بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الطاهر الأمين و بعد:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: « لا فِكْرَةَ في الرَّبِّ » رواه السيوطي في تفسيره. وروى البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : «تفكروا في كل شىء ولا تفكروا في ذات الله ».
أي أن الله تعالى لا يُدركه الوهم لأن الوهم يدرك الأشياء التي لها وجود في هذه الدنيا كالإنسان والغمام والمطر والضوء وما أشبه ذلك. فيفهم من هذا أنّ الله لا يجوز تصوره بكيفية وشكل ومقدار ومساحة ولون وكل ماهو من صفات الخلق. اهــ
قال الله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ (الشورى 11). في هذه الآية الله تبارك وتعالى شمل نفيَ مشابهته لكل أفراد الحادثات. اهـ
وقال الإمام أبو حنيفة في بعض رسائله في علم الكلام: « أنَّى يُشْبِهَ الخَالِقُ مخْلُوقَهُ» أي يستحيل أن يُشبه الخالق المخلوقات.
وقال الإمام الزاهد الشيخ أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه: « غاية المعرفة بالله الإيقانٌ بوجوده بلا كيف ومكان » أي أن أقصى ما يصلُ إليه العبدُ من المعرفة بالله الإيقان أي الاعتقاد الجازم الذي لا شك فيه بوجود الله تعالى بلا كيف ولا مكان ولا جهة. فالله تعالى كان موجودًا في الأزل قبل خلق المكان بلا مكان، وبعد أن خلق المكان هو الآن على ما عليه كان أي بلا مكان فالله لا يتغير من حال إلى حال كالمخلوق. اهـ
وقال الإمام أحمد بن حنبل والإمام ذو النون المصري تلميذ الإمام مالك رحمهم الله: « مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك » أي أن الله ليس شيئًا يُتصوّر في البال، لأن ما يتصوّر يكون من المخلوقات. فالله منزه عن الجسم والمكان والهيئة والصورة والجلوس والتغيّر والاستقرار. فالله لا يتغير من حال إلى حال كالمخلوق. اهـ
وقال أبو سليمان الخطابي: « إن الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه، أن ربَّنا ليس بذي صورة ولا هيئة. فإن الصورة تقتضي الكيفية. وهي عن الله وعن صفاته منفية » رواه البيهقي في الأسماء والصفات. اهـ
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: « لا فِكْرَةَ في الرَّبِّ » رواه السيوطي في تفسيره.
مَعْنَاهُ أَنَّ مَعْرِفَةَ اللهِ لا تُطْلَبُ بِالتَّصَوُّرِ وَلا بِالتَّوَهُّمِ لأَنَّ حُكْمَ الْوَهْمِ يُؤَدِّي إِلى الْغَلَطِ. بَعْضُ الْجُهَّالِ مُصيبَتُهُم أَنَّهُمْ لا يَقْبَلونَ أَنْ يَعْتَقِدُوا بِوجُودِ اللهِ تعالى دُونَ أَنْ يَتَصَوَّرُوهُ. يَقُولُونَ كَيْفَ نَعتَقِدُ بِوُجُودِ مَوْجُودٍ دُونَ أَنْ نَتَصَوَّرَهُ ؟ هَؤُلاءِ يُقالُ لَهُمْ: اللهُ تباركَ وتعالى لا يَجُوزُ أَنْ تُطْلَبَ مَعْرِفَتُهُ بِالتَّصوُّرِ، لأَنَّ اللهَ لَيْسَ شَيئًا يُتصَوَّرُ، لأَنَّ الْمُتَصَوَّرَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَوِّرٍ صَوَّرَهُ عَلَى شَكْلٍ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ اللهُ تعالى الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَلا خَالِقَ وَلا مُصَوِّرَ لَهُ.
فَالْمُتَصَوَّرُ مَخْلُوقٌ، وَالْخَاطِرُ مَخْلُوقٌ، وَالتَّفَكُّرُ مَخْلُوقٌ. وَكُلُّ مَا يَتَصَوَّرُهُ الإنْسَانُ بِقَلْبِهِ مِنْ صُوَرٍ وَأَشْكَالٍ لأَشْيَاءَ رَءاهَا أَوْ لَمْ يَرَهَا فَكُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ. الْقَمَرُ رَأيْتَهُ. فَإِنْ تَصَوَّرْتَهُ فَتَصَوُّرُكَ مَخْلُوقٌ لأَنَّ الْمُتَصَوَّرَ وَهُوَ الْقَمَرُ مَخْلُوقٌ. وَالْعَرْشُ لَمْ تَرَهُ. فَإِنْ تَصَوَّرْتَهُ فَتَصَوُّرُكَ مَخْلُوقٌ لأَنَّ الْمُتَصَوَّرَ وَهُوَ الْعَرْشُ مَخْلُوقٌ. أَمَّا اللهُ تعالى فَلَيْسَ مَخْلُوقًا. لِذَلِكَ مَهْمَا أَتْعَبَ الإنْسَانُ فِكْرَهُ لِيتَصَوَّرَ اللهَ بِزَعْمِهِ فَلَنْ يَصِلَ إِلى نَتِيجَةٍ صَحِيحَةٍ، لأَنَّهُ لا صُورَةَ لَهُ. فَكَيْفَ يتَصَوَّرُ مَا لَيْسَ لَهُ صُورَةٌ. وَلأَنَّهُ لا كَيْفَ لَهُ فَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ مَا لا تُحْيطُ بِهِ الأَوْهَامُ. لِذَلِكَ قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: « إِنَّ الَّذِي كَيَّفَ الْكَيْفَ لا كَيْفَ لَهُ ».
وَقَوْلُنَا التَّصَوُّرُ -في هذَا الْمَوْضِعِ- يُؤَدِّي إِلى الْحُكْمِ غَلَطًا، لأَنَّ التَّصَوُّرَ هُوَ قِياسُ شَىْءٍ لَمْ تَرَهُ بِشَىْءٍ رَأيْتَهُ. وَأَنْتَ أَيُّها الإِنْسَانُ مَا رَأَيْتَ إِلاَّ الْمَخْلُوقاتِ. فَإِذَا أَرَدْتَ أنْ تَتَصَوَّرَ شَيْئًا فَيذْهَبُ بِكَ الْوَهْمُ إلى قياسِ مَا لَمْ تَرَ عَلَى مَا رَأَيْتَ. وَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعالى لا يَجُوزُ أَنْ يُقاسَ بِالْمَخْلُوقاتِ. لِذَلِكَ التَّصَوُّرُ يُؤَدِّي بِكَ إلى الْحُكْمِ غَلَطًا عَلَى الأشْياءِ. واللهُ تباركَ وتعالى لَمْ نَرَهُ. فإِذا أرادَ تَصَوُّرُنا أنْ يَنْصَرِفَ إلى تَصَوُّرِ اللهِ تعالى، فَهَذَا يُؤدي إلى الغَلَطِ. يُؤدِّي إلى حُكْمِ الْوَهْمِ. وَنَحْنُ لَسْنَا مكَلَّفينَ بِاتِّبَاعِ الْوَهْم، بَلْ مُكَلَّفينَ بِاتِّباعِ الشَّرْعِ. والقُرْءانُ أَثْبَتَ أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى لا تُدْرِكُهُ الأوْهامُ. قَالَ تعالى: ﴿ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾ (الأنعام، ١٠٣) أَيْ لا تُحِيطُ بِهِ الأَوْهَامُ. وَقالَ تعالى: ﴿ وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ (النَّجْم، ٤٢) أَيْ إِلَيْهِ تَنْتَهي أَفْكارُ العِبَادِ فَلا تَصِلُ إِليْهِ، كَمَا فَسَّرَهَا أَقْرَأُ الصَّحَابَةِ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ وَالتَّابِعِيُّ الْوَلِيُّ الْمَشَهُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبي نُعم. فَقَالَ أُبَيٌّ في تَفْسِيرِهَا: « إِلَيْهِ تَنْتَهي أَفْكارُ العِبادِ، وَلا تَصِلُ إِليْهِ » اهـ وَقَالَ ابنُ أبي نُعم في تَفْسِيرِهَا: « إليهِ يَنْتَهِي فِكْرُ مَنْ تَفَكَّر ».
هَذَا الَّذي أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ. وَهَذا الَّذي يَقْبَلُهُ العَقْلُ، لأنَّ العَقْلَ شاهِدٌ لِلشَّرْعِ. فَأَهْلُ السُّنَّةِ اللهُ تعالى هَدَاهُمْ لِلْمَعاني التي تُوافِقُ الشَّرْعَ والعَقْلَ. أمَّا أُولئِكَ الَّذِينَ لا تَقْبَلُ عُقُولُهُمْ إِلا أَنْ يَتَصَوَّرُوا اللهَ فَمَحْرومونَ مِنْ هَذا. مَحْرُومُونَ مِنَ التَّفَكُّرِ الَّذِي أَمَرَنَا اللهُ تعالى بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّمَـوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَىْءٍ ﴾ (الأَعْراف، 185). اللهُ تعالى أَمَرَنَا بِالتَّفَكُّرِ في مَصْنُوعَاتِهِ حَتَّى نَعْرِفَ أَنَّهُ لاَ يُشْبِهُهَا، لاَ يُشْبِهُ مَصْنوعاتِهِ، مَخْلوقاتِهِ. هَذِهِ الآيةُ تأْمُرُنَا بِالتَّفَكُّر. التَّفَكُّرُ في خَلْقِ اللهِ مَطْلُوبٌ لأَنَّهُ يُقَوِّي اليَقِيِنَ بِوُجُودِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ. أَمَّا التَّفَكُّرُ في ذَاتِ اللهِ فمَمْنُوُع. لِمَاذا؟ لأَنَّهُ لاَ يُشْبِهُ شَيْئًا. كَيْفَ نُصَوِّرُهُ في نُفُوسِنَا؟ لاَ يُمْكِنُ. مَنْ تَصَوَّرَهُ حَجْمًا كَبِيِرًا كَالْعَرْشِ أَوْ أَوْسَعَ مِنَ الْعَرْشِ مَا عَرَفَهُ. وَمَنْ تَصَوَّرَهُ بِحَجْمٍ صَغِيِرٍ كَحَجْمِ الإنسان مَا عَرَفَهُ. وَمَنْ تَصَوَّرَهُ حَجْمًا مُتَحَيِّزًا في جِهَةِ فَوْقٍ مَا عَرَفَهُ. وَمَنْ تَصَوَّرَهُ حَجْمًا مُتَحَيِّزًا في جِهَةِ تَحَتْ مَا عَرَفَهُ. ومَنْ تَصَوَّرَهُ أَنَّهُ مُحِيطٌ بِجَمِيِعِ الْجِهَاتِ بِحَيْثُ تَكُوُنُ جَمِيعُ الْجِهَاتِ الْعَرْشُ وَالأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ كُلُّها في دَاخِلِهِ مَا عَرَفَهُ. لِذَلِكَ حَرَامٌ عَليْنَا أَنْ نَتَفَكَّرَ في ذَاتِ اللهِ لأَنَّنَا لاَ نَسْتَطيعُ أَنْ نتَصَوَّرَهُ، لأَنَّهُ لاَ يُشْبِهُ شَيئًا.
إِنَّمَا نَتَفَكَّرُ في مَخْلُوقَاتِهِ. نَنْظُرُ في حَالِ الأَرْضِ. الأَرْضُ في الشِّتَاءِ بَارِدَةُ الْمَلْمَس، وَفي الصَّيفِ حارَّةُ الْمَلْمَس. نقولُ: مَا الَّذِي جَعَلَهَا تَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إِلى حَال؟ هِيَ بِنَفْسِهَا لاَ تَفْعَلُ هَذَا. بَلْ لَهَا فَاعِلٌ يُحَوِّلُهَا مِنْ حَالٍ إِلى حَال. وَكَذلِكَ السَّماءُ لَهَا حَالاَتٌ مُخْتَلِفةٌ. وَكذلكَ الإنسانُ، وَكذلِكَ الأشْجارُ، وَكَذلِكَ النَّباتاتُ تَتَحوَّل مِن حالٍ إِلى حال. فَلاَ بُدَّ لَهَا مِن مُحَوِّلٍ يُحَوِّلُهَا مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ. كَمَا أَنَّهُ لا بُدَّ لَهَا مِن خاَلِقٍ أَخْرَجَهَا مِنَ العَدَمِ إِلى الوجود. لِهَذَا أُمِرْنَا بِالتَّفَكُّرِ في خَلْقِ الله. بِهَذَا الفَهْمِ بِهَذَا التَّفَكُّرِ يَصِلُ إِلى هَذَا. لِذَلِكَ اللهُ أَمَرَنَا بِالتَّفَكُّرِ في خَلْقِهِ، أَمَّا التَّفَكُّر في ذَاتِهِ -أَيْ حَقيقَتِهِ- مُنِعْنَا عَنْهُ نُهِينا عنه، لأَنَّ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُصَوِّرَ الله لاَ يَصِلُ إِلى نَتِيجَةٍ صَحِيحَةٍ. لِذَلِكَ نُهِينَا عَنِ التَّفَكُّرِ في ذَاتِ اللهِ، في حَقيقةِ اللهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: « تَفَكَّرُوا في كُلِّ شَىْءٍ وَلا تَفَكَّرُوا في ذَاتِ اللهِ » كُلُّ الأَئِمَّةِ مِنَ الْصَّحَابَةِ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُم يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللهَ تَعَالى لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثَ الَّتِي تُوهِمُ ظَوَاهِرُهَا خِلافَ ذَلِكَ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَا تِلْكَ الْظَّوَاهِرَ. لِذَلِكَ قَالَ الإمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الْطَّحَاوِيُّ الَّذِي كَانَ في الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ لِلْهِجْرَةِ في عَقِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمينَ عَنِ اللهِ: « تَعَالى -أَيِ اللهِ- عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ. لا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ الْسِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ » مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ تعالى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ حَجْمًا، لأَنَّ الْمَحْدُودَ في اللُّغَةِ وَعِنْدَ عُلَمَاءِ الْشَّرْعِ مَا لَهُ حَجْمٌ صَغُرَ أَوْ كَبُرَ. وَالْغَايَاتُ هِيَ النِّهَايَاتُ وَذَلِك َمِنْ أَوْصَافِ الأَحْجَامِ. وَالأَعْضَاءُ هِيَ الأَجْزَاءُ الْكَبِيرَةُ كَالْرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَالْرِّجَليْنِ. وَالأَرْكَانُ هِيَ الْجَوانِبُ. وَهَذَا مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ. وَالأَدَوَاتُ أيِ الأَجْزَاءُ الصَّغِيرَةُ كَالأَنْفِ وَالْشَّفَةِ وَالأَصَابِعِ. وَاللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَوْلُهُ: “لا تَحْويهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ“، أَيْ لا يُوصَفُ اللهُ بِأَنَّهُ تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَمَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ. بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ في جِهَةِ فَوْقٍ، وَبَعْضُهَا في جِهَةِ تَحَت، وَبَعْضُهَا في جِهَةِ الشَّمَالِ، وَبَعْضُهَا في جِهَةِ الْجَنُوبِ، وَبَعْضُهَا في جِهَةِ الشَّرْقِ، وَبَعْضُهَا في جِهَةِ الْغَرْبِ. أَمَّا اللهُ تعالى فَلَيْس مُتَحَيِّزًا في جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ الْسِّتِّ. وَعَلَى هَذَا كَانَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ. كلّ هذا يفهم من هذه الآية القرءانية: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ ﴾. وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَهُوَ ضَالٌّ شَذَّ عَنْ جُمْهُورِ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ. وَهُمُ السَّوَادُ الأَعْظَمُ الَّذي وَرَدَ في الْحَدِيثِ. وَلْيَعْلَمْ أَنَّه مُبْتَدِعٌ في الْعَقيدةِ بِدْعَةَ ضَلالَةٍ. ا.هـ.
فإنْ قالَ مشبّه مجسّم: كيفَ نعبُدُ مَا لا نستطيعُ أنْ نتصوَّرَهُ. فقل له: يا مشبه، من قال لك إنَّ مِن شرطِ الإيمانِ التصور؟ يا مجسم أليس في المخلوقِ مَا لا نستطيعُ أنْ نتصوَّرَهُ لكننا نؤمنُ بهِ وجوبًا، وهُوَ أنَّ النورَ والظلامَ لم يَكونا. فَلا يستطيعُ أحدٌ مِنَّا أن يَتصوَّرَ في نفسِهِ. كيفَ يكونُ وقتٌ ليسَ فيهِ نورٌ ولا ظلامٌ. ومعَ هذا واجبٌ علينا أنْ نؤْمِنَ بأنّهُ مضَى وقتٌ لم يكنْ فيهِ نورٌ ولا ظلامٌ، لأنَّ الله تعالى قالَ: ﴿ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ ( الأنعام ١) أيْ خَلَقَ الظلماتِ والنورَ، أيْ أَوجَدَ الظلامَ والنّورَ بعدَ أنْ كانَا معدومَين. فبالأولى الله الذي قالَ عنْ نفسِهِ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ﴾ لا يُتصوَّرُ في الوَهْمِ ولا تحيطُ بهِ العقولُ.
فكيف تطلب تصورَ الله ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا فكرة في الربّ”. يا مشبه: كيف تدعي أنك تابع للإمام أحمد بن حنبل، وتطلبُ تصورَ الله، والإمام أحمد يقول: “مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق