بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

النذر واليمين

النذر واليمين
-------------

الحمدّ لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيّدنا محمد أشرف المرسلين.
أما بعد فقد ورد بالإسناد المتصل أنّ رسول الله صلى عليه وسلم قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعْصِه".
النذر واليمين كلاهما إذا كان معلقا بمعصية الله فلا يجوز تنفيذه، إذا نذر شخص أن يضرب فلانا ظلما أو يهينه ظلما أو يتلف له مالا ظلما فلا يجوز له أن يفي بنذره هذا بل عليه أن يكسر هذا النذر لأنّ النذر وضع للتقرب إلى الله.
الله تبارك وتعالى يحبّ الوفاء بالنذر إذا كان ذلك النذر في ما يحب الله تعالى من نوافل العبادات كصدقة التطوع وصيام النفل والاعتكاف في المسجد وحج التطوع، النذر في ذلك كله يصح ويجب الوفاء به.
كذلك سائر القربات أي كلّ شىء فيه تقرب إلى الله من نذر أن يفعله وجب عليه أن يفعله، فإذا لم يف بنذره فهو ءاثم عند الله يستحق العذاب في الآخرة، كما أنّ النذر الذي يحبه الله تعالى هذا نذره الوفاء به فيه ثواب.
أما إذا لم يكن النذر لله تعالى فقد يكون ذلك شركا وكفرا كما لو نذر شخص لولي أو وليّة تقربا إلى ذلك الوليّ أو تلك الولية ليس بنية التقرب إلى الله تعالى هذا باطل هذا كفر، كأن ينذر إنسان لوليّ من الأولياء كالأوزاعي أو ولية من الوليات كالسيدة زينب لا بنية التقرب إلى الله بالتصدق عن روح هذا الولي أو الولية بل نبية أنّ هذا الوليّ أو هذه الولية النذر لهما يقضي الحاجات ويفرج الكربات ناسيا الله تعالى ما خطر بباله التقرب إلى الله هذا نذر فاسد محرّم يكون شركا عبادة لغير الله.
الخلق كلهم عباد الله فالأنبياء والأولياء ومن سواهم لا يستحقون أن يتذلل لهم نهاية التذلل أما الله تبارك وتعالى الذي خلقنا وخلق العالم كلّه فهو الذي يستحق أن يتذلل له نهاية التذلل.
الأنبياء والأولياء يعظمون تعظيما يليق بهم لا كتعظيم الله. فكما أنه لا يجوز الصلاة لغير الله تعالى كذلك النذر بنية التقرب إلى عبد من عباد الله تعالى لا يجوز.
كثير من الذين يزورون مقامات الأولياء بعيدون من الله كلّ البعد حتى إنهم لا يفهمون معنى لا إله إلا الله يقولونها ولا يفهمون معانيها كالذين ينذرون الشموع لتشعل عند مقام من غير أن يقصدوا التقرب إلى الله بنفع من حول هذا المقام ليستعين به في قراءة القرءان أو نحو ذلك، إنما قصدهم تعظيم صاحب البقعة بهذا الاشعال، هؤلاء شياطين ضلّوا وهلكوا لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لعن الذين يتخذون السُّرُج أي الأضواء كالشمع والكهرباء فمن أشعل الشموع عند مقام ما بسبب اعتقاده أنّ صاحب هذا المقام يقضي له الحاجات لأجل تعظيمه لمقامه أو يدفع عنه البلاء فهذا فعله مردود فيه معصية.
فمن رأى مكانا يشعل فيه الشموع في النهار من غير أن يكون هناك ظلام بل لمجرد تعظيم البقعة إن استطاع فرض عليه أن يطفىء هذا بل أن يأخذ هذه الشموع ويذهب بها يعطيها لفقير ليشعلها في بيته.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج" أما زوّارات القبور معناه النساء اللاتي يكثرن من زيارة القبور هذا قبل أن يحلّل الله زيارة القبور، لما كانت حراما على الرجال والنساء ثم بعد ذلك جاءه الوحي بالإذن فقال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها" النهي الذي كان سبق انتسخ بهذا الحديث أما اتخاذ القبور مساجد وإشعال السُّروجِ أي الأضواء على القبور بقي حراماً، الآن لا يجوز أن نبني مسجدا على قبر لتعظيم هذا القبر بالصلاة إليه حرام، يكون شبيها بعبادته لو لم يقصد الشخص عبادة هذا القبر.
فزيارة القبور بعد ما أحلّها الرسول هي جائزه للرجال والنساء وفي مذهب الإمام أبي حنيفة فيها ثواب للرجال والنساء ليس للرجال فقط وفي بعض المذاهب كمذهب الشافعي زيارة النساء للقبور ليس فيها ثواب إنما زيارة الرجال فيها ثواب الشافعية يقولون بعدما نزلت الرخصة هي جائزة للرجال والنساء إنما للرجال مسنونة أما للنساء فمكروهة ليست حراما.
ويجوز في هذه المسئلة العمل بمذهب أبي حنيفة فالمرأة إذا لم تتزين ولم تتعطر وذهبت إلى قبر مسلم فلها ثواب سواء إن كان يخصها بقرابة أم لا حتى في حال الحيض لو ذهبت فسلمت تسليما ولم تقرأ القرءان يجوز لها ثواب لأن الحيض لا يمنع من الاستغفار والصلاة على النبي والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ولا يمنع من دعاء الله تعالى.
فإذا قرأ شخص القرءان على قبر الميت دعا أو لم يدع تنزل الرحمة على هذا القبر لأنه قرأ القرءان عنده، أما إذا كانت القراءة في البيت للشخص الميّت فيدعو بعدما يقرأ أو قبل أن يقرأ يقول اللهم أوصل ثواب ما أقرأه إلى روح فلان أو فلانة أو إلى أرواح هذه الجبانة.
فالحاصل أن النّذر قسمان نذر فيه ثواب يجب الوفاء به ونذر فاسد فيه معصية لا ينفّذ لا يجوز الوفاء به.
فمن النذر الذي هو معصية ما يفعله بعض الناس في هذه البلاد تنذر المرأة أن تشحذ من الناس من أجل ولدها، تنذر فتدور على الناس لتلمّ، فالشحاذة لا تجوز إلا لضرورة، الإنسان الذي لا يجد ما يكفيه لقوته أو للباسه الضروريّ يجوز أن يشحذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصِه" وقال أيضا: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" هذا الحديث مهم جدا لأنه يدخل في أبواب كثيرة منها أن الشخص إذا أمره إنسان قريب له أو بعيد، صديق أو بغيض لا يجوز أن يطيعه في معصية الله، حتى الأمير الذي يحكم البلاد لا يجوز أن يطاع في معصية الله وكذلك الوالدان الأب والأم فكثير من الأبناء لارضاء آبائهم أو أمّهاتهم يعصون ربهم كل هذا هلاك.
الله تبارك وتعالى هو نهانا أن نطيع أحدا من خلقه في معصيته سواء كانت هذه المعصية تتعلق بظلم إنسان آخر أو غير ذلك كما أنه لا يجوز للشخص أن يتحزب لإنسان على ظلمه لإنسان آخر لو كان أمه أو أباه أو أخاه. وهذا الحديث: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" من جملة جوامع الكلم التي أوتيها نبيّنا صلى الله عليه وسلم، الله تعالى رزقه من الفصاحة والبلاغة ما لم يرزق أحدا من المخلوقين، أعطاه كلمات كثيرة كلّ واحدة تجمع معاني كثيرة هذه يقال لها جوامع الكلم.
والله أعلم.

الخميس، 17 أكتوبر 2019

تَفسِيرُ الآيةِ: ﴿ الرحمن على العرش استوى﴾[5 سورة طه] .

تَفسِيرُ الآيةِ: ﴿ الرحمن على العرش استوى﴾[5 سورة طه] .
================================
يَجِبُ أن يكونَ تفسيرُ هذه الآية بغيرِ الاستِقرارِ والجلوسِ ونحوِ ذلكَ ويَكفُر من يعتَقِدُ ذَلِكَ .
فالذي يعتقدُ أن معنى قولِ الله تعالى: ﴿ الرحمن على العرش استوى) (5) ﴾ جَلَسَ أو استقرَ أو حاذَى العرشَ يَكفُر.
لذا يَجِبُ تَركُ الحَملِ على الَظاهِر بَل يُحَملُ على مَحْملٍ مُستَقيمٍ في العُقُول ،ِ فتُحمَلُ لفظَةُ الاستِواءِ على القَهرِ ، ففي لُغَةِ العَرَبِ يُقالُ : استَوى فُلانٌ على المَمَالِكِ إذا احتَوَى على مَقَالِيدِ المُلكِ واستَعلى على الرقَابِ. ومعنى (( واستعلى على الرقَابِ )) اي استولى على الأشخاصِ اي على أهل البلد ِ.
كَقَوْلِ الشَّاعِرِ : قَد اسْتَوَى بِشْرٌ علَى العِراقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراقِ
( مهراق) تُلفظ القافُ المكسورة وكأَنَّ في ءاخرِها ياءً ولو لم تكن الياءُ مكتوبةً ، والمعنى أنه سَيطَرَ على العراقِ ومَلَكَهَا من غير حَربٍ وإراقَةِ دِمَاءٍ .
فتفسير ءاية الاستواءَ:
1- إما أن تُأوّل تأويلاً إجماليًّا فيُقَالُ: اسْتَوَى اسْتِوَاءً يَعْلَمُهُ هُوَ مَع تَنزِيْهِهِ عن اسْتِواءِ المخْلُوقِيْنَ كَالجُلوسِ والاسْتِقرارٍ
أو يقال : ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ بلا كيف ٍ.
2- وإما أن تُأوّل تأويلاً تفصيليَا فيُقَالُ: (استوى) اي قَهَرَ ، ويجوزُ أن يقولَ استولى .
فمَن شَاءَ قال: استوى استواءً يليقُ بهِ من غير أن يُفَسّرَهُ بالقهرِ أو نحوهِ فيكونُ أوَّل تأويلاً إجماليًّا، ومن شَاءَ قال: استوى أي قَهَرَ فيكونُ أوَّلَ تأويلاً تفصيليًّا.
ومعنى قَهْر الله للعرشِ الذي هو أعظمُ المخلوقاتِ : أن العرشَ تحت تصرُّف الله هو خلقَهُ وهو يحفظهُ ، يحفظُ عليهِ وجودهُ ولولا حفظُ الله تعالى له لهَوى إلى الأسفلِ فتحطَّمَ ، فالله تعالى هو أوجدَهُ ثم هو حفظهُ وأبقاهُ ، هذا معنى قَهَرَ العرشَ ، هو سبحانَهُ قاهرُ العالم كلّه ، هذه الشّمسُ والقمرُ والنّجومُ لولا أن الله يحفظُها على هذا النّظامِ الذي هي قائمةٌ عليه لكانت تهاوَت وحطَّم بعضُها بعضًا واختلَّ نظامُ العالمِ .
والإنسانُ قهرَهُ الله بالموتِ ، أيُّ مَلِكٍ وأيُّ إنسانٍ رُزِقَ عمرًا طويلاً لا يملكُ لنفسِهِ أن يحميَ نفسَهُ من الموتِ فلا بدَّ أن يموتَ .
وليُعلَم أن الاستواءَ في لغةِ العربِ له خمسة عشرَ معنًى كما قالَ الحافظُ أبو بكر بن العربيّ ومن معانيهِ : الاستقرارُ والتَّمامُ والاعتدَال والاستعلاءُ والعلوُّ والاستيلاءُ وغير ذلك ، ثم هذه المعاني بعضُها تليقُ بالله وبعصُها لا تليقُ بالله . فما كان من صفات الأجسام فلا يليق بالله .
يقولُ حسن البنّا رحمه الله تعالى في كتابِ العقائدِ الإسلاميَّةِ : ( السَّلفُ والخلفُ ليس بينهم خلافٌ على أنه لا يجوزُ حملُ ءايةِ الاستواءِ على المعنى المتبادرِ ) وهذا الكلام من جواهِرِ العلمِ .
فإن قالَ الوهَّابيُّ : ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾[طه 5 ] ( على ) أي فوق ، يقالُ لهم : ماذا تقولونَ في قولِهِ تعالى : ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [ سورة المجادلة 10 ] ؟ هل يفهمونَ من هذه الآية أن العبادَ فوق الله ؟
فإن ( على ) تأتي لعلوّ القدرِ وللعلوّ الحِسّيّ ، وقد قالَ الله تعالى مُخبرًا عن فرعون أنه قال : ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [ سورة النازعات24 ] أرادَ علوَّ القهرِ بقولِِهِ : ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ .
وقد ذَكَرَ الإمامُ أبو منصورٍ الماتريديُّ في تأويلاتِهِ في قولِهِ تعالى ﴿ ثُمَّ استوى على العرش ) [ سورة الأعراف 54] يقولُ : ( أي وقد استوى ) ، ومعناهُ أنَّ الله كانَ مستويًا على العرشِ قبلَ وجودِ السمواتِ والأرضِ ، وبعضُ الناس يتوهَّم من كلمة ( ثم ) أن الله استوى على العرشِ بعد أن لم يكن يظنُّونَ أن ثُمَّ دائمًا للتأخُّر ، ويصحُّ في اللُّغة أن يقالَ أنا أعطيتُكَ يوم كذا كذا وكذا ثم إني أعطيتُكَ قبلَ ذلك كذا وكذا ، فإن ( ثم ) ليست دائمًا للتَّأخُّرِ في الزَّمن ، أحيانًا تأتي لذلكَ وأحيانًا تأتي لغيرِ ذلك ، قال الشَّاعر :
إِنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أبُوهُ ثُمّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهْ
ويُروى عن أمّ سلمةَ إحدى زوجاتِ الرّسولِ ويروى عن سفيانَ بنِ عيينةَ ويروى عن مالكِ بن أنسٍ أنهم فسَّروا استواء الله على عرشِهِ بقولهم : الاستواءُ معلومٌ ولا يقالُ كيفٌ والكيفُ غيرُ معقولٍ .
ومعنى قولهم : ( الاستواء معلومٌ ) معناهُ معلومٌ ورودُهُ في القرءانِ أي بأنه مستوٍ على عرشِهِ استواءً يليقُ به . ومعنى : ( والكيفُ غير معقولٍ ) أي الشَّكلُ والهيئةُ والجلوسُ والاستقرارُ هذا غير معقولٍ أي لا يقبلُهُ العقلُ ولا يجوزُ على الله لأنها من صفات الأجسام .
وسُئِلَ الإمامُ أحمدُ رضي الله عنه عن الاستواء فقال : ( استوى كما أخبَرَ لا كما يَخطُرُ للبشرِ) .
وقد ثبَت عن الإمامِ مالكٍ بإسنادٍ قويّ جيدٍ أنه قال في استواء الله : ( استوى كما وَصَفَ نفسَهُ ولا يقالُ كيف وكيف عنه مرفوعٌ ) ، ولا يصحُّ عن مالكٍ ولا عن غيرِهِ من السلفِ أنه قال الاستواءُ معلومٌ والكيفيةُ مجهولةٌ، فهذه العبارةُ لم تَثبُت من حيثُ الإسنادُ عن أحدٍ من السلفِ ، وهي موهِمَةٌ معنًى فاسدًا وهو أن استواءَ الله على العرشِ هو استواءٌ له هيئةٌ وشكلٌ لكن نحنُ لا نعلمُهُ وهذا خلافُ مرادِ السلفِ بقولهم : ( والكيفُ غيرُ معقول ) . وهذه الكلمةُ قالها بعض الأشاعرة مع تنزيهِهِم لله عن الجسميةِ والتحيزِ في المكان والجهةِ وهي كثيرةُ الدورانِ على ألسنةِ المشبهةِ والوهابيةِ لأنهم يعتقدونَ أن المرادَ بالاستواءِ الجلوسُ والاستقرارُ أي عند أغلبِهم وعندَ بعضِهم المحاذاةُ فوق العرش من غير مماسة ، ولا يدرونَ أن هذا هو الكيفُ المنفيُّ عن الله عند السلفِ
ولا يُغْتَرُّ بوجودِ هذه العبارةِ في كتابِ إحياء علومِ الدينِ ونحوهِ ولا يريدُ مؤلفُهُ الغزاليُّ ما تفهمُهُ المشبهةُ لأنه مُصَرّحٌ في كتبِهِ بأن الله منزهٌ عن الجسميةِ والتحيزِ في المكانِ وعن الحَدّ والمقدارِ لأن الحدَّ والمقدارَ من صفاتِ المخلوقِ قال الله تعالى :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَار ﴾ [ سورة الرعد 8] . فالتحيز في المكان والجهة من صفات الحجم والله ليس حجمًا .
وما يوجد في بعض كتب الأشاعرة من هذه العبارة [الاستواء معلوم والكيفية مجهولة] غلطة لا أساس لها عن السلف لا عن مالك ولا عن غيره وهي شنيعة لأنها يفهم منها المشبه الوهابيّ وغيره أن الاستواء كيفٌ لكن لا نعلمه مجهول عندنا . وأما من أوردها من الأشاعرة فلا يفهمون هذا المعنى بل يفهمون أن حقيقة الاستواء غير معلوم للخلق فالوهابية تقصد بها ما يناسب معتقدها من أن الله حجم له حيّز .
والعجب منهم كيف يقولون إنّ الاستواء على العرش حسيّ ثم يصفونه بالكون مجهولا . ولعلهم يريدون بهذا هل هو قعود على شكل تربيع أم على شكل ءاخر.
فإن قيلَ : لماذا قالَ الله تعالى بأنه استوى على العرشِ على حَسَبِ تفسيرِكم بمعنى قَهَر وهو قَاهرُ كلّ شئٍ ؟
نقول لهم : أليسَ قال : ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [ سورة التوبة 129 ] مع أنه ربُُّ كلّ شئٍ؟!
وفَائِدَةِ تَخْصِيص العَرْشِ بالذّكْرِ أنَّهُ أعْظَمُ مَخلُوقَاتِ الله تَعَالى حجمًا فيُعْلَمُ شُمُولُ ما دُوْنَه مِنْ بَابِ الأَوْلَى .
قَالَ الإمَامُ عَلِيٌّ : ( إنَّ الله تَعَالى خَلَقَ العَرْشَ إِظْهَارًا لقُدْرَتِهِ ، ولمْ يَتّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ ). رواهُ الإمامُ المحدثُ الفقيهُ اللغويُّ أبو منصورٍ التميميُّ في كتابهِ التبصرة .
فإذا قلنا : "الله تعالى قهر العرش" معناهُ قَهَرَ كلَّ شئٍ وإنما خصَّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات حجمًا وهو محدود لا يعلم حده إلا الله .
وبئسَ معتقدُ ابن تيمية فإنه قال : "الله محدود لكن لا يعلم حده إلا هو" اهـ فيقال لمن يقول قوله هذا قد قلت الله محدود لكن لا يعلم حده إلا هو فقد شبهته بالعرش ؛ فإنّ العرش محدود ولا يعلم حده إلا الله ، فماذا يفيد قولكم في الله إن له حدًا لكن لا يعلم حده إلا هو؟
فإن قيلَ : كيفَ تقولونَ خَلقَهُ إظهارًا لقدرتِهِ ونحنُ لا نَراهُ ؟
نقولُ : الملائكةُ الحافُّون حولَهُ يرونَهُ والملائكةُ لما ينظرونَ إلى عِظَمِ العرشِ يزدادونَ خوفًا ويزدادونَ عِلمًا بكمالِ قدرةِ الله ، لهذا خَلَقَ الله العرشَ . وقولُ سيدنا علي الذي مرّ ذكره رواهُ الإمام أبو منصورٍ البغداديُّ في كتابه التبصرة.
وليعلم أَنَّه يَجِبُ الحَذَرُ مِنْ هؤلاءِ الذينَ يُجِيزُوْنَ علَى الله القُعُودَ علَى العَرْشِ والاسْتِقْرارِ عليه مُفَسّرينَ لِقَوله تعالى : ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾[طه 5 ] بالجُلُوسِ أو المحاذاةِ من فوق.
و هؤلاءِ هم الوهّابيّةُ في عصرنا هذا وقَبلهم أناسٌ كانوا يعتقدونَ ذلكَ كالكرامية اسلاف هؤلاء الوهّابيّةُ ففسَّروا الآيةَ بالجلوسِ فقالوا : الله تعالى قاعدٌ على العرشِ ، هؤلاءِ يجبُ الحَذَرُ منهم .
هؤلاء يحتجون بقولهم أَنَّه لا يُعقَلُ مَوْجُودٌ إلا في مَكَانٍ ، يقولون : كيفَ يكونُ موجودٌ بلا مكانٍ ، والموجودُ لا بدَّ له من مكانٍ ، يقولون الله موجود إذًا له مكانٌ ، وحجَّتُهم هذِهِ داحضةٌ باطلةٌ ؛ لأنهُ ليسَ من شرطِ الوجودِ التحيزُ في المكانِ أليسَ الله كان موجودًا قبل المكانِ والزمانِ وكلّ ما سواهُ بشهادةِ حديثِ : ( كان الله ولم يكن شئٌ غيرُهُ ) فالمكانُ غيرُ الله والجهاتُ الحجمُ غيرُ الله فإذًا صحَّ وجودُهُ تعالى شرعًا وعقلاً قبلَ المكانِ والجهاتِ بلا مكانٍ ولا جهةٍ ، فكيفَ يستحيلُ على زعم هؤلاءِ وجودُهُ تعالى بلا مكانٍ بعد خلقِ المكانِ والجهاتِ ؟!!
ومصيبةُ هؤلاءِ أنهم قاسوا الخالقَ على المخلوقِ ؛ قالوا : كما لا يُعقَلُ وجودُ إنسانٍ أو مَلَكٍ أو غيرِ ذلكَ من الأجسامِ بلا مكانٍ يستحيلُ وجودُ الله بلا مكانٍ فَهَلَكوا .
وزعموا أيضًا أنَّ قَوْلَ السَّلَفِ استوى بلا كَيْفٍ مُوافِقٌ لذَلِكَ وَلم يَدْرُوا أنَّ الكَيْفَ الذي نَفَاهُ السَّلَفُ هُوَ الجُلُوسُ والاسْتِقْرارُ والتّحَيُّزُ إلى المَكَانِ والمُحَاذاةُ وكلُّ الهيئاتِ من حركةٍ وسكونٍ وانفعَالٍ .
فالمحاذاةُ والجلوسُ والاستقرارُ هذا الكيفُ الذي نفاهُ السَّلفُ الذين قالوا في قوله تعالى : ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ [طه 5 ] استوى بلا كيفٍ ، ومرادُهُم بقولهم بلا كيفٍ ليسَ استواءَ الجلوسِ والاستقرارِ والمحاذاةِ . المحاذاةُ معناهُ كونُ الشّئِ في مقابلِ شئٍ ، فنحنُ حينَ نكونُ تحتَ سطحٍ فنحنُ في محاذاتِهِ ، وحينَ نكونُ في الفضاءِ نكونُ في محاذاةِ السماءِ ، والسماءُ الأولى تحاذي السماءَ التي فوقَها ، والكرسيُّ يحاذي العرشَ ، والعرش يحاذي الكرسيّ من تحت ، والله تَعَالَى لا يجوزُ عليهِ أن يكونَ مضطجِعًا عليهِ ولا أن يكونَ في محاذاتِهِ ، إذ المحاذي إما أن يكونَ مساويًا للمحاذَى وإما أن يكونَ أكبر منهُ وإما أن يكونً أصغر منهُ ، وكلُّ هذا لا يصحُّ إلا للشّئ الذي له جِرمٌ ومساحةٌ والذي له جِرمٌ ومساحةٌ محتاجٌ إلى من رَكَّبَهُ ، والله منزَّهٌ عن ذلك ، سبحانه وتعالى عما يصفون علوا كبيرا

الأربعاء، 16 أكتوبر 2019

القناعةُ كنزٌ لا يفنى

قالَ المُحَدِّثُ الشَّيْخُ عَبْد الله الهَرري رحمه اللهُ تَعَالى
الحمد لله ربِّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلواتُ اللهِ البرِّ الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرفِ المرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيّين والمرسلين
أما بعدُ، فقد رُويَ بإسنادٍ ضعيفٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ "القناعةُ كنزٌ لا يفنى"
معنى هذا الحديثِ كأنّها كنزٌ لا يفنى، معناهُ يبقى إلى آخرِ الدُّنيا، كأنَّه كَنزٌ يَبقَى إلى آخرِ الدُّنيا، القَناعةُ غِنى القَلبِ،
عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "علَيكُم بالقَناعَةِ فَإنّ القَناعَةَ مَالٌ لا يَنفَدُ" رواه الطبراني.
القَلبُ يَرتاحُ بالقَناعَةِ أمّا إذا كانتِ النّفسُ لا تَقْنَعُ بالقَليلِ تكونُ دائماً في تَفكيرٍ، الذي نَفسُهُ لا تَقنَعُ بالقَليلِ منَ الرِّزقِ هَمُّهُ دائِمًا بالمالِ، كيفَ يزيدُ مَالُه، هؤلاءِ الأغنياءُ أكثَرُهم كُلّمَا غَنوا يَطمَعُونَ بالزيادةِ إلى أنْ يموتُوا وهُم على ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَو كانَ لابنِ ءادَمَ وادٍ مِنْ ذَهَب لَتَمَنّى أَن يَكونَ لهُ وادِيانِ ولا يَملأُ فَمَهُ إلا التُّراب".
(عن أنسٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"لَو أَنَّ لابنِ آدَمَ وادِياً مِن ذهَب أحَبَّ أنْ يَكونَ لهُ وادِيان ولَن يملأَ فَاهُ إلا التُّراب ويَتُوبُ اللهُ على مَن تَابَ"رواه البخاري ومسلم)
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا قَلَّ وكَفَى خَيرٌ مما كَثُرَ وأَلْهَى" رواه أحمد والطبراني وغيرهما.
أمّا الذينَ غَلَبَتْ علَيهِمُ القَناعَةُ وحُبُّ الآخِرةِ إذا كَثُرَ المالُ عندَهم يتَضَايَقُونَ ولا تَرتاحُ نفُوسُهم حتى يُفرِّقوهُ، هَذا شَأنُ الأولياءِ الذينَ امتَلأتْ نفُوسُهم قَناعَةً وزُهداً. لمّا تُدَكُّ الأرضُ الكُنوزُ تَندَكُّ والجبالُ أيضًا تُنسَفُ تصِيرُ كالغُبارِ النَّاعِمِ وتَطِيرُ في الجَوِّ، الذي ينظُرُ إليها من كَثْرَتِها يَظُنُّها جَامِدةً وهي تَمُرُّ مُروراً سَريعًا، والسّمواتُ يومَ القيامَةِ فَناؤها بِتَشَقُّقِها وتَغَيُّرِ لونِها، اليومَ لونُها أخضَرُ خفِيفٌ ومَلساءُ ما فيها خُروقٌ ولا جبالٌ ولا وِهادٌ بل هيَ مُستويةٌ، لكنْ يومَ القيامةِ تتشقَّقُ يصيرُ فيها شُقُوقٌ، هنا شَقٌّ وهنا شَقٌّ وهنا شَقٌّ، ولونُها يَصِيرُ كالجلدِ الأحمرِ كالجلدِ الذي دُبِغَ أحمرَ، ثم في النهايةِ تُرمى في الجنةِ، أمّا هذه الأرضُ بَعدمَا يَنتَهِي حِسابُ الخلقِ علَيها تُرمَى في جهَنّمَ حتى تَزيدَ الكُفّارَ وَقُودًا. لا تُصَدِّقوا قولَ الجُغرافِيّينَ الذينَ يقولونَ عن هذا اللونِ الذي نراهُ إنّهُ انعِكاسُ لونِ البحرِ إنّما هذا اللّونُ الذي يَظهَرُ لما يكونُ صَحْوٌ تامٌّ هوَ لَونُ السّماءِ هؤلاءِ الجغرافيّونَ ماذا يعرِفونَ مِنَ العَالمِ يعرفونَ ظاهِرَ هذِه الأرضِ التي يتَجَوّلُونَ فيها، فالذي يَتبعُهُم في كُلِّ كلامِهم يخرُجُ مِنَ الإسلامِ لأنهم لا يَعتقِدُونَ بوجُودِ الجنّةِ ولا النارِ ولا بوجودِ السمواتِ والأرضِين. ثم الأرضُ لمّا تَنشَقُّ القُبورُ على أَصحابِها يَخرُجونَ ويُحشَرونَ، ولمّا يَخرجونَ كلُّهم منْ قُبورِهم الله يَنقُلُهم إلى مكانٍ قُربَ الصِّراطِ في ظُلْمَةٍ، بقُدرةِ اللهِ يَكونونَ محمُولينَ بعدَ أنِ انفَصَلوا عنِ الأرضِ، الأرضُ تُدَكُّ وتُبَدَّلُ غيرَها ثم يَصِيرُ لونُها غَيرَ هذِه، لَونُها يَصِيرُ كالفِضَّةِ ليسَ فيهَا جِبالٌ ولا وِهَادٌ ولا أشْجَارٌ يُستَظَلُّ تحتَها، والشّمسُ تكُونُ قَرِيبةً مِن رؤوسِ الناسِ لا تَستَقِرُّ في مَدارِها الذي تكونُ فيهِ اليومَ، أكثَرُ البشَرِ يتضَايَقُونَ مِن حَرِّها، مِن شِدَّةِ حَرِّها يتكَلّمُونَ فيما بينَهم فيقُولونَ تعالَوا لنَذهَبَ إلى أَبِينَا آدمَ لِيَشفَعَ لنَا حتى نَرتاحَ من هذا الموقفِ فيذهبونَ إلى آدمَ ثم آدمُ يُحِيلُهم إلى نُوحٍ ثم نوحٌ يُحِيلُهم إلى إبراهيمَ ثم إبراهيمُ يُحيلُهم إلى موسَى ثم موسَى يُحِيلُهم إلى عيسى ثم عيسَى يُحِيلُهم إلى سيّدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ثم يَكونُ الحسَابُ ثم لمّا يَفرغُ اللهُ مِن حِسابِهم يَذهَبُ فَرِيقٌ إلى الجنةِ وفَريقٌ إلى النارِ، بعدَ ذلك هذه الأرضُ تُرمَى في جَهنّمَ وقَد ورَدَ في حديثٍ ضعيفِ الإسنادِ "أنّ المسَاجدَ تُزَفُّ إلى الجنّةِ كمَا تُزَفُّ العروس" أمّا روضَةُ سيدِنا محمّد التي مِن قَبرِه إلى مِنبَرِه فهذِه لا شَكّ تكونُ في الجنّةِ هذا يقِينٌ مؤكَّدٌ وجَبلُ أُحُد يكونُ في الجنّةِ كذَلكَ.
الخواصُّ مِن خَلقِ اللهِ يرَونَ مَا لا يراهُ الآخَرونَ ويَشَمُّون مَا لا يَشَمُّه الآخَرُونَ، بعضُ الحُجّاج لما يَذهَبُونَ إلى المدينةِ يرَونَ في الفضَاءِ أَنوارًا مُتلاطِمةً نُورًا أَحمرَ ونُورًا أَصفَرَ ونُورًا أَخضَرَ ونُورًا أًبيضَ.
كانَ في رأسِ بيروتَ رَجُلٌ كانَ مِنَ الأتقياء من ءَال عيتاني ماتَ منذُ أَكثَر مِن عِشرينَ سَنةً (تقريبًا منتصف السبعينات) كانَ عَسكَرِيّا أيامَ السّلطان عبد الحمِيد رحمه الله، قالَ مكَثْنَا في المدينة ثمانيةَ أَشهُر فذهَبتُ إلى مَوضِع القَبر الشّريف فأَدخَلتُ يَدِي في فُتُحاتِ الحدِيد مِن دُونِ أَن أمَسَّ الحديدَ فظَلّ الطِيبُ في يَدِي خَمسةَ عشَرَ يَومًا لا يُفارقُ يَدِي أَتوَضّأ وأغسِلُ يدِي بالصّابون ولا تَذهَبُ الرائحَة.
وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِين

تأويل المجيء بأنه مجيء أمره :

تأويل المجيء بأنه مجيء أمره :

معلوم من عقيدة أهل السنة أن كل متغير من حال إلى حال فهو حادث ولذا فلا يجوز تفسير قوله تعالى (وجاء ربك )بأنه انتقال ولذا تأوله أهل السنة والجماعة كالامام أحمد وغيره بأنه مجيء أمره

فقد روى الحافظ البيهقي في كتابه مناقب أحمد ،وهو كتاب مخطوط نقل عنه ابن كثير في البداية والنهاية فقال ” روى البيهقي عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأوَّل قول الله تعالى (وجاء ربك) أنه : جاء ثوابه .. ثم قال البيهقي وهذا إسناد لا غبار عليه ”.انتهى كلام ابن كثير من غير انتقاد للرواية . البداية والنهاية (10/327) وشهادة الإمام البيهقي -وهو من هو- بصحة هذا السند وهذه الرواية عن الإمام أحمد تدل دلالة لا شك فيها أن الإمام قد أخذ بالتأويل عند وجود دواعي ذلك ..

وكذلك سكوت ابن كثير ،وعدم انتقاده للرواية يدل على تسليمه بصحتها، فراجع البداية والنهاية.

وكذلك من تأويلات الإمام أحمدأيضاً: ثبت أن الإمام أحمد أول الإتيان في قوله تعالى {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة }فقال الإمام أحمد : إنما يأتي أمره . وهو أثر صحيح السند.

تأويل النسيان في حق الله

أوّل النسيان الوارد في قوله تعالى (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) سورة الأعراف <51>
بأنه التَّرْك ..كما قال الطبري ” أي ففي هذا اليوم وذلك يوم القيامة ننساهم - يقول نتركهم في العذاب ”
وهو تأويل صريح من ابن جرير للنسيان بأنه الترك.. وهو صرف لمعنى هذا اللفظ عن ظاهره المعهود وهو الذهول إلى معنى مجازى ونقل ابن جرير هذا التأويل الصارف عن الظاهر،
ورواه بأسانيده عن ابن عباس ومجاهد وغيرهم .
ومعلوم أن المتبادر إلى الذهن عند إطلاق النسيان في كلام العرب على الحقيقة في اللغة أنه الذهول ،ولكن لما كان هناك قرائن على أن المقصود ليس هو الذهول ،ومن أعظمها أن ذلك موجب لنقص الله ،صرف عن ظاهره إلى معنى آخر سائغ وهو الترك .
فالمقصود أن أصل النسيان في اللغة يأتي بمعنى الذهول ولكن له معنى آخر مجازي وهو الترك فحُمل عليه في الآيات ، فماهو موجب حمل النسيان على الترك لا على الذهول ؟!
فإذا قلنا لأن الذهول لا عقاب عليه . فهذا جواب صحيح بالنسبة للعبد، لكن بالنسبة للخالق ماهو الصارف؟
فجوابه: بلا ريب أن ذلك المعنى لا يجوز على الله وهذا هو المراد .

تأويل الساق: معنى الساق

تأويل الساق: معنى الساق على الحقيقة في لغة العرب هي عضو أسفل الركبة ولأن الله سبحانه وتعالى منزه عن الجوارح والأعضاء والأطراف فقد صرفها الصحابة عن هذا المعنى الباطل إلى معتى صحيح في لغة العرب ولآئق بالله تعالى فساق الله هي أمره الشديد أو العظيم ففي تفسير سورة القلم
قال الامام ابن جريرالطبري رحمه الله تعالى يقول تعالى ذكره( يوم يكشف عن ساق )
قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس( يوم يكشف عن ساق ) قال: هو يوم كرب وشدة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن ابن عباس( يوم يكشف عن ساق ) قال: عن أمر عظيم كقول الشاعر:وقامت الحرب بنا على ساق .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم( يوم يكشف عن ساق ) ولا يبقى مؤمن إلا سجد، ويقسو ظهر الكافر فيكون عظما واحدا.وكان ابن عباس يقول: يكشف عن أمر عظيم، ألا تسمع العرب تقول:وقامت الحرب بنا على ساق. انتهى
وأسند البيهقي الأثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما حسن كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح وقال ابن عباس لما فسرها بذلك : إذا خفي عليكم شيء من القرءان فابتغوه من الشعر .
وفي الحديث (( يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنه )
و قوله تعالى ((يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون)
فالمؤمنون يسجدون له والمنافقون لا يستطيعون ،وهذا المعنى موجود في الآية وكذلك في الحديث ،
فهو سجود حين يكشف عن ساقه جل جلاله ، و معنى ساق الرب قد بينه الصحابة بأنه شدته ،
ولذا فسرها كذلك ابن كثير وساق فيها عند تفسير الآية الحديث السابق مستشهداً بذلك على أن المعنى فيهما واحد.

تأويل ابن عباس رضي الله عنهما للكرسي بالعلم:

تأويل ابن عباس رضي الله عنهما للكرسي بالعلم:

جاء في تفسير الطبري (3 / 7) عند تفسيره لآية الكرسي ما نصّه (اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السموات والأرض، فقال بعضهم: هو علم الله تعالى ذكره.... وأما الذي يدُلُّ على ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير أنه قال: هو علمه..) اه

تأويله رضي الله عنه لمجيء الرب جلّ وعزّ:

جاء في تفسير النسفي رحمه الله تعالى (4 / 378)عند قوله تعالى ( وجاء ربك والمَلَك صفّاً صفَّا ) ما نصّه (هذا تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه، فإن واحداً من الملوك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور عساكره وخواصّه،

وعن ابن عباس: أمره وقضاؤه) اهـ.

ونقل الإمام القرطبي نحو هذا عن الحسن البصري، وقال هناك نقلاً عن بعض الأئمة ما نصّه (تفسير القرطبي 20 / 55):

تأويله رضي الله عنه للفظ (الأيد):

قال تعالى ( والسماء بنيناها بأييد )قال رضي الله عنه: بقوّة وقدرة (القرطبي17 / 52).

تأويله رضي الله عنه لقوله تعالى ( الله نور السموات والأرض )

جاء في تفسير الطبري (18/135) ما نصّه

( عن ابن عباس قوله ( الله نور السموات والأرض ) يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض ).

تأويله رضي الله عنه لنصوص (الوجه):

قال تعالى ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) قال رضي الله عنه: الوجه عبارة عنه.

وقال القرطبي في تفسيره: أي ويبقى الله فالوجه عبارة عن وجوده وذاته سبحانه.. وهذا الذي ارتضاه المحققون من علمائنا ابن فورك وأبو المعالي وغيرهم.. وقال أبو المعالي: وأما الوجه المراد به عند معظم أئمتنا وجود الباري تعالى (القرطبي 17 / 165).

تأويله رضي الله عنه للفظ (الساق):

قال تعالى ( يوم يُكشف عن ساق ) قال رضي الله عنه: عن كرب شديـد (الطبري 29 / 38، القرطبي 18 / 249).

قال الإمام الألوسي رحمه الله تعالى: (وبالجملة لا يمكن إبقاء الكلام على حقيقته لتنزهه عزّ وجلّ من الجنب بالمعنى الحقيقي، ولم أقف على عدِّ أحـد من السلف إياه من الصفات السمعية) اه

هذا هو سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما وناهيك بابن عباس فقهاً وعلماً بالقرآن والتنزيل، وهو الذي دعـا له رسول الله ‘بقوله: (اللهمّ فقّهه في الدين وعلمه التأويل) وهو حبر الأمة وترجمان القرآن.

هذا والذي ذهب إليه الأشاعرة والماتريدية في هذه النصوص هو عين ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإن جاز اتهام الأشاعرة والماتريدية بالتعطيل والابتداع، جاز ذلك على سيدنا ابن عباس - معاذ الله -

وحاشاه أن يقول في الله تعالى ما ليس له به علم.

تأويل مجاهد والسدي للفظ (الجنب):

تأويل مجاهد والسدي للفظ (الجنب):

جاء في تفسير الطبري رحمه الله (24 / 19)عند قوله تعالى ( أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب الله )

قال مجاهد: في أمر الله، وقال السدي: على ما تركت من أمر الله.

تأويل الضحاك وقتادة وسعيد بن جبير للفظ (الساق):

جاء في تفسير الطبري (29 / 38 – 39) عند قوله تعالى ( يوم يُكشف عن ساق ) قال الضحاك: هو أمر شديد، وقال قتادة: أمر فظيع وشدّة الأمر،

وقال سعيد: شدة الأمر.

وقال الإمام الطبري قبل هذا بأسطر: (قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد) اهـ.

تأويل سفيان الثوري وابن جرير الطبري للاستواء:

قال الإمام الطبري (1 / 192)فيتفسيرقوله تعلى ( ثم استوي إلى السماء ) بعد أن ذكر معاني الاستواء في اللغة، ما نصّه: (علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته....علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال)

وأوّل سفيان الثوري الاستواء على العرش: بقصد أمره، والاستواء إلى السماء: بالقصد إليها (مرقاة المفاتيح 2 / 137).

تأويل مجاهد والضحاك وأبي عبيدة للفظ (الوجه):

قال تعالى ( فأينما تولُّوا فثم وجه الله ) قال مجاهد رحمه الله: قبلة الله. (الطبري 1 / 402، الأسماء والصفات للبيهقي ص/309،

وصححه المجسم ابن تيمية عنهما كما في العقود الدرية ص/247ـ248)

وقال الضحاك وأبو عبيدة في قوله تعالى ( كلُّ شـئ هالك إلا وحهه ) أي إلا هو (دفع شبه التشبيه ص / 113).

تأويل الإمام الشافعي رضي الله عنه للفظ (الوجه):

حكى المزني عن الشافعي في قوله تعالى (فثم وجه الله) قال: يعني والله أعلم فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه. (الأسماء والصفات للبيهقي ص/309

تأويل الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه لحديث النزول:

سئل الإمام مالك - رحمه الله - عن نزول الرب عزّ وجلّ، فقال (ينزل أمره - تعالى - كل سَحَر، فأما هو عزّ وجلّ فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل سبحانه لا إله إلى هو) اهـ.

(التمهيد 7 / 143، سير أعلام النبلاء 8 / 105، الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني ص/136، شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 37، الإنصاف لابن السيد البطليوسي ص / 82

تأويل الإمام أحمد رضي الله عنه مجيء الله تعالى:

جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير (10 / 361) ما نصّه:

(روى البيهقي عن الحاكم عن عمرو بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأوّل قول الله تعالى ( وجاء ربك ) أنه جاء ثوابه.

ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه

ونقل الحافظ ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى عن الإمام أحمد في قولـه تعالـى: ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) أنه قال: المراد به قدرته وأمره. قال: وقد بيّنه في قوله تعالى ( أو يلأتى أمر ربك ) ومثل هذا في القرآن ( وجاء ربك ) قال: إنما هو قدرته. (دفع شبه التشبيه ص/ 141).

تأويل الحسن البصري رضي الله عنه:

قال رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: ( وجاء ربك ) جاء أمره وقضاؤه. وعن الكلبي: جاء حكمه (تفسير البغوي 4 / 454).

وعنه رضي الله عنه في قوله تعالى ( أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله )
قال:في طاعة الله. (انظر روح المعاني تفسير الآية 56 من سورة الزمر

تأويل الإمام البخاري رضي الله عنه للضحك:

قال الإمام البيهقي - رحمه الله تعالى - في كتـاب " الأسمـاء والصفـات " (ص / 470): (باب ما جاء في الضحك.. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة..." قال: قال البخاري معنى الضحك الرحمة.

قال الحافظ ابن حجر (فتح الباري 6 / 486) مؤكداً مؤيداً لما ذهب إليه أبو سليمان الخطابي والأعلام المنزهون العارفون بالله تعالى:

(قلت ويدلّ على أن المراد بالضحك الإقبال بالرضا تعديته بـ " إلى "، تقول: ضحك فلان إلى فلان. إذا توجّه إليه طلْق الوجه مظهراً للرضا به)

فهؤلاء هم سلف الأمة وكلهم منزهة ... ولا علاقة لهم بالحشوية الذين يزورون وينتحلون شخصية أهل السنة ليروجوا لعقائد التجسيم .

افتراءات الوهابية

افتراءات الوهابية
من جملةِ ما يفترونه على الأئمة تفسيرُهم قولَ الإمامِ مالكِ بن أنس رضي الله عنه "الاستواءُ معلومٌ والكيف غيرُ معقول". وحديثُ الإمام مالكٍ هذا مشهور عنه، رواه البيهقي في الأسماء والصفات وغيره.
المعنى واضح، أما الوهابية فيلجَئون إلى رواية لا تصح عنه وهي لفظةُ "والكيفُ مجهولٌ"، وتفسّرها الوهابية بأن الكيف موجود لكنه مجهول لا نعرفه، والعياذ بالله.
هذا كفر فظيعٌ ومعناه أن الله متكيِّفٌ وهذه صفات المخلوقات، ولا يصح هذا عن الإمام مالك.
أما من أوردها من الأئمة فعلى معنى "الحقيقة"، لأنها وردت في اللغة بمعنى الحقيقة، قال الشاعر:
كيفيةُ المرءِ ليسَ المرءُ يُدركها ... فكيف كيفيّةُ الجبارِ في القِدَمِ
هنا الكيفية تعني الحقيقة بلا أدنى شك، لأن المرءَ يعرفُ كيفيتهُ وإنما المراد حقيقتُه كما هو واضح.
فالذين أوردوا عبارة "والكيف مجهول" من الأئمة مرادهم هذا، وإن كان لا يصح استعمال هذه العبارة لأن ظاهرها موهم وهو وهم مدفوع بالدليل الشرعي الصحيح.
والقاعدة تقول إن الجمع بين الأدلة واجب وإن الجمع مقدَّمٌ على الترجيح بالإجماع كما نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وكما قال الحافظ العراقي في ألفيته:
وخيرُ ما فسّرتَه بالواردِ .... كالدُخِ بالدُخَانِ لابن صائدِ
فلا مجال لهم بالتمسك بعبارة مروية لا تصح، ثم تفسيرها بعبارة أخرى عن الإمام مالك حرّفوا معناها وهي قوله "والكيفُ غيرُ معقول"، يقولون يعني أن الكيف موجود لكن نحن لا نعقله، نحن لا ندركه، هكذا يفسرونها والعياذ بالله.
والرد عليهم بأن يقال:
أولا: عبارة "الكيف مجهول" لا تصح
ثانيا: عبارة "الكيف غير معقول" تعني لا يُتَصَوّر في حق الله، كما أنه لا يُعقَلُ شريكٌ لله، فلو قال الإمام مالك: "الشريك لله غير معقول" هل كانوا يفسرونها بأن لله شريكا لكن نحن لا نعقله، نحن لا ندركه؟
ثالثا: عبارة "والكيفُ مرفوع" صحيحة عن الإمام مالك وهي تزيل كلَّ إشكال وتُبطل حجج الوهابية، لأنّ المرفوع معناه غير موجود، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يحتلم"
وكذلك رواية: "رُفِعَ عن أمتي الخطأ والنسيانُ وما استكرهوا عليه"، فهاتان الروايتان معناهما أن المحاسبة غير موجودة، وكذلك عبارة "والكيف مرفوع" أي غيرُ موجود.
فالجمع - على سبيل التنزل ومجاراة الخصم - يدل على أن المراد من كلمة "غير معقول" أي مستحيل لا يُتصوَّر غير موجود، كما تبيّنه الكلمة الأخرى "مرفوع".
أما عبارة "والكيف مجهول" فلا داعي للخوض فيها أكثر من هذا وقد ظهر الحق، مع العلم بأنها لا تصح عن الإمام مالك.
وبالنصوصِ الآتيةِ يظهر تدليسُ الوهابيةِ المجسمةِ:
1- قول الإمام الحافظ الخطابي كما نقله عنه في الفتح:
وليس قولنا إن الله على العرش أي مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته بل هو خبر جاء به التوقيف، فقلنا به (((ونفينا عنه التكييف))) إذ ليس كمثله شىء وبالله التوفيق.انتهى
فالتكييف ذاته منفي لا اسم الاستفهام بمعنى أنه لا نقول "كيف" كما زعمت الوهابية
2- قول الإمام الكبير البغوي كما نقله في تحفة الأحوذي:
وقال البغوي في شرح السنة: القدم والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات الله (((المنزهة عن التكييف والتشبيه))).انتهى
3- قول القاضي عياض: (((واتفقوا على تحريم التكييف)))
إذن فالتكييف ممتنع بالإجماع، بخلاف ما يفترونه أن الله له كيف لكن مجهول ، (هذا قول هؤلاء المجسمة قاتلهم الله) .
4- قول الإمام العظيم الحافظ ابن عساكر رضي الله عنه في تبيين كذب المفتري:
فإذا وجدوا – أي أتباع الإمام الأشعري - من يقول بالتجسيم (((أو التكييف من المجسمة والمشبهة))) ولقوا من يصفه بصفات المحدثات (((من القائلين بالحدود والجهة))) فحينئذ يسلكون طريق التأويل ويثبتون تنزيهه بأوضح الدليل ويبالغون في إثبات التقديس له والتنزيه خوفا من وقوع من لا يعلم في ظلم التشبيه فإذا ءامنوا من ذلك رأوا أن السكوت أسلم وترك الخوض في التأويل إلا عند الحاجة أحزم وما مثالهم في ذلك إلا مثل الطبيب الحاذق الذي يداوي كل داء من الأدواء بالدواء الموافق فإذا تحقق غلبة البرودة على المريض داواه بالأدوية الحارة. انتهى
فالتكييف صفة المجسمة المشبهة وليس صفةَ علماء أهل السنة، فكذبهم مكشوف والحمد لله.
5- قول الحافظ ابن حجر العسقلاني عن حديث النزول:
ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمنا به على طريق الإجمال (((منزها الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف)))، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانَين والحمادَين والأوزاعي والليث وغيرهم.انتهى
فهذا نص صريح عن السلف أنهم "نزّهوا الله" عن الكيف، والتنزه في اللغة يعني التقدُّس والتطهّر من كذا، فالحق واضح.
6- إقرار النووي والإمام السيوطي للإجماع الذي نقله القاضي عياض على تحريم التكييف، وهذا يدل على أنه إجماع معتبر حق.
7- وهي القاضية، قول إمامهم ابن عبد البر في التمهيد عند ذكر حديث النزول:" ليس نزوله بذاته بشىء "عند أهل الفهم" من أهل السنة لأن هذا كيفية."انتهى
والله تعالى أعلم وأحكم

قول الإمام مالك : عن آية : الرحمن على العرش استوى

قول الإمام مالك : عن آية : الرحمن على العرش استوى

قال عبد الله بن وهب :كنّا عند مالك بن أنس ودخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى ) كيف استواؤه ؟

فأطرق مالك وأخذته الرُّحَضاء ثمّ رفعَ رأسه فقال :الرحمن على العرش استوى ) كما وصفَ نفسَه ولا يُقال له كيف ، وكيف عنه مرفوع. وأنت رجلُ سوء صاحبُ بدعةٍ أخرجوه. فأخرج. صحيفة 9 مِنْ كتاب دفْعُ شُبَهِ مَنْ شبّهَ وتمرّد

ونسبَ ذلك إلى السّيّد الجليل الإمام أحمد للإمام تقيّ الدين أبي بكر الحصني الدّمشقي المُتوفّى سنة 829 هجرية . النّاشر المكتبة الأزهرية للتراث _خلف الجامع الأزهر _مصر

الرُّحَضاء: عرَق يغْسلُ الجِلْدَ لكثْرته كذا من النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير

قلت:والكيف كلّ ما كان من صفات الخلق كالجلوس والاستقرار والقعود والحركة والسكون والشكل والهيئة والتغير والكون فى جهة أو مكان.

وسئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء فقال : هو كما أخبر لا كما يخطر للبشر.

معناه الاستواء الذى يليق بالله ليس الجلوس والاستقرار والكون فى الجهة أو المكان

وسُئل الإمام الشافعي رضي الله عنه عن الإستواء فقال:آمنتُ بلا تشبيه ،وصدّقتُ بلا تمثيل واتهمتُ نفسي في الإدراك وأمسكتُ عن الخوضِ فيه كلَّ الإمساك)

صحيفة 17 و 18من كتاب دفعِ شُبَه مَنْ شبّه وتمرّد ونسبَ ذلك الى السّيّد الجليل الإمام أحمد للإمام تقيّ الدّين الحصني

ولم يثبت عن مالك ولا عن غيره من السلف بإسناد صحيح أنه قال : (( الاستواء معلوم والكيفية مجهولة

)) ، وإنما الصحيح الذي رواه البيهقي في (( الأسماء والصفات )) من طريق عبد الله بن وهب ويحيى بن يحيى قال البيهقي : (( أخبرنا أبو عبد الله ، أخبرني أحمد بن محمد بن إسمعيل بن مهران ، ثنا أبي ، حدثنا أبو ربيع ابن أخي رشدين بن سعد ، قال : سمعت عبد الله بن وهب يقول : كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال : يا أبا عبد الله ، الرحمن على العرش استوى كيف استواؤه ؟ قال : فأطرق مالك وأخذته الرُّحَضاء ثم رفع رأسه فقال : الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ، ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع ، وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه ، قال : فأخرج الرجل .

أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه الأصفهاني ، أنا أبو محمد عبد الله بن جعفر حيان المعروف بأبي الشيخ ، ، ثنا أبو جعفر ابن زيرك البزي ، قال : سمعت محمد بن عمرو بن النضر النيسابوري يقول: سمعت يحيى بن يحيى يقول : كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال : يا أبا عبد الله ، الرحمن على العرش استوى فكيف استوى ؟ قال : فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ، ثم قال :

(( الإستواء غير مجهول . والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وما أراك إلا مبتدعا )) .فأمر به أن يخرج .

وروي في ذلك أيضا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس رضي الله عنه تعالى عنهما )) .اهـ .

وأما تلك الرواية التي تنسب لمالك فليس لها إسناد صحيح ، وإنما يلهج بها المشبهة لأنها وافقت هواهم الذي هو التشبيه ، لأن اعتقادهم أن استواءه كيف لكن لا نعلمه ، وهذا إثبات للكيف لا تنزيه لله عن الكيف .

وقد جوّد الحافظ ابن حجر في (( الفتح )) رواية ابن وهب .

ويُروى عن أم سلمة إحدى زوجات الرسول ويروى عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك بن أنس أنهم فسروا استواء الله على عرشه بقولهم : الاستواء معلوم ولا يقال كيف والكيف غير معقول .

ومعنى قولهم : (( الإستواء معلوم )) : معناه معلوم وروده في القرءان أي بأنه مستو على عرشه استواء يليق به ،

ومعنى(( والكيف غير معقول )) : أي الشكل والهيئة والجلوس والاستقرار هذا غير معقول أي لا يقبله العقل ولا تجوز على الله لأنها من صفات الأجسام ، وسئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء فقال : (( استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر)) .

وأما عبارة (( الكيفية مجهولة )) أو (( الكيف مجهول )) فلم تثبت بإسناد صحيح عن أحد من السلف ، وهي موهمة معنًى فاسداً وهو أن استواء الله على العرش هو استواء له هيئة وشكل لكن نحن لا نعلمه وهذا خلاف مراد السلف بقولهم : ((والكيف غير معقول )).

وهذه الكلمة كثيرة الدوران على ألسنة المشبهة والوهابية لأنهم يعتقدون أن المراد بالاستواء الجلوس والاستقرار أي عند أغلبهم وعند بعضهم المحاذاة فوق العرش من غير مماسة، ولا يدرون أن هذا هو الكيف المنفي عن الله عند السلف .

قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء ما نصه : (( وقال ابن اللبان في تفسير قول مالك : قوله(( الكيف غير معقول )) : أي كيف من صفات الحوادث ، وكل ما كان من صفات الحوادث فإثباته في صفات الله تعالى ينافي ما يقتضيه العقل ، فيجزم بنفيه عن الله تعالى ، قوله : (( والاستواء غير مجهول )) أي أنه معلوم المعنى عند أهل اللغة ،(( والإيمان به )) على الوجه اللائق به تعالى (( واجب )) لأنه من الإيمان بالله وبكتبه )) اهـ

\

وأما معنى من قال من الأئمة : (( أمروها كما جاءت بلا كيف )) في بعض النصوص التي ظواهرها إثبات الجسمية أو صفات الجسمية كحديث النزول : أي ارووا اللفظ ولا تعتقدوا تلك الظواهر التي هي من صفات الجسم، فالأئمة مرادهم نفي الجسمية وصفاتها عن الله أي أن هذه النصوص ليس معانيها الجسمية وصفاتها من حركة وسكون لأن الله تعالى نفى الجسمية وصفاتها عن نفسه بقوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ، وأراد الأئمة رد تلك النصوص إلى هذه الآية المحكمة، أما الوهابية فيريدون بذلك إثبات الكيف لله لكن يموهون على الناس بقولهم إن هذه النصوص محمولة على الجسمية وصفات الجسمية لكن لا نعرف كيفية تلك الكيفية .

ولزيادة تفصيل نقول :

مراد أهل السنة بقولهم (( بلا كيف )) : أي ليس استواءَ الجلوس والاستقرار والمحاذاة ، فالمحاذاة معناه كون الشئ في مقابل شئ ، فنحن حين نكون تحت سطح فنحن في محاذاته ، وحين نكون في الفضاء نكون في محاذاة السماء ، والسماء الأولى تحاذي السماء التي فوقها ، والكرسي يحاذي العرش ، والعرش يحاذي الكرسي من تحت ، والله تعالى لا يجوز عليه أن يكون هكذا على العرش محاذيا له فلا يجوز أن يكون جالسا عليه ولا أن يكون مضطجعا عليه ولا أن يكون في محاذاته ، إذِ المحاذي إما أن يكون مساويا للمحاذى وإما أن يكون أكبر منه وإما أن يكون أصغر منه ، وكل هذا لا يصح إلا للشئ الذي له جرم ومساحة والذي له جرم ومساحة محتاج إلى من ركبه ، والله منزه عن ذلك .

وأما قول الوهابية :

مراد مالك بقوله : (( الكيف غير معقول )) أي لله كيف لكن لا نعقله أي لا نعلمه على زعمهم ،

فهو تقوّلٌ عليه ولا أساس له من الصحة ، ويرده قول الإمام مالك نفسه : (( وكيف عنه مرفوع ))، وهذا ثابت عنه ، معناه ظاهر وواضح ، وهذا تصريح منه بأن الكيف مرفوع عن الله أي منفي عن الله أي لا يوصف بالكيف أي ليس استواء الله على العرش كيفا أي هيئة كاستواء المخلوقين من جلوس واستقرار . فالعجب من الوهابية عشاق التجسيم كيف يتمسكون بقول مالك : (( الكيف غير معقول )) – ولا حجة لهم في ذلك- مع تحريفهم للمعنى ويتركون قوله الآخر : (( وكيف عنه مرفوع )) لهوى في أنفسهم ، فظهر بذلك بطلان قولهم - أي الوهابية المجسمة - : (( إن معنى قولنا (( بدون كيف )) ليس معناه أن لا نعتقد لها كيفية بل نعتقد لها كيفية لكن المنفي علمنا بالكيفية )) اهـ .

كلمة الوجه والصورة تأتي بعدة معاني في لغة العرب

كلمة الوجه والصورة تأتي بعدة معاني في لغة العرب
وتطلق على مفردات منها وجه كل شيء أي مسقبله وما يقابله كما في القران الكريم: (( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ) (115) البقرة/
ومعناها أينما تكونوا للصلاة النافلة وليس للفرض فلكم التنفل إلى أي جهةٍ تستقبلونها في مسيركم وذلكَ بعد التوجه الى القبلة بالإحرام فقط.
فهنا كلمة الوجه على معنى الجهة والإتجاه،
و يأتي معنى وجه الله على الإضافة والتشريف كما يقال للكعبة بيت الله اي المكان المشرف عند الله تعالى،
وتأتي على معنى الإتباع في التعبد كقوله تعالى: ( ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) (30) الروم/
أي اتبع الدين القيم الإسلام، ومثله قولنا في دعاء الإستفتاح وجهتُ وجهي للذي فطرَ السموات والأرض .......
وجهت وجهي اي قصدت بذاتي طاعة الله، ولأن الوجه ايضاً يأتي بمعنى طلب الرضا من الله تعالى كما في قوله تعالى: ((إلا ابتغاءَ وجه ربه الأعلى ))أي ما أرادَ إلآ طلب الأجر والثواب من الله تعالى
ومنه قولُ الناس أيضا عملت عملاً لوجه الله أو سامحته لوجه الله،اي أردت ونويت بهذا الفعل الثواب من الله تعالى
ويأتي لفظ الوجه ايضاً على معنى ذات الله اي حقيقة الله تعالى الذي ليس كمثله شىء، كقوله تعالى إخباراً عن يوم القيامة: (( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) (27) طه/أي يبقى ذاتُ الله الذي لايفنى ولايبيد ولايجوز نسبة الوجه بمعنى الحجم والشكل والصورة والهيئة تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا كما ثبت ذلك عند أهل التفسير واللغة والشرع و قد نقل البيهقي عن شيخه أبي سليمان الخطابي
أنه قال: إن الذي علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة لأن الصورة تقتضي الكيفية والكيفية عن الله وعن صفاته منفية.
ولقد تأول البخاري رحمه الله تعالى الآية القرانية:(( وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) (88) القصص
قال البخاري إلا وجهه أي إلا ملكه وسلطانه اي كل ملك يفنى إلا ملك الله تعالى وسلطانه فيكون هنا معنى الوجه في الآية السابقة الملك والسلطان والبخاري من اكابر علماء السلف الصالح وحمل بعض أهل التفسير الآية فقال كل ما يفعل ولايرادُ به وجه الله اي رضاه يذهب ويبقى ما ابتغي به وجه الله وحده، فتكون الآية على هذا التفسير كل الأعمال تذهب إلا ما اريد به رضى الله فهو باقي لك في الأجر والثواب والحسنات عند الله تعالى
ويأتي لفظ الوجه على معنى القبلة ايضاً في القرءان في مواضع أخرى بمعنى القبلة والتقابل والمقابلة والتوجه بالوجه فنحن أمرنا بالصلاة ان يكون استقبال القبلة في أغلب أبداننا في مواجهة جهة القبلة الشريفة الكعبة حيث ما كنا في الأرض أو في الهواء أو جوف الوديان نكون في الصلاة إلى جهة الكعبة حيث إن الكعبة في وسط الدنيا فمن كان بالغرب اتجه إلى الشرق مع الإنحراف بحسب موقعه من الغرب وهكذا في كل الجهات فأهل امريكا مثلاً في الشمال الغربي فلا بد من التوجه إلى الجنوب الشرقي من غير خلاف في ذلكبين علماء المسلمين المعتبرين، قال الله تعالى ( وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) (150) البقرة
والشطرُ هو القصد كما في القاموس تقول رميتُ القوس شطره اي باتجاهه مباشر، ولذلك تستعمل العرب الوجه بالمقابلة فيقولون واجهت فلاناً أي جعلت وجهي تلقاء وجهه، والوِجهة بالكسر كل موضع استقبلته
قال الله تعالى: ((وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(148) البقرة اي الجهة والقصد وهذا معروف و مستعمل في لغة العرب.
وأما لفظ الصورة فهو في لغة العرب يطلق على الشكل والهيئة وتصورت الشيء توهمته وتخيلته وتطلق على التماثيل التى تحاكي الصور والشكل ويقال صُورَ له الشيء أي توهمه وكأنه ينظر إليه، وفي تعريف الأصنام لغةً هي الصور التى تعبد من دون الله
وعلى معنى الصورة والهيئة جاء في القران الكريم في قوله تعالى:((هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) (6) آل عمران
اي تخلقون على صور وهيئات شاءها الله تعالى وبقدرته يخلقها وأنتم في أرحام امهاتكم، وكذا في قول الله تعالى( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ))(3) التغابن
ومثله في قول الله تعالى ( فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ ))(8) الإنفطار/
وفي تعداد اسماء الله الحسنى المصور أي خالق الصور والهيئات وليس هو بذي صورة ولا هيئة تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا
وقد أشكل على البعض الجمع بين الحديث الذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته) فظن البعض نسبة الصورة لله تعالى والعياذ بالله تعالى
ومعنى الحديث على صورته أي الضمير يعود لآدم عليه السلام أي على الصورة التى خلقها الله في آدم وشرفها وأحسن خلقها فمن اعتقد الصورة لله فقد خالف معتقد أهل السنة وخرج عنه ونسب إلى الله تعالى ما لايليق بالله تعالى
وفي هذا الحديث الحث على اجتناب تقبيح الوجه وإذائه لأنه تجتمع في الوجه محاسن الإنسان و به تظهر الشين بوضوح ومن وجه المرء يعرف حاله حتى لو كان داخليا ألا ترى ان الشخص يعرف حاله من تغير وجهه؟
الفرح والحزن والهم والمرض والعافية والجوع والتعب ونحو هذا ولذا عبر بالوجه عن سائر الجسد ففي التنزيل اخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة أنهم بيض الوجوه وعن حال أهل النار أنهم سودُ الوجوه
قال الله تعالى (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ))(107) آل عمران
والله تعالى أعلم واحكم

الأحد، 13 أكتوبر 2019

هاكم جواهر في العقيدة فاشدد عليها يدك واستحضرها دائما كلما واجهت تلك الشبه الباطلة التي يلقي بها شياطين المجسمة على البسطاء من الناس ليخرجوهم من النور الى الظلمات

الحمد لله وبعد
هاكم جواهر في العقيدة فاشدد عليها يدك واستحضرها دائما كلما واجهت تلك الشبه الباطلة التي يلقي بها شياطين المجسمة على البسطاء من الناس ليخرجوهم من النور الى الظلمات .
1- قال الله تعالى :{ليس كمثلِه شىء} [سورة الشورى/11]، أي أن الله تعالى لا يشبه شيئًا من خلقه بوجه من الوجوه، ففي هذه الآية نفي المشابهة والمماثلة، فلا يحتاج إلى مكان يحُل فيه ولا إلى جهة يتحيز فيها، بل الأمر كما قال سيدنا عليّ رضي الله عنه: "كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان" رواه أبو منصور البغدادي. وفي هذه الآية دليلٌ لأهل السنة على مخالفة الله للحوادث، ومعْنى مُخالفةِ الله للحوادِثِ أنّه لا يُشْبِهُ المخْلُوقاتِ، وهذِه الصِّفةُ من الصِّفاتِ السّلْبِيّةِ الخمْسةِ أي التي تدُلُّ على نفْي ما لا يلِيْقُ بالله.
2- قال الله تعالى :{وللهِ المثَلُ الأعلى} [سورة النحل/60] أي الوصف الذي لا يشبه وصف غيره، فلا يوصف ربنا عزَّ وجلَّ بصفات المخلوقين من التغيّر والتطور والحلول في الأماكن والسُّكْنى فوق العرش، تعالى اللهُ عن ذلك علوًّا كبيرًا. قال المفسِّر اللغوي أبو حيان الأندلسي في تفسيره: "{وللهِ المثَلُ الأعلى} أي الصفة العليا من تنـزيهه تعالى عن الولد والصاحبة وجميع ما تنسب الكفرةُ إليه مما لا يليق به تعالى كالتشبيه والانتقال وظهوره تعالى في صورة" اهـ.
3- قال تعالى ":{فلا تضربوا للهِ الأمثال} [سورة النحل/74]، أي لا تجعلوا لله الشبيهَ والمِثْل فإن اللهَ تعالى لا شبيه له ولا مثيل له، فلا ذاتُه يشبه الذواتِ ولا صفاتُه تشبه الصفاتِ.
4- وقال الله تعالى :{هل تعلمُ لهُ سميًّا} [سورة مريم/65] أي مِثلاً، فالله تعالى لا مِثْلَ له ولا شبيه ولا نظير، فمن وصفه بصفة من صفات البشر كالقعود والقيام والجلوس والاستقرار يكون شَبَّهَهُ بهم، ومن قال بأن الله يسكن العرش أو أنه ملأه يكون شبّه اللهَ بالملائكة سُكّان السّموات. وهذا الاعتقاد كفر والعياذ بالله تعالى لتكذيبه قول الله: {ليس كمثله شىء} [سورة الشورى/11]، وقول الله تعالى :{هل تعلمُ له سميًّا} [سورة مريم/65].
5- وقال الله تعالى :{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الإخلاص/4] أي لا نظير له بوجه من الوجوه، وهذه الآية قد فسَّرتها ءاية الشورى :{ليس كمثله شىء}.
7-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان الله ولم يكن شىء غيره "
8-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا فكرة في الرب "
9-قال سيدنا ابو بكر " العجزعن درك الإدراك إدراك والبحث عن ذاته كفر وإشراك "
10- قال الإمام علي رضي الله عنه " كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان "
11-قال سيدنا عبد الله بن عباس " تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله "
12- قال الإمام احمد بن حنبل والإمام ذو النون المصري " مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك "
13-قال الإمام الشافعي " من انتهض لمعرفة مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه "
14- قال الإمام الرفاعي " غاية المعرفة بالله الإيقان بوجوده بلا كيف ولا مكان "
15- قال الإمام الطحاوي " تعالى ( يعني الله) عن الحدود" . وقال أيضا" لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات "
وغيرها من الأدلة الشىء الكثير .
واعلم أخي المسلم أنّ كل جوهرة من هذه الجواهر كافية في الدلالة على أنّ الله تعالى لا يسكن في جهةٍ ، لا فوق العرش كما تقول المجسمة الجهوية ، ولا غيرها من الجهات والأمكنة ، هم لو تركوا أوهامهم واتبعوا الحق الذي يشهد على صحته العقل لوضحت لهم الدِلالة على المراد من تلك الأدلة.
هم يقولون : ما لنا وللعقل ، نحن نتبع الشرع و نترك ما عداه
نقول لهم: بل انتم تائهون لا اتبعتم العقل ولا النقل ، فخرجتم صفر اليدين من الاثنين ، موّه عليكم الفيلسوف ابن تيمية واتباعه فظننتم انكم على الحق بإهمالكم العقل ، فصرتم تعجِزون عن إقامة الدليل على الملحدين والحلوليين واصحاب التناسخ وغيرهم ، وما ذاك إلا لأنكم ان انتم ناقشتموهم بما تعتبرونه ادلة نقلية ، فلن تستطيعوا اقامة الحجة عليهم :
فالملحد وغيره ممن لا يعتقد بوجود الله او ممن لا يصدق بالإسلام كيف سيقبل معكم بالأدلة النقلية ، وكذلك من يدعي الإسلام ويعتقد الحلول سيقول لكم : لا أُسِلّم لكم ، ثم يأتيكم بما يعتبره ادلة نقلية له !!! فإن لجأتم الى الأدلة العقلية لجدالهم ، نقضتم مذهبكم بعدم الإحتكام الى الأدلة العقلية.
وإني أعلم يقيناً أنّ هؤلاء المجسمة لا يستطيعون أن يقيموا الحجة العقلية على عابد الشمس ، كيف يستطيعون ذلك وهم يشتركون مع عابد الشمس في اثبات علامات الحدوث لمعبودهم .
تعالى الله عما يقول المشبهة وعابدو الشمس علواً كبيرا ً.
ثم اعلم اخي المسلم أن المجسمة الجهوية - من ينسبون لله الجهة - قلما تجد بينهم من يتراجع عن اعتقاده بعد المناظرة ليس لضعفٍ في الأدلة التي تكون داحضةً لأقوالهم بل لأنّ قلوبهم متشرّبة هذا الإعتقاد.
ولكن نسال الله ان يهديهم .
واعلم أنّ مناظرة هؤلاء القوم وإقامة الحجة عليهم امرٌ سهل جداً ، فهم لا يملكون حججاً عقلية و لا نقلية لإثبات اعتقادهم الفاسد ، فنقضه هيّن جداً ، كبيت العنكبوت لا يصعب نقضه ولو كان العنكبوت امضى سنيناً في نسجه .

السبت، 12 أكتوبر 2019

بيان معنى قول الله تبارك وتعالى{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد و على آله وصحبه وسلم:اما بعد قال الله تبارك وتعالى{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر} العنكبوت 45فهذه الآية الكريمة كثير من الناس لا يفهمون معناها كما ينبغي وتوهم منها بعض الناس أن الذي يأتي معصية من المعاصي او يأتي معاصي كثيرة ويصلي مع ذلك ان صلاته غير نافعة. فهذا فهم غلط ومعنى الآية الصحيح أن الذي يصلي الصلاة كما امر الله بشروطها واركانها وآدابها تنهاه عن المعاصي والمنكرات وليس كذلك كل مصل ، إنما يكون كذلك اقل المصلين اما اكثر المصلين فانهم لا يستكملون هذه الشروط ومع ذلك فإنهم ينتفعون بها فانهم لا بد ان تمنعهم عن بعض المعاصي ولو كانت المعاصي التي تنهاهم عنها اقل لكنه لا بد ان تنهاهم عن بعض المعاصي، فلا يقال الذي يصلي الصلوات الخمس ثم يقترف الذنوب خير له ان لا يصلي فهذا الكلام يرضي الشيطان ولا يرضي الرحمن فإن الصلوات الخمس من اداها فقد ادى اعظم الفروض بعد الإيمان بالله ورسوله إذ لا شىء من الفروض بعد الإيمان بالله ورسوله أعظم عند الله من الصلوات الخمس وعظم موقعها من الدين ان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل سأله" أى العمل أفضل قال صلى الله عليه وسلم: الصلاة قال الرجل ثم ماذا قال الصلاة قال ثم ماذا قال الصلاة قال ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله" هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الصلوات الخمس على الجهاد الذي فيه المخاطرة بالنفس والنفس أعز على الانسان من المال وسائر امور الدنيا ومع ذلك كرر رسول الله صلى الله عليه و سلم الجواب بأن الصلاة هي افضل العمل ثلاث مرات ثم أجاب في الرابعة بالجهاد في سبيل الله وصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما رواه أنسٌ رضي الله عنه وابو هريرة رضي الله عنه كلاهما قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل يصلي بالليل فإذا أصبح سرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ستنهاه صلاته ".فلو كانت الصلاة لا تنفع صاحبها إذا لم يبتعد من المعاصي كان قال أخبروه بأن صلاته لا تنفعه فأحيانا ً يحتج هؤلاء لتعيير المصلي الذي يرتكب بعض الكبائر من الذنوب بحديث لا صحة له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا ً" فليس هذا الحديث من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يجوز لأحد أن يقول لمن يصلي ويرتكب الكبائر أي فائدة في صلاتك فلا تصل ما دمت على هذه الحال لا يجوز هذا الكلام ومن قال ذلك لأحد فترّكه الصلاة كان آثما إثما كبيرا ً وكان عونا ً للشيطان وإنما اللائق في حقه أن يقول له يا هذا اتق الله اترك هذه المعاصي من غير أن يزهّده في الصلاة يحثه على تجنّب المعاصي.فينبغي حفظ هذا الحديث الصحيح للرّد على هؤلاء وهو أنه قيل يا رسول الله" إن فلانا ً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق فقال ستنهاه صلاته" وفي لفظ في هذا الحديث "سينهاه ما يقول" أي أنّ القرءان الذي يقرؤه في صلاته في الليل سينهاه فيما بعد عن هذا العمل الشنيع وهو السرقة.وروى هذا الحديث ابنُ حبانَ وإنما يقالُ لا تنفَعُكَ صلاتك لشخص يكْفُرُ ولو كان يصلي كالشخص الذي يسب الله هذا يقال له صلاتك لا تنفعك لأنّك تسب الله حتى ترجع عن كفرك فتتشهد يقال له هذا حتى يفهم انَّ الذي يكفر لا يقبل منه جميع الطاعات حتى يتخلى عن الكفر الذي وقع فيه، وتشهُدُهُ أثناء وضوئِه كالعادة لا يدخله في الإسلام حتى يعرف و يعتقد أنَّ سبَّ اللهِ كفر ويكْرَهَ لنفسِهِ الكونَ علىالكفر،وكلُّ حسنة يعملها مخلصا ً بعد الخروج من الكفر أقل مضاعفةٍ يضاعفها الله له بعشرة أمثالها إلى مائة ألفٍ وإلى أكثر من ذلك.أما الذي تعود أنْ يسُب الله إذا غضب غضبة ً فلا شأن له عند الله و مهما فعل فليس له عند الله ذرة من الثواب، الشأن في الثبات على الإسلام وتجنب الكفر، وهذا الذي يجد كل حسنة يعملها مهما قلت ولو تصدق بنصف تمرة على فقير لله تعالى أو أطعمها طفلا ً فإنّ الله قد يعتقه بهذه الصدقة الخفيفة من عذابه من ناره ولو كانت هذه الحسنة في اعين الناس قليلة. الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أن رجلا ً وجد أذىً في طريق المسلمين هذا قبل سيدنا محمد وجد شيئا ً يُؤْذي المارة فأزاحه وكان هو من أهل الكبائر هذا العمل القليل الله جازاه له فغفرله أعتقه من النار. الشأن في الثبات على الإيمان وتجنب الكفر وليس الشأن في كثرة الأعمال من غير إيمان ولو كان الشخص يبر أمهُ ويقبل لها يدها ورجلها الشأن في تجنّب الكفر بأنواعه.ومن تجنّب هذه الكفريّات فأي حسنة يعملها يؤجر عليها إن استوفت شروط القبول وإن كانت حسنة قليلة كتشميت عاطس، المسلم إذا عطس وقال الحمد لله فقال له الذي سمع رحمك الله فقد كسب أجرا ً بهذه الكلمة الخفيفة وذاك العاطس كسب أجرا ً بحمده لله بقوله الحمد لله، الذي سمعه فشمته فقال رحمك الله او قال يرحمك الله فله عند الله تبارك وتعالى حسنة قد يعتقه الله بها من عذابه يوم القيامة. كان الإمام ابو داود رحمه الله تعالى ذات يوم في سفينة فسمع رجلا ً على الشاطئ عطس فحمد الله فاستأجر زورقا ً بدرهم فركب الزورق فوصل إليه فقال له رحمك الله ثم رُئي في المنام قائل يقول إن أبا داود اشترى نفسه من الله بدرهم معناه ثبتت له الجنة والنجاة من النار بهذا الدرهم لأنه عظم الحسنة ما احتقرها ما قال هذه ما لي ولها إن فاتتنى فأنا عندي من الحسنات الشىء الكثير أنا أزكي وأصلي وأحج وأحدث بحديث رسول الله، لا ما احتقرها بل عظمها، حسن ظنه بالله قال لعل هذا الإنسان الذي أقول له رحمك الله ثم هو يرد لي بالدعاء، فيقول يهديكم الله ويصلح بالكم او يغفر الله لنا و لكم قد يكون هذا من اولياء الله الصالحين فتنفعني هذه الدعوة منه فذهب إليه بهذا الدرهم فكسب هذا الأجر العظيم عند الله. 

كل هذا الفضل يرجع إلى الإسلام لولا ان عقيدته صحيحة لولا أنه يتجنب الكفر ما نال هذه الدرجة بهذا الدرهم الواحد.الشأن في الثبات على الإسلام وتجنب الكفر ليس الشأن بأن يكثر الإنسان النفع والخدمة للناس وبر الوالدين وأداء الصلاة والزكاة والصدقات الواسعة من غير إيمان، لا بل الشأن في المحافظة على الإسلام. ولا يجوز أن يقول أحد لامرأة تخرج حاسرة لا تقبل صلاتك فهؤلاء شياطين الإنس ولو علموا ما لحقهم من الذنب لبكوا على أنفسهم، هل هذه المرأة الحاسرة المصلية أعظم ذنبا ًمن الذي كان يسرق في النهار ثم في الليل يصلي النفل زيادة على الفرض، ولما ذُكر أمره لرسول الله ما قال لا تنفعه صلاته وإنما قال ستنهاه صلاته.

عقيدة الإمام أحمد بن حنبل وبراءته من أهل التجسيم

عقيدة الإمام أحمد بن حنبل وبراءته من أهل التجسيم
مِن أهَمّ ما في حياةِ الإمام أبي عبد الله أحمدَ بنِ حَنبل رضي الله عنه مَنهَجُه في العقيدةِ والتزامُه نَهج الكتابِ والسّنة وما عليهِ سَلفُ الأمّة:- في توحيدِ الله وتنـزيهِه عن الجِسم والمكانِ والجِهةِ والحَركةِ والسّكُون،
فقد نقلَ الإمامُ أبو الفَضْل التّمِيميّ الحَنبَليّ في كتاب " اعتقاد الإمام أحمد ص 38 " عن الإمام أحمدَ أنّهُ قال :"واللهُ تَعالى لا يَلحَقُه تغَيُّر ولا تبَدُّلٌ ولا تَلحَقُه الحدودُ قَبلَ خَلقِ العَرش ولا بَعدَ خَلقِ العَرش ، وكانَ يُنكر- الإمام أحمد – على مَن يقولُ إنّ اللهَ في كُلِّ مَكانٍ بذاتِه لأنّ الأمكِنَةَ كُلَّها محدُودةٌ ".
ونقَل أبو الفَضلِ التّمِيميّ رئيسُ الحنابلة ببغدادَ وابنُ رئيسِها في كتاب (اعتقاد الإمام أحمد ص/45) عن أحمد قال: "وأنكَر أحمدُ على مَن يقُولُ بالجِسم وقال: إنّ الأسماءَ مأخُوذةٌ مِنَ الشّريعةِ واللّغة، وأهلُ اللّغةِ وضَعُوا هذا الاسمَ على ذِي طُولٍ وعَرْضٍ وسَمْكٍ وتَركِيبٍ وصُورَةٍ وتَأليفٍ واللهُ تَعالى خارجٌ عن ذلكَ كُلِّهِ، فلَم يَجُز أن يُسَمَّى جِسمًا لخرُوجِه عن معنى الجِسمِيّة، ولم يجِىءْ في الشّريعةِ ذلكَ فبَطَل" اهـ ونقله الحافظُ البيهقيّ عنه في مناقب أحمد وغيرُه.
وبَيّنَ الإمامُ الحافظُ ابنُ الجَوزي الحنبلي في كتابه "دفع شُبَه التّشبِيه ص 56 " براءةَ أهلِ السّنة عامّة والإمام أحمد خاصّة مِن عقيدةِ الـمجسِّمة وقال: " كانَ أحمدُ لا يقولُ بالجِهةِ للبارئ "
وذَكَر القاضي بَدرُ الدِّين بنُ جمَاعة في كتابه " إيضاحُ الدّليل في قَطْع حُجَج أهلِ التّعطيل ص108 " أنّّ الإمام أحمدَ لا يقولُ بالجِهة للبَارئ.اهـ
ونَقَل الإمامُ الحافظُ العِراقيّ والإمامُ القَرَافيّ والشيخ ابنُ حَجر الهيتَمي(1) ومُلا عليّ القَاري(2) ومحمد زاهِد الكَوثَري(3) وغيرهم(4) عن الأئمةِ الأربعَةِِ هُداة الأمّة الشافعي(5) ومالك وأحمد وأبي حنيفةَ رضي الله عنهم القَول بتَكفير القائلِينَ بالجِهة والتّجسِيم".
بل نقَل صاحبُ الخِصال مِنَ الحنابلةِ عن أحمدَ أنّه قال بتكفيرِ مَن قال: " اللهُ جِسمٌ لا كالأجسام "(6).
وعِبارتُه المشهورةُ التي رواها عنه أبو الفَضل التّميمي الحنبلي " مهمَا تصَوّرتَ ببالِك فالله بخلافِ ذلك " دليلٌ على نَصاعَةِ عَقيدتِه وأنّه على عقيدةِ التّنـزيه.
-كذلكَ أوّلَ الإمامُ أحمد الآياتِ المتشَابِـهات في الصِّفات فقَد رَوى الحافظُ البَيهقي عن الحاكم عن أبي عمرو بنِ السّماك عن حَنبل أن أحمدَ بن حنبل تأوّلَ قولَ الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} أنه: جاءَ ثوابُه. ثم قال البيهقي: وهَذا إسنادٌ لا غُبارَ عَليه. ونقلَ ذلك ابنُ كثير في تاريخه (10/327).
وفي روايةٍ نقلَها البيهقي في كتاب"مناقِب أحمد" أنّ الإمام قال: "جاءَت قُدرَتُه" أي أثَرٌ مِن ءاثارِ قُدرتِه، ثم قال الحافظ البيهقي: "وفيه دليلٌ على أنّهُ كانَ لا يَعتقدُ في الـمجيء الذي ورَدَ بهِ الكتابُ والنّـزولِ الذي ورَدَت به السُّنةُ انتِقالا مِن مَكانٍ إلى مكانٍ كمجيء ذواتِ الأجسام ونزُولِـها وإنما هو عبارةٌ عن ظهُورِ ءاياتِ قُدرتِه"اهـ
وفي الفُتوحات الرّبّانية على الأذكار النّووية للعَالِم المفَسّر محمد بنِ عَلاّن الصِّدّيقي الشّافعي الأشعري المكّي المتوفّى سنة 1057هـ في باب الحَثّ على الدّعاء والاستغفار في النِّصف الثاني مِن كلّ ليلة 2/196 ما نصّه: وأنّه تعالى مُنـزّه عن الجِهة والمكان والجِسم وسائر أوصافِ الحدوث، وهذا معتقَدُ أهلِ الحقّ ومنهُم الإمام أحمد وما نسَبَه إليهِ بعضُهم مِنَ القَولِ بالجهة أو نحوِها كذِبٌ صُرَاح عليه وعلى أصحابِه المتقَدِّمين كما أفادَه ابنُ الجَوزي مِن أكابِر الحنابلة .انتهى بحروفِه.
وذكَر الحافظُ ابنُ عسَاكِر رحمه الله تعالى في تبيِيْنِ كذِب المفتَري فيما نُسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري صحيفة 164: ذكَرَ ابنُ شاهِين قال: رجُلانِ صَالحانِ بُلِيا بأصحابِ سُوء، جعفر بنُ محمد، وأحمدُ بنُ حَنبل.اهـ
وفي الفتاوى الحديثيةِ لابنِ حَجر الهيتمي المتوفّى سنة 973هـ ص/144: عقيدةُ إمام السُنّةِ أحمدَ بنِ حَنبل: هي عقيدةُ أهلِ السُنّة والجماعةِ مِنَ المبالغةِ التامّة في تنـزيهِ الله تعالى عمّا يقولُ الظّالمون والجاحِدُون عُلُوّا كبيرًا مِنَ الجهةِ والجِسميّةِ وغيرِهما مِن سائر سِماتِ النّقص بل وعن كلِّ وَصْفٍ ليسَ فيه كمالٌ مُطْلق، وما اشتُهِرَ بينَ جَهلةِ المنسُوبين إلى هذا الإمام الأعظَم الـمجتهدِ مِنْ أنّه قائل بشَىءٍ مِنَ الجِهة أو نحوِها فكَذِبٌ وبُـهتَان وافتراءٌ عليهِ فلَعَنَ اللهُ مَنْ نسَبَ ذلكَ إليه أو رمَاهُ بشَىء مِن هذه المثالِب التي برّأهُ الله منها" اهـ
=======================
(1) وعبارتُه في كتابه المنهاج القويم على المقدِّمة الحضرميّة ص 224: "واعلَمْ أنّ القَرافيّ وغيرَه حكَوا عن الشّافعيّ ومالكٍ وأحمدَ وأبي حنيفةَ رضيَ الله عنهُم القولَ بكُفرِ القائلِينَ بالجِهة والتّجسِيم وهم حقِيقُونَ بذلك"اهـ
(2) نقَل الحافظ العراقي عن الشافعيّ ومالك وأبي حنيفة والأشعري والبَاقِلاني تكفيرَ مَن نسَب إلى الله الجهة، انظر شَرح المشكاةِ لملا عليّ القَاري (3/300).
(3) في مقالاته ص321
(4) راجع كتاب "تفسير أولي النُّهَى لقوله تعالى الرّحمنُ على العرش استوى" فيه نقُول وافيةٌ وشَافيةٌ عن الأئمة الأربعة وغيرهم.
(5) وممن نقَل عن الشافعي تكفيرَه للمجَسِّم، الحافظ السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر ص 488، ونقل الإمامُ ابنُ الرِّفعَة في كتابه كِفاية النّبيه شرح التنبيه ج4/24 أنّ القاضي حُسَين حكى عن نصِّ الشّافعي تكفيرَ مَن يَعتقدُ أنّ الله جَالسٌ على العرش.اهـ وذكرَه أيضًا ابنُ المعلِّم القُرشيّ في كتابه نجمُ المهتدي ورجمُ المعتَدي ص551
(6) ذكر ذلك المحدث الفقيه بدر الدِّين الزّركشِي في تشنيف المسامع ج4/648 وقال: ونقَل عن الأشعرية أنه يفسقُ، وهذا النقل عن الأشعرِية ليسَ بصَحِيح.اهـ

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...