معاني الصدق
اعلم رحمك الله وجعلنا وإياك من الصادقين في مقعد صدق عند مليك مقتدر، أن لفظ الصدق يُستعمل في ستة معان: صدق في القول،
وصدق في النيّة والإرادة،
وصدق في العزم،
وصدق في الوفاء بالعزم،
وصدق في العمل،
وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صدّيق.
صدق اللسان
وصدق في النيّة والإرادة،
وصدق في العزم،
وصدق في الوفاء بالعزم،
وصدق في العمل،
وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صدّيق.
صدق اللسان
فأما الصدق الأول صدق اللسان فيكون في الأخبار، وفيه يدخل الوفاء بالوعد والخلف فيه وحقّ على كل عبد أن يحفظ ألفاظه، فلا يتكلم إلا بالصدق؛
لأن الكذب مذموم في شرع الله تعالى، فليكن دومًا نطق لسانك الصدق، وليكن حلفك بالله دومًا صادقًا، وليكن حديثك مع الناس حديث صدق،
وليكن تعليمك للناس بالصدق فلا تروِ أحاديث موضوعة للناس لتوهمهم أن هذا من دين الإسلام والإسلام منه بريء، وإياك والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار.
والكذب من معاصي اللسان وهو الإخبار بالشىء على خلاف الواقع عمدًا أي مع العلم بأن خبره هذا على خلاف الواقع، والكذب حرام بالإجماع،
سواء كان على وجه الجدّ أو على وجه المزح، كما ورد في حديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموقوف على بعض الصحابة "لا يصلحُ الكذب في جدّ ولا هزل" رواه البيهقي،
وما أكثر من هلك باستعمال الكذب في الهزل والمزح، وأشدّ ما يكون من ذلك إذا كان يتضمن تحليل حرام أو تحريم حلال.
ومن ذلك رجل كان بين أصدقائه في مكان فأقبل أعمى فقال والعياذ بالله: "قال الله تعالى: إذا رأيت الأعمى فكبّه إنك لست أكرم من ربه" قال هذا الكلام الفاسد لإضحاك الحاضرين، وهذا فيه كفر وضلال.
لأنه يتضمن كذبًا على الله بجعل ما ليس من القرءان قراءنًا وهو متضمن تحليل الحرام المعلوم من الدين بالضرورة حرمته، لأنه لا يجهل مسلم حكم هذا الفعل أنه حرام مهما بلغ في الجهل.
صدق النية
وأما المعنى الثاني، وهو الصدق في النية والإرادة فيرجع إلى الإخلاص وهو أن لا يكون له باعث في فعل الطاعات إلا رضا الله والثواب من الله ولأجل الله، فإن مازجه شَوب من حظوظ النفس بطل صدق النية.
صدق العزيمة
أما المعنى الثالث فهو صدق العزم، فإن الإنسان قد يقدم العزم على العمل، فيقول في نفسه: إن رزقني الله مالاً تصدقتُ بجميعه، أو بشطره.
فهذه العزيمةُ يجدها من نفسه وهي عزيمة جازمة صادقة، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في العزيمة فكان الصدق ههنا عبارة عن التمام والقوة.
فالصادق هنا هو الذي تصادف عزيمته في الخيرات كلها قوة تامة، ليس فيها ميل ولا ضعف ولا تردد، بل تسخو نفسه أبدًا بالعزم المصمم الجازم على الخيرات.
صدق الوفاء
صدق الوفاء
والمعنى الرابع هو الصدق في الوفاء بالعزم.
فإن النفس قد تسخو بالعزم في الحال، إذ لا مشقّة في الوعد والعزم، والمؤنة فيه خفيفة، فإذا حقت الحقائق، وحصل التمكن، وهاجت الشهوات، انحلت العزيمة وغلبت الشهوات، ولم يتفق الوفاء بالعزم عند كثير من الناس وهذا يضاد الصدق فيه؛
لذلك قال تعالى :{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} (سورة الأحزاب/23) وهذه الآية نزلت في أنس بن النضر كما روى البخاريّ.
فإنّه رضي الله عنه لم يشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشقّ ذلك على قلبه وقال: أول مشهد شهده رسول الله غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله ليرين الله ما أصنع، قال: فشهد أحدًا في العام القابل، فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو إلى أين؟ فقال :"واهًا لريح الجنّة، إني أجد ريحها دون أحد". فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون، ما بين رمية، وضربة وطعنة، فقالت أخته بنت النضر: ما عرفت أخي إلا ببنانه، فنزلت هذه الآية :{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} (سورة الأحزاب/23).
ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير يوم أُُحُد وقد سقط شهيدًا على وجهه، وقرأ هذه الآية :{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} (سورة الأحزاب/23).
وروي أن أبا سعيد الخراز قال: رأيت في المنام كأن ملكين نزلا من السماء فقالا لي: ما الصدق؟ قلت: الوفاء بالعهد، فقالا لي: صدقت. وعرجا إلى السماء.
ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير يوم أُُحُد وقد سقط شهيدًا على وجهه، وقرأ هذه الآية :{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} (سورة الأحزاب/23).
وروي أن أبا سعيد الخراز قال: رأيت في المنام كأن ملكين نزلا من السماء فقالا لي: ما الصدق؟ قلت: الوفاء بالعهد، فقالا لي: صدقت. وعرجا إلى السماء.
صدق العمل
المعنى الخامس هو صدق العمل وهو أن يجتهد حتى لا تدلّ أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به، فاعمل ليل نهار جاهدًا لتكون صادقًا في عملك كله فرضه ونفله، حركاتك وسكناتك، نفقاتك وصدقاتك، زياراتك ومعاملاتك.
فالصدق في أقوالنا أقوى لنا * والكذب في أفعالنا أفعى لنا
قال الصادق عبد الواحد بن زيد: كان الحسن إذا أمر بشىء كان من أعمل الناس به، وإذا نهى عن شىء كان من أترك الناس له، ولم أر أحدًا قط أشبه سريرة بعلانية منه،
وقال أبو يعقوب النهرجوري: الصدق موافقة الحقّ في السر والعلن.
المعنى السادس
هو الصدق في مقامات الدّين كلها: في الخوف، والرجاء، والتعظيم، والزهد، والرضا، والتوكل، والحب، وسائر هذه الأمور.
ولنضرب للخوف مثلاً، فما من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر إلا وهو خائف من الله تعالى خوفًا يطلق عليه هذا الاسم، ولكن قد لا يبلغ درجة حقيقة هذا الخوف، أما تراه إذا خاف سلطانًا، أو قاطع طريق في سفر، كيف يصفرّ لونه، وترتعد فرائصه، ويتنغص عليه عيشه، ويتعذر عليه أكله ونومه، وينقسم عليه فكره حتى لا ينتفع به أهله وولده،
ثم إنّه يخاف النار، ولا يظهر عليه شىء من ذلك عند جريان معصية عليه، فالصادق في هذه الأمور في جميع المقامات عزيز ونادر، لأن تحصيل الأمور الستّة في الصدق المذكورة ليس سهلاً، لكنّه يسير على من يسّره الله عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق