البدعة الحسنة من القرءان
قال الطبري وأولى الأقوال بالصحة أن يقال: أن الله جلّ ثناؤه أخبر أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم؛ قال: فدلّ بذلك على أن منهم من قد رعاها حقّ رعايتها، فلو لم يكن منهم من كان كذلك، لم يكن مستحقّ الأجر الذي قال جلّ ثناؤه: ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ )،
ثم قال الطبري وقوله: ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: فأعطينا الذين آمنوا بالله ورسله من هؤلاء، الذين ابتدعوا الرهبانية ثوابهم على ابتغائهم رضوان الله، وإيمانهم به وبرسوله في الآخرة، وكثير منهم أهل معاص، وخرج عن طاعته، والإيمان به.
وقال الألوسي في تفسيره وقوله تعالى : { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } أي ما حافظوا عليها حق المحافظة ذم لهم من حيث إن ذلك كالنذر وهو عهد مع الله تعالى يجب رعايته لا سيما إذا قصد به رضاه عز وجل .
واستدل بذلك على أن من اعتاد تطوعاً كره له تركه ،
وقال ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير
قوله تعالى : { ورهبانية ابتدعوها } أي : جاؤوا بها من قِبل أنفسهم ، وهي غلوُّهم في العبادة ، وحمل المشاق على أنفسهم في الامتناعِ عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبُّد في الجبال { ما كتبناها عليهم } أي : ما فرضناها عليهم .
وفي قوله تعالى : { إلا ابتغاء رضوان الله } قال الحسن : تطوَّعوا بابتداعها ثم كتبها الله عليهم . وقال الزجاج : لما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع لزمهم إِتمامه ، كما أن الإنسان إِذا جعل على نفسه صوماً لم يفترض عليه ، لزمه أن يتمَّه .
قال الإمام الرازي في تفسيره
وروى ابن مسعود أنه عليه السلام ، قال : « يا ابن مسعود : أما علمت أن بني إسرائيل تفرقوا سبعين فرقة ، كلها في النار إلا ثلاث فرق ، فرقة آمنت بعيسى عليه السلام ، وقاتلوا أعداء الله في نصرته حتى قتلوا ، وفرقة لم يكن لها طاقة بالقتال ، فأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وفرقة لم يكن لها طاقة بالأمرين ، فلبس العباء ، وخرجوا إلى القفار والفيافي وهو قوله : { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذين اتبعوه رَأْفَةً } إلى آخر الآية »
ثم قال في المسألة الخامسة : لم يعن الله تعالى بابتدعوها طريقة الذم ، بل المراد أنهم أحدثوها من عند أنفسهم ونذروها ، ولذلك قال تعالى بعده : { مَا كتبناها عَلَيْهِمْ } .
وبالتالي أن الرهبانية التي ابتدعوها ليست محل إنكار الله سبحانه وتعالى ، إنما محل الإنكار هو عدم الالتزام بما الزموا أنفسهم به.
فيظهر من كلام أهل التفسير لكتاب الله تعالى أن البدعة الحسنة في دين الله تعالى مشروعة بدليل أقرار الله تعالى في كتابه العزيز استدلالا بما أحدثوه من الرهبانية، لكن محل التحذير عدم الالتزام. ولذلك فإن من ألزم نفسه بفعل قربة لم يكتبها الله تعالى على أمة محمد ولم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حدود الأصول التي جاءت من عند الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا تسمى بدعة سيئة بل هي بدعة حسنة أو سنة حسنة والقول بأنه لا توجد بدعة حسنة في دين الله تعالى كلام مناقض لكتاب الله سبحانه وتعالى ، وعلى هذا الأساس فيجب علينا أن نفهم ما ورد من النصوص لا على الأسس الذي اعتمده المجسمة النفاة الجفاة بتعطيل النص القرآني وإعمال النص النبوي هداهم الله وفقههم في دينه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق