بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 1 يناير 2019

كلام الله تعالى


اعلم أنه ثبت بالدليل النقلي والعقلي إثبات صفة الكلام لله، قال الله تعالى " وكلم الله موسى تكليمًا " [سورة النساء، 164] وفي لغة العرب إذا أكد الفعل بالمصدر أفاد تأكيد ثبوت ذلك وتكليمًا مصدر كلم لأن المصدر هو الذي يأتي ثالثًا في تصريف الفعل. والدليل العقلي على ثبوت الكلام لله تعالى أنه لو لم يكن متكلمًا لكان أبكم والبكم نقص والنقص مستحيل على الله.

وقد اتفق أهل السنة على وحدة كلام الله تعالى أي أن كلام الله الذي هو صفته كلام واحد ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً ولا مبعضًا، وقد قال إن كلام الله واحد الإمام أبو علي السكوني الإشبيلي، وكذلك ذكر وحدة الكلام الحافظ البيهقي في كتابين من كتبه، وأهل السنة يعتقدون أن الله تعالى صفاته لا تشبه صفات خلقه فالله متكلم بكلامٍ ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً لأن الكلام الذي يكون بالحرف والصوت واللغة مخلوق والله لا يتصف بحادثٍ، والدليل على حدوث الحرف أن الحرف يدخله التعاقب وهو حدوث شىءٍ بعد أن لم يكن حادثًا وعدمه بعد حدوثه وذلك ظاهر في الحروف فإن من نطق بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " إذا نطق بالسين انتفت الباء وهكذا، والدليل على حدوث اللغات أنها لم تكن موجودةً ثم صارت موجودةً، والدليل على حدوث الصوت أنه يكون من اصطكاك الأجرام وانسلال الهواء، قال أبو حنيفة رضي الله عنه في كتابه الفقه الأكبر "نحن نتكلم بالآلآت والحروف والله يتكلم بلا ءالةٍ ولا حرفٍ" اهـ. والآلآت هي مخارج الحروف كالشفتين.

وكلام الله الذي هو غير الحرف والصوت أزلي أبدي لا ينقطع، لا يجوز على الله أن يتكلم ثم يسكت، فالكلام القائم بذات الله –أي الثابت له- ليس حرفًا وصوتًا ولغةً، هذا الكلام يسمعه الإنس والجن في الآخرة، وأما الكلام الذي هو حرف وصوت ولغة كالقرءان الذي نقرأه بالحروف والتوراة الأصلية والإنجيل الأصلي والزبور الأصلي هؤلاء عبارات عن كلام الله تعالى ليست عين الكلام الذاتي.

ولفهم هذا الموضوع كما ينبغي لا بد أن يعلم أن كلام الله له إطلاقان يطلق ويراد به الصفة الثابتة لله فهو كلام واحد وهذا الكلام الواحد أمر ونهي ووعد ووعيد وخبر واستخبار وتبشير وهذا ليس ككلام العالمين، وهذا الكلام الذي سمعه موسى عليه السلام حين كان في طور سيناء وذلك بأن أزال الله عن سمعه الحجاب المعنوي المانع من سماع كلام الله فسمع كلام الله الذي ليس ككلام غيره، فهذا الكلام أزلي أبدي موجود دائمًا أما سماع موسى فحادث.

ويطلق كلام الله على معنى اللفظ المنزل على الأنبياء وهذا اللفظ أخذه جبريل من اللوح المحفوظ وخلق الله صوتًا بحروف هذا اللفظ المنزل سمعه جبريل فهو ليس من تأليف بشرٍ ولا من تصنيف ملكٍ، والدليل على أنه يطلق كلام الله على اللفظ المنزل قوله تعالى " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " [سورة التوبة، 6] أي القرءان الكريم، وقوله تعالى " يريدون أن يبدلوا كلام الله " [سورة الفتح، 15] ومعلوم أن الكفار يريدون تبديل الألفاظ المنزلة لا صفة الله.
 
 
قل للمشبهةِ الذين تجاوزوا ~*~ حجج العقول بكل قول منكر

يا ويلكم قستم صفات إلهكم ~*~ بصفاتكم هذا قياس الأخسر

أيقاس صانع صنعة بصنيعه ~*~ أيقاس كاتب أسطر بالأسطر

من قال إن الله يشبه خلقه ~*~ كانت مقالته مقالة مفتري

أو قال إني في التكلم مثله ~*~ فهو الكفور بلا محالة فاحذر
 
لله سمع لا كأسماع الورى ~*~ ويد وعين لا كعين المحجر

وكذا كلام الله ليس كلفظنا ~*~ فافهم مقالي في الصفات وذكّر
 
 
والله أعلم وأحكم...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...