بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 يناير 2020

وإذا قال الكافر لا إله إلا ساكن السماء لم يكن مؤمناً لأن سكان السماء هم الملائكة

وإذا قال الكافر لا إله إلا ساكن السماء لم يكن مؤمناً لأن سكان السماء هم الملائكة
ذكر أبو عبدالله الحليمي وهو من كبار فقهاء الشافعية من أئمة أهل الحديث، قال فيه الذهبي "العلامة البارع رئيس أهل الحديث بما وراء النهر"، توفي سنة 403، ما نصه: "وإذا قال الكافر لا إله إلا ساكن السماء لم يكن مؤمناً لأن سكان السماء هم الملائكة، وإن قال لا إله إلا الله ساكن السماء كان هذا زيادة كفر منه لأن السكن غير جائز على الله تعالى واحتظار الأمكنة ليس من صفاته" سبحانه ليس كمثله شيء.
وأما استدلال المجسمة المشبهة بحديث الجارية وفيه لفظ "أين الله" قالت "في السماء"، فهو حديث مضطرب رواياته متعددة متشعبة، من رواه في كتبه من المحدثين بهذا اللفظ لم يذكره في كتاب الإيمان لما في إسناده ومتنه من اضطراب كما أشار إلى ذلك الحافظان الكبيران البيهقي وابن حجر العسقلاني، والبخاري قبلهما أعرض عن ذكره في صحيحه، وظاهره تردّه الأحاديث المتواترة بأن الدخول في الإسلام لا يكون إلا بالشهادتين، وأنه لا يصح إجماعاً الدخول في الإسلام بقول "الله في السماء" وهو ما ذكره الحليمي وقد تقدم ولا معارض فكان إجماعاً، فيستحيل أن يحكم الرسول لشخص ما بالإيمان والإسلام لمجرد قوله "الله في السماء" لأن الأمة لا تجمع على باطل كما جاء في الحديث الشريف، وهو ما أفاده القرآن كذلك نص عليه الشافعي، والإجماع قائم على أنه لا يصح الدخول في الإسلام بقول "الله في السماء" لأن هذا اللفظ تقول به النصارى واليهود فلم يكن والحال كذلك علامة على الدخول في دين الإسلام.
ثم ظاهره مناقض للحديث المتواتر: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" رواه البخاري وغيره كثيرون بألفاظ متقاربة.
قال الحافظ اللغوي مرتضى الزبيدي رواه خمسة عشر صحابياً رضي الله عنهم.
فإذا قال قائل من المجسمة المشبهة يدّعي زوراً أنه من "أنصار السنة" أو من السلفية إن الله في السماء بذاته، يستدلّ بقول الله تعالى "ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض" (الملك، 16)، قلنا له المراد بالآية جبريل عليه السلام وهو الملك الموكل بالخسف كما قال الإمام فخر الدين الرازي (606 هـ.) في تفسيره، ومتى دخل الاحتمال بطل الاستدلال كما قال العلامة المالكي المفسر النحوي أبو حيان الأندلسي رحمه الله، فاستدلالهم تمويه فاسد لترويج الباطل.
ويدل على أن الآية ليست على ما يقولون من أن الله في السماء بذاته قوله تعالى: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" (الزخرف، 84)، والله ليس في الأرض بذاته اتفاقاً منا ومنهم، فكما لا يجوز حمل هذه الآية على الظاهر من أن الله في الأرض وفي السماء في الوقت عينه، كذلك لم يجز حمل تلك على الظاهر من أن الله في السماء بذاته، وهو باطل من القول ومنكر وزور لأن الله خالق السماء وكان قبلها موجوداً لا يحتاج إليها، بدليل حديث البخاري "كان الله ولم يكن شيء غيره"، فمن زعم أن الله خلق السماء ثم جعل نفسه فيها فهو غير عارف بربه لأن الله تعالى لا يتغـيّر، بل هو الذي يغيّر المخلوقات سبحانه.
قال الله تعالى واصفاً نفسه في آية الكرسي: "له ما في السموات وما في الأرض" فالله مالك من في السماء وما في السماء، ولا يقال الله مالك نفسه، فوجب التحذير مما يعتقده المشبهة المجسمة والانقياد للحق الذي تقبله العقول السليمة وهو ما نص عليه أبو حنيفة رضي الله عنه وهو من كبار أئمة السلف توفي سنة 150 للهجرة، قال في كتاب الوصية: "وهو (أي الله تعالى) حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجًا لَمَا قَدرَ على إيجاد العالم وتدبيره وحفظه كالمخلوقين، ولو كان في مكان محتاجًا للجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله"، يريد أن الله كان قبل المكان وقبل العرش بلا مكان ولا عرش، وأنه لا يحتاج إليهما ولا إلى سواهما

للهُ أَشَدُّ أَذَنًا إلى الرَّجلِ الحَسَنِ الصَّوتِ بِالقُرآنِ يَجهَرُ به مِن صَاحِبِ القَينَةِ

للهُ أَشَدُّ أَذَنًا إلى الرَّجلِ الحَسَنِ الصَّوتِ بِالقُرآنِ يَجهَرُ به مِن صَاحِبِ القَينَةِ
عن فُضَالةَ بنِ عبيدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" للهُ أَشَدُّ أَذَنًا إلى الرَّجلِ الحَسَنِ الصَّوتِ بِالقُرآنِ يَجهَرُ به مِن صَاحِبِ القَينَةِ إلى قَينَته ".
رواهُ بنُ ماجة في سننه, و قال في الزوائد إسنادهُ حسن.
و رواهُ بنُ حِبان في صحيحه بدون لفظ ( يجهر به).
و القَينَةُ: هي الأمةُ المُغنيةُ, كما في لسانِ العرب.
تحذير:-
من قال لله أُذُنٌ ( بضم الألف و الذال ) كَفَرَ
لم يَرِد لا في القُرآن و لا في الحديث إطلاقُ الأُذُن على الله تعالى.
أما معنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم " لله أَشَدُّ أَذَنًا " بفتح الألف و الذال معناه أي أشد استماعًا لِقارِئ القرآن الذي يقرأ القُرآن و هو يُجَودُه و يُتقِنه
هذا حديثٌ تأويله بالثّواب أي أنَّ اللهَ يُعطِي هذا القَارِئ للقُرآن الذي يُحسن القِراءة على حسب و وفق ما نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم و قد تلقى هذه القِراءة بالمُشَافَهة بالتَّلقي عن المُقرِئ و نيته حسنة لوجه الله تعالى هذا يُعطى ثوابًا عظيمًا جزيلًا
هذا معنى الحديث فَسَمعُ اللهِ واحد, الله يَسمعُ كلَّ المَسمُوعات بِسَمعٍ واحدٍ أزلي أبدي لا يشبه سَمعَ المخلوقات
ليس معناه كما قد يَتَوهم البعض أنَّ اللهَ يَسمعُ أشياء أكثر من أشياء أخرى هذا وصف بصفات المخلوقين
المخلوق هو قد يسمع صوتًا أحيانًا يكون قريبًا منه فيسمعه بقوة و أحيانًا يكون هذا الصوت يأتي من بعيد فيسمعه بضعفٍ
ليس هذا المراد في حق الله
الله يسمع كلَّ المسموعات بسمع أزلي أبدي واحد لا يشبه سمع غيره, سمع الله بلا آلة و لا أُذُن و لا جارحة.
و الله تعالى أعلم وأحكم

إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه

إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
ما رواه البخاري في صحيحه ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلقَ الله ءادم على صورته.
قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي ما نصه: قلتُ: للناس في هذا الحديث مذهبان أحدهما: السكوت عن تفسيره،
والثاني: الكلام في معناه، واختلف أرباب هذا المذهب في الهاء على مَـن تعود؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: تعود على بعض بني ءادم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ برجل يضرب رجلا وهو يقول: قبَّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك.
فقال: إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله تعالى خلق ءادم على صورته.
قالوا وإنما اقتصر بعض الرواة على بعض الحديث فيحمل المقتصر على المفسَّر قالوا: فوجه من أشبه وجهك يتضمن سب الأنبياء والمؤمنين.
وإنما خص ءادم بالذكر لأنه هو الذي ابتدأت خلقةُ وجهه على هذه الصورة التي احتُذيَ عليها بعده وكأنه نبه على أنك سببت ءادم وأنت من أولاده وذلك مبالغة في زجره فعلى هذا تكون الهاء كناية عن المضروب ومن الخطأ الفاحش أن ترجع إلى الله عز وجل بقوله: ووجه من أشبه وجهك فإنه إذا نُسبَ إليه شبهٌ سبحانه وتعالى كان تشبيها صريحا.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه فإن الله تعالى خلق ءادم على صورته.
القول الثاني: إن الهاء كناية عن اسمين ظاهرين فلا يصح أن يضاف إلى الله عز وجل لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة فعادت إلى ءادم ومعنى الحديث: إن الله خلق ءادم على صورته التي خلقه عليها تامّـا لم ينقله من نطفة إلى علقة كبنيه هذا مذهب أبي سليمان الخطابي وقد ذكره ثعلب في أماليه.اهـ
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى فيما نقله البيهقي في الأسماء والصفات ما نصه: قوله: خلق الله ءادم على صورته الهـاء وقعت كناية بين اسمين ظاهرين فلم تصلح أن تصرف إلى الله عز وجل لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة سبحانه ليس كمثله شىء فكان مرجعها إلى ءادم عليه السلام.
فالمعنى أن ذرية ءادم إنما خُلقوا أطوارا كانوا في مبدأ الخلقة نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم صاروا صورا أجنة إلى أن تتم مدة الحمل فيولدون أطفالا وينشأون صغارا إلى أن يكبروا فتطول أجسامهم.اهـ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم ما نصه: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فإن الله خلق ءادم على صورته. فهو من أحاديث الصفات وقد سبق في كتاب الإيمان بيان حكمها واضحا ومبسوطا وأن من العلماء من يُمسك عن تأويلها ويقول: نؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد ولها معنى يليق بها وهذا مذهب جمهور السلف وهو أحوط وأسلم،
والثاني: أنها تتأول على حسب ما يليق بتنـزيه الله تعالى وأنه ليس كمثله شىء.
قال المازري: هذا الحديث بهذا اللفظ ثابت ورواه بعضهم: إن الله خلق ءادم على صورة الرحمن.
وليس بثابت عند أهل الحديث وكأن من نقله رواه بالمعنى الذي وقع له وغلط في ذلك،
قال المازري: وقد غلط ابن قتيبة في هذا الحديث فأجراه على ظاهره وقال: لله تعالى صورة لا كالصور، وهذا الذي قاله ظاهر الفساد لأن الصورة تفيد التركيب وكل مركب محدث والله تعالى ليس بمحدث فليس هو مركبا فليس مصورا قال: وهذا كقول المجسمة جسم لا كالأجسام، لما رأوا أهل السنة يقولون: الباري سبحانه وتعالى شىء لا كالأشياء طردوا الاستعمال فقالوا: جسم لا كالأجسام، والفرق أن لفظ شىء لا يفيد الحدوث ولا يتضمن ما يقتضيه وأما جسم وصورة فيتضمنان التأليف والتركيب وذلك دليل الحدوث، قال: العجب من ابن قتيبة في قوله: صورة لا كالصور، مع أن ظاهر الحديث على رأيه يقتضي خلق ءادم على صورته فالصورتان على رأيه سواء فإذا قال لا كالصور تناقض قوله.اهـ
قال الحافظ ابن الجوزي: وقال القاضي أبو يعلى ـ المجسم ـ يطلق على الحق تسمية الصورة لا كالصور كما أطلقنا اسم ذاته. قلت: وهذا تخليط لأن الذات بمعنى الشىء وأما الصورة فهي هيئة وتخاطيط وتأليف وتفتقر إلى مصوِّر ومؤلِّف وقول القائل: لا كالصور، نقض لما قاله وصار بمثابة من يقول: جسم لا كالأجسام فإن الجسم ما كان مؤلفا فإذا قال: لا كالأجسام نقض ما قال.اهـ
قال ابن فورك في كتابه مشكل الحديث ما نصه: واعلم أن بعض المتكلمين في تأويل هذا الخبر حاد عن وجه الصواب وسلك طريق الخطأ والمحال فيه وهو ابن قتيبة توهما منه أنه مستمسك بظاهره غير تارك له فقال: إن لله عز وجل صورة لا كالصور كما أنه شىء لا كالأشياء فأثبت لله تعالى صورة قديمة زعم أنها لا كالصور وأن الله تعالى خلق ءادم على تلك الصورة، وهذا جهل من قائله وتوغل في تشبيه الله تعالى بخلقه والعجب منه أنه أول الخبر ثم زعم أن لله صورة لا كالصور ثم قال: إن ءادم مخلوق على تلك الصورة وهذا كلام متناقض متهافت يدفع أوله ءاخره وذلك أن قوله: لا كالصورة ينقض قوله: إن الله خلق ءادم عليها، لأن المفهوم من قول القائل: فعلت على صورة هذا أي ماثلته به واحتذيت في فعله به وهذا يوجب أن صورة ءادم عليه السلام كصورته جل ثناؤه.اهـ
قال الحافظ أحمد بن عمر القرطبي في كتابه المفهم لِـما أَشكل من تلخيص كتاب مسلم ما نصه: ولا يكون في الحديث إشكالٌ يُـوهم في حق الله تعالى تشبيها وإنما أشكل ذلك على مَـن أعاد الضمير في صورته على الله تعالى وذلك ينبغي ألاّ يُـصار إليه شرعا ولا عقلا أما العقل فيحيل الصورة الجسمية على الله تعالى وأما الشرع فلم ينص على ذلك نصا قاطعا ومحال أن يكون ذلك فإن النص القاطع صادق والصادق لا يقول المحال فيتعيَّن عَودُ الضمير على المضروب لأنه الذي سبق الكلام لبيان حكمه.
وقد أعادت المشبهة هذا الضمير على الله تعالى فالتزموا القولَ بالتجسيم وذلك نتيجة العقل السقيم والجهل الصميم

التـــأويل بيان للحق وليــس انكارا لآية

التـــأويل بيان للحق وليــس انكارا لآية
التأويل الذي اشتغل به علماء أهل السنة والجماعة من السلف والخلف ليس فيه إنكار ءاية أو حديث بل فيه بيان الحق في معنى هذه الآيات وهذه الأحاديث .
مثال ذلك عن أحاديث لا تؤخذ على ظاهرها ما قد رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل يقول، يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: يا رب! كيف أعودك؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده. أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب! وكيف أطعمك؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب! كيف أسقيك؟ وأنت رب العالمين. قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي".
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم ،الجزء السادس عشر كتاب البر والصلة والآداب باب فضل عيادة المريض :
" قوله عز وجل: (مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ).
قال العلماء: إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى، والمراد العبد تشريفاً للعبد وتقريباً له، قالوا: ومعنى وجدتني عنده أي: وجدت ثوابي وكرامتي، ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث: (لَو أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي... لَو سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي) أي: ثوابه، والله أعلم." انتهى .
وهذا الإمام البخاري من علماء السلف أوّل في عدة مواضع من كتابه الجامع الصحيح ، ففي باب: تفسير سورة القصص: {كل شيء هالك إلا وجهه}:إلا ملكه، ويقال:إلا ما أريد به وجه الله." اهـ
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، المجلد الثامن كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، سورة الْقَصَصِ : " قوله: (ويقال: إلا ما أريد به وجهه) نقله الطبري أيضا عن بعض أهل العربية، ووصله ابن أبي حاتم من طريق خصيف عن مجاهد مثله، ومن طريق سفيان الثوري قال: إلا ما ابتغي به وجه الله من الأعمال الصالحة" انتهى.

قال الله تعالى: "وابتغوا إليه الوسيلة" هذا حجة على الوهابية في تحريمهم التوسل

قال الله تعالى: "وابتغوا إليه الوسيلة" هذا حجة على الوهابية في تحريمهم التوسل
الحمدلله تعالى،
قال الله تعالى: "وابتغوا إليه الوسيلة" (سورة المائدة، 35) وأيّ وسيلة خلقها الله أشرف وأفضل وأقرب إلى الله من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
وهل تعرفون أن في كتاب لابن تيمية الحراني أسماه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" حجة عليه وعلى من يتبعه بالباطل يحرّمون زوراً التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ينقل في كتابه ذلك من فعل السلف أنهم كانوا يتوسلون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أي ابن تيمية: "روى ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء قال: حدثنا أبو هاشم سمعت كثير بن محمد بن كثير بن رفاعة يقول: جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد بن أبجر فجس بطنه فقال: بك داء لا يبرأ، قال: ما هو؟ قال: الدُّبَيْلَة، (وهي خرّاج ودمل كبير تظهر في الجوف تقتل صاحبها غالباً)، قال: فتحول الرجل فقال: الله الله الله ربي لا أشرك به شيئاً، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبيّ الرحمة، يامحمد إني أتوجه بك إلى ربك وربّي يرحمني ممّا بي، قال: فجس بطنه فقال: قد برئت ما بك علة، قلت: فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السّلف. اهـ
وهذا حجة على الوهابية في تحريمهم التوسل ذكره إمامهم ابن تيمية وهو يروي عن السلف التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأيّ حجة لهم بعد ذلك؟.
وقبله روى البخاري صاحب الجامع الصحيح رضي الله عنه (256 هـ.) بالإسناد الصحيح المتصل في كتاب الأدب من تصنيفه عن عبدالرحمن بن سعد القرشي قال: خدرت رجل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فقال له رجل: أذكر أحبّ الناس إليك، فقال: "يا محمد" صلى الله عليه وسلم، وفي عمل اليوم والليلة للحافظ أبو بكر بن السني (364 هـ.) فقال "يا محمد فذهب خدره".
ومعنى قول ابن عمر رضي الله عنه "يا محمد" أي "يا محمد أغثني" وفيه دليل على استحباب الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكرب والمرض وغيرهما بما له من الكرامة عند الله عز وجلّ، وهذا الحديث أقرّه واستحبه ابن تيمية (728 هـ.) على ما لديه من ضلال وتجسيم وتشبيه لله بخلقه في كتاب له أسماه "الكلم الطيب" تدلّ هذه التسمية على أنه يرويه مستحسناً له فيكون حجة على من يقلدونه في ضلالاته.
والحجة الأصل في استحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الحديث الذي رواه الحافظ الطبراني (360هـ.) في معاجمه الثلاثة وصححه، وهو الذي وصفه الذهبي في تذكرة الحفاظ بـ"الحافظ الإمام العلامة الحجة بقية الحفاظ مسند الدنيا"، وأقرّه على تصحيحها الحافظ نور الدين الهيثمي (807هـ.) في مجمع البحرين في زوائد المعجمين الصغير والأوسط (ج2 ص 318)، وكذا في مجمع الزوائد (ج2 ص 279) بتحرير الحافظين الكبيرين زين الدين العراقي وابن حجر العسقلاني (852هـ.)، وصححها الحافظ البيهقي في دلائل النبوة، بل زاد إمام الذين نازعوا في التوسل، أعني ابن تيمية (728هـ.)، تصحيح الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (569هـ.)، والحديث هو "عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقيَ عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: إيت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين ثم قل: اللهمّ إني أسألك وأتوجّه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبيّ الرحمة، يا محمّد إني أتوجّه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك ورُح إليّ حتى أروحَ معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثمّ أتى باب عثمان فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟، فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له (معتذراً) ما ذكرتُ حاجتك حتى الساعة، وقال ما كان لك من حاجة فأتنا. ثم إن الرجل خرج من عنده فلقيَ عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظرُ في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أو تصبر؟، فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق عليّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إئت الميضأة فتوضأ ثمّ صلّ ركعتين ثم أدعُ بهذه الكلمات، فقال عثمان بن حنيف فوالله ما تفرّقنا وطالَ بنا الحديث حتى دخل عليه رجل كأنه لم يكن به ضرر قط". قال الطبراني: "والحديث صحيح".
ولم يقل أحد من العلماء إن أحاديث التوسل لا يعمل بها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما أنه صلى الله عليه وسلم حيٌ يصلي في قبره لا يخرج منه صلى الله عليه وسلم لحديث "الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون" رواه أبو نعيم في تاريخ إصبهان وأبو يعلى الموصلي والبزار والبيهقي من حديث أنس مرفوعاً وصحّحه وأقرّه الحافظ ابن حجر في شرح البخاري، فهل بطلت بركة النبوة باختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى جبريل عليه السلام؟، حاشا وكلا، وقد كشف سيدنا أبو بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وقبله قائلاً "بأبي أنت وأمي، طبت حياً ومـيّـتاً" رواه البخاري في صحيحه والبيهقي في السنن.
وذكر القاضي عياض عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله حرمته بعد موته كحرمته حياً، فقال له الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فقال مالك مستنكراً: ولمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟، بل استقبله (يريد استقبل القبر الشريف وإن استدبرت القبلة) واستشفع به فيشفعه الله، اهـ
اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً، يا رسول الله أغث بإذن الله عبداً استغاث بك فإنك خير شافع وخير مشفع وأنت أكرم الخلق على الله تعالى،
دعاكم لمن كتبها ولمن ينشرها أرجوكم يرحمكم الله

الأربعاء، 29 يناير 2020

الأدلة الجليّة على مشروعية زيارة القبور

الأدلة الجليّة على مشروعية زيارة القبور
إلى أخ محبّ كريم سأل عن زيارة النساء للقبور، الجواب بكلّ وضوح:
هذا جائزٌ حلالٌ حلالٌ لا إشكال فيه، فقد روى الحافظ أبو عبدالله الحاكم (ت 405) في المستدرك بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة (رضي الله عنه) كل جمعة فتصلي وتبكي عنده، قال الحاكم: هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات،
وقد استقصيتُ في الحث على زيارة القبور تحرّياً للمشاركة في الترغيب، ﻭﻟﻴﻌﻠﻢ الشحيح ﺑﺬﻧﺒﻪ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﻨﺔ ﻣﺴﻨﻮﻧﺔ. اهـ.
وقال كذلك في باب الرخصة في زيارة القبور بعد ذكر حديث "لعن رسول الله زوارات القبور" ما نصه: وهذه الأحاديث المروية في النهي عن زيارة القبور منسوخة (أي توقف العمل بها)،
والناسخ لها حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبيّ: "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها". ﺍﻫـ،
والمعنى أن النهي انتهى العمل به، كان في أول الأمر ثم انتهى، هكذا يقول الحاكم رحمه الله لأن لفظ "فزرورها" عام يشمل الذكور والإناث.
وﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻂ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ: ﻭﺍﺧﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، ﻓﻘﻴﻞ ﺩﺧﻠﻦ ﻓﻲ ﻋﻤﻮﻡ ﺍﻹﺫﻥ (يعني حديث فزوروها) ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﺍﻷﻛﺜﺮ (أي أكثر العلماء)، ﻭﻣﺤﻠﻪ ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﻣﻨﺖ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ. ﻭﻳﺆﻳﺪ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺒﺎﺏ (يعني الحديث الذي يشرحه من البخاري)، ﻭﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺪﻻﻟﺔ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻗﻌﻮﺩﻫﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﻭﺗﻘﺮﻳﺮُﻩ صلى الله عليه وسلم ﺣُﺠﺔ (معناه لو كان حراماً لنهاها لأن النبيّ لا يسكت عن الحرام من غير إنكار). ﻭﻣﻤﻦ ﺣﻤﻞ ﺍﻹﺫﻥ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮﻣﻪ ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، (أم المؤمنين) ﻋﺎﺋﺸﺔ (وكفى بها حجة رضي الله عنها)، ﻓﺮﻭﻯ اﻟﺤﺎﻛﻢ من ﻃﺮﻳﻖ ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﺃﻧﻪ ﺭﺁﻫﺎ ﺯﺍﺭﺕ ﻗﺒﺮ أخيها ﻋﺒﺪﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ: ﺃﻟﻴﺲ ﻗﺪ ﻧﻬﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ؟، ﻗﺎﻟﺖ ﻧﻌﻢ ﻛﺎﻥ ﻧﻬﻰ ﺛﻢ ﺃﻣﺮ ﺑﺰﻳﺎﺭﺗﻬﺎ".
ﻗﻠﻨﺎ ﻭﻳﺆﻳﺪ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﻣﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻗﻠﺖ: ﻛﻴﻒ ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻬﻢ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠّﻪ (ﺗﻌﻨﻲ ﺇﺫﺍ ﺯﺍﺭﺕ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ)، ﻗﺎﻝ: "ﻗﻮﻟﻲ: ﺍﻟﺴّﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪّﻳﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻳﺮﺣﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻣﻨّﺎ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺄﺧﺮﻳﻦ، ﻭﺇﻧّﺎ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻜﻢ ﻟﻼﺣﻘﻮﻥ". ﻭﺍﺳﺘﺪﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﺎﻟﻜﺮﺍﻫﺔ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﺃﻡّ ﻋﻄﻴّﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠّﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻴﺨﻴﻦ (البخاري ومسلم) ﻗﺎﻟﺖ: ﻧُﻬﻴﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﺗّﺒﺎﻉ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﺰ ﻭﻟﻢ ﻳُﻌﺰﻡ ﻋﻠﻴﻨﺎ.
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ: ﻗﻮلها "ﻭﻟﻢ ﻳُﻌﺰﻡ ﻋﻠﻴﻨﺎ" ﺃﻱ ﻭﻟﻢ ﻳﺆكد ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻛﻤﺎ ﺃﻛﺪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻬﻴﺎﺕ، ﻓﻜﺄﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻛُﺮﻩ ﻟﻨﺎ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﺰ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺤﺮﻳﻢ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲ: ﻇﺎﻫﺮ ﺳﻴﺎﻕ ﺃﻡ ﻋﻄﻴﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻬﻲ نهي تنزيه ﻭﺑﻪ ﻗﺎﻝ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻣﺎﻝ ﻣﺎﻟﻚ (وهو نعم الإمام رضي الله عنه) ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﻣﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺤﻤﺪ بن ﻋﻤﺮﻭ بن ﻋﻄﺎﺀ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺯﺓ ﻓﺮﺃﻯ ﻋﻤﺮ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻓﺼﺎﺡ ﺑﻬﺎ ﻓﻘﺎﻝ صلى الله عليه وسلم "ﺩﻋﻬﺎ ﻳﺎ ﻋﻤﺮ" ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﻭﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﻄﺎﺀ ﻋﻦ ﺳﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﺍﻷﺯﺭﻕ ﻋﻦ أﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻭﺭﺟﺎﻟﻪ ثقات. اهـ.
وفي السنن الكبرى للبيهقي قال: وقد روينا في الحديث الثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال لها: "اتقي الله واصبري"، وليس في الخبر أنه نهاها عن الخروج إلى المقبرة، وفي ذلك تقوية لما روينا عن عائشة رضي الله عنها. اهـ.
ومعنى كلام البيهقي أنه لو كان حراماً لنهاها صلى الله عليه وسلم.
وفي ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﻨﻊ ﻓﻲ ﻓﻘﻪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻻﺑﻦ ﻗﺪﺍﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪسي ﻣﺎ ﻧﺼﻪ: ﻓﺼﻞ: ﻳﺴﺘﺤﺐ ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ، ﻭﻫﻞ ﺗﻜﺮﻩ ﻟﻠﻨﺴﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺍﻳﺘﻴﻦ. انتهى
ومعنى كلامه أنه هل تكره أم لا تكره فيه روايتان أي عن الإمام أحمد بن حنبل، وهذا مع استثناء القبر الشريف فإنه يستحبّ زيارته صلى الله عليه وسلم بالإجماع للرجال والنساء كما ذكر البهوتي في كشاف القناع وهو كتاب مشهور لدى الحنابلة، وهو حجة على جماعة ابن تيمية والوهابية الذين همهم التشويش على المسلمين وتحريم ما أحل الله تعالى.
دعاكم لمن كتبه ونشره، الله يرحمنا في الدنيا والآخرة ويرزقنا البشرى بالجنة والاجتهاد في نصر السنة، آمين، شكراً لكم

الثلاثاء، 28 يناير 2020

الطرق الصوفية

ان الطرق الشريفة التي أحدثها بعض أهل الله كالرفاعية والقادرية وغيرهما وهي نحو أربعين طريقة، فهذه الطرق أصلها بدع حسنة ولكن شذ بعض المنتسبين اليها وهذا لا يقدح في أصلها.وليعلم أن الطريقة من البدع الحسنة، والبدعة لغة ما أحدث على غير مثال سابق يقال:جئت بأمر بديع أي محدث عجيب لم يعرف قبل ذلك. وشرعا المحدث الذي الذي لم ينص عليه قرءان ولا سنة، قال ابن العربي: ليست البدعة والمحدث مذمومين للفظ بدعة ومحدث ولا لمعنيهما ، وانما يذم من البدعة ما يخالف السنة ويذم في المحدث ما دعا إلى الضلال اهـ.
وقد قسم العلماء البدعة إلى قسمين: بدعة حسنة وبدعة سيئة، فالبدعة الحسنة هي ما وافق الكتاب والسنة، والبدعة السيئة هي ما خالف الكتاب والسنة، ويؤكد هذا التقسيم ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شىء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل من بعده بها من غير أن ينقص من أوزارهم شىء" رواه مسلم.
فالحديث يبين أن ما يحدث في الإسلام ضربان: قسم يوافق الشرع وقسم يغايره أي يخالفه، ومما يدل على أنه حصل في زمن الصحابة استحداث أمور لم يرد فيها القرءان ولا سنة وتندرج تحت البدعة الحسنة موافقة للحديث الشريف الآنف الذكر ما جاء في صحيح البخاري في كتاب صلاة التراويح ما نصه: "قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس على ذلك" قال الحافظ ابن حجر "أي على ترك الجماعة في التراويح". ثم قال ابن شهاب في تتمة كلامه: "ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنه". وفي صحيح البخاري أيضا تتميما لهذه الحادثة عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان الى المسجد، فاذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: اني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: "نعم البدعة هذه" اهـ، وفي الموطأ بلفظ: "نعمت البدعة هذه" اهـ.
والأمثلة على هذا كثيرة من زمن الصحابة الى يومنا هذا ومن جملة هذه البدع الحسنة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف و اعلم أن الصوفية أهل حق وأن كثير من أدعياء التصوف اليوم على جهل وفساد في المعتقد
والصوفية الحقة متمسكون بالكتاب والسنة وعلى نهج السلف والخلف. وأدعياء الصوفية اليوم كثير منهم انحرفوا بسبب الكتب المدسوسة المنسوبة للصوفية الحقة أمثال الرفاعي والجنيد والجيلاني والغزالي والنووي وابن عربي رحمهم الله. وهؤلاء الأولياء كانوا يحذرون ويكفّرون من يعتقد في الله الحلول والتحيز والتجسيم وبوحدة الوجود كما فعل الحلاج.. لأنه يكفر من يعتقد أو من يقول أن الله يحل في الخلق أو أنه يسكن في خلقه أو في السماء أو أن النبي محمد جزء من الله أو أن النبي يعلم كل الغيب أي كل ما يعلمه الله.. هذا كله كفر مناقض للدين وليس من عقيدة الصوفية الحقة انما اسرائيليات ومدسوسات مخالفة لما عليه أهل السنة. العلم بالتعلم والفقه بالتفقه وليس بمجرد تصفح الكتب. ومن شذ شذ في النار.
كما أن هناك من يدعي أنه يتبع السلف فينسب لله ما لا يليق في حقه وللنبي ما لا يليق في حقه.. وحرفوا ما كان عليه أهل السلف الصالح كابن تيمية والوهابية المجسمة الذين خالفوا ما أجمع عليه أهل الحق جمهور الأمة مئات الملايين من المسلمين فنسبوا لله الجسم والأعضاء والاستقرار والجلوس على العرش والتحرك وكل هذا كفر مخالف للدين ولأهل السنة والجماعة. الله لا يشبه شىء ليس كمثله شىء لا يحل في شيء ولا ينحل منه شىء سبحانه وتعالى. صفات الله صفات كمال ليس فيها نقص وكلها ثابتة بلا كيف ولا تشبيه. قال الطحاوي رحمه الله: "ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر" وقال: "تعالى -الله- عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات".
والتصوف الصحيح هو مرتبة عالية وهو إصلاح القلب بالوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا وباطنا، فهو مبني على الكتاب والسنة وذلك باتباع شرع الله تعالى والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأحوال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأفعال، وتسليم الامور كلها لله من غير إهمال في واجب ولا مقاربة محظور، وحاصله اتصاف بالمحامد وترك للأوصاف الذميمة
فهو مسلك قائم على العلم والعمل، أعلاه علم التوحيد وأداء الواجبات قبل النوافل ثم عمل البر والخير و الزهد والتحلي بالأخلاق الحسنة.
وكلهم من رسول الله ملتمسُ ... غرفـًا من البحر أو رشفا من الديَمِ
يقول العارف بالله الزاهد العلامة الشيخ عبدالله ناصحا مريديه: "إياكم والغفلة بالتنعم وتعلق الهمم بتكثير الأموال". والتنعم هو التوسع في الملذات من المطعومات والمشروبات ومن الملبس الفاخر، وتركُ التنعم هو سنة الأنبياء.
واعلم أن معنى التصوف الحقيقي كان في الصدر الأول من عصر الصحابة، فالخلفاء الأربعة كانوا صوفيين معنى، واعلم أن صاحب كتاب حلية الأولياء الحافظ أبو نعيم أحد مشاهير المحدثين بدأ كتابه الحلية بصوفية الصحابة، ثم أتبعهم بصوفية التابعين، وهكذا. فإذا رمتَ معرفة حقيقة القوم والتيقن من صدق حالهم وصفاء مشربهم، فهاك ما ذكرناه لك، فتأمل.
وأصل الطرق المباركة واحد وهذه الفروع تنتهي إلى الأصل فلا فرق بين الطرق ومسالكها ومناهجها ورجالها وما أعذب ما قاله الشيخ القطب الجليل أبو الهدى الصيادي الرفاعي رضي الله عنه: (الكامل) ظهروا ببرهان الرسول تسلسلا ... حتى لعهد الأربعِ الأقطابِ إبنِ الرفاعيْ ثم عبدالقادر الـ ... ـجيلي وابْراهيم والعطابِ فإنهم أهل الهمم العلية والآداب القدسية، والمدارك الناجحة، والتجارة الرابحة، عرفوا حد البشرية، وما تجاوزوا مقام العبودية، ولا حجبتهم الحجب المستعارة الفانية عما وراءها من الشؤونات الصحيحة الباقية فألجموا الألسن عن الكلام بغير الحق، وتبعهم على ذلك جم غفير من غني وفقير وخادم وأمير، فهم أعيان الأولياء وأقطاب العرفاء شهرتهم سارت شرقا وغربا وأتباعهم عجما وعربا. وإننا تبركا بآثارهم، وتشبها باتباعهم، (إن التشبه بالكرام فلاح) أتيت على ذكرهم وهم السادة أصحاب الطرق المشهورة والمسالك المنصورة. وهم سيدنا القطب العارف عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه، وسيدنا القطب العارف إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه، وسيدنا العارف أحمد البدوي رضي الله عنه وسيدنا العارف أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه.

الأحد، 26 يناير 2020

القلم أحد اللسانين


القلم أحد اللسانين
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين،وبعد :
ليعلم أن القلم أحد اللسانين كما قال الإمام الغزالي رحمه الله ، فيحرم كتابة ما يحرم النطق به
فمن كتب الكذب أو الغيبة أو النميمة فهو ءاثم كما أنه يأثم إذا نطق بها بلسانه ، فهذا حرام و هذا حرام .
وأشد أنواع الذنوب على الإطلاق هو الكفر و العياذ بالله تعالى ، وكما أن من نطق بالكفر كفر كذلك من كتب الكفر كفر ، فلا بد من الانتباه لهذا الأمر عند الكتابة ، فمن أراد أن يكتب كلاما فيه مخالفة للدين فلا بد أن يأتي بأداة الحكاية وأن يكون غير مصدق بهذا الكفر وأن يبين للقارئ بأن هذا الكلام باطل ، فإنه إن فعل ذلك سلم من الكفر .
كأن يكتب مثلا : قالت اليهود : عزير ابن الله ، فمن كتب هذا لا إثم عليه لإنه أتى بأداة الحكاية (قالت اليهود)
كذلك لا إثم عليه إن كتب : عزير ابن الله قول اليهود ، أي أخر أداة الحكاية مع شرط أنه كان قد نوى من البداية أن يكتب أداة الحكاية في الآخر .
أما إن كتب ذلك دون أن يأتي بأداة الحكاية بالمرة ، لا قبل الكلام الكفري و لا بعده فإنه يكفر
كما أنه يكفر إذا نطق بالكفر دون أن يقول أداة الحكاية بالمرة لا قبل أن يتكلم و لا بعد أن تكلم بشرط أن يكون نوى قبل أن يتكلم بالكفر أن يقول أداة الحكاية في آخر الكلام الكفري .
ولا ينفع الذي يتكلم بالكفر أو ينطق به دون أداة الحكاية أن يقول : أنا لم أقصد الكفر ، لا ينفعه ذلك ، أي نقول له : ( كفرت ، تشهد حتى ترجع إلى الإسلام ) .
الفقهاء قالوا : ناقل الكفر ليس بكافر ما دام قد جاء بأداة الحكاية و كان غير مستحسن له. و الدليل على ذلك قوله تعالى في سورة التوبة : ( وقالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله ) . فلينتبه المرء لكل ما ينطق به أو يكتبه .
قال الإمام ذو النون المصري رحمه الله :
وما من كاتب إلا سيبلى و يبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بيمينك غير شىء يسرك في القيامة أن تراه

أفضل الأعمال معرفة الله تبارك وتعالى

أفضل الأعمال معرفة الله تبارك وتعالى
ومعرفة الله تبارك وتعالى تكون بتنزيهه عن مشابهة الخلق أي باعتقاد أنه تبارك وتعالى موجود لا كالموجودات هذا أساس العقيدة
الموجودات سوى الله تعالى حادثات كانت معدومة ثم وجدت بإيجاد الله لها تبارك وتعالى وليس بالطبيعة ولا بالعلة كما تقول الفلاسفة
فكل حادث( مخلوق) دخل في الوجود من الأعيان( الأشياء التي لها حجم إن كانت صغيرة 1- كالذرة[ ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل من النافذة ]
2- أو أصغر من الذرة ويسمى جوهرًا فردا وهذا لا يقبل القسمة لا تراه العيون من قلته
3- أو أكبر من الذرة كالعرش الذي هو أكبر المخلوقات حجمًا وأوسعها مِساحة
وهذا يفهم من حديث رسول الله" ما السماوات السبع في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " رواه ابن حبان
الفلاة الأرض الكبيرة .
الله تعالى (تنزّه) أي يستحيل ان يكون جوهرًا أو عرضا([ مثلا الحائط لونه أبيض ،اللون الأبيض يسمى عرضا])
الله تعالى ليس جسما ولا جوهرا
الله منزه عن الحجم إن كان صغيرا وإن كان كبيرا لأنه خالق الأحجام(كل ما له طول، وعرض،وعمق وسمك وتركيب)
إذا اجتمع جوهران فأكثر يصير جسما
الله تبارك وتعالى ليس جوهرًا ولا جسمًا،
قال الله تعالى( وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدار) سورة الرعد8
معناه كل المخلوقات لها مقدار أي حجم،
لذلك لا يجوز على الله تبارك وتعالى أن يكون له حجم فهو موجود بلا مكان وﻻ جهة.
الله قائم بذاته معناه وجوده ليس متوقفًا على وجود غيره .لا أحد أوجد الله ولا الله أوجد نفسه
(لا يصح في العقل أن يكون الشىء خالق نفسه لأن في ذلك جمعا بين متنافيين لأنك إذا قلت خلق زيد نفسه جعلت زيدا قبل نفسه باعتبار ومتأخرا عن نفسه باعتبار ، فباعتبار خالقيته جعلته متقدما ، وباعتبار مخلوقيته متأخرا وذلك محال عقلا)
الطبيعة هي الصفة التي جعل الله عليها الأجرام وعرّفها بعضُهم بأنها العادة فهذه لا يصح أن تكون خالقة لشيء من الأشياء لأنه لا إرادة لها ولا مشيئة ولا اختيار
الحق أن الله تبارك و تعالى أوجد العالم بمشيئته.
ماهي العِلّة:
هي عند أهل الاصطلاح ما يُوجَدُ المعلول"المسبب" بوجوده ويعدم بعدمه
مثل حركة الإصبع الذي فيه خاتم فحركة الإصبع عند أهل الاصطلاح عِلّةٌ لحركة الخاتم لأن حركة الخاتم تتبع حركة الإصبع فتوجد بوجودها وتعدم بعدمها
وجود الله قبل وجود العالم ليس زمنيا وهذا اعتقاد جميع المسلمين.
الله خالق الأسباب والمسبّبات
مثال للتقريب:
السبب المُسبّب
النار الاحراق
الدواء الشفاء
حركة الإصبع حركة الخاتم
نقلاً عن الشيخ نبيل الشريف حفظه الله

الايات التي فيها كلمة (استوى) مضافة الى الله تعالى (2) الاية الثانية في سورة الاعراف رقم 54

الايات التي فيها كلمة (استوى) مضافة الى الله تعالى (2) الاية الثانية في سورة الاعراف رقم 54

1-  تفسير جامع البيان في تفسير القرآن للطبري
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {ثُمَّ اسْتَوَى على العَرْشِ}
وقد ذكرنا معنى الاستواء واختلاف الناس فيه فيما مضى قبل لما أغنى عن إعادته.
2- تفسير البحر المحيط لأبي حيان
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي} لما ذكر تعالى أشياء من مبدأ خلق الإنسان وأمر نبيّه وانقسام إلى مؤمن وكافر وذكر معادهم وحشرهم إلى جنة ونار ذكر مبدأ العالم واختراعه والتنبيه على الدلائل الدالّة على التوحيد وكما القدرة والعلم والقضاء ثم بعد إلى النبوة والرسالة إذ مدار القرآن على تقدير المسائل الأربع التوحيد والقدرة والمعاد والنبوة.....
 وأما استواؤه على العرش:
1-  فحمله على ظاهره  من  الاستقرار  بذاته  على العرش قوم
2-  والجمهور من السّلف السفيانان ومالك والأوزاعي والليث وابن المبارك وغيرهم في أحاديث الصفات على الإيمان بها وإمرارها على ما أراد الله تعالى من غير تعيين مراد

3-  وقوم تأوّلوا ذلك على عدّة تأويلات.
 وقال سفيان الثوري فعل فعلاً في العرش سماه استواء وعن أبي الفضل بن النحوي أنه قال {الْعَرْشِ } مصدر عرش يعرش عرشاً والمراد بالعرش في قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } هذا  وهذا   ينبو عنه ما تقرر في الشريعة من أنه جسم مخلوق معين .
ومسألة الاستواء مذكورة في علم أصول الدين وقد أمعن في تقرير ما  يمكن تقريره فيها القفال وأبو عبد الله الرازي وذكر ذلك في التحرير فيطالع هناك. 
ولفظة {الْعَرْشِ } مشتركة بين معان كثيرة:
1- فالعرش سرير الملك ومنه (ورفع أبويه على العرش)( نكروا لها عرشها).
2-  و {الْعَرْشِ } السّقف وكل ما علا وأظل فهو عرش.
3- و {الْعَرْشِ } الملك والسلطان والعزّ، وقال زهير:
تداركتما عبساً وقد ثل عرشها           وذبيان إذ زلّت بأقدامها النعل
وقال آخر:
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم         بعتيبة بن الحارث بن شهاب
4- والعرش الخشب الذي يطوى به البئر بعد أن يطوى أسفلها بالحجارة.
5-  والعرش أربعة كواكب صغار أسفل من العواء يقال لها: عجز الأسد ويسمّى عرش السّماك
6-      والعرش ما يلاقي ظهر القدم وفيه الأصابع.
 واستوى أيضاً يستعمل
1- بمعنى استقرّ
2- وبمعنى علا
3- وبمعنى قصد
4- وبمعنى ساوى
5- وبمعنى تساوى
6-وقيل بمعنى استولى وأنشدوا:
هما استويا بفضلهما جميعا             على عرش الملوك بغير زور
وقال ابن الأعرابي لا نعرف استوى بمعنى استولى والضمير في قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } يحتمل أن يعود على المصدر الذي دلّ عليه خلق ثم استوى خلقه على العرش وكذلك في قوله {الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} لا يتعين حمل الضمير في قوله استوى على الرحمن إذ يحتمل أن يكون الرحمن خبر مبتدأ محذوف والضمير في {اسْتَوَى } عائد على الخلق المفهوم من قوله{تَنزِيلاً مّمَّنْ خَلَق الاْرْضَ وَالسَّمَـواتِ الْعُلَى}أي هو الرحمن استوى خلقه على العرش لأنه تعالى لما ذكر خلق السموات والأرض ذكر خلق ما هو أكبر وأعظم وأوسع من السموات والأرض ومع الاحتمال في العرش وفي استوى وفي الضمير العائد لا يتعيّن حمل الآية على ظاهرها  هذا مع الدلائل العقلية التي أقاموها على استحالة ذلك. وقال الحسن استوى أمره وسأل مالك بن أنس رجل عن هذه الآية فقال: كيف استوى فأطرق رأسه مليّاً وعلّته الرخصاء ثم قال: الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك إلا ضالاً ثم أمر به فأخرج.  

3- تفسير الجامع لأحكام القرأن للقرطبي


قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} هذه مسألة الاستواء؛ وللعلماء فيها كلام وإجراء. وقد بينا أقوال العلماء فيها في (الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى) وذكرنا فيها هناك أربعة عشر قولاً. والأكثر من المتقدّمين والمتأخرين أنه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه عن الجهة والتحيّز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدّمين وقادتهم من المتأخرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة، فليس بجهة فوق عندهم ؛ لأنه يلزم من ذلك عندهم متى اختص بجهة أن يكون في مكان أو حيز، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز، والتغير والحدوث.
والاستواء في كلام العرب هو:
1-      العلوّ والاستقرار. قال الجوهريّ: واستوى من اعوجاج، واستوى على ظهر دابته؛ أي استقرّ.
2-       واستوى إلى السماء أي قصد.
3- واستوى أي استولى وظهر
. قال:
قد استوى بِشرٌ على العِراق     من غير سيف ودمٍ مهراق
4-  واستوى الرجل أي انتهى شبابه.
5- واستوى الشيء إذا اعتدل. وحكى أبو عمر بن عبد البر عن أبي عبيدة في قوله تعالى: {الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) قال: علا . وقال الشاعر:

فأوردتهم ماء بفَيْفَاء قفْرَةٍ     وقد حَلّق النجمُ اليمانِيّ فاستَوَى
أي علا وارتفع. قلت: فعلوّ الله تعالى وارتفاعه عبارة عن علوّ مجده وصفاته وملكوته. أي ليس فوقه فيما يجب له من معاني الجلال أحد، ولا معه من يكون العلوّ مشتركاً بينه وبينه؛ لكنه العليّ بالإطلاق سبحانه.

 قوله تعالى: {عَلَى الْعَرْشِ} لفظ مشترك يطلق على أكثر من واحد.
1- قال الجوهري وغيره: العرش سرير الملِك. وفي التنزيل {نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} (النمل: 41)، {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى 
الْعَرْشِ} (يوسف: 100).
2- والعرش: سقف البيت.
3- وعرش القدم: ما نتأ في ظهرها وفيه الأصابع.
4- وعرش السِّماك: أربعة كواكب صغار أسفل من العَوّاء، يقال: إنها عَجُز الأسد.
5- وعرش البئر: طيُّها بالخشب، بعد أن يُطْوَى أسفلها بالحجارة قدر قامة؛ فذلك الخشب هو العرش،
    والجمع عروش.
6- والعرش اسم لمَكَّة.
7- والعرش الملك والسلطان. يقال: ثُلّ عرش فلان إذا ذهب ملكه وسلطانه وعزّه. قال زهير:
تداركتما عَبْساً وقد ثُلَّ عَرْشُهَا     وذُبْيَانُ إذ ذَلّتْ بأقدامها النّعْل
وقد يؤوّل العرش في الآية بمعنى المُلْك، أي ما استوى المُلْك إلا له جل وعز. وهو   قول حَسَن وفيه نظر، وقد بيّناه في جملة الأقوال في كتابنا. والحمد لله.  

4- تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل للبيضاوي  

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ  السَّمَـوَاتِ وَالاْرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أي في ستة أوقات كقوله: {وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } أو في مقدار ستة أيام، فإن المتعارف باليوم زمان طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن حينئذ، وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إيجادها دفعة دليل للاختيار واعتبار للنظار وحث على التأني في الأمور.
 {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } استوى أمره أو استولى، وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، والمعنى: أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزهاً عن الاستقرار والتمكن، والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه، أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأمور والتدابير تنزل منه وقيل الملك.
 

5-  تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي


{ثمّ استوى} استولى {على العرش} أضاف الاستيلاء إلى العرش وإن كان سبحانه وتعالى مستولياً على جميع المخلوقات، لأن العرش أعظمها وأعلاها. وتفسير العرش بالسرير والاستواء بالاستقرار كما تقوله المشبهة باطل، لأنه تعالى كان قبل العرش ولا مكان وهو الآن كما كان، لأن التغير من صفات الأكوان. والمنقول عن الصادق والحسن وأبي حنيفة ومالك رضي الله عنهم، أن الاستواء معلوم، والتكييف غير معقول ، والإيمان به واجب، والجحود له كفر، والسؤال عنه بدعة.  
  6-  تفسير بحر العلوم للسمرقندي

{
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } قال بعضهم: هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله. وذكر عن يزيد بن هارون أنه سئل عن تأويله فقال تأويله: الإيمان به. وذكر أن رجلاً دخل على مالك بن أنس فسأله عن قوله {الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) فقال: الاستواء غير مجهول والكيفية غير معقولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالاً. فأخرجوه. وذكر عن محمد بن جعفر نحو هذا.
وقد تأوله بعضهم وقال {ثُمَّ } بمعنى الواو فيكون على معنى الجمع والعطف، لا على معنى التراخي والترتيب.
ومعنى قوله: {اسْتَوَى} أي استولى، كما يقال فلان استوى على بلد كذا يعني: استولى عليه فكذلك هذا. معناه: خالق السموات والأرض، ومالك العرش.
ويقال: ثم صعد أمره إلى العرش. وهذا معنى قول ابن عباس. قال صعد على العرش. يعني: أمره، ويقال قال له: كن فكان،
ويقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } أي كان فوق العرش قبل أن يخلق السموات والأرض، ويكون {عَلَى } بمعنى العلو والارتفاع، ويقال استوى يعني استولى.
وذكر أن أول شيء خلقه الله تعالى القلم ثم اللوح. فأمر القلم بأن يكتب في اللوح ما هو كائن إلى يوم القيامة. ثم خلق ما شاء. ثم خلق العرش ثم حملة العرش ثم خلق السموات والأرض.
وإنما خلق العرش لا لحاجة نفسه ولكن لأجل عباده ليعلموا أين يتوجهون في دعائهم لكي لا يتحيّروا في دعائهم، كما خلق الكعبة علماً لعبادتهم، ليعلموا إلى أين يتوجهون في العبادة. فكذلك خلق العرش علماً لدعائهم ليعلموا إلى أين يتوجهوا بدعائهم.  
7- تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي

وقوله سبحانه: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } معناه عند أبي المعالي وغيره من حُذَّاق المتكلمين: الملك، والسلطان، وخصّ العرش بالذِّكْرِ تشريفاً له ؛ إذ هو أَعْظَمُ المخلوقات. وقوله سبحانه: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالاْمْرُ } «ألا»: استفتاح كلام. وأخذ المفسرون «الخَلْق» بمعنى المخلوقات، أي: هي كلها مِلْكُهُ، واختراعه  
8 -  تفسير تفسير القرآن الكريم لإبن كثير
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وأما قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، لا يشبهه شيء من خلقه و { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ} (الشورى: 11) بل الأمر كما قال الأئمة، منهم: نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري، قال: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة، والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى،

9- تفسير النكت والعيون للماوردي


{
ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} فيه قولان:
أحدهما: معناه استوى أمره على العرش، قاله الحسن.
والثاني: استولى على العرش، كما قال الشاعر:
قد اسْتَوَى بِشْرٌ على العِرَاقِ      مِن غَيْرِ سَيْفٍ ودم مُهْرَاقٍ
وفي{الْعَرْشِ}ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه المُلْك كني عنه بالعرش والسرير كعادة ملوك الأرض في الجلوس على الأسر ة، حكاه ابن بحر.
والثاني: أنه السموات كلها لأنها سقف، وكل سقف عند العرب هو عرش، قال الله تعالى:
 {خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا} [الكهف: 42][الحج: 45] أي على سقوفها.
والثالث: أنه موضع في السماء في أعلاها وأشرفها، محجوب عن ملائكة السماء.  
  10- تفسير ارشاد العقل السليم لأبي السعود

  
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }أي استوى أمرُه واستولى وعن أصحابنا أن الاستواءَ على العرش صفة الله تعالى بلا كيف والمعنى أنه تعالى استوى على العرش على الوجه الذي عناه منزهاً عن الاستقرار والتمكن،
والعرشُ الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه أو للتشبـيه بسرير الملِك فإن الأمورَ والتدابـير تنزِل منه وقيل: الملك.  

السبت، 11 يناير 2020

أَيَحْسَبُ الإِنسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى

أَيَحْسَبُ الإِنسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى


بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، تنـزّهَ عن الزوجةِ والولدِ والشريكِ والضِـدِّ وَالنِّـدِّ، تنـزَّهَ عن الاحتياجِ إلَى الغَيْرِ، تَنـزَّهَ عنِ الظلمِ والزَّمَانِ وَالمكانِ، كانَ قَبْلَ المَكَانِ بِلا مَكانٍ وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عليهِ كَانَ، لا يَمُرُّ عليهِ زَمانٌ وَلا يَحْويهِ مَكانٌ وَأَشْهَدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُهُ وَرَسولُه وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ أَرْسَلَهُ اللهُ رحمَةً للعالَمِينَ خَاتَمًا للأنبياءِ والمرسلِينَ، جَاءَ بالهُدَى وَالحَقِّ المُبِينِ دَعَا كَسَائِرِ إِخْوَانِهِ الأَنْبِياءِ وَالمُرسَلِينَ إِلَى الإِيمانِ بِدِينِ الإِسلامِ ِإلى تَوْحِيدِ اللهِ وَنَبْذِ الإِشْرَاكِ وَهُوَ نَبِيُّ ءاخِرِ الزمَانِ فلا نَبِيَّ بَعْدَهُ. <p> </p> اللهمَّ صلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ، اللهُمَّ زِدْهُ شَرَفًا وَتَعْظِيمًا، اللهُمَّ تَوَفَّنَا عَلَى صِرَاطِكَ المُستَقِيم. اللهمَّ وَثَبِّتْنا عَلَى الدِّينِ القَوِيمِ. <p> </p> أما بعدُ أيها الأحبةُ المسلمونَ، اتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي القُرءَانِ الكَريمِ: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أولئِكَ كَانَ عنهُ مَسئُولاً﴾ سورةُ الإسراءِ / ءاية 36. أَحِبَّتِي نحنُ مَا خُلِقْنَا في هذهِ الدنيا لِنَنْشَغِلَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ بِخَرَابٍ زَائِلٍ وَلا بِحُطامٍ زَائِلٍ ولا بِثِيابٍ تذهَبُ إلَى المزَابِلِ وَلا بِفِرَاشٍ تَأكُلُه النارُ فَيَصِيرُ رَمَادًا وَلا بِطَعَامٍ يَتَحَوَّلُ إِلَى قَذَرٍ تَعَافُه النَّفْسُ، بَلِ اللهُ تَعالَى خَلَقَنَا لِيَأْمُرَنَا بِطَاعَتِهِ وَهُوَ الرَّبُّ المعبودُ، عَلِمَ بِعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ أنَّ مِنَ العِبادِ مَنْ سَيَكونُ طَائِعًا وأنَّ منَ العبادِ من سيكونُ مُكَذِّبًا مُعَانِدًا، أَعَدَّ الجنةَ لِعِبَادِهِ المؤمنِينَ وأَعَدَّ النارَ وَما فِيها مِنَ عَذابٍ أليمٍ لِلَّذينَ كَذَّبوا اللهَ وَأنْبِياءَه، فنَحْنُ لَسْنَا كالبَهَائِمِ نَأْكُلُ ونشرَبُ وَنَسْرَحُ وَنَمْرَحُ كَالأَنْعَامِ، نحنُ لسنا كالبَهائِمِ للأَكْلِ وَالشربِ والنَّومِ بِلِ اللهُ تعالَى خلقَنا لِيَأْمُرَنا بِطَاعَتِه وَيَنْهَانَا عَنْ مَعْصِيَتِهِ فَإِنَّ مَنْ لمَ يَعْرِفْ هذا، لَمْ يَعْرِفْ لِما خُلِقَ، أليسَ اللهُ تعالَى يقولُ في القُرءانِ الكَرِيم: ﴿أيحسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ سورةُ القِيامة / ءاية 36. كثيرونَ أولئكَ الذينَ ما عَرَفُوا لِمَا خُلِقُوا فَتَرَاهُمْ يَنْطَبِقُ عليهِمْ حديثُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ يُبْغِضُ كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظ سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ جِيفَةٍ بِالليلِ، حِمَارٍ بِالنَّهَارِ، عَارِفٍ بأَمْرِ الدُّنْيَا جَاهِلٍ بِأَمْرِ الآخِرَةِ"، هَذا الصِّـنفُ مِنَ النَّاسِ كثيرٌ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وقليلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور﴾. واللهُ تَعالَى عَلِمَ أَنَّ مِنْ عِبادِهِ المسلِمِينَ مَنْ سَيَكُونُ وَلِيًا تَقِيًا صَالِحًا، وَأَنَّ مِنْ عِبادِهِ المسلمينَ مَنْ سَيَكونُ فَاسِقًا عَاصِيًا مُذنِبًا، فَمِنَ الناسِ مَنْ يَعصِي الإِلَهَ بِأُذُنَيْهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْصِي اللهَ بِعَيْنَيْهِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْصِي الإِلَهَ بِيَدَيْهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْصِي الإِلَهَ بِرِجْلَيْهِ، وَرَبُّ العِبَادِ يَقُولُ: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أولئِكَ كَانَ عنهُ مَسئُولاً﴾ سورةُ الإسراءِ / ءاية 36. وَمِنَ الناسِ من يَعْصِي الإِلَهَ بِلِسَانِه: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ سورة ق/ ءاية 18. أمَّا المسلِمُ الكَامِلُ التَّقِيُّ الصالِحُ هُوَ الذِي عَنَاهُ رَسولُ اللهِ بِقَولِه عَلَيهِ الصلاةُ والسَّلامُ: "المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلِمُونَ مِنْ لِسَانِه وَيَدِه" أي المسلِمُ الكَامِلُ هو الذِي كَفَّ أَذاهُ عَنِ المسلمِينَ وغَيْرِ المسلِمينَ فَلَمْ يُؤْذِهِم بغيرِ حَقٍّ لا بِلِسانِه وَلا بِيَدَيْهِ وَلا بِغَيرِ ذلكَ فَمَنْ عَصَى اللهَ تَعالَى مِنَ المسلمينَ بِحَيْثُ لَمْ يَصِلْ إلَى مرتَبَةِ الكُفرِ كَمَنْ تَرَكَ صَلاةً مُتَكَاسِلاً أَوْ أَفْطَرَ في رمضانَ وجاهَرَ بذلكَ غيرَ مُكَذِّبٍ بِفَرْضِيَّةِ رَمضَانَ أو كانَ عاقًّا لأُمِّهِ أَوْ لأَبِيهِ أو كانَ ءاكِلَ مَالِ اليَتِيمِ ظُلْمًا أَوْ ءاكِلَ مَالِ الرِّبَا أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ أَوْ زَانِيًا أَوِ انْتَحَرَ بِأَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ تَحَسَّى سُمًّا أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلْوٍ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَرِضَ على اللهِ بِقَلْبِهِ إِنَّمَا كما لو كانَ وَقَعَ فِي فَضِيحَةِ زِنا أَوْ كَمَا لَوِ ارْتَكَبَتْهُ الدُّيونُ والنَّاسُ يُطالِبُونَهُ فَقَتَلَ نَفْسَهُ وَانْتَحَرَ لِمُجَرَّدِ هذِهِ الذُّنُوبِ لا يَكونُ المسلِمُ كافِرًا لا يَصِيرُ بِها المسلِمُ كافِرًا. أَمَّا أَنْ يَفْعَلَ الإِنْسَانُ مَا يُحَرِّكُه الشيطانُ إليهِ مِنْ مُحَرَّماتٍ وتَرْكِ الوَاجِباتِ فَلْيَتَذَكَّرْ كُلٌّ مِنَّا قولَ اللهِ تعالَى: ﴿أيحسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾، وقد قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ: "مَنِ اسْتَمَعَ إلى حَديثِ قَوْمٍ وهم له كَارِهُونَ صُبَّ في أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيامَةِ". أَيِ الرَّصاصُ المُذَابُ. أليسُ قالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم هذا الحديثَ؟! بَلى، هذا فيهِ بيانُ مَعْصِيَةِ الأُذُنِ. أليسَ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ"؟! بَلَى. هَذَا مَعْنَاهُ فِيهِ بَيَانُ مَعْصِيَةِ العَيْنِ، أَلَيْسَ قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "المسلِمُ مَنْ سَلِمَ المسلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" ؟ هَذا فِيهِ بَيانُ مَعْصِيَةِ اليَدِ وَاللسَانِ، فَيَا أَيُّها الإِنسانُ اعْمَلْ لآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَدًا وَاحْرِصْ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّدَ مِنْ زَادِ الآخِرَةِ قَبْلَ أَنْ يُفَاجِئَكَ مَلَكُ الموتِ فَإِنَّ عزرائيلَ لا يَسْتَأْذِنُ عَلَى أَحَد، لا يترُكُ صَغِيرًا رَضِيعًا كَمَا لا يَتْرُكُ رَجُلاً صَحِيحًا قَوِيًّا فيأخُذُ الشِّيبَ وَالشيوخَ وَالعُجَّزَ وَالْمَرْضَى فِي المستَشْفَيَاتِ فَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيرِ عِلَّةٍ وَكَمْ مِنْ أَحْفَاد مَاتُوا قَبْلَ أَجْدَادِهِمْ فَهَيِّؤُوا الزَّادَ لِيَوْمِ المَعَادِ، وَالزَّادُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِ علمِ الدِّينِ فَالعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَالمَالُ أَنْتَ تَحْرُسُهُ، كَثِيرُونَ من الناس بدَلاً مِنْ أَنْ يَكُونُوا حَرِيصِينَ علَى التَّزَوُّدِ بِمَا يَنْفَعُهم لآخَرِتِهِم تَرَاهُم يَتَكَالَبُونَ وَيَلْهَثُونَ كَالكِلابِ وَرَاءَ الجِيفَةِ النَّتِنَةِ وَيترُكونَ مَا يَنْفَعُهُم فِي قُبورِهِم وَإِذَا مَا دَفَنَهُمْ أَهلوهُم وَأَلْقَوْا علَيهِمُ الترابَ، وَانْهَالَ عليهِمُ التُّرابُ، وصارُوا تَحتَ التُّرابِ عَادَتْ إِلَيْهِمْ أَرْوَاحُهم وَإِنَّهُم لَيَسْمَعُونَ قَرْعَ نِعالِهم إذا انصَرفُوا أَتاهُمْ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لأحَدِهِما مُنكرٌ وَلِلآخَرِ نَكيرٌ، مُنكرٌ معناهُ هذهِ الهيئَةُ غيرُ مَعروفَةٍ هَيْئَـتُهُما غَيْرُ مَعروفَةٍ هيئَتُهُما تَخْتَلِفُ عَنْ سَائِرِ الملائِكَةِ وَعنِ الإِنْسِ والجِنِّ. هذا مَعْنَى مُنكر ولَيسَ مَعناهُ باطِل، فَيُقْعِدانِه فَيُجْلِسَانِه فَيَسْأَلانِه: "مَنْ رَبُّكَ، مَا دِينُكَ، مَنْ نَبِيُّكَ"، المسلمُ لو ماتَ مَقْطُوعَ اللسانِ يقولُ: "رَبِّي اللهُ، وَدينِي الإسلامُ، ومُحَمَّدٌ نَبِيِّي صلى الله عليه وسلم جاءَنا بِالهُدَى والبَيِّنَاتِ، فأما الذينَ كَذَّبُوا اللهَ وَرُسُلَهُ وَعانَدُوا القُرءانَ العظيمَ يأتِيهِمْ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ أي لونُهُما ليسَ مِنَ الأَسْودِ الخالِصِ بل مِنَ الأَسودِ الممزُوجِ بالزُّرقَةِ وَهذا أخوفُ ما يكَونُ مِنَ الأَلْوانِ، فيكونُ الفَزَعُ في قلوبِهِم قَد تَمَلَّكَهُم، فَيَقُولانِ لِهذا المكذِّبِ "ما كُنْتَ تقولُ في هَذَا الرَّجُلِ مُحمدٍ؟ فَيقُولُ: "لا أدْرِي كنتُ أَقُولُ كمَا يَقُولُ الناسُ" فيقولانِ لَهُ: "لا دَرَيْتَ وَلا تلَيْتَ" فَيَضْرِبَانِهِ بِمِطْرَقَةٍ بينَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ حَوْلَهُ غير الإِنْسِ والجِنِّ.



لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...