بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 مايو 2020

تفسير لفظ اليد الوارد في القرءان

تفسير لفظ اليد الوارد في القرءان

أن اليد في لغة العرب تأتي بمعان عديدة منها .النِعمة ومنها القدرة

والقدرة هي القوة كما في قوله تعالى:"والسماءَ بنَيْناها بِأَيْدٍ "

ولا يجوز حمله على الظاهر لأن ظاهره جمع يد وهو مستحيل في حق الله تعالى،
لذلك نقول بأيد أي بقوة،

وتأتي اليد بمعنى العهد كما في قوله تعالى:" يد الله فوق أيديهم "

أي عهد الله فوق عُهودهم أي ثبت عليهم عهد الله لأن مُعاهدة الصحابة للرسول تحت شجرة الرِّضوان في الحُديبية على أن لا يَفِروا معاهدة لله تبارك وتعالى لأن الله تعالى هو الذي أمر نبيه بهذه المُبايعة.

وأما قوله تعالى: " بل يداه مبسوطتان يُنفق كيف يشاء "
فمعناه أن الله غني واسع الكرم.

وأما قوله تعالى في توبيخ إبليس: " ما منعكَ أن تسجدَ لِما خلقتُ بِيَدَيَّ "
فيجوز أن يقال المراد باليَدين العناية والحفظ فدل قوله تعالى:" بيـديَّ "على أن ءادم خُلِق مُشرّفا مُكرّما بخلاف إبليس، ولا يجوز أن نحمل كلمة بيدَيَّ على معنى
الجارحة أي العضو،لو كانت لله جارحة لكان مِثلنا ولو كان مِثلنا لَما استطاع أن يخلقنا

لذلك نقول كما قال بعض العلماء أي خلقتُه بعنايتي بحفظي معناه على وجه الإكرام والتعظيم له، أي على وجه الخصوصية خلق ءادم أي أراد له المقام العالي والخير العظيم.

أما إبليس ما خلقه بعنايته لأن الله عالم في الأزل أنه خبيث هذا الفرق بين إبليس وءادم.

قال العلماء:يصح أن يقال لله يد لا كأيدينا على معنى الصفة لا على معنى الجسم،

لأن الله لو كان له يد بمعنى الجسم لكان مِثْلا لنا ولو كان مِثلا لنا لجاز عليه ما يجوز علينا من الموت والفناء والتغير والتطور ولم يكن إلها.

قال أهل السنة كالإمام أبي الحسن الأشعري:"ما أطلق الله على نفسه أطلقناه عليه وما لا فلا ".

فنحن نؤمن بإثبات ما ورد في القرءان كاليد على أنها صفة يعلمها الله لا على أنها جارحة،
لأن الجوارح وهي الأعضاء مستحيلة على الله لقوله تعالى: "ليس كمِثله شىء".

أما الوهابية أدعياء السلفية فيقولون باللسان:له يد لا كأيدينا وفي الاعتقاد يعتقدون
الجسم الذي تعرفه النفوس.

وأما الوقوف بين يدي الله للحساب فمعناه حسابهم عند عرض أعمالهم عليهم

وليس المعنى أن الله تعالى يكون في موقف القيامة ويكون الناس حوله لأن الله تعالى ليس جسما يَتحيّز في مكان.لا يتحيز في مكان ولا جهة ولا في الفراغ ولا ضمن بناء ولا هو في هواء العرش ولا هو جالس عليه لأن الجلوس والاستقرار من صفات الخلق

والله لا يتصف بهذا كله لقوله تعالى:"ليس كمثله شىء "

وتلك الهيئة التي يتصورها بعض الناس من أن الله يكون ذلك اليوم في موقف القيامة والناس حوله يجتمعون للحساب هذه الهيئة لا تجوز على الله لأن هذه هيئة الملوك تَحُف بهم رعاياهم.

الذي يظن الوقوف بين يدي الله يوم القيامة القرب منه بالمسافة هذا خارج من الدين...
ويجب عليه النطق بالشهادتين فورا بقوله اشهد ان لا الله الا الله واشهد ان محمد رسول الله

سيرجع قوم من هذه الأمّة عند اقتراب الساعة كفارًا يُنكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء" والوهابية أدعياء السلفية الذين يُشبِّهون الله بخلقه جعلوا الله جسما له أعضاء فهم إخوة اليهود وإن ظنوا بأنفسهم أنهم مُوحِّدون لأن اليهود قالوا إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح يوم السبت فاستلقى على قفاه.

الجمعة، 22 مايو 2020

قول الله تعالى { لكم دينكم ولي دين }

قول الله تعالى { لكم دينكم ولي دين }

في الآية معنى التهديد وهو كقوله تعالى: ﴿لَنَا أَعمَالُنَا وَ لَكُم أَعمَالُكُم(55)﴾ [سورة القصص]،

فقوله ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ(6)﴾ أي الباطل وهو الشرك الذي تعتقدونه وتتولونه

﴿وَلِيَ دِينِ (6)﴾ الذي هو دين الحق وهو الإسلام، أي لكم شرككم ولي توحيدي وهذا غاية في التبرّي من الباطل الذي هم عليه.

ومثل ذلك في إفادة التهديد والوعيد قوله تعالى في سورة الكهف: ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ(29)﴾ ،

فليس معنى الآية أن من اختار الإيمان كمن اختار الكفر، بل من اختار الكفر مؤاخذ ومن اختار الإيمان مُثاب، ويدل على أنها تفيد التهديد بقية الآية قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا(29)﴾ [سورة الكهف]،

وهنا يجدر التنبيه إلى أن العلماء قالوا: من قال في الآيتين إنهما تفيدان أن لا مؤاخذة على من اختار دينًا غير الإسلام إنه يكفر لتكذيبه قوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)﴾ [سورة آل عمران].

فائدة: أفاد قوله تعالى أن ما سوى دين الإسلام من الأديان يُسمى دينًا مع كونه باطلًا فاسدًا، فالآية معناها أيها الكافرون لكم دينكم الفاسد الباطل وليَ دين الحق وهو الإسلام.

شرح قوله تعالى: "إنّ الله يأمر بالعدل"

شرح قوله تعالى: "إنّ الله يأمر بالعدل"

الحمدّ لله والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد، فقد قال الله تبارك وتعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}.

إنّ الله تبارك وتعالى يأمر عباده:

- بالعدل: أي بأن يعطوا لغيرهم ما هو حق لازم عليهم ولا يضرّوا إخوانهم المسلمين ولا يغشوهم ولا يظلموهم ولا يخذلوهم والخذل هو ترك الشخص المسلم يظلم وهو قادر على أن يمنع ويدفع عنه هذا الظلم فالعدل هو أن يعطي لإخوانه ما عليه من الحقّ ويكفّ الظلم عنهم.

- والإحسان: أما الإحسان فهو فوق العدل يعطيهم، يعطي الناس ما عليه أي الحق الذي عليه ويزيد فوق الذي هو لازم لهم ثم يحسن إليهم بما ليس فرضا عليه يعمل معهم معروفا فوق الواجب.

- وإيتاء ذي القربى: أي الإحسان إلى ذي القربى أي ذي القرابة أي أن يصل رحمهن والأرحام هم كلّ من بينك وبينهم قرابة إن كانوا محارم وإن كانوا من جهة الأب أو من جهة الأم.

فهذه الآية فيها الأمر بثلاثة أشياء من الأوامر الأوامرمعناها الأشيا التي أمر الله بها عباده يقال أمر وأوامر، الأمر بمعنى الطلب ما طلب الله من عباده أن يفعلوه هذا يقال له الأمر والجمع أوامر.

وفيها النهي عن ثلاثة أشياء، والمناهي هي جمع منهيّ أي منهيّ عنه، فالأشياء التي حرّمها الله تعالى يقال لها مناهي. فهذه الآية مع وجازة لفظها جمعت هذه الأمور الستة فلا يستطيع بشر مهما كان بليغا فصيحا أن يأتي بمثل القرءان.

وأما المناهي فهي:

- الفحشاء: معناه كلّ معصية شديدة يقال لها فحشاء أي المعصية الكبيرة
- والمنكر : أما المنكر فهو كل معصية
- والبغي : معناه الاعتداء على الناس.

فحتى يستطيع الإنسان أن يميّز بين المنهيّ والمأمور حتى لا يلتبس عليه الأمر لا بدّ له من أن يتعلم علم الدين فإن تعلم عرف ما هو المنكر فينتهي وينهى عنه وما هو المأمور فيفعله ويأمر به فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم" رواه البيهقيّ وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} قال سيدنا عليّ رضي الله عنه: "علموا أنفسكم وأهليكم الخير".

تفسير قوله تعالى: ولا تنس نصيبك من الدنيا

تفسير قوله تعالى: ولا تنس نصيبك من الدنيا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله خالق الأكوان، الموجود أزلاً وأبدًا بلا مكان، والصلاة والسلام على معلّم الناس الخير وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد
قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القَصَص: ءايَة 77]

1) قال مُجاهِدٌ في تَفْسِيره: يَقُولُ: "لَا تَنْسَ الْعَمَلَ فِيهَا (أي في الدُنيا) بِطَاعَتِي".

2) قال الطبري في تفسيره: ولا تَتْرُكْ نَصِيبَكَ وحَظَّكَ مِن الدُنيا أَنْ تَأْخُذَ فِيها بِنَصِيبِكَ مِن الآخِرَةِ فتَعْمَلَ فِيها بِما يُنْجِيكَ غَدًا مِن عِقَابِ اللهِ، وبِنَحْوِ الذِي قُلْنَا في ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَأْوِيلِ.

عَنِ ابنِ عبّاسٍ أنه قال: قال: أن تَعْمَلَ فِيهَا لِآخِرَتِكَ.

وعَن عَونِ بنِ عَبدِ الله (في تأوِيلِ) ﴿وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ أنه قال: إنّ قَوْمًا يَضَعُونَها علَى غَيْرِ مَوْضِعِها،(والْمَعنى) ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِن الدُنيا (أي أنْ) تَعْمَلَ فِيها بِطَاعةِ اللهِ.

وعَن ابنُ زَيدٍ في قوله: ﴿وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ قال: لا تَنْسَ أَنْ تُقَدِّمَ مِن دُنْيَاكَ لآخِرَتِكَ، فَإِنّما تَجِدُ في آخِرَتِكَ ما قَدَّمْتَ في الدُنيا.

3) قال ابن الجَوزي في تَفسيرِه: فيه ثلاثةُ أَقوالٍ:
أَحَدُها: أنْ يَعْمَلَ في الدُنيا للآخِرَة، قاله ابنُ عباسٍ ومُجاهِدٌ والجُمهُورُ.

كشف تدليس الوهابية في مقوله الإمام الشافعي أن الله تعالى على عرشه في سمائه

تقول الوهابية


قال الإمام الشافعي رحمه الله(204ه) (القول في السُّنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يَقرُب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء».


نقول:-
لا يخفى على كل عاقل منصف مطلع على كتب المجسِّمة تجرؤهم في الكذب على الله ورسوله. فالوهابية الحشوية يأخذون في العقيدة بأقوال الوضاعين والكذابين هذا غير الضعيف ونقول لهم فهل يؤخذ في العقيدة يا الوهابية بأقوال الوضاعين الكذابين وتنتقدون غيركم لأنه يأخذ بالضعيف المباح الأخذ به في فضائل الأعمال ؟؟


فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولنرى هذا الآثر


نقول:- ما قاله الوهابية هو كذب محض وهو مدسوس على الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لأنه من رواية وضّاع كذّاب


فهذا القول مذكور في ( مختصر العلو ) ص176 ، وكذلك عند ابن القيم في إجتماع الجيوش وجاء فيه ((روى أبو الحسن الهكاري ، والحافظ أبو محمد المقدسي بإسنادهم إلى أبي ثور وأبي شعيب كلاهما عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي ناصر الحديث رحمه الله قال: القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الاقرار بالشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء . وذكر سائر الاعتقاد ” اه‍ــ


فلنرى رجال هذا السند ، أبي الحسن الهكاري : أحد الكذابين الوضاعين 


قال عنه الحافظ الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) ج3 ص112 في ترجمته  : ( قال أبو القاسم بن عساكر : لم يكن موثوقاً به ، وقال ابن النجار : متهم بوضع الحديث وتركيب الأسانيد ) اهـ . قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في ( لسان الميزان ) 4/159 من الطبعة الهندية ) : ( وكان الغالب على حديثه الغرائب والمنكرات ، وفي حديثه أشياء موضوعة ورأيت بخط بعض أصحاب الحديث أنه كان يضع الحديث بأصبهان


 ، وقال ابراهيم بن محمد بن سبط ابن العجمي ابو الوفا الحلبي الطرابلسي في كتابه “الكشف الحثيث عمن رمى بوضع الحديث الجزء الاول صفحة 184 “علي بن أحمد أبو الحسن الهكاري قال بن النجار متهم بوضع الحديث وتركيب الأسانيد قاله الذهبي في ترجمة عبد السلام بن محمد” وهو كذاب وضاع كما ترى فهل يؤخذ بقوله نترك الحكم لكل لبيب.


أبا شعيب : زعموا أنه روى تلك العقيدة عن الشافعي فلنرى وسنجد أنه وُلِدَ بعد وفاة الشافعي بسنتين كما في تاريخ بغداد ( 9/436)


أما جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي – من رواية أبي طالب العُشاري – والذي جاء في الطبقات لابن أبي يعلى ج1 ص283، اجتماع الجيوش الإسلامية للمجسم ابن القيم ص165 فهذا جزء لا يصح سنده إلى الإمام الشافعي ومن الناس الذين نشروا هذه العقيدة الباطلة وروجوا لها مع انها لا تصح نسبها للامام الشافعى رضى الله عنه عبد العزيز بن فيصل الراجحى والذى ذكرها فى كتاب بعنوان (هدى السارى ) الى اسانيد الشيخ اسماعيل الانصارى. ولا نعلم أين عقول القوم بل في سندها ايضا ابو العز احمد بن عبيد الله ابن كادش وهو كذاب وضاع.. سند هذه العقيدة الباطلة ابن كادش فهو أبو العز بن كادش أحمد بن عبيد الله المتوفى سنة 526هـ من أصحاب العشارى اعترف بالوضع قال الذهبي في الميزان (ج1/118) قال ابن النجار : كان ضعيفا في الرواية ، مخلطا كذابا ، لا يحتج به ، وللأئمة فيه مقال . قال السمعاني : كان ابن ناصر يسيء القول فيه . وقال عبد الوهاب الأنماطي : كان مخلطا . ثم قال السمعاني : سمعت ابن ناصر يقول : سمعت إبراهيم بن سليمان يقول : سمعت أبا العز ابن كادش يقول : وضعت حديثا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقر عندي بذلك . قال عمر بن علي القرشي : سمعت أبا القاسم علي بن الحسن الحافظ يقول : قال لي ابن كادش : وضع فلان حديثا في حق علي ، ووضعت أنا في حق أبي بكر حديثا ، بالله أليس فعلت جيدا ؟ قلت (اي الذهبي): هذا يدل على جهله ، يفتخر بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكذلك قال الحافظ في لسان الميزان 1 ص 218.


أما العشارى فهو أبو طالب محمد بن علي العشارى المتوفى سنة 452 هـ قد راجت عليه العقيدة المنسوبة إلى الشافعي كذبا بإعتراف الذهبي نفسه ونقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان. فقال الذهبي الميزان (ج3/656) محمد بن علي بن الفتح أبو طالب العشاري شيخ صدوق معروف لكن ادخلوا عليه أشياء فحدث بها بسلامة باطن منها حديث موضوع في فضل ليلة عاشوراء ومنها عقيدة للشافعي… ثم قال الذهبى بعد ذلك العتب على محدثى بغداد كيف ترك العشارى يروى هذه الأباطيل وذلك بعد ما ذكر بعض روايته الباطلة ونهي الترجمة بقولة قلت( اي الذهبي) ليس بحجة . وكذلك الحافظ في لسان الميزان 5/301 نقلاً عن الذهبي ، فليحذر تمويهات المجسمة فإن هذا دأبهم ذكر ما يوافق هواهم وإن كان كذبا وباطلا وماذا بقي لهم يستدلون بأقوال كذابين ووضاعين وعقيدة مدسوسة على الإمام الشافعي فتنبه لهذا أخي فديدن القوم الكذب والتحريف…


فأنظر لهذا الإمام الذي افترى عليه الوهابية وأقواله في تنزيه الله قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن الاستواء : (( ءامنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك ))اهـ


ذكره الإمام أحمد الرفاعي في (( البرهان المؤيد)) (ص 24) والإمام تقي الدين الحصني في ((دفع شبه من شبه وتمرد )) (ص 18) وغيرهما كثير ،


وقال أيضا : (( ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله )). الإمام الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد)) (ص 56) والشيخ سلامة العزامي وغيرهم ، ومعناه لا على ما قد تذهب إليه الأوهام والظنون من المعاني الحسية والجسمية التي لا تجوز في حق الله تعالى.

ولما سئل عن صفات الله تعالى قال : (( حرام على العقول أن تمثل الله تعالى وعلى الأوهام أن تحد وعلى الظنون أن تقطع وعلى النفوس أن تفكر وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن تحيط إلا ما وصف به نفسه – أي الله – على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم )). اه ـذكره الشيخ ابن جهبل في رسالته(انظر طبقات الشافعية الكبرى ج 9/40 ) في نفي الجهة عن الله التي رد فيها على المجسم ابن تيمية.


وقال الإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه ما نصه: “إنه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكانَ لا يجوز عليه التغييرُ في ذاته ولا التبديل في صفاته” اهـ . 


كما نقله عنه الزبيدي فـي كتابه (إتحاف السادة المتقين ج 2/24)


وقال الشافعي رضي الله عنه أيضا جامعا جميع ما قيل في التوحيد

 : (( من انتهض لمعرفة مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه وإن اطمأن إلى العدم الصرف فهو معطل وإن اطمأن لموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد)) (انظر شرح الفقه الأكبر ص 152 ).


قلنا : ما أدقها من عبارة وما أوسع معناها شفى فيها صدور قوم مؤمنين فرضي الله عنه وجزاه عنا وعن الإسلام خيرا وقد أخذها من قوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ } [سورة الشورى] ، ومن قوله عز وجل : { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ } [سورة النحل] . ومن قوله تعالى :{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [سورة مريم] ،ومن قوله تعالى : {أَفِي اللّهِ شَكٌّ} [سورة إبراهيم]


. وكل هذا يدل على أن الإمام الشافعي رضي الله عنه على تنـزيه الله عما يخطر في الأذهان من معاني الجسمية وصفاتها كالجلوس والتحيز في جهة وفي مكان والحركة والسكون ونحو ذلك

الأربعاء، 13 مايو 2020

قِيمَةُ العَقْلِ في الإِسْلامِ

قِيمَةُ العَقْلِ في الإِسْلامِ

بسم الله والحمد لله على نعمة العقل والصلاة والسلام على أرجح الناس عقلا وبعد

تَجْدُرُ الإشارَةُ إلى أنَّ الإسْلامَ جَعَلَ لِلْعَقْلِ مَنْزِلَةً واعْتِبارًا، فَتَكَرَّرَ ذِكْرُهُ والحَثُّ على اسْتِعْمالِهِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ؛ ولا يَجُوزُ إهْدارُ قِيمَةِ العَقْلِ (كما يَفْعَلُ أَحْبارُ النَّصارَى وحاخاماتُ اليَهُودِ وغَيْرُهُمْ مِنَ الكُفّارِ بِسَبَبِ مُنَاقَضَةِ عَقَائِدِهِمْ لِلْعَقْلِ)، ولا يَجُوزُ تعطِيلُ العَقْلِ، وإنْكارُ صِحَّةِ الاسْتِدْلالِ العَقْلِيِّ، والاسْتِخْفافُ بِالبُرْهانِ العَقْلِيِّ (كما تَفْعَلُ الوَهَّابِيَّةُ خَوفًا على عَقَائِدِهَا المُخَالِفَةِ لِلْعَقْلِ)؛ فالعَقْلُ، كَالحَواسِّ السَّلِيمَةِ، مِنْ مَصادِرِ العِلْمِ اليَقِينِيِّ المُتَحَقِّقِ لِلْخَلْقِ؛ وإهْدارُ قِيمَةِ العَقْلِ وتعطِيلُهُ مُخالِفٌ لِدِينِ الإسْلامِ، فَهُوَ يُؤَدِّي إلى سَدِّ بابٍ عَرِيضٍ ومَدْخَلٍ وَاسِعٍ طالَما سَلَكَهُ العُلَماءُ لإبْطَالِ عَقَائِدِ الكَفَرَةِ، ويُشَجِّعُ كُلَّ زائِغٍ عَلَى تَحْرِيفِ الكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، ووَصْفِ اللهِ بِما يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، ونَقْضِ عُرَى الدِّينِ عُرْوَةً عُرْوَةً كَمَا يَشاءُ، كَمَا يُؤَدِّي التَّمادَي في مُكابَرَةِ العَقْلِ إلى السَّفْسَطَةِ، وهِيَ مَذْهَبٌ كُفْرِيٌّ يُنْكِرُ حَقِيقَةَ وُجُودِ المَوْجُوداتِ. ولْيُعْلَمْ أَيْضًا بِأَنَّهُ لا يَجُوزُ تَفْسِيرُ القُرآنِ والحَدِيثِ إِلاّ بِمَا يُوَافِقُ العَقْلَ، لأنَّ الشَّرْعَ لا يأتِي إِلاّ بِمُجَوَّزاتِ العَقْلِ (أيْ ِبَما يَقْبَلُهُ العَقْلُ)، ولِذَلِكَ تَكَرَّرَ ذِكْرُ "قَوْمٍ يَعْقِلُونَ" و"أُولِي الأَلْبَابِ" ونَحْوِهَا، في مُحْكَمِ الكِتَابِ.

فَائِدَةٌ:

أَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ هُمْ مَنْ أَحْسَنَ الاسْتِدْلالَ العَقْلِيَّ ولَيْسَ المُعْتَزِلَةُ والفَلاسِفَةُ

ولَيْسَ صَحِيحًا ما شَاعَ في عَصْرِنَا، ويُلَقَّنُهُ الطَّلَبَةُ في المَدَارِسِ، مِنْ أَنَّ المُعْتَزِلَةَ (كَالجَاحِظِ)، والفَلاسِفَةَ قَبْلَهُمْ (كَأَفْلاطُونَ)، هُمْ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلى العَقْلِ ويُحْسِنُ الاسْتِدْلالَ بِهِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ،

وإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّ أَئِمَّةَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ والشَّافِعِيِّ والأَشْعَرِيِّ والماتُرِيدِيِّ، هُمْ مَنْ أَقَامُوا الحُجَجَ العَقْلِيَّةَ عَلَى عَقَائِدِ الإِسْلامِ الدِّينِيَّةِ، وأَلْزَمُوا المُخَالِفِينَ وأَفْحَمُوهُمْ.

وأَمَّا المُعْتَزِلَةُ والفَلاسِفَةُ فَقَدْ مَجَّدُوا العَقْلَ وحاوَلُوا تَحْكِيمَهُ، ولكِنْ حُرِمُوا التَّوْفِيقَ، فَزَاغُوا وأَزَاغُوا، وخَالَفُوا العَقْلَ الَّذِي مَجَّدُوهْ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، وأَظْهَرُوا ضَلالَهُمْ، واللهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوابُ.

حكم البناء على القبر

حكم البناء على القبر

بسم الله الرحمن الرحيم وبعد،

قال الفقهاء: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبر، رواه مسلم وغيره، والحكمة في ذلك أن هذا فيه تضييق على الناس بـما لا مصلحة ولا غرض شرعي، وتصعيب دفن ميت جديد بعد أن يبلى الأول.

فإن كان القبر في الجبانة العامة فيحرم البناء عليه إلا في حالتين، الأولى: إن خشي أن ينبش السبع القبر قبل بلى الجسد الأول ويأكله. والثانية: إن خشي أن الناس ينبشون قبر هذا الميت لدفن ميت جديد قبل بلى الأول.اهـ

وأما إذا دفن في أرض خاصة فالبناء على قبره إن لم يكن للفخر فمكروه ولا يحرم. ولا يهدم عليه.اهـ ولا فرق في البناء بين أن يبنى قبة أو بيتا أو غيرهما. اهـ
قال النووي في شرح صحيح مسلم: وأما البناء عليه (على القبر)، فإن كان في ملك الباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام، نص عليه الشافعي والأصحاب.اهـ

يستحب أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر هكذا نص عليه الشافعي والأصحاب واتفقوا عليه. وذلك ليعرف فيزار ويحترم كقبره صلى الله عليه وسلم كما رواه ابن حبان في صحيحه. وتسطيحه أفضل من تسنيمه كقبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه فإنها كانت كذلك، فقد روى أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أُمَّهْ، اكشفي لي عن قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه -رضي الله عنهما- فكشفت لي عن ثلاثة قبور، لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. اهـ أي لا مرتفعة كثيرا ولا لاصقة بالأرض. زاد الحاكم: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ

فإن قيل: صححتم التسطيح وقد ثبت في صحيح البخاري عن سفيان التمار (وهو من كبار أتباع التابعين) قال: "رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما"، (فالجواب) ما أجاب به الإمام البيهقى رحمه الله قال: صحت رواية القاسم بن محمد السابقة المذكورة في الكتاب وصحت هذه الرواية، فنقول: القبر غير عما كان، فكان أول الأمر مسطحا كما قال القاسم، ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد بن عبد الملك وقيل في زمن عمر بن عبد العزير أصلح فجعل مسنما، قال البيهقي: وحديث القاسم أصح وأولى أن يكون محفوظا. اهـ
قال الحافظ ابن حجر في شرح صحيح البخاري: قوله: (مسنما) أي مرتفعا. اهـ إلى أن قال: الاختلاف في ذلك ( أي التسنيم والتسطيح) في أيهما أفضل لا في أصل الجواز. اهـ

قال النووي في المجموع: فإن قيل: هذا الذى ذكرتـموه مخالف لحديث على رضى الله عنه قال " أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته "، (فالجواب) ما أجاب به أصحابنا قالوا لم يرد التسوية بالأرض وإنـما أراد تسطيحه جمعا بين الأحاديث. اهـ

وقال النووي في شرح صحيح مسلم: (ولا قبرا مشرفا إلا سويته)، فيه أن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعا كثيرا، ولا يسنم، بل يرفع نحو شبر ويسطح، وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه، ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها وهو مذهب مالك.اهـ

وقال ابن الهمام في فتح القدير: هذا الحديث محمول على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء العالي وليس مرادنا ذلك بتسنيم القبر بل بقدر ما يبدو من الأرض ويتميز عنها".اهـ

وأمره صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه بأن يهدم القبور المشرفة أي المطولة العالية، يـحمل على كون البناء على القبر في مقبرة مسبلة أي مشتركة في الدفن، أو على ما كان من عمل الجاهلية

وأما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن حيث مات، في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها، ثم بعد وفاة السيدة عائشة، ورثتها أقروا أن يجدد البناء، فبنوا بناء جديدا، فهذا جائز. كانت القبور الثلاثة في الأول مسطحة، ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة. وعلماء الإسلام من حين دفن إلى أن جدد البناء، إلى يومنا هذا، ما حرموا.

بعد هذا البيان، قد أسفر الصبح لذي عينين، وتبين مما لا يدع مجالا للشك، أن خوارج هذا العصر الذين يكفرون المسلمين الأحياء والأموات، ويهدمون وينبشون مقامات وأضرحة الصالحين من صحابة وغيرهم، ويسعون سعيا حثيثا لـهدم القبة الخضراء فوق قبر نبيينا صلى الله عليه وسلم، وإخراج القبر الشريف وقبر الصاحبين رضي الله عنهما، بل ولـحرق الحجرة الشريفة وهدمها. حتى إن بعضهم سمى القبة الخضراء بالصنم.

فرقة منحرفة شاذة عن المسلمين، وأن خطرهم شديد على العوام. وأنه لا حق لهم ولا مسوغ شرعي لهم فيما قاموا به من هدم وتفجير مقام الصحابي زهير بن قيس والشيخ عبد السلام الأسمر والشيخ أحمد زروق وغيرهم في ليبيا ومصر والصومال وسوريا والحجاز وكثير من البلدان، وكذا محاولتهم الفاشلة لـهدم مقام الحسين عليه السلام في القاهرة. فاحذروهم وحذروا منهم. نعم صدق من سماهم بكلاب النار

وسبحان الله والحمد لله رب العالمين

الأحد، 10 مايو 2020

بيان أن الله منزه عن الجهة والجلوس والاستقرار على العرش بالأدلة من القرءان والحديث والعقل وأقوال الأئمة

أما ما يدل على ذلك من القرءان الكريم قول الله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }[سورة الشورى] أي أن الله تعالى لا يشبه شيئا من خلقه 
بوجه من الوجوه ، ففي هذه الآية نفي المشابهة والمماثلة ، فلا يحتاج إلى عرش ولا إلى مكان يحل فيه ولا إلى جهة يتحيز فيها .

وقول الله تعالى : { وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ}[سورة النحل] أي لله الوصف الذي لا يشبه وصف غيره ، فلا يوصف ربنا عز وجل بصفات المخلوقين من التغير والتطور والحلول في الأماكن والسكنى فوق العرش ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

وقال الله تعالى : { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ }[سورة النحل ] أي لا تجعلوا لله الشبيه والمثيل فإن الله تعالى لا شبيه له ولا مثيل له ، فلا ذاته يشبه الذوات ولا صفاته تشبه الصفات .

وأما الحديث فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( كان الله ولم يكن شئ غيره )) رواه البخاري (1) وغيره ، فهذا الحديث دليل على أنه لم يكن في الأزل مكان ، فهو سبحانه وتعالى موجود قبل المكان وبعد خلق المكان بلا مكان ولا جهة .

وقال سيدنا علي رضي الله عنه : (( إن الله تعالى خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا لذاته ))، وقال أيضا : 
(( قد كان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان )) ، أي موجود بلا مكان (1) . 

وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي (478 هـ) ما نصه (2) : (( ومذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات )) ا هـ.

وقال الأستاذ عبد القاهر التميمي (429 هـ) في كتابه (( الفرق بين الفرق )) ما نصه (3) : ((وأجمعوا على أنه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان )) ا هـ .

ونقل الشيخ تاج الدين السبكي الشافعي الأشعري ( 771 هـ ) عن الإمام فخر الدين بن عساكر (ت 620 هـ ) أنه قال :
(( إن الله تعالى موجود قبل الخلق ، ليس له قبل ولا بعد ولا فوق ولا تحت ، ولا يمين ولا شمال ، ولا أمام ولا خلف )) ا هـ،
ثم قال تاج الدين السبكي بعد أن ذكر هذه العقيدة ما نصه (4) : (( هذا ءاخر العقيدة وليس فيها ما ينكره سني )) ا هـ .

وأما الدليل العقلي على تنزيه الله عن المكان والجهة والجلوس ،
فنقول :
اعلم أن النظر العقلي السليم لا يخرج عما جاء به الشرع ولا يتناقض معه ، والعقل عند علماء التوحيد شاهد للشرع إذ أن الشرع لا يأتي إلا بمجوزات العقول كما قال الحافظ الفقيه الخطيب البغدادي : (( الشرع إنما يرد بموجزات العقول وأما بخلاف العقول فلا )) ا هـ.
وقال أهل الحق : إن الله ليس بمتمكن في مكان أي لا يجوز عليه المماسة للمكان والاستقرار عليه ، وليس معنى المكان ما يتصل جسم به على أن يكون الجسمان محسوسين فقط ، بل الفراغ الذي إذا حل فيه الجرم شغل غيره عن ذلك الفراغ مكان له ، كالشمس مكانها الفراغ الذي تسبح فيه ، وعند المشبهة والكرامية والمجسمة الله متمكن على العرش وتعلقوا بظاهر قوله تعالى :
{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [سورة طه ] فقالوا : الاستواء الاستقرار ، وقال بعضهم : الجلوس وهؤلاء المشبهة قسم منهم يعتقدون أن الله مستقر على العرش ، ويكتفون بهذا التعبير من غير أن يفسروا هل هذا استقرار اتصال أم استقرار محاذاة من غير مماسة ،
وقسم منهم صرحوا بالجلوس ، والجلوس في لغة العرب معناه تماس جسمين أحدهما له نصف أعلى ونصف أسفل ، فمن قال : إنه مستو على العرش استواء اتصال أي جلوس ، أو قال : استواؤه مجرد مماسة من غير صفة الجلوس فهو مجسم ضال ، والذين قالوا إنه مستو على العرش من دون مماسة أي إنما يحاذيه من فوق أي كما تحاذي أرضنا السماء فهؤلاء أيضا مجسمة ضالون ، فلا يجوز أن يكون قوله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه ] على إحدى هذه الصفات الثلاث , والتفسير الصحيح تفسير من قال 
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } قهر، لأن القهر صفة كمال لله تعالى ، وهو وصف نفسه به قال تعالى : {قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}
[سورة الرعد] ، فيصح تأويل الاستواء بالاستيلاء وإن كانت المعتزلة وافقت أهل السنة في ذلك .

وأقبح هذه الاعتقادات الفاسدة اعتقاد أن الله تعالى جالس على العرش أو واقف عليه لأن فيه جعل الله تعالى محمولا للعرش والعرش محمول للملائكة ، فالملائكة على هذا الاعتقاد قد حملوا الله تعالى ، فكيف يليق بالإله الذي أوجد العالم بأسره أن يحمله شئ من خلقه ، فعلى قول هؤلاء يلزم أن يكون الله محمول حامل ومحفوظ حافظ ،وهذا ما لا يقوله عاقل .

قال الإمام أبو سعيد المتولي الشافعي الأشعري ( 478هـ) في كتابه (( الغنية في أصول الدين)) ما نصه : (1)
(( والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافا للكرامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا إن لله جهة فوق .

وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه تعالى الله عن قولهم .

والدليل على أنه مستغن عن المحل أنه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديما لأنه - أي الله – قديم ، أو يكون – أي الله على زعمهم - حادثا كما أن المحل حادث ، وكلاهما كفر .

والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان لا يخلو إما أن يكون مثل العرش أو أصغر منه أو أكبر ، وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد والنهاية وهو كفر .

والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدرنا شخصا أعطاه الله تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع المسافة والصعود إلى فوق لا يخلو إما أن يصل إليه وقتا ما أو لا يصل إليه .

فإن قالوا : لا يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لأن كل موجودين بينهما مسافة معلومة وأحدهما لا يزال يقطع تلك المسافة ولا يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود .

فإن قالوا : يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسه أيضا ، ويلزم من ذلك كفران :

أحدهما : قدم العالم ، لأنا نستدل على حدوث العالم بالافتراق والاجتماع.

والثاني : إثبات الولد والزوجة )) أ هـ.

وقد نص الإمام المحدث الحافظ المفسر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي ( 597 هـ) على نفي التحيز في المكان والاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق عن الله تعالى ، ورد في كتابه (( الباز الأشهب )) (1) على ابن الزاغوني المجسم الذي قال :
(( فلما قال – تعالى –{ثُمَّ اسْتَوَى }[ سورة الأعراف ] علمنا اختصاصه بتلك الجهة ))، وقال ابن الزاغوني أيضا :
((ولا بد أن يكون لذاته نهاية وغاية يعلمها )) ، وقال ابن الجوزي في الرد عليه ما نصه : (( قلت هذا رجل لا يدري ما يقول ، لأنه إذا قدر غاية وفصلا بين الخالق والمخلوق فقد حدده وأقر بأنه جسم وهو يقول في كتابه أنه ليس بجوهر لأن الجوهر ما يتحيز ، ثم يثبت له مكانا يتحيز فيه .

قلت : - أي ابن الجوزي – وهذا كلام جهل من قائله وتشبيه محض فما عرف هذا الشيخ ما يجب للخالق تعالى وما يستحيل عليه ، فإن وجوده تعالى ليس كوجود الجواهر والأجسام التي لا بد لها من حيز ، والتحت والفوق إنما يكون فيما يقابل ويحاذى ، ومن ضرورة المحاذي أن يكون أكبر من المحاذى أو أصغر أو مثله ، وأن هذا ومثله إنما يكون في الأجسام ، وكل ما يحاذي الأجسام يجوز أن يمسها ، وما جاز عليه مماسة الأجسام ومباينتها فهو حادث إذ قد ثبت أن الدليل على حدوث الجواهر قبولها المماسة والمباينة ، فإن أجازوا هذا عليه قالوا بجواز حدوثه ، وإن منعوا هذا عليه لم يبق لنا طريق لإثبات حدوث الجواهر ، ومتى قدرنا مستغنيا عن المحل ومحتاجا إلى الحيز ثم قلنا: إما أن يكونا متجاورين أو متباينين كان ذلك محالا ، فإن التجاور والتباين من لوازم التحيز في المتحيزات .

وقد ثبت أن الاجتماع والافتراق من لوازم التحيز ، والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالتحيز لأنه لو كان متحيزا لم يخل إما أن يكون ساكنا في حيزه أو متحركا عنه ، ولا يجوز أن يوصف بحركة ولا سكون ولا اجتماع ولا افتراق ، ومن جاور أو باين فقد تناهى ذاتا والتناهي إذا اختص بمقدار استدعى مخصصا ، وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج منه ، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات فهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختص بالأجرام .

وأما قولهم خلق الأماكن لا في ذاته فثبت انفصاله عنها قلنا : ذاته المقدس لا يقبل أن يخلق فيه شئ ولا أن يحل فيه شئ ، وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط حتى قال بعضهم إنما ذكر الاستواء على العرش لأنه أقرب الموجودات إليه ، وهذا جهل أيضا لأن قرب المسافة لا يتصور إلا جسم ، ويعز علينا كيف ينسب هذا القائل إلى مذهبنا .

واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى :{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }[ سورة فاطر] وبقوله : {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ }
[سورة الأنعام ] وجعلوا ذلك فوقية حسية ونسوا أن الفوقية الحسية إنما تكون لجسم أو جوهر ، وأن الفوقية قد تطلق لعلو المرتبة فيقال : فلان فوق فلان. ثم إنه كما قال تعالى : {فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ مَّعَكُمْ } ، فمن حملها على العلم حمل خصمه الاستواء على القهر، وذهبت طائفة إلى أن الله تعالى على عرشه وقد ملأه والأشبه – أي على زعم هذه الطائفة المجسمة – أنه مماس للعرش والكرسي موضع قدميه . قلت : المماسة إنما تقع بين جسمين وما أبقى هذا في التجسيم بقية )) انتهى كلام الحافظ ابن الجوزي ولقد أجاد وشفى وكفى .

وقال المفسر فخر الدين الرازي (606 هـ) ما نصه(1) : (( فلو كان علو الله تعالى بسبب المكان لكان علو المكان الذي بسببه حصل هذا العلو لله تعالى صفه ذاتية ، ولكان حصول هذا العلو لله تعالى حصولا بتبعية حصوله في المكان ، فكان  علو المكان أتم وأكمل من علو ذات الله تعالى ، فيكون علو الله ناقصا وعلو غيره كاملا وذلك محال )) ا هـ.


وقال أيضا عند تفسير ءاية { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }[سورة طه ] ما نصه (1) : (( المسألة الثانية : المشبهة تعلقت بهذه الآية في أن معبودهم جالس على العرش وهذا باطل بالعقل والنقل من وجوه :

أحدها: أنه سبحانه وتعالى كان ولا عرش ولا مكان ، ولما خلق الخلق لم يحتج إلى مكان بل كان غنيا عنه ، فهو بالصفة التي لم يزل عليها إلا أن زاعم أنه لم يزل مع الله عرش.

وثانيها : أن الجالس على العرش لا بد وأن يكون الجزء الحاصل منه في يمين العرش غير الحاصل في يسار العرش ، فيكون في نفسه مؤلفا مركبا وكل ما كان كذلك احتاج إلى المؤلف والمركب ، وذلك محال.

وثالثها : أن الجالس على العرش إما أن يكون متمكنا من الانتقال والحركة أو لا يمكنه ذلك ، فإن كان الأول فقد صار محل الحركة والسكون فيكون محدثا لا محالة ، وإن كان الثاني كان كالمربوط.

ورابعها : هو أن معبودهم إما أن يحصل في كل مكان أو في مكان دون مكان ، فإن حصل في كل مكان لزمهم أن يحصل في مكان النجاسات والقاذورات وذلك لا يقوله عاقل ، وإن حصل في مكان دون مكان افتقر إلى مخصص يخصصه بذلك المكان فيكون محتاجا وهو على الله محال )) ا هـ.


وقال الحافظ المحدث اللغوي الفقيه السيد محمد مرتضى الزبيدي الحنفي ( 1205هـ) عند شرح كلام الغزالي (2) :
(( الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسما مماسا للعرش : إما مثله أو أكبر منه أو أصغر ، وذلك محال ، وما يؤدي إلى المحال فهو محال )) ما نصه (3) : (( وتحقيقه أنه تعالى لو استقر على مكان أو حاذى مكانا لم يخل من أن يكون مثل المكان أو أكبر منه أو أصغر منه ، فإن كان مثل المكان فهو إذا متشكل بأشكال المكان حتى إذا كان المكان مربعا كان هو  مربعا أو كان مثلثا كان وهو مثلثا وذلك محال، وإن كان أكبر من المكان فبعضه على المكان ، ويشعر ذلك بأنه متجزئ وله كل ينطوي على بعض وكان بحيث ينتسب إليه المكان بأنه ربعه أو خمسه ، وإن كان أصغر من ذلك المكان بقدر لم يتميز عن ذلك المكان إلا بتحديد وتتطرق إليه المساحة والتقدير ، وكل ما يؤدي إلى  جواز التقدير على البارئ تعالى فتجوزه (1) في حقه كفر من معتقده، وكل من جاز عليه الكون بذاته على محل لم يتميز عن ذلك المحل إلا بكون (2) ، وقبيح وصف البارئ بالكون، ومتى جاز عليه موازاة مكان أو مماسته جاز عليه مباينته ، ومن جاز عليه المباينة والمماسة لم يكن إلا حادثا ، وهل علمنا حدوث العالم إلا بجواز المماسة والمباينة على أجزائه . وقصارى الجهلة قولهم :كيف يتصور موجود لا في محل ؟ وهذه الكلمة تصدر عن بدع وغوائل لا يعرف غورها وقعرها إلا كل غواص على بحار الحقائق ، وهيهات طلب الكيفية حيث يستحيل محال.

والذي يدحض شبههم أن يقال لهم : قبل أن يخلق العالم أو المكان هل كان موجودا أم لا؟ فمن ضرورة العقل أن يقول :بلى ،فيلزمه لو صح قوله : لا يعلم موجود إلا في مكان أحد أمرين : إما أن يقول: المكان والعرش والعالم قديم ، وإما أن يقول : الرب تعالى محدث، وهذا مال الجهلة الحشوية ليس القديم بالمحدث والمحدث بالقديم. ونعوذ بالله من الحيرة في الدين)) ا هـ.

وقال أيضا ما نصه (3) : (( فإن قيل : نفيه عن الجهات الست إخبار عن عدمه إذ لا عدم أشد تحقيقا من نفي المذكور عن الجهات الست . قلت: النفي عن الجهات الست لا يكون ذلك إخبارا عن عدم ما لو كان لكان في جهة من النافي لا نفي ما يستحيل أن يكون في جهة منه ، ألا ترى أن من نفى نفسه عن الجهات الست لا يكون ذلك إخبارا عن عدمه لأن نفسه ليست بجهة منه . وأما قول المعتزلة : القائمان بالذات يكون [كل] واحد منهما بجهة صاحبه لا محالة فالجواب عنه: هذا على الإطلاق أم بشريطة أن يكون كل واحد منهما محدودا متناهيا ؟ الأول ممنوع ، والثاني مسلم ولكن البارئ تعالى يستحيل أن يكون محدودا متناهيا.


تنبيه :هذا المعتقد لا يخالف فيه بالتحقيق سني لا محدث ولا فقيه ولا غيره ولا يجئ قط في الشرع على لسان نبي التصريح بلفظ الجهة، فالجهة بحسب التفسير المتقدم منفية معنى ولفظا وكيف لا والحق يقول : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ولو كان في جهة بذلك الاعتبار لكان له أمثال فضلا عن مثل واحد )) انتهى كلام الزبيدي .

وممن صرح بنفي الجلوس والاستقرار على العرش في حق الله من أئمة السلف الإمام المجتهد أبو حنيفة رضي الله عنه . فقد قال في كتابه (( الوصية )) : (( نقر بأن الله على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه ، وهو الحافظ للعرش وغير العرش ، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوق )) (1) ا هـ .

وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي الأندلسي (ت543 هـ ) في كتابه ((عارضة الأحوذي )) (2) في الرد على المبتدعة الذين يزعمون أن الله في جهة فوق العرش : ((قالوا – أي هؤلاء المبتدعة – وحجتهم ظاهر قول الله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}
[سورة طه] قلنا: وما العرش في العربية ؟ وما الاستواء ؟ قالوا : كما قال الله تعالى :{ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } [ سورة الزخرف] قلنا : إن الله ، تعالى أن يمثل استواؤه على عرشه باستوائنا على ظهور الركائب ، قالوا : وكما قال :{ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ } [سورة هود ] قلنا: تعالى الله أن يكون كالسفينة جرت حتى لمست فوقفت ، قالوا : وكما قال :{ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [سورة المؤمنون ] قلنا : معاذ الله أن يكون استواؤه كاستواء نوح وقومه لأن هذا كله استواء مخلوق بارتفاع وتمكن في مكان واتصال ملامسة ، وقد اتفقت الأمة من قبل سماع الحديث ومن بعده على أنه ليس استواؤه على شئ من ذلك ، فلا يضرب له المثل بشئ من خلقه ، قالوا : قال الله عز وجل
{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } [ سورة السجدة ] ، { } ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء }[ سورة البقرة ] قلنا : تناقضت تارة تقول إنه على العرش فوق السماء ثم تقول إنه في السماء لقوله : { ءأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء } [سورة الملك ] وقلت إن معناه على السماء . . . )) ا هـ، إلى ءاخر كلامه في الرد على من أثبت الجهة.

ثم قال : (( والذي يجب أن يعتقد في ذلك أن الله كان ولا شئ معه ثم خلق المخلوقات من العرش إلى الفرش فلم يتعين بها ولا حدث له جهة منها ولا كان له مكان فيها فإنه لا يحول ولا يزول ، قدوس لا يتغير ولا يستحيل. وللاستواء في كلام العرب خمسة  عشر معنى ما بين حقيقة ومجاز ، منها ما يجوز على الله فيكون معنى الآية ومنها ما لا يجوز على الله بحال وهو ما إذا كان الاستواء بمعنى التمكن أو الاستقرار أو الاتصال أو المحاذاة فإن شيئا من ذلك لا يجوز على البارئ تعالى ولا يضرب له الأمثال في المخلوقات ، وإما أن لا يفسر كما قال مالك وغيره أن الاستواء معلوم يعني مورده في اللغة)) ا هـ، ثم قال: (( فتحصل لك من كلام إمام المسلمين أن الاستواء معلوم وأن ما يجوز على الله غير متعين وما يستحيل عليه هو منزه عنه )) ا هـ .

وقال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي في (( السيف الصقيل )) ما نصه (1) : (( ومن أطلق القعود وقال إنه لم يرد صفات الأجسام قال شيئا لم تشهد به اللغة فيكون باطلا وهو كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤخذ بإقراره ولا يفيد إنكاره )) ا هـ . وقال الحافظ عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (ت597 هـ ) في كتابه (( الباز الأشهب )) ما نصه (1) : (( الخالق سبحانه وتعالى لا يجوز أن يوصف بالجلوس على شئ فيفضل من ذلك الشئ لأن هذه صفة الأجسام )) ا هـ.

وقال الذهبي (748هـ ) في كتابه (( الكبائر )) ما نصه (2) : (( ولو قال إن الله جلس للإنصاف أو قام للإنصاف كفر )) ا هـ.

وقال الكمال بن الهمام الحنفي في (( فتح القدير )) ما نصه (3) : (( من قال الله جسم لا كالأجسام كفر )) ا هـ .

وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي (947 هـ) في (( المنهاج القويم )) ما نصه (4) : (( واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك واحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بتكفير القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك )) ا هـ .

وفي مختصر الإفادات (5) لابن بلبان الدمشقي الحنبلي من أهل القرن الحادي العشر تكفير من قال إن الله في مكان أو قال إنه تعالى بكل مكان بذاته وتكفير من قال إن الله جسم أو جسم لا كالأجسام . ا هـ .

وقال الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي (1143هـ) في (( الفتح الرباني )) (6) : (( ومن اعتقد أن الله جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنه مسلم )) ا هـ .

قال الشيخ محمد زاهد الكوثري (1371هـ) : (( إن القول بإثبات الجهة له تعالى كفر عند الأئمة الأربعة هداة الأمة كما نقل عنهم العراقي على ما في (( شرح المشكاة )) لعلي القاري ))ا هـ .

وقال العلامة المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الهرري في كتابه (( المقالات )) ما نصه (1) : (( قولهم إن استواء الله على العرش جلوس لكن لا كجلوسنا ويستشهدون لذلك بقول بعض الأئمة (( لله وجه لا كوجوهنا ويد لا كأيدينا وعين لا كأعيننا )) .
والجواب عنه : أن الجلوس في لغة العرب لا يكون إلا من صفات الأجسام ، فالعرب لا تطلق الجلوس إلا على اتصال جسم بجسم على أن يكون أحد الجسمين له نصفان نصف أعلى ونصف أسفل ، وليس للجلوس في لغة العرب معنى إلا هذا ، وهم في هذا أثبتوا – أي الوهابية – الجسمية لله وبعض صفاتها ولا يجوز ذلك على الله لأنه لو كان كذلك لكان له أمثال لا تحصى ، فالجلوس يشترك فيه الإنسان والجن والملائكة والبقر والكلب والقرد والحشرات وإن اختلفت صفات جلوسهم .

ويقال لهم : أما الوجه واليد والعين فليست كذلك فإن الوجه في لغة العرب يطلق على الجسم وعلى غير الجسم ، والوجه بمعنى الجسم هو هذا الجزء الذي هو مركب في ابن ءادم وفي سائر ذوات الأرواح . وأما معنى الوجه الذي هو غير هذا الجزء في لغة العرب فمنه الملك كما فسر البخاري في جامعه (2) قوله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ }[ سورة القصص] قال : (( إلا ملكه )) ا هـ ،
ويطلق الوجه إذا أضيف إلى الله بمعنى ما يقرب إلى الله من الأعمال كالصلاة والصيام وسائر الأعمال الصالحة . ويطلق على الذات ، والذات بالنسبة إلى المخلوقين الجرام الكثيف أو اللطيف كحجم الإنسان وحجم النور والريح هذا معنى الذات في المخلوق ، أما الذات إذا أضيف إلى الله فمعناه حقيقته لا بمعنى الحجم الكثيف أو اللطيف ، وأما اليد فلها في لغة العرب معان منها ما هو أجرام وأجسام ومنها ما هو غير الأجرام ، فاليد تأتي بمعنى الجارحة التي هي مركبة في الإنسان وفي البهائم ، وتأتي بمعنى غير الجرم كالقوة ، وتأتي بمعنى العهد . وأما العين فتطلق في لغة العرب على الجرم كعين الإنسان والحيوانات ، وتطلق على الذهب ، وتطلق على الجاسوس، وتطلق على الماء النابع ، وتطلق بمعنى الحفظ . وبهذا بان الفرق بين الجلوس وبين الوجه واليد والعين .

فلما كانت هذه الألفاظ الثلاثة واردة في القرءان مضافة إلى الله كان لها معان غير الجسم وصفات الجسم ، فأراد أبو حنيفة وغيره من الذين أطلقوا هذه العبارة (( لله وجه لا كوجوهنا ويد لا كأيدينا وعين لا كأعيننا )) معاني هذه الألفاظ الثلاثة التي هي غير الجسم ولا هي صفة جسم مما يليق بالله كالقوة والملك والذات والحفظ كما قال المفسرون في تفسير قول الله تعالى :
{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [سورة طه ] قالوا : على حفظي.
ولهم – أي الوهابية – تمويه ءاخر وهو قولهم : (( نثبت لله ما أثبت لنفسه وننفي عنه ما نفى عن نفسه )) ، يقال لهم : أنتم على عكس الحقيقة تثبتون لله الجسمية والحركة والسكون والتحيز في جهة أو مكان وهذا شئ نفاه الله عن نفسه بقوله تعالى :
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }[ سورة الشورى ] تدعون أن قوله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [سورة طه] أنه جلوس على العرش والجلوس صفة للإنسان والجن والملائكة والبقر وسائر البهائم والكلاب والقرود وهذا تنقيص لله تعالى ، أما الذي تنكرونه وهو تفسير الاستواء بالقهر فهو شئ أثبته الله لنفسه بقوله {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [سورة الرعد] . لذلك جرت عادة المسلمين أن يسموا أولادهم عبد القاهر ولم يسم أحد من المسلمين عبد الجالس . ويقال لهم : أثبت الله لنفسه الاستواء الذي يليق به وهو القهر وفي معناه الاستيلاء . وقد قال شارح القاموس، وأبو القاسم الأصبهاني اللغوي المشهور في (( مفردات القرءان )) إن الاستواء إذا عدي بعلى كان معناه الاستيلاء
(1) ، ولا معنى لقول ابن الأعرابي إن الاستيلاء لا يكون إلا عن سبق مغالبة ، فإنكم قد خرجتم عن الاستواء اللائق لله تعالى وعمدتم إلى الاستواء الذي هو لا يليق به وهو الجلوس انتهى كلام الشيخ الهرري .

وقال الحافظ البيهقي في كتابه (( الاعتقاد)) ما نصه (2): (( يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان ولا مماسة لشئ من خلقه )) ا هـ .

وقال الرازي في تفسيره ما نصه (3) : (( أما قوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }[سورة الأعراف] فاعلم أنه لا يمكن أن يكون المراد منه كونه مستقرا على العرش، ويدل على فساده وجوه عقلية ووجوه نقلية، أما العقلية فأمور أولها : أنه لو كان مستقرا على العرش لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهيا وإلا لزم كون العرش داخلا في ذاته وهو محال ، وكل ما كان متناهيا فإن العقل يقضي بأنه لا يمنع أن يصير أزيد منه أو أنقص منه بذرة ، والعلم بهذا الجواز ضروري. فلو كان البارئ تعالى متناهيا من بعض الجوانب لكان ذاته قابل للزيادة والنقصان ، وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بذلك المقدار المعين بتخصيص مخصص وتقدير مقدر،وكل ما كان كذلك فهو محدث ، فثبت أنه تعالى لو كان على العرش لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهيا ، ولو كان كذلك لكان محدثا وهذا محال ، فكونه عل العرش يجب أن يكون محالا ))ا هـ.

وقد قال المفسر اللغوي أبو حيان الأندلسي (745هـ) في تفسيره ما نصه (4): (( وأما استواؤه تعالى على العرش فحمله على ظاهره من الاستقرار بذاته على العرش قوم، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا )) اهـ.
وذكر الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (476هـ) صاحب(( التنبيه ))عقيدة أهل الحق فقال في كتابه : (( الإشارة ))(1) ما نصه : (( إن الله عز وجل مستو على العرش ، قال الله عز وجل :
{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [سورة يونس ]، وأن استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة لأن الاستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة والرب عز وجل قديم أزلي لا يجوز عليه التغيير ولا التبديل ولا الانتقال ولا التحريك ))اهـ.

وقال الشيخ عز الدين عبد العزيز عبد السلام (ت660هـ ) في عقيدته المشهورة التي رد بها على مجسمة عصره ما نصه (2):
(( استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده ، استواءا منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال ، فتعالى الله الكبير المتعال عما يقول أهل الغي والضلال ، بل لا يحمله العرش ، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته)) اهـ.

وكان هؤلاء المجسمة يكرهون الشيخ عز الدين لأنه كان من الأشاعرة _والوهابية كذلك يكرهون الأشاعرة ويضللونهم – والأشاعرة عم أتباع الإمام أبي الحسن الأشعري وهم والماتريدية أتباع الإمام أبي منصور الماتريدي أهل السنة والجماعة جمهور أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فصاروا أي المشبهة يحرضون السلطان الأشرف ضد الشيخ فإنه كانت لهم صلة به ، فقد صحبهم السلطان في صغره ، وعلم بذلك الشيخ العلامة جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب المالكي وكان عالم مذهبه في زمانه ، فقام بنصرة الحق وأهله وقال (3) :
((ما قاله ابن عبد السلام هو مذهب أهل الحق وأن جمهور السلف والخلف على ذلك ولم يخالفهم فيه إلا طائفة مخذولة )) اهـ.

ولم تخمد هذه الفتنة بل ظل المجسمة يعيثون في الأرض فسادا حتى علم الشيخ العلامة جمال الدين الحصيري شيخ الحنفية في زمانه بما جرى للشيخ عز الدين وكيف أن المجسمة استنصروا على أهل السنة وعلت كلمتهم بحيث عن المجسمة صاروا إذا خلوا بأهل السنة أي الأشاعرة في المواضع الخالية يسبونهم ويضربونهم ويذمونهم – وكذا الوهابية اليوم يذمون الأشاعرة ويسبونهم ويكفرونهم – فاجتمع بالسلطان وتكلم معه في بيان عقيدة أهل السنة من أن الله منزه عن الاستقرار ولا يشبهه شئ وأن كلام الله ليس بحرف ولا صوت ، فانكسرت المبتدعة بعض الانكسار ، ولم يزل الأمر مستمرا على ذلك إلى أن اتفق وصول السلطان الملك الكامل رحمه الله تعالى من الديار المصرية وكان اعتقاده صحيحا، وكان وهو بالديار المصرية قد سمع ما جرى في دمشق للشيخ ، فرام الاجتماع بالشيخ ابن عبد السلام فاعتذر إليه ، وعاتب السلطان الأشرف على ما صدر منه ،وهكذا ذلت رقاب المبتدعة وانقلبوا خائنين وعادوا خاسئين ، وكان ذلك على يد السلطان الملك الكامل ، واعتذر السلطان الأشرف من الشيخ وقال (1)
(( لقد غلطنا في حق ابن عبد السلام غلطة عظيمة )) ا هـ.
فصار يطلب أن يقرأ عليه العقيدة التي أملاها الشيخ ابن عبد السلام ويأمر بقراءتها في المجالس العامة لتعم الفائدة .
فرحم الله تعالى من عمل على نشر عقيدة أهل الحق ودافع عنها فإنها رأس مال المؤمن التي يدخرها لآخرته.


الأحد، 3 مايو 2020

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كان الله ولم يكن شىءٌ غيره" رواه البخاري والبيهقي.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كان الله ولم يكن شىءٌ غيره" رواه البخاري والبيهقي.
ومعناه أن الله لم يزل موجودًا في الأزل ليس معه غيرُه لا ماءٌ ولا هواءٌ ولا أرضٌ ولا سماءٌ ولا كرسيٌّ ولا عرشٌ ولا إنسٌ ولا جنٌّ ولا ملائكةٌ ولا زمانٌ ولا مكانٌ، فهو تعالى موجودٌ قبل المكان بلا مكان، وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه. والله تعالى لا يوصف بالتغيّر من حالة إلى أخرى لأن التغيّر من صفات المخلوقين، فلا يقال كما تقول المشبّهة إن الله كان في الأزل ولا مكان ثم بعد أن خلق المكان صار هو في مكان وجهة فوق والعياذ بالله تعالى. وما أحسن قول المسلمين المنزهين في لبنان: "سبحان الذي يُغيِّر ولا يتغيَّر"، وهذه عبارة سليمة عند أهل السنة، غير أن المشبهة المجسمة أدعياء السلفية تشمئز نفوسهم منها لأنها تهدم عليهم عقيدة التشبيه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أنت الأوَّلُ فليس قبلَك شىءٌ، وأنت الآخِر فليس بعدَك شىءٌ، وأنت الظاهرُ فليس فوقَكَ شىءٌ، وأنت الباطن فليس دونَك شىءٌ" رواه مسلم.
قال الحافظ البيهقي الشافعي الأشعري ما نصه: "استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه ـ أي عن الله ـ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت الظاهر فليس فوقك شىء، وأنت الباطن فليس دونك شىء"، وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان" اهـ كلام البيهقي.
أما ما رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أنكم دَلَّيْتُم رجُلاً بحبلٍ إلى الأرض السفلى لهبط على الله" رواه الترمذي،
هو حديث ضعيف، لكن تأوَّله علماء الحديث على أن علم الله شامل لجميع الأقطار وأنه منزه عن المكان، فالشاهد هو في استدلال العلماء به على نفي المكان عن الله،
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "معناه أن علم الله يشمل جميع الأقطار، فالتقدير لهبط على علم الله، والله سبحانه وتعالى تنزه عن الحلول في الأماكن، فالله سبحانه وتعالى كان قبل أن تحدث الأماكن" اهـ، نقله عنه تلميذه الحافظ السخاوي في كتابه "المقاصد الحسنة"، وذكره أيضًا الحافظ المحدِّث المؤرخ محمد بن طولون الحنفي وأقرَّه عليه.
وقال الحافظ المحدّث أبو بكر البيهقي الشافعي الأشعري بعد أن ذكر هذه الروايةَ ما نصه: "والذي رُويَ في ءاخر هذا الحديث إشارةٌ إلى نفي المكان عن الله تعالى، وأن العبد أينما كان فهو في القرب والبعد من الله تعالى سواء، وأنه "الظاهر" فيصح إدراكه بالأدلة، "الباطن" فلا يصح إدراكه بالكون في مكان" اهـ. وكذلك استدل به أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على سنن الترمذي على أن الله موجود بلا مكان، فقال ما نصه: "والمقصود من الخبر أن نسبة البارىء من الجهات إلى فوق كنسبته إلى تحت، إذ لا ينسب إلى الكون في واحدة منهما بذاته" اهـ. أي أن الله منـزه عن الجهة فلا يسكن فوق العرش كما تقول المجسمة، ولا هو بجهة أسفل، لأن الله تعالى كان قبل الجهات الست، ومن استحال عليه الجهةُ استحال عليه المكانُ، فالله تعالى لا يحُل في شىء ولا يشبه شيئًا، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
ومن الأحاديث الدالة على تنـزيه الله عن الجهة، ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"أقربُ ما يكونُ العبدُ مِن ربّه وهو ساجد، فأكثروا الدُّعاء".
قال الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي :"قال البدر بن الصاحب في تذكرته: في الحديث إشارة إلى نفي الجهة عن الله تعالى".
ويدل أيضًا على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ما ينبغي لعبدٍ أن يقول: إني خيرٌ من يونس بن متَّى" اهـ. واللفظ للبخاري.
قال الحافظ المحدِّث الفقيه الحنفي مرتضى الزبيدي ما نصه: "ذَكر الإمام قاضي القضاة ناصر الدين بن المُنَيِّر الإسكندري المالكي في كتابه "المنتقى في شرف المصطفى" لما تكلم على الجهة وقرر نفيَها قال: ولهذا أشار مالك رحمه الله تعالى في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متى"، فقال مالك: إنما خص يونس للتنبيه على التنزيه لأنه صلى الله عليه وسلم رفع إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحقّ جل جلاله نسبة واحدة، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفضل وَلمَا نهى عن ذلك. ثم أخذ الإمام ناصر الدين يبدي أن الفضل بالمكانة لا بالمكان، هكذا نقله السبكي في رسالة الرد على ابن زفيل" اهـ.
وابن زفيل هو ابن قيم الجوزية المبتدع تلميذ الفيلسوف المجسم ابن تيمية الذي قال مؤيدًا لعقيدة متأخري الفلاسفة: إن الله لم يخلق نوع العالم، وهذا كفرٌ بإجماع المسلمين كما ذكر العلاَّمة الشيخ بدر الدين الزركشي في كتابه "تشنيف المسامع.
وقال المفسّر أبو عبد الله القرطبي في تفسيره ما نصه: "قال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفضّلوني على يونس بن متى" المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت، وهذا يدل على أن البارىءَ سبحانه وتعالى ليس في جهة" اهـ.
قال العلامة المحدّث الفقيه عبد الله الهرري رحمه الله ما نصه: "ومما استدل به أهل السنة على أن العروج بالنبي إلى ذلك المستوى (الذي لمّا وصل إليه سمع كلام الله) لم يكن لأن الله تعالى متحيزٌ في تلك الجهة: أن موسى لم يسمع كلامه وهو عارجٌ في السموات إلى محل كالمحل الذي وصل إليه الرسول محمد، بل سمع وهو في الطور، والطور من هذه الأرض؛ فيُعلَمُ من هذا أن الله موجودٌ بلا مكان، وأن سماع كلامه ليس مشروطًا بالمكان، وأن صفاته ليست متحيزة بالمكان؛ جعل سماع محمد لكلامه الأزلي الأبدي في وقت كان فيه محمد في مستوى فوق السموات السبع حيث يعلمُ الله، وموسى كان سماعُه في الطور، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم صار مشرفًا بجميع أقسام التكليم الإِلهيّ المذكور في تلك الآية، ولم يجتمع هذا لنبي سواه" اهـ.
ومما يدل أيضًا على تنـزيهه تعالى عن الجهة ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كَفَّيْه إلى السماء" اهـ. أي أن النبي جعل بطون كفَّيْه إلى جهة الأرض، وفي ذلك إشارة إلى أن الله عز وجل ليس متحيّزًا في جهة العلو كما أنه ليس في جهة السُّفل.

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...