بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 فبراير 2024

الجمع بين الصلاتين بلا عذر

 نرجو معرفة معاني هذه الأحاديث لأن من الناس من يدور بها بين الناس ليجيز الجمع بين الصلاتين بلا عذر.


قَالَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ يَجُوزُ الجَمْعُ تَقْدِيمًا أوْ تَأْخِيرًا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لِحَاجَةٍ مُطْلَقًا عَلَى أَنْ لَا يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ، وَكَلامُ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى هذَا الحَدِيثِ وعَلَى أعْذَارِ الجَمْعِ طَوِيلٌ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي شَرْحِهِ علَى صَحيِح مُسْلِمٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاء جَمِيعًا (أَيْ جَمَعَ بِيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ) مِن غَيْرِ خُوْفٍ وَلَا سَفَرٍ، قَالَ التِّرْمِذِيّ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهَذَا الحَدِيثِ، وَرَدَ النَّوَوِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ جَمَاعَةً قَالُوا بِهِ بِشَرْط أَن لَا يتَّخذ ذَلِك عَادَةً وَعَلِيهِ ابْنُ سِيرِينَ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ مِن أَصْحَاب الحَدِيِث وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ والقَفَّالُ الشَّاشِيُّ الْكَبِيرُ مِن أَصْحَابنَا.

وَقَالَ الحَافِظُ العَسْقَلَانِيُّ فِي الفَتْحِ (وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَجَوَّزُوا الْجَمْعَ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ ابن سِيرِين وَرَبِيعَة وَأَشْهَب وابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ).


فقد أخرج الإمام مسلم في صحيح في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر قال عن ابن عبّاس قال صلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر، كما أخرج عن ابن عباس أيضاً قال جمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين الظُهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوفٍ ولا مطرٍ (قال قلتُ لإبن عباس لِم فعل ذلك) قال كي لا يحرج أُمّتَهُ.

كما أخرج البخاري في صحيحه في باب وقت العصر قال سمعتُ أبا إمامة يقول صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنَا حتّى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصرَ فقلتُ ياعمّ ماهذه الصّلاة التي صلّيت قال العصْرُ وهذه صلاة رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم التي كنْا نصلّي معه.


الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه ومن والاه أما بعد فقد قال الله تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) أي فرضا مؤقتا في أوقات معلومة، فصلاة الظهر لها وقتها، وصلاة العصر لها وقتها، وصلاة المغرب لها وقتها، وصلاة العشاء لها وقتها، وصلاة الصبح لها وقتها، لذا جاء جبريل عليه السلام إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه مواقيت الصلوات الخمس وصلى به إماما في وقت كلٍّ منهن، وشُرع لهذه الصلوات الخمس الأذان يعلن خمس مرات يوميا في أوقاتها، فالأصل أن تصلى هذه الصلوات الخمس في أوقاتها، قال الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في قول الله عز وجل (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها (أي وليس لهم عذر شرعي) رواه البزار وأبو يعلى.


وأما بالنسبة للجمع بين الصلاتين فقد قال الجمهور من العلماء الذين يعتمد عليهم، لا يجوز إلا لعذر شرعي كالسفر أو المطر أو المرض الشديد أو نحو ذلك من الأعذار الشرعية التي يشق معها أداء كل صلاة في وقتها، وذلك بشروط مبسوطة في كتب الفقهاء، وقال بعض العلماء يجوز الجمع في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وأجاب العلماء على حديث ابن عباس المشار إليه بالسؤال بأجوبة منها:


أنه جمع لعذر ءاخر غير عذر الخوف والسفر أو غير عذر المطر والخوف وليس فيه أنه جمع بين الصلاتين من غير عذر، واستدل بعضهم بأن في بعض روايات هذا الحديث قيل لابن عباس ما حمله على ذلك؟ قال أراد أن لا يحرج أمته أي لا يوقعها في حرج وضيق، وهذا يدل على أن هناك عذرًا للجمع في هذا الحديث، ولولا هذا الجمع لوقع الناس في الحرج.


أنه جمع صوري أي فعل الأولى من الصلاتين في ءاخر وقتها مع أداء الثانية في أول وقتها، ويؤيده بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به، وذلك فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار فذكر هذا الحديث، وزاد قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، قال وأنا أظنه.


قال ابن سيد الناس (وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره وكذا ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا، أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري).


أنه جمع لحاجة ما من غير أن يتخذ ذلك عادة.


وقد سئل شيخ الجامع الأزهر عن حديث ابن عباس هذا تحت الرقـم المسلسل 79 الموضوع 1130 سن الأضحية وأوقات الصلاة التاريخ 08/12/1981 ، فأجاب (أما عن الحديث المشار إليه فى السؤال فقد قال ابن قدامة (إنه لا يجوز الجمع لغير من ذكرنا (يعنى أصحاب الأعذار ومنها المطر) وقال ابن شبرمة يجوز إذا كانت حاجة أو شىء ما لم يتخذه عادة لحديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس لم فعل ذلك، قال أراد ألا يحرج أمته) ثم قال ابن قدامة (ولنا عموم أخبار التوقيت وحديث ابن عباس حملناه على حالة المرض، ويجوز أن يتناول من عليه مشقة كالمرضع والشيخ الضعيف وأشباههما ممن عليه مشقة فى ترك الجمع ويحتمل أنه صلى الأولى فى ءاخر وقتها والثانية فى أول وقتها فإن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال عمرو قلت لجابر أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء) قال (وأنا أظن ذلك وبهذا القول يظهر أن التأويل وارد على الحديث الذى أشار إليه السؤال وأنه لا يعمل به بإطلاق). اهـ

فحديث الصحابي الجليل ابن عباس لا يعارض الأحاديث الأخرى الصحيحة المقيدة بجواز الجمع بعذر السفر أو نحوه، وليس فيه أيضا جواز الجمع من غير عذر شرعي أو حاجة ما أو أنه كان يتخذ ذلك عادة له، وإنما فيه أنه حصل منه الجمع بين صلاتين ونقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل جمع رسول الله بلا سبب ولا حاجة ولم يقل الجمع بلا سبب عادة الرسول وأصحابه، ثم أليس ثبتت الأحاديث الشريفة بأن صلاة الجماعة كانت تقام في مسجد رسول الله في الأوقات الخمسة، وكان يصلي فيهم رسول الله إماما؟! هذا كله يؤيد أن حديث ابن عباس هذا المراد منه الجمع لعذر شرعي أو حاجة ما وليس المراد أنه دائما هكذا كان الأمر، فقد روى ابن أبي شيبة وغيره عن أبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قالا (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر).


ملاحظة:

ما أورده السائل عن الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مما رواه عنه البخاري وضع للكلم خارج موضعه وليس فيه أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بلا سبب وليس فيه أن أنس بن مالك كان يجمع بلا سبب وإنما فيه أن عمر بن عبد العزيز صلى يوما ما صلاة في ءاخر وقتها كما جاء موضحا في رواية للبخاري في باب مواقيت الصلاة وفضلها، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلاة، كتاب صلاة التطوع والإمامة وأبواب متفرقة، من كره الجمع بين الصلاتين من غير عذر، عن أبي بن عبد الله قال جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز (لا تجمعوا بين الصلاتين إلا من عذر).


وأخرج مسلم وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع  بينهما.


ومن شاء فليراجع شرح صحيح البخاري وشرح صحيح مسلم والمجموع شرح المهذب والمغني وشرح معاني الآثار والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير وشروح المنهاج والمبسوط ومنح الجليل شرح مختصر خليل والتاج والإكليل لمختصر خليل وغيرهم.


وفي الختام نقول الخير في اتباع مذهبنا المالكي وهو مذهب جمهور الأمة المحمدية وقد جاءت الأحاديث متضافرة تحث على أداء الصلاة في وقتها فقد روى أحمد في مسنده والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...