بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 أغسطس 2018

عقيدة شيخنا الإمام السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه


بسم الله الرحمن الرحيم

عقيدة شيخنا الإمام السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه

(هذه عقيدة شيخنا مُحيي السنة والشريعة والمِلة والدين، سلطان الأولياء والعارفين السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه ووفقنا لاتباعه ومحبته وللتمسك بآثاره وطريقته آمين)
 وهي نافعة جامعة كافية لا يحتاج المريد بعدها لغيرها من الزوائد لما فيها من الحقائق الشافية والعبارات الكافية ولله دُرَّهُ فإنه بلغ من مراتب الولاية الغاية ومن منازل الصديقية النهاية وجمع بين الشريعة والطريقة والحقيقة بنسقٍ واحدٍ وحَّدَ فيه بين تلك المصادر والموارد وهذا طريق أهل الحق الخُلَّص العارفين رضي الله عنهم أجمعين.


(قال شيخنا الإمام جمال الدين الخطيب الحدادي رحمه الله،

قال شيخنا وسيدنا ومفزَعُنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه

على كرسيه في أم عبيدة يوم جمعة بعد صلاة الجمعة

سنة سبعين وخمسمائة

وقد أحدق به أصحابه وأئمة العصر رضوان الله عليهم أجمعين):

"طريقي عقيدةٌ طاهرة وسريرةٌ عامرة والإقبال على الله لوجه الله بترك مطامع الدنيا والآخرة"،

فلما أتم مجلسه المبارك قال له الشيخ يعقوب بن كراز سيدي

لو كتبت لنا كتاباً في العقيدة نعوَّلُ عليه،

ومثلنا أيضاً يعوِّل عليه مريدوك بعدك

فأجابه وأمر بالدواة والقرطاس. وقال اكتبوا:

"بسم الله الرحمن الرحيم (الحمد لله المبدئ المعيد) الفعال لما يريد، ذي العرش المجيد، والبطش الشديد، الهادي صفوة العبيد، إلى المنهج الرشيد، والمسلك السديد، المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد، بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد، السائق لهم إلى اتباع رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم واقتفاء صحبه الأكرمين بالتأييد والتسديد، المتجلي لهم في ذاته وأفعاله بمحاسن أوصافه التي لا يدركها إلا من ألقى السمع وهو شهيد، المُعَرِّفِ إياهم في ذاته (أنه واحدٌ لا شريك له) فردٌ لا مِثل له، صمدٌ لا ضِدَّ له منفردٌ لا نِدَّ له. وأنه قديمٌ لا أول له أزليٌّ لا بدايةَ له مستمرُ الوجودِ لا آخر له أبديٌّ لا نهايةَ له، قيومٌ لا انقطاع له، دائمٌ لا انصرامَ له، لم يزل ولا يزل موصوفاً بنُعوتِ الجلال لا يُقضى عليه بالانقضاء وتَصَرُّمُ الآمادِ وانقراض الآجال، بل هو الأولُ والآخر والظاهر والباطن. وأنه ليس بجسمٍ مصوَّرٍ ولا جوهرٌ محدودٌ مُقَدَّر. وأنه لا يماثل الأجسام لا في التقدير ولا في قبول الانقسام. وأنه ليس بجوهرٍ ولا تحله الجواهر ولا بعَرَضٍ ولا تحله الأعراض بل لا يماثل موجوداً ولا يماثله موجود، وليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء. وإنه لا يحِدُّهُ المقدار ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات ولا تكنفه السموات. وأنه مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواءاً مُنَزَّهاً عن المماسَّة والاستقرار والتمكُّنِ والحُلول والانتقال، لا يحملُهُ العرشُ بل العرش وحَمَلَتُهُ محمولون بلطف قُدرته ومقهورون في قبضته وهو فوق العرش وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقيةً لا تزيده قُرباً إلى العرش والسماء بل هو رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى وهو مع ذلك قريبٌ من كل موجود وهو أقرب إلى العبيد من حبل الوريد فهو على كل شيء شهيد، إذ لا يماثل قربُهُ قُرب الأجسام كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام. وأنه لا يحِلُّ في شيء ولا يحِلُّ فيه شيء تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدَّس عن أن يحِدَّه زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان. وأنه بائنٌ بصفاته عن خَلقه ليس في ذاته سواه ولا في سواه ذاته. وأنه مقدسٌ عن التغيُّر والانتقال لا تحلُّهُ الحوادث ولا تعتريه العوارض بل لا يزال في نُعوتِ جلاله مُنَزَهاً عن الزوال وفي صفات كماله مُستغنياً عن زيادةِ الاستكمال وأنه في ذاته معلوم الوجود بالعقول مرأى الذات بالأبصار، نعمةً منه ولطفاً بالأبرار في دار القرار وإتماما للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم. وأنه حيٌّ قادرٌ جبارٌ قاهرٌ لا يعتريه قصورٌ ولا عجزٌ ولا تأخذه سِنةٌ ولا نوم ولا يعارضه فناء ولا موت. وأنه ذو الملك والملكوت والعزة والجبروت له السلطان والقهر والخلق والأمر والسموات مطويات بيمينه والخلائق مقهورون في قبضته. وأنه المتفرد بالخلق والاختراع المتوحد بالإيجاد والإبداع خلق الخلق وأعمالهم وقَدَّر أرزاقَهم وآجالهم لا يشذُّ عنه مقدور ولا يعزب عن علمه تصاريف الأمور، لا تُحصي مقدوراته ولا تتناهى معلوماته. وأنه عالَمٌ بجميع المعلومات، محيطٌ بما يجري من تخوم الأرضين إلى أعلى السموات، لا يعزب عن علمه مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ويدرك حركة الذر في جو الهواء ويعلم السِرَّ وأخفى ويطَّلِع على هواجس الضمائر وخفيات السرائر، بعلمٍ قديمٍ أزليٍ لم يزل موصوفاً به في أزل الآزال لا بعلمٍ مُتجددٍ حاصلٍ في ذاته بالحلولِ والانتقال. وأنه مريدٌ للكائناتِ مُدَبِّرٌ للحادثات فلا يجري في المُلك والملكوت قليلٌ ولا كثير، صغيرٌ أو كبير، خيرٌ أو شر، نفعٌ أو ضُرّ، إيمانٌ أو كفر، عِرفانٌ أو نكر، فوزٌ أو خًُسر، زيادةٌ أو نقصان، طاعةٌ أو عصيان إلا بقضائه وقدره وحُكمه ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر ولا فلتة خاطر، بل هو المبدئ المعيد الفعّال لما يريد، لا رادَّ لحُكمه ولا معقِّبَ لقضائه ولا مهرب لعبدٍ عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته ولا قوة له على طاعته إلا بمحبته وإرادته، لو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالَم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته لعجزوا عن ذلك وأن إرادته قائمةٌ بذاته في جملة صفاته لم يزل كذلك موصوفاً بها مريدا في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدَّرها فوُجِدت في أوقاتها كما أراده في أزله من غير تقدم ولا تأخر بل وقعت على وفق عِلمِهِ وإرادته من غير تبدُّلٍ ولا تغيُّر، دبر الأمور لا بترتيب أفكار وتربص زمان، فلذلك لم يشغله شان عن شان. وأنه سميعٌ بصير يسمع ويرى لا يعزب عن سمعه مسموع، وأنه خفيٌّ ولا يغيب عن رؤيته مرأى وإن دقّ، لا يحجب سمعه بُعد، ولا يدفع رؤيته ظلام يرى من غير حدقةٍ وأجفان ويسمع من غير أصمخةٍ وآذان، كما يعلم بغير قلب ويبطش بغير جارحة ويخلق بغير آلة إذ لا تشبه صفاته صفات الخَلق كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق. وأنه متكلمٌ آمرٌ ناهٍ واعدٌ متوعدٌ بكلامٍ أزليٍّ قديم قائم بذاته لا يشبه كلام الخلق، فليس بصوت يحدث من انسلال هواء واصطكاك أجرام ولا بحرف يتقطع بإطباق شِفةٍ أو تحريك لسان، وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كُتُبُهُ المُنَزَّلة على رسله وأن القرآن مقروءٌ بالالسنة مكتوبٌ في المصاحف محفوظٌ في القلوب. وأنه مع ذلك قديمٌ قائمٌ بذات الله لا يقبل الانفصال والفراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق، وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بغير صوتٍ ولا حرف كما يرى الأبرار ذات الله من غير جوهرٍ ولا عَرَض، وإذا كانت له هذه الصفات كان حيّاً عالِماً قادراً مُريداً سميعاً بصيراً مُتكلماً بالحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام لا بمجرد الذات. وأنه لا موجودٌ سواه إلا هو حادثٌ بفعله وفائضٌ من عدله على أحسن الوجوه وأكملها وأتمها وأعدلها. وأنه حكيمٌ في أفعاله عادلٌ في أقضيته ولا يُقاس عدله بعدل العباد، إذ العبد يُتصوَّرُ منه الظُلم بتصرفه في مُلك غيره ولا يُتصوَّرُ الظُلم من الله، فإنه لا يُصادف لغيره ملكاً حتى يكون تصرفه فيه ظُلما، فكل ما سواه من إنسٍ وجن وشيطان ومَلَك وسماء وأرض وحيوان ونبات وجوهر وعرض ومدرك ومحسوس حادث اختراعه بقدرته بعد العدم اختراعاً وإنشاؤه إنشاءاً بعد أن لم يكن شيئا، إذ كان في الأزل موجوداً وحده ولم يكن معه غيره فأحدث الخَلق بعده إظهارا لقدرته وتحقيقاً لما سبق من إرادته ولما حقَّ في الأزل من كلمته لا لافتقاره إليه وحاجته. وأنه متفضلٌ بالخَلق والاختراع والتكليف لا عن وجوب، ومتطوِّلٌ بالإنعام والإصلاح لا عن لزوم فله الفضل والإحسان والنعمة والامتنان، إذ كان قادراً على أن يصب على عباده أنواع العذاب ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب، ولو فعل ذلك لكان منه عدلاً ولم يكن قُبحاً ولا ظُلما. وأنه يُثيبُ عباده على الطاعات بحكم الكَرَم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم إذ لا يجب عليه فعل ولا يُتصوَّرُ منه ظلم ولا يجب لأحد عليه حق وأن حقه في الطاعات وجب على الخلق بإيجابه على لسان أنبيائه لا بمجرد العقل ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة فبلَّغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاؤا به. وأنه بعث النبي الأمي القرشي محمداً صلى الله عليه وسلم برسالته إلى كافة العرب والعجم والجن والإنس فنسخ بشرعه الشرائع إلا ما قرره وفضَّله على سائر الأنبياء وجعله سيد البشر، ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيد وهي قول (لا إله إلا الله) ما لم تقترن بها شهادة الرسول وهي قول (محمدٌ رسول الله) وألزم الخَلق بتصديقه في جميع ما أخبر عنه من أمر الدنيا والآخرة. وأنه لا يقبل إيمان عبد حتى يؤمن بما أخبر عنه بعد الموت وأوله سؤال منكر ونكير وهما شخصان مهيبان يُقعِدان العبد في قبره سوياً ذا روح وجسد فيسألانه عن التوحيد والرسالة ويقولان مَن ربك وما دينك ومَن نبيك وهما فتّانا القبر وسؤالهما أول فتنة بعد الموت، وأن يؤمن من بعذاب القبر وأنه حق وحكمة وعدل على الجسم والروح كما يشاء، وأن يؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان وصفته في العظم أنه مثل طباق السموات والأرض توزن فيه الأعمال بقدرة الله وتتضح يومئذ مثاقيل الذرّ والخردل تحقيقاً لتمام العدل وتُطرَح صحائف الحسنات في صورة حسنة في كفة النور فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عنده بفضل الله وتُطرح صحائف السيئات في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله، وأن يؤمن بأن الصراط حق وهو جسر ممدود على متن جهنم أحدَّ من السيف وأدق من الشعر تزِلُّ عنه أقدام الكافرين بحكم الله فيهوي بهم إلى النار ويثبت عليه أقدام المؤمنين فيُساقون إلى دار القرار، وأن يؤمن بالحوض المورود حوض محمد صلى الله عليه وسلم يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط، مَن شرب منه شُربةً لم يظمأ بعدها أبدا، عرضُهُ مسيرة شهر أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، حوله أباريقٌ عددها عدد نجوم السماء فيه ميزابان يصبان من الكوثر، ويؤمن بالحساب وتفاوت الخلق فيه إلى متناقَشٍ في الحساب وإلى مسامَحٍ فيه وإلى مَن يدخل الجنة بغير حساب وهم المقربون، فيسأل مَن يشاء مِن الأنبياء عن تبليغ الرسالة ومَن شاء من الكفار عن تكذيب المرسَلين ويسأل المبتدعة عن السنة ويسأل المسلمين عن الأعمال ويؤمن بإخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في جهنم موحِّد بفضل الله تعالى، ويؤمن بشفاعة الأنبياء ثم الأولياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر المؤمنين كلٌّ على حسب جاهه ومنزلته ومن بقي من المؤمنين ولم يكن له شفيع أُخرِج بفضل الله فلا يخلد في النار مؤمن بل يخرج منها مَن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، وأن يعتقد فضل الصحابة وترتيبهم وأن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم وأن يُحسِنَ الظن بجميع الصحابة ويُثني عليهم كما أثنى الله تعالى ورسوله عليهم أجمعين، فكل ذلك مما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار فمن اعتقد جميع ذلك مُوقِناً به كان من أهل الحق وعصابة السُنة وفارق رهط الضلال وحزب البدعة فنسأل الله تعالى كمال اليقين والثبات في الدين لنا ولكافة المسلمين إنه أرحم الراحمين، انتهى.


المرجع:
كتاب خلاصة الإكسير في نسب سيدنا الغوث الرفاعي الكبير،
للشيخ الإمام علي أبي الحسن الواسطي الشافعي رضي الله عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...