بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 18 أبريل 2020

الرد المفحم على المجسّمة والمشبّهة، من القرءان والسنّة

الحمدُ للهِ الذي لا يشبِهُ ذاتُهُ الذوات، ولا تشبِهُ صفاتُه الصفات، ولا تكتنفُهُ الأراضي ولا السماواتِ، الأول بلا ابتداءٍ، الآخر بلا انتهاءٍ، الذي جلَّ عنِ الصاحبةِ والأبناءِ، كانَ قبلَ الأمكنةِ والأرجاءِ، فكونَ الأكوانَ ودبَّرَ الزمانَ وَحَدَّهُ بلا ريبٍ ولا افتراء، 
فلا يحتاجُ إلى المكانِ، ولا يتقَيَّدُ بالزمانِ، ولا يشغله شأنٌ عن شأنٍ في المخلوقاتِ جمعاء، 

والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكمَلانِ، على سيدِنا ونبيِّنا وقائِدِنا وقرةِ أعينِنا محمدٍ سيدِ ولدِ عدنان أفصح العرب العرباء، وعلى ءالهِ وصحبهِ، ومنِ اهتدى بهديهِ ما أطلَّ فجرٌ وأضاءَ. أما بعدُ 

يقولُ ربُنا تباركَ وتعالى في محكمِ التنـزيلِ:{ كنتُم خيرَ أمةٍ أُخرجت للناسِ تأمرونَ بالمعروفِ وتنهون عنِ المنكَرِ} ( سورة ءال عمران /110) 

ويقولُ النبيُّ : (( منْ رأى منكُم منكراً فليغيرْهُ بيدِهِ فإنْ لمْ يستطِعْ فبلسانِهِ فإنْ لمْ يستطِعْ فبقلبِهِ وذلكَ أضعف الإيمانِ)) رواهُ مسلمٌ. 

وقدْ امتدَحَ اللهُ تعالى أمةَ سيدِنا محمدٍ بأنها أمة تأمرُ بالمعروفِ وتنهى عن المنكرِ كما أسلفنا في الآيةِ الكريمةِ والحديثِ الشريفِ، وكذلكَ فإنّ اللهَ تعالى قد ذمَّ الذينَ كفروا منْ بني إسرائيلَ بقولِهِ:{ كانوا لا يتناهوْنَ عن منكرٍ فعلوهُ لبِئسَ ما كانوا يَفعلون} ( سورة المائدة /79) 

وإن من أعظم ما ابتليت به هذه الأمة أناس دعاة على أبواب جهنم، انزلقت ألسنتهم بالباطل، واندلعت أصواتهم بالضلال، يروجون السلع الرديئة بحجج واهية فاسدة. وما كلامنا عن هؤلاء وأمثالهم إلا من باب البيان الواجب تبيانه للعامة والخاصة، ولا يظن ظان أن هذا من باب الغيبة المحرمة، فمن المعروف في تاريخنا أن السلف الصالح كانوا لا يسكتون عن الباطل، بل كانت ألسنتهم وأقلامهم سيوفا حداداً على أهل البدع والأهواء. 

فقد أخرج مسلم في صحيحه أن الرسول قال للخطيب الذي قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى: (( بئس الخطيب أنت)) وذلك لأنه جمع بين الله والرسول بضمير واحد فقال له قل: (( ومن يعصِ اللهَ ورسولَهُ)). 

فإذا كان الرسول لم يسكت على هذا الأمر الخفيف الذي ليس كفرا ولا إشراكا فكيف بالذين ينشرون الكفر والضلال باسم الإسلام؟ 

وقد قال رسول الله : (( حتى متى تَرِعون عن ذكر الفاجر اذكروه بما فيه حتى يحذره الناس)). رواه البيهقي. 

وقد بين النبي افتراق أمته من بعده فقال فيما رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثنيتين وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلا مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)). 

وإنما عنى النبي بذكر الفرق المذمومة فرق أصحاب الأهواء الضالة الذين خالفوا الفرقة الناجية بمخالفتهم ما كان عليه النبي وأصحابه في المعتقد، وليس المراد منه الخلاف في الفروع. 

وقد ذكر الإمام المفسر النحوي أبو حيان الأندلسي رحمه الله تعالى وجوب التحذير من أهل الضلال والفساد حيث قال في تفسيره النهر الماد ( 1/564) ما نصه: 
ومن بعض اعتقادات غير المسلمين استنبط من تستر بالإسلام ظاهراً، وانتمى إلى الصوفية حلول الله تعالى في الصور الجميلة ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة ….. ثم سرد بعض الأسماء للتحذير منها …. 

ثم قال: وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحاً لدين الله يعلم الله ذلك، وشفقة على ضعفاء المسلمين وليحذروا منهم أشد من الفلاسفة الذين يكذبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم وينكرون البعث، وقد أولع جهلة من ينتمي للتصوف بتعظيم هؤلاء وادعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه، والرد على النصارى والحلولية والقائلين بالوحدة هو من علم أصول الدين.اهـ 

عقيدة أهل السنة تنـزيه الله عن المكان 

اعلم وفقك الله إلى مرضاته أن عقيدة أهل السنة مبنية على تنـزيه الله عن مشابهة المخلوقات، فالله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شىء، كان قبل المكان بلا مكان وهو الآن على ما عليه كان، كان ولم يكن أين ولا كيف ولا مكان، فكون الأكوان ودبر الزمان فلا يحتاج إلى المكان ولا يتقيد بالزمان، فكما كان قبل المكان بلا مكان فهو الآن على ما عليه كان، أي موجود بلا مكان. وهذا ما ثبت عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: (كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان) كما رواه الإمام أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق. هذه هي العقيدة التي كان عليها رسول الله وصحابته الكرام والتابعون لهم بإحسان

واعلم أن الحافظ تاج الدين السبكي نقل في طبقاته ( 9/36) عن العلامة شهاب الدين ابن جهبل أنه قال: مذهب الحشوية في إثبات الجهة مذهبٌ واهٍ ساقطٌ، يظهرُ فسادُهُ من مجرّدِ تصورِهِ، حتى قالت الأئمة: لولا اغترار العامة بهم لما صرِفَ إليهم عنان الفكر، ولا قطر القلم في الرد عليهم.اهـ 

وقال الإمام أبو نصر القشيري في التذكرة الشرقية ما نصه: وقد نبغت نابغة من الرعاع لولا استنـزالهم للعوام بما يقرب من أفهامهم ويُتصورُ في أوهامهم لأجللت هذا الكتاب عن تلطيخه بذكرهم يقولون نحن نأخذ بالظاهر ونجري الآيات الموهمة تشبيها والأخبار المقتضية حدا وعضوا على الظاهر ولا يجوز أن نطرق التأويل إلى شئ من ذلك ويتمسكون ? على زعمهم ? بقول الله تعالى:{ وما يعلم تأويله إلا الله}. وهؤلاء والذي أرواحنا بيده أضر على الإسلام من اليهود وغير المسلمين والمجوس وعبدة الأوثان لأن ضلالات الكفار ظاهرة يتجنبها المسلمين وهؤلاء أَتوا الدينَ والعوامَّ من طريقٍ يغترُّ به المستضعَفون فأوحوا إلى أوليائهم بهذه البدع وأحلُّوا في قلوبهم وصفَ المعبود سبحانه بالأعضاء والجوارح والركوب والنـزول والاتكاء والاستلقاء والاستواء بالذات والتردد في الجهات فمن أصغى إلى ظاهرهم يبادر بوهمه إلى تخيل المحسوسات فاعتقد الفضائحَ فسالَ به السيلُ وهو لا يدري.اهـ نقلها الحافظ الزبيدي في الإتحاف 

بعض الآيات الدالة على التنـزيه 

أولا نذكر بعض الآيات الدالة على تنـزيه الله عن الجهة والمكان والحد والجسمية. 
قال الله تبارك وتعالى:{ ليس كمثله شىء} (سورة الشورى/11) أي أن الله تعالى لا يشبه شيئا من خلقه بوجه من الوجوه، فلو كان في مكان أو جهة لكان مشابها لبعض خلقه، فالله تعالى لا يحتاج إلى مكان يحل فيه ولا إلى جهة يتحيز فيها. 

وقال الله تعالى:{ ولله المثل الأعلى} ( سورة النحل/60) أي لله الوصف الذي لا يشبه وصف غيره. 

وقال الله تعالى:{ هو الأول والآخر والظاهر والباطن} ( سورة الحديد/3)
 قال الطبري في تفسيره ( 11/670) ما نصه: وهو الباطن، فلا شىء أقرب إلى شىء منه، كما قال:{ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} ( سورة ?/16).اهـ 

أي أن الطبري نفى القرب الحسي الذي تقول به المجسمة، أما القرب المعنوي فلا ينفيه، وهذا دليل على تنـزيه الله عن المكان والجهة. 

وقال الله تعالى:{ فإن الله غني عن العالمين} (ءال عمران/98) أي أن الله تعالى مستغنٍ عن كل ما سواه، فلو كان في مكان لكان محتاجاً له، فكيف يكون غنياً عن العالمين من يكون محتاجاً للمكان؟ 

قال الشيخ شرف الدين بن التلمساني في شرح لمع الأدلة ما نصه: ومنها قوله تعالى:{ إن الله لغني عن العالمين} ( سورة العنكبوت/6) فأثبت لنفسه الاستغناء عن جميع العالمين، والجهات والأمكنة من أجزاء العالم، فوجب إثبات تعاليه واستغنائه عن العالمين وعن كل وصف من صفات المحدثين.اهـ 

وقال الله تعالى:{ وكلُّ شىءٍ عنده بمقدار} ( سورة الرعد/8) أي أن الله تبارك وتعالى ليس داخل العالم ولا خارجه لأنه لو كان داخل العالم لكان له مقدار ولو كان خارجه لكان له مقدار، فلا مهرب من إثبات المقدار له إلا بنفي التحيز بالكون داخل العالم أو خارج العالم، لأن أفراد العالم كل فرد له مقدار. 

قال الإمام أبو منصور التميمي البغدادي في أصول الدين ما نصه: لو كان الإله مقدراً بحد ونهاية لم يخلُ من أن يكون مقداره مثل أقل المقادير فيكون كالجزء الذي لا يتجزأ، أو يختص ببعض المقادير فيتعارض فيه المقادير فلا يكون بعضها أولى من بعض إلا بمخصص خصه ببعضها، وإذا بطل هذان الوجهان صح أنه بلا حد ولا نهاية.اهـ 

 ففي هذه الآيات كفاية لمن هدى الله قلبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...