بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 أغسطس 2018

العالم قسمان جوهر وعرض كلاهما مخلوق والله لا يشبه المخلوقات

العالم قسمان جوهر وعرض كلاهما مخلوق والله لا يشبه المخلوقات


الحمد لله رب العالمين وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد وعلى ءاله الطيبين الطاهرين .

إن قول الله تعالى في القرءان الكريم : ) لَيّسَ كَمِثّلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّميعُ الّبَصِيرُ ( (الشورى/11)
دل على أن الله تعالى لا يشبه العالم بوجه من الوجوه. إذ العالم ينحصر في شيئين : جوهر وعَرَض.

والجوهر معناه الحجم سواء كان كثيفاً أو لطيفاً،وهو أصل الشىء،فالشمس جوهر وكذلك القمر ويقال لهما جسم كثيف،والضوء الذي ينبثُّ منهما ويمتد يسمى جوهراً ويقال له جسم لطيف .
وأما العَرَض فمعناه صفات الجوهر كالحركة والسكون واللون والحرارة والبرودة.
الشمس جوهر والحرارة القائمة بها عَرَضٌ وسيرها كذلك عَرَض،ونحن بنو ءادم جوهر وجسم وحجم، أما حركاتنا وسكناتنا والألوان البياض والسواد والشُقرة والحُمرة،والحرارة والبرودة التي فينا فهي كلها أعراض ،وكذلك اتخاذ المكان والتحيز في جهة فوق أو تحت يقال له عَرَض .
والعالم لا يخرج عن هذين، كل أنواع العالم ينحصر في الجوهر والعَرَض.
والله تبارك وتعالى هو الذي أوجد هذا الجوهر بقسمه اللطيف والكثيف وأوجد صفات الجوهر التي هيا أعراض ،وأبرزها من العدم إلى الوجود،فإذاً الله ليس جوهراً ولا عرضاً؛ لأن الجوهر والعرض مخلوقان لم يكونا ثم كانا ، ولو كان الله كالعالمَ شيئاً لم يكن ثم كان لأحتاج هو أيضاً إلى من يخلقه ولم يكن خالقاً.
وكذلك الألم واللذة والفرح والحزن عرض ، والتفكير أيضاً،وكذلك الصوت عرض، وهو قسمان : صوت هو حرف،وصوت ليس بحرف ،فصوت الطبل مثلاً يقال له صوت ولكنه ليس حرفاً،أما الإنسان فأنه ينطق بصوت وحروف ،والله تعالى منزه عن أن يتكلم بصوت وحرف ؛لأنهما عرض، فلو كان يجوز عليه الصوت والحرف لجاز عليه اللون والحركة والسكون والتفكير وكل الأعراض،ولو كان تجوز عليه الأعراض لكان حادثاً ، من هنا قال علماء التوحيد إن الله يتكلم كلاماً ليس حرفاً ولا صوتاً ، لأنه لو كان يتكلم بحرف وصوت لكان مثل خلقه .

أما القرءان فإذا أريد به اللفظ الذي قرأه جبريل على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و قرأه سيدنا محمد على الصحابة ، فإن أريد بالقرءان هذا اللفظ فإنه مخلوق،هذا اللفظ خلقه الله تعالى فأسمعهُ جبريل ،ليس جبريل سمعهِ من اللهِ تعالى كم يسمع الطالب من أستاذه الذي يقرأ عليه ،بل خلق الله تعالى حروف القرءان فأسمعها جبريل،ثم أخذ جبريل هذا الصوت الذي خلقه الله وهو صوت القرءان ، أخذه بأمر الله و قرأه على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم .
ومع أن حروف القرءان كانت مكتوبة في اللوح المحفوظ إلا أن سيدنا جبريل أسمع سيدنا محمد القرءان كما تلقاه هو من الصوت الذي خلقه الله وليس مجرد قراء في اللوح المحفوظ ،أي ليس الأمر أنه رأى حروف القرءان وحملها إلى سيدنا محمد بل أسمع الرسول ما تلقاه .

ويوم القيامة يحاسب الله الخلق الأنس والجن ، فيسمع كل واحد كلام الله الذي ليس حرفاً ولا صوتاً، وذلك أن الله تعالى يزيل الحجاب المعنوي عن سمعهم فيسمعون كلام الله الذاتي الذي ليس بصوت ولا حرف ولا لغة ،فالكافر لما يسمع كلام الله لا يُسَرُّ،أما المؤمن التقي فإنه يُسَرُّ لما يسمع كلام الله يوم القيامة ، الجن من إبليس إلى نهاية ذريته يسمعهم الله كلامه، والبشر إلى أخر فرد من ذريته يسمعهم الله كلامه ،قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( ما من أحد منكم إلا سيكلمه ربه يوم القيامة من غير ترجمان ولا حاجب )) رواه البيهقي في السنن .
الله تعالى وصف نفسه بأنه أسرع الحاسبين،أسرع من كل حاسب من عباده فقال تعالى : ) أَلَا لَهُ الحُكمُ وَهُوَ أَسرَعُ الحَاسِبينَ ( سورة الأنعام/آية 26 .

إبليس وحده عاش ألاف السنين لأنه خلق قبل آدم بزمان ويعيش إلى يوم النفخ في الصور ، فلو كان الله يحاسبه بالحرف والصوت أو يتكلم بالحرف والصوت كما يدعي البعض لكان ذلك يأخذ ألافاً من السنين ولم يكن أسرع الحاسبين بل كان أبطأ الحاسبين ،ولكن الله تعالى وصف نفسه بأنه أسرع الحاسبين .

أما قوله تعالى: ) إنَما أمرُهُ إذَا أرَادَ شيئاً أَن يَقُولَ لهُ كُن فَيَكوُنُ ( (سورة ياسين /28) ، ليس معناه أن الله ينطق بحرف الكاف والنون الذي هو من لغة العرب ؛وذلك لأن الله كان قبل اللغات .

ولا يجوز أن يكون قبل اللغات لا يتكلم ثم بعد أن خلق اللغات تكلم لأن هذا معناه أن الله حادث ، والله سبحانه قديم أزلي ليس بحادث.
إنما معنى هذه الآية المذكورة أن الله يخلق الشىء الذي أراد وجوده بدون مشقة ولا تعب ولا تأخر عن الوقت الذي أراد وجوده فيه ،وذكر كلمة((كُن)) في القرآن ليفهمنا أن هذا الأمر صحيح ، ليس صعباً على الله ، كما أن الإنسان أذا أراد أن يقول كن ينطق بالكاف والنون ويكون هذا أسهل شىء على الإنسان فلا يكلفه تعبان .

يقول بعض الناس (( أن لله صوتا لا كأصواتنا)) وهذا القول لا يجوز في حق الله ، لأن الصوت لا بد أن يكون حادثا ،لا يوجد صوت أزلي قديم ؛ لأنك إذا قلت : (( بسم الله الرحمن الرحيم ))،فإن الباء جاءت ثم أنقضت،ثم جاءت السين ثم أنقضت، ثم جاءت الميم ثم أنقضت،وهكذا الحروف يسبق بعضها بعضا ، وكل شىء يسبق بعضه بعضا هو مخلوق ، والخالق سبحانه وتعالى لا يوصف بكل ما هو من صفات المخلوقين .

وقد خالف أبن تيمية إجماع المسلمين حين قال إن الله يتكلم بحروف متعاقبة أزلية النوع حادثة الأفراد ، وقد ذكر ذلك في عدة من كتبه منها كتابه المسمى ((رسالة في صفة الكلام )) صحيفة 51،54 وكتابه المسمى ((منهاج السنة النبوية )) الجزء الأول صحيفة 221 .

ولعمري هذا كيف يكون ؟!! كيف تكون الأفراد حادثة ويكون النوع أزلياً؟!! هذا تناقض،وكذلك يقول في أرادة الله تعالى ،وهذا فساد في الاعتقاد وبهتان عظيم تعالى الله وتنزه عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
والله سبحانه وتعالى أعلم و أحكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك

  حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...