بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 13 مايو 2020

قِيمَةُ العَقْلِ في الإِسْلامِ

قِيمَةُ العَقْلِ في الإِسْلامِ

بسم الله والحمد لله على نعمة العقل والصلاة والسلام على أرجح الناس عقلا وبعد

تَجْدُرُ الإشارَةُ إلى أنَّ الإسْلامَ جَعَلَ لِلْعَقْلِ مَنْزِلَةً واعْتِبارًا، فَتَكَرَّرَ ذِكْرُهُ والحَثُّ على اسْتِعْمالِهِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ؛ ولا يَجُوزُ إهْدارُ قِيمَةِ العَقْلِ (كما يَفْعَلُ أَحْبارُ النَّصارَى وحاخاماتُ اليَهُودِ وغَيْرُهُمْ مِنَ الكُفّارِ بِسَبَبِ مُنَاقَضَةِ عَقَائِدِهِمْ لِلْعَقْلِ)، ولا يَجُوزُ تعطِيلُ العَقْلِ، وإنْكارُ صِحَّةِ الاسْتِدْلالِ العَقْلِيِّ، والاسْتِخْفافُ بِالبُرْهانِ العَقْلِيِّ (كما تَفْعَلُ الوَهَّابِيَّةُ خَوفًا على عَقَائِدِهَا المُخَالِفَةِ لِلْعَقْلِ)؛ فالعَقْلُ، كَالحَواسِّ السَّلِيمَةِ، مِنْ مَصادِرِ العِلْمِ اليَقِينِيِّ المُتَحَقِّقِ لِلْخَلْقِ؛ وإهْدارُ قِيمَةِ العَقْلِ وتعطِيلُهُ مُخالِفٌ لِدِينِ الإسْلامِ، فَهُوَ يُؤَدِّي إلى سَدِّ بابٍ عَرِيضٍ ومَدْخَلٍ وَاسِعٍ طالَما سَلَكَهُ العُلَماءُ لإبْطَالِ عَقَائِدِ الكَفَرَةِ، ويُشَجِّعُ كُلَّ زائِغٍ عَلَى تَحْرِيفِ الكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، ووَصْفِ اللهِ بِما يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، ونَقْضِ عُرَى الدِّينِ عُرْوَةً عُرْوَةً كَمَا يَشاءُ، كَمَا يُؤَدِّي التَّمادَي في مُكابَرَةِ العَقْلِ إلى السَّفْسَطَةِ، وهِيَ مَذْهَبٌ كُفْرِيٌّ يُنْكِرُ حَقِيقَةَ وُجُودِ المَوْجُوداتِ. ولْيُعْلَمْ أَيْضًا بِأَنَّهُ لا يَجُوزُ تَفْسِيرُ القُرآنِ والحَدِيثِ إِلاّ بِمَا يُوَافِقُ العَقْلَ، لأنَّ الشَّرْعَ لا يأتِي إِلاّ بِمُجَوَّزاتِ العَقْلِ (أيْ ِبَما يَقْبَلُهُ العَقْلُ)، ولِذَلِكَ تَكَرَّرَ ذِكْرُ "قَوْمٍ يَعْقِلُونَ" و"أُولِي الأَلْبَابِ" ونَحْوِهَا، في مُحْكَمِ الكِتَابِ.

فَائِدَةٌ:

أَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ هُمْ مَنْ أَحْسَنَ الاسْتِدْلالَ العَقْلِيَّ ولَيْسَ المُعْتَزِلَةُ والفَلاسِفَةُ

ولَيْسَ صَحِيحًا ما شَاعَ في عَصْرِنَا، ويُلَقَّنُهُ الطَّلَبَةُ في المَدَارِسِ، مِنْ أَنَّ المُعْتَزِلَةَ (كَالجَاحِظِ)، والفَلاسِفَةَ قَبْلَهُمْ (كَأَفْلاطُونَ)، هُمْ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلى العَقْلِ ويُحْسِنُ الاسْتِدْلالَ بِهِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ،

وإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّ أَئِمَّةَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ والشَّافِعِيِّ والأَشْعَرِيِّ والماتُرِيدِيِّ، هُمْ مَنْ أَقَامُوا الحُجَجَ العَقْلِيَّةَ عَلَى عَقَائِدِ الإِسْلامِ الدِّينِيَّةِ، وأَلْزَمُوا المُخَالِفِينَ وأَفْحَمُوهُمْ.

وأَمَّا المُعْتَزِلَةُ والفَلاسِفَةُ فَقَدْ مَجَّدُوا العَقْلَ وحاوَلُوا تَحْكِيمَهُ، ولكِنْ حُرِمُوا التَّوْفِيقَ، فَزَاغُوا وأَزَاغُوا، وخَالَفُوا العَقْلَ الَّذِي مَجَّدُوهْ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، وأَظْهَرُوا ضَلالَهُمْ، واللهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوابُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...