ان الطرق الشريفة التي أحدثها بعض أهل الله كالرفاعية والقادرية وغيرهما وهي نحو أربعين طريقة، فهذه الطرق أصلها بدع حسنة ولكن شذ بعض المنتسبين اليها وهذا لا يقدح في أصلها.وليعلم أن الطريقة من البدع الحسنة، والبدعة لغة ما أحدث على غير مثال سابق يقال:جئت بأمر بديع أي محدث عجيب لم يعرف قبل ذلك. وشرعا المحدث الذي الذي لم ينص عليه قرءان ولا سنة، قال ابن العربي: ليست البدعة والمحدث مذمومين للفظ بدعة ومحدث ولا لمعنيهما ، وانما يذم من البدعة ما يخالف السنة ويذم في المحدث ما دعا إلى الضلال اهـ.
وقد قسم العلماء البدعة إلى قسمين: بدعة حسنة وبدعة سيئة، فالبدعة الحسنة هي ما وافق الكتاب والسنة، والبدعة السيئة هي ما خالف الكتاب والسنة، ويؤكد هذا التقسيم ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شىء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل من بعده بها من غير أن ينقص من أوزارهم شىء" رواه مسلم.
فالحديث يبين أن ما يحدث في الإسلام ضربان: قسم يوافق الشرع وقسم يغايره أي يخالفه، ومما يدل على أنه حصل في زمن الصحابة استحداث أمور لم يرد فيها القرءان ولا سنة وتندرج تحت البدعة الحسنة موافقة للحديث الشريف الآنف الذكر ما جاء في صحيح البخاري في كتاب صلاة التراويح ما نصه: "قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس على ذلك" قال الحافظ ابن حجر "أي على ترك الجماعة في التراويح". ثم قال ابن شهاب في تتمة كلامه: "ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنه". وفي صحيح البخاري أيضا تتميما لهذه الحادثة عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان الى المسجد، فاذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: اني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: "نعم البدعة هذه" اهـ، وفي الموطأ بلفظ: "نعمت البدعة هذه" اهـ.
والأمثلة على هذا كثيرة من زمن الصحابة الى يومنا هذا ومن جملة هذه البدع الحسنة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف و اعلم أن الصوفية أهل حق وأن كثير من أدعياء التصوف اليوم على جهل وفساد في المعتقد
والصوفية الحقة متمسكون بالكتاب والسنة وعلى نهج السلف والخلف. وأدعياء الصوفية اليوم كثير منهم انحرفوا بسبب الكتب المدسوسة المنسوبة للصوفية الحقة أمثال الرفاعي والجنيد والجيلاني والغزالي والنووي وابن عربي رحمهم الله. وهؤلاء الأولياء كانوا يحذرون ويكفّرون من يعتقد في الله الحلول والتحيز والتجسيم وبوحدة الوجود كما فعل الحلاج.. لأنه يكفر من يعتقد أو من يقول أن الله يحل في الخلق أو أنه يسكن في خلقه أو في السماء أو أن النبي محمد جزء من الله أو أن النبي يعلم كل الغيب أي كل ما يعلمه الله.. هذا كله كفر مناقض للدين وليس من عقيدة الصوفية الحقة انما اسرائيليات ومدسوسات مخالفة لما عليه أهل السنة. العلم بالتعلم والفقه بالتفقه وليس بمجرد تصفح الكتب. ومن شذ شذ في النار.
كما أن هناك من يدعي أنه يتبع السلف فينسب لله ما لا يليق في حقه وللنبي ما لا يليق في حقه.. وحرفوا ما كان عليه أهل السلف الصالح كابن تيمية والوهابية المجسمة الذين خالفوا ما أجمع عليه أهل الحق جمهور الأمة مئات الملايين من المسلمين فنسبوا لله الجسم والأعضاء والاستقرار والجلوس على العرش والتحرك وكل هذا كفر مخالف للدين ولأهل السنة والجماعة. الله لا يشبه شىء ليس كمثله شىء لا يحل في شيء ولا ينحل منه شىء سبحانه وتعالى. صفات الله صفات كمال ليس فيها نقص وكلها ثابتة بلا كيف ولا تشبيه. قال الطحاوي رحمه الله: "ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر" وقال: "تعالى -الله- عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات".
والتصوف الصحيح هو مرتبة عالية وهو إصلاح القلب بالوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا وباطنا، فهو مبني على الكتاب والسنة وذلك باتباع شرع الله تعالى والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأحوال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأفعال، وتسليم الامور كلها لله من غير إهمال في واجب ولا مقاربة محظور، وحاصله اتصاف بالمحامد وترك للأوصاف الذميمة
فهو مسلك قائم على العلم والعمل، أعلاه علم التوحيد وأداء الواجبات قبل النوافل ثم عمل البر والخير و الزهد والتحلي بالأخلاق الحسنة.
وكلهم من رسول الله ملتمسُ ... غرفـًا من البحر أو رشفا من الديَمِ
يقول العارف بالله الزاهد العلامة الشيخ عبدالله ناصحا مريديه: "إياكم والغفلة بالتنعم وتعلق الهمم بتكثير الأموال". والتنعم هو التوسع في الملذات من المطعومات والمشروبات ومن الملبس الفاخر، وتركُ التنعم هو سنة الأنبياء.
واعلم أن معنى التصوف الحقيقي كان في الصدر الأول من عصر الصحابة، فالخلفاء الأربعة كانوا صوفيين معنى، واعلم أن صاحب كتاب حلية الأولياء الحافظ أبو نعيم أحد مشاهير المحدثين بدأ كتابه الحلية بصوفية الصحابة، ثم أتبعهم بصوفية التابعين، وهكذا. فإذا رمتَ معرفة حقيقة القوم والتيقن من صدق حالهم وصفاء مشربهم، فهاك ما ذكرناه لك، فتأمل.
وأصل الطرق المباركة واحد وهذه الفروع تنتهي إلى الأصل فلا فرق بين الطرق ومسالكها ومناهجها ورجالها وما أعذب ما قاله الشيخ القطب الجليل أبو الهدى الصيادي الرفاعي رضي الله عنه: (الكامل) ظهروا ببرهان الرسول تسلسلا ... حتى لعهد الأربعِ الأقطابِ إبنِ الرفاعيْ ثم عبدالقادر الـ ... ـجيلي وابْراهيم والعطابِ فإنهم أهل الهمم العلية والآداب القدسية، والمدارك الناجحة، والتجارة الرابحة، عرفوا حد البشرية، وما تجاوزوا مقام العبودية، ولا حجبتهم الحجب المستعارة الفانية عما وراءها من الشؤونات الصحيحة الباقية فألجموا الألسن عن الكلام بغير الحق، وتبعهم على ذلك جم غفير من غني وفقير وخادم وأمير، فهم أعيان الأولياء وأقطاب العرفاء شهرتهم سارت شرقا وغربا وأتباعهم عجما وعربا. وإننا تبركا بآثارهم، وتشبها باتباعهم، (إن التشبه بالكرام فلاح) أتيت على ذكرهم وهم السادة أصحاب الطرق المشهورة والمسالك المنصورة. وهم سيدنا القطب العارف عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه، وسيدنا القطب العارف إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه، وسيدنا العارف أحمد البدوي رضي الله عنه وسيدنا العارف أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق