قِيمَةُ العَقْلِ في الإِسْلامِ بسم الله والحمد لله على نعمة العقل والصلاة والسلام على أرجح الناس عقلا وبعد تَجْدُرُ الإشارَةُ إلى أنَّ الإسْلامَ جَعَلَ لِلْعَقْلِ مَنْزِلَةً واعْتِبارًا، فَتَكَرَّرَ ذِكْرُهُ والحَثُّ على اسْتِعْمالِهِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ؛ ولا يَجُوزُ إهْدارُ قِيمَةِ العَقْلِ (كما يَفْعَلُ أَحْبارُ النَّصارَى وحاخاماتُ اليَهُودِ وغَيْرُهُمْ مِنَ الكُفّارِ بِسَبَبِ مُنَاقَضَةِ عَقَائِدِهِمْ لِلْعَقْلِ)، ولا يَجُوزُ تعطِيلُ العَقْلِ، وإنْكارُ صِحَّةِ الاسْتِدْلالِ العَقْلِيِّ، والاسْتِخْفافُ بِالبُرْهانِ العَقْلِيِّ (كما تَفْعَلُ الوَهَّابِيَّةُ خَوفًا على عَقَائِدِهَا المُخَالِفَةِ لِلْعَقْلِ)؛ فالعَقْلُ، كَالحَواسِّ السَّلِيمَةِ، مِنْ مَصادِرِ العِلْمِ اليَقِينِيِّ المُتَحَقِّقِ لِلْخَلْقِ؛ وإهْدارُ قِيمَةِ العَقْلِ وتعطِيلُهُ مُخالِفٌ لِدِينِ الإسْلامِ، فَهُوَ يُؤَدِّي إلى سَدِّ بابٍ عَرِيضٍ ومَدْخَلٍ وَاسِعٍ طالَما سَلَكَهُ العُلَماءُ لإبْطَالِ عَقَائِدِ الكَفَرَةِ، ويُشَجِّعُ كُلَّ زائِغٍ عَلَى تَحْرِيفِ الكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، ووَصْفِ اللهِ بِما يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، ونَقْضِ عُرَى الدِّينِ عُرْوَةً عُرْوَةً كَمَا يَشاءُ، كَمَا يُؤَدِّي التَّمادَي في مُكابَرَةِ العَقْلِ إلى السَّفْسَطَةِ، وهِيَ مَذْهَبٌ كُفْرِيٌّ يُنْكِرُ حَقِيقَةَ وُجُودِ المَوْجُوداتِ. ولْيُعْلَمْ أَيْضًا بِأَنَّهُ لا يَجُوزُ تَفْسِيرُ القُرآنِ والحَدِيثِ إِلاّ بِمَا يُوَافِقُ العَقْلَ، لأنَّ الشَّرْعَ لا يأتِي إِلاّ بِمُجَوَّزاتِ العَقْلِ (أيْ ِبَما يَقْبَلُهُ العَقْلُ)، ولِذَلِكَ تَكَرَّرَ ذِكْرُ "قَوْمٍ يَعْقِلُونَ" و"أُولِي الأَلْبَابِ" ونَحْوِهَا، في مُحْكَمِ الكِتَابِ. فَائِدَةٌ: أَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ هُمْ مَنْ أَحْسَنَ الاسْتِدْلالَ العَقْلِيَّ ولَيْسَ المُعْتَزِلَةُ والفَلاسِفَةُ ولَيْسَ صَحِيحًا ما شَاعَ في عَصْرِنَا، ويُلَقَّنُهُ الطَّلَبَةُ في المَدَارِسِ، مِنْ أَنَّ المُعْتَزِلَةَ (كَالجَاحِظِ)، والفَلاسِفَةَ قَبْلَهُمْ (كَأَفْلاطُونَ)، هُمْ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلى العَقْلِ ويُحْسِنُ الاسْتِدْلالَ بِهِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، وإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّ أَئِمَّةَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ والشَّافِعِيِّ والأَشْعَرِيِّ والماتُرِيدِيِّ، هُمْ مَنْ أَقَامُوا الحُجَجَ العَقْلِيَّةَ عَلَى عَقَائِدِ الإِسْلامِ الدِّينِيَّةِ، وأَلْزَمُوا المُخَالِفِينَ وأَفْحَمُوهُمْ. وأَمَّا المُعْتَزِلَةُ والفَلاسِفَةُ فَقَدْ مَجَّدُوا العَقْلَ وحاوَلُوا تَحْكِيمَهُ، ولكِنْ حُرِمُوا التَّوْفِيقَ، فَزَاغُوا وأَزَاغُوا، وخَالَفُوا العَقْلَ الَّذِي مَجَّدُوهْ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، وأَظْهَرُوا ضَلالَهُمْ، واللهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوابُ. |
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الأربعاء، 13 مايو 2020
قِيمَةُ العَقْلِ في الإِسْلامِ
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية
قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...
-
إرشاد الأوَّاه الى تحريمِ لفظِ الجلالة ِ باسم ِ ءاه إرشاد الأوَّاه الى تحريمِ لفظِ الجلالة ِ باسم ِ ءاه تأليف أبي المكارم الشاذلي ...
-
يقول المجسمة والعياذ بالله: إن من يتصف بأنه لا خارج العالم ولا داخله فهو معدوم، لأنه لا يتصور وجود شيء لا داخل العالم ولا خارجه .فمن حيث ال...
-
زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم تُسن للقاصدين بسفرهم زيارة قبره الشريف، وهي من القُرب العظيمة، ويُستحب أن تنوي بقلبك زيارة قبر النبي صل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق