القدر والمشيئة
إخوة الإيمان كلامنا اليوم بإذن الله رب العالمين عن القضاء والقدر، فلقد روى الحاكم رحمه الله تعالى أن عليًا الرضى بن موسى الكاظم كان يقعد في المسجد، فيسأله الناس فسئل عن القدر فقال قال الله عز من قائل : ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِعَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ ثم قال الرضى :" كان أبي يذكر عن ءابائه أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كان يقول :" إن الله خلق كل شىء بقدر حتى العجز والكيس وإليه المشيئة وبه الحول والقوة".
هذا الكلام إخوة الإيمان يحوي معاني راقية كثيرة، فقوله : " إن الله خلق كل شىء بقدر " أي بتقديره الأزلي الذي لا بداية له، أي أن كل ما دخل في الوجود فقد وجد بتقدير الله " حتى العجز والكيس " حتى الضعف في الفهم والادراك والفطانة والذكاء هذا كله بخلق الله بمشيئة الله فالله تعالى له المشيئة الشاملة العامة الأزلية التي لا بداية لها الأبدية التي لا نهاية لها التي لا تتحول ولا تتغير، فبمشيئة الله الأزلية شاء حصول حركات العباد وسكناتهم وتطورات نفوسهم، ومشيئة الله سابقة على مشيئة العباد، سبقت مشيئته المشيئات كلها لا مشيئة للعباد إلا ما شاء الله لهم يقول الله تعالى في القرءان العظيم : ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين﴾ َ سورة التكوير/29 .
إخوة الإيمان إن في خطبة الجمعة دروسًا وعبرًا ومواعظ يتحدث فيها الخطيب بالوعظ والإرشاد والتعليم وبأصول العقيدة كذلك فينبغي لك أخي المسلم أن تصغي بسمعك جيدًا وأن تكون حاضر القلب مع القالب خاصة والكلام اليوم عن مسألة اعتقادية مهمة، فالإنسان إذا عمل حسنة يسمى عمله خيرًا وإن عمل الإنسان معصية يسمى عمله شرًا وكلاهما بخلق الله تعالى، ولكن فعل العبد للقبيح قبيح من العبد وأما تقدير الله للقبح ليس قبيحًا من الله، وكذلك خلقه للقبيح ليس قبيحًا من الله كما أن إرادته لوجود الشر ليست قبيحة كل شىء خلقه وملك يده أي ملك له لا يسئل عما يفعل وهم يسألون، وهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقف في بلد من بلاد الشام خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : {من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له} وقد احتج سيدنا عمر رضي الله عنه بهذه الآية : ﴿وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ﴾ الآية. سورة الزمر/37 .
ومعناه أن الذي شـاء الله له في الأزل أن يكون مهتديًا لا أحد يجعله ضالا ، وبقوله تعالى : ﴿مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ﴾ الآية. سورة الأعراف/186. أي ومن شاء الله أن يكون ضالاً فلا هادي له أي لا أحد يجعله مهتديًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أنذر قومه أول ما نزل عليه الوحي عملاً بقول الله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ سورة الشعراء/214 . أي حذرهم من الكفر ثم اهتدى به أناس ولم يهتد به أناس حتى من أقاربه كأبي لهب وغيره فإنهم لم يهتدوا فما هو الموجب لذلك أي لأن يهتدي هؤلاء ولا يهتدي هؤلاء؟ الموجب لذلك أن الله تعالى شاء في الأزل أن يهتدي هؤلاء بمحمد ولم يشأ أن يهتدي الآخرون تنفذت مشيئة الله في الفريقين، والله تعالى يكره الكفر والمعاصي لكن خصص هؤلاء بأن ينساقوا إلى الضلال كما خصص أولئك بأن ينساقوا باختيارهم إلى الهدى هذا معنى المشيئة، فلا يحدث في العالم شىء إلا بمشيئة الله تعالى، ولا يصيب العبد شىء من الخير أو الشر أو الصحة أو المرض أو الغنى أو غير ذلك إلا بمشيئة الله تعالى. ولا يخطئ العبد شىء قدر الله وشاء أن يصيبه فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بعض بناته " ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق