قال الله تعالى (( إنَّما قَوْلُنَا لشيءٍ إذا أردناه أَنْ نقولَ له كُنْ فيَكُونُ ))[النحل/40]..
وقال الله تعالى (( إذا قَضَى أمرًا فإنما يَقُولُ له كُنْ فيَكُونُ ))[ءال عِمْران/47].. ..
قال الله تعالى (( إنَّما أَمْرُهُ إذا أراد شيئًا أَنْ يقولَ لهُ كُنْ فيَكُونُ ))[يس/82]..
1)قال بعضُ العلماء في تفسيرِ الآياتِ السَّابقة :" إنَّ الله يخلقُ المخلوقَ بـ (( كُنْ )) ، أي بالحُكْمِ الأزليِّ عليه بالكَيْنُونَةِ . فالآيةُ فيها بيانُ أنَّ الله يخلقُ العالمَ بحُكْمهِ الأزليِّ . والحُكْمُ كلامٌ أزليٌّ في حَقِّ الله تعالى . ليسَ صوتًا وليسَ كلامًا مُرَكَّبًا من حروف . لكنِ الكافُ والنُّونُ عبارةٌ عن حُكْمِ الله الأزليِّ على الشَّيء بالوُجُود .
الله ، تباركَ وتعالى ، قال في الأزلِ ، ولا يزالُ قائلًا ، (( كُنْ )) . لكنْ ليسَ على الوَجْهِ الذي يقولُه المخلوقُ من إيراد حَرْفَيْنِ مُتَعَاقِبَيْنِ . فهذا مستحيلٌ على الله .
تَكَلَّمَ الله في الأزلِ ولا يزالُ مُتَكَلِّمًا إلى ما لا نهايةَ له بكلامٍ أزليٍّ أبديٍّ به حَدَثَتِ الحادثاتُ جميعُها وبه تحدثُ الحادثاتُ في المستقبلِ إلى ما لا نهايةَ له . فـ(( كُنْ )) ، أي الكافُ والنُّون ، عبارةٌ عن ذلكَ القولِ الأزليِّ الأبديِّ الذي به حَدَثَتِ الحادثاتُ وستحدثُ الحادثاتُ به في المستقبل " ..
.
2)وقال ءاخَرونَ منهم :" إنَّ الله تعالى لم يُرِدْ أنه خاطبَ المخلوقَ بـ (( كُنْ )) فيكونُ بهذا الخطاب ، لا ، لأنه لو جُعِلَ خطابًا حقيقةً فإمَّا أنْ يكونَ خطابًا للمعدومِ وبه يُوجَد ، وهذا غيرُ معقول ، لأنَّ المعدومَ ليسَ شيئًا فكيفَ يُخَاطَبُ وهو معدوم ؟!!. وإمَّا أنْ يكونَ خطابًا للموجود بعدما وُجِـدَ ، وهذا أيضًا غيرُ معقول ، لأنه قد وُجِـدَ فكيفَ يقالُ له كُنْ . الشَّيْءُ الموجودُ لا يقالُ له كُنْ . فلا معنى لطلب وُجُودِهِ وهو مَوْجُودٌ . الشَّيْءُ الذي حُصِّلَ لا يُحَصَّلُ . وإنما المعدومُ يُحَصَّل . ويُحَصَّلُ المعدومُ بالتكوينِ الأزليِّ أيْ بفعلِ الله القديم القائمِ بذاتهِ سبحانَه وتعالى . فقولُ الله تعالى (( إنما أَمْرُهُ إذا أرادَ شيئًا أَنْ يقولَ لهُ كُنْ فيَكُونُ )) فيه بيانُ أنه إذا شاء شيئًا فلا بُدَّ أنْ يَكُونَ هذا الشَّيْءُ بتكوينِ الله الأزليِّ له وقدرتهِ بلا تأَخُّرٍ ولا ممانعةٍ من أحدٍ لله تعالى ومن غيرِ معاناةٍ ولا تَعَبٍ ومن غيرِ أَنْ يكونَ لله مُعَقِّبٌ يُؤَخِّرُ ما أرادَ وُجُودَه في الوقتِ الْمُعَيَّنِ عن ذلكَ الوقت " .. هكذا قال بعضُ العلماء في تفسيرِ هذه الآية ..
فإنْ قيل :" (( كُنْ )) ، في كلام الله تعالى ، أمرٌ .. فما فائدة الأمرِ ما دامَ وُجُودُ المخلوقِ حاصلٌ بالتكوينِ الأزليِّ ؟؟ " ..
قلنا : إظهارًا لعَظَمَةِ الله وقدرتهِ كما أنه ، تباركَ وتعالى ، يبعثُ مَنْ في القبورِ ببَعْثهِ ولكنْ بواسطةِ نفخِ الصُّورِ لإظهارِ العظَمَةِ للخَلْقِ .
.
ولا يَصِحُّ ما ذهبَ إليه الْمُشَـبِّهُ ابنُ تيميةَ .. هو يَزْعُمُ أَنَّ للـهِ كلامًا يحدثُ في ذاتهِ بعَدَدِ كُلِّ مخلوق . هذا الكافرُ الْمُشَـبِّهُ يَزْعُمُ أنَّ الله يَنْطِقُ بهذه الكلمةِ الْمُؤَلَّفَةِ من هذينِ الحرفينِ ، الكافِ والنُّون ، لكلِّ حادثٍ مُكَوَّنٍ ..
.
يقولُ ابنُ تيميةَ الْمُشَـبِّهُ :" إنَّ نوعَ كلمةِ كُنْ أزليٌّ " . يعني الْمُشَبِّهُ ابنُ تيميةَ أنَّ الله يقولُ كُنْ كما نحنُ نَنْطِقُ بها إلَّا أنَّ الله يقولُها فيما لا بدايةَ ويبقَى يقولُها إلى ما لا نهايةَ . فيحدُث ، على زعمه ، الحادثُ بعدَ كُلِّ كلمةِ كُنْ يَنْطِقُ الله بها .
وقالتِ الماتُرِيدِيَّةُ ، وهم فِرْقَةٌ من أهلِ السُّـنَّةِ الْمُنَزِّهِين ، إنه تعالى كانَ خالقًا بقيامِ صفةِ الخَلْقِ بذاتِ الله في الأزل . والخَلْقُ هو التكوينُ أيْ هو فِعْلُ الله في الأزل . قالوا كانَ الله خالقًا ولا يزالُ خالقًا بقيامِ صفة التكوينِ بذاتِ الله في الأزل . والعَالَمُ حَدَثَ بفِعْلِ الله القديمِ وقدرتهِ القديمةِ على وَفْقِ علمهِ ومشيئتهِ الأزَلِـيَّـيْـن .
والماتُرِيدِيَّةُ هم الْمُتَكَلِّمُونَ على لسانِ أبي حنيفةَ وصَاحِبَيْهِ . ووافَقَهُمْ في ذلكَ قُدَمَاءُ الأشاعرةِ كما وَافَقَهُمُ البخاريُّ في هذه المسألة ..
والحمدُ لله رَبِّ العالَمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق