بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 مايو 2019

حديث الجارية والرد على الوهابية المشبهة اتباع ابن تيمية

حديث الجارية والرد على الوهابية المشبهة اتباع ابن تيمية
قال المؤلّف رحمه الله : وأمّا ما في مسلم من أن رجلاً جاءَ إلى رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم فسألهُ عن جارية لهُ قال: قلتُ: يا رسولَ الله أفلا أعتِقُها، قال : ائتني بِها، فأتاهُ بِها فقالَ لَها: أينَ الله، قالت: في السماءِ، قال: مَن أنا؟ قالت: أنتَ رسولُ الله، قال: أعتِقْها فإنّها مؤمنةٌ.
فليسَ بصحيحٍ لأمرينِ: للاضطرابِ لأنه رُويَ بِهذا اللفظ وبلفظِ : مَن رَبُّك، فقالت: الله، وبلفظ : أين الله، فأشارت إلى السّماءِ، وبلفظ : أتشهَدينَ أن لا إله إلا الله، قالت: نعم، قال: أتشهدينَ أنّي رسولُ الله، قالت : نعم.
والأمرُ الثاني : أن رواية أين الله مخالفةٌ للأصولِ لأنَّ من أصولِ الشريعةِ أن الشخصَ لا يُحكَمُ له بقولِ "الله في السماءِ" بالإسلامِ لأنَّ هذا القولَ مشتَركٌ بين اليهودِ والنّصارى وغيرِهم وإنّما الأصلُ المعروفُ في شريعةِ الله ما جَاءَ في الحديثِ المتواتر: " أمرتُ أن أقاتلَ النَّاسَ حتّى يشهَدُوا أن لا إلهَ إلا الله وأنّي رسولُ الله " (1).
ولفظُ روايةِ مالكٍ : أتشهدينَ، موافقٌ للأصول.
فإن قيلَ : كيف تكونُ روايةُ مسلم : أين الله، فقالت : في السماءِ ، إلى ءاخره مردودةً مع إخراج مسلم لهُ في كتابهِ وكلُّ ما رواهُ مسلمٌ موسومٌ بالصّحّةِ، فالجوابُ : أن عدَدًا من أحاديثِ مسلمٍ ردَّها علماءُ الحديثِ وذكرَها المحدّثونَ في كتبهم كحديث أن الرسولَ قال لرجُلٍ : إنَّ أبي وأبَاكَ في النّار، وحديث إنه يُعطى كل مسلم يومَ القيامَةِ فِداءً لهُ مِنَ اليهودِ والنصارَى، وكذلكَ حديث أنسٍ : صَليتُ خلفَ رسولِ الله وأبي بكرٍ وعمرَ فكانوا لا يذكرونَ بسم الله الرحمنِ الرحيم. فأمَّا الأولُ ضَعَّفَهُ الحافظُ السيوطيُّ ، والثاني رَدَّهُ البخاريُّ ، والثالثُ ضَعَّفَهُ الشافعيُّ وعدد من الحفاظ .
فهذا الحديثُ على ظاهرِهِ باطلٌ لمعارضَتِهِ الحديثَ المتواترَ المذكورَ وما خالفَ المتواترَ فهو باطلٌ إن لم يقبل التأويلَ .
اتفقَ على ذلك المحدِّثونَ والأصوليُّونَ لكن بعض العلماءِ أوَّلُوهُ على هذا الوجهِ قالوا معنى أينَ الله سؤال عن تعظيمِها لله وقولـها في السماءِ عالي القدرِ جدًّا أما أخذه على ظاهره من أن الله ساكن السماء فهو باطلٌ مردودٌ وقد تقررَ في عِلمِ مصطلح الحديثِ أنَّ ما خالفَ المتواتر باطلٌ إن لم يقبل التأويل فإن ظاهرَه ظاهرُ الفساد فإن ظاهرَه أنَّ الكافرَ إذا قالَ الله في السماءِ يُحكم لهُ بالإيمانِ .
وحمل المُشبهة رواية مسلم على ظاهرهَا فَضَلُّوا ولا يُنجيهم منَ الضلالِ قولُهم إننا نحملُ كلمةَ في السماءِ بمعنى إنهُ فوقَ العرشِ لأنهم يكونونَ بذلكَ أثبتوا لهُ مِثلاً وهوَ الكتابُ الذي كَتَبَ الله فيه إن رَحمَتي سَبَقَت غَضبي فوقَ العرشِ
فيكونونَ أثبتوا المُمَاثَلَةَ بينَ الله وبينَ ذلكَ الكتاب لأنهم جعلوا الله وذلكَ الكتاب مستقرَّينِ فوقَ العرش فيكونونَ كذبوا قولَ الله تعالى : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ﴾ وهذا الحديث رواهُ ابن حبانَ بلفظ "مرفوع فوقَ العرشِ" ، وأما روايةُ البخاري فهي "موضوع فوقَ العرشِ"، وقد حَملَ بعضُ الناسِ فوقَ بمعنى تحت وهو مردودٌ بروايةِ ابنِ حبانَ بلفظ "مرفوع فوق العرش" فإنه لا يَصحُّ تأويلُ فوقَ فيه بتحت. ثم على اعتقادِهم هذا يلزمُ أن يكونَ الله محاذيًا للعرشِ بقدرِ العرشِ أو أوسَعَ منهُ أو أصغرَ، وكلُّ ما جَرَى عليهِ التقديرُ حادِثٌ محتاجٌ إلى من جَعَلَهُ على ذلكَ المقدارِ ، والعرشُ لا مناسبةَ بينهُ وبينَ الله كما أنه لا مناسبةَ بينهُ وبينَ شىءٍ من خَلقِهِ ، ولا يتشرَّفُ الله بشىءٍ من خلقِهِ ولا ينتفعُ بشىءٍ من خلقِهِ. وقولُ المشبهةِ الله قاعدٌ على العرشِ شَتمٌ لله لأن القعود من صفةِ البشرِ والبهائمِ والجِنِّ والحشرات وكلُّ وَصفٍ من صفاتِ المخلوقِ وُصِفَ الله به شَتمٌ لهُ،
قالَ الحافظُ الفقيهُ اللغويُّ مرتضى الزبيديُّ: "مَن جَعَلَ الله تعالى مُقَدَّرًا بِمقدارٍ كَفَرَ" أي لأنهُ جعلَهُ ذا كميةٍ وحجم والحجمُ والكميةًُ من موجبَاتِ الحُدوثِ، وهل عرفنا أن الشمس حادثةٌ مخلوقةٌ من جهةِ العقلِ إلا لأن لَها حَجمًا، ولو كانَ لله تعالى حجمٌ لكانَ مِثلاً للشمسِ في الحجميَّةِ ولو كانَ كذلكَ ما كانَ يستحُقُّ الألوهيةَ كَما أن الشمسَ لا تستحقُّ الألوهية. فلو طَالَبَ هؤلاءِ المشبهةَ عابدُ الشمسِ بدليلٍ عقليّ على استحقاقِ الله الألوهية وعدم استحقاقِ الشمسِ الألوهية لم يكن عندَهم دليلٌ، وغَايَةُ ما يستطيعونَ أن يقولوا قالَ الله تعالى : ﴿لله خالق كُلِّ شَىْءٍ ﴾ فإن قالوا ذلكَ لعابدِ الشمسِ يقولُ لهم عابدُ الشمس : أنا لا أؤمنُ بكتابكم أعطوني دليلاً عقليًّا على أن الشمسَ لا تستحقُّ الألوهيةَ فهنا ينقطعونَ.
فلا يوجدُ فوقَ العرش شىءٌ حيٌّ يسكنه إنما يوجدُ كتابٌ فوقَ العرشِ مكتوبٌ فيه: " إنَّ رحمتي سَبَقَت غَضبي" أي أن مظاهر الرحمة أكثر من مظاهر الغضب، الملائكة من مظاهر الرحمة وهم أكثرُ عددًا من قطرات الأمطار وأوراق الأشجار، والجنة من مظاهر الرحمة وهي أكبر من جهنم بآلاف المرات.
وكونُ ذلك الكتابِ فوقَ العرشِ ثابتٌ أخرجَ حديثهُ البخاريُّ والنسائيُّ في السننِ الكبرى وغيرهُما، ولفظ روايةِ ابن حبّانَ : " لَمَّا خلقَ الله الخلقَ كتبَ في كتابٍ يكتبُهُ على نفسِهِ (1) وهو مرفوعٌ فوق العرشِ إن رحمتي تَغلبُ غَضَبي".
فإن حاوَلَ محاوِلٌ أن يؤوّلَ "فوق" بمعنى دون قيلَ لهُ: تأويلُ النصوصِ لا يجوزُ إلا بدليلٍ نقليّ ثابتٍ أو عقليّ قاطِعٍ وليس عندهم شىءٌ من هذينِ، ولا دليلَ على لزومِ التأويلِ في هذاالحديث، كيفَ وقد قالَ بعضُ العلمَاءِ إن اللوحَ المحفوظَ فوقَ العرشِ لأنه لم يَرد نصٌّ صريحٌ بأنه فوق العرشِ ولا بأنه تحتَ العرشِ فبقي الأمرُ على الاحتمالِ أي احتمالِ أن اللوحَ المحفوظَ فوقَ العرشِ واحتمالِ أنه تحتَ العرشِ، فعلى قولهِ إنهُ فوقَ العرشِ يكون جعلَ اللوحَ المحفوظَ معادِلا لله أي أن يكونَ الله بمحاذاةِ قسم منَ العرشِ واللوحُ بمحاذاةِ قسمٍ مِنَ العرشِ وهذا تشبيهٌ لهُ بخلقِهِ لأن محاذاةَ شىءٍ لشىءٍ مِن صفاتِ المخلوقِ. ومما يدل على أن ذلك الكتاب فوق العرش فوقيةً حقيقيةً لا تحتمل التأويل الحديث الذي رواه النسائيُّ في السنن الكبرى: "إنَّ الله كتَب كتابًا قبل أن يخلُقَ السمواتِ والأرض بألفي سنة فهوَ عندَهُ على العرشِ وإنه أنزلَ من ذلك الكتاب ءايتين ختم بِهما سورة البقرةِ"، وفي لفظ لمسلم : "فهو موضوعٌ عندهُ" فهذا صريحٌ في أنَّ ذلكَ الكتاب فوقَ العرشِ فوقيةً حقيقيةً لا تحتَمِلُ التأويلَ.
وكلمةُ "عندَ" للتشريفِ ليسَ لإثباتِ تحيز الله فوقَ العرشِ لأنَّ "عندَ" تُستعمَلُ لغيرِ المكانِ قالَ الله تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ﴾ [سورة هود/83-84) إنَّما تدلُّ "عندَ" هنا أنَّ ذلكَ بعلمِ الله وليسَ المعنى أنَّ تلكَ الحجارة مجاورةٌ لله تعالى في المكَان. فمَن يحتجُّ بمجرّدِ كلمةِ عند لإثباتِ المكانِ والتَّقارُبِ بينَ الله وبينَ خلقِهِ فهوَ من أجهَل الجاهلينَ، وهل يقولُ عاقلٌ إنَّ تلكَ الحجارةَ التي أنزلَها الله على أولئكَ الكفرةِ نَزَلَت مِنَ العرشِ إليهم وكانت مكوّمَةً بمكان في جنبِ الله فوقَ العرشِ على زعمِهم.
الشرح: حديثُ الجاريةِ مضطربٌ سندا ومتنا لا يصح عن رسول الله، ولا يليق برسول الله أن يقال عنه إنه حكَم على الجارية السّوداء بالإسلام لِمجردِ قولها الله في السماء، فإن من أراد الدخول في الإسلام يدخل فيه بالنّطق بالشهادتين وليس بقول الله في السماء. أما المشبهة فقد حملوا حديث الجارية على غير مراد الرسول. والمعنى الحقيقيُّ لِهذا الحديثعند من اعتبره صحيحًا لا يخالفُ تنزيهَ الله عن المكان والحدّ والأعضاء. وقد ورَد هذاالحديث بعدَّة ألفاظ منها أن رجلا جاء فقال: يا رسول الله إن لي جارية ترعى لي غنما فجاء ذاتَ يوم ذئبٌ فأكلَ شاة فغضبت فَصككتها – أي ضربتها على وجههَا – قال : أريدُ أن أُعتقها إن كانت مؤمنة فقال : " ائتني بِها "، فَأتى بها فقال لها الرسول : " أين الله "، ومعناه ما اعتقادك في الله من التَّعظيم ومن العلوّ ورفعَة القدر، لأن أين تأتي للسؤال عن المكان وهو الأكثر وتأتي للسّؤال عن القدْر.
وأما قول الجارية: " في السماء"، وفي رواية : "فأشارت إلى السماء"، أرادت به أنه رفيع القدر جدًّا، وقد فَهِم الرسول ذلك من كلامها أي على تقدير صحة تلك الرواية. أي هذا عند من صحح هذا الحديث من أهل السنة.
ونقولُ للمشبهة: لو كانَ الأمر كما تدَّعون من حمل ءاية ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى العرش استوى﴾[سورة طه/62] على ظاهرها وحمل حديث الجارية على ظاهرهِ لتناقَض القرءان بعضه مع بعض والحديث بعضه مع بعضٍ، فما تقولون في قوله تعالى ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وجه الله ﴾[سورة البقرة/115] فإما أن تجعلوا القرءانَ مناقضًا بعضُه لبعضٍ والحديثُ مناقضًا بعضه لبعض فهذا اعتراف بكفركم لأن القرءان يُنَزهُ عن المناقضة وحديث الرسول كذلك، وإن أوَّلتم ءاية ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وجه الله ﴾ ولم تأوّلوا ءايةَ الاستواء فهذا تحكُّمٌ أي قولٌ بلا دليل. ومن حديث الجارية الذي مرَّ ذكرهُ يُعلَم أن الشخصَ إذا قالَ : "الله في السماء" وقَصَدَ أنه عالي القدرِ جدًّا لا يكفَّرُ لأن هذا حالُهُ مثلُ حالِ الجارية السَّوداء أي على تقدير صحة تلك الرواية، أما إذا قالَ الله موجود بذاته في السماء هذا فيه إثباتُ التحيز وهو كفر.
وحديث الجارية فيه معارضة للحديث المتواتر: " أمرتُ أن أُقَاتِلَ الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ". وهو من أصحّ الصحيح، ووجهُ المعارضَةِ أن حديثالجارية فيه الاكتفاءُ بقول " الله في السماء" للحكم على قائله بالإسلام، وحديث ابن عمر رضي الله عنه: " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " فيه التصريحُ بأنه لا بُدَّ للدخول في الإسلام من النطقِ بالشهادتين، فحديث الجارية لا يقوى لمقاومة هذا الحديث لأن فيه اضطرابًا في روايته ولأنه مما انفرد مسلم به. وكذلك هناكَ عدة أحاديث صحاح لا اختلافَ فيها ولا علة تناقضُ حديث الجارية فكيف يؤخذ بظاهرِهِ ويُعرضُ عن تلك الأحاديثِ الصّحاح، فلولا أن المشبهة لَها هوًى في تجسيم الله وتحييزه في السماء كما هو معتقد اليهود والنصارى لما تشبَّثوا به ولذلك يَرَونَهُ أقوى شبهة يجتذبونَ به ضعفاءَ الفَهم إلى عقيدتهم عقيدة التجسيم، فكيف يَخفى على ذي لبّ أن عقيدة تحيز الله في السماء منافيةٌ لقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ﴾ ، فإنه على ذلك يلزمُ أن يكون لله أمثالٌ كثيرٌ فالسمواتُ السبعُ مشحونةٌ بالملائكة وما فوقها فيها ملائكةٌ حافون من حول العرش لا يعلمُ عددَهم إلا الله وفوقَ العرشِ ذلك الكتابُ الذي كُتِبَ فيه: " إن رحمتي سبقت غضبي "، فباعتقادهم هذا أثبتوا لله أمثالا لا تُحصى فتبينَ بذلك أنهم مخالفون لهذه الآية ولا يَسلم من إثباتِ الأمثال لله إلا من نَزَّهَ الله عن التحيّز في المكان والجهة مطلقاً.
قال المؤلّف رحمه الله : وقَد رَوى البخاري أنَّ النّبيَّ قَال: "إذَا كَانَ أحَدُكُم في صلاته فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلا يَبْصُقَنَّ في قبلته ولا عَنْ يَمِينِهِ فَإنَّ رَبَّهُ بَيْنَه وبَيْنَ قِبْلَتِهِ"، وهذا الحديثُ أقْوى إسْنادًا منْ حَدِيثِ الجارية .
الشرح: مناجاةُ الله معناه الإقبالُ على الله بدعائِهِ وتمجيدِهِ، والمعنى المصلّي تجرَّدَ لمخاطبة ربّه انقطعَ عن مخاطبةِ الناسِ لمخاطبةِ الله، فليس من الأدبِ مع الله أن يَبصُقَ أمامَ وجهِهِ، وليس معناهُ أن الله هو بذاتِهِ تِلقَاءَ وجهِهِ.
وأما قولُهُ عليه الصلاة والسلام: " فإن ربَّه بينَهُ وبين قِبلته "، أي رحمةُ ربّه أمامَهُ، أي الرحمة الخاصة التي تنزلُ على المصلين.
قال المؤلّف رحمه الله : وأَخْرَجَ البُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبي موسى الأشعري أنَّ رَسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالَ: " ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُم فإِنَّكم لا تَدْعون أصم ولا غَائبا، إنكم تدْعون سمِيْعا قَرِيبا، والذي تدعونَهُ أقْرَبُ إلى أحدكم مِن عنق رَاحلة أحدكُم".
الشرح: هذا الحديثُ يُستفادُ منه فوائدُ منها أن الاجتماع على ذِكر الله كان في زمن الصّحابة، فقد كانوا في سفر فوصلوا إلى وادي خيبر فصاروا يُهللّونَ ويُكبّرون بصوت مرتفع فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شفقة عليهم: " اربَعُوا على أنفسكم" أي هَوّنوا على أَنفسكم ولا تُجهدوها برفع الصّوتِ كثيرًا، "فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا" أي الله تعالى يسمع بسمعه الأزليّ كلَّ المسموعات قويةً كانت أم ضعيفةً في أي مكانٍِ كانت، وأما قوله "ولا غائبًا " فمعناه أنه لا يخفى عليه شىء، وقوله : "إنكم تدعون سميعًا قريبًا والذي تدعونَهُ أقربُ إلى أحدِكم من عنقِ رَاحلةِ أحدكم"، ليس معناه القربَ بالمسافةِ لأن ذلك مستحيلٌ على الله فالعرش والفرش الذي هو أسفلُ العالم بالنّسبة إلى ذات الله على حدّ سواءٍ ليس أحدُهما أقربَ من الآخر إلى الله بالمسافة، وإنما معناه أن الله أعلمُ بالعبد من نفسه وأن الله مطَّلعٌ على أحوالِ عباده لا يخفى عليه شىء.
ثم إنه يلزمُ على ما ذهبتم إليه من حَملِ النصوص التي ظاهرها أن الله متحيزٌ في جهة فوق على ظاهرها كونُ الله تعالى غائبًا لا قريبًا لأن بين العرشِ وبين المؤمنين الذين يذكرونَ الله في الأرض مسافةً تقرُبُ من مسيرةِ خمسين ألف سنة وفي خلال هذه المسافة أجرامٌ صلبةٌ وهي أجرامُ السمواتِ وجِرمُ الكرسي، فلا يصحُّ على مُوجَبِ معتقدكم قول رسولِ الله إنه قريبٌ بل يكون غائبًا، أما على قولِ أهل السنة فكونه قريبًا لا إشكالَ فيه، فما أشدَّ فسادَ عقيدةٍ تؤدّي إلى هذا.
قال المؤلّف رحمه الله : فَيقالُ للمعتَرِضِ: إذَا أخَذْتَ حَدِيثَ الجارية علَى ظَاهِره وهذَين الحدِيثَينِ عَلى ظَاهِرهما لَبَطَلَ زَعْمُكَ أنَّ الله في السماء وإنْ أوَّلْتَ هذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ ولَم تُؤوِّلْ حَدِيثَ الجارية فَهَذَا تَحكُّمٌ – أي قَوْلٌ بِلا دَلِيل -، ويَصْدُقُ عَلَيْكَ قَوْلَ الله في اليَهُودِ ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [سورة البقرة/85]. وكَذَلِكَ مَاذا تقُولُ في قولِه تَعالى: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾ [سورة البقرة/115] فَإنْ أَوَّلْتَه فَلِمَ لا تُوَوّلُ حَدِيثَالجارية. وقَد جَاءَ في تَفسِيرِ هَذِهِ الآيةِ عنْ مُجاهِدٍ تِلميذِ ابنِ عَبَّاسٍ : " قِبْلَةُ الله"، فَفَسَّرَ الوجه بِالْقِبْلَةِ، أيْ لِصَلاةِ النَّفْلِ في السَّفَرِ عَلى الرَّاحِلَةِ.
الشرح: معنى فثمَّ وجه الله أي فهناكَ قبلة الله أي أن الله تعالى رخَّصَ لكم في صلاة النفل في السَّفر أن تتوجَّهوا إلى الجهةِ التي تذهبون إليها هذا لمن هو راكبٌ الدابة، وفي بعض المذاهبِ حتى الماشي الذي يصلي صلاةَ النفل وهو في طريقه يقرأ الفاتحةَ.
-----------------------------------
(1) رواه خمسة عشر صحابيا.

الخميس، 23 مايو 2019

توضيح لبعضِ ما لا يجوزُ حملُه على ظاهرِه ممَّا ورد في القرءانِ والحديث



توضيح لبعضِ ما لا يجوزُ حملُه على ظاهرِه ممَّا ورد في القرءانِ والحديث

.

01)يستحيلُ على الله أنْ يكونَ مُتَحَيِّزًا في الأماكنِ والْجِهَاتِ ، ولو كانَ الله يسكنُ السَّمَاءَ كما يَزْعُمُ بعضُ النَّاسِ لكانَ الله يُزَاحِمُ الملائكةَ ، وهذا مُحَالٌ . فقد ثَبَتَ عن رسولِ الله ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، أنه قال :" أَطَّتِ السَّمَاءُ وحُقَّ لَهَا أنْ تَئِطَّ ، ما فيها مَوْضِعُ أربعِ أصابعَ إلا ومَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ ساجدًا لله " .. رواه التِّرْمِذِيُّ في[(سننه)/كتاب الزُّهْدِ عن رسول الله].. وفيهِ دليلٌ على أنه يستحيلُ على الله أنْ يكونَ ساكنَ السَّماء وإلَّا لكانَ مساويًا للملائكةِ مُزاحِمًا لهم ..

.

وكذلكَ حديث :" ألا تَأْمَنُونِي وأنا أمينُ مَنْ في السَّمَاءِ يأتيني خبرُ السَّمَاءِ صباحًا ومساءً " ، فالمقصودُ بهِ الملائكةُ أيضًا .. وإنْ أُرِيدَ بهِ اللهُ فمعناهُ الذي هو رفيعُ القَدْرِ جدًّا .. والحديثُ ثابتٌ صحيحٌ رواه مسلمٌ في[(صحيحهِ)/كتاب الزَّكاة/باب ذِكْرِ الخوارجِ وصفاتهِم]..

قولُه :" وأنا أمينُ مَنْ في السَّماء " أيْ مُؤْتَمَنٌ مُصَدَّقٌ عند الملائكةِ يعتقدونَ أنَّ مُحَمَّدًا أمينٌ صادقٌ في إبلاغِ الوحي ..

.

وأمَّا الحديثُ الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وهو :" الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمٰنُ ارحموا مَنْ في الأرضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السَّماء " ، وفي روايةٍ عند أحمدَ وغيرِه :" يَرْحَمْكُمْ أهلُ السَّماء " ، فهذه الرِّوايَةُ الثَّانِيَةُ تُفَسِّرُ الرِّوايَةَ الأولى لأنَّ خيرَ ما يُفَسَّرُ بهِ الحديثُ الواردُ بالواردِ كما قال الحافظُ العراقيُّ في (ألفيَّته) :" وخيرُ ما فَسَّرْتَهُ بالوارد " .. ثمَّ المرادُ بأهلِ السَّماء الملائكةُ ، وليس المرادُ اللهَ تعالى لأنه لا يقالُ لله تعالى أهلُ السَّماء . ذَكَرَ ذلكَ الحافظُ العراقيُّ في (أماليه) عَقِيبَ هذا الحديث .. و "مَنْ " تَصْلُحُ للمفردِ وللجمعِ .. ويقالُ مِثْلُ ذلكَ في قول الله تعالى في سورةِ الْمُلْكِ (( أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ في السَّماء أن يرسلَ عليكم حاصبًا )) .. فـ (( مَنْ )) في هذه الآيةِ أيضًا أهلُ السَّماء ، فإنَّ الله يُسَلِّطُ على الكُفَّارِ الملائكةَ إذا أرادَ أنْ يُحِلَّ عليهم عقوبتَه في الدنيا كما حَصَلَ لقومِ لوطٍ وغيرِهم .
.
وأمَّا حديثُ زينبَ بنتِ جَحْشٍ زَوْجِ النبيِّ ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، أنها كانتْ تقولُ لنساء الرَّسول :" زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وزوَّجني الله تعالى من فَوْقِ سبعِ سماوات " فمعناهُ أنَّ تَزَوُّجَ النبيِّ بها مُسَجَّلٌ في اللَّوْحِ المحفوظِ . وهذه كتابةٌ خَاصَّةٌ بزينبَ وليستِ الكتابةَ العَامَّةَ . الكتابةُ العَامَّةُ تكونُ لكلِّ شخصٍ ، فكلُّ زِوَاجٍ يَحْصُلُ إلى نهايةِ الدُّنيا مُسَجَّلٌ .. واللَّوْحُ فَوْقَ السَّماواتِ السَّبْعِ .. والحديثُ صحيحٌ رواه البُخَارِيُّ والتِّرْمِذِيُّ ، وهذا لفظُ البُخَارِيِّ .. وفي الحديثِ بيانُ أنَّ زينبَ تَزَوَّجَهَا النبيُّ بالوحيِ من غيرِ وليٍّ وشاهدَين .. أنظر[(الشَّرح القويم)/ط6/ص130]لمولانا الشَّيْخِ عبدِ الله الْهَرَرِيِّ ..

.

وأمَّا الحديثُ الذي فيهِ :" والذي نفسي بيدِه ما مِنْ رَجُلٍ يدعو امرأتَه إلى فِرَاشِهَا فتأبى عليهِ إلا كانَ الذي في السَّماء ساخطًا عليها حتَّى يرضَى عنها " فيُحْمَلُ أيضًا على الملائكةِ بدليلِ الرِّوايَةِ الثَّانِيَةِ الصَّحِيحَةِ والتي هي أشهرُ من هذه وهي :" لَعَنَتْهَا الملائكةُ حتَّى تُصْبِحَ" ..

الرِّوايَةُ الأُولى وَرَدَتْ عند مسلمٍ وغيرِه واللَّفْظُ المذكورُ لمسلم .. والرِّوايَةُ الثَّانِيَةُ رواها البُخَارِيُّ ومسلم .. ويُفْهَمُ من الحديثِ أنَّ المرأةَ إذا لم يَكُنْ لها عُذْرٌ شرعيٌّ كحَيْضٍ أو نِفَاسٍ أو مَرَضٍ تَتَضَرَّرُ مَعَهُ مِنَ الجِمَاعِ فلا يجوزُ لها أنْ تمنعَ زوجَها من أنْ يجامعَها إذا أرادَ ذلكَ فإنْ أَسْخَطَهُ صَدُّها صارتْ فاسقةً ملعونةً مسخوطًا عليها من الملائكة ..

.

وأمَّا حديثُ أبي الدَّرْدَاءِ أنَّ النبيَّ ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، قال :" رَبَّنَا اللهُ الذي في السَّماء تَقَدَّسَ اسمُك " فلم يَصِحَّ ، بل هو ضعيفٌ كما حَكَمَ عليهِ الحافظُ ابنُ الْجَوْزِيِّ . ولو صَحَّ لكانَ معناهُ الذي هو رفيعُ القَدْرِ جِدًّا .. وهذا الحديثُ رواهُ أبو داودَ في[(سننهِ)/كتاب الطِّبِّ]بهذا اللَّفْظِ ، ولفظُ الإمامِ أحمدَ في (مسندِه) :" رَبَّنَا اللهُ الذي في السَّماواتِ تَقَدَّسَ اسمُك " ..

.

وأمَّا حديثُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ عن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم :" إنَّ اللهَ فوقَ عرشهِ وعرشُه فوقَ سماواتهِ " فقد رواهُ أبو داودَ في[(سننه)/كتاب السُّـنَّة/باب في الْجَهْمِيَّة]، ولم يُدْخِلْهُ البُخَارِيُّ في (الصَّحيح) فلا حُجَّةَ فيه ، وفي إسنادِه مَنْ هو ضعيفٌ لا يُحْتَجُّ بهِ ، ذَكَرَهُ ابنُ الْجَوْزِيِّ وغيرُه ..

وكذلكَ ما رواهُ في كتابهِ (خَلْقُ أفعالِ العِبَاد) عن ابنِ عبَّاسٍ أنه قال :" لَمَّا كَلَّمَ اللهُ موسَى كانَ نداؤُه في السَّماء وكانَ الله في السَّماء " ، فهو غيرُ ثابتٍ فلا يُحْتَجُّ بهِ(1) ..

----------

(1)البُخَارِيُّ لم يَلْتَزِمْ أنْ لا يَذْكُرَ إلَّا الصَّحِيحَ في هذا الكتاب . لذلكَ لا يُكْتَفَى لتصحيحِ الحديثِ وُجُودُه فيه من دونِ تصحيحه ..

--------------

وأمَّا القَوْلُ المنسوبُ إلى مالكٍ وهو :" الله في السَّماء وعِلْمُهُ في كُلِّ مكانٍ لا يخلو منهُ شيء " فهو غيرُ ثابتٍ أيضًا عن مالكٍ غيرُ مُسْنَدٍ عنهُ . وأبو داودَ لم يُسْنِدْهُ إليهِ بالإسنادِ الصَّحِيحِ بل ذَكَرَهُ في كتابهِ (الْمَرَاسِيل) . ومُجَرَّدُ الرِّوايَةِ لا يَكُونُ إثباتًا ..

أنظر[(الشَّرح القويم)/ط6/ص131]لمولانا الشَّيْخِ عبدِ الله الْهَرَرِيِّ ..



وأمَّا قولُ الله تعالى في سورة فاطِر (( إليهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ )) فقد قال النَّسَفِيُّ في (تفسيرِه) :" ومعنى قولهِ (( إليهِ )) إلى محلِّ القَبُولِ والرِّضَا ، وكُلُّ ما اتَّصَفَ بالقَبُولِ وُصِفَ بالرِّفْعَةِ والصُّعود "ا.هـ.

وكذلكَ قولُ الله تعالى في سورة النِّساء (( بل رَفَعَهُ الله إليه )) فقد قال النَّسَفِيُّ في (تفسيرِه) :" معناهُ رَفَعَ عيسى إلى حيثُ لا حُكْمَ فيهِ لغيرِ الله ، أو إلى السَّماء " ..

-----------------------------------------------

02)قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" يَنْزِلُ ربُّنا ، تباركَ وتعالى ، كُلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدُّنيا حينَ يبقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فيقولُ مَنْ يدعوني فأستجيبَ له مَنْ يسألُني فأعطيَه مَنْ يستغفرُني فأغفرَ له " .. رواه البُخَارِيُّ في[(صحيحه)/كتاب الجُمُعَة]..

ورَوَاهُ الإمامُ مسلم في[(صحيحه)/كتاب صلاة المسافرينَ وقَصْرِها]بلفظ :" إذا مضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أو ثلثاهُ يَنْزِلُ الله ، تباركَ وتعالى ، إلى السَّماء الدُّنيا فيقولُ هل من سائلٍ يُعْطَى هل من داعٍ يُسْتَجَابُ له هل من مستغفرٍ يُغْفَرُ له حتَّى ينفجرَ الصُّبْحُ " ..

ورَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ في[(سننه)/كتاب الدَّعَواتِ عن رسولِ الله]وصحَّحه بلفظ :" يَنْزِلُ ربُّنا كُلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدُّنيا حينَ يبقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فيقولُ مَنْ يدعوني فأستجيبَ له ومَنْ يسألُني فأعطيَه ومَنْ يستغفرُني فأغفرَ له " ..

أهلُ الحَقِّ يقولون :" المضافُ محذوف ، والتقديرُ : يَنْزِلُ مَلَكُ ربِّنا بأمرٍ من الله ، ولا يَتَّصِفُ اللهُ بالحركةِ والسُّكون " ..

وممَّا استدلُّوا بهِ على تأويلِهم ما رواه النَّسَائِيُّ في (عَمَلِ اليومِ واللَّيلة) بإسنادٍ صحيحٍ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقد رَوَى عنه أنه قال :" إنَّ الله يُمْهِلُ حَتَّى إذا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ الأَوَّلِ يأمرُ مناديًا فينادي.. " إلى ءاخرِ الحديث ..

إنَّ روايةَ النَّسَائِيِّ فَسَّرَتْ معنى النُّزول .. فيكونُ معنى النُّزول أنَّ الْمَلَكَ يَنْزِلُ بأمرِ الله . قالَ الإمامُ مالك :" معناه تَنْزِلُ رحمتُه وأمرُه وملائكتُه كما يقالُ فَعَلَ السُّلْطَانُ كَذَا إذا فَعَلَهُ أتباعُه " .. أنظر[(شرح صحيح مسلم)/ج6/ص279]للنَّوَوِيِّ ..

------------------------------------------------

03)رَوَى البُخَارِيُّ أَنَّ النبيَّ ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال :" إذا كانَ أَحَدُكُمْ في صلاتهِ فإنه يناجي رَبَّهُ فلا يَبْصُقَنَّ في قِبْلَتهِ ولا عن يمينهِ فإنَّ رَبَّهُ بينَه وبينَ قِبْلَتهِ " . وهذا الحديثُ أقوى إسنادًا من حديثِ الجاريةِ السَّوداء الْمُشَارِ إليه سابقًا .. مُنَاجَاةُ الله معناه الإقبالُ على الله بدعائهِ وتمجيدِه .. والمعنى أنَّ الْمُصَلِّيَ تجَرَّدَ لمخاطبةِ رَبِّه ، إنقطعَ عَنْ مخاطبةِ النَّاسِ لمخاطبةِ الله . فليسَ من الأَدَب مَعَ الله أَنْ يَبْصُقَ أمامَ وَجْههِ . وليسَ معناه أَنَّ الله هو بذاتهِ تلقاءَ وَجْههِ . وأَمَّا قولُه ، عليه الصَّلاة والسَّلام :" فإنَّ رَبَّهُ بينَه وبينَ قِبْلَتهِ " فمعناه أَنَّ رَحْمَةَ الله أمامَه . هي الرَّحْمَةُ الخَاصُّةُ التي تنزِل على الْمُصَلِّين . حُذِفَ المضافُ وبقيَ المضافُ إليه .. أنظر[(الشَّرح القويم)/ط6/ص125/ص126].. ..

------------------------------------------------
04)أخرج البُخَارِيُّ عن أبي موسى الأشعريِّ قال كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، فَكُنَّا إذا أَشْرَفْنَا على وادٍ هَلَّلْنَا وكَبَّرْنا وارْتَفَعَتْ أصواتُنا فقال النبيُّ :" يا أيُّها النَّاسُ ارْبَعُوا على أَنْفُسِكُمْ ـ أيْ هَوِّنوا على أنفسكم ـ فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غائبًا إنهُ مَعَكُمْ إنهُ سميعٌ قريبٌ تباركَ اسمُه وتعالى جَدُّه " .. هذه روايةُ البخاريِّ في[(صحيحهِ)/كتاب الجِهَادِ والسِّيَر/باب ما يُكْرَهُ من رَفْعِ الصَّوْتِ في التكبير].
وروايةُ مسلمٍ في (الصَّحيح) :" والذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ " .. أنظر[(صحيح مسلم)/كتاب الذِّكْرِ والدُّعاء والتوبة والاستغفار/باب استحباب خَفْضِ الصَّوْتِ بالذِّكْرِ]..

هذا الحديثُ يستفادُ منهُ فوائدُ ، منها أنَّ الاجتماعَ على ذِكْرِ الله كانَ في زَمَنِ الصَّحابة ، فقد كانوا في سَفَرٍ فوصلوا إلى وادي خيبرَ فصاروا يُهَلِّلُونَ ويُكَبِّرُونَ بصوتٍ مرتفعٍ فقال رسولُ الله ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، شَفَقَةً عليهم :" يا أيُّها النَّاسُ ارْبَعُوا على أَنْفُسِكُمْ " ، أيْ هَوِّنوا على أنفسِكم ولا تُجْهِدُوها برفعِ الصَّوْتِ كثيرًا ، " فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غائبًا " ، أيْ اللهُ تعالى يسمعُ بسَمْعهِ الأَزَلِيِّ جميعَ المسموعاتِ قَوِيَّةً كانتْ أو ضعيفةً في أيِّ مكانٍ كانتْ وهو ليس غائبًا أيْ لا يَخْفَى عليهِ شيءٌ .. وأمَّا قولُه :" والذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ " فليسَ معناهُ القُرْبَ بالمسافةِ لأنَّ ذلكَ مستحيلٌ على الله ، فالعَرْشُ الذي هو سقفُ الْجَنَّةِ والفَرْشُ الذي هو أسفلُ العَالَمِ بالنسبةِ إلى ذاتِ الله على حَدٍّ سواء ليسَ أَحَدُهُمَا أقربَ من الآخَرِ إلى الله بالمسافةِ وإنما معناهُ أنَّ الله أعلمُ بالعَبْدِ من نَفْسهِ وأنَّ الله مُطَّلِعٌ على أحوالِ عبادِه لا يَخْفَى عليهِ شيءٌ .

------------------------------------------------

05)ورُوِيَ عن النبيِّ ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، أنه قال :" والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لو أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ رَجُلا بحَبْلٍ إلى الأرضِ السُّفْلَى لَهَبَطَ على الله " ..

رواهُ التِّرْمِذِيُّ في[(سننه)/كتاب تفسيرِ القرءانِ عن رسولِ الله/باب ومِنْ سورة الحديد]..

هذا الحديثُ ضعيفٌ .. لكنْ تَأَوَّلَهُ علماءُ الحديثِ على أنَّ عِلْمَ الله شاملٌ لجميعِ الأقطارِ وأنهُ مُنَزَّهٌ عنِ المكانِ . فالشَّاهِدُ هو في استدلالِ العلماء بهِ على نَفْيِ المكانِ عن الله .

قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ العسقلانيُّ :" معناهُ أنَّ عِلْمَ الله يَشْمُلُ جميعَ الأقطارِ . فالتقديرُ : لَهَبَطَ على عِلْمِ الله ، والله سبحانَه وتعالى تَنَزَّهَ عنِ الحلولِ في الأماكنِ . فالله سبحانَه وتعالى كانَ قبلَ أنْ تَحْدُثَ الأماكنُ " .. نَقَلَهُ عنهُ تلميذُه الحافظُ السَّخَاوِيُّ في كتابهِ[(المقاصدُ الحَسَنَة)/رقم 86/ص342]..

وذَكَرَهُ أيضًا المحدِّث المؤرِّخ مُحَمَّدُ بنُ طولون الحنفيُّ وأقرَّه عليه .. أنظرِ[(الشَّذْرَة في الأحاديثِ المشتهِرَة)/ج2/ص72]لابنِ طولون//دار الكتب العلميَّة//بيروت//

وقال الحافظُ المحدِّث أبو بكرٍ الْبَيْهَقِيُّ الشَّافِعِيُّ الأشعريُّ بعد أنْ ذَكَرَ هذه الرِّوايَةَ ما نصُّه :" والذي رُوِيَ في ءاخِرِ هذا الحديثِ إشارةٌ إلى نَفْيِ المكانِ عنِ الله تعالى ، وأنَّ العبدَ أينما كانَ فهُوَ في القُرْبِ والبُعْدِ من الله سواء ، وأنه الظَّاهِرُ ـ يعني الله ـ فيَصِحُّ إدراكُه بالأدلَّة ، وأنه البَاطِنُ فلا يَصِحُّ إدراكُه بالكَوْنِ في مكان "ا.هـ.. أنظرِ[(الأسماء والصِّفات)/باب ما جاء في العرشِ والكُرْسِيِّ/ص400]للحافظِ الْبَيْهَقِيِّ//دار إحياء التراث العربي//بيروت//..

وكذلكَ استدلَّ بهِ أبو بكرِ بنُ العربيِّ المالكيُّ في شرحهِ على (سننِ التِّرْمِذِيِّ) على أنَّ الله مَوْجُودٌ بلا مكان . فقال ما نصُّه :" والمقصودُ مِنَ الخَبَرِ أنَّ نسبةَ البارئ مِنَ الْجِهَاتِ إلى فوق كنسبتهِ إلى تحت ، إذْ لا يُنْسَبُ إلى الكَوْنِ في واحدةٍ منهما بذاتهِ "ا.هـ.. أنظر[(عارضة الأحوذي بشرحِ صحيح التِّرْمِذِي)/كتاب التفسير/سورة الحديد/ج12/ص184]لابنِ العربيِّ//دار الفِكْر//بيروت//

أيْ أنَّ الله مُنَزَّهٌ عنِ الجهةِ فلا يسكنُ فوقَ العرشِ كما تقولُ المجسِّمة ولا يسكنُ الْجِهَةَ السُّفْلَى من العالمِ لأنَّ الله تعالى كانَ قبلَ الْجِهَاتِ السِّتِّ . ومَنِ استحالَ عليهِ الْجِهَةُ استحالَ عليهِ المكانُ . فالله تعالى لا يَحُلُّ في شيءٍ ولا يشبهُ شيئًا ، سبحانَه وتعالى عمَّا يقولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كبيرًا ..

--------------------------------------------

06)عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يقولُ يومَ القيامةِ يا ابنَ ءادَمَ مَرِضْتُ فلمْ تَعُدْنِي قال يارَبِّ كيفَ أَعُودُكَ وأنتَ رَبُّ العَالَمِينَ قال أمَا عَلِمْتَ أنَّ عبدِي فلانًا مَرِضَ فلم تَعُدْهُ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عندَه يا ابنَ ءادَمَ استطعمتُك فلم تُطْعِمْنِي قال يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ وأنتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قال أَمَا عَلِمْتَ أنه اسْتَطْعَمَكَ عبدِي فلانٌ فلم تُطْعِمْهُ أمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لو أَطْعَمْتَهُ لوَجَدْتَ ذلكَ عندِي يا ابنَ ءادَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فلم تَسْقِنِي قال يا رَبِّ كيفَ أَسْقِيكَ وأنتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قال استسقاكَ عبدِي فلانٌ فلم تَسْقهِ أَمَا إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجدتَ ذلكَ عندِي ..

هذا حديثٌ قُدْسِيٌّ صحيحٌ رواه الإمامُ مسلم في[(صحيحه)/كتاب البِرِّ والصِّلة والآداب/باب فضلِ عيادةِ المريض]..

وقولُ الله تعالى :" مَرِضْتُ " معناه : مَرِضَ عبدي ، أي على تقدير مُضاف ، وهذا كما في قولهِ تعالى في سورة الفَجْرِ (( وجاء رَبُّكَ )) .. هذا يقالُ له عندَ علماء البيان مَجَازُ الحَذْفِ ، ومعناه جاءتْ قُدْرَتُهُ ايْ ءاثارُ القُدْرَةِ العظيمةِ التي تَظْهَرُ ذلكَ اليومَ .

و " استطعمتُك " معناه اسْتَطْعَمَكَ عبدي ، أي طَلَبَ عبدي منك أنْ تُطْعِمَهُ ..

كذلكَ وَرَدَ في الحديث القدسيِّ :" فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به وبصرَه الذي يُبْصِرُ به ويدَه التي يَبْطِشُ بها ورجلَه التي يمشي بها " . معناه كنتُ حافظَ رِجْلهِ .. المضافُ هنا مُقَدَّر .. والحديثُ رواه البُخَارِيُّ في[(صحيحه)/كتاب الرِّقاق]..

بعضُ غُلاةِ المتصوِّفة افْتَرَوْا حديثًا مَوْضُوعًا أرادوا أنْ يجعلوه من هذا القبيلِ فقالوا :" يقولُ الله تعالى فإذا أحببتُه كُنْـتُهُ " .. وهذا من كلام الْمَلاحِدَةِ الذينَ ينتسبونَ إلى التصوُّف . هذا لا يُؤَوَّلُ بلْ يُحْكَمُ بكُفْرِ قائلهِ ..

------------------------------------------------

07)عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم قال الله عَزَّ وجَلَّ يُؤْذِينِي ابنُ ءادَمَ يقولُ يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فإنِّي أنا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ ليلَهُ ونهارَه فإذا شئتُ قَبَضْتُهُمَا " .. رواه الإمامُ مسلمٌ في[(صحيحهِ)/كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها/باب النهي عن سَبِّ الدَّهْر]..

وقولُه تعالى في هذا الحديثِ القُدْسِيِّ " أنا الدَّهْرُ " معناهُ أنا خالقُ الدَّهْرِ ، ليسَ معناهُ أنَّ الله هو الدَّهْرُ نَفْسُهُ أي الزَّمَنُ لأنَّ الدَّهْرَ مُؤَلَّفٌ من أيَّامٍ وليالٍ وأَزْمِنَةٍ تتعاقبُ والله خالقُ الزَّمانِ وهو مَوْجُودٌ قبلَ الزَّمانِ مُنَزَّهٌ عنه لا يجري عليهِ وَقْتٌ ولا يَحُدُّهُ مكانٌ أو جِهَةٌ ..
وقولُه تعالى في الحديثِ القُدْسِيِّ :" فلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ " فهو نهيٌ لأولئكَ الذينَ كانوا يقولونَ هذا الكلامَ من مشركي العَرَبِ يعتقدونَ أنَّ الدَّهْرَ هو الْمُتَصَرِّفُ في العَالَمِ الْمُدَبِّرُ للمخلوقات ..

------------------------------------------------

08)جاء رَجُلٌ إلى رسولِ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، وقد كانَ الرَّسُولُ يشكو من أَلَمٍ في ظهره ، فقال له :" أَرِني هذه التي بظَهْرِكَ فإني رَجُلٌ طبيب " .

فقال له رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" الله الطَّبيب . بل أنتَ رَجُلٌ رَفيقٌ . طبيبُها الذي خَلَقَهَا " .

رواه أبو داوُدَ في[(سننه)/كتاب التَّرَجُّل/باب في الخِضَاب]، والإمامُ أحمدُ في[(مسندِه)/مسند الشَّامِيِّين]..

معناهُ أنتَ تَرْفُقُ بالمريضِ وتَتَلَطَّفُهُ والله يُبْرِئُهُ ويُعافيه .. ولا يُؤْخَذُ من الحديثِ جوازُ تسميةِ الله بالـ[[الطَّبيب]]، وإنما هذا من باب الوصفِ أيْ وَصْفِ الله بأنهُ خالقُ الشِّفاء ..

-----------------------------------------------

09)عن أبي هريرةَ قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّ الله قال مَنْ عادَى لي وليًّا فقد ءاذنتُه بالحرب وما تقرَّب إليَّ عبدِي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليهِ وما يزالُ عبدِي يتقرَّب إليَّ بالنوافلِ حتَّى أحبَّه فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ بهِ وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بهِ ويدَه التي يَبْطِشُ بها ورِجْلَهُ التي يمشي بها وإنْ سألني لأُعْطِيَنَّهُ ولَئِنِ استعاذَني لأُعِيذَنَّهُ ومَا تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه تَرَدُّدِي عن نفسِ المؤمنِ يَكْرَهُ الموتَ وأنا أكرهُ مَسَاءَتَهُ .. والحديثُ رواهُ البخاريُّ في[(صحيحه)/كتاب الرِّقاق]..

وعن أبي هريرةَ قال قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ الله تعالى أنا عند ظَنِّ عبدِي بي وأنا مَعَهُ إذا ذَكَرَنِي فإنْ ذَكَرَنِي في نفسهِ ذَكَرْتُهُ في نفسي وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلإٍ خيرٍ منهم وإنْ تَقَرَّبَ إليَّ شبرًا تَقَرَّبْتُ إليه ذِرَاعًا وإنْ تَقَرَّبَ إليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إليهِ باعًا وإنْ أتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلَةً .. . والحديثُ صحيحٌ متَّفق عليه رواه البُخَارِيُّ ومسلم .. ولا بُدَّ من إخراجهِ عن ظاهرِه تحاشيًا من الوقوعِ في التشبيهِ والتجسيم .

------------------------------------

10)قولُه تعالى في سورة البَقَرَةِ (( هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أنْ يَأْتِيَهُمُ الله في ظُلَلٍ من الغَمَامِ )) فَسَّرَهُ الزَّجَّاجُ بإتيانِ اللهِ لَهُمْ بما وَعَدَهُمْ من العذاب والحِساب . وذلك في كتابه (تفسير القرءان) . وهو كتابٌ مخطوطٌ في مكتبة كوبريلي في إستانبول .. كما ذكر الزَّجَّاجُ نَفْسُهُ في كتابه (تفسير القرءان) تأويلَ أهلِ اللُّغَةِ لقول الله تعالى في سورة الحَشْرِ (( فأتاهمُ الله مِنْ حيثُ لم ‎‎يحتسبوا‎ )) بخذلانهِ سبحانَه وتعالى إيَّاهم .

والظُّلَّةُ ، بالضَّمِّ ، أَوَّلُ سحابة تُظِلُّ ، وما أَظَلَّكَ من شَجَر . وقولُه تعالى في سورة الشُّعراء (( فأَخَذَهُمْ عذابُ يومِ الظُّلَّةِ )) معناه سَلَّطَ عليهم سحابةً أَمْطَرَتْهُمْ نارًا .. والظُّلَّةُ أيضًا شيءٌ كالصُّفَّةِ يُسْتَتَرُ بهِ من الحَرِّ والبرد .. وجمعُ الظُّلَّةِ ظُلَل .. وجمع الظِّلِّ ظِلالٌ وأَظِلَّةٌ وظُلولٌ وأظلالٌ ..

-------------------------------------------

11)قلبُ العبدِ ليسَ للعبدِ سلطانٌ عليهِ وإنما الله تعالى هو وحدَه الْمُتَصَرِّفُ في قلب العبدِ كيفَ يشاء ، سبحانَه وتعالى ، من غيرِ أنْ تَتَغَيَّرَ مشيئةُ الله .

رَوَى الإمامُ مسلمٌ في[(صحيحه)/كتاب القَدَر]عن رسولِ الله أنه قال :"إنَّ قلوبَ بني ءادمَ كُلَّهَا بينَ إصْبَعَيْنِ من أصابعِ الرَّحْمٰنِ كَقَلْبٍ واحدٍ يُصَرِّفُهُ حيثُ يشاء " .. وقال :" اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القلوبِ صَرِّفْ قلوبَنا على طاعتِك " .
ورَوَاهُ ابنُ ماجهْ في[(سننه)/كتاب الْمُقَدِّمَة]بلفظ :" ما من قلبٍ إلا بينَ إصْبَعَيْنِ منْ أصابعِ الرَّحْمٰنِ ، إن شاء أقامَه وإن شاء أزاغَه " . وكانَ كثيرًا ما يقول :" يا مُثَبِّتَ القلوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا على دينك " . ومعنى الحديثِ أنَّ اللهَ الذي ليسَ كَمِثْلهِ شيءٌ هو وحدَه الذي له سلطانٌ على قلوبنا . يخلقُ الله الإيمانَ في قلوب مَنْ شاء اللهُ في الأزل لهم الإيمانَ ، ويخلقُ الله الكُفْرَ في قلوب مَنْ شاء اللهُ في الأزل لهمُ الكُفْرَ . ولذلكَ فإنَّ الْمُسْلِمِينَ المؤمنينَ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ يقولون (( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بعد إذْ هَدَيْتَنَا ))[ءال عِمْران/3].

وبعضُ الجهَّال يفسِّرون الحديثَ على حَسَبِ ما تُمْلِيهِ عليهِم أهواؤُهم ، فيظنُّون أنَّ لله تعالى أصابعَ مُحْدَثَةً كأصابعِ الإنسانِ فيَكْفُرُونَ لوقوعِهم في التشبيهِ والتجسيم . فالله سبحانَه ليسَ كَمِثْلهِ شيءٌ وهو مُنَزَّهٌ عنِ الأجسامِ والْمُحْدَثَاتِ . ومن المعروفِ أنَّ الأصابعَ تكونُ أعضاءً مُرَكَّبَةً من لحمٍ وعظمٍ وأعصابٍ وتشتملُ على الأناملِ والأظفارِ ، وهي نابتةٌ في الكَفِّ ، مخلوقةٌ مُحْدَثَةٌ قابلةٌ للفَناء . والله سبحانَه مُنَزَّهٌ عنِ التركيبِ والجوارح . فلا يجوزُ فَهْمُ الحديثِ على هذا المعنى ، بل يجبُ تأويلُه ، أي إخراجُه عن ظاهرِه ، لنَسْلَمَ من الانزلاقِ في التشبيهِ والتجسيم .

--------------------------------------------

12)ورَوَى التِّرْمِذِيُّ في[(سننه)/كتاب الزَّكاة عن رسول الله]والإمامُ مسلمٌ في[(صحيحه)/كتاب الزَّكاة]واللَّفْظُ له أنَّ رسولَ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال :" ما تَصَدَّقَ أَحَدٌ بصَدَقَةٍ مِن طَيِّبٍ ، ولا يَقْبَلُ اللهُ إلا الطَّيِّبَ ، إلا أخذها الرَّحْمٰنُ بيمينهِ وإنْ كانتْ تمرةً فتَرْبُو في كَفِّ الرَّحْمٰنِ حتَّى تكونَ أعظمَ من الجبلِ كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أو فَصِيلَهُ " ..

والفَلُوُّ الْمُهْرُ إذا فُصِلَ وعُزِلَ عن أُمِّهِ .. والفصيلُ وَلَدُ النَّاقةِ إذا فُصِلَ من إرضاعِ أمِّه .. والمرادُ أنَّ الله يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ ويُعْظِمُ أجرَها ..

*وفي (مختار الصِّحاح) ما نصُّه :" قولُ الله تعالى (( وما قَدَرُوا اللهَ حقَّ قَدْرِه )) معناه : ما عَظَّمُوا اللهَ حَقَّ تعظيمه "ا.هـ..

*يقولُ الله تعالى في سورة الزُّمَر (( وما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأرضُ جميعًا قَبْضَتُهُ يومَ القيامةِ والسَّمٰواتُ مَطْوِيَّاتٌ بيمينه ، سبحانَه وتعالى عمَّا يشركون )) . وليس معنى الآيةِ أنَّ لله تعالى عضوًا أو يدًا جارحةً . وذلك لأنَّ الله تعالى ليس كَمِثْلهِ شيء . فإمَّا أنْ يقالَ في شرح الآيةِ إنَّ السَّماواتِ تَفْنَى وتُبَدَّلُ بيمينِ الله على ما يليقُ بالله تعالى لا بمعنى الظَّاهِر . وإمَّا أن يقالَ إنَّ السَّماواتِ تَفْنَى وتُبَدَّلُ بيمينِ الله أي بقدرته .. فالسَّماواتُ يومَ القيامةِ تتكسَّر ويصيرُ فيها فُتُحَاتٌ .. السَّماواتُ ، اليومَ ، ليس فيها فُتُحَاتٌ ، بل فيها أبواب .. لكنْ يومَ القيامةِ تصيرُ مُتَشَقِّقَةًوالملائكةُ على أطرافِها ثمَّ تُلَفُّ . وهذا الطَّيُّ الواردُ في الآيةِ هو الإفناء .. يقولُ الله تعالى في سورةِ الأنبياء (( يومَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّللكتب )) .. والسِّجِلُّ هو الصَّكُّ ..

*السَّماوات السَّبْعُ يومَ القيامةِ تَتَشَقَّقُ ويَتَغَيَّرُ لونُها وتَتَغَيَّرُ هيئتُها ثمَّ تُرْمَى في الجَنَّة ..
-----------------------------------------------

13)قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" إنَّ الله يَغَارُ . وغَيْرَةُ الله أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ ما حَرَّمَ الله " .. رَوَاهُ البخاريُّ في (صحيحه) ..

ورَوَاهُ مسلمٌ بلفظ :" إنَّ الله يَغَارُ وإنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وغَيْرَةُ الله أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ ما حَرَّمَ الله " .
معناه : إنَّ الله لا يحبُّ المعصيةَ . لا يحبُّ من عبده أن يَعْصِيَهُ . واعلموا أنَّ الله لا يُوصَفُ بصفةٍ لا تَلِيقُ به . فلا يُوصَفُ بالانفعالِ والتَّأَثُّرِ لأنَّ الانفعالَ والتَّأَثُّرَ من صفاتِ الخَلْقِ ..

وفي روايةٍ عند البُخَارِيِّ ومسلمٍ والتِّرْمِذِيِّ :" لا أَحَدَ أَغْيَرُ من الله . ولذلكَ حَرَّمَ الفواحشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ " .. معناه : ما أَحَدٌ أكثرَ زَجْرًا عن الفواحشِ من الله ..
-----------------------------------------
14)السُّرُورُ والفَرَحُ اللَّذَانِ يَقَعَانِ للإنسانِ سَبَبُهُمَا انبساطُ النَّفْسِ من بعضِ الأمور . وهذه الأعراضُ عنِ الله تعالى مَنْفِيَّةٌ . وأمَّا حديثُ رسولِ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم :" الله أَفْرَحُ بتوبةِ عبدِه مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ على بعيرِه وقد أَضَلَّهُ في أرضِ فَلاة " فقد قال أبو سليمانَ الخَطَّابِيُّ :" معناهُ أَرْضَى بالتَّوْبَةِ وأَقْبَلُ لَهَا . والفَرَحُ الذي يتعارفُه النَّاسُ مِنْ نُعُوتِ بني ءادَمَ غيرُ جائزٍ على الله عَزَّ وجَلَّ " .. والحديثُ المذكورُ رواهُ البُخَارِيُّ في[(صحيحه)/كتاب الدَّعَوَات/باب التوبة]..

----------------------------------------------

15)الْمَلَلُ الذي يَطْرَأُ على الإنسانِ أثناءَ القِيَامِ بعَمَلٍ ما إنما هو من علاماتِ ضَعْفهِ ، وهو لا يجوزُ في حَقِّ الله تعالى . وأمَّا قولُ رسولِ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم :" خُذُوا من العملِ ما تُطِيقُونَ فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا " فقد قال أبو سليمانَ الْخَطَّابِيُّ :" الْمَلالُ ـ أي الذي هو حالةٌ نفسانيَّة تعتري النَّاس ـ لا يجوزُ على الله سبحانَه وتعالى بحالٍ ، ولا يَدْخُلُ في صِفَاتهِ بوَجْهٍ ، وإنما معناهُ أنهُ لا يتركُ الثَّوابَ والجزاءَ على العَمَلِ ما لم تتركوهُ . وذلكَ أنَّ مَنْ مَلَّ شيئًا تَرَكَهُ ، فكَنَّى عنِ التَّرْكِ بالْمَلالِ الذي هو سَبَبُ التَّرْكِ " .. والحديثُ المذكورُ رواهُ البُخَارِيُّ في[(صحيحهِ)/كتاب الصَّوم/باب صَوْمِ شعبان]..

---------------------------------------

16)رَوَى البَيْهَقِيُّ في كتابهِ[(الأسماء والصِّفات)/ص478]عن رسول الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، أنه قال :" لا يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ فيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ويُسْبِغُهُ ثمَّ يأتي المسجدَ لا يريدُ إلَّا الصَّلاةَ فيه إلا تَبَشْبَشَ اللهُ بهِ كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بطَلْعَتهِ " .

ثمَّ نَقَلَ البَيْهَقِيُّ عن أبي الْحَسَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ تأويلَه لقولِ رسول الله :"تَبَشْبَشَ اللهُ " بـ[[رَضِيَ الله]]، ثمَّ قال البَيْهَقِيُّ :" ولِلْعَرَبِ استعاراتٌ في الكلام . أَلَا تَرَى إلى قولهِ تعالى في سورة النحل (( فأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ والْخَوْفِ )) بمعنى الاختبارِ ، وإنْ كانَ أصلُ الذَّوْقِ بالفَمِ . والعَرَبُ تقولُ ناظِرْ فُلانًا وذُقْ ما عِندَه على معنى تَعَرَّفْ واختبرْ " .

ورواهُ أيضًا أبو داودَ الطَّيالِسِيُّ في[(مسندِه)/ص307]، وابنُ حِبَّانَ في (صحيحهِ) ، أنظرِ[(الإحسان بترتيب صحيحِ ابنِ حِبَّانَ)/ج3/ص67]..

راجع[(صريح البيان)/ط1/ص74]و[(المقالات السُّـنِّـيَّة)/ط4/ص185]لمولانا الهرريِّ

.

وعن أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَجُلًا أتى النبيَّ ، صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، فبَعَثَ إلى نسائهِ فقُلْنَ ما مَعَنَا إلَّا الماءُ فقال رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ يَضُمُّ أو يُضِيفُ هذا فقال رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ أنا فانْطَلَقَ بهِ إلى امرأتهِ فقال أَكْرِمِي ضَيْفَ رسولِ الله فقالتْ ما عندَنا إلَّا قُوتُ صِبْيَاني فقال هَيِّئِي طَعَامَكِ وأَصْبِحِي سِرَاجَكِ ونَوِّمِي صِبْيَانَكِ إذا أرادوا عَشَاءً فهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا ونَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ثمَّ قَامَتْ كأنها تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فأَطْفَأَتْهُ فجَعَلا يُرِيَانهِ أنهما يأكُلانِ فباتا طَاوِيَيْنِ فلَمَّا أصبحَ غَدَا إلى رسولِ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ فقال ضَحِكَ الله اللَّيْلَةَ أو عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا فأنزلَ الله (( ويُؤْثِرُونَ على أنفسِهم ولو كانَ بهِم خَصَاصَةٌ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسهِ فأولئكَ هُمُ الْمُفْلِحُون ))[الحشر/9].. والضَّحِكُ الواردُ في الحديثِ واقعٌ بمعنى الرِّضَى وليسَ كَضَحِكِ البَشَرِ ، كما قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (الفتح) عند شرحهِ لهذا الحديث :" ونسبةُ الضَّحِكِ والتَّعَجُّبِ إلى الله مَجَازِيَّةٌ ، والْمُرادُ بهِما الرِّضَا بصَنيعِهِما " .. أنظر[(فتح الباري)/كتاب فضائل الصَّحابة]..

ويقولُ ابنُ حَجَرٍ في موضعٍ ءاخَرَ من كتابهِ :" وأَوَّلَ البُخَارِيُّ الضَّحِكَ الوَارِدَ في الحديثِ بالرَّحمة . نَقَلَ ذلكَ عنهُ الخَطَّابِيُّ وهو قريبٌ ، وتأويلُه على معنى الرِّضَا أَقْرَبُ " .. أنظر[(فتح الباري)/كتاب الجهاد والسِّيَر]..

.

ومِمَّا وَرَدَ عن تَعَجُّبِ الله تعالى ما رواهُ عبدُ الله بنُ مسعودٍ قال قال رسولُ الله صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وجَلَّ من رَجُلٍ غَزَا في سبيلِ الله فانهزمَ يعني أصحابَه فعَلِمَ ما عليهِ فرَجَعَ حتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ فيقولُ اللهُ تعالى لملائكتهِ انْظُرُوا إلى عبدِي رَجَعَ رَغْبَةً فيما عندِي وشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي حتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ .. رواه أبو داودَ في[(سننه)/كتاب الجهاد/باب في الرَّجُلِ يَشْرِي نَفْسَه]..
-------------------------------------


17)قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" لا تَزَالُ جَهَنَّمُ تقولُ هلْ مِنْ مَزِيدٍ حتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فيها قَدَمَهُ فتقولُ قَطْ قَطْ " .. هذه روايةُ البُخَارِيِّ ..

ورِوَايَةُ مسلم :" لا تزالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فيها وتقولُ هلْ مِنْ مَزِيدٍ حتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فيها قَدَمَهُ فينزوي بعضُها إلى بعضٍ وتقولُ قَطْ قَطْ " ، أي اكْتَفَيْتُ اكْتَفَيْتُ ..

ولا يَصِحُّ حملُ القَدَمِ في الحديثِ على أنها صفةُ الله بلا كيفٍ لأنَّ صِفَةَ الله لا تفارقُ ذاتَه ولا تَلِجُ النَّارَ .. وإنما المرادُ بالقَدَمِ الفَوْجُ الأخيرُ من يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ الذي يُقَدَّمُ إلى جَهَنَّمَ حتَّى تمتلئَ بهم .. لأنه قد ثَبَتَ في الأحاديثِ الصَّحِيحَةِ الواردةِ عن رسولِ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، أنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ لا يموتُ أحدُهم حتَّى يَلِدَ ألفًا من صُلْبهِ أو أكثرَ ، فيصيرُ عددُهم قبلَ خروجِهم كبيرًا جدًّا ، حتَّى إنَّ البشَر ، يومَ القيامة ، بالنسبةِ إليهم من حيثُ العددُ كواحدٍ من مِائَةٍ وفي روايةٍ كواحدٍ من ألف ..

وعند البُخَارِيِّ وَرَدَ الحديثُ السَّابِقُ المذكورُ بلفظ :" فأمَّا النَّارُ فلا تمتلئُ حتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فتقولُ قَطْ قَطْ فهنالكَ تمتلئُ ويُزْوَى بعضُها إلى بعض" .. أنظر[(صحيح البُخَارِيِّ)/كتاب تفسير القرءان/باب قوله وتقولُ هل مِنْ مزيد]..

فقولُ رسول الله " رِجْلَهُ " يعني به الفَوْجَ الأخيرَ من يأجوجَ ومأجوجَ الذي يَدْخُلُ جَهَنَّمَ فتمتلئُ بهم .. ومعروفٌ عند العَرَبِ أنهم كانوا يقولون :" غَزَانَا رِجْلٌ من جَرَادٍ " ، أيْ فَوْجٌ من جراد ..

------------------------------------------------

18)الوَجْهُ واليَدُ والعَيْنُ وَرَدَ في القرءانِ الكريمِ إضافتُها إلى الله تعالى . فإذا أَنْكَرَ أَحَدٌ ذلكَ فلا نُكَفِّرُهُ إلَّا إذا كان اطَّلَعَ في القرءانِ عليها ومَعَ ذلكَ أنكرَها فعندئذٍ نُكَفِّرُهُ ، أي إنْ أَنْكَرَ أصلَ الإضافةِ بعد أنِ اطَّلَعَ في القرءانِ على ذلك فهذا يُكَفَّرُ .

وكلمة[[العين]]تأتي بمعنى الحِفْظِ كما في قولهِ تعالى في سورة طه (( ولِتُصْنَعَ على عينِي )) ، أي على حِفْظِي ، وهو خطابٌ لموسى . وكما في قولهِ تعالى في سورة القَمَر إخبارًا عن سفينةِ نوح (( تجري بأعيننا جزاءً لِمَنْ كان كُفِر )) .. فقولُه تعالى (( جزاءً لمنْ كانَ كُفِر )) أي جعلنا ذلك ثوابًا وجزاءً لنوحٍ على صبرِه على أذى قومهِ ، وهو المكفورُ به .. . . فاللام في (( لِمَنْ )) لامُ المفعولِ له ، و(( كُفِرَ )) معناهُ جُحِدَ ، و(( مَنْ )) كناية عن نوحٍ عليه السلام .. و(( تجري بأعيننا )) أي أنَّ سفينةَ نوحٍ تجري بحِفْظِنا ..

أمَّا قولُ الله تعالى في سورة المائدة (( بل يداهُ مبسوطتانِ يُنْفِقُ كيف يشاء )) فمعناه أنَّ الله واسعُ الكَرَمِ غنيٌّ . وأمَّا قولُ الله تعالى في سورة الفتح (( يَدُ الله فوق أيديهم )) فمعناه : عَهْدُ الله فوقَ عهودِهم . أي ثَبَتَ عليهم عَهْدُ الله لأنَّ مُعَاهَدَتَهُمْ للرسولِ تحتَ شجرة الرِّضْوَانِ في الْحُدَيْبِـيَةِ على أنْ لا يَفِرُّوا معاهدةٌ لله تعالى لأنَّ الله هو الذي أَمَرَ نبيَّه بهذه المبايعة .


قال الرَّازي في (مختار الصِّحاح) ما نصُّه :" الْيَدُ : القُوَّةُ .. وأيَّدَهُ الله : قَوَّاهُ .. ومالي بزيدٍ يدانِ أي طاقة .. وقولُه تعالى في سورة التوبة ((حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عن يَدٍ )) معناهُ عن ذِلَّةٍ واستسلام . وقيل : معناه نَقْدًا لا نسيئة .. ولا أعرفُ أحدًا من أئمَّة اللُّغَةِ أو التفسيرِ ذَهَبَ إلى ما ذَهَبَ إليه الْجَوْهَرِيُّ مِنْ أنَّ كلمةَ أَيْدٍ المذكورة في قولهِ تعالى ((والسَّمَاءَ بنيناها بأيدٍ )) هي جمعُ يَدٍ ، بل هي مَصْدَرُ ءاد يئيدُ أَيْدًا إذا قَوِيَ . وإنما قولُه تعالى (( بأيدٍ )) أي بقوَّة "ا.هـ

ولعلَّ الجوهريَّ أخذ تفسيرَه للآية من قولهِ تعالى في سورة يس (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لهم مِمَّا عَمِلَتْ أيدِينا أنعامًا فهُم لها مالِكُون )) .. ولا يَصِحُّ حَمْلُ (( أيدِينا )) في الآيةِ على القُوَّةِ لأنَّ اللُّغَةَ لا تقبلُ ذلك لأنَّ القُوَّةَ في حال الرَّفْعِ يقالُ لها الأَيْدُ ولا يقالُ لها الأَيْدِي وإنما الأَيْدِي في حال الرَّفْعِ جمعُ يَدٍ ليس غير ..

#قولُه تعالى في سورة ص (( واذْكُرْ عبدَنا داودَ ذا الأَيْدِ ، إنه أَوَّاب )) معناه : أُذْكُرْ يا مُحَمَّدُ عبدَنا داودَ (( ذا الأَيْدِ )) أيْ ذا القُوَّةِ في العبادةِ والعملِ الصَّالح .. والأَيْدُ القُوَّةُ كما قلنا .. وكان داودُ ، عليه السَّلام ، ذا قُوَّةٍ عاليةٍ في عبادةِ الله وطاعتهِ وعَمَلِ الصَّالحات ، كان أوَّابًا مطيعًا لله تعالى .

------------------------------------

19)ووَرَدَ في[(سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ)/كتاب الدَّعَوَاتِ عن رسولِ الله/باب في دعاء النبيِّ]ما نصُّه :" حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حدَّثنا ابنُ أبي عَدِيٍّ قال أنبأنا جعفرُ بنُ مَيْمُونٍ صاحبِ الأنماطِ عن أبي عثمانَ النَّهْدِيِّ عن سلمانَ الفارسيِّ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال إنَّ الله حَيِيٌّ كريمٌ يستحْيي إذا رَفَعَ الرَّجُلُ إليهِ يَدَيْهِ أنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خائبتَين ، قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ ورَوَاهُ بعضُهم ولم يَرْفَعْهُ "ا.هـ..

وفي[(الشرح القويم)/ط6/ص152]يقولُ مولانا الْهَرَرِيُّ ما نصُّه :" ومعنى الحديثِ أنَّ الله لا يُخَيِّبُ مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ إليهِ أي إلى جهةِ السَّماء مَهْبِطِ الرَّحمة داعِيًا رَبَّهُ مُتَضَرِّعًا ، فإمَّا أنْ يُعْطِيَهُ الثَّوَابَ وإمَّا أنْ يُعْطِيَهُ ما طَلَبَ "ا.هـ..

------------------------------------20)وَرَدَ في[(سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ)/كتاب الأدب عن رسول الله/باب ما جاء في النَّظَافَةِ]ما نصُّه :" حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حدَّثنا أبو عامرٍ العَقَدِيُّ حدَّثنا خالدُ بنُ إلياسَ عن صالحِ بنِ أبي حَسَّانَ قال سمعتُ سعيدَ بنَ الْمُسَيَّبِ يقول إنَّ الله طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نظيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كريمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ فنَظِّفُوا أُرَاهُ قال أَفْنِيَتَكُمْ ولا تَشَبَّهُوا باليهود . قال فذَكَرْتُ ذلكَ لِمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ فقال حَدَّثَنيهِ عامرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ عن أبيهِ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مِثْلَهُ إلَّا أنه قال نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ . قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ وخالدُ بنُ إلياسَ يُضَعَّفُ ويقالُ ابنُ إيَاسٍ "ا.هـ..

.

وفي[(الشرح القويم)/ط6/ص79]يقولُ مولانا الْهَرَرِيُّ ما نصُّه :" وأمَّا الحديثُ الذي رواه التِّرْمِذِيُّ وهو :" إنَّ الله نظيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ " فمعناه مُنَزَّهٌ عن السُّوء والنَّقْصِ ، وقولُه :" يُحِبُّ النَّظَافَةَ " أي يُحِبُّ لعبادِه نظافةَ الخُلُقِ والعَمَلِ والثَّوْبِ والبَدَنِ "ا.هـ..

و" الطَّيِّبُ " كذلكَ ، إذا أُطْلِقَ على الله فهو من باب الوَصْفِ لا من باب التسميةِ ، وهو الْمُنَزَّهُ عن النَّقائص ، وهو بمعنى القُدُّوس .
----------------------------------


21)أخرجَ البَيْهَقِيُّ عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ اليهودَ أَتَوْا إلى النبيِّ فقالوا :" يا محمَّد صِفْ لنا رَبَّكَ الذي تَعْـبُدُه " . فنَزَلَتْ (( قل هو الله أَحَد )) إلى ءاخِرِ السُّورَة . فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" هذه صِفَةُ ربِّي عَزَّ وَجَلَّ " ..

واحتجَّ بعضُ الْمُشَبِّهَةِ لإثباتِ الانفعال لله تعالى بما وَرَدَ في حديث الشَّفاعة من أنَّ ءادمَ ونوحًا وموسَى وعيسَى يقولونَ للنَّاسِ عند قصدِهم إياهُم ليشفعوا لهم :" إنَّ الله غَضِبَ اليوم غَضَبًا لم يَغْضَبْ قبلَه مِثْلَهُ ولا يَغْضَبُ بعدَه مِثْلَه " . ولم يدروا أنَّ معنَى الحديثِ أنه يَظْهَرُ في ذلكَ اليومِ مِنْ ءاثارِ غَضَبِ الله ما لم يسبقْ مِثْلُهُ ولا يأتي بعدَه مِثْلُهُ . وغَضَبُ الله ورِضَاهُ عِندَ أهلِ الحَقِّ ليسَا انفعالًا ، بل يقولونَ إنَّ غَضَبَهُ ورِضاهُ ليسَا كما يَغْضَبُ أحدُنا ويرضَى . والحديثُ المذكورُ رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومسلم في (صَحِيحَيْهِمَا) .. فما وَرَدَ في حديثِ الشَّفاعة الذي رَوَاهُ مسلمٌ من أَنَّ ءادَمَ وغيرَه يقولونَ يومَ القيامة :" إنَّ الله قد غَضِبَ اليومَ غَضَبًالم يَغْضَبْ قبلَه مِثْلَهُ ولا يَغْضَبُ بعدَه مِثْلَه " فهذا يُقْصَدُ به أَثَرُ الغَضَبِ وليسَ الغَضَبَ الذي هو صفةٌ ذاتيَّة لله .. وفي رواية :" إنَّ الله غَضِبَ غَضَبًا " ..

--------------------------------------------------

22)وَرَدَ في (سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ) ما نصُّه :" حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يزيدُ بنُ هارونَ أخبرَنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عن يَعْلَى بنِ عطاءٍ عن وَكِيعِ بنِ حُدُسٍ عن عَمِّهِ أبي رَزِينٍ قال قلتُ يا رسولَ الله أينَ كانَ رَبُّنَا قبلَ أنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ قالكانَ في عَمَاءٍ ما تحتَه هواءٌ وما فوقَه هواءٌ وخَلَقَ عرشَه على الماء قال أحمدُ بنُ مَنِيعٍ قال يزيدُ بنُ هارونَ العَمَاءُ أي ليسَ مَعَهُ شيءٌ قال أبو عيسى هكذا رَوَى حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ وَكِيعُ بنُ حُدُسٍ ويقولُ شُعْبَةُ وأبو عَوَانَةَ وهُشَيْمٌ وَكِيعُ بنُ عُدُسٍ وهو أَصَحُّ وأبو رَزِينٍ اسْمُهُ لَقِيطُ بنُ عامرٍ قال وهذا حديثٌ حَسَنٌ "ا.هـ.. أنظر[(سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ)/كتاب تفسيرِ القرءانِ عن رسولِ الله/باب ومِنْ سورة هود]..

هذا الحديثُ تَفَرَّدَ به يَعْلَى بنُ عطاءٍ عن وَكِيعِ بنِ عُدُسٍ ، وليس لوكيعٍ راوٍ غيرَ يَعْلَى ، والعَمَاءُ في اللُّغَةِ السَّحَابُ .. وهذا الحديثُ لا يُحْتَجُّ به في العقائد ، لأسباب ، منها أنَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ لا تُقْبَلُ أخبارُه في الصِّفَاتِ البَتَّةَ ، وكذلك يُضَعَّفُ هذا الحديثُ بوَكِيعِ بنِ عُدُسٍ لأنه مجهولٌ غيرُ معروفٍ لم يَرْوِ عنهُ إلَّا يَعْلَى بنُ عطاء ..

------------------------------------------------

23)جاء في (سنن أبي داود) أنَّ رسولَ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، كانَ إذا خافَ قومًا قال :" اللَّهُمَّ إنَّا نجعلُك في نحورِهم ونعوذُ بكَ من شرورِهم " .. والنَّحْرُ في اللغةِ موضعُ القِلادَةِ من الصَّدْرِ ، والحديثُ لا يُحْمَلُ على ظاهرِه لاستحالةِ التَّحَيُّزِ على الله ..

------------------------------------------------

أنظر (متن العقيدة المرشدة) المعروفة بـ (عقيدة ابن عساكر) مع شيء من سيرة المؤلف

********************************************
والحمدُ لله رَبِّ العالَمين

الاثنين، 20 مايو 2019

ليلة النصف من شعبان والإقبال على الطاعة فيها

ليلة النصف من شعبان والإقبال على الطاعة فيها
الحمد للهِ ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمَّد وعلى ءاله وصحبه وسلّم.
أما بعد...يقول اللهُ تعالى في القرءان الكريم: (قَد أَفلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) سورة الأعلى / 14-15.
إخوة الإيمان.... (قَد أَفلَحَ) قد فاز من كان عمله زاكيًا، قد أفلح من اتقى ربه وأقبل على الآخرة بهمة عالية، فكل عمل يعمله هذا العبد لله تعالى مخلصًا في نيته فإن له بكل حسنة عشر أمثالها هذا أقل ما يكتب للعبد المسلم ثم يضاعف الله تعالى الحسنة الواحدة لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف ويزيد لمن شاء على ذلك إلى أضعاف كثيرة قد تكتب الحسنة الواحدة بمائة ألف حسنة وقد تكتب بألف ألف وقد تكتب بأكثر من ذلك.
والله تعالى يقول في القرءان العظيم: (وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا) سورة القصص / 77.
أي لا تنس نصيبك لآخرتك من دنياك، فمن تزود لآخرته من هذه الدنيا فهو المتزود ومن فاته التزوّد للآخرة من هذه الدنيا فقد فاته التزود وربنا يقول: (والأَخِرَةُ خَيرٌ وَأبقَى) سورة الأعلى / 17. يعني الجنة أفضل وأدوم من الدنيا، فحري بنا في ليلة النصف من شعبان أن نُقبِلَ إلى طاعة الله، ليلة النصف من شعبان هي ليلة مباركة وأكثر ما يبلغ المرء تلك الليلة أن يقوم ليلها ويصوم نهارها ويتقي الله فيها.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها"رواه ابن ماجة.
إذا العشرون من شعبان ولّت ........ فواصل شرب ليلتك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار ........ فقد ضاق الزمان عن الصغار
وينبغي للشخص في هذه الليلة كما ينبغي له في سائر الأوقات أن يتذكر أن الموت ءاتٍ لا محالة. وكم هي عظيمة تلك الكلمات التي تقولها ملائكة الرحمة للأتقياء عند مفارقتهم الدنيا يقولون للمؤمن التقي (نَحنُ أَولِيَاؤُكُم فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) سورة فصلت / 31. اللَّهُمَّ توفنا على كامل
الإيمان يا رب العالمين.
إخوة الإيمان لابد لنا من أن نبين أن ليلة النصف من شعبان ليست الليلة التي قال الله فيها: (فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكِيم)سورة الدخان / 4. وإن كان شاع عند بعض العوام أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان فهذا غير صحيح
والصواب أن هذه الليلة هي ليلة القدر ومعنى (فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكِيم) أن اللهَ يُطلِعُ ملائكته في هذه الليلة ليلة القدر على تفاصيل ما يحدث في هذه السنة إلى مثلها من العام القابل من موت وحياة وولادة وأرزاق ونحو ذلك.
ومما ينبغي الإنتباه منه دعاء إعتاد بعض الناس على ترداده في هذه الليلة أي ليلة النصف من شعبان وهو: "اللَّهُمَّ إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب محروما أو مطرودا أو مقترًا علي في الرزق فامح اللَّهُمَّ بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي". فهذا اللفظ روي بعضه عن عُمَر وابن مسعود ولم يثبت. ولايجوز الإعتقاد أن الله تتغير مشيئته
فمن اعتقد أن الله يغير مشيئته بدعوة داعٍ فقد فسدت عقيدته ووقع بالكفر الإعتقادي الذي نحذر منه في دروسنا وخطبنا ومجالسنا كما نحذر من سائر أنواع الكفر الأخرى، فإن مشيئة الله أزلية أبدية لا يطرأ عليها تغيُّر ولا تحول كسائر صفاته: علمه وقدرته وتقديره وغيرها. فلا تتغير مشيئة الله بدعوة داعٍ أو صدقة متصدق أو نذر ناذر.
أما قول الله تعالى: (يَمحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ) سورة الرعد /39
فمعناه أن الله تعالى يمحو ما يشاء من القرءان ويرفع حكمه وينسخه ويثبت ما يشاء من القرءان فلا ينسخه كما فسرها إبن عباس رضي الله عنهما وليس المراد به أن الله
يغير مشيئته لدعوة أو صدقة أو نذر أو غير ذلك. وصدق من قال: "سبحان الذي يغير ولا يتغير"، فلو كان الله يغير مشيئته بدعوة لغيرَّها لحبيبه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم حيث إن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: "سألت ربي أربعًا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة: سألته أن لا يُكَفِر أُمتي جُملَةً فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بما أهلك به الأمم
قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يُظهر عليهم عدوًا من غيرهم فيستأصلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها"
وفي رواية: قال لي يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يردّ.
إخوة الإيمان... من أراد الدّعاء لا بد له من العلم، من أراد الذّكر لا بد له من العلم، من اراد الصّلاة واجبة كانت أو نافلة لا بد من العلم، من أراد الصّيام لا بد له من العلم فعليكم بعلم الدّين فعلم الدّين هو حياة الإسلام.
اللَّهُمَّ ارزقنا علمًا نافعًا وإيمانًا قويًا وثباتًا على الحق يا أرحم الراحمين.

القضاء المعلق والقضاء المبرم

القضاء المعلق والقضاء المبرم

بسم الله الرحمن الرحيم

بَعْضُ الْجُهَّالِ يَعْتَرِضُونَ عَلَى قَوْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْألُكَ رَدَّ القَضَاءِ وَلَكِنْ نَسْألُكَ اللُّطْفَ فِيهِ، يَقُولُونَ: هَذَا مُعَارِضٌ لِلْحَدِيثِ الْحَسَن: "لا يَرُدُّ القَضَاءَ إلا الدُّعاءُ"، يَقُولُونَ: كَيْفَ لا نَدْعو اللهَ بِرَدِّ القَضاءِ والرَّسُولُ أَخْبَرَ بِأنَّهُ يُرَدُّ؟

الرَّدُّ أن يُقالَ لَهُمْ يُوجَدُّ قَضَاءَانِ، قَضَاءٌ مُبْرَمٌ وَقَضَاءٌ مُعَلَّقٌ، فَالقَضَاءُ الْمُبْرَمُ لا يَرُدُّهُ شَىْءٌ، لا دَعْوَةُ دَاعٍ وَلا صَدَقَةُ مُتَصَدِّقٍ ولا صِلَةُ رَحِمٍ، وَالْمُعَلَّقُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ في صُحُفِ الْمَلائِكَةِ الَّتي نَقَلُوهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَثلاً يَكُونُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُم فُلانٌ إِنْ دَعَا بِكَذَا يُعْطَى كَذَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لا يُعْطَى وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ مَاذَا سَيَكُونُ مِنْهُ فَإِنْ دَعَا حَصَلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ دُعاؤُهُ رَدَّ القَضَاءَ الثَّانِيَ الْمُعَلَّقَ، وَهَذَا مَعْنى الْقَضَاءِ الْمُعَلَّقِ أَوِ الْقَدَرِ الْمُعَلَّقِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ تَقْدِيرَ اللهِ الأَزَلِيِّ الَّذي هُوَ صِفَتُهُ مُعَلَّقٌ عَلَى فِعْلِ هَذَا الشَّخْصِ أَوْ دُعَائِهِ فَاللهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَىْءٍ بِعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ، يَعْلَمُ أَيَّ الأَمْرَيْنِ سَيَخْتَارُ هَذَا الشَّخْصُ وَمَا الَّذي سَيُصِيبُهُ وَكُتِبَ ذَلِكَ في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَيْضًا وَعَلَى مِثْلِ هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الَّذي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِالدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنَ الْقَدَرِ" فَقَوْلُهُ "لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ" مَعْنَاهُ فيما كُتِبَ مِنَ الْقَضَاءِ الْمَحْتُومِ وَقَوْلُهُ "وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِالدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنَ الْقَدَرِ" مَعْنَاهُ الْمَقْدُورُ، وَيَدُلُّ على ذَلِكَ مَا وَرَدَ في حَديثِ مُسْلِمٍ أَنَّ الرَّسُولَ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ قالَ: "سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي ثَلاثًا فَأَعْطَاني ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَني وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتي بِالسَّنَةِ[1] العَامَّةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسألْتُهُ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَأصِلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بأسَهُمْ بَيْنَهُم فَمَنَعَِيها، وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ" اهـ. هَذَا الْحَدِيثُ الكَلاَمُ فِيهِ عَنِ القَضَاءِ الْمُبْرَمِ، وَقَدْ رَواهُ مُسْلمٌ في الصَّحِيحِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ مَشيئَةُ اللهِ وَتَقْدِيرُهُ وَعِلْمُهُ لا يَتَغَيَّرُ.

فَائِدَةٌ: قَالَ الْغَزَالِيُّ في الإحْيَاءِ: "فَإِنْ قُلْتَ فَمَا فَائِدَةُ الدُّعَاءِ وَالْقَضَاءُ لا يُرَدُّ؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّ مِنَ الْقَضَاءِ رَدَّ الْبَلاءِ بِالدُّعَاءِ، فَالْدُّعَاءُ سَبَبٌ لِرَدِّ الْبَلاءِ وَاسْتِجْلابِ الرَّحْمَةِ كَمَا أَنَّ الْتِّرْسَ سَبَبٌ لِرَدِّ السَّهْمِ، وَالْمَاءُ سَبَبٌ لِخُرُوجِ النَّبَاتِ" اهـ. وَخَرَّجَ الْتِّرْمِذِيُّ في جَامِعِهِ عَنْ أَبِي خُزَامَةَ وَاسْمُهُ رِفَاعَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رُقَىً نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا؟" قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام: "هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ"، قَالَ أَبُو عيسى –أيِ التِّرْمِذِيُّ- هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفي بَعْضِ نُسَخِهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. فَلَيْسَ وَرَاءَ هَذَا الْكَلامِ مِنْ السَّيِّدِ الْمَعْصُومِ مَرْمًى لأَحَدٍ. ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَ الْفَارُوقِ لأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ هَمَّ بِالرُّجُوعِ مِنْ أَجْلِ الدُّخُولِ عَلَى أَرْضٍ بِهَا الطّاعُونُ وَهِيَ الشَّامُ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الأَثِيرِ في الْكَامِلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ رَدَّ عَلَى سُؤالِ أَبِي عُبَيْدَةَ: "أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟" فَأَجَابَهُ عُمَرُ: "نَعَمْ تَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلى قَدَرِ اللهِ"، أَيْ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ إِلى أَرْضٍ أُخْرَى كُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ بِتَقْدِيرِ اللهِ، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِلتَّوَكُّلِ. وَذَلِكَ في الْوَقْعَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِطَاعُونِ عَمْوَاسَ الَّذِي أَتَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ جُلَّةِ الصَّحَابَةِ وَخِيرَةِ الْفَاتِحِينَ، فَكَانُوا شُهَدَاءَ الطَّاعُونَ.

فَائِدَةٌ: الْمُسْلِمُ عِنْدَمَا يَدْعُو اللهَ تعالى يَعْتَقِدُ جَزْمًا أَنَّ دُعَاءَهُ لا يُغَيِّرُ مَشِيئَةَ اللهِ تعالى، لَكِنِ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ عِبَادَةٌ، الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ" وَالْعِبَادَةُ هُنَا مَعْنَاهَا الْحَسَنَات، فَنَحْنُ عِنْدَمَا نَدْعُو بِدُعَاءٍ حَسَنٍ يَكُونُ اعْتِقَادِنَا أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ فِيهِ أَجْرٌ وَقَدْ يَدْفَعُ اللهُ عَنَّا شَيْئًا مِنَ الْبَلاءِ بِسَبَبِهِ، وَإِنْ شَاءَ اللهُ تعالى في الأَزَلِ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُنَا اسْتُجِيبَ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى "ادعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ" أَطِيعُونِي أُثِبْكُمْ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: "كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأنٍ" مَا قَالَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "يَغْفِرُ ذَنْْبًا وَيُفَرِّجُ كَرْبًا وَيَرْفَعُ قَوْمًا وَيَضَعُ ءاخَرِين" رَواهُ ابنُ حِبَّانَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ وَيُوَافِقُ هَذَا قَوْل النَّاسِ سُبْحَانَ الَّذي يُغَيِّرُ وَلا يَتَغَيَّرُ وَهُوَ كَلامٌ جَمِيلٌ إِذِ التَّغَيُّرُ في الْمَخْلُوقَاتِ وَلَيْسَ في اللهِ وَصِفَاتِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى الآيَةِ أَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ في خَلْقِهِ مَا شَاءَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى "أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعان" أُثِيبُ الطَّائِعَ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُوَافِقَةِ لِلشَّرْعِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: "يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ" فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْمَحْوَ وَالإثْبَاتَ في تَقْدِيرِ اللهِ. وَقَدْ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ هَذَا بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَيْ أَنَّ اللهَ يَمْحُو مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءَانِ أَيْ يَرْفَعُ حُكْمَهُ وَيَنْسَخُهُ بِحُكْمٍ لاحِقٍ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءانِ فلا يَنْسَخُهُ وَمَا يُبَدَّلُ وَمَا يُثْبَتُ كُلُّ ذَلِكَ في كِتَابٍ وَهَذَا في حَيَاةِ الرَّسُولِ أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلا نَسْخَ، قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ في تأوِيلِ هَذِهِ الآيَة. وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ مشتمل على الْمَمْحُوِّ وَالْمُثْبَتِ.

فَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّم أَنَّ قَوْلَ العَوَامِّ: اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْأَلُكَ رَدَّ القَضَاءِ رَاجِعٌ إِلى القَضَاءِ الْمُبْرَمِ لا الْمُعَلَّقِ، فَلا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَديثِ.

[1] أي المجاعةِ.

الاثنين، 6 مايو 2019

هل يوجد شيء اسمه عذاب قبر؟

هل يوجد شيء اسمه عذاب قبر؟

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبلغ عن ربه و حدث صحابته احاديث و في هذه الاحاديث شيء من ديننا الكريم فمثلا نقول لهؤلاء المتنطعين الذين ينكرون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة و تفصيلا

نقول لهم هاتوا لنا من كتاب الله من القرءان عدد ركعات الصلوات الخمس فلن يجدوا لهذا سبيلا

ولو قلنا لهم اعطونا ان بيع الذهب بالذهب مع التفاضل بالوزن حرام فهل يستطيعوا ان يثبتوه الا من حديث رسول الله او بيع التمر بالتمر مع تفاضل  فهل يستطيعوا


اذن نحن نقول اي نحن معاشر اهل السنة و الجماعة ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  حدث اصحابة بامور من هذه الامور الامور العقائدية و الامور الفقهية و غير ذلك

و اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقلوا حديث رسول الله لمن جاء بعدهم و هكذا جيلا بعد جيل الى يومنا هذا

و الرسول صلى الله عليه وسلم لا يفتي من عنده يعني لا يتكلم بدين الله بدون علم و خير مثال نقوله دليلا على ما نقول الا و هو حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خير البقاع و عن شر البقاع

الرسول لو كان يتكلم من عنده لاجاب بما يريد لكن الرسول لا يتكلم من عنده انما هو كما اخبر الله تعالى


{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} (50) سورة الأنعام


وقال الله تعالى

{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (4) سورة النجم


ثم جاء الجواب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان خير البقاع المساجد و شر البقاع الاسواق

ثم لنا امر مهم نثبت فيه صدق ما نقل الينا من احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم

فمثلا لو قلنا لاحد هؤلاء المتنطعين المنكرين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعلم شيء اسمه الصين

سيقول نعم

نقول له هل زرتها

سيقول مثلا لا


نقول له كيف حكمت على وجود شيء لم تره و انما فقط سمعت عنه ؟

سيقول لنا ان تواتر الخبر عن وجود شيء او مكان او بلدة اسمها الصين و نقل هذا الشي عدد من الناس نستبعد تواطئهم جميعا على الكذب بهذا الامر

كذلك نقول له ان هنالك جماعة من الناس نقلوا لنا كلام و حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم و انه يستحيل تواطئهم على الكذب و ان هذا الشيء تواتر


اذن لا دليل ولا حجة ولا برهان لاي متنطع بانكار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه هنالك احاديث تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم ليعلم ان الرسول لا يقول عن شيء حرام و هو حلال ولا يقول عن شيء حلال و  هو حرام
لكن قد يكون هنالك شيء حلال فيتغير الحكم فيصير حراما لكن ليس الرسول من يحلل و يحرم من عند نفسه لا انما هو يبلغ عن ربه سبحانه و تعالى

و قد يكون الحكم في شيء كذا و كذا فيتغير فيصير كذا و كذا و هذا لما فيه خير و مصلحة للعباد

كذلك الرسول لا يقول عن شيء انه لا وجود له و يكون هذا الشيء موجود لان هذا كلام بخلاف الواقع و هو كذب و يكون افتاء من عنده و هذا باطل بنص الدليل القاطع من القرءان و ما ينطق عن الهوى ان هو الا وهي يوحى

فمثلا اذا جاء انسان و قال للرسول هل يوجد شيء اسمه جنة و نار ؟

الرسول لا يجيب من عند نفسه اذا لم يكن عنده علم فلا يقول للسائل لا يوجد لان هذا يكون افتاء بدون علم و لا يجوز هذا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم


كذلك اذا جاء انسان و قال للرسول هل هذا الشيء فيه خير او فيه شفاء ؟

الرسول عليه السلام يستحيل عليه ان يقول له انه فيه خير و هو فيه شر او مضرة


لان تجويز هذا على الرسول فيه سوق الناس الى الالحاد و الى الشك في كل شيء يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم و هذا باطل و كذلك تجويز الكذب على رسول الله فيه تشكيك بصدق نبوته صلى الله عليه وسلم

لانه قد ياتي شخص و يقول و ما يدرينا انه ليس بكاذب اليس كذب في كيت و كيت؟

و هذا ولا شك انه باطل و مردود على قائله


تأكد عذاب القبر بسبب الغيبة وعدم الاستنزاه من البول


 روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن ابن عباس:مر رسول الله على قبرين  فقال:((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم قال بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من البول)) .
ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين فغرس على هذا واحداً ثم قال:
((لعلّه يخفف عنهما )) فهذا الحديث بعد كتاب الله حجّةً في إثبات عذاب القبر
الرسول مر على قبرين فقال:((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم )).
ثم قال (بلى) أي بحسب ما يرى الناس ليس ذنبهما شيئاً كبيراً لكنه في الحقيقة ذنب كبير .

فالرسول رآهما بحالة شديدة وأنهما يعذبان وليس من شرط العذاب أن تمس جسده النّار  الله جعل عذاباً كثيراً غير النّار في القبر

الرسول رأى ذلك وبعض المؤمنين الصالحين يرون ذلك ويرون النعيم والأدلّة كثيرة على ذلك .
اذن بعد ثبات صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم و استحالة ان يفتي الرسول صلى الله عليه وسلم بدون علم او ان يتكلم بخلاف الواقع اذا راينا اي شيء يشير الى قول ان الرسول قال لا عذاب بالقبر فاعلموا ان هذا كذب على الرسول و اي شيء ورد بهذا فهو مردود بقول الله تبارك و تعالى
و ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى

الله اعلمنا انه لا يتكلم و لا يفتي من عند نفسه انما يبلغ عن ربه

قال الامام القرطبي

قوله تعالى في الآية الأخرى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء ثم ربهم يرزقون وهناك يأتي الكلام في الشهداء وأحكامهم إن شاء الله تعالى وإذا كان الله تعالى يحييهم بعد الموت ليرزقهم على ما يأتي فيجوز أن يحيي الكفار ليعذبهم ويكون فيه دليل على   عذاب القبر

وقال القرطبي

وقال إبن عباس كلا سوف تعلمون ما ينزل بكم من العذاب في القبر ثم كلا سوف تعلمون في الآخرة إذا حل بكم العذاب فالأول في القبر والثاني في الآخرة فالتكرار للحالتين

وقال الطبري

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} (101) سورة التوبة

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن الحسن سنعذبهم مرتين قال عذاب الدنيا وعذاب القبر   

  حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن العلاء قالا ثنا بدل بن المحبر قال ثنا شعبة عن قتادة سنعذبهم مرتين قال عذابا في الدنيا وعذابا في القبر   

   حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن ابن جريج قال عذاب الدنيا وعذاب القبر ثم يردون إلى عذاب النار   

  وقال آخرون كان عذابهم إحدى المرتين مصائبهم في أموالهم وأولادهم والمرة الأخرى في جهنم      ذكر من قال ذلك حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد سنعذبهم مرتين قال أما عذاب في الدنيا فالأموال والأولاد وقرأ قول الله فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا بالمصائب فيهم هي لهم عذاب وهي للمؤمنين أجر      قال وعذاب في الآخرة في النار      ثم يردون إلى عذاب عظيم قال النار 

   وقال آخرون بل إحدى المرتين الحدود والأخرى   عذاب القبر       ذكر ذلك عن ابن عباس من مرضي   

 وقال آخرون بل إحدى المرتين أخذ الزكاة من أموالهم والأخرى   عذاب القبر      ذكر ذلك عن سليمان بن أرقم عن الحسن


و قال الطبري  في تأويل قول تعالى  {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (124) سورة طـه
و قد اتقن الرد

فقال

 حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال ثنا بشر بن المفضل قال ثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي حازم عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري قال إن المعيشة الضنك التي قال الله عذاب القبر     

حدثني حوثرة بن محمد المنقري قال ثنا سفيان عن أبي حازم عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري فإن له معيشة ضنكا قال يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه   

  حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ثنا أبي وشعيب بن الليث عن الليث قال ثنا خالد بن زيد عن ابن أبي هلال عن أبي حازم عن أبي سعيد أنه كان يقول المعيشة الضنك عذاب القبر إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه والإضطراب لحمه حتى يبعث   
  وكان يقال لو أن تنينا منها نفخ الأرض لم تنبت زرعا 


   حدثنا مجاهد بن موسى قال ثنا يزيد قال ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
قال يطبق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه وهي المعيشة الضنك التي قال الله معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى     

حدثنا أبو كريب قال ثنا جابر بن نوح عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح والسدي في قوله معيشة ضنكا قال   عذاب القبر     

  حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي قال ثنا محمد بن عبيد قال ثنا سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله فإن له معيشة ضنكا قال   عذاب القبر       

حدثني عبد الرحمن بن الأسود قال ثنا محمد بن ربيعة قال ثنا أبو عميس عن عبد الله بن مخارق عن أبيه عن عبد الله في قوله معيشة ضنكا قال   عذاب القبر     

 حدثني عبد الرحيم البرقي قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا محمد بن جعفر وابن أبي حازم قالا ثنا أبو حازم عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري معيشة ضنكا قال   عذاب القبر   

    قال أبو جعفر وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال هو   عذاب القبر  الذي حدثنا به أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال ثنا عمي عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال

 أتدرون فيم أنزلت هذه الآية فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى أتدرون ما المعيشة الضنك قالوا الله ورسوله أعلم

قال عذاب الكافر في قبره والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا أتدرون ما التنين تسعة وتسعون حية لكل حية سبعة رؤوس ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة   

 وإن الله تبارك وتعالى أتبع ذلك بقوله ولعذاب الآخرة أشد وأبقى فكان معلوما بذلك أن المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم قبل عذاب الآخرة

 لأن ذلك لو كان في الآخرة لم يكن لقوله ولعذاب الآخرة أشد وأبقى معنى مفهوم

لأن ذلك إن لم يكن تقدمه عذاب لهم قبل الآخرة حتى يكون الذي في الآخرة أشد منه بطل معنى قوله ولعذاب الآخرة أشد وأبقى   


  فإذ كان ذلك كذلك فلا تخلو تلك المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم من أن تكون لهم في حياتهم الدنيا أو في قبورهم قبل البعث

 إذ كان لأوجه لأن تكون في الآخرة لما قد بينا فإن كانت لهم في حياتهم الدنيا فقد يجب أن يكون كل من أعرض عن ذكر الله من الكفار فإن معيشته فيها ضنك وفي وجودنا كثيرا منهم أوسع معيشة من كثير من المقبلين على ذكر الله تبارك وتعالى القائلين له المؤمنين في ذلك ما يدل على أن ذلك ليس كذلك وإذ خلا القول في ذلك من هذين الوجهين صح الوجه الثالث وهو أن ذلك في البرزخ

النار يعرضوع عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب     130

3 حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال ثم إذا أقعد المؤمن في قبره أتى ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة بهذا وزاد يثبت الله الذين آمنوا نزلت في   عذاب القبر


1306 حدثنا عبدان أخبرني أبي عن شعبة سمعت الأشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها ثم أن يهودية دخلت عليها فذكرت   عذاب القبر  فقالت لها أعاذك الله من   عذاب القبر  فسألت عائشة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عن   عذاب القبر  فقال نعم   عذاب القبر  حق قالت عائشة رضي الله عنها فما رأيت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بعد صلى صلاة إلا تعوذ من   عذاب القبر   


  1307 حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تقول ثم قام رسول الله  صلى الله عليه وسلم  خطيبا فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة زاد غندر   عذاب القبر  حق   


 1308 حدثنا عياش بن الوليد حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال ثم إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد  صلى الله عليه وسلم فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا قال قتادة وذكر لنا أنه يفسح في قبره ثم رجع إلى حديث أنس قال وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد

البخاري

باب التعوذ من   عذاب القبر     

1309 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى حدثنا شعبة قال حدثني عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن البراء بن عازب عن أبي أيوب رضي الله عنهم قال ثم خرج النبي  صلى الله عليه وسلم  وقد وجبت الشمس فسمع صوتا فقال زفر تعذب في قبورها وقال النضر أخبرنا شعبة حدثنا عون سمعت أبي سمعت البراء عن أبي أيوب رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم   

 1310 حدثنا معلى حدثنا وهيب عن موسى بن عقبة قال حدثتني ابنة خالد بن سعيد بن العاص أنها ثم سمعت النبي  صلى الله عليه وسلم  وهو يتعوذ من   عذاب القبر   

  1311 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ثم كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم إني أعوذ بك من   عذاب القبر  ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال

البخاري

باب   عذاب القبر  من الغيبة والبول 

  1312 حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس قال بن عباس رضي الله عنهما مر النبي  صلى الله عليه وسلم  على قبرين فقال ثم إنهما ليعذبان وما يعذبان من كبير ثم قال بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما أحدهما فكان لا يستتر من بوله قال ثم أخذ عودا رطبا فكسره باثنتين ثم غرز كل واحد منهما على قبر ثم قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا 


 1313 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال ثم إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة
الحمد لله الذي قصم بالموت رقاب الجبابرة  وكسر به ظهور الأكاسرة وقصر به آمال القياصرة  الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة
حتى جاءهم الوعد الحق  فأرداهم في الحافرة   فنقلوا من القصور إلى القبور
 ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود 
 ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مواساة الهوام والديدان 
ومن التنعم بالطعام و الشراب إلى التمرغ بالتراب
ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة
فانظروا هل وجدوا من الموت حصنا وعزا
والصلاة والسلام على سيدنا محمد  ذي  المعجزات الباهرات

 باب إثبات أنواع العذاب في القبر


اعلم رحمنا الله و إياك أن هناك أنواعا عديدة من عذاب القبر منها
الضرب بمطرقة من حديد للإنسان الكافر لما يعجز عن الجواب على أسئلة الملكين منكر ونكير  عليهما السلام
وهذه المطرقة يضرب بها الكافر بين أذنيه  فيسمعه من يليه إلا الإنس والجن  لا يسمعون كما ورد  عن
الرسول الكريم محمد  لو ضُرب بها الجبل لصار ترابا  وهذه المطرقة   لا يضرب بها المسلم العاصي
الذي مات وكانت معاصيه كثيرة ولم يتب منها

وهناك ضغطة القبر التي تصيب بعض عصاة المسلمين  والكفار  يقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف فيها أضلاعه  فتأتي التي من ناحية اليمين إلى الشمال  والتي من  ناحية الشمال تأتي إلى اليمين  وهذا فيه عذاب شديد

ثم الظلمة  فإن كثيرا من الناس يستوحشون إذا جلسوا ساعة واحدة في مكان مظلم ومعهم أهلهم  فيتضايقون ويقلقون
فكيف بمن يقعد في قبره سنين في ظلام دامس بسبب الكبائر التي اقترفها  ولم يتب منها  أو بسبب الكفر الذي وقع فيه ومات ولم يتب من كبائره  ومن كفره بالنطق بالشهادتين للعودة إلى دين الإسلام

وقد شوهد قبور خرج منها دخان بعد دفن أ صحابها وفتحت قبور بعد الدفن لغرض ما  فما إن فتح القبر  حتى خرجت نار أحرقت عشب المقبرة وحشيشها اليابس
روى أهل العلم الثقات الصادقون  أن رجلا كان يداين الناس بالربا عاش على هذه الحال ماله حرام ثم كان خرج مرة في موكب فأبصر امرأة حسناء جميلة تزوجها رجل من فقراء المسلمين  فأخذها منه ظلما و بالقوة

ثم مات هذا الرجل  فلما دفنه أهل البلدة و آووا إلى منازلهم  خرج دخان من القبر ثم أهله اشتد بكاؤهم وحزنهم عليه
ثم ذهبوا إلى العلماء والقراء  يقرأون له القرآن ويستغفرون له 
ومع هذا بقي الدخان متصاعدا أسبوعا فقال العلماء
هذه الأموال المحرمة التي أكلها عن طريق الربا نسأل الله النجاة من عذاب القبر

وابن تيمية الحراني  الذي خرق الإجماع  في نحو ستين مسألة  كما ذكر الحافظ العراقي  رحمه الله قال عنه  تقي الدين الحصني  رحمه الله 
أن رجلا حدثه  بعد أن مات ابن تيمية 
وناس مدحوه وناس ذموه وكفروه
 ذاك الرجل ذهب وحفر القبر
فوجد ثعبانا أسود جاثما على جسمه ولسان الثعبان المرعب على فم ابن تيمية
 ولا يخفى على ذي لب ما هو عذاب من يسلط عليه ثعبان في القبر أو حية أو عقرب

أجارنا الله من جميع العذاب
 وكم من أناس رؤوا وقد حُرّقت أجسادهم وهم في القبور  حتى العظام كانت سوداء

وقد روي أن محمد بن المنكدر بلغه أن الكافر    يُسلط عليه في قبره  دابة صماء عمياء  في يدها سوط من حديد  تضربه لا تراه فتتقيه   ولا تسمع صوته فترحمه
 

باب إبطال ما نسب إلى سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه اعلم أن ما روي في حق سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه من أن ضغطة القبر ستصيبه  وأنه كان لا يستنزه عن البول فهذا باطل غير  صحيح
 وقد قال بعض الناس كذبا  إن النبي قال عن ضغطة القبر  :لو نجا أحد لنجا سعد بن معاذ  فغير صحيح
وإن صححه من صححه 
كيف وقد ورد في حق سعد ((اهتز العرش لموت سعد بن معاذ )) رواه البخاري
فمن اهتز العرش لموته كيف يليق  بمقامه أن يصيبه ضغطة القبر  وكذلك ما يروى عنه أنه كان لا يحترز من البول غير صحيح
بدليل ما ورد عن رسول الله  من أنه وصف سعدا بأنه شديد في أمر الله
وورد عن عائشة رضي الله عنها  أنها قالت في حق سعد بن معاذ ((لم يكن في عشيرة بني الأشهل  أفضل من سعد بن معاذ  وأسيد بن حضير  وعباد بن بشر ))

وأما الأحاديث التي وردت في حصول ضغطة القبر لصبي دُفن في عصر الرسول  وأن النبي قال لو كان يسلم منها أحد لسلم منها هذا الصبي  وفي حق  بنت النبي زينب وفي حق سعد فهذه الأحاديث معارضة لما هو أقوى منها  وهي لم يخرجها الشيخان  والحديث الذي في الصحيح  أن ضغطة القبر للكافر  وللمنافق ومما يمنع من صحة ما ورد  في حق سيدنا سعد من ضغطة القبر
أنه كان شهيدا  لأنه مات من جرح أصيب به في غزوة الخندق
وتُدفع تلك الأحاديث بقوله تعالى ((ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) سورةيونس/62
تأكيد عذاب القبر بسبب الغيبة وعدم الاستنزاه من البول

 روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن ابن عباس:مر رسول الله على قبرين  فقال:((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم قال بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من البول)) .
ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين فغرس على هذا واحداً ثم قال:
((لعلّه يخفف عنهما )) فهذا الحديث بعد كتاب الله حجّةً في إثبات عذاب القبر
الرسول مر على قبرين فقال:((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم )).
ثم قال (بلى) أي بحسب ما يرى الناس ليس ذنبهما شيئاً كبيراً لكنه في الحقيقة ذنب كبير .

فالرسول رآهما بحالة شديدة وأنهما يعذبان وليس من شرط العذاب أن تمس جسده النّار  الله جعل عذاباً كثيراً غير النّار في القبر

الرسول رأى ذلك وبعض المؤمنين الصالحين يرون ذلك ويرون النعيم والأدلّة كثيرة على ذلك .
بيان بعض الأسباب التي تنجي من عذاب القبر

روى الضياء المقدسي من حديث أبو هريرة أن رسول الله قال ((إن في القرآن ثلاثين آية تستغفر لصاحبها حتى يغفر له تبارك الذي بيده الملك ))

وعن ابن عباس عن النبي أنه قال ((وددت أنها [أي تبارك الذي بيده الملك ]في جوف كل إنسان من أمتي )) رواه الحافظ ابن الحجر العسقلاني في أماليه فمن حافظ على قراءتها كل يوم كان داخلا في هذا الحديث  وأما من قرأها ليلة واحدة ومات في تلك الليلة فلم يرد نص أنه لا يعذب في قبره ولا يُسأل


وروى الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس أن رجلا ضرب خيمة على قبر فصار يسمع من القبر  قراءة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها
فذهب إلى رسول الله فأخبره بما حصل فقال مصدقا له
((هي المانعة هي المنجية ))


وكان سيدنا عثمان رضي الله عنه إذا أتى القبور بكى حتى يبل لحيته بالدموع فقيل له في ذلك :
فإن تنجو منها تنجو من ذي عظيمة                  وإلا فإني لا إخالك ناجيا
أي لا أظنك ناجيا 


ومن أسباب النجاة من عذاب القبر والآخرة لمن مات قبل التوبة :


من مات وقد نال نوعا من أنواع الشهادات كالذي مات بغريق أو بحريق أو بمرض ذات الجنب وهو ورم في الخاصرة بالداخل ثم يظهر ينفتح إلى الخارج فيحصل لصاحبه حمى وقيء وغير ذلك من الاضطرابات


والذي يقتله بطنه أي إسهال أو احتباس لا يخرج منه ريح ولا غائط فيموت

ففي الحديث((من قتله بطنه لم يعذب في قبره ))رواه الترمذي

كذلك الذي يقتله الطاعون  وقد سئل النبي عن الطاعون فقال ((وخز أعدائكم من الجن ))
و
الطاعون  ورم يحدث في مراق الجسم أي المواضع الرقيقة منه  ويحصل منه حمى وإسهال وقيء


وقد حصل في زمن عمر بن الخطاب  طاعون مات فيه سبعون ألفا
كذلك المرأة التي تموت بجُمع أي بألم الولادة
وكذلك الذي يموت تحت الهدم أي بالتردي من علو إلى سفل
والذي يموت دون أهله أو ماله أو ولده
وكذلك لا يعذب من مات غريبا عن بلده وأهله لحديث((موت الغريب شهادة )) رواه ابن ماجه وضعفه الحافظ ابن حجر 
وكذلك من قُتل ظلما فهو شهيد
     

بيان من لا تبلى أجسادهم في القبور           

 الأنبياء عليهم السلام لاتبلى أجسادهم في القبور  قال عليه الصلاة والسلام ((إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وشهداء المعركة ))

وبعض الأولياء لا تبلى أجسادهم لما شوهد ذلك من المشاهدات العينية


هذا الحافظ أبو عمرو عثمان بن الصلاح الدمشقي  دُفن في القرن السادس للهجرة ثم عُثر على قبره في  القرن الرابع عشر من حوالي خمس وثلاثين سنة عندما كانوا يشقون طريقا
ثم نقلوه إلى حي  الميدان ثم عملوا له مقاما يُزار ويُتبرك به وغيره كثير


واعلم أن جسد الكافر إذا بلي في قبره تماما  لم يبق إلا عجب الذنب  وهو عُظيم صغير قدر حبة خردلة وهذا العظم لا يبلى ولو سلط عليه نار شديدة ومنه خُلق الإنسان وعليه يركب كما ورد في الصحيح  وسائر العظام تركب على هذا العظم الصغير

السبت، 4 مايو 2019

براءة الشيخ محيي الدين بن عربي مما نُسِبَ إلي

من الكتب التي يجب التحذير منها كتاب "الفتوحات المكية" فإنها تحتوي على كلمات كثيرة من الكفر الصريح الذي لا تأويل له كما قال المحدث الحافظ وليِّ الدين العراقي في رسالة له سمّاها "الأجوبة المرضية"(1 )، كذا يجب التحذير من كتاب "فصوص الحكم" وبعضٍ غيرها من مؤلفات الشيخ محيي الدين بن عربي رضي الله عنه.

وأمّا الشيخ محي الدين بن عربي رضي الله عنه فاعتقادنا فيه أنه من العلماء الصالحين والصوفية الصادقين الزاهدين، ترجمه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان( 2)، وذكر أنه اعتدّ به حُفّاظ عصره كابن النجار.

وأكثر ما في كتابيه المذكورين مما هو مدسوس عليه مما ليس من كلامه كلمات الوحدة المطلقة، ففي كتابه "الفتوحات المكية" ما يخالف ذلك فإن فيها ذم عقيدة الوحدة المطلقة، وذم عقيدة الحلول. فمما فيه لإبطال الوحدة المطلقة والحلول قوله في "الفتوحات المكية": "ما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد، ومن قال بالحلول فدينه معلول" ا.هـ.

فبعد هاتين العبارتين الصريحتين في ابطال عقيدة الوحدة المطلقة وعقيدة الحلول، لا يجوز أن يصدّق على الشيخ محيي الدين ما في بعض المواضع الأخرى من هذا النوع.

ومما في "الفتوحات المكية" مما لا يصدّق عليه ما نقله بعض أهل عصرنا وهو محمد الهاشمي التلمساني نزيل دمشق في رسالة ألفها عن "الفتوحات المكية": "كل كلام في العالم كلامه القول كله حَسَن فما وافق الغرض فهو أحسن" أ.هـ. وقد حضرتُ مجلس الشيخ الولي أحمد الحارون الدمشقي رحمه الله وكان معروفا في بلده دمشق بالكشف فسألته أن الشيخ محمدا الهاشمي ألّفَ رسالة ذكر فيها نقلا عن كتاب الشيخ محيي الدين بن عربي في "الفتوحات المكية" هذه العبارة المذكورة فقال الشيخ أحمد: "هذا الشيخ ما له حق في أن يذكر هذا، الفتوحات المكية فيها دس كثير" أ.هـ.

وقد قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه "لطائف المنن والأخلاق" مما يؤيد ما ذكرنا ما نصّه(3 ): "وقد نقل الشيخ محيي الدين بن عربي في الفتوحات المكية إجماع المحققين على أن من شرط الكامل أن لا يكون عنده شطح عن ظاهر الشريعة أبدا بل يرى أن من الواجب عليه أن يُحِقَ الحق ويبطل الباطل، ويعمل على الخروج من خلاف العلماء ما أمكن. انتهى.

هذا لفظه بحروفه ومن تأمله وفهمه عرف أن جميع المواضع التي فيها شطحٌ في كتبه مدسوسة عليه لا سيما كتاب "الفتوحات المكية" فإنه وضعه حال كماله بيقين، وقد فرغَ منه قبيل موته بنحو ثلاث سنين، وبقرينة ما قاله في "الفتوحات المكية" في مواضع كثيرة من أن الشطح كله رعونة نفس لا يصدر قط من محقق، وبقرينة قوله أيضا في مواضع: من أراد أن لا يضلّ فلا يرم ميزان الشريعة من يده طرفة عين بل يستصحبها ليلا ونهارا عند كل قول وفعل واعتقاد. انتهى"
انتهى كلام الشعراني.

ثم قال الشيخ الشعراني في "لطائف المنن" ما نصه ( 4): "وليحذر أيضا من مطالعة كتب الشيخ محي الدين بن عربي رضي الله تعالى عنه لعلو مراقيها، ولما فيها من الكلام المدسوس على الشيخ لا سيما الفصوص والفتوحات المكية، فقد أخبرني الشيخ أبو طاهر عن شيخه عن الشيخ بدر الدين بن جماعة أنه كان يقول: جميع ما في كتب الشيخ محي الدين من الأمور المخالفة لكلام العلماء فهو مدسوس عليه، وكذلك كان يقول الشيخ مجد الدين صاحب القاموس في اللغة.
قلتُ –الشعراني-: وقد اختصرتُ الفتوحات المكية وحذفتُ منها كل ما يخالف ظاهر الشريعة، فلما أخبرت بأنهم دسوا في كتب الشيخ ما يوهم الحلول والاتحاد وَرَد عليّ الشيخ شمس الدين المدني بنسخة الفتوحات التي قابلها على خط الشيخ بقونية فلم أجد فيها شيئا من ذلك الذي حذفته ففرحتُ بذلكَ غاية الفرح، فالحمد لله على ذلك" انتهى كلام الشعراني.

قال الشيخ أبو الهدى الصيادي ما نصّه( 5): "والكثير من هذه الفرقة قام قائمهم وقعد قاعدهم منهمكا بمطالعة كتب الشيخ محي الدين بن عربي طاب مرقده، ولا بدع فكتب الشيخ كثرت فيها الدسائس من قبل ذوي الزيغ والبهتان، وعصائب الشيطان، وهذا الذي يطيب القول به لمن يريد براءة الذمّة من القطع بما لم يعلم والله تعالى قال: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(الاسراء)، وقد نسبوا أعني الدساسين للشيخ ما لا يصح لا عقلا ولا شرعا، ولا ينطبق على حكمة نظرية، ولا يوافق صحاح القواعد العرفانية" أ.هـ.

ثم قال بعد كلام ما نصه(6 ): "والحق يقال: الذي عليه أهل الورع من علماء الدين أنه لا يحكم على ابن عربي رحمه الله نفسه بشيء لأنا لسنا على يقين من صدور مثل هذه الكلمات منه، ولا من استمراره عليه إلى وفاته، ولكنا نحكم على مثل هذا الكلام بأنه كفر" أ.هـ.

وقال صاحب "المعروضات المزبورة" أحد الفقهاء الحنفية المشهورين: "تيقنا أن اليهود دسوا عليه في فصوص الحكم" أ.هـ.
ـــــــــــــــــــ
1 الأجوبة المرضية، مخطوط (ق/172).
2 لسان الميزان (5/353).
3 لطائف المنن والأخلاق (ص/390).
4 لطائف المنن والأخلاق (ص/394)
5 مراحل السالكين (ص/61)
6مراحل السالكين (ص/69)

فصل الخطاب في مسئلة النقاب

فصل الخطاب في مسئلة النقاب

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أما بعد: فهذه فائدة مهمة فيها بيان حكم شرعي اتفق عليه المجتهدون ولا خلاف فيه بينهم وتناقله العلماء خلفا عن سلف ألا وهو: 
جواز خروج المرأة كاشفة الوجه وأن على الرجال غض البصر، يعني مع ستر ما يجب عليها ستره.

فقد نقل إجماع الأمة المحمدية على ذلك جمع كبير من العلماء منهم الإمام المجتهد ابن جرير الطبري في تفسيره ( حيث بين أن وجهها ليس بعورة إجماعا) والقاضي عياض المالكي في الإكمال وإمام الحرمين الجويني والقفال الشاشي والإمام الرازي بل نقل ابن حجر الهيتمي عن جمع من العلماء الإجماع على ذلك.


يقول الله تعالى: ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قالت السيدة عائشة والإمام عبد الله بن عباس رضي الله عنهم: إلا ما ظهر منها: الوجه والكفان.اهـ ومثل ذلك قال الإمام أحمد.اهـ


ومما يدل على ذلك حديث المرأة الخثعمية الذي أخرجه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والنسائي والدارمي وأحمد من طريق ‏عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏قَالَ - واللفظ للبخاري- :
‏ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ ‏‏يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ عَلَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ وَكَانَ ‏ ‏الْفَضْلُ ‏رَجُلًا وَضِيئًا فَوَقَفَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ وَأَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْ ‏‏خَثْعَمَ ‏‏وَضِيئَةٌ تَسْتَفْتِي رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏فَطَفِقَ ‏‏الْفَضْلُ ‏‏يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏وَالْفَضْلُ ‏‏يَنْظُرُ إِلَيْهَا فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ فَأَخَذَ بِذَقَنِ ‏الْفَضْلِ ‏فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: ‏‏يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ .


وعند الترمذي من حديث علي: وَاسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ ‏‏خَثْعَمٍ ‏‏فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَفَيُجْزِئُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَحُجِّي عَنْ أَبِيكِقَالَ: وَلَوَى عُنُقَ ‏الْفَضْلِ ‏فَقَالَ ‏‏الْعَبَّاسُ: ‏‏يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ، قَالَ: رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَاوقال الترمذي: ‏حَدِيثُ ‏‏عَلِيٍّ ‏‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.اهـ


قال ابن عباس: " وكان ذلك بعد ءاية الحجاب " ا.هـ

ووجه الدليل من هذا الحديث انه عليه الصلاة والسلام لم يقل لهذه المرأة الشابة الجميلة: غطي وجهك.


وقد يقول قائل: هي كانت محرمة، قلنا: لو كان واجبا لأمرها أن تسدل شيئا على وجهها مع المجافاة لمراعاة مصلحة الإحرام، ولكن لم يأمرها، فدل ذلك على عدم وجوب تغطية الوجه للمرأة. كما قال الشهاب الرملي وغيره.


وقد أجمع العلماء على أن المرأة يكره لها ستر وجهها والتنقب في الصلاة وعلى حرمته في الإحرام. 
وأما وجوب تغطية الوجه على النساء فخاص بنساء الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال أبو داود وغيره.


روى أبو داود عَنْ ‏أُمِّ سَلَمَةَ ‏قَالَتْ: ‏كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏وَعِنْدَهُ ‏مَيْمُونَةُ ‏فَأَقْبَلَ ‏ ‏ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏‏وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْتَجِبَا مِنْهُفَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:‏ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ.اهـ



‏‏قَالَ ‏أَبُو دَاوُد: ‏‏هَذَا لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏خَاصَّةً أَلَا ‏تَرَى إِلَى اعْتِدَادِ ‏‏فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ‏‏عِنْدَ ‏ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏قَدْ قَالَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: ‏اعْتَدِّي عِنْدَ ‏ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏‏فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ.اهـ


قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ما نصه: " وقال أبو داود: هذا لأزواج النبي خاصة بدليل حديث فاطمة بنت قيس. قلت: وهذا جمع حسن وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا." ا.هـ


مراده بذلك أن قول النبي خطابا لزوجتيه:" احْتَجِبَا مِنْهُ " حين دخل ابن أم مكتوم، مختص بنساء الرسول جمعا بينه وبين حديث فاطمة بنت قيس الذي فيه انه عليه الصلاة والسلام قال لها: " اعْتَدِّي عِنْدَ ‏ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ ".


‏ ففرق رسول الله الحكم بين نسائه وبين غيرهن، وحديث فاطمة بنت قيس رواه مسلم، أما حديث: "احْتَجِبَا مِنْهُ" رواه أبو داود .


وقال أبو القاسم العبدري صاحب التاج والاكليل بشرح مختصر خليل: ولا خلاف أن فرض ستر الوجه مما اختص به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ


وأما قول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ) سورة الأحزاب / 59
فالله تعالى لم يقل يدنين على وجوههن بل " عَلَيْهِنَّ " هذه الآية يتفق معناها مع الآية الأخرى ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) وأن مفاد الآيتين إيجاب ستر العنق والنحر، وإنما جاءت هذه الآية للفرق بين الحرائر والإماء.كما قال الإمام الحافظ المجتهد علي بن محمد بن القطان الفاسي في كتابه " النظر في أحكام النظر " وغيره.


وأما معنى الخمار فهو ما تغطي به المرأة رأسها، والجيب هو رأس القميص الذي يلي العنق، وأما الجلباب فهو مستحب للمرأة وهو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها ويسمى عند بعض الناس بالشادور.


فالآية ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) ليس فيه إيجاب تغطية الوجه بل المراد تغطية العنق به كما قال عكرمة: إن معناه ستر ثغرة النحر، لأن النساء قبل نزول ءاية الحجاب كن على ما كانت عليه نساء الجاهلية من وضع الخمار على الرأس وسدله إلى الخلف فكانت أعناقهن بادية.


ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ "، أي الحرائر، أقرب للسلامة من أذى السفهاء إذا تميزت عن الإماء، لأن الفساق كانوا يتعرضون للحرائر إن ظنوهن إماء، ففي ستر الحرة رأسها وعنقها سلامة من تعرض الفساق لهن لأنه حصلت علامة فارقة، والإماء ليس عليهن ستر العنق والرأس إذا خرجن.


هذا وقد تبين لنا من هذه الفائدة العلمية اتفاق العلماء على عدم وجوب تغطية الوجه للمرأة الحرة مع كونه شيئا حسنا مستحبا.



والله أعلم وأحكم

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...