الأَنْبِيَاء جَمِيعهُمْ دِينُهُمُ الإِسْلامُ فَكَانَ ءَادَمُ عَلَى الإِسْلامِ وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ بَعْدَهُ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَانُوا كُلُّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَلا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا، فَمَنْ كَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِاللَّهِ رَبًّا وَصَدَّقَ بِرِسَالَةِ مُوسَى فَهُوَ مُسْلِمٌ مُوسَوِيٌّ أَيْ مِنْ أَتْبَاعِ مُوسَى، وَكَذَلِكَ الأَمْرُ فِيمَنْ كَانَ فِي أَيَّامِ عِيسَى فَآمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ بِعِيسَى فَهُوَ مُسْلِمٌ عِيسَوِيٌّ.
وَمَعْنَى مُسْلِمٌ مُحَمَّدِيٌّ أَيْ مُسْلِمٌ مُتَّبِعٌ مُحَمَّدًا فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ الأَنْبِيَاءِ وَالإِيـمَانِ بِوُجُودِ الْمَلائِكَةِ الْمُكْرَمِينَ وَالإِيـمَانِ بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِيـمَانِ بِالْيَوْمِ الآخِرِ الَّذِي يُجَازَى فِيهِ الْعِبَادُ الْمُؤْمِنُونَ بِأَعْمَالِهِمْ بِإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ وَالْكَافِرُونَ بِإِدْخَالِهِمْ جَهَنَّمَ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ فِيهَا نَعِيمٌ مَحْسُوسٌ وَجَهَنَّمَ فِيهَا ءَالامٌ مَحْسُوسَةٌ، وَأَنَّهُ لا خَالِقَ لِلأَجْسَامِ وَلا لِشَىْءٍ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ إِلَّا اللَّهُ.
فَكُلُّ الأَنْبِيَاءِ جَاءُوا بِهَذَا لا يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا إِنَّمَا تَخْتَلِفُ الأَحْكَامُ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأُمَمِهِمْ صَلاتَيْنِ وَأَنْزَلَ عَلَى بَعْضِ الأَنْبِيَاءِ خَمْسِينَ صَلاةً، وَأَوْجَبَ فِيمَا أَوْجَبَ عَلَى بَعْضٍ أَنْ يَدْفَعُوا رُبُعَ أَمْوَالِهِمْ زَكَاةً، وَأَنْزَلَ عَلَى بَعْضٍ تَحَتُّمَ قَتْلِ الْقَاتِلِ، وَأَنْزَلَ عَلَى ءَادَمَ تَحْلِيلَ زِوَاجِ الأَخِ بِأُخْتِهِ الَّتِي هِيَ تَوْأَمَةُ أَخِيهِ الآخَرِ، وَكُلٌّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي شَرِيعَةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُغَيِّرُ الأَحْكَامَ الَّتِي كَانَتْ فِي شَرْعِ نَبِيٍّ سَبَقَهُ وَهُوَ الْعَلِيمُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ، وَالْمَصَالِحُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَزْمَانِ وَالأَحْوَالِ.
وَكُلُّ نَبِيٍّ فِي زَمَانِهِ يَجِبُ التَّقَيُّدُ بِهِ فِي الإِيـمَانِ وَالأَحْكَامِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ءَاخِرُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَحْكَامًا لَمْ تَكُنْ فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ كَالصَّلاةِ فِي الأَمَاكِنِ الَّتِي هُيِّئَتْ لِلصَّلاةِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ بَلْ كَانَ مَفْرُوضًا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي أَمَاكِنَ مَخْصُوصَةٍ هُيِّئَتْ لِلصَّلاةِ وَهِيَ الْمَسَاجِدُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ لِتِلْكَ الأَمَاكِنِ عِنْدَ أُولَئِكَ اسْمٌ غَيْرُ الْمَسْجِدِ وَكَانَ أُولَئِكَ لا تُقْبَلُ صَلاتُهُمْ إِلَّا فِي مَسَاجِدِهِمْ وَلا تَصِحُّ صَلاتُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَلا فِي مَتَاجِرِهِمْ وَلا فِي مَزَارِعِهِمْ وَلا فِي الْبَرِّيَّةِ وَالْغَابَةِ، إِلَّا أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُسْلِمِينَ هَدَمَ فِرْعَوْنُ مَسَاجِدَهُمْ فَأَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، وَأَنْزَلَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ أَوِ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ بَلْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ وَيُصَلُّونَ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مَا يَتَوَضَّئُونَ بِهِ تَوَقَّفُوا عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى يَجِدُوا الْمَاءَ.
قِصَّةٌ غَرِيبَةٌ فِيهَا دِلالَةٌ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَوْصَى بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ إِذَا ظَهَرَ :
خَرَجَ مِنَ الْيَمَنِ أَرْبَعَةُ أَشْخَاصٍ قَاصِدِينَ مَكَّةَ فَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ فِي الْبَرِّيَّةِ فَنَزَلُوا فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فِي أَرْضٍ فَنَامُوا إِلَّا جَعْدَ بنَ قَيْسٍ الْمُرَادِيَّ فَسَمِعَ هَاتِفًا لا يَرَى شَخْصَهُ يَقُولُ :
أَلا أَيُّهَا الرَّكْبُ الْمُعَرِّسُ بَلِّغُوا *** إِذَا مَا وَصَلْتُمْ لِلْحَطِيمِ وَزَمْزَمَا
مُحَمَّدًا الْمَبْعُوثَ مِنَّا تَحِيَّةً *** تُشَيِّعُهُ مِنْ حَيْثُ سَارَ وَيَمَّمَا
وَقُولُوا لَهُ إِنَّا لِدِينِكَ شِيعَةٌ *** بِذَلِكَ أَوْصَانَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَا
فَهَذَا الْهَاتِفُ جِنِّيٌّ مُؤْمِنٌ أَدْرَكَ عِيسَى قَبْلَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَءَامَنَ بِهِ وَسَمِعَ مِنْهُ وَصِيَّتَهُ بِالإِيـمَانِ بِمُحَمَّدٍ إِذَا ظَهَرَ وَاتِّبَاعِهِ، فَلَّمَا وَصَلُوا إِلَى مَكَّةَ سَأَلَ أَهْلَ مَكَّةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَاجْتَمَعَ بِهِ فَآمَنَ بِهِ وَأَسْلَمَ وَذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ قَبْلَ أَنْ يَنْتَشِرَ خَبَرُهُ فِي الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمَعْنَى الْمُعَرِّسِ أَيِ الْمُسَافِرُ الَّذِي يَنْزِلُ فِي ءَاخِرِ اللَّيْلِ لِيَسْتَرِيحَ.
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك
حسن التفهم والدرك لمسئلة الترك تأليف: أبي الفضل عبد الله محمد الصديقي الغماري تقديم الترك ليس بحجة في شرعنا … لا يقتضي منعًا ولا إيجابا فم...
-
إرشاد الأوَّاه الى تحريمِ لفظِ الجلالة ِ باسم ِ ءاه إرشاد الأوَّاه الى تحريمِ لفظِ الجلالة ِ باسم ِ ءاه تأليف أبي المكارم الشاذلي ...
-
الادلة على جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم اما ...
-
يقول المجسمة والعياذ بالله: إن من يتصف بأنه لا خارج العالم ولا داخله فهو معدوم، لأنه لا يتصور وجود شيء لا داخل العالم ولا خارجه .فمن حيث ال...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق