بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

الدّرّ والياقوت في بيان عقيدة مشايخ بيروت (1)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين وإمام المتقين سيدنا وحبيبنا وعظيمنا محمد بن عبد الله وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

ليعلم ان اعتقاد المسلمين سلفهم وخلفهم ان الله غني عن العالمين , أي مستغن عن كل ما سواه أزلا وأبدا فلا يحتاج الى مكان يقوم به أو شيء يحلُّ به أو الى جهة . ويكفي في تنزيه الله عن المكان والحيز والجهة
 قوله تعالى :"ليس كمثله شيء".(سورة الشورى/11) فلو كان لله مكان لكان له أمثال وأبعاد وطول وعرض وعمق ومن كان كذلك كان محدثا محتاجا لمن حدّه بهذا الطول وبهذا العرض وبهذا العمق , هذا الدليل من القرءان.


أما من الحديث فما رواه البخاري وابن الجارود والبيهقي بالاسناد الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"كان الله ولم يكن شيء غيره ". ومعناه ان الله لم يزل موجودا في الاول ليس معه غيره لا ماء ولا هواء ولا أرض ولا سماء ولا كرسي ولا عرش ولا انس ولا جن ولا ملائكة ولا زمان ولا مكان , فالله تعالى موجود قبل المكان بلا مكان وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة اليه , وهذا ما يستفاد من الحديث المذكور 
.
وقال الحافظ البيهقي في كتابه الاسماء والصفات :"استدل بعض اصحابنا في نفي المكان عنه تعالى بقول النبي صلى الله عليه وسلم :"أنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء". وإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان ". انتهى.
وهذا الحديث فيه الرد أيضا على القائلين بالجهة في حقه تعالى.

وقال سيدنا الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه :" كان الله ولا مكان وهو الان على ما عليه كان " رواه أبو منصور البغدادي
.

وأما رفع الايدي عند الدعاء الى السماء فلا يدل على أن الله متحيز في جهة فوق كما أن حديث مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه :"أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه الى السماء" لا يدل على ان الله في جهة تحت فلا حجة في هذا ولا في هذا لاثبات جهة فوق ولا جهة تحت لله تعالى بل الله تعالى منزه عن الجهات كلها.

قال الامام ابو جعفر الطحاوي المولود سنة 227 هجرية في عقيدته التي ذكر أنها عقيدة أهل السنة والجماعة :"تعالى (يعني الله)عن الحدود والغايات والاركان والاعضاء والادوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ".


وممن نقل اجماع المسلمين سلفهم وخلفهم على ان الله موجود بلا مكان الامام  أبو منصور البغدادي المتوفى سنة 429 هجرية الذي قال في كتابه "الفَرقُ بين الفِرق" طبع دار الكتب العلمية (ص/256)ما نصه :"وأجمعوا (أي أهل السنة والجماعة)على أنه (أي الله تعالى) لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان "انتهى . بحروفه

وقال امام الحرمين عبد الملك الجويني المولود سنة 419 هجرية في كتابه الارشاد :"مذهب أهل الحق قاطبة أن الله يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات". انتهى .
فكما صح وجود الله تعالى بلا مكان وجهة قبل خلق الاماكن والجهات فكذلك يصح وجوده بعد خلق الاماكن بلا مكان وجهة وهذا لا يكون نفيا لوجوده تعالى .

فعملا بقول الله سبحانه وتعالى :"فاعلم أنه لا اله الا الله". وقوله سبحانه :"انما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا".

احببنا ان ننشر اقوال بعض علماء بيروت في التوحيد ومسائل العقيدة.


من أقوال علماء بيروت في التوحيد

*مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله الحنفي رحمه الله (المتوفى 1844م)

كان قد تلقى العلم على علماء عصره منهم الشيخ أحمد البربير والشيخ شمس الدين محمد الكزبري والشيخ بدر الدين مصطفى القادري وغيرهم , ومن تلاميذه الشيخ محمد الحوت والشيخ محمد حمزة مفتي الشام وغيرهما .

*سئل الشيخ عبد اللطيف فتح الله عن قول صاحب بدء الامالي :

نسمي الله شيئا لا كالاشيا                   وذاتا عن جهات الست خالي 

قال المفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله :"قد ثبت بالدليلين النقلي والعقلي مخالفته للحوادث".فالنقلي قوله تعالى :"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير", وغير ذلك من الادلة النقلية والعقلية ذكرها أهل الكلام , والكلام عليها طويل .
والشيء معناه في اللغة (الموجود) ... فلأجل دفع هذا الايهام اذا اطلق عليه تعالى شيء يقال:إنه لا كالاشياء,"لأنه تعالى لا يماثله احد من الموجود الحادث في وجوب الوجود,ولا في الالوهية واستحقاق العبودية واستحقاق جميع المحامد, ولا في غير ذلك من باقي صفاته تعالى من احاطة علمه تعالى بالواجبات والجائزات والمستحيلات جميعها في الازل وفيما لا يزال , مع عدم سبق جهل بشيء من ذلك" ,"ومن تعلق قدرته القديمة بالايجاد والاعدام على وفق إرادته جل وعلا , مع عموم تعلقها بكل الممكنات ", " اذ هو جل وتقدس مغاير لجميع الاشياء أزلا وأبدا".(من ديوان المفتي عبد اللطيف فتح الله).

ثم قال رحمه تعالى :"... ونسميه ذاتا لا كسائر الذوات , كما أشار اليه بقوله (عن جهات الست خالي )لأن حقيقته تعالى مخالف لسائر الحقائق والذوات كما أن صفاته تعالى مخالفة لسائر الصفات"(من ديوان المفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله).



المحدث الشيخ محمد الحوت الشافعي رحمه الله (المتوفى عام 1859م)
أخذ العلم عن الشيخ علي فتح الله , والمحدث العارف بالله الشيخ محمد المسيري الاسكندري , والشيخ عبد الرحمن الطيبي , وابن عابدين الحنفي صاحب الحاشية المشهورة , ومُسنِد الشام عبد الرحمن الكُزبري وغيرهم .

*قال الشيخ محمد الحوت في "العقيدة الفائقة" التي أملاها على تلميذه الشيخ عبد الباسط الفاخوري ص / 103:

" اعلم أيها السالك ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة أنه أول واجب عليك معرفة الله تعالى جل جلاله لقوله تعالى :"فاعلم أنه لا اله الا الله ". فوجوده تعالى حق واجب لذاته لا يقيد بزمان ولا مكان . كان الله ولا شيء معه ولم يزل على ما هو عليه.


*ويقول الشيخ محمد الحوت : 

"فاعلم أنه يجب على كل مكلف معرفته تعالى لقوله تعالى :"فاعلم أنه لا اله الا الله" فالمعرفة فرض عين على كل مكلف وهو البالغ العاقل والمعرفة هي جزم القلب الموافق للحق عن دليل فلا يكفي الظن في أمر التوحيد لقوله تعالى :"وإن الظن لا يغني من الحق شيئا" فلا بدّ من عقد القلب ولذلك سُمي اعتقادا وعقدا كأنه ربط قلبه بهذا الامر ..." (من رسالة "الدرة الوضية في توحيد رب البرية ص/36).   

   

*وقال :"غاية ما بلغه الكاملون في معرفة الله تعالى أنه ذات لا يُدرك وأن العجز عن إدراكه هو عين المعرفة , تفكروا في ءالائه ولا تفكروا في ذاته" ( العقيدة الفائقة -ص104)


وقال :"وجود الحق سبحانه وتعالى واجب لذاته , ووجود الاكوان مقيد بالعدم السابق واللاحق والفقر والعجز والفقد والاضطرار".(المرجع السابق ص/104).


*وقال:"نزّه الحق سبحانه وتعالى عن الحلول في الحادثات فإنه كان قبلها ولم يزل على ما هو عليه سبحانه". (المرجع السابق-ص/104).


*وقال:"نزّه الحق سبحانه وتعالى عن كل ما يوهم الجسمية أو المكان أو الحدوث , وفوّض علم الحقيقة له تعالى في المتشابه نحو قوله تعالى :"الرحمن على العرش استوى" " يد الله فوق أيديهم ".(المرجع السابق - ص/106).


*وقال عن صفة القدرة لله تعالى :"لا تتعلق القدرة والارادة بالقديم الواجب ولا بالمعدوم المستحيل للزوم انقلاب الحقائق أو تحصيل الحاصل وإنما يتعلقان بكل ممكن لذاته ".(المرجع السابق - ص/108).


*وقال في صفة علم الله: "العلم يتعلق بالواجب والجائز والمستحيل والموجود والمعدوم وبما لا يتناهى كنعيم الجنان ".(المرجع السابق - ص/109).


*وقال في صفة الكلام ":كلامه تعالى النفسي قديم كسائر صفاته وأسمائه , وهو منزه عن الحروف والاصوات والمخارج والالفاظ واللغات وجميع صفات الحروف ,لأن القديم لا يتصف بصفة الحدوث ".(المرجع السابق - ص/111).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا يصح الصوم كله فرضه ونفله مقيّده ومطلقه إلا بنية

 قال شيخ المالكية أبو القاسم بن الجلاب في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، باب النية في الصوم، (فصل) النية (ولا يصح الصوم كله فر...