بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 أغسطس 2018

معنى الفوقية - ومعنى قوله تعالى : {يخافون ربهم من فوقهم} [سورة النحل/50]



معنى الفوقية - ومعنى قوله تعالى : {يخافون ربهم من فوقهم} [سورة النحل/50]

معنى قوله تعالى : {يخافون ربهم من فوقهم} [سورة النحل/50]
فوقيةَ القهرِ دون المكان والجهةِ أي ليسَ فوقية المكان والجهة.
ومن يعتقد ان الله فى السماء هذا من حكم الوهم على القلب وميل النفس للمألوفات وشدة التأثر بالمحسوسات ، ولكن من تجرد عن كل ذلك ظهر له أن الخطاب متعلق بالخوف من الله سبحانه وتعالى وإجلاله ، وأن سبب ذلك الخوف هو كون الله "فوقهم" اى قاهرهم والمعنى من الاية هو فوقية القهر والسلطة والبطش هي التي توجب الخوف المعلل بها في الآية ، ولكن أي خوف ينتج من فوقية المكان والجهة عند من يفهم خطاب القرآن !!
فالفوقية المقصودة هنا هي فوقية القهر والبطش والقدرة لا فوقية المكان والجهة ، ألم تر إلى قول الله تعالى حكاية عن فرعون : { وإنا فوقهم قاهرون } ، فهل يفهم عاقل من هذا أن فرعون قد علا قوم موسى حسا وحقيقة بالجهة أم هو مجرد تعبير عن التمكن والتسلط ونفاذ القدرة ؟؟
ولو قلت: القانون فوق الجميع !!
أو : إني أخاف السلطان من فوقي !!
أو : المدير فوقنا وكلمته نافذة !!
فهل يفهم من هذا أن القانون أو السلطان أو المدير فوقي حقيقة وحساً ؟؟
وكيف يكون ذلك والقانون مثلا لا وجود له وإنما هو وجود اعتباري فقط ، فهل صارت المعاني الاعتبارية توصف بالجهات !!؟؟
لو سار الشخص هذا النهج في فهم آي القرآن حسيا وحرفيا على ما ألفت وحكم به وهمك لعجزت عن أن تحدد مكان معبودك الذي تعبد إن كان له مكان سبحانه وتعالى !!
تأملوا معي :قال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام : {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } ، فهل الله في فلسطين إلى حيث هاجر إبراهيم ، وهل ذهب إبراهيم إلى ربه حقيقة حسا وتوجه تلقاء الجهة التي هو فيها !!؟؟ حاشا
ويقول الحق : { وهو معكم أينما كنتم } وتأملوا تعبيره بـ (أين) !!
فهل الله معنا أينما كنا حقيقة وحسا !!!؟؟؟ حاشا
ويقول الحق : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } ، وتأملوا استعماله لجهتي الشرق والغرب ثم تعبيره بـ " أين " !!!
فهل الله في كل الجهات حقيقة وحسا !!!؟؟ لا
ويقول الحق : { هو الاول والآخر والظاهر والباطن }
وجاء تفسيرها في حديث رسول الله بأن الظاهر : ليس فوقه شيء ، والباطن : ليس دونه شيء !!
فهل الله هو أسفل جميع مخلوقاته فليس دونه شيء حقيقة وحسا !!!!!؟؟؟ طبعا لا
وجاء في الحديث : ( إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصق أمامه، فإن ربه أمامه ) مسند الإمام أحمد .
فهل الله أمام المصلي حقيقة وحسا !!! لا
والمصلي في الحرم يصلي تجاه الكعبة مباشرة ، فهل الله داخل الكعبة !!!؟؟؟ طبعا لا
هذه أمثلة فقط ... فإن فهمت تلك بفهم حسي محض فافهم هذه أيضاً فما تلك بأولى من هذه ، وإن أولت هذه فأوّل تلك فما هذه بأولى بالتأويل من تلك !!!؟؟
وإن لم تفعل ولم تذهب فيها كلها ذات المذهب عاد هذا تحكم وهوى والعياذ بالله .
يقول ابن الجوزي الحنبلي في تفسيره (زاد المسير) :
[وفي قوله: { من فوقهم } قولان ذكرهما ابن الأنباري.
أحدهما: أنه ثناءٌ على الله تعالى، وتعظيم لشأنه، وتلخيصه: يخافون ربهم عالياً رفيعاً عظيماً.
والثاني: أنه حال، وتلخيصه: يخافون ربهم معظِّمين له عالِمين بعظيم سلطانه. ] انتهى
ويقول الراغب الأصفهاني في كتابه النافع مفردات القرآن :
[فوق يستعمل في المكان، والزمان، والجسم، والعدد، والمنزلة، وذلك أضرب:
الأول: باعتبار العلو. نحو: {ورفعنا فوقكم الطور} ، {من فوقهم ظلل من النار}، {وجعل فيها رواسي من فوقها} ، ويقابله تحت. قال: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم}.
الثاني: باعتبار الصعود والحدور. نحو قوله: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} .
الثالث: يقال في العدد. نحو قوله: {فإن كن نساء فوق اثنتين} .
الرابع: في الكبر والصغر: {مثلا ما بعوضة فما فوقها} ، قيل: أشار بقوله: {فما فوقها} إلى العنكبوت المذكور في الآية، وقيل: معناه ما فوقها في الصغر، ومن قال: أراد ما دونها فإنما قصد هذا المعنى، وتصور بعض أهل اللغة أنه يعني أن فوق يستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك في جملة ما صنفه من الأضداد (يريد بذلك ابن الأنباري، فقد ذكر أن فوق من الأضداد. انظر: كتاب الأضداد ص 250)، وهذا توهم منه.
الخامس: باعتبار الفضيلة الدنيوية. نحو: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} ، أو الأخروية: {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} ، {فوق الذين كفروا}..
السادس: باعتبار القهر والغلبة. نحو قوله: {وهو القاهر فوق عباده} ، وقوله عن فرعون: {وإنا فوقهم قاهرون}]انتهى .
فالمعنى وارد ومستعمل ، ومادام هذا المعنى محتملا سقط الاحتجاج بهذه الآية ، فليست الآية (نصاً) في اثبات الفوقية الحسية كما توهم المجسمة ، بل هي لا ترقى حتى لتكون ظاهرا - ، وغاية ما فيها متشابه يحكم وهم المجسم بفهمه حسيا تمشيا مع المألوف ، ويحكم عقل المنزه بفهمه على مقتضى خطاب العرب وتراكيبهم اللغوية بما يليق بالله تعالى ، وهذا بالطبع بغض النظر عن كون الفوقية الحسية مستحيلة أصلا في حق الله ، وهو وحده قرينة عقلية تكفي لصرف الفوقية إلى ما يجوز على الله من المعاني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...