بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

التَّبَرُّكُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وءاثارِهِ


بسم الله الرحمن الرحيم


التَّبَرُّكُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وءاثارِهِ 


أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الإسْلامِ عَلى اسْتِحْسانِ التَّبَرُّكِ بِالنَّبِيِّ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَمَعْنَى التَّبَرُّك طَلَبُ الْبَرَكَةِ وَالْبَرَكَةُ الزِّيَادَةُ مِنَ الْخَيْرِ. رَوَى أَبُو دَاودَ في سُنَنِهِ أَنَّ أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ بَيْنَما هُوَ يَحُثُّ الْقَوْمَ وَكَانَ فيهِ مُزَاحٌ طَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ –أَي على وَجْهٍ يُؤنِسُهُ وَلا يُؤذِيهِ- فَقَالَ أَصْبِرْنِي يا رسُولَ اللهِ قالَ "اصْطَبِرْ" قَال إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَمِيصَهُ فاحْتَضَنَهُ وَأَخَذَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ قَالَ إِنَّما أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ اهـ. وفيهِ دَليلٌ على أنَّ هَذَا الصَّحابيَّ أرادَ التَّبَرُّكَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والنَّبيُّ أَقَرَّهُ على ذَلِكَ. وَالْكَشْحُ مَا بَيْنَ الْخَاصِرَةِ إِلى الضِّلَعِ الْخَلْفِ.

وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلى السُّوقِ فَوَجَدَ زُهَيْرًا يَبيعُ مَتَاعًا فَجَاءَ مِنْ قِبَلِ ظَهْرِهِ وَضَمَّهُ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ فَأحَسَّ زُهَيْرٌ أَنَّهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قالَ فَجَعَلْتُ أَمْسَحُ ظَهْرِي في صَدْرِهِ رَجَاءَ حُصُولِ الْبَرَكَةِ. 

وَفي كِتَابِ الإصَابَةِ لِلْحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ قَالَ رَافِعُ بنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ في حَجَّةِ الوَدَاعِ أَخَذَ أبي بِيدي حَتَّى انْتَهَيْنَا إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمنًى يوْمَ النَّحْرِ فَرَأيْتُهُ يَخْطُبُ على بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ فَقُلْتُ لأَبِي مَنْ هَذَا فَقَالَ هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى أَخَذْتُ بِسَاقِهِ ثُمَّ مَسَحْتُهَا حَتَّى أَدْخَلْتُ كَفِّي بَيْنَ أَخْمَصِ قَدَمِهِ والنَّعْلِ اهـ. والأَخْمَصُ مَا دَخَلَ مِنْ بَاطِنِ القَدَمِ فَلَمْ يُصِبِ الأَرْضَ.

وَرَوى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحيحَيْهِما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَلَقَ شَعَرَهُ في حَجَّةِ الوَدَاعِ أَمَرَ الْحَلاقَ أبا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ بِتَقْسيمِ شعرِهِ بينَ الصَّحَابَةِ. قَالَ الْحَافِظُ النَّوَويُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ :مِنْ فَوَائِدِ الْحَديثِ التَّبَرُّكُ بِشَعَرِهِ صلى الله عليه وسلم وجَوَازُ اقْتِنَائِهِ للتَّبَرَّكِ اهـ. وَقَالَ مِثْلَهُ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في فَتْحِ الْبَارِي. وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّوْزِيعَ للشَّعَرِ لِلتَّبَرُّكِ بِالشَّعَرِ إِذِ الشَّعَرُ لا يُؤكَلُ، قَالَ الزُّرْقَانِيُّ: إِنَّما قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ في أَصْحَابِهِ لِيَكُونَ بَرَكَةً بَاقِيَةً لَهُمْ وَتَذْكِرَةً لَهُمْ اهـ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أَبي أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ يا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ تُرْسِلُ لي الطَّعَامَ فأَنْظُرُ فَأَضَعُ أَصَابِعي حَيْثُ أَرَى أَثَرَ أَصَابِعِكَ حَتَّى كَانَ هَذَا الطَّعَامُ قالَ "أَجَلْ إِنَّ فيهِ بَصَلاً فَكَرِهْتُ أَنْ ءاكُلَ مِنْ أَجْلِ الْمَلَكِ وَأَمَّا أَنْتُم فَكُلُوا". قَالَ الْحَافِظُ النَّوَويُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ: ففيهِ التَّبَرُّكُ بأَهْلِ الصَّلاحِ بِالطِّعَامِ وَغَيْرِهِ اهـ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ في صَحيحهِ قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: دَفَعْتُ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ بِالأَبْطَحِ في قُبَّةٍ كَانَتْ بِالْهَاجِرَةِ فَخَرَجَ بِلالٌ فَنَادَى بِالصَّلاةِ ثُمَّ دَخَلَ فَأخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَأخُذُونَ مِنْهُ. قَالَ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ :كَأَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الْمَاءَ الَّذي فَضَلَ عَنْهُ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ في صَحيحِهِ بِإِسْنَادِهِ إِلى أَبي جُحَيْفَةَ قَالَ: أَتَيْتُ إلى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ في قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدْمٍ -أي مِنْ جِلْدٍ- وَرَأَيْتُ بِلالاً أَخَذَ وَضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ الْوَضُوءَ فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِصَاحِبِهِ. قَالَ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَفي الْحَديثِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْتِمَاسُ الْبَرَكَةِ مِمَّا لامَسَهُ الصَّالِحُونَ اهـ. قالَ الْعَيْنِيُّ في عُمْدَةِ الْقَارِي: قَوْلُهُ "وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ" بِفَتْحِ الوَاوِ هُوَ الْمَاءُ الَّذي يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَقَوْلُهُ "يَبْتَدِرُون" أَيْ يَتَسَارَعُوَنَ وَيَتَسَابَقُونَ إِلَيْهِ تَبَرُّكًا بآثَارِهِ الشَّريفةِ، وَفي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يأَخُذُونَ يَدَيْهِ فَجَعَلُوا يَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ قَالَ فَأَخْذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا على وَجْهي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلامٍ: فيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحينَ اهـ.

فانظر ياطالب الحقّ كيف كان أصحاب الرّسول يتبرّكون به وبما مسّه وكيف كان الرّسول يقرّهم على ذلك.

رَوَى الْبُخَاريُّ عَنْ مَحْمُودِ بنِ الرَّبيعِ قَالَ وَهُوَ الَّذي مَجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في فَمِهِ وهُوَ غُلامٌ وَقالَ عُرْوَةُ بنُ الْمِسْوَرِ وَغَيْرُهُ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلى وَضُوئِهِ.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ في صَحيحهِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قالَ كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدينَةِ بِآنِيَتِهِم فيهَا الْمَاءُ فَمَا يُؤتى بِإنَاءٍ إِلا غَمَسَ يَدَهُ فيهِ. قَالَ الْحَافِظُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَفيهِ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحينَ وَبَيَانُ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ التَّبَرُّكِ بآثَارِهِ صلى الله عليه وسلم وَتَبَرُّكِهِمْ بِإدْخَالِ يَدِهِ الْكَريمَةِ في ءانِيَةٍ وَتَبَرُّكِهِم بِشَعَرِهِ الْكَريمِ وَإِكْرَامِهِم إيَّاهُ أَنْ يَقَعَ شَىْءٌ مِنْهُ إِلا أَنْ يَقَعَ في يَدِ رَجُلٍ سَبَقَ إِلَيْهِ اهـ.

وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ في صَحيحِهِ أَنَّ عِتْبَانَ بنَ مَالِكٍ لَمَّا زَارَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم في بَيْتِهِ قالَ لَهُ الرَّسُولُ "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ" فَحَيْثُ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليهِ وسلَّمَ اتَّخَذَهُ عِتْبَانُ مُصَلَّى. قَالَ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في شَرْحِ الْبُخارِيِّ: وَفيهِ التَّبَرُّكُ بِالْمَوَاضِعِ الَّتي صَلَّى فيهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَوْ وَطِئَهَا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ دُعِيَ مِنَ الصَّالِحينَ لِيُتَبَرَّكَ بِهِ أَنَّهُ يُجيبُ إِذَا أَمِنَ الْفِتْنَةَ.

وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلَّمَ أَنْ يَأتِيَهَا فَيُصَلِّيَ في بَيْتِهَا فَتَتَّخِذَهُ مُصَلَّى فَأَتَاهَا فَعَمَدَتْ إِلى حَصِيرٍ فَنَضَحَتْهُ بِمَاءٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَصَلَّوْا مَعَهُ.

وَرَوى مُسْلِمٌ في صَحيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهُ قالَ دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ - مِنَ الْقَيْلولَةِ أَيْ نَامَ - عِنْدَنَا فَعَرِقَ فَجَاءتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فيها فاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "يا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذي تَفْعلينَفقالَتْ هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ في طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيباهـ. قالَ الفيُّومِيُّ في الْمِصْبَاحِ وَسَلَتَت الْمَرْأَةُ خِضَابَهَا مِنْ يَدِهَا سَلْتًا مِنْ بَابِ قَتَلَ نَحَّتْهُ وَأَزَالَتْهُ .

وَرَوَى التِّرمِذِيُّ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ ثابِتٍ أُخْتِ حَسَّانَ رَضي الله عنهما قالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَرِبَ مِنْ في قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِمًا فَقُمْتُ إِلى فِيهَا فَقَطَعْتُهَا. قَالَ الْحَافِظُ النَّوَوِيُّ: وَإِنَّمَا قَطَعَتْهَا لِتَحْفَظَ مَوْضِعَ فَمِ رَسُولِ اللهِ وَتَتَبَرَّكَ بِهِ وَتَصُونَهُ عَنِ الابْتِذَالِ اهـ. والابْتِذَالُ هُوَ الامْتِهَانُ.

وَرَوَى البُخارِيُّ عَنْ أَبي برْدَةَ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدينَةَ فَلَقينِي عَبْدُ اللهِ بنُ سَلامٍ فَقالَ لي انْطَلِقْ إلى الْمَنْزِلِ فَأََسْقِيكَ في قَدَحٍ شَرِبَ فيهِ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَتُصَلِّي في مَسْجِدٍ صَلَّى فيهِ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَسَقَاني وَأطْعَمَنِي تَمْرًا وَصَلَّيْتُ في مَسْجِدِهِ.

رَوَى الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في كِتَابِيْهِ الإصابَةِ في تَمْييزِ الصَّحَابِةِ وَأُسْدِ الْغَابَةِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ بَحْرَةَ قَالَتْ: اسْتَوْهَبَ عَمِّي فِرَاسٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمَ قَصْعَةً رَءاهُ يَأكُلُ فيها فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، قَالُوا: كَانَ عُمَرُ إِذَا جَاءنا قَالَ: أَخْرِجُوا لي قَصْعَةَ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنُخْرِجُها إِلَيْهِ فَيْملَؤُهَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْهَا وَيَنْضَحُهُ عَلى وَجْهِهِ اهـ.
النّضح:الرّش.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ في صَحيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ كَيْسانَ مَوْلى أَسْماءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ قَالَ أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا جُبَّةً طَيَالِسَةً كَسْرَوَانِيَّةً لَهَا لِبَنَةُ دِيبَاجٍ وَفَرْجَاهَا مَكْفُوفَانِ بِالدِّيبَاجِ فَقَالَتْ هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا وَكَانَ النَّبِيُّ يلَبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى نَسْتَشْفي بِهَا اهـ. قَالَ الْحَافِظُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلمٍ: وَفي هذا الْحَديثِ دَليلٌ على اسْتِحْبَابِ التَّبَرُّكِ بِآثارِ الصَّالحينَ وَثِيابِهِمْ اهـ. قَالَ القاضي عياضٌ في شَرْحِهِ على مُسْلمٍ: قَوْلُهُا "فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى نَسْتَشْفي بِهِا" لِمَا في ذَلِكَ مِنْ بَرَكَةِ مَا لَبِسَهُ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أَوْ لَمَسَهُ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بِالتَّبَرُّكِ بِذَلِكَ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَوُجُودِ ذَلِكَ وَبُلُوغِ الأَمَلِ مِنْ شِفَاءٍ وَغَيْرِهِ اهـ. وَالْفَرْجُ يُطْلَقُ على فَتْحَةِ الْقَمِيصِ، وَالدِّيباجُ الْحَريرُ.


وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو يعْلى عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: كُنْتُ إِذَا أَتَيْتُ أَنَسًا يُخْبَرُ بِمَكَاني فآخُذُ بِيَدَيْهِ وَأُقَبِّلُهُمَا وَأَقُولُ بِأبي هَاتَانِ اليَدَانِ اللَّتَانِ مَسَّتا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأُقَبِّلُ عَيْنَيْهِ وَأَقُولُ بِأَبي هَاتانِ الْعَيْنَانِ اللَّتَانِ رَأتا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم اهـ. وَثَابِتٌ هُوَ أَحَدُ كِبَارِ التَّابِعينَ وَكَانَ تِلْمِيذًا خَاصًّا لأَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.


وَفي كِتَابِ الشِّفا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَ يَضَعُ يَدَهُ على مَقْعَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم منَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ يَضَعُهَا على وَجْهِهِ وَهُوَ تَبَرُّكٌ بِمَا مَسَّ مِنْ ثِيَابِهِ صَلى الله عليه وسلم اهـ.


وَرَوى ابنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أبي مَوْدُودَةَ قَالَ حَدَّثَني يَزيدُ بنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بنِ قسيطٍ قَالَ رَأيتُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذا خَلا لَهُمُ الْمَسْجِدُ قَامُوا إلى رُمَّانَةِ الْمِنْبَرِ الْقَرْعَاءِ فَمَسَحُوهَا وَدَعَوْا.


قَالَ الْحَافِظُ ابنُ الْجَوْزِيِّ في كِتَابِهِ صِفَةُ الصَّفْوَةِ وَرَوى جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ كَانَ الْمَاءُ يسْتَنْقعُ في جُفُونِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ عَلِيٌّ يَحْسُوهُ أَيْ يَشْرَبُهُ أَثْنَاءَ غَسْلِهِمْ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلَّمَ بعدَ وَفَاتِهِ.


وفي صَحيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ قَالَ: رَأيْتُ سَالِمَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ وَيُصَلِّي فيها وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ أَيْ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي فيها وَأنَّهُ رأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في تِلْكَ الأَمْكِنَةِ اهـ. قَالَ مُوسى حَدَّثَني نَافِعٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي في تِلْكَ الأَمْكِنَةِ اهـ.


وَرَوى ابنُ حِبَّانَ في صَحيحِهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابنُ عُمَرَ يَتَتَبَّعُ أَثَرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكُلَّ مَنْزِلٍ نَزَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ فِيهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ تَحْتَ سَمُرَةَ فَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَجِئُ بِالْمَاءِ فَيَصُبُّهُ في أَصْلِ السَّمُرِ لِكَيْ لا يَيْبَسَ اهـ. وَذَكَرَ الْحَمِيدِيُّ في مُسْنَدِهِ رِوَايَةً جَاءَ فيها فَجَعَلَ لَهَا الْمَاءَ مِنَ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ حَتَّى يَصُبَّهُ تَحْتَهَا اهـ.

السّمرة:من شجر الطّلع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...