معنى قوله عليه السلام والتارك لسنتي
قال شيخنا رحمه الله
وأمّا قولُه صلى الله عليه وسلّم في هذا الحديث" والتّاركُ لِسُنّتي" فمعناهُ مَن خالَفَ الصّحابةَ وخرَجَ عنهُم في المعتَقَد،
ليسَ معناهُ كُلُّ مَن لم يعمَل ما كانَ الرّسولُ يفعَلُه مِن الفرائض والنوافِل أنّه يكونُ مَلعُونًا، لا،
إنما مُرادُ الرّسولِ هو الذي يَترُك عقيدةَ أهلِ السّنة والجماعة إلى غيرِها، يَعدِلُ عن عقيدةِ أهلِ السنّة والجماعَةِ التي كانَ عَليها الصّحابةُ مما تلَقَّوهُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم، مَنْ تَرَك ذلكَ فهو الذي عَناهُ الرّسولُ بقولِه " والتّاركُ لِسُنَّتي"
بعضُ الأغرارِ لما يَرونَ هذا الحديثَ يُحَرّفونَ حديثَ رسولِ الله، يَظُنّونَ أنّ الذي أخبَر الرّسولُ أنّهُ مَلعُونٌ لتَركِه سُنّةَ رسولِ الله يظُنّون أنّهُ هوَ الذي يَترُك النّوافلَ لأنّ كثيرًا مِنَ الناس لا يفهَمُونَ مِنَ السُّنّة إلا الأشياءَ التي هيَ مِنَ النّوافل،
تاركُ النّوافلِ ما عليه عذابٌ في الآخِرة، ما عَليهِ أدنى عَذاب إنما العَذابُ لمن يَترُك ما افتَرضَ اللهُ على عبادِه مِن أداءِ الوَاجِباتِ كالصّلواتِ الخَمسِ وصيامِ رمضَان وبِرِّ الوالِدَين والجهادِ في سبيلِ الله مع الاستطاعةِ
وما أشبَهَ ذلكَ هذا الذي قال عنه الرسولُ والتّاركُ لسُنّتي، فمَن خَرج في الاعتقادِ عن مُعتقَدِ أصحابِ رسولِ الله التي هيَ سُنّةُ رسولِ اللهِ أي طَريقتُه فهذا عَرَّضَ نَفسَهُ لتِلكَ اللّعنة الكبيرة،
فلِذلك يجبُ التّمسُّك بعقيدةِ أهلِ السُّنةِ والجمَاعة فيما يتعَلَّق بالإيمان بالقَدَر وفيما يتعَلَّقُ بغَيرِ ذلكَ مِن تَنزيهِ الله تعالى عن مُشابهَةِ المخلوقِ وإثباتِ رؤيةِ الله تعالى في الآخِرة للمؤمنينَ، وأمّا أصحابُ الكبائر مِنَ المؤمنين هم تحتَ المشيئةِ إنْ شاءَ الله عذّبهم ثم أخرجَهُم وإنْ شاءَ عفَى عنهُم، فعقيدةُ أصحابِ رسولِ الله أنّ مرتكبَ الكبيرةِ لا يتَحتَّمُ دخولُه النار، هو تحتَ المشيئةِ فمِنهُم مَن يُسامِحهُم اللهُ ومنهُم مَن يُعذّبهم الله، على هذا كانَ أصحابُ رسولِ الله في الاعتقادِ، مَا كانوا يعتقدونَ كمَا تَعتقدُ المعتزلةُ والخَوارج، عندَ المعتزلةِ والخوارج مرتكبُ الكبيرةُ مخلَّدٌ في النار كالمشركِينَ الذينَ يَعبُدونَ الأوثانَ لا فَرقَ عندَهُم بينَ المشرِك الذي يَعبُد الأوثانَ وبينَ هذا المسلِم الذي ارتَكَبَ كبيرةً ثم ماتَ لم يتُب مِنها، لا فَرقَ عندَهم بينَ هذا وهَذا، وهذا ضلالٌ مُبِينٌ،
هذا تاركُ سُنّةِ رسولِ الله هوَ الذي عنَاهُ الرّسولُ بقولِه والتاركُ لِسُنّتي.
فالمعتزلةُ قالوا مرتكبُ الكبيرة مخلَّدٌ في النار إنْ ماتَ قبلَ التّوبةِ لا يَخرُج مِن النار، لكنّهُم سمَّوهُ فَاسقًا ولم يُسَمُّوه كافرًا، عندَهُم الفاسِقُ منزلةٌ بينَ الكافِر والمؤمِن هذِه مِن جملةِ بِدَعِهم التي أهلكَتْهُم، أمّا الخوارجُ فالأمرُ عندَهُم أشَدّ مِن ذلكَ فهم يَعتبِرُونَ مُرتكبَ الكبيرةِ كافرًا كعُبّاد الأوثانِ وغيرِهم، لا يَعتبرونَهُ مسلِمًا فاسِقًا بل يَعتبرونَهُ كافرًا كسَائِر الكفّار، وكِلا الفَرِيقَين ذمَّهُما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أمّا الخوارجُ فقَد ورَد فيهم مِن أحاديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم مَارقُونَ مِنَ الإسلام كما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرّمِيّةِ قال ثم لا يَعودُونَ إليه"رواه البخاري ومسلم. وأمّا المعتزلةُ فيَصدُق علَيهِم حديثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم :"صِنفانِ مِن أُمّتي ليسَ لهما نصِيبٌ في الإسلام القَدَريّةُ والمرجئة"رواه ابن عدي. القَدريةُ همُ العتزلةُ قال فيهم أبو هريرةَ وعبد الله بنُ عمر رضي الله عنهما إنهما نَصارى هذه الأمة ومجوسُها وفي ذلكَ أَبلَغُ الذّمّ لهم، وكذلكَ مِن سُنّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أي معتقدِه الذي اعتقدَه أصحابُه مِن غَيرِ اختِلافٍ بينَهُم أنّ عصاةَ المسلمين يُشفَعُ لهم يومَ القيامة، يَشفَعُ فيهم الأنبياءُ والعُلماءُ والشُّهداء، هذا مِن سُنّةِ رسولِ الله أي مِن جملةِ الاعتقادِ الذي علَّمَهُ رسولُ الله لأصحابِه ثم أصحابُه علّمُوا مَن سِواهُم ممن لم يَلقَوُا النّبيّ، اللهُ تَبارك وتعالى يُشفِّعُ العلَماءَ العاملِينَ، العلماءَ الأتقياء، والأنبياءَ والشّهداءَ أي شهداءَ المعركة، هؤلاء الثلاث يُشَفّعون في أناسٍ مِن عصاةِ المسلمينَ الذين ماتوا بلا تَوبةٍ، واللهُ تعالى هو العَليمُ المحيطُ عِلمًا بمن يُشفِّعُ فيهِ بعضَ الأنبياءِ ومَن يُشَفِّعُ فيه بعضَ العلماء ومَن يُشَفّعُ فيه بعضَ الشّهداء، تفصيلُ ذلكَ يَظهَرُ في الآخرة، يومَ القيامة، ثم السّبيلُ إلى التّمسّك بما كانَ عليهِ أصحَابُ رسولِ الله مِن سُنّةِ رسولِ الله تَلقّي العلم الدّيني مِن أهلِ المعرفةِ لأنّ مَن لا يتَلقّى العِلمَ الدِّينيّ مِن أهلِ المعرفةِ يَلتَبِسُ عليهِ الأمرُ فلا يَعرفُ ما كانَ مِن مُعتقَد الصّحابة مما هو خِلافُ معتقَدِ الصحابة، وسبحانَ الله والحمد لله ربّ العالمين، فقّهَنا الله في الدّين وجَعلَنا مِنَ النّاجِين.
يا أرحَم الراحمين يا أرحَم الرّاحمين يا أرحَم الرّاحمين لكَ الحمدُ ولكَ الثناءُ الحسَن صَلِّ وسلِّم وبارك على سيدِنا محمد وعلى آلهِ الطّيبينَ الطّاهِرين اللهمّ وأصلِح ذاتَ بينِنا وألّف بينَ قلُوبِنا واهدِنا سُبُلَ السّلام وأخرِجنا مِنَ الظُّلُماتِ إلى النّور اللهم اجعلنا هُداةً مَهدِيّينَ غَيرَ ضَالّينَ ولا مُضِلّين اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذينَ سبَقُونا بالإيمان والحمدُ لله رب العالمين له الفضل والنعمةُ تبارك وتعالى صلواتُ الله وسلامُه على نبيّنا محمد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق