بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 أبريل 2020

الإسراء والمعراج دليل باهر على عظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم


الحمد لله الذي دحى الأرض ورفع السماء، وتنزه عن التحيز في الجهات والأنحاء، والصلاة والسلام على سيدنا باهي السناء من أكرمه ربه بمعجزة المعراج والإسراء.
يقول الله تعالى في القرءان الكريم «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من ءاياتنا إنه هو السميع البصير» (سورة الإسراء/ءاية1).
إن من المعجزات الباهرات التي أيد الله بها الحبيب المصطفى معجزة الإسراء والمعراج العظيمة، تلك المعجزة التي جاءت برهانًا مبينًا وضياءً ساطعًا منيرًا وهاجًا للمؤمنين الصادقين، وإظهارًا لسمو مقام سيد المرسلين وحبيب رب العالمين سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي السنة الخامسة قبل الهجرة وفي عام الحزن عدما أُوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثيرٌ من أصحابه كانت هذه المعجزة العظيمة التي اختص الله بها حبيبه وصفيَّهُ أبو القاسم محمدٌ صلى الله عليه وسلم دون غيره من سائر الأنبياء والمرسلين السابقين المكرمين، كيف لا، وهو صلى الله عليه وسلم أفضلهم وأكرمهم وأحبهم إلى الله رب العالمين وقد أعطاه الله مقامًا لا ينبغي لأحد غيره على الإطلاق.
معجزةُ الإسراء والمعراج كانت بدايتها انطلاقًا من أم القُرى مكة المكرمة أحب البلاد إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جاءه أمين الوحي جبريل عليه السلام إلى حيث كان ينام في بيت بنت عمه أم هانىء بنت أبي طالب بين علي وحمزة رضي الله عنهما، ورفع سقف البيت من غير أن يسقط حب ترابٍ واحدة ثم انطلقا في رحلة الإسراء والمعراج على البراق يضع حافره عند منتهى طرفه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره والبراق في دلال وزهو بركوب أشرف الخلق عليه صلى الله عليه وسلم.
وكان في أثناء طريقهما محطاتٌ ينزل بها صلى الله عليه وسلم فيصلي ركعتين فنزل بطيبة المدينة المنورة وبطور سيناء حيث كان موسى الكليم صلى الله عليه وسلم وببيت لحم حيث مولد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، وهذا فعلٌ يقتبس منه جواز التبرك بآثار الصالحين كما تبرك صلى الله عليه وسلم في هذه المواضع التي فيها من ءاثار أنبياء الله تعالى. ومن ثم تابع بصحبة جبريل الأمين عليه السلام ورأى أثناء سيره عجائب وغرائب فمر بقوم يزرعون ويحصدون كلما حصدوا الزرع عاد كما كان وهم المجاهدون في سبل الله وءاخرين ترضخ رءوسهم بحجارة ضخمة ثم تعود كما كانت وهم تاركو الصلاة، ومر على عجوز فسأل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فأخبره بأنها الدنيا، الدنيا بصورة عجوز وهو إشارة إلى قرب زوالها وأننا صرنا إلى ءاخر الزمان. وما زال يرى عجائب يطول سردها حتى انتهى صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى المبارك، هذا المسجد العظيم الذي طابت أرضه وتنوّرت أطرافه وبورك فيه ببركة النبيين الكرام الذي جمعهم الله له وكان اللقاء الكبير العظيم المبارك، في ذاك المسجد الكبير العظيم المبارك وإذا بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يتقدم فيصلي بهم إمامًا فَأنْعِم به من سيد عظيم سند وإمام فاق كل إمام، وما هو إلا أن انقضت الصلاة حتى عُرج به صلى الله عليه وسلم من على ثرى تلك الأرض الطيبة، أرض المعراج أرض فلسطين الإسلامية العربية، أرض الأقصى الذي بورك حوله بالأنبياء والمرسلين، ومن هناك انطلق صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام على المرقاة إلى السبع الطباق يطويها سماءً إثر سماء، فيجتمع في الأولى بآدم أبي البشر، وفي الثانية بابني الخالة عيسى ويحيى عليهما السلام، ويرقى إلى الثالثة فيرى سيدنا يوسف بن يعقوب وقد أعطى شطر الحسن، وفي الرابعة إدريس عليه السلام، ثم في الخامسة هارون عليه السلام، وينتهي إلى السادسة فيرى الكليم موسى عليه السلام، ثم يُرحب به في السماء السابعة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، ويرى البيتَ المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه بعد ذلك بالمرة، وفي هذا بيان أن الملائكة أكثر خلق الله عددًا. ويرى أيضًا سدرةَ المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وثمرها كالقلال (جمع قلة وهي الجرة العظيمة) فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحدٌ من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها؛ وأوحى الله إلى الحبيب المصطفى ما أوحى وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاةً فطلب منه موسى عليه السلام أن يسأل الله التخفيف فخفف الله عنه إلى أن صارت خمس صلوات.
وهنا نستطرد لنقول: صلى الله عليه وسلم يا كليم الله يا موسى فلقد نفعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم وكان لنا منك حجةٌ على القائلين إن الانبياء لا ينفعون بعد الموت، فنحن لا شك ولا يشك كل مؤمنٍ يوقن أن لأنبياء الله جاهًا عظيمًا ونفعًا كبيرًا حتى وهم في قبورهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وليعتبر من أراد العبرة بما نفع به موسى أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وليعلم أيضًا أن معنى قول موسى لسيدنا محمّد «ارجع إلى ربك» أي إلى المكان الذي تتلقى فيه الوحي من ربك وليس معناه أن الله له مكان لان الحجم هو الذي له مكان والله خالق الحجم. والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم، فيرزقه الثبات والاقتداء بصاحب الإسراء والمعراج أبي القاسم محمد صلى الله عليه وسلم الذي خصه الله بهذه المعجزة الكبرى وحباه الفضل والنعمة العظمى فكانت له معجزة من أكبر المعجزات حيث أمسى صلى الله عليه وسلم في السماء وأصبح في الأرض وحصل كل ذلك في نحو ثلث ليلة، وما ذلك على الله بعزيز. رجع صلى الله عليه وسلم  إلى مكة المكرمة فأخبر أم هانىء بذلك ثم أخبر به الكفَّار فما كان منهم إلا أن كذّبوا واستهزءوا وأبوا تصديقه فيما يقول كما كذّبوا من قبل، فلعنة الله على الكافرين أنى يؤفكون، ينصاعون للشيطان وهو بئس المتبوع وهم بئس التابع، كذّبوا حبيب الله ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، وجاءوا إلى صاحبه الصديق أبي بكر رضي الله عنه فقالوا له: هل لك في صاحبك يزعم أنه قد جاء بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة، فقال الصديق رضي الله عنه: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلةٍ واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يُصبح قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء.
أي رجلٍ هذا هو أبو بكر رضي الله عنه، إنه ذاك الصديق معدن الهدى والتصديق إنه حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفيه وخليفته ورفيقه في الغار فرضي الله عنه ما أحكمه وأعدله وأصدقه لما جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وجديرٌ به لمقامه وجلاله شأنه أن يلقب بعد ذلك بالصديق وهو لقبٌ سمي به لما أجاب الكفار بقوله «فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق» قال أبو سلمة: فيها سُمي أبو بكر «الصديق»، ولكن الكفار مع ذلك وزعم أنهم سمعوا جواب أبي بكر رضي الله تمادوا في غيهم وضلالهم فطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم المسجد الأقصى لأنهم يعلمون أنه لم يرحل مع أهل بلده إلى هناك فحدّثهم صلى الله عليه وسلم حتى قال قائلهم: أمّا النعتُ فقد والله أصاب. وفي ذلك قيل:
يا صاحب المعراج فوق المنتهـى                لك وحدك المعراج والإسـراءُ
يا واصف الأقصى أتيت بوصفـه                وكـأنـك الرسَّـام والبنــاءُ
أُعطيت فضلا لا يُتاح لمرســلٍ                   والله يعطي الفضل لمن يشـاءُ

 
رسالة مهمة حول الإسراء والمعراج (شفاء العليل في رد الأباطيل)
الحمد لله العلي القدير والصلاة والسلام على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن سار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فيقول رب العزة تبارك وتعالى في محكم التنزيل «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» (سورة ق/ ءاية18) ويقول عز وجل أيضًا في كتابه العزيز: «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو إصلاح بين الناس» (سورة النساء/ءاية 114). اعلم وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه أنّ العبد المرضي عند الله الراجي رحمة ربه ورضوانه الخائف من سخطه وعذابه، الذاكر لعذاب القبر ولعذاب النار ولأهوال يوم القيامة والخائف منها لا يأخذ العلمَ إلا من أهل العلم الثقات، الذين عندهم شفقة على المسلمين. ولا يعتمد على مطالعة الكتب لوحده فكم من هالك هل بسبب أخذه من الكتب وهذا عند أهل العلم يُسمى صحفيًا. قال سليمان بن موسى رحمه الله: «لا تقرأوا القرءان على المصحفيين». فلا بد لقارىء القرءان أن يقرأه على ثقة لئلا يلحن، وليحوز على الثواب.
طريق السلف والخلف والثقات أخذ العلم بالتلقي وعدم الفتوى بغير علم وقد قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: «من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض» رواه الحافظ ابن عساكر.
ولقد ابتُلي عدد من الناس بتلقفهم لمعلومات ليس لها أصل في دين الإسلام حول معجزة الإسراء والمعراج، فتراهم يبثونها هنا وهناك غير ءابهين لما تشكل من خطر. وحرصًا على سلامة معتقد المؤمنين والمؤمنات تبيّن في هذه السطور أكاذيب حيكت حول قضية الإسراء والمعراج حتى لا يقع فيها إنسان، وللأسف الشديد فإنّ بعض من ينتسبون للمشيخة ويلبسون العمامة يبثون هذه المعلومات المكذوبة والمدسوسة على المنابر وفي المجالس العامة، وإليكم بعض ما قالوه:
أولاً: بعض الناس يعتقدون أنّ المعراج عبارة عن وصول الرسول إلى مكان فوق السماء السابعة ينتهي إليه وجود الله وهذا كفر وضلال لأنه فيه نسبة المكان والجهة لله. والله خالق الأماكن كلها والجهات كلها، فهو موجود قبل الأماكن والجهات وقبل كل شىء. قال الشافعي رحمه الله: «اعلموا أنَّ البارىء عز وجل لا مكان له» رواه القشيري رحمه الله وقال الأشعري رحمه الله: «إنَّ الله تعالى لا مكان له» رواه البيهقي. وقال الإمام أبو منصور البغدادي رحمه الله: «واجمعوا أنه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان» رواه في كتابه «الفرق بين الفرق» لكن وللأسف الشديد بعض من ينتسبون للمشيخة أو للعلم يوهمون الناس في قضية المعراج أنَّ الرسول وصل إلى مكان هو مركز لله تعالى، والعياذ بالله من الكفر، يعتمدون على بعض ما وجد في كتب رخيصة كثيرة الانتشار وذائعة الصيت، التي فيها ما ينافي تنزيه الله عن المكان والجهة ككتاب المعراج المنسوب زورًا وبهتانًا لابن عباس وهذا يجب التحذير منه ومن أمثاله.
ثانيًا: بعض الناس يقولون: «المعراج بالروح فقط» وهذا خلاف ما ثبت بنص الأحاديث الصحيحة. وورد في القرءان ما يكاد يكون صريحًا بالنسبة للمعراج، فقد قال تعالى: «ولقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى» (سورة النجم/ءاية13 – 14 – 15). أي سيدنا محمد رأى جبريل عليه السلام ليلة المعراج في السماء السابعة على صورته الأصلية الملكية ذات الستمائة جناح سدّ بها ما بين المشرق والمغرب.
ثم في أحاديث المعراج الصحيحة ومنها حديث مسلم رحمه الله أنّ الرسول قال: ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: «محمد». لم يقل: معي روح محمد. وفي ءاخر الحديث قال سيدنا محمد: «فنزلت إلى موسى». وكان موسى في السماء السادسة، ما قال: نزلت روحي إلى موسى عليه السلام.
ثالثًا: بعض العامّة والجهلة يقولون وقف على صخرة عَلَتْ به حتى ارتفعت في الهواء ثم قال لها: كوني. فكانت فما زالت واقفة في الهواء إلى الآن، فهذا غير صحيح على الإطلاق.
رابعًا: بعض الناس يقولون: «الإسراء رحلة مناميّة» وهذا باطل من تلبيس إبليس وجنده، فأين وجه المعجزة إذا كانت رحلة منامية كما يزعمون؟!
خامسًا: يزعم بض الناس أن الرسول سمع صوت أبي بكر في السماء من أجل أن يستأنس لأنه استوحش في ذاك المكان وهو قول فاسد لا أساس له من الصحة.
سادسًا: بعض الخطباء في ذكرى الإسراء يروون قصة مكذوبة فيها يقولون: «إن الرسول قال لله: التحيات لله والصلوات والطيبات. فقال الله تعالى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فقال النبي: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» إلخ... فهذا كذب لا أصل له والدليل على عدم صحة ذلك أنَّ بعض الصحابة كانوا يقولون في صلاتهم قبل أن تُفرض عليهم صيغة التشهد: السلام على الله، السلام على الله، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل. ثم قال لهم الرسول: «إنّ الله هو السلام»، وعلّمهم أن يقولوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، رواه البيهقي.
سابعًا: يقولون في الكتاب المسمى «معراج ابن عباس» المدسوس عليه، إنّ ملكًا نصفه من ثلج ونصفه من نار، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفىء النار، له ألف رأس وفي كل رأس ألف ألف وجه، وفي كل وجه ألف ألف لسان يسبح الله تعالى بألف ألف لغة إلخ... وهذا غير صحيح.
وفي الكتاب المسمى «معراج ابن عباس» من الضلال والكفر ما هو واضح كقولهم إن النبي قال «فدنوتُ من ربي حتى صرت منه كقاب قوسين وأدنى» وفيه أيضًا من التجسيم والعياذ بالله تعالى قولهم: «فوضع الله سبحانه وتعالى يده بين كتفيّ فشعرت ببرد أناملها». وهذا فيه نسبة الجوارد إلى الله والعياذ بالله، وعلى الجملة فالكتاب محشو بمثل هذه الأراجيف.
ثامنًا: ما يروى عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما فقدت جسد رسول الله ولكن أُسري بروحه». فهذا حديث غير ثابت. ووهَّنه القاضي عياض في الشفا سندًا ومتنًا، وحكم عليه الحافظ ابن دحية بالوضع أي بالكذب. ومما لا يخفى أنّ نسبة هذا الحديث للسيدة عائشة غير ثابتة لأنَّ رسول الله لم يدخل بها إلا بعد الهجرة وأنّ رسول الله أسري به قبل أن يخطبها أصلاً. وكذلك ما يقولون أن الرسول قال: «أتاني جبريل بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة» قال الذهبي: وهو كذب جليّ من وضع «مسلم بن عيسى الصفّار» لأنَّ فاطمة ولدت قبل النبوة فضلاً عن الإسراء. وكذلك قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى.
تاسعًا: مما يروى من الأباطيل أنه لما وصل الرسول وجبريل إلى ما بعد سدرة المنتهى قال جبريل: «هنا يفارق الخليل خليله لو تقدّمت لاحترقت»، وهذا مكذوب ولا صحة له.
عاشرًا: من أخطر وأشنع ما قيل في الإسراء والمعراج ما ذكره الدكتور «محمد حسنين هيكل» في كتابه المسمى «حياة محمد». يقول: «ففي الإسراء والمعراج في حياة محمد الروحية معنى سام غاية السمو، معنى أكبر من هذا الذي يصورون، والذي قد يشوب بعضه من خيال المتكلمين حظ غير قليل. فهذا الروح القوي قد اجتمعت فيه في ساعة الإسراء والمعراج وحدة هذا الوجود بالغة غاية كمالها، لم يقف أمام ذهب محمد وروحه في تلك الساعة حجاب من الزمان أو المكان أو غيرهما من الحجب التي تجعل حكمنا نحن في الحياة نسبيًا محدودًا بحدود قوانا المحسوسة والمدبرة والعاقلة، تداعت في هذه الساعة كل الحدود أمام بصيرة محمد، واجتمع الكون كله في روحه فوعاه من أزله إلى أبده». ذكر هذا في كتابه المسمى حياة محمد ص 189 الطبعة الثانية. ففي هذا الكام الشنيع ضلال واضح إذ نجد أنَّ الكاتب يعتقد فكرة وحدة الوجود وهي عقيدة كفرية فاسدة، يعتقدها بعض من ينتسبون للتصوف كالحلاج الذي كان يقول «أنا الله» ويقول «ما في الجبة إلا الله» وهو كفر صريح لا يؤول. لذلك قال فيه سيدنا ومولانا الشيخ أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه ونفعنا ببركاته وأسراره: «لو كان على الحق ما قال أنا الحق»، وفكرة «وحدة الوجود» تعني على زعمهم أنَّ الله هو عين الأشياء والعياذ بالله تعالى، وهي تشبه عقيدة الحلول والاتحاد حيث يقولون «إنَّ الله حل بالأشياء». وقولهم الفاسد «الله هو عين الأشياء» معناه عندهم: «أنَّ الله جملةُ العالم، وأفراد العالم أجزاء منه» وقد قال بعضهم: «أنا جزء من الله» ويقول بعضهم لشخص: «أنت الله وهذا الجدار الله». فهؤلاء ملعونون كفرة ولا تأويل لكلامهم ولا يجوز الشك في كفرهم. قال أهل الحق: إنَّ الله هو الأزلي الذي لا ابتداء لوجوده، وما سواه فهو حادث أي مخلوق.
تنبيه: يوجد في كتب ابن عربي رحمه الله عبارات دُسّت عليه فهيا نسبة الحلول إلى الله وغيرها من عبارات كفرية مدسوسة فهو رحمه الله القائل: «من قال بالحلول فدينه معلول، وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد».
نسأل الله أن يحفظنا من الزلل والضلال والزيغ، وأن يثبتنا على عقيدة أهل السُّنة والجماعة حتى الممات. وأن يحشرنا تحت لواء سيد المرسلين محمد وأن يسقينا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...