كل حادثٍ دخل في الوجود فهو بخلق الله تعالى
بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأعيانُ هي الأشياء التي لها حجمٌ إن كانت صغيرة كالذرة أو أصغر منها وهو الجزء الذي لا يتجزأ لكونه في منتهى القِلة أو كبيرة كالعرش الذي هو أكبر المخلوقات حجمًا وأوسعها مِساحةً. أما الذرة [1] فهي أصغر الأجرام التي تراها العين، ويوجدُ ما هو أصغر من الهباء مما لا تراه العيون وله حجمٌ وهو أصغر حجم خلقه الله تعالى وهو الذي يسميه علماء التوحيد "الجوهر الفرد"، هذا وما زاد عليه الله تعالى هو الذي أوجده، وكذلك أعمال العباد حركتاهم وسكناتهم وأفكارهم ونواياهم وعلومهم وخواطرهم التي تطرأ عليهم بدون إرادتهم ونظرهم بقصدٍ إلى شيء وطرف أعينهم بقصد وبغير قصد الله تعالى هو خلقها فيهم، أما العباد فلا يخلقون شيئًا.
فلا الطبيعة تخلق ولا العلّة.
الطبيعةُ هي الصفة التي جعل الله عليها الأجرام وعرَّفها بعضهم بأنها العادة، فهذه لا يصح أن تكون خالقة لشيء من الأشياء لأنه لا إرادة لها ولا مشيئة ولا اختيار، وأما الطبائع الأربعة فهي: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
وأما العلة فهي السبب، وهي عندهم مثل حركة الإصبع الذي فيه خاتمٌ، فحركة الإصبع عندهم علة لحركة الخاتم لأنَّ حركة الخاتم تتبع حركة الإصبع.
فكل ما دخل في الوجود وُجد بعد أن كان معدومًا من الأعيان أي الأجسام ونحوها أي الجواهر مما يقوم بذاته والأعمال ما كان منها خيرًا وما كان منها شرًا والنوايا والخواطر التي لا نملك منعها من أن ترد على القلب هو بخلق الله تعالى، وهذا موافقٌ ومنسجمٌ مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ قلوبَ بني ءادم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء" [2]. وليس معنى الحديث وصف الله بالجارحة كما زعمت المشبهة إنما هو بمعنى التقريب أي أنَّ الله يتصرف بقلوب عباده كما يشاء من غير أن يلحقه تعبٌ ومشقةٌ بل بمحض إرادته الأزلية وقدرته الأزلية يُحدثها من العدم إلى الوجود، وقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مُصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك" رواه مسلمٌ والبيهقي والحاكمُ. فيدخل في ذلك أعمال العباد الاختيارية وغيرُ الاختيارية، وخالفت في ذلك المعتزلة أي في أفعال العبد الاختيارية فقالت إنَّ العبد هو خالقها فكفَّرهم العلماءُ المحققون كأبي منصور البغدادي والإمام البُلقيني -وهو من أكابر أصحاب الوجوه من الشافعية- والإمام أبي الحسن شيث بن إبراهيم المالكي وغيرهم، وكذبت في ذلك المعتزلة قول الله تعالى: {وخلقَ كل شىء} وقوله {هلْ مِنْ خالقٍ غيرُ الله} وغيرهما. ومعنى الخلق هنا الإبراز من العدم إلى الوجود، ولفظة شىء في هذا الموضع شاملةٌ لكل ما دخل في الوجود.
قال الإمام النسفي: فإذا ضرب إنسانٌ زجاجًا بحجر فكسره فالضرب والكسر والانكسار بخلق الله تعالى، فليس للعبد إلا الكسب، وأما الخلق فليس لغير الله قال الله تعالى: {لها ما كَسبت وعليها ما اكتسبت} [سورة البقرة].
ومعناه أنّ الضرب هو فعل العبد وقد يحصل منه انكسارٌ وقد لا يحصل، والكسرُ هو فعل العبد الذي يفعله في الزجاج بواسطة الرمي بالحجر. وأما الانكسار فما يحصل من الأثر في الزجاج، فليس للعبد من عمله إلا الكسب وهو توجيه العبد قصده وإرادته نحو العمل فيخلقه الله عند ذلك قال تعالى: {لها ما كَسَبت} أي من الخير {وعليها ما اكتسبت} أي من الشر.
ومعنى قوله تعالى: {لها ما كسبت} أي للنفس جزاءُ ما عملته من عمل الخير أي تنتفع بذلك، {وعليها ما اكتسبت} أي عليها وبالُ ما اكتسبته من عمل الشر أي يضرها ذلك، فأثبت الله تعالى الخلق لنفسه وتمدح بذلك لأنه شيءٌ يختص به، وأثبت للعبد الكسب، وهذا هو المذهب الحق.
ومن أوضح الأدلة أي النقلية على مذهب أهل الحق أي على أن العباد لا يخلقون شيئًا من أفعالهم قوله تعالى: {فلم تقتُلوهم ولكنَّ اللهَ قتلَهم وما رميتَ إذْ رميتَ ولكنَّ الله رمى} [سورة الأنفال] فإنَّ القتل للكفار حصل منهم ونسبه الله إليهم معنًى من حيث الظاهر أي الكسب ونفاهُ عنهم من حيثُ التكوين كذلك رمي الرسول بالحصى الذي ملأ أعينهم فانهزموا حصل من الرسول كسبًا فنسبه الله إليه من حيث الكسبُ ونفى عنه من حيث التكوين أن يكون خالقًا للرمي.
___________________
[1] الذرة هو هذا الهباء الذي يظهر في الكوة بواسطة الشمس إذا أردت أن تلمسه لا تُحِسّ به.
[2] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب القدر: باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، والترمذي في سننه: كتاب القدر: باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن.
فلا الطبيعة تخلق ولا العلّة.
الطبيعةُ هي الصفة التي جعل الله عليها الأجرام وعرَّفها بعضهم بأنها العادة، فهذه لا يصح أن تكون خالقة لشيء من الأشياء لأنه لا إرادة لها ولا مشيئة ولا اختيار، وأما الطبائع الأربعة فهي: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
وأما العلة فهي السبب، وهي عندهم مثل حركة الإصبع الذي فيه خاتمٌ، فحركة الإصبع عندهم علة لحركة الخاتم لأنَّ حركة الخاتم تتبع حركة الإصبع.
فكل ما دخل في الوجود وُجد بعد أن كان معدومًا من الأعيان أي الأجسام ونحوها أي الجواهر مما يقوم بذاته والأعمال ما كان منها خيرًا وما كان منها شرًا والنوايا والخواطر التي لا نملك منعها من أن ترد على القلب هو بخلق الله تعالى، وهذا موافقٌ ومنسجمٌ مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ قلوبَ بني ءادم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء" [2]. وليس معنى الحديث وصف الله بالجارحة كما زعمت المشبهة إنما هو بمعنى التقريب أي أنَّ الله يتصرف بقلوب عباده كما يشاء من غير أن يلحقه تعبٌ ومشقةٌ بل بمحض إرادته الأزلية وقدرته الأزلية يُحدثها من العدم إلى الوجود، وقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مُصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك" رواه مسلمٌ والبيهقي والحاكمُ. فيدخل في ذلك أعمال العباد الاختيارية وغيرُ الاختيارية، وخالفت في ذلك المعتزلة أي في أفعال العبد الاختيارية فقالت إنَّ العبد هو خالقها فكفَّرهم العلماءُ المحققون كأبي منصور البغدادي والإمام البُلقيني -وهو من أكابر أصحاب الوجوه من الشافعية- والإمام أبي الحسن شيث بن إبراهيم المالكي وغيرهم، وكذبت في ذلك المعتزلة قول الله تعالى: {وخلقَ كل شىء} وقوله {هلْ مِنْ خالقٍ غيرُ الله} وغيرهما. ومعنى الخلق هنا الإبراز من العدم إلى الوجود، ولفظة شىء في هذا الموضع شاملةٌ لكل ما دخل في الوجود.
قال الإمام النسفي: فإذا ضرب إنسانٌ زجاجًا بحجر فكسره فالضرب والكسر والانكسار بخلق الله تعالى، فليس للعبد إلا الكسب، وأما الخلق فليس لغير الله قال الله تعالى: {لها ما كَسبت وعليها ما اكتسبت} [سورة البقرة].
ومعناه أنّ الضرب هو فعل العبد وقد يحصل منه انكسارٌ وقد لا يحصل، والكسرُ هو فعل العبد الذي يفعله في الزجاج بواسطة الرمي بالحجر. وأما الانكسار فما يحصل من الأثر في الزجاج، فليس للعبد من عمله إلا الكسب وهو توجيه العبد قصده وإرادته نحو العمل فيخلقه الله عند ذلك قال تعالى: {لها ما كَسَبت} أي من الخير {وعليها ما اكتسبت} أي من الشر.
ومعنى قوله تعالى: {لها ما كسبت} أي للنفس جزاءُ ما عملته من عمل الخير أي تنتفع بذلك، {وعليها ما اكتسبت} أي عليها وبالُ ما اكتسبته من عمل الشر أي يضرها ذلك، فأثبت الله تعالى الخلق لنفسه وتمدح بذلك لأنه شيءٌ يختص به، وأثبت للعبد الكسب، وهذا هو المذهب الحق.
ومن أوضح الأدلة أي النقلية على مذهب أهل الحق أي على أن العباد لا يخلقون شيئًا من أفعالهم قوله تعالى: {فلم تقتُلوهم ولكنَّ اللهَ قتلَهم وما رميتَ إذْ رميتَ ولكنَّ الله رمى} [سورة الأنفال] فإنَّ القتل للكفار حصل منهم ونسبه الله إليهم معنًى من حيث الظاهر أي الكسب ونفاهُ عنهم من حيثُ التكوين كذلك رمي الرسول بالحصى الذي ملأ أعينهم فانهزموا حصل من الرسول كسبًا فنسبه الله إليه من حيث الكسبُ ونفى عنه من حيث التكوين أن يكون خالقًا للرمي.
___________________
[1] الذرة هو هذا الهباء الذي يظهر في الكوة بواسطة الشمس إذا أردت أن تلمسه لا تُحِسّ به.
[2] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب القدر: باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، والترمذي في سننه: كتاب القدر: باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق