بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 1 يناير 2019

العقيدة السلفية في علم التوحيد


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن علْم التوحيد مقدم على علْم الأحكام لأن علْم التوحيد يضمن النجاة في الآخرة أما علْم الأحكام فلا يضمن بمفرده النجاة في الآخرة، ولأهمية هذا العلم سماه الإمام أبو حنيفة الفقه الأكبر معناه هو أفضل من الفقه الآخر الذي هو فقه الأحكام. وأبو حنيفة كان من السلف لأنه ولد سنة ثمانين للهجرة، والتقى ثلاثةً من الصحابة وألف خمْس رسائل في العقيدة منها رسالة سماها الفقه الأكبر قال فيها: ((والله شىء لا كالأشياء)) ومعنى شىءٍ إذا أطلق على الله: الموجود، ومعنى قوله لا كالأشياء أن الله لا يشبه شيئًا من خلقه لا في ذاته أي حقيقته ولا في صفاته ولا في فعله، ومعنى فعل الله: إيجاد الله الأشياء على الوجه الذي أراد. قال أبو حنيفة والبخاري: ((فعْل الله صفته في الأزل والْمفعول حادث)) معناه صفة الله التخليق أزلية والْمخلوق هو الحادث أي هو الذي حدث بعد أنْ لم يكنْ.

وفي قوله: ((لا كالأشياء)) رد على المشبهة القائلين إن الله مستقر فوق العرش وعلى الطائفة القائلة إن الله في جهةٍ فوق العرش منْ غير أنْ يماس العرش وكلا العقيدتين كفْر، لأن الموجود في جهةٍ لا يكون إلا حجمًا وكذلك المستقر على شىءٍ لا يكون إلا حجمًا وكل الأحجام مخلوقة، فلو كان الله حجمًا لكان مخلوقًا ولو كان مخلوقًا لما كان خالقًا فثبت أن الله ليس حجمًا بالْمرة، ويفهم من ذلك إثبات وجوده بلا مكانٍ ولا جهةٍ.

وقال أبو حنيفة في رسالته الفقه الأكبر: ((والله يتكلم لا كما نحن نتكلم، نحن نتكلم بالآلة والحرف، والله يتكلم بلا ءالةٍ ولا حرف)) وهذا فيه إثبات صفة الكلام لله الذي هو ليس ككلام غيره، فالله كما أن له قدرة واحدة وعلْما واحدا وسمْعا واحدا وبصرا واحدا، له كلام واحد هو أمر ونهي ووعْد ووعيد وخبر واسْتخْبار. وفي قول أبي حنيفة هذا نفي الكيفية عن كلام الله الذي هو صفته الأزلية يفهم ذلك منْ قوله: ((والله يتكلم بلا ءالةٍ ولا حرف)) والآلة هي مخارج الحروف كاللسان والشفتين، فالإنسان إذا أراد أنْ ينطق بالحرْف الشفوي كالميم والباء لا يستطيع ذلك إلا بإطباق الشفتين لأن الله تعالى جعل ءالة النطق بالحرف الشفوي في الإنسان الشفتين، فلو كان الله متكلمًا كما يتكلم الإنسان لصار مشبهًا له والله يقول: ليس كمثله شىء وهو السميع البصير.

قال العلماء: ((لا يجوز أن يقال القرءان مخلوق ويسْكت)) إلا أن يقال في مقام التعليم القرءان له إطلاقان: يطلق ويراد به الصفة القائمة بذات الله فبهذا المعنى هو غير مخلوق وهذا معنى قول بعض الأئمة عند الكلام عنْ كلام الله بمعنى الصفة القائمة بذاته ((والقرءان كلام الله غير مخلوق)).

ويطلق القرءان على معنى اللفْظ الْمنزل على سيدنا محمدٍ  الذي قرأه عليه جبريل فبهذا المعنى هو مخلوق، لكن سمي كلام الله لكونه ليس منْ تأليف محمدٍ ولا منْ تصنيف جبريل إنما أخذه جبريل بوحيٍ من الله من اللوح الْمحفوظ كما أخذ سائر الكتب التي نزل بها على الأنبياء كالتوراة والإنجيل.

والدليل الشرعي على إطلاق كلام الله على هذا اللفظ الْمنزل قوله تعالى:انه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين. فمعنى قوله: ﴿ انه لقول رسول كريم إنه مقْروء جبريل، ولا يجوز أن يكون مقروء جبريل هو عين الكلام الذاتي القائم بذات الله. والدليل على أن المقصود بالآية جبريل كلمة: رسول كريم ﴾ لأن الله لا يسمى رسولاً؛ ويدل على ذلك أيضًا الوصف الذي جاء بعد هذه الجملةذي قوة.أي جبريل له قوة ﴿ عند ذي العرش ﴾ أي عند خالق العرش، مكين﴾ أي متمكن له درجة عالية ﴿مطاع ثم ﴾ أي يطاع هناك أي في السمٰوات منْ قبل الملائكة لأن جبريل هو رسول الملائكة أي رسول الله إلى الملائكة وإلى الأنبياء. 

ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ﴾ والرسول  يسْمع المشْرك الكلام الْمنزل الذي هو لا شك مخلوق، لكن امتنع الإمام أحمد رضي الله عنه منْ أنْ يقول القرءان مخلوق حتى لا يتوهم أن الله يوصف بصفةٍ مخلوقةٍ، وقد حدثت له قبل الفتنة التي عذب فيها حادثة أوردها بعض العلماء وهي أن الشافعي أرسل لأحمد رسالةً لما كان ببغداد بيد رسولٍ فأعطى الرسول الرسالة أحمد فقال له أحمد: هل قرأتها؟ قال: لا، ففض خاتمها وقرأها وصار يبكي، فقال له الرسول: ماذا فيها؟ قال: يخبرني الشافعي أنه رءاني مع رسول الله  والرسول يقول لي يا أحمد إنك ستمتحن فاصبر. فقال رسول الشافعي: أين البشارة[1]؟ وكان أحمد يلبس قميصين فخلع أحدهما وأعطاه فلما رجع إلى الشافعي قال له الشافعي: ماذا أعطاك؟ قال أعطاني قميصًا، قال له: لا نفْجعك فيه ولكن نبله بالماء لنتبرك به[2]. ولما صارت تلك الفتنة التي ابتلي بها أحمد ما قبل أنْ يقول القرءان مخلوق، حتى إنه حبس وتوالىٰ على تعذيبه في ليلةٍ واحدةٍ ثلاثمائة جلاد[3].

وقد ثبت أن الإمام الشافعي قال: ((المجسم كافر)) رواه عنه الحافظ السيوطي في كتاب الأشباه والنظائر. ومنْ وصف الله بالجلوس مجسم، ومنْ وصف الله بالاستقرار على العرش مجسم، ومنْ وصف الله بأنه يسْكن السماء مجسم، ومنْ وصف الله بأنه في جهة فوق مجسم.

ثبت أن الإمام أحمد قال: ((منْ قال الله جسم لا كالأجسام كفر)) رواه عنه الإمام الحافظ المحدث بدر الدين الزركشي في كتاب تشنيف المسامع، فإذا كان منْ قال الله جسْم لا كالأجسام كفر فكيف بمن يقول الله جسم ويسكت؟!! 

فوائد
·        الإمام أحمد لما كانوا يضربونه وقعت منه صرة فيها شعرات النبي ، هو كان يحمل شعرات النبي للتبرك.
·        وحصل معه أمر غريب ءاخر وهو أنه لما حصل هذا شخص كان يراه وهو يعذب قال له رأيت يدًا امتدت وأمسكت بسروالك، كان يلبس سروالاً انقطعت دكته فما انكشفت عورته، يعني الله أكرمه بهذا حتى لا تنكشف العورة.
·        معنى كلمة تشنيف: عندما يسمعك شخص شيئًا جميلاً يفرح به قلبك، يقال شنف سمعي يعني أسعدني بالكلام الذي قاله.

[1] - يعني أنا جئتك ببشارة بماذا تكرمني؟.
[2] - وهذا من تواضع الإمام الشافعي، وهذا فيه دليل على التبرك بين الأئمة.
[3] - هذا في أيام الخليفة العباسي المأمون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...