بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 فبراير 2024

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية ومن الليل قبل طلوع الفجر ولا بأس بتقديم النية، في أول الليل، ولايفسدها ما يحدث من الأكل والشرب والجماع بعدها، قبل الفجر.

ويجزئ صوم رمضان بنية في أوله لصوم جميعه ولا يحتاج إلى تجديد النية كل ليلة ما لم يقطعها بفطر فيه، وكذلك كل صوم متصل مثل صوم الظهار وكفارة القتل أو صيام النذر وكل صوم متتابع فكذلك حكمه، ومن نوى صيام رمضان من أوله ثم أفطر لمرض أو سفر أو نسيان ثم أراد الصيام لزمه تجديد النية لما بقي منه، وكذلك إذا أفطر متعمدًا لزمه تجديد النية، ومن نوى التطوع في رمضان لم يجز عن فرضه مسافرًا أو حاضرًا).


تفقه بالقاضي أبي بكر الأبهري وله مصنف كبير في مسائل الخلاف وكان أفقه المالكية في زمانه بعد الأبهري، مات في آخر سنة 378 هـ، رحمه الله تعالى.


ما حكم من صلّى الجمعة خلف إمام غير قادر على الجلوس والسجود في الصلاة؟

 ما حكم من صلّى الجمعة خلف إمام غير قادر على الجلوس والسجود في الصلاة؟


الجواب:


لا تصحّ صلاة المأموم عند المالكيّة إذا كان قادراً على فعل جميع الأركان خلف إمام عاجز عن الإتيان بركن من أركان الصلاة كالقيام والرّكوع والجلوس والسجود، إلّا إذا ساوى المأموم إمامه في العجز عن ذلك الرّكن كالقاعد يقتدي بمثله لعجز فالصلاة حينئذٍ صحيحة.


وعليه فمن صلّى الجمعة وهو قادر على الإتيان بذلك الركن خلف إمام عاجز عليه بطلت صلاته، ووجب عليه أن يلتحق بجمعة أخرى إن أمكن وإلّا أعاد الصلاة ظهراً بدلاً عن الجمعة.


وأمّا ما روي من أحاديث ظاهرها يفيد جواز صلاة القادر على الأركان خلف العاجز عن أحدها، فقد حملها المالكيّة على أنّه أمر خاصّ بالنّبيّ ﷺ أو أنّه منسوخ بحديث (لا يؤمنّ أحد بعدي جالساً) أخرجه البيهقي والدارقطني، ويؤيّد كلا الحملين السابقين فعل الخلفاء بعده وأنّه لم يؤمّ أحد منهم جالساً فدلّ ذلك على صحّة نهيه ﷺ عن إمامة القاعد بعده وأنّه آخر فعله ﷺ.


والله تعالى أعلم.


الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/513 والفقه المالكي وأدلّته 1/312 والمنتقى 1/240 وعارضة الأحوذي 2/160 وإكمال الإكمال 2/169 والتبصرة 1/314.


أثر مجاهد في تفسير الاستواء روايةً، بيان علله وتناقض دمشقية في سنده!!(2) الرد على استدلال دمشقية بأثري مجاهد وأبي العالية في تفسير الاستواء[1].

#الزواجر_الصلاحية_لردع_دمشقية

#الجواب_عن_أسئلة_دمشقية

#جواب_السؤال_الثاني_والثالث_عن_أثري_الاستواء

أنشر كما وعدتكم ظهرا المرصدَ الأول: الكلام على أثر مجاهد رواية، وذلك من وجوه:

أولا: تخريج أثر مجاهد في الاستواء.

قال البخاري في صحيحه: وقال مجاهد { استوى } علا على العرش[2].اهـ وقد وصله الحافظ ابن حجر في الفتح فقال: وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عنه[3].اهـ ونحوه قوله في تغليقه فقال: وأما قول مجاهد فقال الفريابي في تفسيره ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى {استوى على العرش} قال: علا على العرش[4]. اهـ

ثانيا: النظر في صحته.

أقول إن أثر مجاهد وإنْ علّقه البخاري بصيغة الجزم إلا أن في صحته نظرا، إذ في سنده ورقاء، وابن أبي نجيح، وكلاهما فيهما كلام نبسطه فيما يلي:

أولا: ورقاء:

وهو كما قال المزي: ورقاء بن عمر بن كليب اليشكري، ويقال: الشيباني، أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن[5].اهـ

وقد تكلموا فيه من وجهين، الوجه الأول: أن بعضهم تكلموا في ورقاء نفسه. والوجه الثاني: أن بعضهم تكلموا في تفسيره الذي رواه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.

وإليك بسط كلا الوجهين:

أما الوجه الأول وهو: أن بعضهم تكلموا في ورقاء نفسه؛ فهو وإن وثقه وكيع[6]، وقال عمرو بن علي سمعت معاذ بن معاذ: ذكر ورقاء فأحسن عليه الثناء ورضيه وحدثنا عنه[7]، ووثقه أيضا ابن معين في رواية([8]) . وفي رواية عنه قال : "صالح"[9] . وفي التهذيب عن غندر قال حدثنا شعبة عن ورقاء قال: وسمعت أبا داود يقول قال شعبة: لا تكتب عن مثل ورقاء حتى ترجع[10].اهـ وفي رواية عن أبي داود قال: قال لي شعبة: عليك بورقاء فإنك لن تلقى مثله حتى ترجع[11].

وقال المزي: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة، فقلت: ورقاء أحب إليك أو شعيب بن أبي حمزة أو عبد الرحمن بن أبي الزناد أو المغيرة بن عبد الرحمن يعني في أبي الزناد؟ فقال: ورقاء أحب إلي منهم. وقال أيضا: سألت أبي عنه، فقال: شعبة يثني عليه، وكان صالح الحديث. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات"([12]).

ولكن قال العقيلي : " تكلموا في حديثه عن منصور "([13]). وقال ابن عدي : " قد روى في جملة ما رواه أحاديث غلط في أسانيدها ، وباقي حديثه لا بأس به"[14]. "وقال يحيى القطان: منصور من رواية ورقاء عنه لا يساوي شيئا"[15].

و"قال أبو داود عن أحمد ثقة صاحب سنة قيل له كان مرجئا قال لا أدري"[16]

"وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ورقاء من أهل خرسان، يصحّف في غير حَرفٍ"[17]. وأورده الذهبي في الميزان وأورد فيها معظم ما سبق فيه من جرح وتعديل، ولكن صدّر ذلك بقوله: "صدوق، عالم، من ثقات الكوفيين...."[18]. وقال الحافظ : "صدوق، في حديثه عن منصور لين ، من السابعة أخرج له الجماعة" ([19]) .

والخلاصة أن النقاد مختلفون في ورقاء هذا فمنهم من أثنى عليه كشعبة، ومعاذ بن معاذ، ومنهم من وثقه مطلقا مثل وكيع، وابن معين وأحمد في رواية، ومنهم من قال "صالح" كأبي حاتم، وابن معين في رواية، ومنهم من طعن في روايته عن منصور تحديدا مثل العقيلي والقطان، ومنهم من طعن في روايته مطلقا، كأحمد في رواية الذي قال فيه: يصحّف في غير حَرفٍ، وابن عدي: قد روى في جملة ما رواه أحاديث غلط في أسانيدها ، وباقي حديثه لا بأس به.اهـ ومنهم من رماه بالإرجاء مثل أبي داود.

وهذا كله ما أحوج الحافظ إلى أن يذبَّ عنه، ويلخّص كلَّ ما قيل فيه في هدي الساري ثم يختم ذلك بقوله : قلت لم يخرج له الشيخان من روايته عن منصور بن المعتمر شيئا وهو محتج به عند الجميع[20].اهـ وخلص الحافظ في التقريب كما سبق إلى أنه : صدوق ، في حديثه عن منصور لين.اهـ

وأما الوجه الثاني وهو: أن بعضهم تكلموا في تفسيره الذي رواه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبيان ذلك أن تفسير ورقاء هذا وإن فضّله بعضهم، فقد قال عباس الدوري: سألت يحيى بن معين: أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ قال: شيبان؟ قال: تفسير ورقاء لأنه عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، ومجاهد أحب إلي من قتادة. قلت ليحيى: فأيما أحب إليك تفسير ورقاء أو تفسير ابن جريج؟ قال: تفسير ورقاء لأن تفسير ابن جريج عن مجاهد هو مرسل لم يسمع من مجاهد إلا حرفا. قلت له: فتفسير سعيد أعجب إليك أو تفسير ورقاء؟ قال: تفسير ورقاء أعجب إلي لأنه عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وذاك عن سعيد، عن قتادة، ومجاهد أعجب إلي من قتادة[21].اهـ

إلا أن طائفة من العلماءوالنقاد طعنت في تفسيره هذا، فقال إبراهيم الحربي: لما قرأ وكيع التفسير، قال للناس: خذوه، فليس فيه عن الكلبي، ولا ورقاء شيء[22].اهـ وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: ورقاء من أهل خرسان، يصحف في غير حَرفٍ.وكان أبو عبد الله ضعّفه في التفسير... وقال يحيى القطان قال معاذ: قال ورقاء: كتاب التفسير، قرأت نصفه على ابن أبي نجيح، وقرأ علي نصفه، وقال [ ابن أبي نجيح ]: هذا تفسير مجاهد[23].اهـ

و "قال حرب بن إسماعيل قلت لأحمد بن حنبل ورقاء أحب إليك في تفسير بن أبي نجيح أو شبل قال كلاهما ثقة؛ وورقاء أوثقهما إلا أن ورقاء يقولون لم يسمع التفسيرَ كلَّه من بن أبي نجيح يقولون بعضه عرض"[24].اهـ

وقال المزي: وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد قال معاذ قال ورقاء: كتاب التفسير قرأتُ نصفَه على بن أبي نجيح وقرأ عليّ نصفه، وقال بن أبي نجيح هذا: تفسير مجاهد[25].اهـ

وخلاصة كلام النقاد في تفسير ورقاء عن ابن أبي نجيح هو أن بعضهم أثنى على تفسيره مثل ابن معين، وأحمد في رواية، وبعضهم طعن فيه، فأحمد ضعفه في التفسير في رواية، وفي رواية قال بأن تفسيره بعضه عرض، وضعفه وكيع ضمنا حين قال عن تفسيره " خذوه فليس فيه عن الكلبي، ولا ورقاء شيء ".

والحاصل مما سبق أن النقاد تكلموا في ورقاء من جهتين، الأولى: أن بعضهم تكلموا فيه هو من حيث إنه يصحّف في غير حرف كما قال أحمد، وأنه غلط في بعض الأسانيد كما قال ابن عدي، وقيل لأحمد كان مرجئا قال لا أدري. الثانية: أن بعضهم تكلموا في تفسيره، فضعفه أحمد في التفسير في رواية، ووكيع ضمنا كما سبق.

ثانيا: ابن أبي نجيح

فهو عبد الله بن أبي نَجيح، أبو يسار المكي. وثقه: أحمد وابن معين، وأبو زرعة، والنسائي. ولكن مع ذلك قد تكلموا فيه من نفس الوجهين السابقين، الأول: تكلموا في ابن أبي نجيح نفسه، الثاني: تكلموا في تفسيره[26].

أما الكلام في ابن أبي نجيح نفسه، فقد قالوا بأنه لم يسمع التفسير من مجاهد، وأنه مدلس، وأنه قدري معتزلي داعية لذلك!! وبيان ذلك فيما يلي:

أما الأمر الأول، فقد قال ابن عُيينة: لم يسمع ابن أبي ‌نَجيح ‌التفسيرَ ‌عن ‌مجاهد[27]. وقال ابن حبان: قال يحيى القطان لم يسمع التفسير بن أبي نجيح من مجاهد. قال أبو حاتم: بن أبي نجيح وابن جريج نظرا في كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في التفسير فرويا عن مجاهد من غير سماع [28].

وقال يحيى القطان: لم يسمع التفسير كله من مجاهد، بل كله عن القاسم بن أبي بزة[29]. وقال العلائي: قال إبراهيم بن الجنيد قلت ليحيى بن معين أن يحيى بن سعيد يعني القطان يزعم أن بن أبي نجيح لم يسمع التفسير من مجاهد وإنما أخذه من القاسم بن أبي برة، فقال ابن معين كذا قال بن عيينة، ولا أدري أحق ذلك أم لا[30].اهـ وسئل علي: سمع ابن أبي ‌نجيح ‌التفسير ‌من ‌مجاهد؟ قال: لا، قال سفيان: لم يسمعه أحد من مجاهد إلا القاسم بن أبي بزة أملاه عليه، وأخذ كتابه الحكم وليث وابن أبي نجيح[31].

وقال الذهبي: وعن بعضهم، قال: لم يسمع ابن أبي نجيح كل التفسير من مجاهد... قال علي: أما التفسير، فهو فيه ثقة يعلمه، قد قفز القنطرة، واحتج به أرباب الصحاح[32].

وقال المعلمي اليماني بعد أن ذكر أثرا في الربا من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد: قال يحيى القطان: لم يسمع ابن أبي ‌نجيح ‌التفسير ‌من ‌مجاهد[33].

وقال أبو إسحاق الحويني: قال يحيى بن سعيد القطان: "لم يسمع ابن أبي ‌نجيح ‌التفسير ‌من ‌مجاهد" اهـ. قلت – القائل الحويني - : وكذلك وقع في كلام ابن حبان، ولكن الواسطة بينهما ثقة، وهو القاسم بن أبي بزة. قال ابن حبان: "لم يسمع التفسير من مجاهد غير القاسم وكل من يروي عن مجاهد التفسير، فإنما أخذه من كتاب القاسم"[34].

قال وليد - وفقه الله وإياكم - : نعم القاسم ثقة ولكن إنما أخذ ابن أبي نجيح التفسير من كتاب القاسم ولم يسمعه منه وهذا نص ابن حبان الأخير الذي نقله الحويني، وأصرح منه قول أبي حاتم كما سبق: بن أبي نجيح وابن جريج نظرا في كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في التفسير فرويا عن مجاهد من غير سماع.اهـ

وبالتالي فما زال الإشكال وهو طريقة تحمّلِ ابن أبي نجيح لتفسير مجاهد فهو لم يأخذه منه مباشرة، ولا بواسطة القاسم سماعا وهذه أعلى طرق التحمل[35]، ولا بالقراءة عليه أو العرض، وهذا تلي الأولى وبعضهم رجحها على الأولى[36]، فهاتان أفضل طرق التحمل، والأُولى لا خلاف في قبولها وهي السماع، والثانية وهي القراءة على الشيخ فيها خلاف وإن لم يعتدوا به كما قال العراقي " نقل الخلاف، وبه ما اعتدوا "، وابن أبي نجيح لم يأخذ التفسير لا سماعا ولا قراءة على مجاهد ولا على القاسم بن أبي بزة، وإنما أخذه من كتاب القاسم هذا، فإن كان القاسم قد أجازه فيه بإحدى طرق الإجازة التسعة ففي كل تلك الطرق خلاف في صحتها، والخلاف في بعضها أشد من بعض مبسوط في كتب الفن[37]،

وإن لم يكن أجازه - وهذا هو الظاهر لما سبق من قول أبي حاتم أنه نظر في كتاب القاسم - فهي وجادة، والخلاف في قبولها أشد بل هي منقطعة[38]. والله أعلم

والخلاصة أن ابن أبي نجيح لم يأخذ التفسير من مجاهد مباشرة ولا من القاسم بن أبي بزة الذي سمعه من مجاهد، وإنما أخذه من كتاب القاسم دون سماع منه ولا عرض، وإنما هو إجازة أو وجادة وهو الأرجح ، والوجادة منقطعة.

وأما الأمر الثاني وهو التدليس، فقد ذكره الحافظ من أهل المرتبة الثالثة فقال في طبقات المدلسين: عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر أكثر عن مجاهد وكان يدلس عنه وصفه بذلك النسائي[39].اهـ وقال السيوطي: عبد الله بن أبي نجيح البجلي ذكره النسائي في المدلسين[40].اهـ

والمدلسون من أهل المرتبة الثالثة لا تقبل روايتهم إلا ما صرحوا به بالتحديث، قال الحافظ في مقدمة كتابه طبقات المدلسين " المرتبة الثالثة: من أكثر من التدليس فلم يحتج الائمة من أحاديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقاومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي "[41] ، وابن أبي نجيح عنعن ولم يصرح بالتحديث عن مجاهد في هذه الرواية.

وأما الأمر الثالث، وهو: رميه بالقدر والاعتزال وأنه كان داعية لذلك، فقد قال ابن معين : كان مشهورا بالقدر... وقال العجلى : مكى ثقة ، يقال : كان يرى القدر، أفسده عمرو بن عبيد"[42].اهـ

وقال الذهبي: "قال يحيى بن القطان: كان معتزليا. وقال يعقوب السدوسي: هو ثقة، قدري .. وقال يحيى القطان أيضا: أخبرني ابن المؤمل، عن ابن صفوان، قال: قال لي ابن أبي نجيح: أدعوك إلى رأي الحسن -يعني: القدر-... وقال البخاري: كان يُتهم بالاعتزال، والقدر. وقال ابن المديني: كان يرى الاعتزال. وقال أحمد: أفسدوه بأخرة، وكان جالس عمرو بن عبيد. وقال علي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان ابن أبي نجيح من رؤوس الدعاة."[43]

قال وليد: قوله "من رؤوس الدعاة" أي كان داعية إلى بدعة القدر والاعتزال، والمبتدع الداعية روايته مردودة عند جماهير العلماء، قال ابن الصلاح في مقدمته: اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته، فمنهم من رد روايته مطلقا.. ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه، أو لأهل مذهبه، سواء كان داعية إلى بدعته، أو لم يكن ... وقال قوم: تقبل روايته إذا لم يكن داعية، ولا تقبل إذا كان داعية إلى بدعته. وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء[44]. لكن قال الذهبي عن ابن أبي نجيح بعد أن حكى رميه بالقدر والاعتزال: ولعله رجع عن البدعة، وقد رأى القدر جماعة من الثقات وأخطؤوا - نسأل الله العفو -."[45]

ويتحصل مما سبق أن ابن أبي نجيح فيه كلام من وجهين: هو مدلس من أهل المرتبة الثالثة الذين لا تقبل روايتهم إلا إن صرحوا بالتحديث، وهو هنا قد عنعن عن مجاهد ولم يسمع التفسيرَ منه كما قال يحيى بن سعيد القطان وغيره. ثانيا: رمي بالقدر والاعتزال والدعوة إلى ذلك. وقال ابن حجر في التقريب ملخصا ومشيرا إلى ذلك: ثقة، رُمي بالقدر، وربما دلس. روى له الجماعة.اهـ

والحاصل أن في سند مجاهد رجلين متكلم فيهما وهما ورقاء وابن أبي نجيح على ما سبق بيانه، وبهما أعلّ الشيخ سليم الهلالي سندَ مجاهد في تأويله للساق وضعفه، وما دام أن أثر مجاهد ضعيف في تأويل الساق فلِم يحتج دمشقية بنفس السند عن مجاهد في تفسير الاستواء؟!! أي كيف يكون نفس السند عن مجاهد صحيحا في تفسيره استوى بعلا، وضعيفا في تأويله للساق؟!! وهذا التناقض سبق أن بينته في منشور سابق حيث قلت فيه:

((وترى دمشقية يشرّق ويغرّب بأثر مجاهد في تفسير استوى بأنه علا، ويملأ الدينا صراخا به في كتبه[46]وفي ردوده ودروسه ومناظراته[47]ويجعله حجة على أن السلف فسروا آيات الصفات على ظاهرها، ولكن لما جاء إلى الآثار المروية عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع فقال دمشقية "وأما ما يروى عن ابن عباس من تأويل الساق بالكرب والشدة فمروي من طرق ضعيفة تابعها واحدة بواحدة فضيلة الشيخ سليم الهلالي في كتابه العظيم (المنهل الرقراق في تخريج ما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير {يوم يكشف عن ساق}... وتعقب الروايات المروية عن غير ابن عباس كمجاهد وقتادة وغيرهما.ثم انتهى إلى الجزم بعدم ثبوت الأثر عن ابن عباس، وتعقب الحافظ ابن حجر رحمه الله في تحسين بعض الروايات بالرغم من اضطرابها[48].اهـ

ولما رجعت إلى هذا الكتاب العظيم لفضيلة شيخكم الهلاليوإذ وجدتُ سندَ أثر مجاهد الذي ضعفه الهلالي هو نفسه سند أثره في تفسير استوى بعلا الذي علقه البخاري والذي ملأتَ به الدنيا به صراخا على السلف فسروا آيات الصفات المتشابهة ... فقد أورد الهلالي أثرا عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: {يوم يكشف عن ساق} قال: شدة الأمر[49]. ثم قال الهلالي: هذا إسناد ضعيف فيه العلل الآتية؛ الأولى: ورقاء هو ابن عمر كليب اليشكري ثقة لكنه ضعيف في التفسير... الثانية: ابن ابي نجيح هو عبد الله كان مدلسا وقد عنعنه ولم يسمع التفسير من مجاهد[50].

أي أن الهلالي هذا ضعّف من غير أن يشعر أثر مجاهد في تفسير الاستواء لأنه هو نفسه السند الذي ورد به عنه تأويل الساق الذي ضعفه الهلالي، وبالتالي فإن الهلالي وكذا دمشقية الذي أحالنا عليه قد هدما أكبر حجة لهما على أن السلف لم يفوضوا آيات الصفات بل فسروها ... لتكون النتيجة أنهم لم يفسروا ولم يؤولوا، وهذا أسوأ من التأويل عند ابن تيمية لقوله "فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد"[51]!!!

واالله كم فرحت بكتاب الهلالي هذا!! لأني كنت من سنوات حينما تكلمت في منشور[52]على أثر مجاهد في تفسير الاستواء ذكرت ما حاصله بأنه وإن علقه البخاري جازما ولكن فيه علل وذكرتها كما سبق، ثم وجدت الهلالي نفسه نص على تلك العلل فكفاني المؤونة!!

فقلت في نفسي: إذن المرة القادمة إذا احتج علينا دمشقية وغيره بأثر مجاهد في تفسير الاستواء ليثبت أنه السلف فسروا آيات الصفات فسوف أحيله إلى "فضيلة الشيخ" الهلالي الذي أحلنا عليه دمشقية ليعرف علل سنده التي وضحها الهلالي نفسه!! إذ لو بينت علله بنفسي لشاغب دمشقية وأمثاله وقالوا: أنت تطعن فيما علقه البخاري بصيغة الجزم!! مع أن ألبانيهم طعن في أحاديث مسندة في الصحيحين البخاري[53]وفي مسلم[54] وليس فقط معلقة، ولكن عين الرضا عن كل عيب كليلة....

إلى أن قلت: على كل نحن حتى لو سلمنا بضعف كل الآثار التي رويت في تأويل الساق فهذا لا يضرنا بل هذا أحظّ لنا ... إذ غايته أن السلف لم يثبت عنهم أنهم تكلموا في الآية بتأويل ولا تفسير وهذا هو التفويض الذي نسبناه للسلف وأنكرتموه .. بل هو أشد عندكم من التأويل كما سبق!! انتهى ما علقت به من منشور سابق بتصرف[55].

فهل بعد كل هذا سيجرؤ دمشقية على الاحتجاج بأثر مجاهد في تفسير الاستواء؟ وبأي وجه أو عين بعد الآن سيحتج بأثر مجاهد في تفسير الاستواء بعد أن ضعف سنده الهلالي الذي أحالنا عليه دمشقية وتابعه لاسيما بعد أن بينت تناقض دمشقية في سند مجاهد وكذا أبي العالية في تسجيلات عدة على اليوتيوب[56].

نتقل إلى الكلام عن أثر أبي العالية رواية ... انتظره بحول الله

------------------

[1] انظر السابق:

https://www.facebook.com/.../permalink/3290006477780018/

[2] صحيح البخاري بتحقيق البغا (6/ 2698)

[3] فتح الباري لابن حجر (13/ 405)

[4] تغليق التعليق (5/ 345)

[5]تهذيب الكمال (30/ 433) تاريخ بغداد (13/516) .

[6] قال الحافظ في تهذيب التهذيب 11 / 115 : و قال ابن شاهين فى " الثقات " : قال وكيع : ورقاء ثقة . اهـ .

[7]تهذيب التهذيب (11/ 114)

([8])تهذيب الكمال في أسماء الرجال (30/ 436)

[9]الجرح والتعديل (9/50) .

[10]تهذيب الكمال - (30 / 437)

[11]«الجرح والتعديل لابن أبي حاتم» (1/ 154)

([12])«تهذيب الكمال » (30/ 437)، وانظر: الجرح والتعديل (9/50) تهذيب التهذيب (11/ 115).

([13]) ضعفاء العقيلي (4/327) ، تهذيب التهذيب 11 / 115.

[14]الكامل (7/90)

[15]سير أعلام النبلاء ط الرسالة (7/ 421)

[16]تهذيب التهذيب (11/ 114)، تهذيب الكمال (30/ 435)

[17]سير أعلام النبلاء (7/ 420)

[18]ميزان الاعتدال (4/ 332)

([19]) التقريب ص(580) (7403) .

[20] هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر (1/ 449)

[21]تهذيب الكمال في أسماء الرجال (30/ 435) سير أعلام النبلاء (7/ 421)

[22]تاريخ بغداد ت بشار - (15 / 673)

[23]سير أعلام النبلاء (7/ 420)، تهذيب التهذيب (11/ 114)

[24]تهذيب الكمال (30 / 435)

[25]تهذيب الكمال - (30 / 435)

[26] انظر: التاريخ الكبير 5/ت767؛ المعرفة ليعقوب 1/ 135؛ الجرح والتعديل 5/ت947؛ تهذيب الكمال 16/ت3612؛ سير أعلام النبلاء 6/ 125؛ جامع التحصيل ت406؛ تهذيب التهذيب 6/ 54؛ التقريب ص552 ت3686؛ طبقات المدلسين ت77.

[27] «الأضداد لابن الأنباري» (ص٤٢٧)

[28] «الثقات لابن حبان» (٧/ ٥)، وانظر «شرح سنن أبي داود للعيني» (١/ ٣٨٨):

[29] ميزان الاعتدال (2/ 515)

[30] جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي- (1 / 218)

[31] «المعرفة والتاريخ» (٢/ ١٥٤)

[32] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (6/ 126)

[33] «آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني» (١٨/ ٤٣٧)

[34] «نثل النبال بمعجم الرجال» (٣/ ٢٨)

[35] قال العراقي: أقسام التحمل وأولها: سماع لفظ الشيخ

364 - أعلى وجوه الأخذ عند المعظم ... وهي ثمان: لفظ شيخ فاعلم

انظر: ألفية العراقي = التبصرة والتذكرة ت ماهر الفحل (ص: 125)

[36] قال العراقي: الثاني: القراءة على الشيخ

375 - ثم القراءة التي نعتها ... معظمهم عرضا سوا قرأتها

376 - من حفظ أو كتاب او سمعتا ... والشيخ حافظ لما عرضتا

إلى أن يقول:

379 - وأجمعوا أخذا بها، وردوا ... نقل الخلاف، وبه ما اعتدوا

380 - والخلف فيها هل تساوي الأولا ... أو دونه أو فوقه؟ فنقلا

381 - عن (مالك) وصحبه ومعظم ... (كوفة) و (الحجاز أهل الحرم)

382 - مع (البخاري) هما سيان ... و (ابن أبي ذئب) مع (النعمان)

انظر: التبصرة والتذكرة ت ماهر الفحل (ص: 126)

[37] قال العراقي: الثالث: الإجازة

440 - ثم الإجازة تلى السماعا ... ونوعت لتسعة أنواعا

441 - ارفعها بحيث لا مناوله ... تعيينه المجاز والمجاز له

442 - وبعضهم حكى اتفاقهم على ... جواز ذا، وذهب (الباجي) إلى

443 - نفي الخلاف مطلقا، وهو غلط ... قال: والاختلاف في العمل قط

444 - ورده الشيخ بأن للشافعي ... قولان فيها ثم بعض تابعي

انظر: التبصرة والتذكرة ت ماهر الفحل (ص: 131)

[38] قال العراقي: الثامن: الوجادة

548 - ثم الوجادة وتلك مصدر ... وجدته مولدا ليظهر

549 - تغاير المعنى، وذاك أن تجد ... بخط من عاصرت أو قبل عهد

..

552 - وكله منقطع، والأول ... قد شيب وصلا ما، وقد تسهلوا

553 - فيه (بعن) ، قال: وهذا دلسه ... تقبح إن أوهم أن نفسه

انظر: التبصرة والتذكرة ت ماهر الفحل (ص: 140)

[39] تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لابن حجر (ص:39)

[40] أسماء المدلسين للسيوطي- (ص: 68)

[41]تعريف أهل التقديس (ص: 13)

[42] تهذيب التهذيب 6 / 54

[43] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (6/ 125)

[44] مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث - ت فحل (ص: 228)

[45] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (6/ 125)

[46] موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية ص: 468، 469، 490، 557، 639، 648، 653 وانظر له استدلال الشيعة بالسنة النبوية في ميزان النقد العلمي - رسالة جامعية (1/ 376).


الجمع بين الصلاتين بلا عذر

 نرجو معرفة معاني هذه الأحاديث لأن من الناس من يدور بها بين الناس ليجيز الجمع بين الصلاتين بلا عذر.


قَالَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ يَجُوزُ الجَمْعُ تَقْدِيمًا أوْ تَأْخِيرًا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لِحَاجَةٍ مُطْلَقًا عَلَى أَنْ لَا يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ، وَكَلامُ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى هذَا الحَدِيثِ وعَلَى أعْذَارِ الجَمْعِ طَوِيلٌ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي شَرْحِهِ علَى صَحيِح مُسْلِمٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاء جَمِيعًا (أَيْ جَمَعَ بِيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ) مِن غَيْرِ خُوْفٍ وَلَا سَفَرٍ، قَالَ التِّرْمِذِيّ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهَذَا الحَدِيثِ، وَرَدَ النَّوَوِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ جَمَاعَةً قَالُوا بِهِ بِشَرْط أَن لَا يتَّخذ ذَلِك عَادَةً وَعَلِيهِ ابْنُ سِيرِينَ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ مِن أَصْحَاب الحَدِيِث وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ والقَفَّالُ الشَّاشِيُّ الْكَبِيرُ مِن أَصْحَابنَا.

وَقَالَ الحَافِظُ العَسْقَلَانِيُّ فِي الفَتْحِ (وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَجَوَّزُوا الْجَمْعَ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ ابن سِيرِين وَرَبِيعَة وَأَشْهَب وابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ).


فقد أخرج الإمام مسلم في صحيح في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر قال عن ابن عبّاس قال صلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر، كما أخرج عن ابن عباس أيضاً قال جمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين الظُهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوفٍ ولا مطرٍ (قال قلتُ لإبن عباس لِم فعل ذلك) قال كي لا يحرج أُمّتَهُ.

كما أخرج البخاري في صحيحه في باب وقت العصر قال سمعتُ أبا إمامة يقول صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنَا حتّى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصرَ فقلتُ ياعمّ ماهذه الصّلاة التي صلّيت قال العصْرُ وهذه صلاة رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم التي كنْا نصلّي معه.


الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه ومن والاه أما بعد فقد قال الله تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) أي فرضا مؤقتا في أوقات معلومة، فصلاة الظهر لها وقتها، وصلاة العصر لها وقتها، وصلاة المغرب لها وقتها، وصلاة العشاء لها وقتها، وصلاة الصبح لها وقتها، لذا جاء جبريل عليه السلام إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه مواقيت الصلوات الخمس وصلى به إماما في وقت كلٍّ منهن، وشُرع لهذه الصلوات الخمس الأذان يعلن خمس مرات يوميا في أوقاتها، فالأصل أن تصلى هذه الصلوات الخمس في أوقاتها، قال الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في قول الله عز وجل (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها (أي وليس لهم عذر شرعي) رواه البزار وأبو يعلى.


وأما بالنسبة للجمع بين الصلاتين فقد قال الجمهور من العلماء الذين يعتمد عليهم، لا يجوز إلا لعذر شرعي كالسفر أو المطر أو المرض الشديد أو نحو ذلك من الأعذار الشرعية التي يشق معها أداء كل صلاة في وقتها، وذلك بشروط مبسوطة في كتب الفقهاء، وقال بعض العلماء يجوز الجمع في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وأجاب العلماء على حديث ابن عباس المشار إليه بالسؤال بأجوبة منها:


أنه جمع لعذر ءاخر غير عذر الخوف والسفر أو غير عذر المطر والخوف وليس فيه أنه جمع بين الصلاتين من غير عذر، واستدل بعضهم بأن في بعض روايات هذا الحديث قيل لابن عباس ما حمله على ذلك؟ قال أراد أن لا يحرج أمته أي لا يوقعها في حرج وضيق، وهذا يدل على أن هناك عذرًا للجمع في هذا الحديث، ولولا هذا الجمع لوقع الناس في الحرج.


أنه جمع صوري أي فعل الأولى من الصلاتين في ءاخر وقتها مع أداء الثانية في أول وقتها، ويؤيده بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به، وذلك فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار فذكر هذا الحديث، وزاد قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، قال وأنا أظنه.


قال ابن سيد الناس (وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره وكذا ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا، أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري).


أنه جمع لحاجة ما من غير أن يتخذ ذلك عادة.


وقد سئل شيخ الجامع الأزهر عن حديث ابن عباس هذا تحت الرقـم المسلسل 79 الموضوع 1130 سن الأضحية وأوقات الصلاة التاريخ 08/12/1981 ، فأجاب (أما عن الحديث المشار إليه فى السؤال فقد قال ابن قدامة (إنه لا يجوز الجمع لغير من ذكرنا (يعنى أصحاب الأعذار ومنها المطر) وقال ابن شبرمة يجوز إذا كانت حاجة أو شىء ما لم يتخذه عادة لحديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس لم فعل ذلك، قال أراد ألا يحرج أمته) ثم قال ابن قدامة (ولنا عموم أخبار التوقيت وحديث ابن عباس حملناه على حالة المرض، ويجوز أن يتناول من عليه مشقة كالمرضع والشيخ الضعيف وأشباههما ممن عليه مشقة فى ترك الجمع ويحتمل أنه صلى الأولى فى ءاخر وقتها والثانية فى أول وقتها فإن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال عمرو قلت لجابر أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء) قال (وأنا أظن ذلك وبهذا القول يظهر أن التأويل وارد على الحديث الذى أشار إليه السؤال وأنه لا يعمل به بإطلاق). اهـ

فحديث الصحابي الجليل ابن عباس لا يعارض الأحاديث الأخرى الصحيحة المقيدة بجواز الجمع بعذر السفر أو نحوه، وليس فيه أيضا جواز الجمع من غير عذر شرعي أو حاجة ما أو أنه كان يتخذ ذلك عادة له، وإنما فيه أنه حصل منه الجمع بين صلاتين ونقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل جمع رسول الله بلا سبب ولا حاجة ولم يقل الجمع بلا سبب عادة الرسول وأصحابه، ثم أليس ثبتت الأحاديث الشريفة بأن صلاة الجماعة كانت تقام في مسجد رسول الله في الأوقات الخمسة، وكان يصلي فيهم رسول الله إماما؟! هذا كله يؤيد أن حديث ابن عباس هذا المراد منه الجمع لعذر شرعي أو حاجة ما وليس المراد أنه دائما هكذا كان الأمر، فقد روى ابن أبي شيبة وغيره عن أبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قالا (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر).


ملاحظة:

ما أورده السائل عن الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مما رواه عنه البخاري وضع للكلم خارج موضعه وليس فيه أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بلا سبب وليس فيه أن أنس بن مالك كان يجمع بلا سبب وإنما فيه أن عمر بن عبد العزيز صلى يوما ما صلاة في ءاخر وقتها كما جاء موضحا في رواية للبخاري في باب مواقيت الصلاة وفضلها، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلاة، كتاب صلاة التطوع والإمامة وأبواب متفرقة، من كره الجمع بين الصلاتين من غير عذر، عن أبي بن عبد الله قال جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز (لا تجمعوا بين الصلاتين إلا من عذر).


وأخرج مسلم وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع  بينهما.


ومن شاء فليراجع شرح صحيح البخاري وشرح صحيح مسلم والمجموع شرح المهذب والمغني وشرح معاني الآثار والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير وشروح المنهاج والمبسوط ومنح الجليل شرح مختصر خليل والتاج والإكليل لمختصر خليل وغيرهم.


وفي الختام نقول الخير في اتباع مذهبنا المالكي وهو مذهب جمهور الأمة المحمدية وقد جاءت الأحاديث متضافرة تحث على أداء الصلاة في وقتها فقد روى أحمد في مسنده والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها).


لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...