القَبرُ إمّا رَوضَةٌ من رِياض الجنّةِ وإما حُفرةٌ مِن حُفَرِ النار" رواه الطبراني
الحمد لله ربّ العالمين لهُ النّعمةُ ولهُ الفَضلُ ولهُ الثّناءُ الحسَن وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحْدَهُ لا شَريكَ لهُ وأشهَدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورَسولُه صلَواتُ الله البرّ الرّحيم والملائكة المقربّين على سيِّدنا محمدٍ أشرفِ المرسلين وعلى آلِه وجميع إخوانِه مِنَ النّبيّينَ والمرسلين وسلامُ الله علَيهم أجمعين
أمّا بعد، فإنّ مِن أهمّ أمورِ الدّين وأفضلِه عندَ الله معرفةُ الله ورسُولِه ومعرفةُ نبيّه محمدٍ صلى الله عليه وسلّم ثم الثّبات على الإيمان بأن يتَجنّب الإنسانُ العقائدَ الكفريةَ والأفعالَ الكفريّةَ والأقوالَ الكفريةَ فمَن ثبَت على الإيمانِ عَرفَ اللهَ ورسولَه وآمَن بهما إيمانًا جازمًا لا يخالطُه شَكّ وثبَتَ على ذلك فلم يَكفُر كُفرًا قَوليًّا ولا كفرًا فِعليًّا ولا كُفرًا اعتقاديًّا واستمَرّ على ذلك إلى مُفارقةِ الدّنيا فقَد فاز أي سَلِم مِنَ الخلُود في عَذاب الله ثم إنْ كانَ هذا المؤمنُ الذي عرَف اللهَ ورسولَه وتجنَّبَ الكفر يؤدّي الواجِبات التي فرضَها اللهُ على عبادِه ويجتنبُ المحرّماتِ التي حَرّمَها اللهُ على عبادِه يَعيشُ عِيْشةً سعِيدةً في قَبره وفيما بَعدَ القَبر إلى ما لا نهايةَ له، لا يُصيبُه شىءٌ مِنَ النّكَد، النَّفسُ مجبُولةٌ على كراهِيةِ الموت لكنّ الموتَ مَثَلُه كمَثَلِ الجنِين حينَ يخرُج مِنْ بَطنِ أُمّهِ خَرَج مِنَ الضِّيقِ إلى السّعَةِ ثم بعدَ ذلكَ هذا الإنسانُ الذي ماتَ فإمّا أن يكونَ خَرجَ إلى سَعَةٍ ورَخاءٍ وفَرَحٍ وإمّا أنْ يكونَ خَرَج إلى ضِيقٍ ونَكدٍ فلا يكونُ أحَدٌ سَالماً مِنْ عَذابِ الله تبَارك وتعالى إلا بهذه الطريقةِ وهيَ الإيمانُ بالله ورسولِه أيمانًا لا يُخالجُه ولا يخالطُه شَكّ، هذا هو الإيمانُ الذي يَنفَعُ الإنسانَ بعدَ مَوتِه في الدّنيا وفي الآخِرة أمّا مَن كانَ على شَكّ يخالطُه ولو كانَ لا يُظهرُه للناس فإنّه عندَ الله تبارك وتعالى ليس مؤمنًا، فإذا كانَ الأمرُ هكذا فلْيَكُن عنايةُ الإنسانِ بالثّبات على الإيمان والمحافظةِ على العقيدة مِن أن تَتغَيّر وحفظ اللّسان مِن النّطق بكفريةٍ أو كُفرياتٍ وحفظ الجوارح مِن الكفر، بعضُ الناس الذين يَشتَغلونَ بالمطابع يرَتّبون الكتُبَ حتى المصاحفَ ثم مِنْ أَجْلِ عَمَلهِم في تَرتيبِ الكتُب منهُم مَن يَدُوس عَمدًا على أوراقِ المصحف وهو يَعلَم ومنهم مَن يَدُوس على أوراق كتُب العِلم الشّرعي التي فيها اسمٌ أو أكثر مِنْ أسماء الله هذا خَسِرَ وخَرَجَ مِنَ الإيمان هذا مِثالٌ مِن أمثِلةِ الكفرِ الفِعليّ، هؤلاء مِن أجلِ هذا الرّاتِب الذي يأخذونَهُ ثم لا يَعلَمونَ كم يعيشُون وكم ينتَفعُونَ بهذا الرّاتِب يَبِيعُون الدّين، يبِيعونَ الإيمان والإسلام بهذا الرّاتِب، لأنهم مِن أجل أن ينالُوا هذا الرّاتبَ ولا يُصرَفُوا عن عمَلِهم هذا الذي يتقَاضَون منهُ الرّاتِب يَكفُرون، هؤلاء خَرجُوا منَ الإسلام، لو كانَت قلُوبُهم تَكرَهُ هذا الفِعلَ أي دَوس المصاحِف، باعُوا الآخِرة بهذا الرّاتِب الذي لا يَضمَنُ لهم الرّاحَة الدّائمةَ في الدّنيا، هؤلاء خَسِروا خُسْرانًا أبديًّا إن ماتُوا وهُم على هذِه الحال، أمّا إن كانَ الله شاءَ لهم أن يَرجِعُوا إلى الإيمان فعَرفوا أنهم كفَرُوا بدَوسِهم المصحفَ الكامِل أو بَعضَ أوراقِه أو أوراق كتُب العِلم الشّرعي فرجَعُوا إلى الإسلام بالشّهادتين ثم ثبَتُوا على الإيمان ولم يَعُودوا إلى الكفر مَحى الله عنهُم ذلكَ الكفرَ السّابق، أمّا مَن أدركَهُ الموت ولم يتُب مِن هذا فإنّهُ خَسِرَ خُسرانًا أبديًّا استَوجَبَ عذابَ الله في قبرِه وفي الآخِرة ذلكَ هو الخُسران المبِين، أمّا مَن حفِظَه الله تعالى فسَلِمَ لهُ دِينُه بأن لم يقَع في كفريّة فإنّه إنِ اتّقَى الله تبارك وتعالى أي تعَلَّم ما فرَضَ الله عليهِ مِن عِلم الدِّين فأدَّى الواجِبات واجتَنب المحرَّمات فإنه مِن عبادِ الله الذين لا خَوفٌ عليهِم ولا هُم يَحزَنُون، الله تبارك وتعالى أَظْهرَ صحّةَ هذا الدِّين بشَواهدَ حصَلَت في هذه الدّنيا على ممرّ الزّمان، مِن عَهدِ الرّسول إلى اليوم تَظهَرُ عجَائب تشهَدُ بأن هذا الدِّينَ صَحيحٌ، مِن أربع سَنواتٍ تَقريبًا حَصَل في الحبشَةِ أنّ رجُلاً مِنَ الأتقياء الأخفياءِ كانَ عمِلَ المولِد مِن شِدّة حُبّهِ للرّسول، كانَ يَجمَعُ الناسَ ويُطعمُهم طعَامًا لَذيذًا، كانَ مُحافظًا على هذا ثم هَذا الرّجُل قَبلَ مَوتِه بثلاثةِ أيّام قالَ للنّاس وهو في حالِ مرَضٍ شَديدةٍ إنّه يأتي إليّ شَيخٌ مِن صِفتِه كذا وكذا فجاءَ هذا الشيخُ وهوَ لا يَعرفُه أحَدٌ مِنَ الناس فظَلَّ معَهُ ثلاثة أيام إلى أنْ تَوفّاهُ الله، ثم الناسُ شَيّعُوه فلمّا دُفِنَ وكانَ حَضرَ لتَشيِيعِه خَلقٌ كثِيرٌ لأنهم كانُوا يحبّونَهُ لأنّهُ كانَ دَيّناً تقيًّا، وذلك الشّيخ تغَيّب واختفَى عن الناس لما ماتَ هذا الرّجل، ثم الناس شيّعُوه ودفَنُوه فبينَما هُم على القَبر وقبلَ أن ينصرفُوا سمعوا صَوتًا شَديدًا قَويًّا فظَنُّوا أنّ هذا الطّائرات التي تُغِير، طَائرات الشّيوعية، وتلكَ النّاحية كانَ فيها ثُوّار مسلمُونَ يقاتِلُونَ لِوجْه الله، ظنُّوا أنّ هذا صوت الطّائرات التي جاءت لتَضْرِبَهُم فبَعدَ لحظَات إذا بالمكانِ الذي دُفِنَ فيه هذا الشّخص بعدَ القَبر بمتْر واحدٍ انشَقّت الأرضُ فخَرج هذا الميّتُ فارتفَع في الهواء حتى احتَجَب، وكلُّ الناسِ كانُوا يُشاهدُونَهُ، ثم سمعَ بهذه الحادثة رجالُ الحكومةِ فلمّا وُصِفَ لهم هذا الحادِث حضَرَ مِنهُم عَددٌ ليُشاهِدوا ويَتأكَّدوا هل هذا الخَبر صحِيحٌ أم لا فجاؤا فنَظرُوا في هذه الفُتحَة التي خرَج منها الميّت ثم وصَلُوا إلى القبر الذي أُضْجِعَ فيه هذا الميّت فلم يجِدُوا شَيئًا فدَهِشُوا، كلّ مَن كان هناك أَدهَشهُم ما شَاهدُوا، هذا دليلٌ على أنّ ما أخبرَ بهِ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم مِن أنّ الناسَ بعدَ وفَاتهِم على أشكالٍ فمِنهُم مَن لا يُصيبُه نَكدٌ ولا فزَعٌ ومنهُم مَن يَنتقِلُ عن هذا المكانِ الذي يُدفَنُ فيه أوّلاً إلى مكانٍ آخرَ والله يَعلَمُ إلى أيّ مَكانٍ نُقِلَ هذا الميّت إمّا أن يكون نُقِلَ إلى المدينة المنوّرةِ أو إلى جبّانةِ مَكّةَ أو إلى مَكانٍ آخرَ فيه أولياءُ الله، اللهُ أَعلَمُ بأمره لكن الحاصل أنّ هذه الكرامةَ تَشهَدُ بأنّ ما جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حقٌّ :"القَبرُ إمّا رَوضَةٌ من رِياض الجنّةِ وإما حُفرةٌ مِن حُفَرِ النار" رواه الطبراني. المعنى أنّ الإنسانَ إذا دُفِن فإمّا أن تكونَ حالتُه حالةً طيّبةً هنيئةً لا يَلقَى في قَبره شَيئًا مِنَ المُزعِجات بل يكونُ أَنْعَمَ بعدَ دخُولهِ القبرَ أكثَر مما كانَ في حالِ صِحّتِه قبلَ مَوتِه، وإمّا أن يكونَ بحالةِ شِدّة ونَكَدٍ لا يحيطُ بهِ عِلمًا إلا اللهُ تَبارك وتعالى.
وإنّ المحافظةَ على الإيمان، على معرفة الله تبارك وتعالى تكونُ بتَجنّب الكفريات الاعتِقاديّة والكفرياتِ الفِعليّة والكفرياتِ القَولية بذلكَ تَكونُ المحافظَةُ، فمِنَ الكُفرياتِ الاعتقاديةِ أنْ يعتقِدَ الإنسانُ في الله صِفةً مِن صفاتِ البشر، فمَن اعتقَد في الله صفةً مِن صفاتِ البشر كالأعضاءِ أو التّأثّرِ والانِفعال فقَد فارَق الإيمان، كلُّ هذا مُنافٍ للإيمان لأنّ الله تبارك وتَعالى خلَقَ العالم ولم يجعَلْ بينَهُ وبينَ هذا العالم الذي خلقَه شَبهًا بوَجهٍ منَ الوجُوه.
ومما يُنافي الإيمانَ ويُخرِجُ مِنَ الإسلام اعتِقادُ ما يعتَقِدُه بعضُ الناسِ مِن أنّ الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم عُرِجَ به إلى السّماواتِ السّبْع حتى انتهَى إلى سِدْرةِ المنتَهى فتَدلّى إليه الله تعالى ودَنا حتى كانَ ما بينَهُما أي ما بينَ الله والرّسول قَدرُ ما بينَ الحاجِب والحاجِب، هذا اعتقادُ أُناسٍ يَدّعُونَ الإسلامَ ولا يَعرفُونَهُ،هؤلاء ليسوا مسلمين عند الله لأنهم كذّبوا قولَ الله ليس كمِثلِه شىء،الله تعالى لا يجوزُ أن يكونَ بينَهُ وبينَ خَلقِه مسافَة،هو موجُودٌ بلا مكانٍ موجُودٌ بلا جِهةٍ،فيجبُ اعتقادُ أنّ الله موجودٌ لا كالموجودات وأنّه حَيّ لا كالأحياء وأنّهُ عَالم لا كالعُلَماء وأنّه مُريدٌ لا كالمريدين وأنّه سميعٌ لا كالسّامعِين وأنّهُ بصيرٌ لا كالمبصِرين وأنه متَكلِّم لا كالمتكلِّمين لأنّه متكلِّم بكلام لهُ صفةٌ أزليّةٌ أبديةٌ لا يُبتَدأ ولا يُختَتم ككلامِنا ومع هذا أنزَل كتُبًا سماويةً على بعضِ أنبيائِه هيَ عِباراتٌ عن كلامِه الذي هو صفةُ ذاتِه عباراتٌ عن ذلك الكلام الذي لا يُشبِهُ كلامَنا ويقال لهذا كلامُ الله كما أنّه يقالُ للكلام الذّاتي الأزلي كلامُ الله،هذا يقالُ لهُ كلامُ الله وهذا يُقالُ لهُ كلامُ الله،كذلكَ الله تباركَ وتَعالى يُوصَفُ بأنّه راضٍ عن أوليائه،يوصَفُ بالرِّضى عن عبادِه المؤمنِين ويُوصَفُ بالغَضب على عبادِه الكافِرين،لكنّنا لا نعتقدُ أنّ رِضاه كرضانا ولا أنّ غضبَه كغضبِنا،ليس رضاهُ انفِعالا نَفسَانيّا ولا غضبُه انفعالا نفسَانيا وكلّ هذا لأجلِ أن نكونَ وافَقْنا قولَه تعالى ليس كمثلِه شىء،هذه الكلمةُ كلمةٌ مُوجَزة لفظُها خفيف لكن معناها واسِع،ثم أيضًا هذه الآيةُ "ليسَ كمِثلِه شَىء" تُعطِيْنا أنّ الله لا يَمَسُّ ولا يُمَسُّ ،الله تعالى لا يَمَسُّ ولا يُمَسُّ،لأنّ الحَسَّ مِن صِفاتِ الخَلق،المَسُّ لا يحصُل إلا باتّصال جِسم بجِسم وهَذا مِن صِفاتنا،فالله مُنزّه عن ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق