بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 30 أبريل 2019

توحيد الله تعالى في الذات والصفات والأفعال

توحيد الله تعالى في الذات والصفات والأفعال    


الحمد للهِ رَبِّ العالَمين.. له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن.. والصلاةُ والسلام على سيِّدنا محمَّد.. أمَّا بعد، فإنَّ الله تعالى يقوُل في سورة محمَّد (فاعلم أنَّه لا إله إلّا اللهُ واستغفِر لذنبك وللمؤمنينَ والمؤمنات).. وثبَت عند البخاريِّ أنَّ رسولَ الله  سئِل [أيُّ العمل أفضل؟]، فقال [إيمانٌ بالله ورسوله] وفي روايةٍ عند النَّسَائِيِّ [إيمانٌ لا شَكَّ فيه]. فالعِلْمُ باللهِ تعالى وصفاتهِ أجلُّ العلومِ وأعلاها وأوجبُها وأَوْلاها لأنَّ شَرَفَ العِلْمِ بشرفِ المعلوم.. فلمَّا كان علمُ التوحيد يفيد معرفةَ الله على ما يَليقُ به ومعرفةَ رسولهِ على ما يَليقُ به وتنزيهَ اللهِ عمّا لا يجوزُ عليه وتبرئةَ الأنبياءِ عمَّا لا يَليقُ بهم كان أفضلَ من علمِ الأحكام.. ولذلك قال سيِّدنا الإمامُ الشافعيُّ [أحكمنا ذاك قبل هذا].. معناه أتقنَّا علمَ التوحيد قبل أن نُتْقِنَ فروعَ الفِقْهِ.. وقال أبو حنيفة [إعلم أنَّ الفِقْهَ في الدين أفضلُ من الفِقْهِ في الأحكام.. وأصلُ التوحيدِ وما يَصِحُّ الاعتقادُ عليه وما يَتَعَلَّقُ بالاعتقاديّات هو الفِقْهُ الأكبر].. أخرجه البيهقيُّ في كتابه [(مناقبُ الشافعيِّ)/ج1/ص457]، والحافظُ أبو القاسمِ بنُ عساكر في كتابه [(تبيينُ كَذِبِ المفتري)/ص342]..قاله في كتابه (الفِقْهُ الأبسط)..
 

وإنَّما سُمِّيَ هذا العِلْمُ بعِلْمِ التوحيدِ لأشهر مباحثهِ وهو توحيدُه تعالى في الذاتِ والصفاتِ والأفعالِ وعدمُ مشابهتهِ لشيءٍ من المخلوقات.. ويسمَّى بعلمِ الأصول أيضًا لأنَّه أصلُ كلِّ علمٍ ومنشأُ كلِّ سعادة.. وقد خَصَّ النبيُّ  نفسَه بالترقِّي في هذا العِلْمِ فقال [أنا أعلمُكم بالله] رواه البخاريُّ في (صحيحه).. فكان هذا العِلْمُ من أهمِّ العلومِ تحصيلًا وأحقِّها تبجيلًا وتعظيمًا.. وأمَّا قولُه تعالى (فاعلم أنَّه لا إله إلّا اللهُ واستغفِر لذنبك وللمؤمنينَ والمؤمنات) فإنَّ فيه تقديمَ الأمر بمعرفةِ التوحيد على الأمر بالاستغفار.. والسببُ فيه أنَّ معرفةَ التوحيدِ إشارةٌ إلى علمِ الأصولِ أي الاعتقادِ والاشتغالَ بالاستغفار إشارةٌ إلى علمِ الفروع أي الأحكام.. فهذه الآيةُ تَضَمَّنَتِ الحَثَّ على هذين العِلْمَيْنِ، والأصلُ يجب تقديمُه على الفَرْعِ لأنَّه ما لم يُعْلَمْ وجودُ الخالقِ فلا فائدةَ للعبد من الاشتغال بطاعته.. ولذلك قال الإمامُ أبو الحسن الأشعريُّ [أوَّلُ ما يجب على العبد العِلْمُ باللهِ ورسولهِ ودينه]، وقال أبو حامدٍ الغزاليُّ [لا تَصِحُّ العبادةُ إلّا بعد معرفةِ المعبود] روى هذَين الأثرَين أبو منصورٍ عبدُ القاهر البَغْدادِيُّ في كتابه (تفسيرُ الأسماءِ والصفات)... ومِمَّا يدلُّ على وجوبِ الإيمان بالله ورسولهِ قولُه تعالى في سورة الفتح (ومن لم يؤمن بالله ورسولهِ فإنَّا أعتدنا للكافرين سعيرًا).. ومِمَّا يدلُّ على أهَمِّيَّةِ الإيمانِ وأنَّه شرطٌ لقَبولِ الأعمالِ الصالحةِ قولُه تعالى في سورة النساء (ومن يعملْ من الصالحاتِ من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخُلون الجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ نقيرًا).. وأمَّا قولُه تعالى في سورة الحُجُراتِ (إنَّما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسولهِ ثمَّ لم يرتابوا) فهذه الآيةُ تفسير لكلمة [مؤمن].. وقولُه تعالى (لم يرتابوا) معناه لم يشُكُّوا..
 

والإيمانُ لا يَصِحُّ مع الشَّكِّ في الله ورسوله.. وموضوع هذا العِلْمِ النظرُ أي الاستدلالُ بخَلْقِ الله تعالى لإثباتِ وجودِه وصفاتهِ الكماليَّة.. وأمَّا تعريفُه فإنَّه عِلْمٌ يُتَكَلَّمُ فيه عن أسماءِ الله تعالى وصفاتهِ وأفعالهِ على قانون الإسلامِ لا على أصولِ الفلاسفة، فإنَّهم تكلَّموا في حقِّ الله وفي حقِّ الملائكةِ وأنبياءِ الله اعتمادًا على مجرَّد النظر والعقلِ فجعلوا العقلَ أصلًا للدين فلا يتقيَّدون بالتوفيق بين النظر العقليِّ وبين ما جاء عن الأنبياء.. فإن قيل [لم يُنْقَلْ أنَّه علَّم أحدًا من أصحابهِ هذا العِلْمَ ولا عن أحدٍ من أصحابهِ أنَّه تعلَّم أو علَّم غيرَه وإنَّما حدث هذا العِلْمُ بعد انقراضِهم بزمانٍ فلو كان هذا العلمُ مهمًّا في الدين لكان الأَوْلَى به الصحابةُ والتابعون]، قلنا [من قال هذه المقالةَ وهو يعني أنَّ الصحابةَ لم يشتغلوا بمعرفةِ الله على ما يَليقُ به من فَهْمِ صفاتهِ تفصيلًا وتوحيدِه وتنزيههِ عن صفاتِ الْمُحْدَثاتِ والإقرارِ بصِحَّةِ رسالةِ مُحَمَّدٍ ومعجزاتهِ بدِلالَةِ العقلِ بل أقرُّوا بذلك تقليدًا فهو جاهل بالواقع، وقد رَدَّ الله في كتابه الكريم على من قلَّد أباه في عبادة الأصنام بقولهِ في سورة الزُّخرف (إنَّا وجدنا ءاباءَنا على أمَّةٍ وإنَّا على ءاثارهم مقتدون).. والمراد بالأمَّة هنا الدِّين.. ذَمَّ الله تعالى المشركين على قولهم [إنَّا وجدنا ءاباءَنا على دِين وإنَّا على ءاثارهم مقتدون]، معناه إنَّ أولئك اقتدَوا بآبائهم في إشراكهم بغير دليل يقومُ على صِحَّةِ ذلك الدِّين.. وهذا يُفْهَمُ منه أنَّ الاستدلالَ مطلوب.. وقد حاجَّ النبيُّ  كثيرًا المشركين واليهودَ والنصارى وذلك مِمَّا لا يَخْفَى.. من قال هذه المقالةَ وهو يعني أنَّ الصحابةَ لم يتلفَّظوا بهذه العبارات التي اصطلح عليها أهلُ هذه الصناعة نحوَ الجوهر والعَرَضِ والجائزِ والْمُحَالِ والحَدَثِ والقِدَمِ والأزليّة وغيرِها من العباراتِ التي اصطلحوا على استعمالِها مِمَّا لم تكن معروفةً في عصر الصحابةِ فهذا مسلَّم به ولكنَّنا نعارض بمثله في سائر العلومِ فإنَّه لم يُنْقَلْ عن النبيِّ  ولا عن أصحابهِ التلفُّظ بالناسخِ والمنسوخِ والْمُجْمَلِ والمتشابِه وغيرِ ذلك مِمَّا هو مستعمَل عند أهل التفسير، ولا بالقياس والاستحسانِ والمعارَضةِ والمناقَضةِ والركنِ والشرطِ والسببِ والعِلَّةِ والْمُسَبَّبِ وغيرِها مِمَّا هو مستعمَل عند الفقهاء، ولا بالجَرْحِ والتعديلِ والآحادِ والمشهورِ والمتواتِر والصحيحِ والغريبِ وغيرِ ذلك مِمَّا هو مستعمَل عند أهلِ الحديث، فهل لقائلٍ أن يقولَ يجب نَبْذُ هذه العلومِ لهذه العِلَّةِ؟!!.. لا يَصِحُّ أن يقال إنَّ هذه العلومَ تُرْفَضُ ولا يُشْتَغَلُ بها لأنَّ الصحابةَ ما كانوا يتكلَّمون بهذه العبارات، على أنَّ عصرَ النبيِّ  لم تظهر فيه الأهواءُ والبدعُ فلم تَدْعُ الحاجةُ إلى هذه الصنعة].
 

والرَّدُّ على أهل البدَع بدأ قبل انقراضِ عصر الصحابة.. فقد رَدَّ عبدُ الله بنُ العَبَّاسِ وابنُ عُمَرَ على المعتزلة.. ومن التابعين من رَدَّ عليهم كعُمَرَ بنِ عبدِ العزيز والحسنِ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ الحنفيَّة.. وقد نشأت بعدَهم إلى عصرنا فِرَقٌ ضالَّة كثيرةٌ فاحتيج إلى هذه الاصطلاحاتِ ردًّا عليهم ودفعًا لشُبَهِهِم.. ومن هنا نفهم رَدَّ الإمامِ أبي حنيفةَ   [إنَّما مَثَلُهُمْ كأناسٍ ليس بحضرتِهم من يقاتلُهم فما احتاجوا إلى إبرازِ السلاح، وإنَّما مَثَلُنَا كأناسٍ بحضرتِهم مَنْ يستبيحُ دماءَهم فاحتجنا إلى إبرازِ السلاح]. ومِمَّا ورد في بيانِ فضل العقيدة أنَّ النبيَّ  قال [لا يدخلُ الجَنَّةَ إلّا نفسٌ مسلمة] وهو حديث مُتَّفَقٌ عليه.. وفي رواية عند التِّرْمِذِيِّ [لا يدخلُ الجَنَّةَ إلّا نفسٌ مؤمنة] وقال أيضًا [والذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيدِه لا يسمعُ بي أحَدٌ من هذه الأمَّةِ يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثمَّ يموتُ ولم يؤمن بالذي أُرْسِلْتُ به إلّا كان من أصحاب النار] رواه مسلم في[(صحيحه)/كتاب الإيمان]..
 

ويسمَّى علمُ العقيدة بعلم الكلام لكَثرة المخالفين فيه من المنتسبينَ إلى الإسلام وطولِ الكلام مع كلِّ طائفةٍ ليرتدعوا عن اعتقاداتهم الفاسدة.. وقال بعضُ علماءِ أهل السُّنَّةِ [سمِّي بعلم الكلام لأنَّ أكثرَ ما تكلَّم المتكلِّمون فيه كلامُ الله، تبارك وتعالى، على غير صوابٍ منهم وعلى صوابٍ مِنَّا]. وفي (التبصِرة البغداديَّة) أنَّ أوَّلَ متكلِّمي أهلِ السُّنَّةِ من الفقهاءِ أبو حنيفة.. وقد ألَّف في هذا العِلم (الفِقْهَ الأكبر) و (الرسالةَ في نصرة أهل السُّنَّةِ).. وقد ناظر أبو حنيفةَ الخوارجَ والروافضَ والقَدَرِيَّة والدهريَّة، وكانت دعاتُهم بالبصرة، فسافر إليها نَيِّفًا وعشرينَ مَرَّةً وفضَّهم بالأدلّةِ الباهرة.. وبلغ في علم الكلام أي علمِ التوحيد إلى أن صار المشارَ إليه بين الأنام واقتفى به تلامذتُه الأعلام.. وعن الإمامِ أبي عبدِ الله الصَّيْرَمِيِّ أنَّ الإمامَ أبا حنيفةَ كان مُتَكَلِّمَ هذه الأمَّةِ في زمانه وفقيهَهم في الحلال والحرام.. واعلم بأنَّ ما ورد من ذَمِّ علمِ الكلام عن الأئمَّةِ كالشافعيِّ وغيرِه فالمراد بذلك الكلامُ المذمومُ وليس المرادُ الكلامَ الممدوح.. الشافعيُّ ذمَّ الكلامَ الذي لأهلِ البدعةِ كالمعتزلة والقَدَرِيَّةِ وأشباهِهم لأنَّهم تكلَّموا في ذاتِ الله وفي صفاتهِ وكلامهِ بالباطل.. فالشافعيُّ وغيرُه من الأئمَّةِ الذين ورد عنهم ذمُّ الكلام مرادُهم ما كان من كلام أهلِ البدَع المنحرفين وليس مرادُهم كلامَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ الذي قرَّروه في معرفةِ الله تعالى ومعرفةِ صفاتهِ فإنَّ هذا حَقٌّ لأنّ السلفَ الصالحَ كانوا عليه.. فالإمامُ الغزاليُّ أورد في كتابهِ (إحياءُ علوم الدين) بابًا خاصًّا في صفاتِ الله تعالى حتَّى إنَّه قال فيه [وهذا مِمَّا يجب تعليمُه للصغار].. وكذلك سائرُ ما يتعلَّق من أحكام العقيدة الأساسيَّة.. وقد مَرَّ أنَّه قال [لا تَصِحُّ العبادةُ إلّا بعد معرفةِ المعبود]. وقد سمَّى الإمامُ أبو حنيفةَ العلمَ المتعلِّق باللهِ ورسولهِ [الفِقْهَ الأكبر] والعلمَ المتعلِّق بالأحكام [الفِقْهَ الأصغر].. وقال الإمام ابنُ عساكر [والكلام المذموم كلامُ أصحاب الأهواء، فأمَّا الكلامُ الموافقُ للكتابِ والسُّنَّةِ الموضِّح لحقائق الأصول عند ظهور الفتنة فهو محمود] وقد كان الشافعيُّ يحسِنه ويتقِنه، وقد تكلَّم مع غير واحدٍ ممَّن ابتدع فأقام الحُجَّةَ عليه حتَّى انقطع.. يقول الله تعالى في سورة النحل (وجادِلهم بالتي هي أحسن).. فالجدالُ مطلوبٌ إذا كان في محلِّه ولا بُدَّ من معرفته لأهلِ الحَقِّ لإفحامِ المخالفين.. وأمَّا الجدالُ في الباطل فهو مذموم..
 

وقد قرَّر العلماءُ أنَّ أوَّلَ ما يجب على الإنسان تعلُّمُه توحيدُ الله لأنَّه أفضلُ الأعمال على الإطلاق ومِنْ دونهِ لا يقبلُ الله من عبدٍ طاعة.. لا يقبلُ الله من الكافر أيَّةَ حسنةٍ يعملها.. مهما عمِل الكافرُ من حسناتٍ فإنَّ اللهَ لا يقبلُها منه.. يقول الله تعالى في سورة الفُرقان (وقدِمنا إلى ما عمِلوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا.. أصحابُ الجَنَّةِ يومئذٍ خيرٌ مستقَرًّا وأحسنُ مَقيلا).. وفي سورة إبراهيم (مَثَلُ الذين كفروا بربِّهم أعمالُهم كرمادٍ اشتدَّت به الريحُ في يوم عاصِف، لا يقدِرون مما كسَبوا على شيء، ذلك هو الضلالُ البعيد).. وفي سورة النور (والذين كفروا أعمالُهم كسرابٍ بقِيعَةٍ يحسَبُه الظمآنُ ماءً حتَّى إذا جاءه لم يجدْه شيئًا ووجد اللهَ عنده فوفّاه حسابَه، والله سريعُ الحساب)..
 

لقد تقرَّر بنتيجةِ هذا البحثِ الموجَز أنَّ علمَ التوحيدِ الذي به يُعْرَفُ اللهُ تعالى على ما يَليقُ به هو العِلْمُ المقدَّم على سائر العلوم لتعلُّقه بأشرفِ المعلومات، وهو الله تعالى، وأنَّ علمَ الكلامِ هو علمُ تقريرِ الأدلّةِ العقليّةِ والنقليّةِ التي بها تُرَدُّ شُبَهُ المضلِّلين والمشكِّكين.. فهو علمُ نصرةِ علمِ العقيدة.. فمن وَفَّقَهُ الله لتعلُّمه بنيّةٍ خالصةٍ فقد أنعم الله عليه بنعمةٍ عظيمة.. وفَّقَنا الله لِمَا يحبُّه ويرضاه.. والحمد للهِ رَبِّ العالَمين..

الأحد، 28 أبريل 2019

الدّليل من الحديث على جواز تأويل المتشابه من الآيات والأحاديث

الدّليل من الحديث على جواز تأويل المتشابه من الآيات والأحاديث



روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ».

قال الإمام النّووي في شرح هذا الحديث : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ : يَا رَبُّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِيَ فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ ؟ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : إِنَّمَا أَضَافَ الْمَرَضَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَالْمُرَادُ الْعَبْدُ تَشْرِيفًا لِلْعَبْدِ وَتَقْرِيبًا لَهُ . قَالُوا : وَمَعْنَى ( وَجَدْتنِي عِنْدَهُ ) أَيْ وَجَدْتَ ثَوَابِي وَكَرَامَتِي ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ : لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ، لَوْ أَسْقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي أَيْ ثَوَابَهُ.

وبالمناسبة نورد بعض الآيات المتشابِهة ونذكر تفسيرها الذي يوافق الآيات المحكمة . قال الله تعالى : ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [ سورة فاطر ] . فالمقصود بكلمة ” إليه ” أي إلى محلّ كرامته وهو السّماء ، فهذا مطابقٌ ومنسجمٌ مع الآية المحكمة : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شىءٌ ﴾ وهو تفسيرٌ صحيحٌ ليس فيه تشبيهٌ لله بِخَلْقِهِ.

ويجوز أن يُقال في قوله تعالى : ﴿ الرَّحْمَـنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [ سورة طه ] أي قهرَ وحفِظَ وأبقى العرش ، والفائدة من ذلك أن يُعْلَم أن الله مسيطرٌ على كلّ المخلوقات لأن العرش أكبر المخلوقات حَجْمًا . ولا يجوز تفسير الآية المتشابِهة على معنى لا يليق بالله عزَّ وجلَّ . فلا يجوز أن يقال استوى أي جلس لأن الجلوسَ لا يكون إلا من ذي أعضاء والأعضاء مستحيلةٌ على الله . قال الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : ” إِنَّ الله خَلَقَ العَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ ” .

وليُعلَم أن الله تعالى خالقُ الروح والجسد فليس روحاً ولا جسداً . وأما إضافة الله تعالى روحَ عيسى إلى نفسه فهو على معنى المِلك والتشريف ، لا على معنى الجزئية . فقوله تعالى : ﴿ فَنَفْخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنا ﴾ [ سورة التحريم ] معناه أن الله أمر الملَكَ جبريل أن ينفخ في مريم رُوحَ عيسى التي هي مُشرّفة عنده ، لأن الأرواح قسمان : أرواحٌ مشرّفةٌ وأرواحٌ خبيثةٌ ، وأرواح الأنبياء من القسم الأول . فإضافة روح عيسى وروح ءادم إلى الله هي إضافة تشريف . ويقال مثل ذلك في قوله تعالى لإبراهيم وإسماعيل : ﴿ أَنْ طَهِّراَ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ ﴾ فالكعبة هي مكانٌ مشرّفٌ عند الله . أما قوله تعالى : ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهمْ مِن فَوْقِهِمْ ﴾ [ سورة النحل ] فالمقصود به فوقيّة القهر دون المكان والجهة .

ومعنى قوله تعالى في توبيخِ إبليسَ : ﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ سورة ص ] فَيَجُوزُ أن يُقَالَ المُرادُ بِاليَدَيْنِ العِنَايَةُ والحِفْظُ . ومعنى قوله تعالى : ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [ سورة الفجر ] جاء أمرُ ربِّك أي أثرٌ من آثار قدرتة حيث تظهر أهوالٌ عظيمة يوم القيامة .

ويقال في قول الله تعالى :﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾ [ سورة الحديد ] إنّ الله عَالِمٌ بكم أينما كنتم .

وأمَّا قولُهُ تعالى : ﴿ وقِيلَ اليَومَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾[ سورة الجاثية ] فقد ذُكرَ على وجهِ المقابلةِ ومعناهُ تَرَكناكُم من رحمتِنا كما أنتم تركتم طاعةَ الله في الدنيا بالإيمان به .

وكذلك لا يجوزُ أن يُؤخذَ من قولِ الله تعالى : ﴿ إنَّ الله لا يَسْتَحْيِى أن يَّضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً ﴾[سورة البقرة / 26] جواز تسميةِ الله بالمستحيي ، ومعنى الآية أننا لا نترك استحياءً كما يترُكُ البشرُ الشىءَ استحياءً ، معناه أنَّ الله لا يُحِبُّ تركَ إظهارِ الحَقّ فلا يتركُهُ للاستحياءِ كما يفعلُ الخلقُ، وهذا مستحيلٌ على الله . وأما قولُهُ تعالى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتىَّ نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ ﴾ [سورة محمد/31] فَلَيْسَ معنى ذلك أنّه سوف يعلم المجاهدين بعد أن لم يكن عالماً بِهم بالامتحانِ والاختبار، وهذا يستحيلُ على الله تَعَالَى، بل معنى الآيةِ حتى نُمَيِّزَ أي حتىَّ نُظْهِرَ للعباد المجاهدين منكم والصابرين من غيرهم . ويكفر من يقول إن الله تعالى يكتسب علماً جديداً . وقوَل الله تبارك وتعالى : ﴿ الله نُورُ السَّمَـوَاتِ وَالأرْضِ ﴾ [سورة النور] معناه أن الله هادي أهل السموات والمؤمنين من أهل الأرض لنور الإيمان . فالله تعالى ليس نورًا بمعنى الضوء بل هو الذي خلقَ النور . قال تعالى في سورة الأنعام : ﴿ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ أي خلق الظلمات والنور فكيف يمكن أن يكون نوراً كخلقه ؟! تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا . فلا يجوز اعتقاد أنَّ الله ذو لونٍ أو ذو شكلٍ . وأمّا ما ورد في الحديث أن الله جميلٌ فليس معناه جميل الشكل وإنما معناه جميل الصفات أومُحْسِن . وأما النُّزُولُ المذكورُ في حديثِ : (( يَنـزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا )) فأحسنُ ما يُقالُ في ذلك هو نزولُ المَلَكِ بأمرِ الله فينادي مُبلغاً عن الله تلك الكلمات : (( من ذا الذي يدعوني فأستجيبَ له من ذا الذي يستغفرني فأغفرَ له من الذي يسألني فأُعطيَهُ )) فيمكثُ المَلَكُ في السماء الدنيا من الثلث الأخير إلى الفجر . أما من يقولُ ينـزلُ بلا كيفٍ فهو حقٌّ ، لأنه لما قال بلا كيفٍ نفى الحركة والانتقال من عُلوٍ إلى سُفلٍ . والله تعالى غنيٌّ عن العالمين أي مستغنٍ عن كلّ ما سواه أزلاً وأبدًا وتفتقر إليه كلّ الكائنات . فلا يحتاج الله تعالى إلى مكانٍ يقوم به أو يحلّ به أو إلى جهةٍ ، لأنه تعالى موجودٌ قبلَ المكان بلا مكان ، وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه .

وليس المقصود بالمعراج الوصول بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكان ينتهي وجود الله تعالى إليه ، إنما القصد من المعراج هو تشريف الرسول صلى الله عليه وسلم بإطلاعه على عجائب في العالم العلوي وتعظيم مكانته ، ورؤيته صلى الله عليه وسلم لله بفؤاده من غير أن يكون الله تعالى في مكان . قال سيّدنا الخليفة الراشد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : ” كَانَ الله وَلا مَكَان وهوَ الآنَ عَلَى ما عَليه كَان ” .

وليس محورُ الاعتقاد على الوهم بل على ما يقتضيه العقلُ الصحيحُ السليمُ الَّذي هو شاهدٌ للشرع ، ذلك لأنَّه لو كان لله تعالى مكانٌ لكانَ له مقدارٌ ، أبعادٌ وحدودٌ ومن كان كذلك كان مُحْدَثاً أي مَخْلُوقًا ولم يكن إلهاً . وكما صحّ وُجودُ اللهِ تعالى بلا مكانٍ قَبل خَلق الأماكن والجِهاتِ ، يَصِحُّ وجودُهُ بعد خَلْقِ الأماكنِ بلا مَكانٍ . وهذا لا يَكونُ نَفياً لوجودِهِ تعالى . قال الإمام ذو النُّون المصري : ” مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بَبَالِكَ فَالَّلهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ “.

إذا قال المشبِّه إنَّ القرءان والحديث يدلان على أنَّ الله تعالى متحيز في جهة فوق ، كيف يرد عليه ؟ الرد يكون بالدليل النقلي لأن هذه الفرقة فرقة التشبيه تقول: نثبت لله ما أثبت لنفسه وننفي عنه ما نفى عن نفسه . معنى كلامهم أنَّهم يثبتون لله مشابَهة الخلق . أمّا قولهم: وننفي عنه ما نفى عن نفسه ، يريدون بذلك نفي تنـزيه الله عن التحيز في المكان والجهة وعن الجسمية ونحو ذلك من أوصاف الجسم كالحركة والسكون والانتقال والانفعال إلى غير ذلك من صفات الحجم. القدماء منهم كان قسم منهم يقول: هو حجم لطيف نور يتلألأ، أمَّا هؤلاء الذين في هذا العصر يقولون عن الله : جسم كثيف ، بدليل قولهم إنَّه في الآخرة لَمَّا يقال لجهنَّم هل امتلأت فتقول هل من مزيد ، إن الله تعالى يضع قدمه فيها ولا يحترق ، فهذا دليل على أنَّهم مجسمة .

إذا أورد أحد المشبهة حديث الجارية يقال لهم: هذا الحديث يخالف الحديث المتواتر الذي رواه خمسة عشر أو ستة عشر صحابياً . وهذا الحديث المتواتر الذي يعارض حديث الجارية فيه قوله عليه السلام: (( حتى يشهدوا أَن لاَّ إِله إلاَّ الله وأنِّي رَسُولُ الله )) هذا الحديث معناه أنَّه لا يحكم بإسلام الشخص إلا بالشهادتين . وحديث الجارية فيه أنَّ الرَّسول اكتفى بالحكم لإِسلام الجارية التي جاء بِها صاحبها ليمتحنها الرَّسول ليعتقها إن كانت مؤمنة بأنَّها قالت في السَّماء ، في هذا الحديث أنَّ الرَّسول قال لها : أين الله ، قالت : في السَّماء ، قال: من أنا قالت : رسول الله ، قال: أعتقها فإنَّها مؤمنة. هذا اللفظ رواه مسلم من طريق صحابي واحد ، وبين هذا الحديث وبين الحديث المتواتر الذي رواه خمسة عشر صحابيًّا تعارضٌ لأن حديث الجارية يوهم أنه يكفي أن يقول الشخص: “الله في السماء” للحكم له بالإيمان وهذا خلاف الحق ، بِهذا يُرَدُّون . فإن قال قائل إن هذا الحديث حديث الجارية وافق عليه شرَّاح مسلم: النّووي والرّازي وغيرهما ، الجواب أنْ يقال إنَّ هؤلاء ما حَملوه على الظَّاهر بل أوَّلوه ، النَّووي والرَّازي وغيرهما الذين شرحوا كتاب مسلم ما حملوه على الظَّاهر كما أنتم حملتموه على الظَّاهر إنَّما قالوا : معنى “أين الله” سؤال عن عظمة الله وليس سؤالاً عن التحيز في مكان لأنَّه يقال في اللغة : “أين فلان” بمعنى ما درجته ، ما علو قَدْرهِ ؟ فإذا قال “في السَّماء” معناه رفيع القدر عالي القدر ، على هذا حملها هذان الشارحان النّووي والرّازي ، ما حملاه على الظَّاهر كما حملته الوهابية على الظاهر . فإن تركتم حمله على الظَّاهر وأوّلتموه كما أوّلوه لم يلزمكم الكفر بالنسبة لهذه المسألة، كما أنَّ أولئك لَمَّا حَملوه على خلاف الظَّاهر وأولوه تأويلا أي أخرجوه عن الظَّاهر ، ما فسروه على الظاهر، سلِموا من الكفر ، أمَّا من حمله على الظَّاهر وقال : هذا دليلٌ على أنَّ الله متحيز في السَّماء فحكمه التكفير ، ثم إنَّ كلمة “في السماء” في اللغة تستعمل للتحيّز وتستعمل لرفعة القدر أي لعلو الدرجة، الله وصف نفسه بأنَّه رفيع الدرجات أي أنَّه أعلم من كل عالم وأقدر من كل قادر ونافذ المشيئة في كل شىء .

كلمة “أين” تأتي للسؤال عن الحيِّز والمكان وتأتي للسؤال عن القدر والدرجة والحاصل أن الحديث الذي يعرف بحديث الجارية والذي يتمسك به المشبهة متعلقين براوية الإمام مسلم هو عند علماء الحديث ليس بصحيحٍ لأمرين : للاضطراب لأنه رُويَ بِهذا اللفظ (أي لفظ مسلم) وبلفظ : من رَبُّك ، فقالت : الله ، وبلفظ : أينَ الله ، فأشارت إلى السّماءِ ، وبلفظ : أتَشهَدينَ أن لا إله إلا الله ، قالت : نعم ، قال : أتشهدين أنِّي رسولُ الله ، قالت : نعم . واللفظ الأخير هو في رواية الإمام مالك في الموطأ . ومالك أقوى من مسلم في الرواية لأنه لا يفصله عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلاّ ثلاثة أو أربعة من الرواة . والأمر الثَّاني : أن رواية أين الله مخالفةٌ للأصولِ لأن من أصول الشريعةِ أن الشخصَ لا يُحْكَمُ له بقولِ “الله في السماء” بالإسلامِ لأنَّ هذا القولَ مشتَركٌ بين طوائف أهل الكتاب وغيرِهم وإنما الأصلُ المعروفُ في شريعةِ الله ما جاءَ في الحديث المتواتر الذي ذكرناه ءانفاً .

أمَّا احتجاج هؤلاء المشبّهة بآية ﴿ ءأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء ﴾ فالجواب أن يقال لهم (من في السماء) المراد الملائكة وليس المراد بكلمة “من” الله . لأن الملائكة لو أمرهم الله أن يخسفوا بالمشركين الأرض لخسفوا بِهم ، كذلك الآية الأخرى التي تليها ، أي ريحا شديدة ، فالملائكة هم يرسلون الريح فالله تعالى لو أمرهم بأن يرسلوا ريحاً تبيدهم لفعلوا هذا معنى الآيتين ﴿ ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَّخْسفَ بِكُم الأَرْضَ ﴾ والآية التي تليها ﴿ أَمْ أمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُّرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصباً ﴾ أي رِيحاً شديدة.

وهذه الآية تفسَّر بِما ورد في الحديث الصّحيح (( ارْحَمُوا مَن فِي الأَرْضِ يَرْحَمكُم من فِي السَّمَاءِ)) ووردت رواية صحيحة أخرى (( ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ )) هذه الرواية فسرت “من في السَّماء” المذكورة في الآية أن المراد بِمن في السَّماء الملائكة لأنَّ الله لا يُعَبَّرُ عنه بأهل السَّماء إنَّما يُعَبَّرُ بأهل السَّماء عن الملائكة لأنَّـهم سكانـها أي سكان السَّمـوات ، بِهذا يُجاب عن تمسك المشبّهة بالاحتجاج بِهاتين الآيتين.

ثم كل ءاية يتمسكون بِها يدل ظاهرها على أن الله حجمٌ متحيزٌ في جهة فوق وأنه يتحرك ينـزل وينتقل إلى تحت إلى السماء الدنيا وأنه يوم القيامة ينزل إلى الأرض مع الملائكة بذاته كما هو ظاهر الآية ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْـمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ يُجاب عن هذا كلّه بأنَّ هذه الآيات تفسيرها على الظاهر يؤدي إلى التناقض في القرءان والقرءان منـزَّه من التناقض ، لأنَّ هذه الآيات لو فُسرت على الظَّاهر لعارضها ءايات أخرى ظاهرها أنَّ الله في جهة الأرض كقوله تعالى ﴿ ولله الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾ [سورة البقرة / 115] . ظاهر هذه الآية أنَّ الله هنا في محيط الأرض بحيث يكون الذي يصلي إلى الجنوب أو إلى الشمال أو إلى المشرق أو إلى المغرب يكون اتـجه إلى ذات الله وهذا لا يقولون به . يقال لهم : تلك الآيات قرءان وهذه الآية وأمثالها قرءان وأنتم لا تحملون هذه الآيات التي ظواهرها أن الله في جهة تحت وأمثالها كآية ﴿ وقَالَ إِنّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [سورة الصافات / 99 ] هذه الآية تخبر عن إبراهيم أنه لما ترك قومه الذين لم يقبلوا منه ترك عبادة الأوثان قال : إني ذاهب إلى ربي . ظاهر هذه الآية أن الله متحيز في فلسطين لأن إبراهيم كان قاصداً أن يذهب إلى فلسطين ، وأنتم لا تقولون بظاهر هذه الآية ولا تلك الآية ، وكل تلك التي فسرتـموها على الظاهر والتي لم تفسروها على الظَّاهر قرءان ، على هذا يلزمكم التناقض في القرءان . فلا سبيل للنجاة من لزوم التناقض في القرءان إلاَّ أنْ تُؤول الآيات التي ظواهرها أنَّ الله في جهة فوق متحيز والآيات التي ظواهرها أنَّ الله في جهة تحت ، يجب أن لا تُحمل على الظَّاهر ، هذه تؤول وهذه تؤول . ثم التأويل بعض أهل السنة قالوا : بلا كيف، بلا شكل ولا كمية ، أو يقال على ما يليق بالله كما في ءاية ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ﴾ لنفي التحيز والجلوس على العرش عن الله وفي ءاية ﴿ فَأَيـنَمَا تُـوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله ﴾ يقال : فثم قبلة الله كما قال بعض السلف مجاهد الذي أخذ العلم عن ابن عباس رضي الله عنهما . أمَّا ءاية ﴿ وَقَالَ إِنِّـي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّـي ﴾ معناه أي إلى المكان الذي أعبد فيه ربِّي بلا إيذاء لأنَّ قومه رموه في النَّار فلم يحترق ومع هذا لم يُسلموا له ، لم يتبعوه في الإسلام .

وقد رَوى البُخَارِيُّ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا كَانَ أَحَدُكُم في صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي ربَّه فلا يَبْصُقَنَّ في قِبْلَتِهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ )) ، وهذا الحديثُ أقْوى إسناداً منْ حَدِيثِ الجَارِيَةِ . ومعنى هذا الحديث أن المسلم الَّذي يُقبلُ على ربه في صلاته فلا يبصقن في جهة القبلة ولا عن يمينه فإنَّ رَحمة ربه بينه وبين قبلته.

وأَخْرَجَ الُبخَارِيّ ُ أَيْضاً عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ارْبَعُوا على أَنفُسِكُمْ فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غَائِباً ، إنَّكم تَدْعُونَ سميعاً قَرِيباً ، والذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ )) . ومعنى الحديث أي هَونوا على أنفسكم ولا تجهدوها برفع الصوت كثيرا في التكبير والدعاء فإنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يغيب عن سمعه وبصره وعلمه شىء وهو أعلم بكم ، وهو قريبٌ سميعٌ مجيبٌ أقرب إلى أحدكم معنىً لا حسَّاً أي بعلمه.

والحاصل من وفقه الله للفهم وأرشده للحق علم أنَّ عقيدة الإسلام هي تنـزيه الله عن مشابَهة المخلوقين وأنَّه تعالى موجود بلا كيف ولا مكان.

عن عائشة رضي الله عنها قالت تـلا رسـول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ‌ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ۗ وَالرَّ‌اسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَ‌بِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ‌ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ قالت: قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا رأيتم الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم ». رواه البخاري

الاثنين، 22 أبريل 2019

أقربُ ما تكونُ المرأةُ إلى وجهِ اللهِ إذا كانت في قَعرِ بيتها

أقربُ ما تكونُ المرأةُ إلى وجهِ اللهِ إذا كانت في قَعرِ بيتها
===============================

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرأة عَورةٌ فإذا خرجت استشرفها الشيطانُ وأقربُ ما تكونُ المرأةُ إلى وجهِ اللهِ إذا كانت في قَعرِ بيتها"رواه ابن حبان وغيرُه

ينبغي للمرأة أن تُلازِم البيت ولا تخرج من بيت زوجها لغير حاجة مُهمّة، فقد روى ابن حبان وغيرُه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"المرأة عَورةٌ فإذا خرجت استشرفها الشيطانُ وأقربُ ما تكونُ المرأةُ إلى وجهِ اللهِ إذا كانت في قَعرِ بيتها"
ومعنى استشرفها الشيطانُ أي يهتمّ بها ليفتنَ بها أو يفتنها. فهو كالذي يُحدقُ بالشىء مهتمًّا به وهو واضع أصابعه فوق عينيه.
ومعنى "وجه الله" هنا طاعة الله، وقد أوَّل بعض السلف "وجه الله" في ءاية {كل شىء هالكٌ إلا وجهَه} بأن المراد بالوجه الطاعات التي يتقرب بها إلى الله.
فمعنى الحديث أنه مطلوب من المرأة أن تلازم البيت فلا ينبغي للمرأة أن تخرج من بيتها إلا لأمرٍ تحتاجه لدينها أو لدنياها، الخروج لغير ذلك من النساء لا ينبغي، أزواج الرسولِ عليه السلام وعلى ءاله بعدما قال لهنّ لما رجع من حجة الوداع "هذه ثُمَّ ظُهُورَ الحُصُر"معناه هذه الحَجَّة خرجتموها معي، بعد ذلك إلْزَمنَ الحُصُر، أي إِلزمنَ بيوتكنَّ، ما خرجت بعد ذلك واحدة منهنّ للحجَّ إلا عائشة.
عائشة خرجت بنيّة الحجّ وقالت قول الرسول :"ثمّ ظُهُورَ الحُصُر" ليس معناه أنه فرض علينا ملازمة البيوت بعد هذا، إنما معناه الأفضل لنا هذا.
فخروج المرأة من البيت إن لم يكن هناك سبب شرعيّ لا خير فيه، بل صلاة الجماعة للمرأة في بيتها أفضل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"صلاةُ المرأةِ في بيتها أفضلُ من صلاتها في مسجدي" رواه مسلم.

حكم حلق اللحية في الإسلام


حكم حلق اللحية في الإسلام

وَرَدَ في (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) أنَّ رسولَ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال :" عَشَرَةٌ من السُّـنَّة : السِّواكُ وقَصُّ الشارب والمضمضةُ والاستنشاقُ وتوفيرُ اللِّحية وقَصُّ الأظفارِ ونتفُ الإبطِ والخِتانُ وحَلْقُ العانةِ وغَسْلُ الدُّبُرِ " ..



*لم يَرِدْ نصٌّ صريحٌ في القرءان ولا عن رسول الله في تحريم حَلْقِ اللِّحية . إنما هناكَ حديثٌ وَرَدَ عن رسول الله فَهِمَ منه بعضُ العلماء أنَّ حلقَ اللِّحية بالموسى حرامٌ ولم يَفْهَمْ منه بعضُ العلماء أنَّ حَلْقَ اللِّحية بالموسى حرام وهو الحديثُ الذي رَوَاهُ البخاريُّ في (صحيحه) عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" أَحْفُوا الشَّواربَ وأَعْفُوا اللِّحَى " .. فالمسألة خلافيَّة .. الأئمَّة لم يتَّفقوا على تحريم حلقها .. أبو حنيفة قال :" إعفاءُ اللِّحية واجبٌ وحلقُها حرام " .. وأما الشَّافِعِيَّةُ فيقولون :" إعفاءُ اللِّحية مستحبٌّ وحلقُها مكروه " .. وأمَّا الإمامُ مالكٌ والإمامُ أحمدُ فلم ينصَّا على المسألة ، لكنْ أتباعُ الإمامِ مالكٍ اختلفوا ، بعضُهم حَرَّمَ وبعضُهم قالوا مكروه . أمَّا أصحابُ الإمام أحمدَ فلم يحرِّموا .


*يُسْتَحَبُّ أنْ تكونَ اللِّحيةُ كَثَّةً . قال الحافظُ النَّوَوِيُّ :" اللِّحيةُ تُتْرَكُ كما هي ولا يُؤْخَذُ منها شيء " .. وذَكَرَ البخاريُّ في (صحيحه) عن ابنِ عُمَرَ أنه كانَ إذا حَجَّ أو اعتمرَ قَبَضَ على لحيته فما فَضَلَ أخذَه . وحَرَّمَ رجُلٌ شاذٌّ يُسَمَّى ناصرَ الدِّينِ الألبانيَّ على الرَّجُلِ أنْ يُطيلَ لحيـتَه فوقَ القَبْضَة . وهذا شُذُوذٌ من شذوذاتهِ التي شُهِرَ بها .. وقد وردَ حديثٌ مختلَف فيه رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أنَّ الرَّسُولَ كان يأخذُ من لحيته من طولها وعرضها .. وقد ذكر الحافظُ ابنُ حَجَرٍ وغيرُه أنَّ الحَسَنَ البصريَّ قال :" يُسَنُّ الأَخذُ مِنْ طُول اللِّحيةِ وعَرْضِها " .. وأمَّا :" خيرُ الذُّقُونِ قبضةٌ تكون " فهو من كلام النَّاس . ثمَّ إنَّ الذَّقَنَ شيء واللِّحية شيءٌ ءاخر ..


*تنبيه : اللِّحيةُ هي ، في الأصلِ ، الشَّعْرُ النَّابتُ على الذَّقَن . والذَّقَنُ هو مجتمعُ اللَّحْـيَـيْـنِ . واللَّحْيانِ هما العظمانِ اللَّذانِ في طَرَف الوجه ، ويقال لمجتمعِهما الذَّقَنُ ، ويقالُ للشَّعرِ النَّابتِ على اللَّحْـيَـيْـنِ العَارِضان . والعَنْفَقَةُ هي شعرُ الشَّفَةِ السُّفلى . وقد ذكر بعضُ الشَّافعيَّة أنه يُكْرَهُ الأخذُ من جوانب العَنْفَقَة . لكنْ صَرَّحَ بعضُ أكابرِ الشَّافِعِيَّةِ بجوازِ حلق العَنْفَقَة ..

والحمدُ لله رَبِّ العالمين

الرَّدُّ العِلمي عَلَى ضَلَالَاتِ محمد راتب النابلسي-1



السَّاكِتُ عَنِ الحقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَس


بسم الله الرحمٰن الرحيم، الحمد لله الموجود أزلًا وأبدًا بلا جهةٍ ولا مكان، المنزَّه عن صفاتِ الملائكة والإنس والجانّ، الذي لا يشبه شيئًا من العوالم والأكوان، تقدَّس عن الحركات والسَّكنات والاتصال والانفصال والأشكال والألوان، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على حبيب الله نبيِّنا المصطفى سيِّد الخلائق وإمام الرسل وأفضل العالمين وأزكى الإنسِ وولَدِ عدنان، وعلى ءاله الذين هبُّوا لنصرة الدين في كلِّ ميدان، وصحابته الذين قاموا بنشر العقيدة وحفظوا من الدين الأصول والفروع والأركان، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين الطاهراتِ البارَّات المبرَّءات من الرِّجس والأدران.


أما بعد، فيقول الله تعالى في الحديث القدسي (حَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَنَاصِحِينَ فِيَّ) (1)، ويقول حبيبنا وسيدنا محمدٌ النبي الأمي الزكي العالي القدر العظيم الجاه صلى الله عليه وسلم (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) (2).


ومن النصيحة المؤكَّدة الواجبة في ديننا الإسلام تحذيرُ الناس ممَّا يضرُّهم في دينهم ودنياهم لِمَا جاءَ في قوله عليه الصلاة والسلام (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) (3) وقيامًا منَّا بالنصيحة الواجبة للأمَّة وأبنائها فإنَّا نحذِّر من رجلٍ دمشقي عَظُم خطرُه وكَبُرَ ضررُه وانتشر شررُه في الفضائيات واليوتيوب ومواقع التواصل ومن قبل ذلك في التأليفات، وهو ليس من أهل العلم ولم يتلقَّ العلمَ الصَّافي من الثقات العارفين، بل استقى جهله واغترف غيَّه من جهلاء ضُلَّال من أهل البدع والأهواء، كانوا على عقيدة التشبيه والتجسيم والحلول والاتحاد والاعتزال كأمثالِ محمد أمين شيخو الكردي الدمشقي وعبد الهادي الباني الذي يقول في تسجيلٍ موجودٍ عندنا بلهجته الشامية: (روحوا اغسلوا إيديكم من عقيدة القضاء والقدر، يلِّي عقيدة المجوس واليهود أحسن منها)، والعياذ بالله من هذا الكفر الصُّراح، ويقول في نفس التسجيل (من أسماء الله القدوس، ومعنى القدوس المنزه عن النقائص والعيوب ومع ذلك خلق جهنم وخلق الشياطين وخلق الكفار والزناة والسارقين)، ثم قال معقِّبًا مستخفًّا بالله مستهزئًا بربِّ العالمين (إيه شو هالقدوس هاد!)، ثمَّ وجَّه خطابه إلى الشيخ عبد الهادي الطبَّاع وقال له (لو كنت إنت إله بتعمل هيك؟).


فهذا عبد الهادي الباني وهذه كفرياته بل نزر قليل منها، وهو شيخ وأستاذ محمد راتب النابلسي الذي [ومن عظيم جهله] وقعَ في كلِّ أبواب وأقسام الكفر، ولا عجب في قولنا هذا، فإنك أخي القارئ ستجد في طيَّات هذا الكتاب ما يكفيك بل ويغنيك لمعرفة ما زلَّت به قَدَمُ هذا الرَّجُلِ، وكيف السبيل للتخلص من رديء وشنيع كلامه.


ومن جملة تُرَّهاته وسخافته في محاضراته على اليوتيوب قوله (وما جعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا)، ثم يقول مكذِّبًا لله مستهزئًا بالقرءان (بل قد جعل علينا ألف سبيلٍ وسبيل)، وكذلك يكفِّر من يخاف من غير الله، ويكفِّر المستغيثين ويقول (إن حفظت معك رقم هاتف رجلٍ قويٍّ ليخلِّصك من مشكل إذا ما حصل معك فأنت مشرك)، إلى غير ذلك من كفريَّاته وضلالاته، فلا تغترُّوا به ولا بلقبه الدكتور وإن كان طبيبا، فهذا لا يُعطيه الحقَّ ليتجرَّأَ على الله ولا على كتابه ولا على دينه فيغرف بما لا يعرف ويخوض في متاهات البعوض ويفتي بغير علمٍ فينسب إلى الله العجز ويُكفِّر الأمة ويروِّج لعقائد الكفَّار، ويستحسن عبادة غير الله، ويعتبر أنَّ الإعانة على الإشراكِ والكفر من نتائج حبِّك لله، فالحذر الحذر منه ومن محاضراته وتسجيلاته وتأليفاته، وليحذِّر بعضكم بعضًا فإنه إمامٌ من أئمة النار وهو يصلاها إن بقي ومات على ذلك، وإنه داعٍ على أبواب جهنَّم كما قال الرسول ﷺ: (أُنَاسٌ مِنْ جِلْدَتِنَا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنِ اسْتَجَابَ لَهُمْ قَذَفُوهُ فِيهَا)، وقد ورد في الأثر (إذا ظهرت البدع وسكت العالم لعنه الله)، والبدع هنا العقائد المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، كالعقائد التي يروِّج لها أعداء السُّنَّة ممن ينتسبون كذبًا وزورًا للسنة، والسُّنَّة منهم براء، كأمثال محمد راتب النابلسي هذا، وعدنان إبراهيم الفلسطيني، وخالد بركات السوري، وعمرو خالد وخالد الجندي المصريَّيْنِ، وعبد الرحمن دمشقية اللبناني المشبه المجسم، ومحمود منصور قرطام الفلسطيني المعروف بالحبتري ذَنَب المجسمة الذي يدعو لتأييد البدعيِّيْنَ والدِّفَاعِ عنهم، ويهدم ويخرب على أهل السنة والجماعة، والذي فضح نفسه بما ينادي عليها من جهلٍ عريض وسخفٍ كبير، فإنه تجاوز حدَّه وتعدَّى قدره، فأذلَّ نفسه وحقَّرها وفضحها وصار أضحوكةً لطلبة العلم المبتدئين، وغيره من أمثال هؤلاء المفسدين في الأرض والمروجين للكفر والفجور.


فإلى كل المشايخ والدعاة، وإلى كلِّ الأئمة والخطباء، وإلى المؤلِّفين والمحاضرين، يجب علينا جميعًا حِفظُ الأمة وتحصينها من الدَّاخل من أمثال هؤلاء الذين يفسدون على أبناء المسلمين دينهم وعقائدهم، والمقصِّرُ مع الاستطاعة له موقفٌ صعبٌ يوم القيامة.


إلى دَيَّانَ يَوْمِ الدِّيْنِ نَمْضِي *** وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الخُصُومُ


واللهُ مِن وَرَاءِ القَصْدِ، وهو حَسْبُنا وَنِعْمَ الوَكِيل.


(1) صحيح ابن حبَّان، ابن حبَّان، (2/338).

(2) صحيح مسلم، مسلم، (1/741).

(3) صحيح مسلم، مسلم، (1/99).

الخميس، 18 أبريل 2019

الإيمانُ بالكُتُبِ السماوية

الإيمانُ بالكُتُبِ السماوية
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل:[ الإيمانُ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه.. الحديثَ] الكتبُ السماويةُ نزلَ بها جبريلُ على أنبياءِ الله وأشهرها أربعه التوراةُ والإنجيلُ والزبور والقرءان وهو أفضلها وهذه الكتبُ أخذها جبريلُ من اللوح المحفوظ وخلق الله تعالى صوتاً بألفاظ هذه الكتب سمعه جبريلُ, والتوراةُ أنزل على موسى والأنجيلُ على عيسى والزبور على داود وفيهِ حِكمٌ ومواعظ والقرءانُ أنزِل على محمد صلى الله عليه وسلم, والكلامُ الذي في هذه الكتب ليس عينَ الكلام الذاتي القائم بذاتِ الله إنما هو عباراتٌ عن ذلك الكلام فالعبارة شئ والمعبرُ عنه شئ ءاخر العبارة التي هي حرفٌ وصوت ولغة مكتوبة في اللوحِ المحفوظ وقرأها جبريل على الأنبياء لا شك أنها مخلوقة حادثه أما ماعَبرت عنه وهو كلامُ الله الواحد الأزلي الأبدي فهو ليس ككلام العالمين وقد قال بوحدة كلام الله أبو عليٍّ السكوني المتوفى سنة 707هـ وكذلك الحافظ البيهقي في كتابين له وكذلك كل أهل السنه ومعنى وحدة الكلام: أن كلام الله الذي هو صفتهُ ليسَ كلاماً متعددا بل هو كلام واحد وهذا الكلام الواحد هو وعدٌ ووعيد وأمرٌ ونهي وخبر واستخبار وتبشير وقد جاء في القرءان الكريم :{ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي }وليس معناهُ أن كلام الله متعدد إنما المعنى تعظيم كلام الله ومعنى الآية:{ لوكان البحر مداداً} أي حبرا يكتب به مايدل عليه كلامُ الله لكان هذا البحرُ ينفد أي ينتهي ومادل عليه كلام الله لاينفد هذا معنى{ قل لوكان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثلهِ مددا} وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:[ أعوذ بكلمات الله التامّة ]ذُكر الكلام بلفظ الجمع لتعظيم كلام الله ومعنى التامة: التي لانقص فيها معناه كلام الله لانقص فيه وأما قول الله تعالى: {لاتحرك به لسانك لتعجل به} فمعناه: يامحمد لاتقرإ القرءان أثناء قراءة جبريل عليك خشية أن ينفلت منك وقوله:{ إن علينا جمعه وقرءانه} معناه: نحن ضمنا لك أن لاينفلت منك القرءان أي أن تكون حافظاً له وقوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرءانه }أي جمعناه لك في صدرك فاتبع قرءانه أي أعمل به يقال في لغة العرب: قرأ الماء في الحوض أي جمعه فلا يجوز أن يكون الله تعالى نطق بالقرءان كما نحن ننطق به لذلك لايسمى الله ناطقاً إنما يسمى متكلماً أي موصوفاً بالكلام الذي هو صفته الذي ليس حرفا ولا صوتا ولا لغةً والدليل على إثبات صفة الكلام لله من القرءان قوله تعالى:{ وكلم اللهُ موسى تكليما }والدليل على أن هذه الآية أفادت إثبات الكلام حقيقة لله على ما يليق به أن الفعل في لغة العرب إذا أُكد بالمصدر كان ذلك دليلاً على الحقيقة والمصدر:( هو ما يأتي ثالثا في تصريف الفعل يقال كلم يكلم تكليما )ومعنى الآية: أن الله أزال عن سمع موسى الحجاب المعنوي المانع من سماع كلامه حين كان موسى في طور سيناء فسمع كلام الله الموجود أزلاً وأبداً والذي ليس حرفاً ولا صوتاً ولا لغة وليس ككلامِ العالمين من غير أن يحُل كلام الله الذي هو صفة ذاته في أُذن موسى لأن ما حَل بالمخلوق مخلوق ومما يدل على حدوث الروح حلولها في المخلوق قال أهل السنة:[ موسى وسمعه حادثان وكلام الله ليس حادثا] قال الإمام أبوحنيفة النعمانُ بنُ ثابت في كتابه الفقه الأكبر المولود سنة ثمانين للهجرة  والله يتكلم لا كما نحن نتكلم نحن نتكلم بالآلة والحرف والله يتكلم بلا آلة ولاحرف] ومعنى الآلة: مخرج الحرف كالحلق وهذا دليل على أن عقيدة أهل السنه سلفهم وخلفهم أن كلام الله الذي هو صفته ليس حرفاًً ولاصوتاً ولا لغة.
وقد جاء في صحيح البخاري أن الرسول قال:[ ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامةِ ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب ] معناه: في الآخرة الله هو يتولى حساب العباد بنفسه فيزيلُ عن سمع الخلق في موقف الحساب الحجاب المعنوي المانع من سماع كلامه الذاتي فيسمع كل الإنس والجن كلام الله الذي ليس حرفا ولا صوتا فيفهمون منه السؤال عن أعمالهم ونياتهم وأقوالهم فيفرح المؤمنون الأتقياء ويتنكد الكفار مع أن كلام الله واحد وهذا دليل على ان هذا الكلام الذاتي ليس حرفاً ولا صوتا ولا لغة,لأنه لوكان حساب الله عباده بالسؤال بالحرف واللغه لكان الله أبطأ الحاسبين والعياذ بالله والله يقول :{ ثم رُدُّوا إلى اللهِ مولاهم الحقِّ ألا له الحكم وهو أسرعُ الحاسبين} معناه: أنا أسرع من كل حاسب هذا معنى الآية وكذلك قول الله تعالى:{ سريع الحساب} يدل على ذلك وقد ورد في صحيح البخاري:[ أن البشر كلهم بالنسبة ليأجوج ومأجوج كواحد إلى ألف] فلو كان حساب هؤلاء بالحرف والصوت لأكل زماناً طويلا فثبت أن كلام الله الذي هو صفة ذاته ليس حرفاً ولاصوتاً ولالغة ولا بداية له ولا نهاية وأن القرءان الكريم والتوراة والانجيلَ الأصليينِ وسائر الكتب المنزلة عباراتٌ عن ذلك الكلام ومع ذلكَ يسمى ما فيها كلام الله لأنه ليس من تأليف بشر ولا تصنيف ملك.
والله أعلم وأحكم

شرح حديث: الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض ...

شرح حديث: الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض ...
==============================


الحمد لله وصلى الله على رسول الله
الحديث الذي رواهُ الترمذيُّ وهو:" الرَّاحمُونَ يَرحمُهُم الرّحمنُ ارْحَموا مَنْ في الأرض يرحمْكُم من في السَّماءِ "،
وفي روايةٍ أخرى " يرحمْكُم أهلُ السّماءِ ".

والمقصود بأهل السَّماءِ: أي الملائكة، كما قال ذلك الحافظ العراقي في أماليه عَقِيبَ هذا الحديث.الملائكة يرحمون من في الارض: اي ان الله يأمرهم بأن يستغفروا للمؤمنين (وهذه رحمة)، وينزلون لهم المطر وينفحونهم بنفحات خير ويمدونهم بمدد خير وبركة، ويحفظونهم على حَسَبِ ما يأمرهم الله تعالى. اهـ

قال الامام النووي ( 676): قال القاضي عياض المالكي (544): لا خِلافَ بين المسلمين قاطبةً فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أنّ الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: " أأمنتم من في السماء" ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم . اهـ

ذكره في كتابه صحيح مسلم بشرح النووي الجزء الخامس الطبعة الثانية لدار الكتب العلمية في الصيفة 22.
قال الامام القرطبي (671): في تفسيره في قول الله تعالى: " أأمنتم من في السماء ": قيل هو إشارة إلى الملائكة، وقيل الى جبريل الموكل بالعذاب. قلت: ويحتمل أن يكون المعنى: خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون.اهـ 

كتاب تفسير القرطبي المجلد 9 الجزء 18 طبع دار الكتب العلمية صحيفة 141.

قال الامام الرَّازيُّ (604) : واعلم أنّ المشبهة احتجوا على اثبات المكان لله تعالى بقوله: " أأمنتم من في السماء". والجواب عنه أنّ هذه الاية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين لان كونه في السماء يقتضي كونَ السماء محيطة به من جميع الجوانب فيكون أصغر من السماء والسماء أصغر من العرش بكثير، فيلزم أن يكون الله شيئًا حقيرا بالنسبة للعرش وذلك باتفاق الاسلام محال، لانه تعالى قال:" قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ".(سورة الأنعام الآية 12).
فلو كان اللهُ في السماء لوجب ان يكون مالكاً لنفسه وهذا محال، فعلمنا أنّ هذه الاية يجب صرفها عن ظاهرها الى التأويل.
كتاب التفسير الكبير( ج15 جزء30 ص61).

والله أعلم وأحكم

معنى الآية { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

معنى الآية { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }
اتَّفَقَ المسلمون عَلَى "وَحدَةِ كلامِ اللهِ تعالى"قال العلامةُ أبو علي السَّكونيُّ الإشبيليُّ في كتابه "التمييز" ما نصُّه: 
"وكلام الله سبحانه واحد بإجماع الأمة". اهـ
وقال الإمام البيهقيُّ في كتابه الاعتقاد ما نصه: "وكلامُ الله واحدٌ لَم يزلْ ولا يزالُ".اهـ
وكذلكَ اتفق المسلمون على أَنَّ اللهَ تعالَى صفاتُهُ لا تُشبِهُ صِفَاتِ خَلقِهِ،فاللهُ متكلمٌ بكلامٍ ليسَ حَرفًا وصَوتًا؛ لأَنَّ الكلامَ الذي يكونُ بالحرفِ والصوتِ مخلوقٌ،واللهُ لا يَتَّصِفُ بِحادثٍ. قالَ الإمام أَبُو حنيفةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ فِي كتابِهِ "الفقهِ الأكبرِ" : "نَحنُ نَتكلَّمُ بالآلاتِ والحروفِ واللهُ يَتَكلَّمُ بلا ءالةٍ ولا حَرفٍ". اهـ
وذهب العلماء في تفسير قولِ الله تعالى في سورة يس {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}يس:82 مذهبين:
قال الإمام أبو منصور الماتريدي: إنه عبارةٌ عن سرعةِ الإيجادِ وتكوينِهِ عند تعلقِ إرادتِهِ بلا تراخ ولا تعذّر.
وقال الإمام البيهقي الأشعري: عبارة عن حكم الله الأزلي بوجود الشىء فيحدث المراد له تعالى في وقته الذي شاء وعلم حدوثه فيه.اهـ
أي أنَّهُ يَخلقُ الأَشياءَ التِي أَرَادَ وجودَهَا بالكلامِ الأزلِيِّ الذي ليسَ حرفًا وصوتًا.
ليسَ المعنَى أنَّهُ يَنطِقُ بالكافِ والنُّونِ، النطقُ بالكافِ والنونِ مِن صفاتِنَا. 

ثُمَّ القولُ بأَنَّ اللهَ يَخلُقُ الأَشياءَ بالكَافِ والنُّونِ مَعنَاهُ أَنَّهُ يَخلُقُ الأشياءَ بعدَ النُّطقِ بالكافِ والنونِ، وهذا مستحيلٌ.
وأمَّا مَا يقولُهُ بعضُ الناسِ "سبحانَ مَن أَمرُهُ بينَ الكافِ والنونِ" فكلامٌ فاسِدٌ لا هو قرءانٌ ولا حديثٌ ولا هو كلامُ أَهلِ العِلمِ. اهـ
تفسير قوله تعالى : { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا }

هذه الآيةُ تتعلق بما حصل مع سيدنا موسى عليه السلام حين طلب من الله تعالى أن يريه ذاته أي بلا كيف و لا مكان لا كما يرى المخلوق ففي سورة الأعراف { و لما جاء موسى لميقاتنا و كلمه ربه قال ربي أرني أنظر إليك } 
معناه لما سمع سيدنا موسى عليه السلام كلام الله تعالى الأزليّ الأبديّ الذي ليس بحرف و لا صوت و لا لغة طلب من الله تعالى أن يراه
و هذا معناه أن رؤيه الله جائزةٌ عقلاً ليس كما تزعم المعتزلة يقولون الله لا يُرى فيقال لهم و هل أنتم أعرف بالله من موسى لو كان لا يُرى كيف يطلب موسى أن يراه و لكن لا أحد يرى الله تعالى في الدنيا بعينه لذلك قال الله تعالى :{ قال لن تراني و لكن أنظر إلى الجبل فإن إستقر مكانه فسوف تراني }

معناه هذا الجبل إن بقيَ مكانه مستقرًا بعد أن يعطى القدرة على رؤية الله سترى الله و لكن هو لن يبقى مستقرًا فلن تحصل لك الرؤية هذا المعنى 

قال الله تعالى : { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و خرَّ موسى صعقا } معناه الله تعالى و هو على كل شىء قدير جعل في الجبل إدراكاً فرأ الجبل الله تعالى فاندك

و ليعلم أن الله تعالى يُرى في الآخرة يراه المؤمنون بأعين رؤوسهم التي لا تفنى يرونه بلا جهةٍ و لا شكلٍ و لا مكان .

قَالَ الرّسولُ صلى الله عليه وسلم [إنَّ الله صَانِعُ كُلّ صَانعٍ وصَنْعَتِه]، هذا الحديث صحيح رواهُ الحاكمُ والبيهَقيُّ وابنُ حِبَّانَ من حَديثِ حُذيفةَ.

قَالَ الرّسولُ صلى الله عليه وسلم [إنَّ الله صَانِعُ كُلّ صَانعٍ وصَنْعَتِه]، هذا الحديث صحيح رواهُ الحاكمُ والبيهَقيُّ وابنُ حِبَّانَ من حَديثِ حُذيفةَ.
الصَّنعةُ في هذا الحديثِ المرادُ بِهَا العملُ الذي يعملُهُ العبدُ حركاتُهُ وسكونُهُ، الصنعةُ هنا مَعناها عملُ الإنسانِ، هنا ليسَ معنى الصَنعةِ المهنة والحرفة بَل العملُ إن كانَ عملاً جَسديًا وإن كانَ عملاً قلبيًا يقالُ لهُ صَنعَة، والمعنَى أنَّ الله خالقُ كلّ عاملٍ وعملِهِ. النجار لهُ صنعةٌ لكن مَن خلقَ النجارَ وخلقَ صَنعتَهُ؟ الله تعالى خلقَ النجارَ وصنعتَه. وفي هذا إبطالٌ لقولِ المعتزلةِ القائلينَ بأنَّ العبدَ يخلُقُ أفعالهُ بقدرةٍ خَلَقَهَا الله فيه فلا يُغترَ بقولهم. فالإنسان جسمُهُ واحدٌ، وأمّا أعمالُهُ حركاتُهُ وسكناتُهُ تُعَدُّ بالملايين، فلو كانَ الله خَلَقَ الجسمَ فقط والعبدُ يخلُقُ حركاته وسكناته لكانَ مخلوقُ العبدِ أكثر من مخلوقِ الله.

الدليل على ان الخير والشر بخلق الله

الدليل النقلى على ان الخير والشر بخلق الله تعالى
قوله تعالى (وخلق كل شيء فقدره تقديرا)
و قوله تعالى (الله خالق كل شيء)
فدخل تحت كلمة(شيء) الخير والشر
قال تعالى(قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ان الله صانع كل صانع وصنعته هذا الحديث صحيح رواهُ الحاكمُ والبيهَقيُّ وابنُ حِبَّانَ من حَديثِ حُذيفةَ.

اما الدليل العقلي على ان الله تعالى خالق الخير والشر- انه لو كان للشر خالق سوى الله- لكان في ذلك اثبات وجود إلهين - وهذا محال
وما ادى الى المحال فهو محال
- نقول للذي يسأل (هل الانسان مخير ام مسير)-كما قال اهل الحق- ان الانسان مختار تحت مشيئة الله - فان الله سبحانه وتعالى شاء في الازل حصول كل ما يحصل فى الوجود- يدخل في ذلك اعمال العباد-فهي تحصل بمشيئة الله وخلقه- وليس للعبد الا الاختيار- فالعبد يوجه قصده نحو العمل-والله يخلقه -ولا يخرج العبد في ذلك عن ارادة الله-والا يكون الله مغلوبا وهذا مستحيل
قال الله تعالى(والله غالب على امره)- اي لا احد يمنع نفاذ مشيئة الله - ولا يتصور من الله الظلم- قال تعالى(وما ربك بظلام للعبيد)-
فلم يشأ الله تعالى الا ما سبق العلم به من مقتضيات استعداد العباد- فمن علم الله منه في الازل انه يكفر -اظهر الله تعالى عليه ذلك بخلقه الكفر الذي يصدر منه باختياره -
ومن علم الله تعالى في الازل انه يكون مؤمنا - اظهر عليه ذلك بخلق الايمان فيه -
و الحمد لله رب العالمين

ما معنى قوله تعالى وهو معكم اين ما كنتم ؟

ما معنى قوله تعالى وهو معكم اين ما كنتم ؟
حراس العقيدة معناه الاحاطة بالعلم، قاله الثوري والشافعي واحمد ومالك وغيرهم؟. قال تعالى: ( وأن الله قد احاط بكل شيء علما ) < سورة الطلاق>
وقال أبو القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيري عند ذكر عقيدة الصوفية ما نصه: "وهذه فصول تشتمل على بيان عقائدهم في مسائل التوحيد ذكرناها على وجه الترتيب، قال شيوخ هذه الطريقة على ما يدل عليه متفرقات كلامهم ومجموعاتها ومصنفاتها في التوحيد: "إن الحق سبحانه وتعالى موجود قديم لا يشبه شىء من المخلوقات، ليس بجسم ولا جوهر، ولا عرض، ولا صفاته أعراض، ولا يتصور في الأوهام، ولا يتقدر في العقول، ولا له جهة ولا مكان، ولا يجري عليه وقت وزمان" انتهى باختصار.
وقال الشيخ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي الأشعري ما نصه: "تعالى - أي الله - عن أن يحويه مكان، كما تقدس عن أن يحده زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان" اهـ.

معنى الآية القرآنية "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" سورة النساء /34/

معنى الآية القرآنية "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" سورة النساء /34/
القوامة التي أمر الله بها أن الرجل ملزم بالنفقة على المرأة ورعاية شئون البيت والرجل أحق بهذه الرئاسة والمسؤولية لما فطره الله عليه من كمال العقل وحسن التدبير وقوة الجسم والقدرة على الكسب والإنفاق
وليست القوامة التسلط والظلم والقهر فلا دخل لهذا بالآية الكريمة.
سئل شيخنا رحمه الله عن قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض}؟
فقال الشيخ رحمه الله: الآية فيها أن الرجال لهم قوَّامية على النساء أي سلطة وأن لهم فضلا على النساء لكونهم أفضل من النساء، الله جعل لهم سلطة على النساء، المعنى أن الرجل يحكم زوجته ليست هي تحكمه لأنه أفضل منها بالرأي والفهم والعقل والقوة البدنية، بعض النساء من قلة عقولهن يُنكرون هذا وهذا دليل نقصان عقولهن ظاهر كالشمس.
الرِّجالُ من حيثُ الإجمال أقوى من المرأة عقلاً ومن حيثُ قوةُ الجسد، ساسةُ الدنيا الذين يحكمونَ الدنيا ويُديرونَ شؤونَ الناس همُ الرجالُ، {الرجالُ قوامون على النساء} الله جعلَ الرجالَ قوّامينَ على النساء، وجعلَ الطلاقَ بيدِ الرَّجلِ لأنَّ الرجالَ حظُّهم من العقلِ أكثر، وكذلك من حيثُ قوةُ الجسد، القوّةُ التي خلَقها اللهُ في الرجالِ أكبرُ من القوّةِ التي في النساءِ،
وفي الحديث: النساءُ ناقصاتُ عقلٍ ودين، وهذا الحديثُ دليلٌ أيضًا، ومعناهُ من حيثُ الجملةُ
لكنْ أحيانًا تُوجدُ أفرادٌ من النساءِ أقوى عقلاً من كثيرٍ من الرِّجالِ لكن العبرةُ بالأكثريَّةِ، قوله عليه الصلاةُ والسلام: ودين معناهُ لا تحصلُ على ثوابِ الصلاةِ كلَّ الدَّهرِ بسبب الحيضِ لأنها تنقطعُ عن الصلاةِ وقتَ الحيضِ والنِّفاس.

الحسنات يذهبن السيئات

الحسنات يذهبن السيئات
قال الله تبارك وتعالى: {إن الحسناتِ يُذهِبْنَ السيئات} جاءت أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شرح معنى الآية فمن ذلك ما رواه مسلم في الصحيح أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: أيَعْجِزُ أحدُكُم أن يكسبَ في اليوم ألفَ حسنةٍ يُسبحُ الله تعالى مائةَ تسبيحة فيُكْتَبُ له بهن ألفُ حسنة ويُمحى عنه بهن ألفُ خطـيَّة
في هذا الحديث بيان أن الحسنة الواحدة تمحو عشرة من السيئات، هذا أقل ما يكون وقد تمحو الحسنة الواحدة أكثر من ذلك من السيئات، بيان ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن المائة تسبيحة يكون ثوابها ألفًا من الحسنات وزيادة على ذلك أخبر بأنه يمحى عن قائل هذه المائة تسبيحة ألف خطيئة أي معصية ولم يقيد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخطيئة بأنها من الصغائر فنقول يجوز أن يمحو الله بالحسنة من الحسنات بعض الكبائر وإن كان ورد في فضل الصلوات الخمس أنه تُمحى عنه وتُكَفَّرُ عنه بها ما سوى الكبائر إن لم يغش الكبائر لكنَّ هذا ليس مطردا فيما سوى الصلوات الخمس فقد ثبت بالإسناد الصحيح أن من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيومُ وأتوبُ إليه يُغفر لـه وإن كان قد فر من الزحف الفرار من الزحف من أكبر الكبائر فإذا كان بهذه الكلمة من الاستغفار يمحى من الكبائر ما شاء الله تعالى فلا مانع من أن يمحى بالتسبيح ونحوه بعض الكبائر.

تفسير قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [سورة البقرة].

تفسير قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [سورة البقرة].
اعلم رحمك الله بتوفيقه أن كثيرًا من الجهال أخذ هذه الآية حجة وذريعة له في كثير من أمور التكاليف، فترى الواحد منهم مثلا إن كان مريضًا يشق عليه أمر الصلاة على هيئة كذا قال: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [سورة البقرة] فيترك الصلاة، وشاع استعمال هذه الآية في غير موضعها فإذا بكثير من الجهلة يتركون الواجبات ويتقاعسون عن الفرائض والطاعات متذرعين بهذه الآية، فجهل هؤلاء الناس لكثير من أمور الاحكام كان سببًا في هلاكهم، وما ذلك إلا لتكبرهم عن طلب العلم والتعلم، فنسأل الله السلامة والنجاة والمعافاة والتوفيق والسداد.
ومما ورد في تفسير قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} قال ابن الجوزي في زاد المسير: الوسع الطاقة قاله ابن عباس وقتادة ومعناه لا يكلفها ما لا قدرة لها عليه لاستحالته، كتكليف الزَّمِنِ السعي والاعمى النظر. فأما تكليف ما يستحيل من المكلف لا كفقد الآلات فيجوز كتكليف الكافر الذي سبق في علم الله القديم أنه لا يؤمن فالآية محمولة على القول الاول. ومن الدليل على ما قلناه قوله تعالى في سياق الآية: {رَبَّنَاوَلاَ تُحَمِّلْنَا مَالاَطَاقَةَ لَنَا بِهِ} فلو كان تكليف ما لا يطاق ممتنعًا أي مستحيلا كان السؤال عبثًا وقد أمر الله تعالى نبيه بدعاء قوم قال فيهم: {وَإن تَدْعُهُمْ إلى الهُدَى فَلَن يَهْتَدُواْ إذًا أبَدًا} [سورة الكهف] وقال ابن الأنباري المعنى: لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه، وإن كنا مطيقين له.

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [سورة البقرة].

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [سورة البقرة].
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: الاستواء في كلام العرب قد يكون بمعنى الانتصاب، وضده الاعوجاج، ولما كان ذلك من صفات الأجسام، فالله تعالى يجب أن يكون منزهًا عن ذلك، ثم قال: ولمَّا ثبت هذا وجب التأويل وتقريره أن معنى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} أي خلق بعد الأرض السماء. نقول أوجد السماء بعد الأرض.

آحذروا هذه العبارة و هي قولهم : ( الإنسانُ مُسيَّرٌ أم مُخيَّرٌ )فهذه الكلمة غلطٌ لغةً وشرعاً

 آحذروا هذه العبارة و هي قولهم : ( الإنسانُ مُسيَّرٌ أم مُخيَّرٌ )فهذه الكلمة غلطٌ لغةً وشرعاً

لأنَّهُ إنْ أُريدَ بـ..مُسيّر..أي أنّ الإنسان كالريشة المُعلّقة في الفضاء يضربها الهواء يمنة و يسرة فهذا قول الجبريّة الذين قالوا ان العبد لا ارادة له و هو ضلال مُُبين.وإن أُريد بـ ..مُسيّر أنّ الناس مُسيَّرُون بمعنى أن الله يمكِّنُهُم من السيْر في البرِِّ والبحر فهذا مُسلَّمُ به و لا شكّ فيه ..قال تعالى : [ هُوَ الَّذِى يُسَيّرُكُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحرِ] [سورة يونس : 22] معناه الله تعالى يمكنكم من السير ، هُو سُبحانه الذي يخلق فينا الحركة الاختيارية والحركة غير الاختيارية.أما مُخيَّرٌ فهو من التَّخيير أي الذي يُخيََّر بين أمرين ونحو ذلك فالتخيير هنا لا معنى له …فإنّ الله ما خيّرنا بين الإيمان و الكفر ، إنّما أمَرَنا سـبحانه بالإيمان و نهانا عن الكفر.


فرق بين المختار الذي هو من الاختيار و المخيّر الذي هو من التخيير العبارة الصحيحة التي تُقال..العبدُ مُختار تحت مشيئة الله وما أكثر من يلهج بذلك من أدعياء العلم .
اللهَ نسأل السلامة

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...