بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 21 أبريل 2020

Post عقيدة أهل الحق قاطبة

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فقد قال علماء التوحيد : الله متصف بالكلام الذي هو صفة أزلية أبدية هو متكلمٌ بـها ءامر، ناهٍ، واعدٌ، متوعدٌ، ليس ككلام غيره، بل أزليٌّ بأزلية الذات لا يشبه كلام الخلق وليس بصوت يحدث من انسلال الهواء أو اصطكاك الأجرام، ولا بحرف ينقطع بإطباق شفةٍ أو تحريكِ لسان.

ونعتقد أن موسى سمع كلام الله الأزلي بغير حرفٍ ولا صوتٍ كما يرى المؤمنون ذات الله في الآخرة من غير أن يكون جوهرًا ولا عرضًا لأن العقل لا يحيل سماع ما ليس بحرف ولا صوت. وكلامه تعالى الذاتي ليس حروفا متعاقبة ككلامنا، وإذا قرأ القارىء منا كلام الله فقراءته حرفٌ وصوتٌ ليست أزلية.

فالقرءان والتوراة والإنجيل والزبور وسائر كتب الله إن قُصد بها الكلام الذاتي فهي أزلية ليست بحرفٍ ولا صوتٍ، وإنْ قُصِد بها اللفظ المنَزَّل الذي بعضه بلغة العرب وبعضه بالعبرانية وبعضُهُ بالسريانية فهو حادثٌ مخلوقٌ لله لكنها ليست من تصنيف ملك ولا بشر، فهي عباراتٌ عن الكلام الذاتي الذي لا يوصف بأنَّهُ عربي ولا بأنه عِبراني ولا بأنه سُرياني، وكل يُطلق عليه كلام الله، أي أنَّ صفة الكلام القائمة بذات الله يُقال لها كلام الله واللفظ المُنَزَّل الذي هو عبارةٌ عنه يُقال له كلام الله، فتبيَّن أنَّ القرءان له إطلاقان أي له معنيان الأول إطلاقُه على الكلام الذاتي الذي ليس هو بحرفٍ ولا صوتٍ ولا لغةٍ عربيةٍ ولا غيرها، والثاني إطلاقه على اللفظ المنـزل الذي يقرؤه المؤمنون.

وهذه اللغاتُ وغيُرها من اللغاتِ لم تكن موجودةً فخلَقَها الله تعالى فصارت موجودةً والله تعالى كان قَبل كل شىء، وكان متكلِّما قبلها ولم يَزل متكلِّما وكلامُهُ الذي هو صفتهُ أزليٌّ أبديٌ وهذه الكُتبُ المنـزَّلةُ كلُّها عباراتٌ عن ذلك الكلام الذاتي الأزلي الأبدي، ولا يلزمُ من كون العبارةِ حادثا كون المعبَّر عنه حادثا ألا ترى أننا إذا كتبنا على لوح أو جدران " الله " فقيل هذا الله فهل معنى هذا أن أشكال الحروف المرسومة هي عينُ الله وذاته؟! لا يتوهمُ هذا عاقل إنما يُفهم من ذلك أن هذه الحروف عبارة عن الإله الذي هو موجودٌ معبودٌ خالقٌ لكل شىء؛ ومع هذا لا يقال القرءانُ مخلوقٌ لكن يُبيَّن في مقام التعليم أن اللفظ المنـزَّل ليس قائما بذات الله بل مخلوقٌ لأنه حروفٌ يسبق بعضها بعضا حادثٌ مخلوقٌ قطعًا. لكنه ليس من تصنيفِ مَلَكٍ ولا بشرٍ فهو عبارةٌ عن الكلام الذاتي الذي لا يوصف بأنه عربي، ولا بأنه عبراني، ولا بأنه سُرياني، وكُلٌ يطلقُ عليه كلامُ الله، أي أن صفة الكلام القائمة بذات الله يقالُ لها كلامُ الله، واللفظُ المُنـزَّلُ الذي هو عبارة عنه يقال له كَلامُ الله.
والإطلاقانِ من باب الحقيقةِ لأن الحقيقةَ إما لُغويَّةٌ وإما شرعيَّةٌ وإما عُرفيَّةٌ.

ومن الأدلة الواضحة في بيانِ أن القرءانَ يُطلقُ ويرادُ به اللفظُ المنـزَّلُ، قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّه)(الفتح: من الآية15) فالكفار يريدون تبديل اللفظ المنـزَّل وليس الصفة الذاتية، وكذلك قوله تعالى : (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ) (القيامة:18) أي إذا قرأه جبريل بأمرنا فاتبع قرءانه أي قراءته، ولا يصح أن تكون قراءة جبريل هي صفة الله.
ومن الدليل الصريح على أن الله تعالى لم يقرأ القرءان على جبريل كما قرأه جبريل على محمد وقرأه محمد على صحابته قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة:40) فلو كان القرءان بمعنى اللفظ المنـزَّل عين كلام الله الذي هو صفته لم يقل (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة:40) أي جبريل، فالآية صريحة في أن القرءان بمعنى اللفظ المنـزَّل المقروء هو مقروء جبريل وليس مقروء الله تعالى.

فإن قيل: ما معنى قوله تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس:82)
فالجواب : أن معنى هذه الآية كما قال بعض العلماء كالإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله ( ت333 هـ ): إن الله يُوجِد الأشياء بدون تعب ومشقة وبدون ممانعة أحد له، أي أنه يخلق الأشياء التي شاء أن يخلقها بسرعة بلا تأخر عن الوقت الذي شاء وجودها فيه، فمعنى ( كُنْ فَيَكُون ) يدل على سرعة الإيجاد، وقال بعضهم كالإمام البيهقي رحمه الله ( ت 458 هـ ) : معناه بحكمه الأزلي خلق الأشياء، والحكم كلام أزلي في حق الله ليس كلاما مركبا من حروف ولا أصوات، ليس معناه أن الله كلما أراد أن يخلق شيئًا يقول كن، كن. وإلا لكان معنى ذلك أن الله كل الوقت يقول كن كن كن وهذا محال لأن الله عز وجل يخلق في اللحظة الواحدة ما لا يدخل تحت الحصر.
ثم " كن " لغة عربية والله تعالى كان قبل اللغات كلها وقبل أصناف المخلوقات فعلى قول المشبهة يلزم أن يكون الله ساكتا قبل ثم صار متكلما وهذا محال لأن هذا شأن البشر وغيرهم، وقد قال أهل السنة : لو كان يجوز على الله أن يتكلم بالحرف والصوت لجاز عليه كل الأعراض من الحركة والسكون والبرودة واليبوسة والألوان والروائح والطعوم وغير ذلك وهذا محالٌ، والله تعالى خلق بعضَ العالمِ متحركَّا دائماً كالنجوم وخلقَ بعض العالمِ ساكنا دائماً كالسموات، وخلق بعض العالم متحركا في وقت وساكناً في وقتٍ وهم الإنس والجن والملائكةُ والرياحُ والنورُ والظلامُ والظلالُ، وهو سبحانه وتعالى لا يُشبِهُ شيئا من هذه العوالمِ كُلّها.

وقد نُقِلَ هذا التفصيل عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وهوَ من السلف أدرك شيئا من المائةِ الأولى ثم توفي سنة مائةٍ وخمسينَ هجرية قال :" فلما كلم الله موسى كلمه بكلامه الذي هو صفة في الأزل وصفاته كلها بخلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا ويسمع لا كسمعنا ويتكلم لا ككلامنا ونحنُ نتكلَّمُ بالآلات والحروف والله تعالى يتكلَّمُ لا بآلةٍ ولا حروفٍ والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق " فليُفهم ذلك، وليس الأمرُ كما تقولُ المشبهةُ بأن السلفَ ما كانوا يقولونَ بأن الله متكلمٌ بكلامٍ ليس بحرفٍ وإنما هذه بدعةُ الأشاعرة، وهذا الكلامُ من أبي حنيفة ثابتٌ ذكرهُ في كتابه الفقه الأكبر.

وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في "الفقه الأكبر" و"الوصية": "والحبر والكاغد والكتابة والقراءة مخلوقة لأنها أفعال العباد".
وقال العز بن عبد السلام في رسائله في التوحيد ص12 ما نصه: "فالله متكلم بكلام قديم أزلي ليس بحرف ولا صوت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مدادًا في اللوح والأوراق شكلاً ترمقه العيون والأحداق كما زعم أهل الحشو والنفاق بل الكتابة من أفعال العباد ولا يتصور من أفعالهم أن تكون قديمة ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته" إلى أن قال: "فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شىء من ألفاظ العباد أو رسم من أشكال المداد" اهـ.

وقال أيضًا في فتاويه :"القرءان كلام الله صفة من صفاته قديم بقدمه ليس بحرف ولا أصوات ومن زعم أن الوصف القديم هو عين أصوات القارئين وكتابة الكاتبين فقد ألحد في الدين وخالف إجماع المسلمين بل إجماع العقلاء من غير أهل الدين، ولا يحل للعلماء كتمان الحق ولا ترك البدع سارية في المسلمين ويجب على ولاة الأمور إعانة العلماء المنزهين الموحدين، وقمع المبتدعة المشبهين المجسمين، ومن زعم أن المعجزة قديمة فقد جهل حقيقتها، ولا يحل لولاة الأمور تمكين أمثال هؤلاء من إفساد عقائد المسلمين ويجب عليهم أن يلزموهم بتصحيح عقائدهم بمباحثة العلماء المعتبرين، فإن لم يفعلوا ألجئوا إلى ذلك بالحبس والضرب والتعزير والله اعلم" اهـ بحروفه.

وقال الإمام محمد بن إبراهيم الحموي: من قال إن الله متكلم بحرف وصوت فقد قال قولاً يلزم منه أن الله جسم ومن قال إنه جسم فقد قال بحدوثه، ومن قال بحدوثه فقد كفر، والكافر لا تصح ولايته ولا تقبل شهادته اهـ
فإن قِيل إذا لم يكن اللفظ المنـزَّلُ عين كلام الله الذاتي فكيف كان نُزوله على سيدنا محمد ؟ فالجواب ما قاله بعض العلماء : إن جبريل وجده مكتوباً في اللوح المحفوظ فأنزله بأمر الله له على سيدنا محمد قراءةً عليه لا مكتوبا في صحفٍ، ويدلُ لذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة:40) أي مقروء جبريل فلو كان هذا اللفظ المنـزل عين كلام الله الذاتي لم يقل الله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (الحاقة:40) أي جبريل لأن جبريل هو المراد بالرسول الكريم.

انظر كتاب الإحياء للغزالي و الأسماء والصفات للبيهقي وتأويلات أهل السنة والجماعة للماتريدي والإرشاد لإمام الحرمين عبد الملك الجويني والتبصير في الدين للأسفراييني وشرح الطحاوية للشيباني والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي وشرح لمع الأدلة لشرف الدين بن التلمساني وشرح الفقه الأكبر لملا علي القاري والعقيدة النسفية للإمام عمر النسفي وتشنيف المسامع للزركشي وشرح العقائد للتفتازاني وشرح الإرشاد لأبي القاسم الأنصاري وإظهار العقيدة السنية بشرح العقيدة الطحاوية للمحدث الشيخ عبد الله الهرري وإشارات المرام من عبارات الإمام للبياضي وغيرهم كثير )

فائدة أولى: قال الشيخ الإمام ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي (ص559 /مخطوط) ما نصه :" قال الشيخ الإمام أبو علي الحسن بن عطاء في أثناء جواب عن سؤال وجه إليه سنة إحدى وثمانين وأربعمائة : الحروف مسبوق بعضها ببعض، والمسبوق لا يتقرر في العقول أنه قديم، فإن القديم لا ابتداء لوجوده، وما من حرف وصوت إلا وله ابتداء، وصفات البارىء جل جلاله قديمة لا ابتداء لوجودها، ومن تكلم بالحروف يترتب كلامه، ومن ترتب كلامه يشغله كلام عن كلام، والله تبارك وتعالى لا يشغله كلام عن كلام، وهو سبحانه يحاسب الخلق يوم القيامة في ساعة واحدة، فدفعة واحدة يسمع كل واحد من كلامه خطابه إياه، ولو كان كلامه بحرف ما لم يتفرغ عن يا إبراهيم ولا يقدر أن يقول يا محمد فيكون الخلق محبوسين ينتظرون فراغه من واحد إلى واحد وهذا محال "اهـ.

فائدة ثانية: قال المحدث الشيخ محمد زاهد الكوثري المتوفى سنة 1371 هـ في مقالاته (ض32) ما نصه:" ولم يصح في نسبة الصوت إلى الله حديث" اهـ وكذا قال الإمام البيهقي في الأسماء والصفات (ص273 )، وقد ذكر الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي (ت 725 هـ) في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي ( ص249 / مخطوط) أثناء ترجمة الحافظ ناصر السنة أبي الحسن علي بن أبي المكارم المقدسي المالكي أنه صنف كتابه المعروف بكتاب الأصوات أظهر فيه تضعيف رواة أحاديث الأصوات وأوهامهم "اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في شرحه على البخاري (ج1/174و175):" لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو اعتضدت"اهـ.
فائدة ثالثة : وأما ادعاء البعض أن علم الكلام مذموم على الإطلاق فمردود، وذلك أن علم الكلام الذي يشتغل به أهل السنة والجماعة في تقرير معتقداتهم هو علم ممدوح اشتغل به العلماء من السلف والخلف ولا سيما الشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة كما ذكر الإمام أبو منصور البغدادي المتوفى سنة 429 هـ في أصول الدين والحافظ ابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ في تبيين كذب المفتري والإمام الزركشي المتوفى سنة 794هـ في تشنيف المسامع وغيرهم، بل سمَّاهُ الإمامُ أبو حنيفة رضي الله عنه بالفقه الأكبر.

وقد قال إمام أهل السنة والجماعة أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه المتوفى سنة 324 هـ : " أول ما يجب على العبد العلم بالله ورسوله ودينه ". اهـ وهذا العلم أصله كان موجودًا بين الصحابة متوفرًا بينهم أكثر ممن جاء بعدهم، والكلام فيه بالرد على أهل البدع بدأ في عصر الصحابة، فقد رد ابن عباس وابن عمر على المعتزلة، ومن التابعين رد عليهم عمر بن عبد العزيز والحسن بن محمد ابن الحنفية وغيرهما.
ونحيلهم إلى قراءة كتاب"عقيدة العوام" للشيخ أحمد المرزوقي المولود سنة 1205هـ وكتاب"كفاية الصبيان فيما يجب من عقائد الإيمان وعمل الأركان" للمحدث أبي المحاسن القاوقجي الطرابلسي المتوفى سنة 1305 هـ.

وأما علم الكلام الذي يشتغل به أهل البدع كالخوارج والنجارية والمرجئة والمعتزلة والكرامية والحشوية فهو علم مذموم ذمه علماء السلف، لذا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: " لأن يلقى اللهَ عز وجل العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشىء من هذه الأهواء " رواه الإمام المجتهد أبو بكر بن المنذر وأخرج طرقه الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري وغيرهما، والأهواء جمع هوى وهو ما مالت إليه نفوس المبتدعة الخارجين عما كان عليه السلف.

والحمد لله أولا وءاخرًا وصلى الله على سيدنا النبي الأعظم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...