغ ربك من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير" فإن قيل أليس قال الله تعالى : "يمحو الله ما يشاء ويثبت"
فالجواب : أنه لم يقل يمحو كل شيء ويثبت فلا حاجة إلى التخصيص على أنه جاء عن ابن عباس تفسيره بالنسخ أي يمحو ما يشاء من القرءان بالنسخ ويثبت ما يشاء منه فلا ينسخه كما أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات وعلى هذا فقوله تعالى
( وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)
( وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)
فمعناه ما سبق في علم الله في الأزل ، وذلك لا يتغير ولا يتبدل وقال الزركشي وأمَّا ما في اللوح المحفوظ فحادث يمحو الله ما يشاء ويثبت .
وجاء عن ابن عباس أيضا أنه قال في تفسير "(يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ)(الرعد) إن الملكين الموكلين بالعبد يكتبان جميع ما يتلفظ به العبد من حسنةٍ وسيئة وغير ذلك ، ثم يثبتان الحسنات والسيئات ويمحى ما سوى ذلك كقوله تعالى واذهب واقعد ونحو ذلك .
فإن قيل ما وجه ما جاء من المشهور الصحيح من حديث جماعة من الصحابة عن النبي أنه قال:" إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" قلنا يفسره ما ورد في رواية سهل بن سعد بلفظ " ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، فيكون الذي تسوء خاتمته كان فيما يعلم الله منه منافقا يتظاهر بالإسلام وقلبه كافر أو مرائيا لا يعمل مخلصا لله وليس ذلك فيمن استقام باطنه وصلح ظاهره فإنه لا تسوء خاتمته بل يختم له بخيرٍ كما قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي في " كتاب العاقبة" ويشهد له حديث " إنما الأعمال بالخواتيم إذا طاب أعلاه طاب أسفله وإذا خَبُثَ أعلاه خَبُثَ أسفله " رواه ابن حبان ،
ومما يؤيد أن الذي يدخله المحو هو ما في صحف الملائكة ما في بعض روايات حديث " إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة الخ . وهي رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الأعمش عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا استقرت النطفة في الرحم أخذها الملك بكفه فقال : أي رب أذكرٌ أو أنثى وفيه فيقال انطلق إلى أم الكتاب فإنك تجد فيه قصة هذه النطفة فينطلق فيجد ذلك . قلت فيؤخذ من ذلك أن الذي لا يُمحى ما سبق في علم الله أنه يُختم له به من عمل أهل السعادة أو أهل الشقاوة وما كُتب في اللوح أنه يُختم له به ، وأن محل المحو ما تكتبه الحفظة من عمل العبد قبل ذلك والله أعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق