بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

خَلْقُ الإنسان والثباتُ على الإيمان

خَلْقُ الإنسان والثباتُ على الإيمان
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد.
يقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم يُجمع خَلقُه في بطنِ أمهِ أربعين يومًا نُطفةً ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يُرسلُ إليهِ الملَك فينفخ فيه الروح، ويؤمرُ بأربعِ كلمات: بكتبِ رزقِهِ وأجلِه وعملِه وشقيٌّ أم سعيد. فوالله الذي لا إلهَ غيره إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنةِ حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعملُ بعملِ أهلِ النار فيدخلها، وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعملُ بعمل أهل الجنة فيدخلها" رواه البخاري ومسلم.
في هذا الحديث بيان ظاهر أن الإنسان يتقلَّبُ في مائة وعشرين يومًا، في ثلاثة أطوار في كل أربعين يومًا منها يكون في طور، فيكون في الأربعين الأولى نُطفة، ثم في الأربعين الثانية عَلقة، ثم في الأربعين الثالثة مُضغة، ثم بعد المائة والعشرين يومًا ينفخ فيه المَلَك الروح ويكتب له هذه الأربع كلمات وهي رزقه وأجله وعمله وشقيّ أو سعيد. وقد ذكر الله تعالى في القرءان الكريم في مواضع كثيرة تقلب الجنين في هذه المراحل كقوله تعالى: {يا أيها الناس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنَّا خلقناكم من تراب ثم من نُطفة ثم من علقةٍ ثم من مضغة}.
وفي ءاية أخرى: {ولقد خلقنا الإنسان من سُلالةٍ من طين ثم جعلناه نُطفةً في قرارٍ مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مُضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثم أنشأناه خلقًا ءاخر فتبارك الله أحسنُ الخالقين} فهذه سبع تاراتٍ ذكرها الله تعالى في هذه الآية لخلق ابن ءادم قبل نفخ الروح فيه.
وكان سيدنا ابن عباس يقول خُلق ابن ءادمَ من سبع ثم يتلو هذه الآية. والمراد بالنطفة منيّ الرجل مع منيّ المرأة مختلطًا في الرحم، لأن الجنين يُخلقُ من ماء الرجل وماء المرأة.
قال تعالى: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا}
وقال تعالى: {خُلق من ماء دافق يخرج من بين الصَّلب والترائب}
والمعنى أن الله تعالى خلق بني ءادم من نطفة أي منيّ الرجل ومنيّ المرأة "أمشاج" أي أخلاط وهو وصف للنطفة، والمراد ماء الرجل وماء المرأة يختلطان في الرَّحم فيكون منهما الولد،
أما قوله تعالى: {خُلِقَ من ماءٍ دافق} أي ذي اندفاق، والدّفق: الصبُّ، والمعنى أنه سائل بسرعة.
قال أبو حيّان: المراد بالماء الدافق منيّ الرجل والمرأة لمَّا امتزجا في الرحم واتحدا عبَّر عنهما بماء وهو مفرد. والصّلب هو الظهر للرجل أي هذا الماء الدافق يخرج من بين الصلب أي الظهر للرجل، والترائب للمرأة وهي عظام صدرها".
والله تعالى قال: {ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين} القرار المكين هو الرحم يُحفظ فيه الماء المهين أي الضعيف وهو منيّ الرجل والمرأة، يُحفظ في الرحم من الآفات المفسدة له.
ومن عظيم قدرة الله تبارك وتعالى أنه خلق الإنسان في ظلمات ثلاث كما ورد في الآية القرءانية: {يَخْلُقُكم في بطون أمهاتكم خَلْقًا من بعد خلقٍ في ظلمات ثلاث} ومعنى "ظلمات ثلاث" كما قال سيدنا عبد الله بن عباس: "ظُلمةُ البطن وظلمة الرَّحم وظلمة المشيمة".
والله تعالى قال: {خلق الإنسانَ من علق} والعلقة: هي الدم الجامد الذي لم ييبس، وقيل القطعة اليسيرة من الدم الغليظ.
والمضغة هي: قطعة لحم قدر ما يُمضغ. ثم بعد مضي مائة وعشرين يومًا يحمل الملكُ الموكل بالرحم الروحَ فيدخلها في جوف الأم، فيدخل هذا الروح بمشيئة الله إلى هذا الجنين وهو في رحم أمه.
وأما قوله تعالى: {وبَدَأ خَلْقَ الإنسان من طين} فمعنى الإنسان هنا ءادم عليه السلام. روى البزَّار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا خَلَقَ الله النَسَمة قال مَلَكُ الأرحام، أي ربّ أذكر أم أنثى؟ قال: فيقضي الله إليه أمره، يعني أذكر أم أنثى، ثم يقول، أي ربّ أشقيّ أم سعيد، فيقضي الله إليه أمره، يعني شقي أو سعيد ثم يكتب رزقه وأجله".
قال بعضهم: الرزق مكتوب في اللوح مع الأجل يعني الأجل مقدّر لا يزيد ولا ينقص والرزق مقسوم. والرسول صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من طالَ عمره وحسُن عملُهُ، وشرُّكُم من طال عمره وساء عمله". وقد رُوي أن الكتابة تُكتب بين عيني الجنين وفي صحيفته أيضًا.
روى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار، وإلا قد كُتبت شقيةً أو سعيدةً. فقال رجل أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل. فقال: اعملوا فكل ميسَّر لما خُلق له، أما أهل السعادة فيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ {فأمّا من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسره للعسرى}.
وورد في الصحيحين عن عمران بن حصين قال: قال رجل: يا رسول الله أيُعرفُ أهل الجنة من أهل النار؟ قال نعم: قال: فلمَ يعمل العاملون؟ قال: "كلٌّ يعملُ لما خُلقَ له أو لما يُسّرَ له".
ويقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال
بالخواتيم" رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنّ الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة ثم يُختم له عمله بعمل أهل النار، وإنّ الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة".
ومعنى هذا الحديث الشريف أن الرجل يعيش زمانًا يصلي ويصوم ويتصدق ثم في ءاخر حياته ينقلب عن الحق ويقع في الكفر
إما الكفر اللفظي أو الكفر الاعتقادي أو الكفر الفعلي ويثبت عليه ثم يأتيه الموت فيموت على الكفر والعياذ بالله بعد أن أمضى عمرًا على الإسلام.
وقد رُِوي أن أناسًا كثيرين قالوا عند الموت كلامًا كفريًّا منهم من قال: ربي ظلمني. ومنهم من صار يسب الله تعالى عند الموت قبل خروج روحه بقليل، فنسأل الله تعالى الثبات على الإسلام حتى الممات.
وبعض الناس من حيث الظاهر فيما يبدو للناس يُصلّون ويصومون ويرتادون المساجد وعقائدهم فاسدة بسبب أنهم نسبوا لله الجهة أو المكان أو شبهوا الله بخلقه أو سبّوا دين الإسلام أو الملائكة أو الشرع أو الصلاة ولم يتراجعوا عن كفرهم بالنطق بالشهادتين وكانوا يظنون بأنفسهم أنهم على الإسلام وهم كفار، وعند الموت يقول عزرائيل عليه السلام للواحد منهم متهكمًا: أبشر يا عدو الله بسخط الله وعذابه.
نسأل الله حسن الختام. وإن الرجل ليعمل بعمل الكفار ويعيش على الكفر برهة من الزمن ثم يتغير قلبه فيكره الكفر ويتشهد ويدخل في دين الإسلام ويختم له بالإسلام لأن الله تعالى شاء له أن يموت على الإسلام وهذا حصل كثيرًا.
نسأل الله حسن الختام والموت على كامل الإيمان وأن يجعل الله ءاخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...