بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 يناير 2019

بيان معنى من قال : الله بائن من خلقه

ينبغي أن يتنبه لمراد من قال من الأئمة : إن الله بائن من الأشياء ، ومن قال منهم : إنه تعالى غير مباين ، فإنه ليس خلافا حقيقيا ، بل مراد من قال : (( بائن )) أن الله لا يشبه المخلوقات ولا يماسها ،ومراد من قال : (( ليس مباينا )) نفي المباينة الحسية المسافية ، فمن نقل كلام من قال منهم .(( إنه بائن )) وحمله على المباينة المسافية والمحاذاة كابن تيمية فقد باين الصواب وقوّل أئمة الحق ما لم يقولوه ، فحذار حذار ممن يحمل كلامهم على غير محمله .



قال الحافظ البيهقي في كتابه (( الأسماء والصفات )) مبينا معنى من قال : (( ولا مباين عن العرش )) ما نصه (1) :

(( يريد به مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد ، لأن المماسة والمباينة التي هي ضدها ، والقيام والقعود، من اوصاف الأجسام والله عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فلا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام ، تبارك وتعالى )) اهـ .



وقال أيضا (2) : (( وليست البينونة بالعزلة ، تعالى الله ربنا عن الحلول والمماسة علوا كبيرا )) اهـ .







بيان

أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( الكرسي موضع قدميه ))



من القواعد المهمة التي ينبغي معرفتها أن الصفة لله لا تثبت بقول صحابي ولا تابعي إلا بما صح من الأحاديث النبوية المرفوعة المتفق على توثيق رواتها ، فلا يحتج بالضعيف ولا بالمختلف في توثيق رواته . فمن هنا يعلم أن الحديث الذي يروى عن ابن عباس مرفوعا : (( كرسيه موضع قدميه )) والذي تلهث المجسمة في ذكره لإثبات بزعمهم قدمين لله يضعهما على الكرسي ، لم يثبت لأنه حديث ضعيف كما نص على ذلك الحفاظ.



قال الذهبي في (( الميزان )) في ترجمة شجاع بن مخلد الغلاّس ما نصه (1) : ((أخطأ شجاع في رفعه )) اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في (( التقريب )) ما نصه (2) : (( صدوق ، وهم في حديث واحد رفعه وهو موقوف، فذكره بسببه العقيلي )) اهـ .



وقال الحافظ ابن الجوزي في (( الباز الأشهب )) ما نصه (3) : ((رواه جماعة من الأثبات فوقفوه على ابن عباس ورفعه منهم شجاع بن مخلد ، فعلم بمخالفته الكبار المتقنين أنه قد غلط ، ومعنى الحديث : أن الكرسي صغير بالإضافة إلى العرش كمقدار كرسي يكون عند سرير قد وضع لقدمي القاعد على السرير )) اهـ . أي أن الكرسي حجمه صغير بالنسبة للعرش .



وقد روى البيهقي (4) عن ابن عباس : الكرسي موضع القدمين )) من غير إضافة ، وكذا قاله أبو موسى الأشعري من غير إضافة أي لم يقولا : (( قدميه )) بهاء الضمير ، قال البيهقي في (( الأسماء والصفات )) ما نصه (1) : (( وتأويله عند أهل النظر: مقدار الكرسي من العرش كمقدار كرسي يكون عند سرير قد وضع لقدمي القاعد على السرير ، فيكون السرير أعظم قدراً من الكرسي الموضوع دونه موضعا للقدمين ، والخبر موقوف لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم )) اهـ .



قال الحافظ السيوطي في تفسيره (2) : (( هذا على سبيل الاستعارة ،تعالى الله عن التشبيه ، ويوضحه ما أخرجه ابن جرير عن الضحاك قال : كرسيه الذي يوضع تحت العرش الذي تجعل الملوك عليه أقدامهم )) اهـ .



فليس لله تعالى صفة القدمين يضعهما على الكرسي ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شئ ، فالعجب من المجسمة كيف يقولون إن الله يضع قدميه على الكرسي ولا مستند لهم من ءاية أو حديث ، ولو ثبت أن الكرسي موضع القدمين لكان معناه أن الكرسي صغير بالنسبة للعرش ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن ابن عباس .



بيان

أن الوهابية يقولون صفات الله مخلوقة

وأن الله تحل في ذاته الحوادث والعياذ بالله تعالى

وأن الاستواء صفة مخلوقة ، تعالى الله عن قولهم



اتفق أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى أزلي ، واتفقوا أيضا على أن صفاته أزلية بأزلية الذات لأن حدوث الصفة يستلزم حدوث الذات ، واتفقوا أيضا أن ذات الله عز وجل لا تحل به الحوادث ، وخالف في ذلك الكرامية المبتدعة فقالوا إن الله تحدث في ذاته الحوادث واتبعهم ابن تيمية شبرا بشبر ثم جاء الوهابية وأخذوا هذه العقيدة من ابن تيمية .



وقد رد أهل السنة على الكرامية وفضحوهم نصره للحق ولتحذير الناس منهم ومن كان على معتقدهم ، فقد ذكر ابن التلمساني شيئا من معتقدات الكرامية الفاسدة التي تبناها ابن تيمية ، فقال الشيخ شرف الدين ابن التلمساني في شرح لمع الأدلة للجويني ما نصه (1):

(( وخالف إجماع الأمة طائفة نبغوا من سجستان لقبوا بالكرامية نسبة على محمد بن كرام ، وزعموا أن الحوادث تطرأ يعني تتجدد على ذات الله ، تعالى عن قولهم ، وهذا المذهب نظير مذهب المجوس . ووجه مضاهاته لمذهب المجوس أن طائفة منهم تقول بقدم النور وحدوث الظلمة ، وأن سبب حدوثها أن يزدان فكر فكرة فحدث منها شخص من أشخاص الظلمة فأبعده وأقصاه وهو هرمز ،وجميع الشر ينسب إليه . وكذلك الكرامية تزعم أن الله تعالى إذا أراد إحداث محدث أوجد في ذاته كافا ونونا وإرادة حادثة ، وعن ذلك تصدر سائر المخلوقات المباينة لذاته )) اهـ.



وقال الإمام أبو المظفر الأسفراييني ما نصه (1) : (( ومما ابتدعوه – أي الكرامية – من الضلالات مما لم يتجاسر على إطلاقه قبلهم واحد من الأمم لعلمهم بافتضاحه هو قولهم : بأن معبودهم محل الحوادث تحدث في ذاته أقواله وإرادته وإدراكه للمسموعات والمبصرات ، وسموا ذلك سمعاًَ وتبصرا ، وكذلك قالوا : تحدث في ذاته ملاقاته للصفحة العليا من العرش ، زعموا أن هذه أعراض تحدث في ذاته ، تعالى الله عن قولهم )) اهـ.



فتبين مما أوردناه أن ابن تيمية ليس له سلف إلا الكرامية ونحوهم ، وليس كما يدعي أنه يتبع السلف الصالح ، ومن المصيبة أن يأخذ مثل ابن تيمية بمثل هذه الفضيحة ، فمذهبه خليط من مذهب ابن كرام واليهود والمجسمة ، نعوذ بالله من ذلك .



وقد أجاب الإمام الحجة الأسفراييني في دحض هذه الفرية بقوله (2): (( اعتقاد أهل السنة والجماعة أن تعلم أن الحوادث لا يجوز حولها في ذاته وصفاته لأن ما كان محلا للحوادث لم يخل منها ، وإذا لم يخل منها كان محدثا مثلها ، ولهذا قال الخليل عليه الصلاة والسلام: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ }[ سورة الأنعام ] بين به أن من حل به من المعاني ما يغيره من حال على حال كان محدثا لا يصح أن يكون إلها )) اهـ.



فيكون بهذا ما توسع به ابن تيمية في كتبه من تجويز قيام الحوادث به تعالى وحولها فيه خارجا عن معتقد أهل السنة والجماعة ، أهل الحق .







فائدة : قال سيف الدين الآمدي في كتاب (( غاية المرام )) في علم الكلام ما نصه (3) : (( فالرأي الحق والسبيل الصدق والأقرب إلى التحقيق أن يقال : لو جاز قيام الحوادث به لم يخل عند اتصافه بها إما أن توجب له نقصا أو كمالا أو لا نقص ولا كمال ، لا جائز أن يقال بكونها غير موجبة للكمال ولا النقصان فإن وجود الشئ بالنسبة إلى نفسه أشرف له من عدمه ، فما اتصف بوجود الشئ له وهو مما لا يوجب فوات الموصوف ولا فوات كمال له ، وبالجملة لا يوجب له نقصا فلا محالة أن اتصافه بوجود ذلك الوصف له أولى من اتصافه بعدمه لضرورة كون العدم في نفسه مشروفا بالنسبة إلى مقابله من الوجود ، والوجود أشرف منه ، وما اتصف بأشرف الأمرين من غير أن يوجب له نقصا تكون نسبة الوجود إليه مما يرجع إلى النقص والكمال على نحو نسبة مقابله من العدم ، ولا محالة من كانت نسبته على ذلك وجود ذلك الوصف أشرف منه بالنسبة على عدمه ، ولا جائز أن يقال : إنها موجبة لكماله وإلا لوجب قدمها لضرورة أن لا يكون البارئ ناقصا محتاجا إلى ناحية كمال في حال عدمها ، فبقي أن يكون اتصافه بها مما يوجب القول بنقصه بالنسبة على حاله قبل أن يتصف بها ، وبالنسبة على ما لم يتصف بها من الموجودات ، ومحال أن يكون الخالق مشروفا أو ناقصا بالنسبة إلى المخلوق ، ولا من جهة ما كما مضى )) اهـ.





قال المفسر أبو حيان الأندلسي في تفسيره ما نصه (1) : (( تقرر في العقول من أن الله تعالى يستحيل أن يتصل بالانتقال المعهود في غيره تعالى ، وان يحل فيه حادث أو يحل هو في حادث )) اهـ.



فالحاصل أن الله تعالى أزلي وصفاته أزلية لا ابتداء لوجودها ، ولا يزال أبديا ولا تزال صفاته أبدية بأبدية الذات ، فالقائل بأن الله تعالى تحدث في ذاته إرادات في الأزل والأبد وكلام في الأزل والأبد على التعاقب تحدث بعضها بعد بعض، فإن أراد بذلك أنه يحدث الشئ في ذاته بفعله وبخلقه بعدما كان معدوما ، كان ذلك تناقضا وهو محال ، لأن ذاته أزلي فيستحيل أن تحدث في ذاته صفة ، وإن أراد أن غيره يحدثه فيه فذلك أصرح في القول بأنه حادث ، وذلك أيضا محال عقلا وشرعا . وإن قال : إنه يحدث ذلك الكلام وتلك الإرادات بلا فاعل أي لم يخلقها هو بنفسه ولا غيره خلقها فيه ، كان ذلك أيضا محالا، لأن حدوث شئ ما بلا مكون محال عقلا، قال المقري : [رجز ]



لأنه من المحال الباطل وجود شئ ما بدون فاعل



فكل من التقديرات الثلاثة يؤدي على المحال ، وما أدى على المحال محال ، ومن المعلوم أن دين الله لا يأتي بالمحالات العقلية بل الشرع يأتي بما يجوزه العقل ، لأن العقل شاهد للشرع فكيف يناقضه ؟



قال الإمام أبو جعفر الطحاوي السلفي (ت321 هـ ) في عقيدته التي ذكر أنها بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ما نصه :

(( ما زال – أي الله – بصفاته )) قديما قبل خلقه ، لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته )) اهـ ، أي لم يزدد بكون الخلق أي وجودهم شيئا من الكمال ، بل كماله أزلي لا يزداد ولا ينقص .



وأما مخالفة ابن تيمية لأهل السنة في هذه المسئلة فيظهر من قوله (1) : (( ومن قال : إن الخلق حادث كالهشامية والكرامية قال : نحن نقول بقيام الحوادث به ، ولا دليل على بطلان ذلك ، بل العقل والنقل والكتاب والسنة وإجماع السلف يدل على تحقيق ذلك ، كما قد بسط في موضعه . ولا يمكن القول بأن الله يدبر هذا العالم إلا بذلك ، كما اعترف بذلك أقرب الفلاسفة إلى الحق كأبي البركات صاحب (( المعتبر )) وغيره )) اهـ.



وقال في (( المنهاج )) ما نصه (2) : (( فإن قلتم لنا : فقد قلتم بقيام الحوادث بالرب ، قلنا لكم : نعم وهذا قولنا الذي دل عليه الشرع والعقل )) اهـ.



ثم قال فيه ما نصه (1) : (( وقد أخذنا بما في قول كل من الطائفتين من الصواب وعدلنا عما يرده الشرع والعقل من قول كل منهما ، فإذا قالوا لنا : فهذا يلزم منه أن تكون الحوادث قامت به قلنا : ومن أنكر هذا قبلكم من السلف والأئمة ، ونصوص القرءان والسنة تتضمن ذلك مع صريح العقل وهو قول لازم لجميع الطوائف ، ومن أنكره فلم يعرف لوازمه، ولفظ الحوادث مجمل فقد يراد به الأعراض والنقائص والله منزه عن ذلك ، ولكن يقوم به ما شاءه ويقدر عليه من كلامه وأفعاله ونحو ذلك مما دل عليه الكتاب والسنة ))اهـ .



وقال أيضا في كتابه (( المجموع )) ما نصه (2) : (( ونظير ذلك أن يقول : لو كان قد استوى على العرش لكان قد أحدث حدثا وقامت به الحوادث لأن الاستواء فعل حادث كان بعد أن لم يكن ، فلو قام به الاستواء لقامت به الحوادث ومن قامت به الحوادث فقد أحدث حدثا ، والله تعالى منزه عن ذلك . فإنه يقال له : الحادث في اللغة ما كان بعد أن لم يكن ، والله تعالى يفعل ما يشاء فما من فعل يفعله إلا وقد حدث بعد أن لم يكن )) اهـ .



أما الوهابية فقد قال أحد أبرز دعاتهم في كتابه المسمى (( تعقيبات على كتاب السلفية )) ما نصه (3) : ((صفات الأفعال والاستواء والنزول والخلق والرزق قديمة النوع حادثة الآحاد )) اهـ .



وقال عبد الله بابطين (ت1282هـ ) – يصفه الوهابية بأنه مفتي الديار النجدية في عصره – في تعليقه على (( لوامع الأنوار )) ما نصه (4) : (( صفات الله تعالى قسمان : صفات ذاتية كالحياة ... وصفات فعلية وهي التي تتعلق بمشيئته وحكمته فإن اقتضت حكمته فعلها فعلها وإن اقتضت حكمته أن لا يفعلها لم تكن ، وهذا مثل الخلق والرزق والإحياء والإماتة والكلام والنزول والاستواء وغير ذلك من صفات فعله ، فهذا يكون قديم النوع أو الجنس وإن كانت ءاحاده توجد شيئا فشيئا وحينا وءاخر ، ومن المعلوم أنه يوجد الفرق بين صفة الحياة والقدرة مثلا وبين صفة الاستواء ، فإن الأول لا شك أن الله موصوف به أزلا وأبدا جل وعلا، وأما الاستواء فلم يكن إلا بعد خلق العرش ، وكذلك صفة نزوله إلى السماء الدنيا )) اهـ .



انظروا إلى هذا الضلال الذي يتخبطون فيه ، يقولون الاستواء صفة حادثة بعد أن لم تكن ، ووالذي أرواحنا بيده لو عاشوا عمر نوح لما استطاعوا أن يأتوا بدليل ثابت عن عالم من علماء  السلف أنه يقول بما زعم هؤلاء الوهابية وزعيمهم ابن تيمية ، وهذا يدل بكل وضوح على براءة السلف مما تعتقده الوهابية . وزعمهم ، أن الاستواء قديم النوع حادث الآحاد أي أن الله تعالى على زعمهم لم يزل يخلق عرشا قبل عرش ويستوي عليه وتحدث في ذاته استواءات عديدة ، وهذا كلام باطل لا يقوله من  عرف معنى التنزيه .



ثم هذه هي عقيدة ابن تيمية المبتدع ، فقد نقل عنه الجلال الدواني- وهو عالم مشهور ترجمه الحافظ السخاوي ووثقه – في كتاب شرح العضدية بقوله (1): (( وقد رأيت في بعض تصانيف ابن تيمية القول به – أي بالقدم الجنسي – في العرش )) اهـ .أي أنه كان يعتقد أنجنس العرش أزلي أي ما من عرش إلا وقبله عرش إلى غير بداية وأنه يوجد ثم ينعدم ثم يوجد ثم ينعدم وهكذا ، أي أن العرش جنسه أزلي لم يزل مع الله ولكن عينه القائم الآن حادث على زعمه .



فإن قيل للوهابية : كم مرة عندكم حصل الاستواء على العرش . فإن قالوا : مرة واحدة ، قيل لهم : جعلتم الاستواء صفة حادثة عندكم مخلوقة ، لأن الاستواء حدث ووجد بعد أن لم يكن وهذا كفر وضلال ،وإلا فيما معنى زعمكم الاستواء قديم النوع حادث الآحاد، فإن النوع واحد – أي الاستواء كان مرة واحدة عندكم على زعمكم – والآحاد واحد، وإن قالوا : الاستواء على العرش حصل أكثر من مرة لأننا نقول الاستواء قديم النوع حادث الأفراد ، قيل لهم : قد قلتم قولا ما قال به أحد من أهل السنة قاطبة وخرجتم على القرءان والسنة والإجماع وصريح العقل.



الثلاثاء، 29 يناير 2019

وإذا قال الكافر لا إله إلا ساكن السماء لم يكن مؤمناً لأن سكان السماء هم الملائكة

وإذا قال الكافر لا إله إلا ساكن السماء لم يكن مؤمناً لأن سكان السماء هم الملائكة
ذكر أبو عبدالله الحليمي وهو من كبار فقهاء الشافعية من أئمة أهل الحديث، قال فيه الذهبي "العلامة البارع رئيس أهل الحديث بما وراء النهر"، توفي سنة 403، ما نصه: "وإذا قال الكافر لا إله إلا ساكن السماء لم يكن مؤمناً لأن سكان السماء هم الملائكة، وإن قال لا إله إلا الله ساكن السماء كان هذا زيادة كفر منه لأن السكن غير جائز على الله تعالى واحتظار الأمكنة ليس من صفاته" سبحانه ليس كمثله شيء.
وأما استدلال المجسمة المشبهة بحديث الجارية وفيه لفظ "أين الله" قالت "في السماء"، فهو حديث مضطرب رواياته متعددة متشعبة، من رواه في كتبه من المحدثين بهذا اللفظ لم يذكره في كتاب الإيمان لما في إسناده ومتنه من اضطراب كما أشار إلى ذلك الحافظان الكبيران البيهقي وابن حجر العسقلاني، والبخاري قبلهما أعرض عن ذكره في صحيحه، وظاهره تردّه الأحاديث المتواترة بأن الدخول في الإسلام لا يكون إلا بالشهادتين، وأنه لا يصح إجماعاً الدخول في الإسلام بقول "الله في السماء" وهو ما ذكره الحليمي وقد تقدم ولا معارض فكان إجماعاً، فيستحيل أن يحكم الرسول لشخص ما بالإيمان والإسلام لمجرد قوله "الله في السماء" لأن الأمة لا تجمع على باطل كما جاء في الحديث الشريف، وهو ما أفاده القرآن كذلك نص عليه الشافعي، والإجماع قائم على أنه لا يصح الدخول في الإسلام بقول "الله في السماء" لأن هذا اللفظ تقول به النصارى واليهود فلم يكن والحال كذلك علامة على الدخول في دين الإسلام.
ثم ظاهره مناقض للحديث المتواتر: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" رواه البخاري وغيره كثيرون بألفاظ متقاربة.
قال الحافظ اللغوي مرتضى الزبيدي رواه خمسة عشر صحابياً رضي الله عنهم.
فإذا قال قائل من المجسمة المشبهة يدّعي زوراً أنه من "أنصار السنة" أو من السلفية إن الله في السماء بذاته، يستدلّ بقول الله تعالى "ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض" (الملك، 16)، قلنا له المراد بالآية جبريل عليه السلام وهو الملك الموكل بالخسف كما قال الإمام فخر الدين الرازي (606 هـ.) في تفسيره، ومتى دخل الاحتمال بطل الاستدلال كما قال العلامة المالكي المفسر النحوي أبو حيان الأندلسي رحمه الله، فاستدلالهم تمويه فاسد لترويج الباطل.
ويدل على أن الآية ليست على ما يقولون من أن الله في السماء بذاته قوله تعالى: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" (الزخرف، 84)، والله ليس في الأرض بذاته اتفاقاً منا ومنهم، فكما لا يجوز حمل هذه الآية على الظاهر من أن الله في الأرض وفي السماء في الوقت عينه، كذلك لم يجز حمل تلك على الظاهر من أن الله في السماء بذاته، وهو باطل من القول ومنكر وزور لأن الله خالق السماء وكان قبلها موجوداً لا يحتاج إليها، بدليل حديث البخاري "كان الله ولم يكن شيء غيره"، فمن زعم أن الله خلق السماء ثم جعل نفسه فيها فهو غير عارف بربه لأن الله تعالى لا يتغـيّر، بل هو الذي يغيّر المخلوقات سبحانه.
قال الله تعالى واصفاً نفسه في آية الكرسي: "له ما في السموات وما في الأرض" فالله مالك من في السماء وما في السماء، ولا يقال الله مالك نفسه، فوجب التحذير مما يعتقده المشبهة المجسمة والانقياد للحق الذي تقبله العقول السليمة وهو ما نص عليه أبو حنيفة رضي الله عنه وهو من كبار أئمة السلف توفي سنة 150 للهجرة، قال في كتاب الوصية: "وهو (أي الله تعالى) حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجًا لَمَا قَدرَ على إيجاد العالم وتدبيره وحفظه كالمخلوقين، ولو كان في مكان محتاجًا للجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله"، يريد أن الله كان قبل المكان وقبل العرش بلا مكان ولا عرش، وأنه لا يحتاج إليهما ولا إلى سواهما

فضل أهل البيت رضي الله عنهم

فضل أهل البيت رضي الله عنهم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد الأمين وعلى ءاله الطاهرين وصحابته الميامين ومن والاه وبعد :
يقول الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾الأحزاب
والأحاديث النبوية الشريفة كثيرة في هذا فقد روى الطبراني من حديث جابر قال سمعت عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول للناس حين تزوج بنت علي رضي الله عنه: ألا تهنئوني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ينقطع يوم القيامة كل سبب ونسب إلا سببي ونسبي
قال الحافظ الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ورجالهما رجال الصحيح غير الحسن بن سهل وهو ثقة
ومن نعم الله تعالى على أهل البيت الكرام أن جعل فيهم الكثير من العلماء والأولياء والصالحين الذين ذاع صيتهم في البلاد فانتفع بهم العباد بل وفتحت على أيديهم بلاد
ومن هؤلاء المشاهير سيدنا ومولانا الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين رضي الله عنهما الذي كان يقال له السَّجَّاد كان من أجمل الناس خلْقَة ومن أحسن الناس خُلُقا ومن أسخى الناس ، الناس من حسن حاله ومنظره كانوا يهابونه أكثر من الملوك، مرة أهانه شخص في وجهه فسكت، ما رد عليه، ما انتقم منه، فذاك لما وجده لا يرد عليه قال له ( إياك أعني ) فقال ( وعنك أُغضي )، وعنك أُغضي معناه أنا عمدا أسكت عنك لا أُعاملك بالمثل، فذلك الرجل تراجع في نفسه وندم على ما فعل قال في نفسه أنا عاملته بالشتم والإهانة وهو ما قابلني بالمثل بل أغضى عني فوبَّخ نفسه، لام نفسه
والذي كان لا يألو جهدا في تعليم الناس العقيدة الإسلامية ولو في أثناء الدعاء، فقد روى الحافظ محمد مرتضى الزبيدي الحسيني في إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين بالاسناد المتصل المتسلسل بطريق أهل البيت أن الإمام زين العابدين رضي الله عنه قال في أثناء دعائه يوم عرفة : سبحانك لا إله إلا أنت لا يحويك مكان. وقال أيضا: أنت الله الذي لا تحد ولا تحس ولا تجس
فهذا سيدنا عليّ زين العابدين من أئمة أهل البيت الكبار، هو الوحيد الذي بقي من أبناء الحسين عليه السلام، كلهم ماتوا في موقعة كربلاء ما بقي من أولاده إلا هذا الرجل الطيب الطاهر وهو عالم فقيه مجتهد ولي كان يصلي ألف ركعة غير الصلوات الخمس، كان من شدة حرصه على مساعدة الفقراء وإعطائهم المال والمؤونة والطعام، يعطيهم من غير أن يعرفوا أنه هو الذي يعطيهم، كان يعطي لمائة عائلة، يتلثم بالليل يطرق الباب يضع لهم الكيس الذي فيه مؤونة ومال ويذهب من غير أن يعرفوا وجهه، فقط يرون رجلاً يضع الكيس ويطرق الباب ويذهب من غير أن يعرفوا من هو لأنه يريد بذلك رضا الله لا يريد أن يقول الناس امدحوني في المجالس أنا الوجيه الفلاني
فلما حضرته الوفاة ومات زين العابدين رضي الله عنه وأرضاه ، فهؤلاء ال100 عائلة لم يعد يصل إليهم المائة كيس فعرفوا أن زين العابدين هو الذي كان يرسل لهم الأموال والمؤونة
ما أحيلاها من محطات تدفعنا للاقتداء بهم والعمل بمنهجهم بأداء الواجبات واجتناب المحرمات والاكثار من نوافل الطاعات والتواضع والانكسار وحسن الخلق وصدق السريرة وصفاء المعاملة
نقول في مدح أهل البيت الأطهار
كفاكم يا بني الزهراء فخرا إذا ما قيل جدكم الرسول
أبوكم فارس الهيجا علي وأمكم المطهرة البتول

الله خالق المكان والجهة فيستحيل في حقه تعالى المكان والجهة

الله خالق المكان والجهة فيستحيل في حقه تعالى المكان والجهة
الله سبحانه وتعالى متصف بكل كمال في حقه فهو منزه عن كل نقص، أي ما لا يليق به تعالى كالجهل، يستحيل على الله الجهل والعجز، يستحيل على الله أن يكون عاجزاً والمكان الله يستحيل عليه أن يكون ساكناً في مكان، إذا قال لك شخص نشأنا من الصغر ونحن نقول الله موجود في كل الوجود، أو الله موجود في كل مكان فلماذا أنتَ الآن تريد أن تغير لنا هذا؟
فقل له لأن كلامك لم يأتِ من القرءان ولا من الحديث ولا من كلام العلماء الصالحين، ولا من كلامالأئمة المهديين بل ما يؤخذ من القرءان والحديث وكلام العلماء لا يوافق ما أنتَ تقول فالله سبحانه وتعالى هو خالق المكان، قل له الله أزلي موجود بلا بداية، وهو خالق كل شىء سواه فإذًا هو خالق المكان والجهات، بطريق بسيط مقبول فى العقل السليم الذي خلق المكان ألا يكون موجوداً قبل خلق المكان! بلى يكون موجوداً قبل خلق المكان والجهة، الله الذي ليس كمثله شىء هو خالق المكان فإذًا كان موجودا قبل خلق المكان بلا مكان ولا جهة فكما صحّ في العقل وجود الله قبل خلق المكان والجهات بلا مكان ولا جهة، يصح في العقل وجوده بعد خلق المكان بلا مكان ولا جهة وهذا لا يكون نفياً لوجود الله تبارك وتعالى، وما ورد في القرءان مما يوهم ظاهره خلاف هذا الذي نقول فلا يكون المقصود به الظاهر لأن القرءان يستحيل أن يعارض بعضه بعضاً بل يعاضد ويناصر ويؤيد بعض آيات القرءان بعض آيات القرءان فمثلا لو قال لك قائل أليس الله عزّ وجل يقول:(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)(الملك: من الآية16) فكيف تقول أنتَ إن الله موجود بلا مكان ولا جهة؟
نقول له أأمنتم من في السماء لا يُحمل على الظاهر المتبادر إلى الأذهان الذي يوهم أن الله يسكن السماء لأن الله خالق السماء، ولأن الذي يكون في السماء لابد أن يكون محصوراً، والذي يكون محصوراً لا بد أن يكون له حجم والذي له حجم لا بد أن يكون بحاجة لمن جعله في هذا الحجم الذي هو عليه دون غيره من الأحجام، والذي يحتاج إلى غيره لا يكون إلهاً.
إذاً ما معنى (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)؟
هذه الآية يجوز أن تُفسّر بالملائكة (أأمنتم من في السماء) أي الملائكة، أي المقصود هنا جبريل (أن يخسف بكم الأرض) هو الملك يخسف بأمر الله بكم الأرض، هذه الآية هكذا يجوز أن تُفسّر بهذا المعنى ومن أراد أن لا يدخل في تفاصيلها بهذا وقال أأمنتم من في السماء أي الذي هو رفيع القدر جدا فذلك يجوز أيضا ولا بأس به، وتفسير هذه الآية يوافق ما جاء في الحديث الذي رواه الحافظ العراقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ارحموا من في الأرض يرحمكم أهل السماء" فإنه معلوم أنه لا يجوز أن يُقال عن الله أهل السماء.
هذا الحديث رواه الحافظ العراقي أما الرواية المشهورة عند الناس والمتناقلة وهي أيضاً صحيحة "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" فتُفسّر هذه الرواية على رواية الحافظ العراقي لأنه أحسن ما يفسر به الوارد الوارد، يعني أحسن ما فَسّرتَ به الوارد أن تفسره بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

الملائكة يرحمون من في الارض: اي ان الله يأمرهم بأن يستغفروا للمؤمنين

الحمد لله وصلى الله على رسول الله
الحديث الذي رواهُ الترمذيُّ وهو:" الرَّاحمُونَ يَرحمُهُم الرّحمنُ ارْحَموا مَنْ في الأرض يرحمْكُم من في السَّماءِ "، وفي روايةٍ أخرى " يرحمْكُم أهلُ السّماءِ ".
والمقصود بأهل السَّماءِ: الملائكة، كما قال ذلك الحافظ العراقي في أماليه عَقِيبَ هذا الحديث.
الملائكة يرحمون من في الارض: اي ان الله يأمرهم بأن يستغفروا للمؤمنين (وهذه رحمة)، وينزلون لهم المطر وينفحوهم بنفحات خير ويمدوهم بمدد خير وبركة، ويحفظوهم على حَسَبِ ما يأمرهم الله تعالى. اهـ
قال الحافظ النووي ( 676): قال القاضي عياض المالكي (544): لا خِلافَ بين المسلمين قاطبةً فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أنّ الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: " أأمنتم من في السماء" ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم . اهـ
ذكره في كتابه صحيح مسلم بشرح النووي الجزء الخامس الطبعة الثانية لدار الكتب العلمية في الصيفة 22.
قال الامام القرطبي (671): في تفسيره في قول الله تعالى: " أأمنتم من في السماء ": قيل هو إشارة إلى الملائكة، وقيل الى جبريل الموكل بالعذاب. قلت: ويحتمل أن يكون المعنى: خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون.اهـ كتاب تفسير القرطبي المجلد 9 الجزء 18 طبع دار الكتب العلمية صحيفة 141.
قال الامام الرَّازيُّ (604) : واعلم أنّ المشبهة احتجوا على اثبات المكان لله تعالى بقوله: "أأمنتم من في السماء". والجواب عنه أنّ هذه الاية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين لان كونه في السماء يقتضي كونَ السماء محيطة به من جميع الجوانب فيكون أصغر من السماء والسماء أصغر من العرش بكثير، فيلزم أن يكون الله شيئًا حقيرا بالنسبة للعرش وذلك باتفاق الاسلام محال، لانه تعالى قال:
" قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ".(سورة الأنعام الآية 12).
فلو كان اللهُ في السماء لوجب ان يكون مالكاً لنفسه وهذا محال، فعلمنا أنّ هذه الاية يجب صرفها عن ظاهرها الى التأويل.
كتاب التفسير الكبير( ج15 جزء30 ص61).
والله أعلم وأحكم

إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم، والملائكة المقربين، على سيدنا محمد، أشرف المرسلين، وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وسلام الله عليهم أجمعين .
أما بعد فقد روى مسلم والبيهقي، أن رسول الله قال :
" إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء "، قيل: ومن هم الغرباء يا رسول الله،
قال: "الذين يصلحون من سنتي ما أفسد الناس " ،
وسنة الرسول هي شريعته، أي العقيدة والأحكام .
في هذا الحديث بشارة لمن يتمسك في هذا الزمن الذي فسدت الأمة فيه بسنة الرسول، أي شريعته وهي العقيدة والأحكام .
إذا قال المشبه: "إن القرءان والحديث يدلان على أن الله تعالى متحيز في جهة فوق"، كيف يرد عليه؟
الرد يكون بالدليل النقلي،
لأن هذه الفرقة، فرقة التشبيه تقول: "نثبت لله ما أثبت لنفسه وننفي عنه ما نفى عن نفسه " ،
ويريدون بكلامهم هذا أنهم يثبتون لله مشابهة الخلق .
أما قولهم: "وننفي عنه ما نفى عن نفسه"، يريدون بذلك نفي تنزيه الله عن التحيز في المكان والجهة، وعن الجسمية ونحو ذلك من أوصاف الجسم، كالحركة والسكون والانتقال والانفعال إلى غير ذلك من صفات الحجم .
القدماء منهم كان قسم منهم يقول: "هو حجم لطيف نور يتلألأ " ،
أما هؤلآء الذين في هذا العصر يقولون عن الله :" جسم كثيف "، بدليل قولهم إنه في الآخرة لما يقال لجهنم هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد إن الله تعالى يضع قدمه فيها ولا يحترق، فهذا دليل على أنهم مجسمة .
أما الرجل ما ورد على أنه صفة لله تعالى، بل ورد على معنى ءاخر، وهو جزء من خلقه، يقال في لغة العرب: "رجل من جراد" أي فوج من جراد،
فالحديث الذي ورد فيه ذكر الرجل مضافا إلى الله هو حديث :
" إن الله تبارك وتعالى يملأ يوم القيامة جهنم بفوج من خلقه "، كانوا من أهلها في علم الله تعالى،
ليس أهل النار يدخلون النار دفعة واحدة كلهم، لا، بل يدخل فوج، ثم بعد ذلك فوج، ثم بعد ذلك فوج،
فالفوج الأخير هو الذي ورد في الحديث: "فيضع رجله فيها"، رجله معناه الفوج الأخير من خلقه الذين هم حصة جهنم .
عن هذا عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :
" يقال لجهنم هل امتلأت فتقول:؟؟ هل من مزيد فيضع الجبار رجله فيها، فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول قط قط "(رواه البخاري )
أي اكتفيت، اكتفيت، معناه وجدت ملئي، وجدت ما يملؤني. "فينزوي بعضها إلى بعض "
معناه عندما يرسل الله فوجا جديدا، ءاخر فوج، النار تتقلص، كانت تتسع ثم هي تتقلص مع هؤلاء، بأكل هؤلاء، .
" رجله "معناه الفوج الأخير الذين يقدمهم للنار،
تقول العرب: "رجل من جراد" أي فوج من جراد،
أما من توهم من هذا الحديث أن لله تعالى رجلا بمعنى عضو
فهو كافر مشبه لله بخلقه،لا ينفعه انتسابه إلى الإسلام، لأن من لم يعرف الله لا تصح عبادته .
كذلك رواية القدم: "فيضع فيها قدمه" معناه الشىء الذي يقدمه الله لجهنم،
أئمة اللغة قالوا: القدم ما يقدمه الله تعالى للنار،
ليس بمعنى أن له عضوا فيقدم هذا العضو في النار، أي يدخله فيها، تنزه ربنا عن أن يكون له عضو.

للهُ أَشَدُّ أَذَنًا إلى الرَّجلِ الحَسَنِ الصَّوتِ بِالقُرآنِ يَجهَرُ به مِن صَاحِبِ القَينَةِ

عن فُضَالةَ بنِ عبيدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" للهُ أَشَدُّ أَذَنًا إلى الرَّجلِ الحَسَنِ الصَّوتِ بِالقُرآنِ يَجهَرُ به مِن صَاحِبِ القَينَةِ إلى قَينَته ".
رواهُ بنُ ماجة في سننه, و قال في الزوائد إسنادهُ حسن.
و رواهُ بنُ حِبان في صحيحه بدون لفظ ( يجهر به).
و القَينَةُ: هي الأمةُ المُغنيةُ, كما في لسانِ العرب.
تحذير:-
من قال لله أُذُنٌ ( بضم الألف و الذال ) كَفَرَ
لم يَرِد لا في القُرآن و لا في الحديث إطلاقُ الأُذُن على الله تعالى.
أما معنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم " لله أَشَدُّ أَذَنًا " بفتح الألف و الذال معناه أي أشد استماعًا لِقارِئ القرآن الذي يقرأ القُرآن و هو يُجَودُه و يُتقِنه
هذا حديثٌ تأويله بالثّواب أي أنَّ اللهَ يُعطِي هذا القَارِئ للقُرآن الذي يُحسن القِراءة على حسب و وفق ما نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم و قد تلقى هذه القِراءة بالمُشَافَهة بالتَّلقي عن المُقرِئ و نيته حسنة لوجه الله تعالى هذا يُعطى ثوابًا عظيمًا جزيلًا
هذا معنى الحديث فَسَمعُ اللهِ واحد, الله يَسمعُ كلَّ المَسمُوعات بِسَمعٍ واحدٍ أزلي أبدي لا يشبه سَمعَ المخلوقات
ليس معناه كما قد يَتَوهم البعض أنَّ اللهَ يَسمعُ أشياء أكثر من أشياء أخرى هذا وصف بصفات المخلوقين
المخلوق هو قد يسمع صوتًا أحيانًا يكون قريبًا منه فيسمعه بقوة و أحيانًا يكون هذا الصوت يأتي من بعيد فيسمعه بضعفٍ
ليس هذا المراد في حق الله
الله يسمع كلَّ المسموعات بسمع أزلي أبدي واحد لا يشبه سمع غيره, سمع الله بلا آلة و لا أُذُن و لا جارحة.
و الله تعالى أعلم وأحكم

التـــأويل بيان للحق وليــس انكارا لآية

التـــأويل بيان للحق وليــس انكارا لآية
التأويل الذي اشتغل به علماء أهل السنة والجماعة من السلف والخلف ليس فيه إنكار ءاية أو حديث بل فيه بيان الحق في معنى هذه الآيات وهذه الأحاديث .
مثال ذلك عن أحاديث لا تؤخذ على ظاهرها ما قد رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل يقول، يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: يا رب! كيف أعودك؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده. أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب! وكيف أطعمك؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب! كيف أسقيك؟ وأنت رب العالمين. قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي".
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم ،الجزء السادس عشر كتاب البر والصلة والآداب باب فضل عيادة المريض :
" قوله عز وجل: (مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ).
قال العلماء: إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى، والمراد العبد تشريفاً للعبد وتقريباً له، قالوا: ومعنى وجدتني عنده أي: وجدت ثوابي وكرامتي، ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث: (لَو أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي... لَو سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي) أي: ثوابه، والله أعلم." انتهى .
وهذا الإمام البخاري من علماء السلف أوّل في عدة مواضع من كتابه الجامع الصحيح ، ففي باب: تفسير سورة القصص: {كل شيء هالك إلا وجهه}:إلا ملكه، ويقال:إلا ما أريد به وجه الله." اهـ
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، المجلد الثامن كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، سورة الْقَصَصِ : " قوله: (ويقال: إلا ما أريد به وجهه) نقله الطبري أيضا عن بعض أهل العربية، ووصله ابن أبي حاتم من طريق خصيف عن مجاهد مثله، ومن طريق سفيان الثوري قال: إلا ما ابتغي به وجه الله من الأعمال الصالحة" انتهى.

حديث : إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه

إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

ما رواه البخاري في صحيحه ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلقَ الله ءادم على صورته.

قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي ما نصه: قلتُ: للناس في هذا الحديث مذهبان أحدهما: السكوت عن تفسيره،

والثاني: الكلام في معناه، واختلف أرباب هذا المذهب في الهاء على مَـن تعود؟ على ثلاثة أقوال:

أحدها: تعود على بعض بني ءادم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ برجل يضرب رجلا وهو يقول: قبَّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك.

فقال: إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله تعالى خلق ءادم على صورته.

قالوا وإنما اقتصر بعض الرواة على بعض الحديث فيحمل المقتصر على المفسَّر قالوا: فوجه من أشبه وجهك يتضمن سب الأنبياء والمؤمنين.

وإنما خص ءادم بالذكر لأنه هو الذي ابتدأت خلقةُ وجهه على هذه الصورة التي احتُذيَ عليها بعده وكأنه نبه على أنك سببت ءادم وأنت من أولاده وذلك مبالغة في زجره فعلى هذا تكون الهاء كناية عن المضروب ومن الخطأ الفاحش أن ترجع إلى الله عز وجل بقوله: ووجه من أشبه وجهك فإنه إذا نُسبَ إليه شبهٌ سبحانه وتعالى كان تشبيها صريحا.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه فإن الله تعالى خلق ءادم على صورته.

القول الثاني: إن الهاء كناية عن اسمين ظاهرين فلا يصح أن يضاف إلى الله عز وجل لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة فعادت إلى ءادم ومعنى الحديث: إن الله خلق ءادم على صورته التي خلقه عليها تامّـا لم ينقله من نطفة إلى علقة كبنيه هذا مذهب أبي سليمان الخطابي وقد ذكره ثعلب في أماليه.اهـ

قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى فيما نقله البيهقي في الأسماء والصفات ما نصه: قوله: خلق الله ءادم على صورته الهـاء وقعت كناية بين اسمين ظاهرين فلم تصلح أن تصرف إلى الله عز وجل لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة سبحانه ليس كمثله شىء فكان مرجعها إلى ءادم عليه السلام.

فالمعنى أن ذرية ءادم إنما خُلقوا أطوارا كانوا في مبدأ الخلقة نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم صاروا صورا أجنة إلى أن تتم مدة الحمل فيولدون أطفالا وينشأون صغارا إلى أن يكبروا فتطول أجسامهم.اهـ

قال الإمام النووي في شرحه على مسلم ما نصه: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فإن الله خلق ءادم على صورته. فهو من أحاديث الصفات وقد سبق في كتاب الإيمان بيان حكمها واضحا ومبسوطا وأن من العلماء من يُمسك عن تأويلها ويقول: نؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد ولها معنى يليق بها وهذا مذهب جمهور السلف وهو أحوط وأسلم،
والثاني: أنها تتأول على حسب ما يليق بتنـزيه الله تعالى وأنه ليس كمثله شىء.
قال المازري: هذا الحديث بهذا اللفظ ثابت ورواه بعضهم: إن الله خلق ءادم على صورة الرحمن.

وليس بثابت عند أهل الحديث وكأن من نقله رواه بالمعنى الذي وقع له وغلط في ذلك،
قال المازري: وقد غلط ابن قتيبة في هذا الحديث فأجراه على ظاهره وقال: لله تعالى صورة لا كالصور، وهذا الذي قاله ظاهر الفساد لأن الصورة تفيد التركيب وكل مركب محدث والله تعالى ليس بمحدث فليس هو مركبا فليس مصورا قال: وهذا كقول المجسمة جسم لا كالأجسام، لما رأوا أهل السنة يقولون: الباري سبحانه وتعالى شىء لا كالأشياء طردوا الاستعمال فقالوا: جسم لا كالأجسام، والفرق أن لفظ شىء لا يفيد الحدوث ولا يتضمن ما يقتضيه وأما جسم وصورة فيتضمنان التأليف والتركيب وذلك دليل الحدوث، قال: العجب من ابن قتيبة في قوله: صورة لا كالصور، مع أن ظاهر الحديث على رأيه يقتضي خلق ءادم على صورته فالصورتان على رأيه سواء فإذا قال لا كالصور تناقض قوله.اهـ

قال الحافظ ابن الجوزي: وقال القاضي أبو يعلى ـ المجسم ـ يطلق على الحق تسمية الصورة لا كالصور كما أطلقنا اسم ذاته. قلت: وهذا تخليط لأن الذات بمعنى الشىء وأما الصورة فهي هيئة وتخاطيط وتأليف وتفتقر إلى مصوِّر ومؤلِّف وقول القائل: لا كالصور، نقض لما قاله وصار بمثابة من يقول: جسم لا كالأجسام فإن الجسم ما كان مؤلفا فإذا قال: لا كالأجسام نقض ما قال.اهـ

قال ابن فورك في كتابه مشكل الحديث ما نصه: واعلم أن بعض المتكلمين في تأويل هذا الخبر حاد عن وجه الصواب وسلك طريق الخطأ والمحال فيه وهو ابن قتيبة توهما منه أنه مستمسك بظاهره غير تارك له فقال: إن لله عز وجل صورة لا كالصور كما أنه شىء لا كالأشياء فأثبت لله تعالى صورة قديمة زعم أنها لا كالصور وأن الله تعالى خلق ءادم على تلك الصورة، وهذا جهل من قائله وتوغل في تشبيه الله تعالى بخلقه والعجب منه أنه أول الخبر ثم زعم أن لله صورة لا كالصور ثم قال: إن ءادم مخلوق على تلك الصورة وهذا كلام متناقض متهافت يدفع أوله ءاخره وذلك أن قوله: لا كالصورة ينقض قوله: إن الله خلق ءادم عليها، لأن المفهوم من قول القائل: فعلت على صورة هذا أي ماثلته به واحتذيت في فعله به وهذا يوجب أن صورة ءادم عليه السلام كصورته جل ثناؤه.اهـ

قال الحافظ أحمد بن عمر القرطبي في كتابه المفهم لِـما أَشكل من تلخيص كتاب مسلم ما نصه: ولا يكون في الحديث إشكالٌ يُـوهم في حق الله تعالى تشبيها وإنما أشكل ذلك على مَـن أعاد الضمير في صورته على الله تعالى وذلك ينبغي ألاّ يُـصار إليه شرعا ولا عقلا أما العقل فيحيل الصورة الجسمية على الله تعالى وأما الشرع فلم ينص على ذلك نصا قاطعا ومحال أن يكون ذلك فإن النص القاطع صادق والصادق لا يقول المحال فيتعيَّن عَودُ الضمير على المضروب لأنه الذي سبق الكلام لبيان حكمه.

وقد أعادت المشبهة هذا الضمير على الله تعالى فالتزموا القولَ بالتجسيم وذلك نتيجة العقل السقيم والجهل الصميم

قال الله تعالى: "وابتغوا إليه الوسيلة" هذا حجة على الوهابية في تحريمهم التوسل

الحمدلله تعالى،
قال الله تعالى: "وابتغوا إليه الوسيلة" (سورة المائدة، 35) وأيّ وسيلة خلقها الله أشرف وأفضل وأقرب إلى الله من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
وهل تعرفون أن في كتاب لابن تيمية الحراني أسماه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" حجة عليه وعلى من يتبعه بالباطل يحرّمون زوراً التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ينقل في كتابه ذلك من فعل السلف أنهم كانوا يتوسلون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أي ابن تيمية: "روى ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء قال: حدثنا أبو هاشم سمعت كثير بن محمد بن كثير بن رفاعة يقول: جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد بن أبجر فجس بطنه فقال: بك داء لا يبرأ، قال: ما هو؟ قال: الدُّبَيْلَة، (وهي خرّاج ودمل كبير تظهر في الجوف تقتل صاحبها غالباً)، قال: فتحول الرجل فقال: الله الله الله ربي لا أشرك به شيئاً، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبيّ الرحمة، يامحمد إني أتوجه بك إلى ربك وربّي يرحمني ممّا بي، قال: فجس بطنه فقال: قد برئت ما بك علة، قلت: فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السّلف. اهـ
وهذا حجة على الوهابية في تحريمهم التوسل ذكره إمامهم ابن تيمية وهو يروي عن السلف التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأيّ حجة لهم بعد ذلك؟.
وقبله روى البخاري صاحب الجامع الصحيح رضي الله عنه (256 هـ.) بالإسناد الصحيح المتصل في كتاب الأدب من تصنيفه عن عبدالرحمن بن سعد القرشي قال: خدرت رجل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فقال له رجل: أذكر أحبّ الناس إليك، فقال: "يا محمد" صلى الله عليه وسلم، وفي عمل اليوم والليلة للحافظ أبو بكر بن السني (364 هـ.) فقال "يا محمد فذهب خدره".
ومعنى قول ابن عمر رضي الله عنه "يا محمد" أي "يا محمد أغثني" وفيه دليل على استحباب الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكرب والمرض وغيرهما بما له من الكرامة عند الله عز وجلّ، وهذا الحديث أقرّه واستحبه ابن تيمية (728 هـ.) على ما لديه من ضلال وتجسيم وتشبيه لله بخلقه في كتاب له أسماه "الكلم الطيب" تدلّ هذه التسمية على أنه يرويه مستحسناً له فيكون حجة على من يقلدونه في ضلالاته.
والحجة الأصل في استحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الحديث الذي رواه الحافظ الطبراني (360هـ.) في معاجمه الثلاثة وصححه، وهو الذي وصفه الذهبي في تذكرة الحفاظ بـ"الحافظ الإمام العلامة الحجة بقية الحفاظ مسند الدنيا"، وأقرّه على تصحيحها الحافظ نور الدين الهيثمي (807هـ.) في مجمع البحرين في زوائد المعجمين الصغير والأوسط (ج2 ص 318)، وكذا في مجمع الزوائد (ج2 ص 279) بتحرير الحافظين الكبيرين زين الدين العراقي وابن حجر العسقلاني (852هـ.)، وصححها الحافظ البيهقي في دلائل النبوة، بل زاد إمام الذين نازعوا في التوسل، أعني ابن تيمية (728هـ.)، تصحيح الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (569هـ.)، والحديث هو "عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقيَ عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: إيت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين ثم قل: اللهمّ إني أسألك وأتوجّه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبيّ الرحمة، يا محمّد إني أتوجّه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك ورُح إليّ حتى أروحَ معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثمّ أتى باب عثمان فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟، فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له (معتذراً) ما ذكرتُ حاجتك حتى الساعة، وقال ما كان لك من حاجة فأتنا. ثم إن الرجل خرج من عنده فلقيَ عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظرُ في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أو تصبر؟، فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق عليّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إئت الميضأة فتوضأ ثمّ صلّ ركعتين ثم أدعُ بهذه الكلمات، فقال عثمان بن حنيف فوالله ما تفرّقنا وطالَ بنا الحديث حتى دخل عليه رجل كأنه لم يكن به ضرر قط". قال الطبراني: "والحديث صحيح".
ولم يقل أحد من العلماء إن أحاديث التوسل لا يعمل بها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما أنه صلى الله عليه وسلم حيٌ يصلي في قبره لا يخرج منه صلى الله عليه وسلم لحديث "الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون" رواه أبو نعيم في تاريخ إصبهان وأبو يعلى الموصلي والبزار والبيهقي من حديث أنس مرفوعاً وصحّحه وأقرّه الحافظ ابن حجر في شرح البخاري، فهل بطلت بركة النبوة باختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى جبريل عليه السلام؟، حاشا وكلا، وقد كشف سيدنا أبو بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وقبله قائلاً "بأبي أنت وأمي، طبت حياً ومـيّـتاً" رواه البخاري في صحيحه والبيهقي في السنن.
وذكر القاضي عياض عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله حرمته بعد موته كحرمته حياً، فقال له الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فقال مالك مستنكراً: ولمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟، بل استقبله (يريد استقبل القبر الشريف وإن استدبرت القبلة) واستشفع به فيشفعه الله، اهـ
اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً، يا رسول الله أغث بإذن الله عبداً استغاث بك فإنك خير شافع وخير مشفع وأنت أكرم الخلق على الله تعالى،
دعاكم لمن كتبها ولمن ينشرها أرجوكم يرحمكم الله

قالَ سَيِّدُنا علِيٌّ رَضِيَ ٱللَّهُ عنهُ: "ٱلنَّاسُ ثَلاثَةٌ: عَالِمُ رَبَّانِيٌّ ومُتعَلِّمٌ عَلى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ"

قالَ سَيِّدُنا علِيٌّ رَضِيَ ٱللَّهُ عنهُ: "ٱلنَّاسُ ثَلاثَةٌ: عَالِمُ رَبَّانِيٌّ ومُتعَلِّمٌ عَلى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ"
.
إِنَّ سَيِّدَنا عَلِيًّا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنهُ يُوضِحُ أَنَّ ٱلنَّاسَ عَلَى ثَلاثَةِ أَحْوَالٍ إِمَّا "عَالِمُ رَبَّانِيٌّ" عَالِمٌ صَادِقٌ مُخلِِصٌ يَعمَلُ بعِلْمِهِ وَيُعَلِّمُ ٱلنَّاسَ ٱلْحَقَّ يَرجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ وَيَخشَاهُ وَيَزهَدُ فِي ٱلدُّنْيَا وَلا يَهْوَى مَنصِبًا وَلاَ جَاهًا،
ٱلإِمَامُ ٱلْبُخَارِيُّ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ٱلرَّبَانِيُّونَ هُمُ ٱلَّذِينَ يُرَبُّونَ ٱلنَّاسَ بِصِغَارِ ٱلْعِلْمِ ثُمَ بِكِبَارِهِ.إهـ.
يَعْنِي أَوَّلاً لاَ يُوَسِّـعُونَ كَثِيرًا حَتَّى يَرْسَخَ ٱلْعِلْمُ فِي قَلْبِ ٱلطَّالِبِ ثُمَّ شَيْئًا فَشَيْئًا يَزِيدُونَ لِلطَّالِبِ بِحَسَبِ مَا يَرَونَ مِنْ قَابِلِيَّتـِهِ وَٱهْتِمَامِهِ.
وَإِمَّا "مُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ" أَيْ طَالِبُ عِلْمٍ مُخْلِصٌ لاَ يَرضَى بِٱلْجَهلِ يُرِيدُ بِذَلِكَ ٱلْفَوزَ برِضْوَانِ ٱللَّهِ وَٱلنَّجَاةَ مِنْ عَذابِ ٱللَّهِِ،
أَوْ "هَمَجٌ رَعَاعٌ أَتبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ"،
ٱلْهَمَجُ ٱلبَعوضُ وٱلذُّبابُ،
وٱلْهَمَجُ فِي كلامِ ٱلعَرَبِ أصلُهُ البَعوضُ وٱلذُّبابُ، قَالَ ٱبنُ خَالَوَيهِ: ٱلْهَمَجُ ٱلْجُوعُ وَبِهِ سُمِّيَ ٱلبَعُوضُ، لأَنَّهُ إذا جَاعَ عَاشَ وَإِذَا شَبِعَ مَاتَ. فَشَبَّهَ عَلِيٌّ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنهُ سَآئِرَ ٱلناسِ وَهُمُ ٱلرَّعَاعُ بِٱلْهَمَجِ أَيْ بِٱلبَعُوضِ وَٱلذُّبابِ، لأَنَّ ٱلذبابَ وٱلبَعُوضَ عِنْدَمَا تَجتَمِعُ تَكونُ كَثِيرَةً بِلا مَنفَعَةٍ. وَرَعَاعُ ٱلنَّاسِ هُمْ سُخَفاؤُهُمُ وَغَوْغاؤُهُم وَسُقَّاطُهُم وأَخْلاطُهَم، ٱلوَاحِدُ رَعَاعَة، لاَ فَهْمَ لَهُم وَلا عَقلَ سَلِيمَ لَهُم لا يَتعلَّمُونَ وَلا يَبحَثُونَ عَمَّا فِيهِ نَجَاتُهُم بَلْ يَهْتَمُّونَ لِلدُّنيَا فَقَط. أَمَّا ٱلنَّاعِقُ يُطْلَقُ عَلَى ٱلرَّاعِي يُقَالُ نَعَقَ ٱلرَّاعِي بِٱلغَنَمِ يَنْعِقُ بٱلكَسْرِ نَعْقًا وَنُعَاقًا وَنَعِيقًا صَاحَ بِهَا وَزَجَرَهَا مَثَلُ ٱلرَّعَاعِ كَمَثَلِ ٱلغَنَمِ كَمَثَلِ ٱلبَهَائِمِ ٱلَّتِـي لاَ تَفْقَهُ مَا يَقُولُ ٱلرَّاعِي أَكثَرَ مِنَ ٱلصَّوْتِ فَرَعَاعُ ٱلنَّاسِ لا يَنظرونَ إلَى كَلامِ مَن يُدَرِّسُهُم إِنْ كانَ مُوافِقًا للِشَّرْعِ أَمْ لاَ، بِسَبَبِ جَهْلِهِم وَسَخَافَةِ عُقُولِهِم وََقدْ جَهِلُوا قَولَ ٱلنَّبِيِّ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:"لَيْسَ ٱلبَيَانُ كَثْرَةَ ٱلكَلامِ وَلَكِنَّ ٱلَبَيَانَ إِصَابَةُ ٱلْحَقِّ"[رَوَاهُ ٱبْنُ حِبَّانَ].
أَخِي ٱلْمُسلِمُ، لاَ تَكُنْ مِنَ ٱلصِّنفِ ٱلثَّالِثِ بَلْ كُنْ طَالِبًا لِلْعِلْمِ سَائِرًا عَلَى دَرْبِ ٱلْحَقِّ وٱلرَّشَادِ. فَقَد قَالَ ٱلإِمَامُ أَحْمَدُ ٱلرِّفَاعِيُّ ٱلكَبِيرُ رَضِِيَ ٱللَّهُ عَنهُ: "طَرِيقُُنَا عِلْمٌ وَعَمَلٌ". وَلْيُعْلَمْ أَنَّ طَلَبَ ٱلعِلْمِ فِيهِ ثَوَابٌ عَظِيمٌ، يَكْفِي فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ ٱللَّهِ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ ٱلعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيْلِ ٱللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ"[رَوَاهُ ٱلتِّرْمِذِيُّ].
يَعْنِي يَكُونُ لَهُ ثَوَابٌ مِثلُ ثَوَابِ ٱلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ. وَٱلْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ مَعْلُومٌ ثَوَابُهُ، فِي ٱلْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ أُعِدَّتْ لِلْمُجَاهِدِينَ مَا بَيْنَ ٱلدَّرَجَةِ وَٱلدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ. فَٱلَّذِي يَخْرُجُ لِطَلَبِ ٱلْعِلْمِ يَكُونُ ثَوابُهُ مِثْلَ ثَوَابِ ٱلْمُجَاهِدِينَ، لِذَلِكَ قَالَ ٱلإِمَامُ ٱلشَّافِعِيُّ رَضِي ٱللَّهُ عَنْهُ: طَلَبُ ٱلْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ ٱلنَّافِلَةِ. إهـ. [رَوَاهُ ٱلْخَطِيبُ فِي ٱلفَقِيهِ وَٱلْمُتَفَقّـِهِ].
قَالَ أَهلُ ٱلعِلمِ: "نَشْرُ ٱلْعِلْمِ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَفْضَلُ مِنْ تَوْزِيعِ ٱلْمَالِ عَلَيْهِم". إهـ. ذَلِكَ أَنَّ عِلْمَ ٱلدِّينِ هُوَ ٱلسِّـِلاَحُ ٱلَّذِي يُدَافِعُ بِهِ ٱلْمُؤْمِنُ شَيَاطِينَ ٱلْجِنِّ َشَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَيُدَافِعُ بِهِ هَوَاهُ. يَسَّرَ ٱللَّهُ لَنَا جَمِيعًا ٱلاِنْتِفَاعَ بِذَلِكَ.

من اعتقد أن الله تعالى جسم ليس مسلماً ولا مؤمناً لأنه غير عابد لله تعالى

 من اعتقد أن الله تعالى جسم ليس مسلماً ولا مؤمناً لأنه غير عابد لله تعالى ذلك أنه عابد لشيء تخيله وتوهمه، وأن عبادته لذلك الشيء الذي توهمه لا تنفعه لأنه لا يعبد الله تعالى الذي ليس كمثله شيء:
قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله في تفسيره الكبير عند قول الله تعالى من سورة يوسف "مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ"، ما نصه: "وهذا قول المشبهة فإنهم تصوّروا جسماً كبيراً مستقراً على العرش ويعبدونه، وهذا المتخيل (بضم الميم وفتح التاء والخاء وتشديد الياء المفتوحة)
غير موجود البتة، فصحّ أنهم لا يعبدون إلا مجرّد الأسماء". اهـ.
فدلّ استدلال الإمام الرازي بالآية الكريمة أن من اعتقد أن الله تعالى جسم قاعد فوق العرش ليس له في الإسلام أيّ نصيب، لأنه ليس عابداً لمن وصف نفسه بأنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
وللرازي رحمه الله في كتابه "عجائب القرآن" نقلاً عن الإمام العالم العابد أبي بكر الشبلي رضي الله عنه (توفي 334 هـ.) قال: "ومن كـيّـفه (يريد الله تعالى) فهو وثني"، اهـ.
والوثني عابد الأوثان لا شك كافر، يشـبّه الشبلي من اعتقد أن لله تعالى كيفية بعابد الأوثان من كفار الجاهلية والعياذ بالله تعالى.
والشبلي دلف بن جعفر من الأمراء الذين زهدوا في الدنيا فسلك سبيل الآخرة على يد إمام أهل التصوف الجنيد بن محمد القواريري البغدادي رضي الله عنه (297 هـ.)
وهو القائل كما في فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني (854 هـ.):
"التوحيد إفراد القديم من المحدث"، والقديم هو الله تعالى الذي لا ابتداء لوجوده وهو وحده المستحق للعبادة سبحانه، والمحدث (بفتح الدال) هو كل ما سوى الله والله تعالى خالقه لا شريك له ولا يحتاج تعالى إلى أيّ شيء من خلقه سبحانه، ومن نفى أحد الأمرين كان لا محالة على غير دين الإسلام.
ومن مشايخ الجنيد رضي الله عنه محمد بن إبراهيم البغدادي البزاز المعروف بأبي حمزة الصوفي (269 هـ.) من أصحاب الإمام أحمد بن حنبل (241 هـ.) رضي الله عنه، قال ابن مفلح الحنبلي (884 هـ.) في ترجمته في كتابه "المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد" أن أحمد بن حنبل كان يسأله في مجلسه عن مسائل ويقول "ما تقول فيها يا صوفي". اهـ.
وهذا دليل على أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان يعظم علماء الصوفية ويقدّمهم في مجالسه يسألهم عن قولهم في مسائل في الفقه لا يستحيي من الحق رضي الله عنه صدق فيه حديث مسلم في صحيحه "وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله".
والشبلي تلميذ الجنيد من أولياء السلف الصالح وزهادهم وعبادهم المشهورين رضي الله عنهم جميعاً، دلّ كلامه المتقدم وكلام شيخه الجنيد رضي الله عنهما على أن السلف كانوا يكفرون من اعتقد في الله تعالى الكيفية والجسمية، وهو ما يريد الرازي تأكيده وتقريره أنه الحق لا شك ولا ريب، وهذا ما ذكره الإمام أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي رضي الله عنه (321 هـ.) حاكياً اتفاق السلف الصالح وهو ما عليه أهل السنة والجماعة إجماع لا خلاف فيه: "ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر ". اهـ.
ومعاني البشر صفاتهم وهي كثيرة منها الشكل واللون والتغير من حال إلى حال والحجم والحد كبيراً كان أو صغيراً والتحيز في جهة أو مكان أو الانتشار في الأماكن كالهواء تعالى الله عن ذلك كله، والله تعالى منزه عنها جميعها سبحانه مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك كما قال الإمام ثوبان بن إبراهيم ذو النون المصري رضي الله عنه (ت 245 هـ.).
ومن كلام إمام أهل السنة والجماعة أبي الحسن علي بن اسماعيل الأشــعـري
(ت 324 هـ.) رضي الله عنه قال في كتاب اللمع ما نصه: "فإن قال قائل لم زعمتم أن الباري سبحانه لا يشبه المخلوقات، قيل لأنه لو أشبهها لكان حكمه في الحدَث حكمها، ولو أشبهها لم يخلُ من أن يشبهها من كل الجهات أو من بعضها، فإن أشبهها من جميع الجهات كان محدثاً مثلها من جميع الجهات، وإن أشبهها من بعضها كان محدثاً من حيث أشبهها، ويستحيل أن يكون المحدَث لم يزل قديماً وقد قال الله تعالى "ليس كمثله شيء" وقال تعالى "ولم يكن له كفواً أحد".
أخي الكريم حفظكم الله، أرسل لغيرك لله تعالى، وادع الله تعالى لله تعالى لمن علمنا خيراً أو تعلم منا من فضلك بالعافية في الدين والدنيا وحسن الحال والوفاة على كامل الإيمان ورؤية الرسول صلى الله عليه وسلم،بارك الله بكم

الأدلة الجليّة على مشروعية زيارة القبور

الأدلة الجليّة على مشروعية زيارة القبور
إلى أخ محبّ كريم سأل عن زيارة النساء للقبور، الجواب بكلّ وضوح:
هذا جائزٌ حلالٌ حلالٌ لا إشكال فيه، فقد روى الحافظ أبو عبدالله الحاكم (ت 405) في المستدرك بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة (رضي الله عنه) كل جمعة فتصلي وتبكي عنده، قال الحاكم: هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات،
وقد استقصيتُ في الحث على زيارة القبور تحرّياً للمشاركة في الترغيب، ﻭﻟﻴﻌﻠﻢ الشحيح ﺑﺬﻧﺒﻪ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﻨﺔ ﻣﺴﻨﻮﻧﺔ. اهـ.
وقال كذلك في باب الرخصة في زيارة القبور بعد ذكر حديث "لعن رسول الله زوارات القبور" ما نصه: وهذه الأحاديث المروية في النهي عن زيارة القبور منسوخة (أي توقف العمل بها)،
والناسخ لها حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبيّ: "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها". ﺍﻫـ،
والمعنى أن النهي انتهى العمل به، كان في أول الأمر ثم انتهى، هكذا يقول الحاكم رحمه الله لأن لفظ "فزرورها" عام يشمل الذكور والإناث.
وﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻂ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ: ﻭﺍﺧﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، ﻓﻘﻴﻞ ﺩﺧﻠﻦ ﻓﻲ ﻋﻤﻮﻡ ﺍﻹﺫﻥ (يعني حديث فزوروها) ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﺍﻷﻛﺜﺮ (أي أكثر العلماء)، ﻭﻣﺤﻠﻪ ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﻣﻨﺖ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ. ﻭﻳﺆﻳﺪ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺒﺎﺏ (يعني الحديث الذي يشرحه من البخاري)، ﻭﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺪﻻﻟﺔ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻗﻌﻮﺩﻫﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﻭﺗﻘﺮﻳﺮُﻩ صلى الله عليه وسلم ﺣُﺠﺔ (معناه لو كان حراماً لنهاها لأن النبيّ لا يسكت عن الحرام من غير إنكار). ﻭﻣﻤﻦ ﺣﻤﻞ ﺍﻹﺫﻥ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮﻣﻪ ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، (أم المؤمنين) ﻋﺎﺋﺸﺔ (وكفى بها حجة رضي الله عنها)، ﻓﺮﻭﻯ اﻟﺤﺎﻛﻢ من ﻃﺮﻳﻖ ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﺃﻧﻪ ﺭﺁﻫﺎ ﺯﺍﺭﺕ ﻗﺒﺮ أخيها ﻋﺒﺪﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ: ﺃﻟﻴﺲ ﻗﺪ ﻧﻬﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ؟، ﻗﺎﻟﺖ ﻧﻌﻢ ﻛﺎﻥ ﻧﻬﻰ ﺛﻢ ﺃﻣﺮ ﺑﺰﻳﺎﺭﺗﻬﺎ".
ﻗﻠﻨﺎ ﻭﻳﺆﻳﺪ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﻣﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻗﻠﺖ: ﻛﻴﻒ ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻬﻢ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠّﻪ (ﺗﻌﻨﻲ ﺇﺫﺍ ﺯﺍﺭﺕ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ)، ﻗﺎﻝ: "ﻗﻮﻟﻲ: ﺍﻟﺴّﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪّﻳﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻳﺮﺣﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻣﻨّﺎ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺄﺧﺮﻳﻦ، ﻭﺇﻧّﺎ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻜﻢ ﻟﻼﺣﻘﻮﻥ". ﻭﺍﺳﺘﺪﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﺎﻟﻜﺮﺍﻫﺔ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﺃﻡّ ﻋﻄﻴّﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠّﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻴﺨﻴﻦ (البخاري ومسلم) ﻗﺎﻟﺖ: ﻧُﻬﻴﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﺗّﺒﺎﻉ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﺰ ﻭﻟﻢ ﻳُﻌﺰﻡ ﻋﻠﻴﻨﺎ.
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ: ﻗﻮلها "ﻭﻟﻢ ﻳُﻌﺰﻡ ﻋﻠﻴﻨﺎ" ﺃﻱ ﻭﻟﻢ ﻳﺆكد ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻛﻤﺎ ﺃﻛﺪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻬﻴﺎﺕ، ﻓﻜﺄﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻛُﺮﻩ ﻟﻨﺎ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﺰ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺤﺮﻳﻢ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲ: ﻇﺎﻫﺮ ﺳﻴﺎﻕ ﺃﻡ ﻋﻄﻴﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻬﻲ نهي تنزيه ﻭﺑﻪ ﻗﺎﻝ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻣﺎﻝ ﻣﺎﻟﻚ (وهو نعم الإمام رضي الله عنه) ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﻣﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺤﻤﺪ بن ﻋﻤﺮﻭ بن ﻋﻄﺎﺀ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺯﺓ ﻓﺮﺃﻯ ﻋﻤﺮ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻓﺼﺎﺡ ﺑﻬﺎ ﻓﻘﺎﻝ صلى الله عليه وسلم "ﺩﻋﻬﺎ ﻳﺎ ﻋﻤﺮ" ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﻭﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺃﺧﺮﻯ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﻄﺎﺀ ﻋﻦ ﺳﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﺍﻷﺯﺭﻕ ﻋﻦ أﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻭﺭﺟﺎﻟﻪ ثقات. اهـ.
وفي السنن الكبرى للبيهقي قال: وقد روينا في الحديث الثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال لها: "اتقي الله واصبري"، وليس في الخبر أنه نهاها عن الخروج إلى المقبرة، وفي ذلك تقوية لما روينا عن عائشة رضي الله عنها. اهـ.
ومعنى كلام البيهقي أنه لو كان حراماً لنهاها صلى الله عليه وسلم.
وفي ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘﻨﻊ ﻓﻲ ﻓﻘﻪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻻﺑﻦ ﻗﺪﺍﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪسي ﻣﺎ ﻧﺼﻪ: ﻓﺼﻞ: ﻳﺴﺘﺤﺐ ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ، ﻭﻫﻞ ﺗﻜﺮﻩ ﻟﻠﻨﺴﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺍﻳﺘﻴﻦ. انتهى
ومعنى كلامه أنه هل تكره أم لا تكره فيه روايتان أي عن الإمام أحمد بن حنبل، وهذا مع استثناء القبر الشريف فإنه يستحبّ زيارته صلى الله عليه وسلم بالإجماع للرجال والنساء كما ذكر البهوتي في كشاف القناع وهو كتاب مشهور لدى الحنابلة، وهو حجة على جماعة ابن تيمية والوهابية الذين همهم التشويش على المسلمين وتحريم ما أحل الله تعالى.
دعاكم لمن كتبه ونشره، الله يرحمنا في الدنيا والآخرة ويرزقنا البشرى بالجنة والاجتهاد في نصر السنة، آمين، شكراً لكم

الأحد، 27 يناير 2019

الوهابية دينهم مقطوع ولا سند له وهذا باعتراف زعيمهم الضال النجدي

الوهابية دينهم مقطوع ولا سند له وهذا باعتراف زعيمهم الضال النجدي

الدين وصل الينا بالسند العلماء الذين تناقلوا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند رجلاً عن رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبروا السند أساساً لحفظ السنة النبوية من الضياع والتحريف والحديث الذي ليس له سند ليس بشيء . ولذلك اشتهر بين المحدثين : أن السند للخبر كالنسب للمرء . وجعله عبد الله بن المبارك من الدين فقال " الإسناد عندي من الدين ، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء .
وكلما كان طالب العلم على معرفة ودراية ، بأحوال الرجال وتراجمهم وسيرهم ، كلما علت همته وقويت حافظته واهتدى قلبه وتنور بصره وبصيرته ، فهو إذا رأى عظيم شأنهم وكثرة رحلتهم في طلب العلم ، وتكبدهم المشقات ، وتعدد فنونهم وعلومهم ، وطول سهرهم وقيامهم ، وحالهم مع ربهم وورعهم ، نظر إلى تقصيره واحتقر عمله واستصغر شأنه ، فشدّ مئزره وقام يلحق القوم ويسير على قدمهم ، ويخطو خطواتهم .
ولقد عُرِفَ علماء المسلمين بحبهم للرحلة في طلب العلم والإسناد العالي ، فنرى أحدهم يسافر من بلد إلى بلد ليجلس بين يدي أحد العلماء الكبار ليأخذ عنه حديثاً أو حديثين لا يجدهما عند غيره من العلماء ، واقرأ كتاب ( الرحلة في طلب الحديث ) للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي ترى العجب العجاب من أمر علماء المسلمين ، وشدّة حرصهم على العلم والإسناد العالي في الحديث الشريف .
إذ لما كان للإسناد أهمية كبيرة في صيانة الشريعة من التحريف والتبديل ، وحفظها من الزيادة أو النقص ، إذ بوساطته يمكن الاعتماد على صحة الحديث أو ضعفه ، أو أنه خبر موضوع لا أصل له ، لأننا حين نسمع بالخبر نعود إلى طريقه وهو السند ، فنتعرف على رجاله وأحوالهم وصفاتهم ، ونبحث عن أخلاقهم ومدى صدقهم والتزامهم لدينهم ، وعن صلة بعضهم ببعض وإمكان نقله عنه ونحو ذلك ، وعندها نقبل الحديث أو نرده ، بناءً على ما نتوصل إليه بنتيجة البحث والتمحيص ، ولولا السند والإسناد لما كان بالإمكان معرفة شيء من ذلك .
وهذه الطريقة في رواية الأخبار بالسند لم تكن معروفة قبل الإسلام ، حتى إذا جاء الإسلام وجدنا أن المسلمين يقررون : أن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ، ويقررون : أن الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، ويقررون : أنه لا يؤخذ بالخبر ، ولا يضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلا إذا عرف من حدث به عنه ، ومن نقله إلينا ، وعرف حاله من الصدق والضبط وقوة الحفظ .
وإذا كان الإسناد في الأخبار من خصائص هذه الأمة الإسلامية ، فذلك مزيد فضل الله تعالى الذي امتن به عليها إذ وعدها بحفظ ما أوحى به إلى نبيها عليه الصلاة والسلام من تشريع فقال جل وعلا : { إنـَّا نحن نزَّلنا الذِّكرَ وإنـَّا له لحافظون } [ الحجر9 ] ، وإذا كان الذكر هو القرآن الكريم ، فإن حديث النبي عليه الصلاة والسلام هو المبين له ، والمفصل لأحكامه ، فكان حفظه بحفظه .
واسمع لكلام الإمام الشافعي رضي الله عنه إذ يقول : ( مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى وهو لا يدري ! )
وقَالَ سفيان الثوري : (( الإسناد سلاح المؤمن ، إذا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سلاح فبأي شيء يقاتل ؟ )) أسنده إِلَيْهِ الْخَطِيْب البغدادي في " شرف أصحاب الْحَدِيْث " : 42 ( 81 ) .
وقال بعض الحفاظ : ( مثل الذي يطلب دينه بلا إسناد مثل الذي يرتقي السطح بلا سلم ، فأنى يبلغ السماء ! ) ،
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى : ( ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد ) ،
وقال الحافظ يزيد بن زُرَيْعٍ رحمه الله تعالى : ( لكل دين فرسان ، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد ) ، وهذا أبو العالية يقول : ( كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بالبصرة فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم ) ، وقال الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : ( طلبُ علوِّ الإسنادِ من الدين ) .
فإذن خصيصة الإسناد هذه أهم خصائص الأمة المحمدية ، فقد كان السند هو الشرط الأول في كل علم منقول فيها ، حتى الكلمة الواحدة ، يتلقاها الخالف عن السالف ، واللاحق عن السابق بالإسناد
اذا فالوهابية دينهم مقطوع ولا سند له وهذا باعتراف زعيمهم الضال النجدي من كتاب "مؤلفات محمد بن عبد الوهاب" الذي طبع في جامعة أم القرى يعترف فيها هذا الضال بكفره قبل قيامه بدعوته المزعومة وبكفر مشايخه (ومن جملة مشايخه والده عبد الوهاب) وكفر مشايخ مشايخه !!
فلا أدري كيف وصل الدين إلى الوهابية!
الكتاب: مؤلفات محمد بن عبد الوهاب المجلد: السادس الصحيفة: 186 و 187
وصدق الشيخ أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية حينما قال في كتابه "الدرر السنية في الرد على الوهابية" ما نصه :" وقال له رجل ءاخر مرة : هذا الدين الذي جئت به متصل أم منفصل؟ فقال له -أي ابن عبد الوهاب- حتى مشايخي ومشايخهم إلى ستمائة سنة كلهم مشركون، فقال له الرجل: إذن دينك منفصل لا متصل، فعن من أخذته؟ فقال: وحي إلهام كالخضر، فقال له: إذن ليس ذلك محصورا فيك، كل أحد يمكنه أن يدعي وحي الإلهام الذي تدعيه"اهـ
وقال مفتي الشافعية أيضا :" وزعم محمد بن عبد الوهاب أن مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبري من الشرك، وأن الناس كانوا على الشرك منذ ستمائة سنة، وأنه جدد للناس دينهم"اهـ
ويستغربون لما يقال لهم أنهم يكفرون الأمة بلا حق!؟؟
وهذا القنوجي الوهابي أفتى في كتابه المسمى الدين الخالص فقال: "تقليد المذاهب من الشرك"
كيف هذا الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجمع الله أمتي على ضلالة"؟؟
قال القاضي عياض في الشفا:"وَكَذَا نَقْطَع بِكُفْرِ كُلّ مَنْ قَالَ قَوْلًا يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى تَضْلِيل الْأُمَّة"
فما بالكم بمن يكفر المسلمين بغير وجه حق!لا حول ولا قوة إلا بالله
ويسألون لماذا نحذر ويستغربون..

التّحذيرُ ممن يحرّفُ شَريعة الله فرضٌ مؤكَّدٌ

التّحذيرُ ممن يحرّفُ شَريعة الله فرضٌ مؤكَّدٌ

قال شيخنا رحمه الله

ثم مِنَ الأمور المهمّةِ مَعرفةُ تَعريف الغِيبةِ أي ما هيَ الغِيبَةُ التي حَرّمَها الله تعالى، الغِيبةُ التي حَرّمَها الله تَعالى فَسّرها رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه " أتَدرُونَ ما الغِيبة " قالوا الله ورسوله أعلم قال " الغيبةُ أن تَذكُرَ أخَاكَ بما يَكره " قيلَ أفرأَيتَ يا رسولَ الله إن كانَ في أخي ما أقولُ قال " إنْ كانَ فيهِ فقَد اغْتَبتَهُ وإن لم يكنْ فيهِ فَقَدْ بهَتَّه "رواه البخاري ومسلم وغيرهما، المعنى أنّ ذِكْر المسلِم أي في خَلفِه بما يَكرَهُ غِيبةٌ حَرّمها اللهُ تعالى بقوله :" ولا يَغتَبْ بَعضُكُم بَعضًا " هذِه الغِيبةُ التي نهانا اللهُ عنها فسَّرها الرسولُ صلّى الله عليه وسلّم بقَولِه "ذِكرُكَ أخَاكَ بما يَكرَه"، هذه الكلمةُ الموجَزةُ التي قالها رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم تَشمَلُ أشياءَ كثيرةً فذِكْرُ المسلِم في خَلفِه بما يَكرهُ لو سمعَهُ فهذه هي الغِيبَةُ المحرّمَةُ، ثم الغِيبَةُ منها ما هوَ مِنَ الكبائر ومنها ما هوَ مِن صغائر الذّنوب، الغِيبَةُ على قِسمَين صغائرُ وكبائر، غِيبَةُ المسلم المتّقي الدَّيّن مِنَ الكبائر أمّا غِيبَةُ المسلِم الفاسِق فلَيسَت مِنَ الكبائر بل مِنَ الصّغائر، ثم هذه الغِيبةُ كما تحصُل بالنُّطقِ للعِبارة تحصلُ بالكِتابة، إذا إنسانٌ كتَبَ عن شخصٍ مسلِم إنّ فلاناً كذا مما يَكره، وصفَه بما يَكره هذا أيضًا حُكمُه كأنه ذَكرَه بلِسانِه، اغتابَهُ بلِسانهِ، لأنّ القلَمَ قيلَ عنهُ القَلمُ أحَدُ اللّسانَين، هذا الذي يَكتُب في شَخصٍ بما يَكره يكونُ كأنّهُ اغتابَه بلِسانِه، هذا إذا اغتَابَه بما فيهِ يكونُ غِيبَةً أمّا إذا اغتابَهُ بما ليسَ فيهِ يكونُ بُهتانًا يكونُ أعظَمَ ذَنبًا وأشَدَّ إثمًا.

بعضُ الناس مِن جَهلِهم يقولونَ إذا اغتَابُوا إنسانًا في خَلْفِه ذكَرُوه بما يَكرَهُ، فقِيلَ لهم الغِيبَةُ حَرام، يقولونَ أنا أقولُ هذا في وجْهِه، فنحنُ نقولُ لو قلتُ لهُ في وجْهِه لا يكونُ ذلك حَلالا لأنّ إيذاءَ المسلِم حَرام إلا لأسبابٍ شَرعيّة، ومِنَ الأسباب الشّرعيّة التي تجعَلُ الغِيبةَ جَائزة التّحذير فإذا أردْنا أن نحَذّرَ شَخصًا مِنَ المسلِمين أو جماعةً، أرَدْنا أن نحذّرَهُم مِن شَخص غَشّاش في تجَارتِه يَبيعُ بضَائعَ فيها عَيبٌ ولا يَذكُر العَيب الذي فيها فهذا إذا ذكَرناه بما فيهِ قلنا فلانٌ يَغُشُّ الناسَ في بَيعِه يكونُ لنا ثَواب، كذلكَ إذا علِمنَا أنّ أنسانًا يَعمَلُ أجِيرًا عندَ إنسانٍ ونحنُ نَعلَمُ فيه خِيانةً في عَملِه فإذا قلنا لصَاحِب العَمل فلانٌ احذَرْه، فلانٌ خائن، لنَا ثوابٌ ما علَينا ذَنب ولو كانَ هذا الشّخصُ يَكره لو وقَعت هذِه الكلمةُ في أُذُنِه، نحن لنَا ثوابٌ لأننا عمِلنا الواجِبَ، تحذيرُ المسلِم مما يَضُرّه واجِبٌ ما فيهِ ذنبٌ ليسَ هذا غِيبةً محرّمَة، الغيبةُ المحرّمَة هيَ التي تكونُ لغَير سبَبٍ شَرعيّ، بعضُ الجُهّال إذا أرادَ شخصٌ أن يحذّرَ مِن أحَد التّجار الغَشّاشينَ أو أحَدِ العُمّال الخائنِين يقولونَ كيفَ نَقطَعُ الرّزق على مخلوقٍ، الرزّاقُ مَوجُود، صاحبُ العمَلِ الله يَرزقُه والعامِلُ الله يَرزقُه، كلٌّ في هذه الدّنيا يأكل ما كتَب اللهُ لهُ أن يأكل ويَتركُ ما سِوى ذلك لغَيره.الذي يَعرف شَريعةَ الله لا يقول هذا قَطْعُ رِزْق كيف أتكلَّم على هذا الأجير الفَقير فأقول عنهُ هذا خَائن احذَرْهُ لصَاحب العمل،نحنُ نقولُ لصاحب العمَل هذا أجِيرُك خائنٌ، نقولُ هذا ليَحذَرهُ ثم إنْ لم يكنْ هو يَصرفُه عن هذا العَملِ بل يَرضى بهِ مع خِيانتِه فهو وشَأنُه، هذا الذي حَذّره كسَبَ أَجرًا عندَ الله ولو كانَ هذا الأجِير يَغضَب عليه إذا علِم أن فلانًا حَذّر صاحبَ العمَل منه، المسلمُ عليهِ أن يحذّر المسلمَ ممن يضُرّهُ في دُنياه وبالأولى أن يحذّرَه ممن يضُرّه في دِينِه، أوْجَبُ وأَفرَض أن يُحذّرَه ممن يضُرّه في دِينِه.

فالتّحذيرُ ممن يحرّفُ شَريعة الله فرضٌ مؤكَّدٌ، يقولُ للشّخص فلانٌ ليسَ بأهلٍ للتّدريس لا تأخُذ منه لا تَذهَب إلى دَرسِه، فَرضٌ أن يحذّرَه فمَن لم يفعلْ وتَركَ الناسَ يَذهَبُون إلى ذلك الشّخص ويتَعلّمُوا منه ما هو غيرُ صَحيح في دينِ الله بل هوَ أفتراءٌ على دِين الله، فقَد غَشّهُم، أمّا إذا حَذّر ثم ذلَكَ الإنسان إن سمعَ التّحذير فانقَطع عن ذلك الإنسان فلَه، فلِنَفسِه، وإن سمع التّحذيرَ ولم يَترك ذلكَ الإنسان فعلَى نفسِه، هو ضَرَّ نفسَه، الذي حَذّر أخَذَ الأجرَ مِن الله تعالى لأنّ الله فرَضَ علَينا أن نحذّر المسلِمينَ ممن يضُرّهم في دِينِهم لا يُقال هذا عالم كيفَ يتَكلّم فيه، ولا ننظُر إلى رضى الناس أو غَضبِهم، رضيَ مَنْ رضِيَ وكرِهَ مَن كَرِهَ نحنُ علَينا بالبَيان والأجرُ مِنَ الله تعالى، والضّارُّ النّافعُ هو الله تعالى، في الحقيقةِ لا أحَدَ يَضرُّ ولا ينفَعُ على الحقيقةِ إلا الله، الله تعالى هو الذي ينفَعُ ويَضُرّ على الحقيقة، لا أحَدَ يضُرّ وينفَعُ على الحقيقةِ سِواه.

لا ضارَّ ولا نافعَ على الحقيقةِ إلا الله.

ومِن جملةِ ما يَدخُل في باب التّحذيرِ أنّنا إنْ علِمنا أنّ فُلانًا يُريدُ أن يُصادقَ فُلانةَ أو فُلانًا أو علِمنا أن فُلانةَ تُريدُ أن تُصادق فلانةَ فَرْضٌ علَينا أن نحذّر إنْ كانَ في الشّخصِ الآخَر ما يَستَوجِبَ التّحذيرَ فمَن لم يحذّر وسكَتَ قال لماذا أخَلّي هذا يتغَيّرُ خاطِرُه عليَّ فهو عندَ الله تعالى مَوزُور يَستحِقّ العَذاب أمّا الذي حَذّرَ فهو مأجُورٌ عندَ الله سواءٌ رضي عنه هذا الشّخص أو لم يرض عنهُ، كثيرٌ منَ الضَّلال يأتي مِنْ طَريقِ الصُّحْبَةِ، الشّابُّ قَد يكونُ بحالةٍ حسَنةٍ ثم إذا بهِ انقَلَب فيَصيرُ بعِيدًا مِن طَاعةِ الله تعالى والسّبَبُ في ذلك في كثيرٍ مِن الأحيانِ أنّه التقَى بشَخصٍ فاسِدٍ فصَحِبَهُ فأفسَدَه، كَم وكم مِنَ الناس كانُوا يُصَلّون ويُقيمُونَ الصّلاةَ ويؤمنونَ بالله ورسولِه ثم طَرأ علَيهم أن صَادَقُوا وصَاحَبُوا شَخصًا مُلحِدًا شُيوعيًّا فصاروا كافِرينَ بعد أن كانوا مسلِمينَ، بسبب إفسادِ ذلك الشَّخص الذي صاحبَه، فيجبُ التّحذيرُ وجُوباً مؤكَّدًا التّحذيرُ مِن كلّ إنسانٍ يضُرّ المسلِم في دِينهِ بطَريقِ الأَولى وكذلكَ التّحذيرُ مِن الذي يَضُرّ المسلمَ في دُنياه، التّحذيرُ مِنَ الفَريقَين فَرضٌ مؤكَّد.

فائدة في الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل أبي بكر رضي الله عنه

فائدة في الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل أبي بكر رضي الله عنه

 وانبياه واخليلاه واصفياه الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله، روى البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهَا فَتَيَمَّمَ (أي قصد) النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى (أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم) فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ بِأَبِى أَنْتَ يَا نَبِى اللَّهِ (الحديث إلى آخره)، هل رأيتم كيف ينادي أبو بكر النبي بعد موته يقول "يا نبي الله"، من قال لا يجوز نداء النبي بعد موته وجعل النداء عبادة والعياذ بالله، فإنه يكفر أبا بكر والصحابة ورواة الحديث وأمة محمد كلها لأنها تلقت هذا الحديث بالقبول لم يعترض عليه أحد أبداً،

وروى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده وهو من يدعي الوهابية زوراً أنهم ينتمون إليه يدعون كذباً أنهم سلفية، عن عائشة أن أباها أبا بكر رضي الله عنهما دخل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فوضع فمه بين عينيه ووضع يديه على صدغيه وقال: وانبياه واخليلاه واصفيّاه. اهـ.

ففي ذلك كله دليل من فعل خير الناس بعد الأنبياء، أبي بكر الصديق على جواز الاستغاثة بالنبي وندائه بقول "يا رسول الله" والتبرك برسول الله بعد وفاته كما كان الأمر في حال حياته لم يعترض أحد من علماء الإسلام على ذلك أبداً بدليل حديث البخاري في كتاب فضائل الصحابة عن أمّ المؤمنين عائشة: فجاء أبو بكرٍ فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقـبّـله فقال: بأبي أنت وأمي طبت حيّاً وميتـاً.

فاقبلوا النصيحة وانشروها، رحم الله من نشرها، دعاكم

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...